الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لحديث أبي هريرة يرفعه (1)«مطل الغني ظلم (2) وإذا أُتبع أحدكم على مليء فليتبع» متفق عليه (3) وفي لفظ «من أُحيل بحقه على مليء فليحتل» (4) و
المليء: القادر بماله، وقوله، وبدنه
(5) . فماله: القدرة على الوفاء (6) . وقوله: أن لا يكون مماطلاً (7) .
(1) أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال.
(2)
أي تأخيره أداء الدين من وقت إلى آخر، لغير عذر، مع الطلب، والجمهور أنه يوجب الفسق، والمطل التسويف والتأخير، والمراد هنا تأخير ما استحق أداؤه.
(3)
أي إذا جعل أحدكم تابعًا للغير بطلب الحق، على "مليء" بالهمز وقيل كغني لفظا ومعنى "فليتبع" بالتخفيف، ولابن ماجه من حديث ابن عمر «وإذا أحلت على مليء فاتبعه» .
(4)
أي ليقبل الحوالة، وهذه الرواية مفسرة لما قبلها، والحديث دليل على أن من أحيل بحقه على مليء أن يحتال، وأوجبه أحمد وأهل الظاهر، لظاهر النص، والجمهور على الاستحباب.
(5)
قاله الإمام أحمد رحمه الله، وجزم به جمهور الأصحاب، فمتى أحيل على من هذه صفته لزم المحتال والمحال عليه القبول، ولم يعتبر رضاهما.
(6)
إذ من لا يقدر على الوفاء لعسرته، أو غيبة ماله ونحو ذلك، لا يسمى مليئًا.
(7)
إما بالتسويف أو التأخير ونحو ذلك، إذا المطل في الأصل المد والمدافعة، وأولى منه أن يكون جاحدًا للدين.
وبدنه: إمكان حضوره إلى مجلس الحاكم، قاله الزركشي (1)(وإن كان) المحال عليه (مفلسًا (2) ولم يكن) المحتال (رضي) بالحوالة عليه (3)(رجع به) أي بدينه على المحيل (4) لأن الفلس عيب، ولم يرض به، فاستحق الرجوع، كالمبيع المعيب (5) فإن رضي بالحوالة عليه فلا رجوع له (6) إن لم يشترط الملاءة، لتفريطه (7) .
(1) وتبعه أكثر الأصحاب، ومتى لم يكن المحال عليه قادرًا بماله، وقوله، وبدنه، لم يلزم الاحتيال عليه، لما في ذلك من الضرر على المحال، وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقبولها على المليء، وفهم منه أن من لا يمكن إحضاره مجلس الحكم كالوالد، ومن هو في غير البلد أو من هو ذو سلطان، لا يلزم رب الدين أن يحتال.
(2)
غير قادر على الوفاء بماله، أو كان مماطلاً، أو بان ميتا.
(3)
أي على المحال عليه، لفلسه، أو موته، أو جحده، أو مطله.
(4)
ولا يجبر على إتباعه، لأنه لم يحتل على مليء، ولا يلزمه الاحتيال على غير المليء، لما عليه فيه من الضرر، وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقبول الحوالة على المليء كما تقدم.
(5)
أي أنه يستحق به الرجوع على البائع، وقال الموفق وغيره: إذا لم يرض بالحوالة، وبان المحال عليه معسرًا أو ميتًا، رجع على المحيل بلا خلاف.
(6)
سواء ظنه مليئًا أو جهله، لأنه رضي بدون حقه، ومع الرضى يزول شغل الذمة، وعنه: له الرجوع إذا جهل الحال، وهو أولى.
(7)
أي في عدم اشترط الملاءة، سواء جهل اليسار، أو ظنه مليئًا فبان مفلسًا،
لم يرجع، على الصحيح من المذهب، وعنه: يرجع إذا بان مفلسا، لأن ظاهر الحال أن الرجل إنما يعامل من كان قادرًا على الوفاء، فإذا كتم ذلك كان غارًا، فيرجع عليه، قال الموفق وغيره: يحتمل أن يرجع، لأن الفلس عيب في الذمة، فأشبه ما لو اشترى شيئًا يظنه سليمًا فبان معيبًا. اهـ. وتقدم أن قول الأئمة الثلاثة اعتبار رضى المحتال مطلقًا، وإن اشترط الملاءة، فبان المحال عليه معسرًا، رجع بلا نزاع، لخبر «المسلمون على شروطهم» .
(ومن أُحيل بثمن مبيع) بأَن أَحال المشتري البائع به على من له عليه دين، فبان البيع باطلاً فلا حوالة (1)(أو أحيل به) أي بالثمن (عليه) بأن أحال البائع على المشتري مدينه بالثمن (فبان البيع باطلاً) بأن بان المبيع مستحقًا، أو حرًا، أو خمرًا (فلا حوالة)(2) لظهور أن لا ثمن على المشتري، لبطلان البيع (3) والحوالة فرع على لزوم الثمن (4) ويبقى الحق على ما كان عليه أو لا (5) .
(1) قولا واحدا، لبطلان المبيع، وفي الإنصاف: فلا حوالة بلا نزاع.
(2)
قولا واحدا، ولا بد في دعوى الاستحقاق أو الحرية من ثبوت بينة، أو اتفاقهم.
(3)
فبطلت الحوالة لذلك.
(4)
أي فيبطل لبطلان أصله.
(5)
فيرجع مشتر على من كان دينه عليه في المسألة الأولى، وعلى محال عليه في الثانية، لا على بائع، لأن الحوالة لما بطلت وجب الحق على ما كان بإلغاء الحوالة.
(وإذا فسخ البيع) بتقايل، أو خيار عيب أو نحوه (1)(لم تبطل) الحوالة (2) لأن عقد البيع لم يرتفع، فلم يسقط الثمن، فلم تبطل الحوالة (3) وللمشتري الرجوع على البائع (4) لأَنه لما رد المعوض استحق الرجوع بالعوض (5)(ولهما أن يحيلا)(6) أي للبائع أَن يحيل المشتري على من أَحاله المشتري عليه في الصورة الأولى (7) وللمشتري أن يحيل المحتال عليه على البائع في الثانية (8) .
(1) كتدليس، وكنكاح فسخ، وإجارة فسخت، أي وجه كان الفسخ.
(2)
فيما بعد قبض مال الحوالة قولا واحدا، وقبله هو المذهب، قدمه في المقنع وغيره، لكونه نقله نقلاً صحيحًا، وبريء من الثمن، وبريء المحال عليه من دين المشتري، واختيار القاضي بطلانها قبل القبض بالحوالة به لا عليه، لتعلق الحق بثالث.
(3)
لانتفاء المبطل، قَبضَ الحوالة قبل الفسخ أو بعده.
(4)
أي بالثمن في حوالته للبائع والحوالة عليه، ويأخذه البائع من المحال عليه.
(5)
والرجوع في عينه متعذر، للزوم الحوالة، فوجب في بدله، وإذا لزم البدل وجب على البائع، لأنه هو الذي انتفع بمبدله.
(6)
يعني في صورة فسخ البيع.
(7)
وهي ما إذا أحال المشتري البائع على من له عليه دين، لثبوت دينه على من أحاله المشتري عليه، أشبه سائر الديون المستقرة.
(8)
وهي ما إذا أحال البائع على المشتري بدينه، لثبوته عليه، فإذا أحال رجلاً
على زيد بألفه فأحاله زيد به على عمرو صح، وكذا لو أحال رجل عمرا على زيد بما ثبت له في ذمته، فلا يضر تكرار المحال والمحيل.
وإذا اختلفا فقال: أَحلتك. قال: بل وكلتني. أو بالعكس (1) فقول مدعي الوكالة (2) وإن اتفقا على: أَحلتك. أو: أَحلتك بديني. وادعى أحدهما إرادة الوكالة صدق (3) وإن اتفقا على أحلتك بدينك. فقول مدعي الحوالة (4) .
(1) بأن قال: وكلتك. فقال: بل أحلتني.
(2)
أي في القبض، لأنه يدعي بقاء الحق على ما كان، وينكر انتقاله، والأصل معه، وقيل: يقبل قول مدعي الحوالة. صححه في التلخيص، والفائق، وصوبه في الإنصاف، وإن كان لأحدهما بينة حكم بها، لأن اختلافهما في اللفظ، وهو مما يمكن إقامة البينة عليه.
(3)
أي وإن اتفق رب الدين والمدين على قول المدين لرب الدين: أحلتك على زيد. أو اتفقا على: أحلتك بديني على زيد. وادعى أحدهما إرادة الوكالة، وادعى الآخر إرادة الحوالة، صدق مدعي إرادة الوكالة بيمينه، لأن الأصل بقاء الدين على كل من المحيل والمحال عليه، لأن مدعي الحوالة يدعي نقله، ومدعي الوكالة ينكره، ولا موضع للبينة هنا، لأن الاختلاف في النية، واللفظ ليس صريحًا في الحوالة.
(4)
أي وإن اتفق مدين ورب دين على قول مدين له: أحلتك بدينك. وادعى أحدهما إرادة الحوالة، والآخر إرادة الوكالة، فقول مدعي الحوالة، قال في الإنصاف: لا أعلم فيه خلافًا. لأن الحوالة بدينه لا تحتمل الوكالة، فلا يقبل قول مدعيها.
وإذا طالب الدائن المدين، فقال: أَحلت علي فلانًا الغائب. وأَنكر رب المال، قبل قوله مع يمينه، ويعمل بالبينة (1) .
(1) أي إن أقامها من قال: أحلت علي فلانا الغائب. وإن ادعى رجل: أن فلانًا الغائب أحالني عليك. فأنكر المدعى عليه، فالقول قوله، فإن أقام المدعي بينة ثبتت في حقه، وحق الغائب، وإن أحال إنسان على آخر، ولم يعلم حتى قضاه دينه، أو قضى من أحاله عليه، فقد برئت ذمة المدين، لوجوب القضاء بعد الطلب فورًا، ولا يلزمه قبل العلم شيء للأول، وبعد العلم قد برئت ذمته، فيرجع المحال الأول على غريمه، وعليه أو على الثاني إذا كان هو الذي قبضه، ولا رجوع على المحال عليه، لأن الشرائع لا تلزم إلا بعد العلم، فلا تبعة عليه فيما لم يعلم، كما قرره الشيخ وغيره.
باب الصلح (1)
هو لغة قطع المنازعة (2) وشرعًا: معاقدة يتوصل بها إلى إصلاح بين متخاصمين (3) .
(1) أي وأحكام الجوار، الصلح اسم مصدر: صالحه مصالحة وصلاحا بالكسر، قال الجوهري: يذكر ويؤنث.
(2)
وفي القاموس: الصلح بالضم السلم بالفتح والكسر، ويقال: التوفيق.
(3)
قطعا للنزاع، فهو من أكبر العقود فائدة، ولذلك حسن فيه الكذب، وهو ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} وقال {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} وقال {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} وقال النبي صلى الله عليه وسلم «الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحًا أحل حرامًا، أو حرم حلالاً» صححه الترمذي، وأصلح صلى الله عليه وسلم بين بني عمرو بن عوف وغيرهم، وقال عمر: ردوا الخصوم حتى يصطلحوا.
والصلح الجائز هو العادل الذي أمر الله به ورسوله، فيعتمد فيه رضى الله، ورضى الخصمين، ويكون المصلح عالما بالوقائع، عارفا بالواجب، قاصدًا للعدل، ودرجة هذا أفضل من درجة الصائم القائم، والصلح الجائر هو الظلم بعينه.
وكثير من الناس لا يعتمد العدل في الصلح، بل يصلح صلحا ظالما جائرًا، كأن يصلح بين غريمين على دون الطفيف من حق أحدهما، أو يصلح بين القادر الظالم، والضعيف المظلوم، بما يرضي به القادر صاحب الجاه، ويكون له فيه الحظ، ويكون الإغماض والحيف على الضعيف، ولا يمكن المظلوم من أخذ حقه، وهذا ظلم.
والحقوق نوعان، حق لله، وحق للآدمي، فحق الله لا مدخل للصلح فيه، كالحدود، والزكاة، والصلاة، ونحوها، وإنما الصلح بين العبد وربه في إقامتها، لا في إهمالها، وأما حقوق الآدميين فهي التي تقبل الصلح والإسقاط، والمعاوضة عليها على ما يأتي تفصيله.
والصلح في الأموال قسمان (1) على إقرار (2) وهو المشار إليه بقوله (إذا أقر له بدين أو عين، فأسقط) عنه من الدين بعضه (3) .
(1) قيده بالأموال لجريان الصلح في خمسة أنواع أجمع العلماء على جوازه فيها، أحدها بين مسلمين وأهل حرب، وتقدم في الجهاد، وبين أهل عدل وبغي، ويأتي في قتال أهل البغي، وبين زوجين خيف الشقاق بينهما، ويأتي في باب عشرة النساء، وبين متخاصمين في غير مال، والخامس ما ذكره، وهو المقصود بالباب، ولا يقع في الغالب إلا عن انحطاط من رتبة إلى ما دونها، على سبيل المداراة لبلوغ بعض الغرض.
(2)
أي صلح على إقرار، وهو القسم الأول، وجوازه ظاهر النص، قال ابن القيم: وهو الصحيح، والثاني صلح على إنكار، وقيل: وصلح عن السكوت عنهما.
(3)
أي والصلح على إقرار نوعان، نوع يقع على جنس الحق، مثل ما إذا أقر له رشيد بدين معلوم، أو بعين بيده، فأسقط المقر له من الدين عن المقر بعض الدين، كنصفه، أو ثلثه، أو ربعه، ويأخذ المقر له الباقي صح، لما يأتي.
(أو وهب) من العين (البعض وترك الباقي) أي لم يبرئ منه ولم يهبه (صح)(1) لأَن الإنسان لا يمنع من إسقاط بعض حقه، كما لا يمنع من استيفائه (2) لأنه صلى الله عليه وسلم كلم غرماء جابر ليضعوا عنه (3) ومحل صحة ذلك إن لم يكن بلفظ الصلح (4) فإن وقع بلفظه لم يصح (5) .
(1) أي أو وهب المقر له للمقر من العين المقر بها البعض، وترك الباقي من الدين فلم يبرئ منه، أو من العين فلم يهبه، صح ذلك، إن لم يكن بشرط بلا نزاع.
(2)
أي لأن جائز التصرف لا يمنع من إسقاط بعض حقه، بل قال صلى الله عليه وسلم «ضع الشطر» كما لا يمنع من استيفائه بلا نزاع.
(3)
كما ثبت من غير وجه، ومر بالذي أصيب في حديقته وهو ملزم، فأشار إلى غرمائه بالنصف، فأخذوه منه، وقال أحمد: إذا كان له عليه دين، وليس عنده وفاء، فوضع عنه بعض حقه وأخذ منه الباقي، كان ذلك جائزًا لهما.
(4)
بل كان بلفظ الهبة، أو الإبراء، لأن رب الحق له المطالبة بجميع الحق بعد وقوع ذلك، ولا يلزم الصلح في حقه، هذا المذهب، ويشترط فيما إذا كان بلفظ الهبة – وكان على عين – شروط الهبة، وكون المصالح جائز التصرف، والعلم بالموهوب ونحوه.
(5)
لأن الأول إبراء، والثاني هبة، وقال الأكثر: يجوز. فإن قيل: إذا لم يجز بلفظه، خرج عن أن يكون صلحًا؟ قيل: لا يخرج، إذ هو موافق لمعناه، إذ معناه قطع المنازعة، وذلك يحصل بغير لفظ الصلح، فإن أوفاه من جنس حقه فوفاء، أو من غير جنسه فمعاوضة، أو أبرأه من بعضه فإسقاط، أو وهبه له فهبة، فلا يسمى صلحًا، فالخلاف في التسمية، والمعنى متفق، وسماه القاضي صلحا.
لأنه صالح عن بعض ماله ببعض، فهو هضم للحق (1) ومحله أيضًا (إن لم يكن شرطاه) (2) بأن يقول: بشرط أن تعطيني كذا. أو: على أن تعطيني أو تعوضني كذا. ويقبل على ذلك، فلا يصح (3) لأنه يفضي إلى المعاوضة (4) فكأنه عاوض عن بعض حقه ببعض (5) .
(1) أي ظلم وغصب للحق، وذلك أن لفظ الصلح يقتضي المعاوضة، لأنه يحتاج إلى حرف يتعدى به.
(2)
أي ومحل صحة الإبراء والهبة أيضًا إن لم يكن شرطاه.
(3)
أي بأن يقول المقر له: أبرأتك، أو وهبتك بشرط أن تعطيني كذا من الدين، أو تعوضني كذا من العين. ويقبل على ذلك، أو يقول المقر له: أبرأتك أو وهبتك على أن تعطيني كذا منه، أو تعوضني منه، كذا. ونحو ذلك، ومثل أن يقول من له ألف: أبرأتك من خمسمائة. أو: وهبتك، بشرط أن تعطيني، أو على شرط أن تعطيني ما بقي، ويقبل على ذلك فلا يصح، لأنه لا يصح تعليق الإبراء ولا الهبة بشرط.
(4)
فإنه إذا قال: صالحني بهبة كذا. أو: على هبة كذا. أو: على نصف هذه العين. ونحو ذلك، فقد أضاف إليه بالمقابلة، وإن أضاف إليه "على" جرى مجرى الشرط، وكلاهما لا يجوز، بدليل ما لو صرح بلفظ الشرط أو بلفظ المعاوضة، وقال بعضهم: إنما يقتضي لفظ الصلح المعاوضة إذا كان ثم عوض، أما مع عدمه فلا، وإنما معنى الصلح الاتفاق والرضى، وقد يحصل من غير عوض.
(5)
أي وهذا المعنى ملحوظ في لفظ الصلح، لأنه لا بدله من لفظ يتعدى به، كالباء، وعلى، وهو يقتضي المعاوضة.
واسم "يكن" ضمير الشأْن (1) وفي بعض النسخ: إن لم يكن شرطًا. أي بشرط (2) ومحله أيضًا أن لا يمنعه حقه بدونه، وإلا بطل (3) لأنه أكل لمال الغير بالباطل (4)(و) محله أيضًا أن لا يكون (ممن لا يصح تبرعه)(5) كمكاتب، وناظر وقف (6) .
(1) أي في قول الماتن: إن لم يكن شرطاه.
(2)
وضمير الشأن فيهما عني به المبرئ أو الموهوب، ومعنى كونه لا يصح بلفظ الصلح، أو بالشرط المذكور أن رب الحق له المطالبة بجميع الحق بعد وقوع ذلك، ولا يصح في حقه.
(3)
أي ومحل صحة الإسقاط ونحوه أن لا يمنع من عليه الحق ربه بدون الإسقاط ونحوه، إلا إن أنكر من عليه الحق ولا بينة، فإنه يصح الصلح مما ذكر ونحوه، ومتى اصطلحا ثم بعد ذلك ظهرت بينة، فاختار الشيخ نقض الصلح، لأنه إنما صالح مكرها في الحقيقة، إذ لو علم البينة لم يسمح بشيء من حقه. اهـ. وقيل: يضمن إذا كان الحق بسببه، أما إذا لم يكن بسببه فلا ضمان عليه على كلا القولين.
(4)
أي لأن منعه حقه بدون الإسقاط ونحوه أكل لمال الغير بالباطل، كما هو واضح، وأكل مال الغير بالباطل محرم بلا نزاع.
(5)
أي ومحل صحة الإبراء والهبة أيضًا ما ذكر من أن لا يكون الصلح بأنواعه ممن لا يصح تبرعه.
(6)
وكعبد مأذون له في التجارة، وكوكيل في استيفاء الحقوق، لأنه تبرع، وليس لهم التبرع.
وولي صغير ومجنون، لأَنه تبرع، وهؤلاء لا يملكونه (1) إلا إن أنكر من عليه الحق ولا بينة (2) لأَن استيفاء البعض، عند العجز عن استيفاء الكل أَولى من تركه (3)(وإن وضع) رب الدين (بعض) الدين (الحال، وأَجَّل باقيه، صح الإسقاط فقط)(4) لأنه أسقط عن طيب نفسه، ولا مانع من صحته (5) ولم يصح التأجيل، لأَن الحال لا يتأجل (6) .
(1) فلم يصح الصلح بأنواعه.
(2)
أي لمدعيه، فيصح الصلح.
(3)
وفي المثل: ما لا يدرك كله لا يترك كله، ولو ادعى ولي صغير حقا له، وأقام به شاهدًا، أو ادعي عليه وأقيم شاهد، فللولي المصالحة في الثانية، لأن البينة تمت بالشاهد واليمين، وأما الأولى فإن كان التصرف من الولي، توجهت اليمين إليه، وحلف ولم يصالح، ومن غيره كمورثه توجه اليمين إلى المولى عليه، ويحلف إذا بلغ، ولا يصح الصلح إلا إن خيف الفوات من التأخير، أشار إليه الشيخ، وصرح في حاشية المحرر أنه يصح الصلح من ولي عما ادعي به على موليه من دين أو عين، وبه بينة، فيدفع البعض ويقع الإبراء والهبة في الباقي. وإن لم تكن بينة لم يصح.
(4)
أي دون التأجيل، هذا المذهب فيهما.
(5)
لأنه ليس في مقابلة تأجيل، كما لو أسقطه كله.
(6)
بل له أن يطالبه به، وقال ابن القيم: يصح الإسقاط والتأجيل، وهو الصواب، بناء على تأجيل القرض والعارية، وهو مذهب أهل المدينة، واختاره شيخنا.
وكذا لو صالحه عن مائة صحاح بخمسين مكسرة، فهو إبراء من الخمسين، ووعد في الأُخرى (1) ما لم يقع بلفظ الصلح، فلا يصح كما تقدم (2)(وإن صالح عن المؤجل ببعضه حالاً) لم يصح (3) في غير الكتابة (4) لأنه يبذل القدر الذي يحطه، عوضًا عن تعجيل ما في ذمته (5) وبيع الحلول والتأْجيل لا يجوز (6) .
(1) أي فيصح الإبراء في الخمسين، دون جعل الخمسين الأخرى مكسرة، لأنه وعد، فلا يلزم الوفاء به.
(2)
أي أن الإبراء أو الهبة ونحو ذلك متى وقع بلفظ الصلح لم يصح، لأن لفظ الصلح يقتضي المعاوضة وتقدم.
(3)
هذا مذهب الجمهور.
(4)
أي فيصح الصلح إذا عجل المكاتب البعض، وأبرأه السيد من الباقي، جزم به الأصحاب وغيرهم، لأنه ليس بينه وبين سيده ربا.
(5)
أشبه ما لو أعطاه عشرة حالة بعشرين مؤجلة.
(6)
أي لو باعه عشرة حالة بعشرين، وعنه: يصح أن يصالح عن المؤجل ببعضه حالا. لبراءة الذمة، وهو أحد قولي الشافعي، وقال ابن عباس وغيره: لا بأس به. وقال ابن القيم: وإن صالح ببعضه حالاً مع الإقرار أو الإنكار جاز، وهو قول ابن عباس، وإحدى الروايتين عن أحمد، واختاره شيخنا، فإن هذا عكس الربا، فإن الربا يتضمن الزيادة في أحد العوضين، في مقابلة الأجل، وهذا يتضمن براءة ذمته من بعض العوض، في مقابلة سقوط بعض الأجل، فسقط بعض العوض في مقابلة سقوط بعض الأجل، فانتفع به كل واحد منهما، ولم يكن هنا ربا، لا
حقيقة، ولا لغة، ولا عرفًا، والذين حرموا ذلك إنما قاسوه على الربا، ولا يخفى الفرق الواضح بين قوله: إما أن تربي، وإما أن تقضي. وبين قوله: عجل لي وأهب لك مائة. فأين أحدهما من الآخر، فلا نص في تحريم ذلك، ولا إجماع ولا قياس صحيح.
(أو بالعكس) بأن صالح عن الحال ببعضه مؤجلاً، لم يصح إن كان بلفظ الصلح كما تقدم (1) فإن كان بلفظ الإبراء ونحوه، صح الإسقاط دون التأْجيل وتقدم (2)(أَو أَقر له ببيت) ادعاه (فصالحه على سكناه) ولو مدة معينة كسنة (3)(أَو) على أَن (يبني له فوقه غرفة)(4) أَو صالحه على بعضه، لم يصح الصلح (5) .
(1) أي من أن الإبراء أو الهبة لا يصح بلفظ الصلح، لكونه يقتضي المعاوضة.
(2)
أي موضحًا، وأن اختيار الشيخ وتلميذه صحتهما، والمذهب أنه لا يصح صلح عن حق غير مثلي – كدية خطأ أو قيمة متلف – بأكثر من حقه من جنسه، وقال الشيخ وغيره: يصح، وهو قياس قول أحمد، ومذهب أبي حنيفة، كعرض وكالمثلي. ويخرج على ذلك تأجيل القيمة، قاله القاضي وغيره.
(3)
أي أو أقر مدعى عليه لصاحب بيت به، فصالح صاحب البيت المدعى عليه على سكنى المقر البيت، ولو كانت السكنى مدة معينة، كسنة كذا أو مدة مجهولة كما عاش، لم يصح الصلح، لأنه صالحه عن ملكه على منفعة ملكه.
(4)
أي أو صالح صاحب بيت أقر له به المدعى عليه أن يبني له فوقه غرفة، لم يصح الصلح، لأنه صالحه عن ماله على ماله.
(5)
أي أو صالحه عن بيت أقر له به على بعضه، لم يصح الصلح.
لأنه صالحه عن ملكه على ملكه أو منفعته (1) وإن فعل ذلك كان تبرعًا، متى شاء أخرجه (2) وإن فعله على سبيل المصالحة، معتقدًا وجوبه عليه بالصلح، رجع عليه بأُجرة ما سكن (3) وأَخذ ما كان بيده من الدار، لأنه أخذه بعقد فاسد (4)(أو صالح مكلفًا ليقر له بالعبودية)(5) .
(1) فلم يصح، والقول الثاني يصح، لأن معنى الصلح الاتفاق والرضى، وقد حصل، من غير امتناع من أداء الواجب، وذلك أن المدعي رضي بترك بعض حقه وأخذ البعض، كما لو وهبه نصف داره، أو أبرأه من نصف المائة.
(2)
أي وإن أسكنه السنة أو بعضها، أو بنى له فوقه غرفة، أو أعطاه بعض داره، بناء على هذا الصلح لم يصح، وكان ذلك تبرعًا من صاحب البيت للمدعى عليه، متى شاء المقر له أخرجه، لأنه كالعارية.
(3)
أي رجع المقر له على المقر بأجرة ما سكن في الدار، وأجرة ما كان في يده من الدار.
(4)
وهو مصالحته عن بيت أقر به ببعضه، فلم يلزم، لترتبه على الصلح الفاسد، وإن بنى فوق البيت غرفة أجبر على نقضها، وأداء أجرة السطح مدة بقائه بيده، ولو أخذ آلته، فإن أبى وصالحه عنها رب البيت برضاهما جاز، وإن كانت الآلات من البيت فالغرفة لربه، وعلى الباني أجرتها مبنية، وليس له نقضها إن أبرأه رب البيت من ضمان ما يتلف بها.
(5)
أي وإن صالح شخص إنسانًا مكلفًا، مثل أن يدعي على رجل أنه عبده فينكره، فيصالحه على مال ليقر له بالرق.
أي بأنه مملوكه، لم يصح (1)(أو) صالح (امرأة لتقر له بالزوجية بعوض لم يصح) الصلح (2) لأن ذلك صلح يحل حرامًا (3) لأن إرقاق النفس، وبذل المرأة نفسها بعوض لا يجوز (4)(وإن بذلاهما) أي دفع المدعى عليه العبودية (5) والمرأة المدعى عليها الزوجية عوضًا (له) أي للمدعي (صلحًا عن دعواه صح)(6) لأنه يجوز أن يعتق عبده، ويفارق امرأته بعوض (7) .
(1) أي بأن المدعى عليه الرق مملوك لذلك المدعي، لم يصح الصلح بلا نزاع.
(2)
قال في الإنصاف: بلا نزاع أعلمه. وذلك مثل أن ادعى شخص مكلف على امرأة مكلفة بأنها زوجته، فأنكرت، فبذل لها مالا لتقر له بأنها زوجته، لم يصح الصلح ولا الإقرار.
(3)
وتقدم قوله صلى الله عليه وسلم «إلا صلحا أحل حراما» قال ابن القيم: كالصلح الذي يتضمن تحريم بضع حلال، أو إحلال بضع حرام، أو إرقاق حر.
(4)
فلم يصح الصلح لإثباته الرق على من ليس برقيق، والزوجية على من لم ينكحها.
(5)
أي للمدعي ما لا صلحا عن دعواه، صح الصلح.
(6)
أي الصلح، قطعا للخصومة، وذلك ليقرأنها غير زوجته أو ليقر لها بالطلاق، وصححه في تصحيح الفروع، والنظم وغيره، وجزم به في الوجيز وغيره.
(7)
أي فالصلح من باب أولى، وليزيل الشر عنه، ويقطع الخصومة،
فإن ثبتت الزوجية بعد ذلك فالنكاح بحاله، ولا يكون الصلح إبانة، صوبه في تصحيح الفروع، وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب، وقوي جدًا وكذا إن بذلته لمبينها ليقر ببينونتها صح.
ومن علم بكذب دعواه لم يبح له أَخذ العوض، لأَنه أَكل لمال الغير بالباطل (1) (وإن قال: أَقر لي بديني وأُعطيك منه كذا. ففعل) أي فأَقر بالدين (صح الإقرار)(2) لأنه أقر بحق يحرم عليه إنكاره، و (لا) يصح (الصلح) لأَنه يجب عليه الإقرار بما عليه من الحق، فلم يحل له أَخذ العوض عليه (3) فإن أَخذ شيئًا رده (4) وإن صالحه عن الحق بغير جنسه (5) .
(1) وذلك لأن الإقرار بما وقع منه واجب عليه، فلا يجوز له أن يعتاض عنه.
(2)
ولزم المقر ما أقر به، لأنه لا عذر لمن أقر.
(3)
لوجوبه عليه قبل الشرط، ولزوم أدائه بغير عوض.
(4)
أي فإن أخذ شيئًا على الإقرار بما يجب عليه، وجب عليه رده، لأنه تبين كذبه بإقراره، فأخذه له من أكل أموال الناس بالباطل، ومن أقر لشخص بمال، ولم يكن له قبل الإقرار شيء، لم يصر له عليه شيء بهذا الإقرار، بل الإقرار باطل كذب.
(5)
هذا النوع الثاني من نوعي الصلح على إقرار، أن يصالح عن الحق المقر به بغير جنسه، وحاصل ما ذكره ست عشرة صورة، لأن المصالح به أو عنه إما عين، أو دين، أو عرض، أو منفعة، فأربعة في مثلها ست عشرة صورة، وإن نظر إلى كون المصالح به تارة يكون من الجنس، وتارة من غيره، وتارة أكثر من المصالح عليه، وتارة أقل، تعددت الصور.
كما لو اعترف له بعين أو دين، فعوضه عنه ما يجوز تعويضه صح (1) فإن كان بنقد عن نقد فصرف (2) وإن كان بعرض فبيع، يعتبر له ما يعتبر فيه (3) ويصح بلفظ صلح (4) وما يؤدي معناه (5) وإن كان بمنفعة كسكنى دار فإجارة (6) وإن صالحت المعترفة بدين أو عين بتزويج نفسها صح (7)
(1) وهو ينقسم ثلاثة أقسام نبه عليها، وما لا يجوز تعويضه نحو الكلب مما لا يصح أن يكون ثمنًا.
(2)
أي فإن كان الصلح بنقد عن نقد، مثل أن يقر له بمائة درهم، فيصالحه عنها بعشرة دنانير مثلاً، أو بالعكس، فهذا صرف، يشترط له شروط الصرف، من التقابض في المجلس ونحوه.
(3)
أي فإن كان الصلح بعرض عن أثمان كفرس بنقد، أو درهم بثوب، أو عرض بعرض، فهذا بيع، يعتبر له ما يعتبر في البيع، من العلم بالمصالح به، والمصالح عنه، ومن الرضا، ونحو ذلك مما تقدم في البيع.
(4)
أي ويصح الصلح عن مقربه على غير جنسه بلفظ الصلح، كسائر المعاوضات بخلاف النوع الأول، والفرق أن المعاوضة عن الشيء ببعضه محظور على ما تقدم لا بغيره.
(5)
أي ويصح بما يؤدي معنى الصلح، كلفظ هبة وبيع.
(6)
أي وإن كان الصلح عن نقد أو عرض مقر به بمنفعة، كسكنى دار، أو خدمة عبد، أو على أن يعمل له عملاً معلومًا، فإجارة، لها حكم سائر الإجارات من البطلان بتلف الدار، وموت العبد، ونحو ذلك.
(7)
أي الصلح والنكاح، ويكون النكاح من الولي بحضرة شاهدي عدل، على ما يأتي.
ويكون صداقًا (1) وإن صالح عما في الذمة بشيء في الذمة، لم يجز التفرق قبل القبض (2) لأنه بيع دين بدين (3) وإن صالح عن دين بغير جنسه جاز مطلقًا (4) وبجنسه لا يجوز بأقل أو أكثر على وجه المعاوضة (5) ويصح الصلح عن مجهول تعذر علمه من دين أو عين بمعلوم (6) .
(1) أي ويكون ما أقرت به صداقا لها، لأن عقد التزويج يقتضي عوضا، فإذا جعلت ذلك عوضًا عن الحق الذي عليها صح، وإن كان بالمعترف به عيبًا، فبان ليس بعيب، رجعت بأرشه، وكذا من صالح عن عيب مبيع، ثم بان أنه ليس بعيب، أو زال سريعًا، رجع بما صالح به.
(2)
أي وإن صالح عما في الذمة من نحو قرض، وقيمة متلف، بشيء في الذمة، كأن صالحه عن دينار في ذمته بصاع بر أو نحوه في ذمته صح، ولم يجز التفرق قبل القبض قولا واحدا.
(3)
أي لأنه يصير بيع دين بدين إذا تفرقا قبل القبض، وقد نهى الشارع عنه.
(4)
أي وإن صالح عن دين ونحوه – غير دين سلم – بغير جنسه جاز مطلقًا، أي سواء كان بأقل منه أو أكثر أو مساويه، بشرط القبض، لئلا يصير بيع دين بدين.
(5)
أي وإن صالح عن دين بجنسه كعن بر ببر، لا يجوز بأقل، كأن يصالحه عن صاع بر بنصف صاع بر، أو أكثر كأن يصالحه عن صاع بر بصاعي بر، إذا كان ذلك على وجه المعاوضة، لإفضائه إلى ربا الفضل فيهما، فإن لم يكن على وجه المعاوضة، وكان بأقل أو أكثر على وجه الإبراء أو الهبة صح.
(6)
أي ويصح الصلح عن مجهول لهما أو للمدين تعذر علمه، سواء كان
من دين، كمعاملة، وحساب مضى عليه زمن طويل، ولا علم لكل منهما بما عليه لصاحبه، أو من عين، كقفيز حنطة وقفيز شعير اختلطا وطحنا، بمال معلوم نقدًا ونسيئة، لقوله لرجلين اختصما في مواريث درست بينهما «استهما وتواخيا الحق، وليحلل أحدكما صحابه» رواه أبو داود وغيره، ولأنه إسقاط حق، فصح في المجهول للحاجة، ولئلا يفضي إلى ضياع المال، أو بقاء شغل الذمة، وفي قصة جابر ما يدل على ذلك، وعلى جواز الصلح بمجهول عن معلوم، لأنه يغتفر في القضاء من المعاوضة ما لا يغتفر ابتداء، والأمر بالتحليل يدل على أنه لا بد منه، وعلى صحته من المعين المعلوم، وهو إجماع، وأن من حلل خصمه من مظلمة لا رجوع له في ذلك.
فإن لم يتعذر علمه فكبراءة من مجهول (1) .
(1) أي فيصح على المشهور، قطعا للنزاع، جزم به في التنقيح، وقدمه في الفروع، وصورة البراءة أن يكون له دين على زيد، ولم يعلم قدره فيبرئ زيدا منه، وجزم غير واحد بالمنع، وصورة ما لا يتعذر علمه كتركة باقية صالح الورثة الزوجة عن حصتها منها، وقطع في الإقناع بعدم الصحة والحالة هذه، وهو ظاهر الإنصاف، وروي عن شريح في امرأة صولحت عن ثمنها: هذا هو الريبة، ولأن الصلح إنما جاز مع الجهالة للحاجة إليه لإبراء الذمم، وإزالة الخصام، فمع إمكان العلم لا حاجة إليه.
فصل (1)
القسم الثاني صلح على إنكار (2) وقد ذكره بقوله (ومن ادعي عليه بعين أو دين فسكت (3) أو أنكر وهو يجهله) أي يجهل ما ادعي به عليه (4)(ثم صالح) عنه (بمال) حال أو مؤجل (صح) الصلح (5) لعموم قوله عليه السلام «الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحًا حرم حلالاً، أو أحل حرامًا» رواه أبو داود، والترمذي وقال: حسن صحيح. وصححه الحاكم (6) .
(1) أي في بيان القسم الثاني من قسمي الصلح على مال، وما يتعلق به.
(2)
وهو صحيح عند جمهور العلماء، أبي حنيفة، ومالك، وأحمد، وغيرهم، على ما يأتي تفصيله.
(3)
وهو يجهل المدعى عليه به، ثم يصالحه على مال، فيصح الصلح.
(4)
فإن كان يعلمه وإنما ينكر لغرض، وجب عليه تسليم ما صولح به عليه كما يأتي.
(5)
في قول أكثر أهل العلم، ولو كان غير معين.
(6)
وأخرجه من حديث أنس وعائشة، وأحمد من حديث سليمان بن بلال، وكتب به عمر إلى أبي موسى، فصلح للاحتجاج به، وقال ابن القيم: قول من منع الصلح على الإنكار: إنه يتضمن المعاوضة عما لا تصح المعاوضة عليه، فجوابه أنه افتداء لنفسه من الدعوى واليمين، وتكليف إقامة البينة، وليس هذا مخالفًا لقواعد الشرع، بل حكمة الشرع، وأصوله، وقواعده، ومصالح المكلفين، تقتضي ذلك. اهـ. ولأن المدعي ملجأ إلى التأخير بتأخير حقه فصح له الصلح، حيث أنه يأخذه عوضًا عن حقه الذي يعتقد ثبوته، والمدعى عليه يعتقد أن لا حق عليه، وإنما يدفع ما يدفعه افتداء، كما يأتي، والشرع لا يمنع من ذلك.
ومن ادعي عليه بوديعة، أو تفريط فيها (1) أو قراض، فأنكر وصالح على مال، فهو جائز، ذكره في الشرح وغيره (2)(وهو) أي صلح الإنكار (للمدعي بيع)(3) لأنه يعتقده عوضًا عن ماله، فلزمه حكم اعتقاده (4)(يرد معيبه) أي معيب ما أخذه من العوض (5)(ويفسخ الصلح)(6) كما لو اشترى شيئًا فوجده معيبًا (7)(ويؤخذ منه) العوض إن كان شقصًا (بشفعة) ، لأنه بيع (8) .
(1) أي في الوديعة، وكذا مضاربة فأنكر، واصطلحا صح.
(2)
أي ومن ادعي عليه بقراض فأنكر ذلك، وصالح عن دعوى المدعي على مال، فالصلح جائز، ذكر معنى ذلك في الشرح الكبير، والمغني وغيرهما.
(3)
له أحكام البيع إذا وقع الصلح على مال.
(4)
أي ثبوت حقه، فهو كما لو اشتراه المدعي.
(5)
أي يرد المدعي معيب ما أخذه من العوض، صلحا عما ادعاه، بعيب يجده في العوض، كما يرد المبيع بذلك.
(6)
إن وقع على عينه، وإلا طالب ببدله.
(7)
أي يرده بالعيب، ويفسخ البيع، فمثله المصالح به عما ادعاه.
(8)
فيعطى أحكام البيع، لكونه أخذ الشقص عوضًا، فكما لو اشتراه.
وإن صالحه ببعض عين المدعى به فهو فيه كمنكر (1)(و) الصلح (للآخر) المنكر (إبراء)(2) لأنه دفع المال افتداءً ليمينه، وإزالة للضرر عنه (3) لا عوضًا عن حق يعتقده (4)(فلا رد) لما صالح عنه بعيب يجده فيه (5)(ولا شفعة) فيه لاعتقاده أنه ليس بعوض (6) .
(1) أي وإن صالح المدعي مدعى عليه ببعض العين المدعى بها، كنصف دار بيد آخر، فأنكره، وصالحه على ربعها مثلا، فالمدعي في الصلح المذكور كالمنكر المدعى عليه، فلا يؤخذ منه بشفعة، ولا يستحق لعيب شيئًا، لأنه يعتقد أنه أخذ بعض عين ماله، مسترجعًا له ممن هو عنده.
(2)
أي والصلح على إنكار للآخر وهو المدعى عليه إبراء في حقه، لا بيع.
(3)
وقطعا للخصومة، وصيانة لنفسه عن التبذل، وحضور مجلس الحاكم، فإن ذوي الأنفس الشريفة يصعب عليهم ذلك، ويرون دفع ضررها عنهم من أعظم المصالح، فصار المدفوع إبراء.
(4)
أي حتى يثبت له حكم البيع، بل يعتقد أن لا حق عليه، وإنما دفع الشر عن نفسه بما بذله.
(5)
يعني في مصالح عنه، لأنه لم يبذل العوض في مقابلته، وذلك بأن يكون بيد زيد دابة مثلا، فيديعها عمرو، فيصالحه عنها زيد، ثم بعد ما بذله عنها، وجد بها عيبًا، لم يملك زيد ردها إلى عمرو، وإن اختلفا في قدر الصلح، ولا بينة لواحد منهما بطل، وعادا إلى أصل الخصومة.
(6)
أي ولا شفعة في مصالح عنه إن كان شقصا من عقار، لاعتقاد أنما دفعه ليس بعوض، لأنه يعتقده على ملكه لم يزل.
(وإن كذب أحدهما) في دعواه (1) أو إنكاره، وعلم بكذب نفسه (لم يصح) الصلح (في حقه باطنًا)(2) لأنه عالم بالحق، قادر على إيصاله لمستحقه، غير معتقد أنه محق (3)(ما أخذه حرام) عليه لأنه أكل للمال بالباطل (4) وإن صالح عن المنكر أجنبي بغير إذنه صح (5) .
(1) كمن ادعى شيئًا يعلم أنه ليس له، فالصلح باطل في حقه في الباطن، لأن ما يأخذه أكل للمال بالباطل، لا عوض عن حق.
(2)
أي وإن كذب أحدهما في إنكاره المدعى عليه به، وهو يعلم أنه عليه، وعلم بكذب نفسه في إنكاره، لم يصح الصلح في حقه باطنًا، لأنه إذا كان يعلم صدق المدعي وجحده، لينتقص حقه، أو يرضيه عنه بشيء، فهو هضم للحق، وأكل مال بالباطل.
(3)
فلا يصح الصلح، لأن شرط صحة صلح الإنكار أن يعتقد المدعي حقيقة ما ادعاه، والمدعى عليه عكسه، وهذا حكم الباطن، وأما الظاهر لنا فهو الصحة، لأنا لا نعلم باطن الحال، إنما نبني الأمر على الظاهر، والظاهر من حال المسلمين الصحة.
(4)
أي وما أخذه مدع عالم كذب نفسه مما صولح به، أو مدعى عليه ما انتقصه من الحق بجحده، فهو حرام عليه، لأنه أخذه بشرَّه وظلمه، لا عوضًا عن حق، فيكون حرامًا عليه، داخلاً تحت قوله {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} وغيرها، وكمن خوف رجلا بالقتل حتى أخذ ماله، قال أحمد: ولا يشهد له إن علم ظلمه.
(5)
أي الصلح، سواء كان المدعى به دينًا أو عينًا، ولو لم يذكر أن المنكر
وكله في الصلح عنه، لفعل علي وأبي قتادة، ولأنه قصد براءته، وقطع الخصومة عنه، أشبه ما لو قضى دينه، وبإذنه بطريق الأولى.
ولم يرجع عليه (1) ويصح الصلح عن قصاص (2) وسكنى دار، وعيب بقليل وكثير (3)(ولا يصح) الصلح (بعوض عن حد سرقة وقذف) أو غيرهما (4) لأنه ليس بمال، ولا يؤول إليه (5) .
(1) لأنه أدى عنه ما لا يلزمه أداؤه، فكان متبرعًا، حيث لم يأذن له في الصلح، ولا في الأداء، ويرجع الأجنبي على المنكر بما دفعه من العوض، مع الإذن في الأداء أو الصلح، إن نوى الرجوع.
(2)
أي ويصح الصلح عما ليس بمال مع إقرار وإنكار، كعن قصاص بدية، أو أقل منها، أو أكثر، لأن الحسن والحسين وسعيد بن العاص بذلوا للذي وجب له القصاص على هدبة بن خشرم سبع ديات، فأبى أن يقبلها، ولأن المال غير متعين، فلا يقع العوض في مقابلته، قال الشيخ: يصح عن دية الخطأ، وعن قيمة المتلف غير المثلي، بأكثر منها من جنسها.
(3)
أي ويصح الصلح عن سكنى دار ونحوها، كأن يبيع زيد على عمرو داره، ويشترط سكناها سنة، فيصالحه عنها، ويصح الصلح عن عيب في المبيع أو عوضه، بقليل أو كثير، من نقد أو عرض، مؤجل أو حال، وفي المجرد: وإن لم يجز بيع ذلك، لأنه لقطع الخصومة.
(4)
كزنا، وشرب ليطلقه، ولا يرفعه للسلطان، قال في الإنصاف: بلا نزاع.
(5)
فلم يجز الاعتياض عنه، كسائر ما لا حق له فيه، وإنما شرع الحد في ذلك للزجر.
(ولا) عن (حق شفعة) أو خيار، لأنهما لم يشرعا لاستفادة مال (1) وإنما شرع الخيار للنظر في الأَحظ (2) والشفعة لإزالة الضرر بالشركة (3)(ولا) عن (ترك شهادة) بحق أو باطل (4)(وتسقط الشفعة) إذا صالح عنها، لرضاه بتركها، ويرد العوض (5)(و) كذا حكم (الحد) والخيار (6) وإن صالحه على أن يجري على أرضه أو سطحه ماء معلومًا صح (7) .
(1) فلم يصح الصلح عنهما بعوض بلا نزاع.
(2)
أي فلم يصح الاعتياض عنه قولاً واحدًا.
(3)
فإذا رضي بالعوض، تبينا أن لا ضرر، فلا استحقاق، فيبطل العوض لبطلان معوضه.
(4)
أي ولا يصح الصلح عن ترك شهادة علية، بحق آدمي أو بحق لله تعالى، أو صالحه على أن لا يشهد عليه بالزور، أو صالحه ليشهد له بالزور، لم يصح الصلح بلا نزاع، لأنه صلح على حرام أو على تركه ولا يجوز الاعتياض عنه.
(5)
أي تسقط في الأصح، لأنه ليس بمال، فهو كحد القذف، ويرد العوض لفساد الصلح.
(6)
أي أنهما يسقطان بطلب المصالحة، أما الخيار فحق له، سقط لرضاه بتركه، وأما حد القذف، فعلى القول بأنه حق له يسقط، وعلى أنه حق لله تعالى لا يسقط بصلح الآدمي.
(7)
قال في الإنصاف: بلا نزاع أعلمه. لكن يشترط معرفة الذي يجري فيه من ملكه موضعًا وعرضا وطولا، إلى المحل، حتى يكون معلومًا، وعلى سطحه، إما بمشاهدة ما يزول عنه ماء المطر، وإما بمعرفة المساحة والموضع الذي يجري منه إلى السطح.
لدعاء الحاجة إليه (1) فإن كان بعوض مع بقاء ملكه فإجارة، وإلا فبيع (2) ولا يشترط في الإجارة هنا بيان المدة للحاجة (3) ويجوز شراء ممر في ملكه (4) . وموضع في حائط يجعله بابًا (5) وبقعة يحفرها بئرًا (6) وعلو بيت يبني عليه بنيانًا موصوفًا (7)
(1) فأجيز الصلح بعوض معلوم، لأنه إما بيع، وإما إجارة، وكلاهما جائز.
(2)
أي فإن كان الصلح بعوض مع بقاء الملك فإجارة، يشترط فيه ما يشترط في الإجارة، وإن لم يكن مع بقاء الملك فبيع، يشترط فيه ما يشترط في البيع.
(3)
أي فيجوز العقد على المنفعة في موضع الحاجة غير مقدر مدة، وقال بعضهم: ليس بإجارة محضة، لعدم تقدير المدة، بل شبيه بالبيع، وقطع الموفق وغيره باشتراط تقدير المدة كسائر الإجارات، ولمستأجر ومستعير الصلح على ساقية محفورة، لا على إجراء ماء مطر على سطح، أو أرض، وقالوا: إن صالحه على سقي أرضه من نهره، أو من عينه مدة معينة لم يصح بعوض، ومال الموفق وغيره إلى جوازه، وصوبه في الإنصاف، وقال: عمل الناس عليه قديمًا وحديثًا.
(4)
أي ملك غيره، دارا كان أو غيرها، ويعوض عنه، لأنه منفعة مباحة.
(5)
أي ويصح شراء موضع معلوم، من حائط غيره يجعله بابا.
(6)
أي ويصح شراء بقعة في أرض يحفرها بئرا، بشرط كون ذلك معلومًا، لأن ذلك نفع مقصود، فجاز بيعه كالدور.
(7)
أي معلومًا، قال في الإنصاف: بلا نزاع. أو ليضع عليه خشبا موصوفًا، لأنه ملك للبائع، فجاز بيعه كالأرض.
ويصح فعله صلحًا أبدًا (1) أو إجارة مدة معلومة (2)(وإن حصل غصن شجرته في هواء غيره) الخاص به أو المشترك (3)(أو) حصل غصن شجرته في (قراره) أي قرار غيره الخاص أو المشترك، أي في أرضه، وطالبه بإزالة ذلك (أزاله) وجوبًا (4) إما بقطعه، أو ليه إلى ناحية أخرى (5)(فإن أبى) مالك الغصن إزالته (لواه) مالك الهواء (إن أمكن (6) وإلا) يمكن (فله قطعه)(7) .
(1) أي ويصح فعل ما تقدم صلحا مؤبدًا، وهو في معنى البيع، قال في الإنصاف: وعليه العمل في كل عصر ومصر.
(2)
لأن ما جاز بيعه جازت إجارته، ويشترط فيها علم الأجرة، وإذا مضت بقي، وله أجرة المثل، ومتى زال فله إعادته، ويرجع بأجرة مدة زواله، وله الصلح على زواله، أو عدم عوده.
(3)
وطالبه صاحبه بإزالته أزاله بلا نزاع، وكذا لو كان على جداره، أزاله إما برده إلى ناحية أخرى، أو قطعه، لأن الهواء ملك لصاحب القرار.
(4)
قال في الإنصاف: بلا نزاع.
(5)
سواء أحدث ضررًا أو لا ليخلي ملك الغير الواجب إخلاؤه، ويضمن ما تلف به بعد الطلب بإزالته، لصيرورته متعديًا بإبقائه، وصوبه في تصحيح الفروع.
(6)
أي ليه من غير مشقة.
(7)
أي وإلا يمكن ليه، ولا إزالته بلا قطع، فله قطعه، ولا شيء عليه، كالصائل إذا لم يندفع إلا بالقتل، سواء أثر ضررًا أو لا.
لأنه إخلاء لملكه الواجب إخلاؤه (1) ولا يفتقر إلى حكم حاكم (2) ولا يجبر المالك على الإزالة، لأنه ليس من فعله (3) وإن أتلفه مالك الهواء مع إمكان ليه ضمنه (4) وإن صالحه على بقاء الغصن بعوض لم يجز (5) وإن اتفقا على أن الثمرة بينهما ونحوه صح جائزًا (6) .
(1) أي لأن مالك الهوى الممتد إليه غصن الغير، أخلى بقطعة الغصن ملكه الواجب على صاحب الغصن إخلاؤه، ولأنه لا يلزمه إقرار مال غيره في ملكه بلا رضاه.
(2)
أي لا يفتقر ليه إن أمكن أو قطعه إلى حكم حاكم بذلك.
(3)
أي الغصن ونحوه، فلم يجبر على إزالته، كما لو لم يكن ملكه. قال الموفق: وإن تلف به شيء لم يضمنه. وصححه في الإنصاف، قال الموفق: ويحتمل أن يجبر على إزالته. وصوبه في تصحيح الفروع. فيضمن ما تلف به، وعلى كلا الوجهين إذا امتنع أزاله صاحب الملك.
(4)
لتعديه بإتلافه، مع إمكان إزالته بدونه، من غير مشقة ولا غرامة.
(5)
أي وإن صالح رب الأغصان عن بقائها بهواء الغير بعوض، لم يصح الصلح رطبًا كان الغصن أو يابسًا، وقال الموفق وغيره: اللائق بمذهبنا صحة الصلح مطلقًا، واختاره أبو حامد وابن عقيل، وجزم به جماعة، لأن الحاجة داعية إلى ذلك، والجهالة في المصالح عنه لا تمنع الجواز، وفي القطع إتلاف وضرر، والزيادة في الرطب أو النقص في اليابس لا تمنع التسليم، بخلاف العوض.
(6)
أي وإن اتفق رب الهواء والأغصان، على أن ثمرة الأغصان، الحاصلة بهواء الجار، لصاحب الهواء، أو أنها بينهما، ونحو ذلك كجزء منها، أو كلها لصاحب الملك، صح صلحا جائزًا، لا لازمًا، فإن امتنع رب الشجرة من دفع ما صالح به من الثمرة، بعد مضي مدة فعلية أجرة المثل، وفي المبهج: ثمرة غصن في هواء طريق عام للمسلمين. وذكر ابن القيم نحوه، وصحة الصلح هنا مع جهالة العوض، على خلاف القياس، ولأنه إبقاء إذن عرفا، في تناول ما سقط منه.
وكذا حكم عرق شجرة حصل في أرض غيره (1)(ويجوز في الدرب النافذ فتح الأبواب للاستطراق)(2) لأنه لم يتعين له مالك (3) ولا ضرر فيه على المجتازين (4) و (لا) يجوز (إخراج روشن) على أطراف خشب أو نحوه مدفونة في الحائط (5)
(1) أي كالأغصان، على ما تقدم، سواء أثر في أرض جاره أو لا، فيحكم في قطعه، أو الصلح عنه كالأغصان، فإن اتفقا على أن ما نبت من عروقها لصاحب الأرض، أو جزء معلوم فكالصلح عن الثمرة، يصح جائزًا لا لازمًا.
(2)
أي ويجوز في الدرب السالك الماضي، فتح الأبواب للاستطراق منها، كأن كان ظهر دار شخص إلى زقاق نافذ، ففتح في حائطه بابًا إليه.
(3)
ولأن الحق فيه لجميع المسلمين، وهو من جملتهم، فجاز ارتفاقه به.
(4)
فجاز له فتح باب منه، وإن قيل: فيه إضرار بأهل الدرب – لأنه يجعله نافذًا يستطرق إليه من الشارع – قيل: لا يصير الدرب نافذًا، وإنما تصير داره نافذة، وليس لأحد استطراق داره.
(5)
أي ولا يجوز في درب نافذ إخراج "روشن" وعبر بعضهم بجناح، وتسميه العامة "الطرمة" يوضع على أطراف خشب أو أحجار أو غيرها، مدفونة في الحائط، وأطرافها خارجة إلى الطريق، وظاهره: سواء كان يضر بالمارة أو لا، وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: يجوز إذا لم يضر بالمارة.
(و) لا إخراج (ساباط) وهو المستوفي للطريق كله على جدارين (1)(و) لا إخراج (دكة) بفتح الدال، وهي الدكان والمصطبة بكسر الميم (2)(و) لا إخراج (ميزاب) ولو لم يضر بالمارة (3) .
(1) أي ولا يجوز إخراج ساباط، وهو السقيفة "المستوفي" أي المستكمل للطريق كله، على جدارين، وعن أحمد جوازه بلا ضرر، اختاره الشيخ، وصاحب الفائق، قال الشيخ: والساباط الذي يضر بالمارة، مثل أن يحتاج الراكب أن يحني رأسه إذا مر هناك، وإن غفل عن نفسه رمى عمامته، أو شج رأسه، ولا يمكن أن يمر هناك جمل عال إلا كسرت رقبته، والجمل المحمل لا يمر هناك، فمثل هذا الساباط، لا يجوز إحداثه على طريق المارة، باتفاق المسلمين، بل يجب على صاحبه إزالته، فإن لم يفعل كان على ولاة الأمور إلزامه بإزالته، حتى يزول الضرر، حتى لو كان الطريق منخفضًا، ثم ارتفع على طول الزمان، وجب إزالته إذا كان الأمر على ما ذكر.
(2)
أي ولا يجوز في طريق نافذ إخراج "دكة" وهي بناء يسطح أعلاه للجلوس عليه، وهي الدكان بالضم، والمسطبة – بكسر الميم – يقعد عليها، فلا يجوز إخراجه مطلقًا، أذن الإمام فيه أولا، قال الموفق: لا نعلم فيه خلافًا. وقال الوزير: اتفقوا على أن الطريق لا يجوز تضييقها. وقال الشيخ: لا يجوز لأحد أن يخرج شيئًا في طريق المسلمين، من أنواع أجزاء البناء، حتى إنه ينهى عن تجصيص الحائط، إلا أن يدخل رب الحائط به في حده، بقدر غلظ الجص.
(3)
أي فيحرم إخراجه ولو بنافذ. وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: يجوز إخراجه إلى الطريق الأعظم، لقصة عمر، ولأن الحاجة داعية إليه، والعادة جارية به. وقال الشيخ: إخراج الميازيب إلى الدرب هو السنة، مع انتفاء الضرر، واختاره وقدمه غير واحد، قال في الإنصاف: وعليه العمل في كل عصر ومصر.
إلا أن يأذن إمام أو نائبه ولا ضرر (1) لأنه نائب المسلمين، فجرى مجرى إذنهم (2)(ولا يفعل ذلك) أي لا يخرج روشنا، ولا سابطا، ولا دكة، ولا ميزابا (في ملك جار (3) ودرب مشترك) غير نافذ (4)(بلا إذن المستحق) أي الجار أو أهل الدرب (5) .
(1) أي في الروشن، والساباط، والميزاب، عند جماهير العلماء، وأما الدكة فلا، وانتفاء الضرر في الساباط، والجناح، والميزاب، بحيث يمكن عبور محمل ونحوه تحته، وإلا لم يجز وضعه، ولا إذنه فيه، وإن ارتفع الطريق وحصل ضرر، وجبت إزالته كما تقدم، ويمنع في الطريق الغرس، والبناء، والحفر، ومرور أحمال الشوك، ووضع الحطب، والذبح فيها، وطرح القمامة والرماد، وغير ذلك مما فيه ضرر على المارة.
(2)
ولأن الإذن من جميعهم غير متصور، فناب منابهم، لكن بشرط انتفاء الضرر، وأما الدكة فلا يجوز أن يأذن فيها، ولو كان الطريق واسعًا لما تقدم، وإذا أقيم ساباط ونحوه على الشارع بإذن الإمام، وأقام بعض الجيران بينة بالضرر أزيل.
(3)
لأنه تصرف في ملك الغير، فلم يجز، وكذا لا يجوز إخراج ذلك في هوائه.
(4)
واتفق الأئمة على أن الدرب المشترك بين اثنين، ليس لأحدهما التصرف فيه دون شريكه، وفي الإنصاف: بلا نزاع. ولا يفعل ذلك في هوائه.
(5)
أي غير النافذ، لأنه لا يجوز التصرف في ملك الغير بغير إذنه، فلم يجز في الدرب بدون إذن، وإن كان ظهر داره في درب غير نافذ، ففتح بابا لغير الاستطراق جاز، وللاستطراق لم يجز إلا بإذن المستحق.
لأن المنع لحق المستحق، فإذا رضي بإسقاطه جاز (1) ويجوز نقل باب في درب غير نافذ إلى أوله بلا ضرر (2) لا إلى داخل إن لم يأذن من فوقه (3) ويكون إعارة (4) .
(1) وإن صالح عنه بعوض جاز، لأنه حق لمالكه الخاص، ولأهل الدرب، فجاز أخذ العوض عنه، كسائر الحقوق، لكن بشرط معرفة المقدار في الخروج والعلو، ونحو ذلك.
(2)
لأنه إذا نقل بابه إلى ما يلي باب الدرب، فقد ترك بعض حقه، فإن كان هناك ضرر كفتحه مقابل باب غيره، أو عاليًا يصعد إليه بسلم، يشرف منه إلى دار غيره لم يجز.
(3)
أي فإن كان بابه في أول الدرب أو وسطه، لم يملك نقله إلى داخل منه، لأنه يقدم بابه إلى موضع لا استطراق له فيه، إن لم يأذن له من فوقه، يعني من هو داخل عنه، فإن أذن جاز بلا خلاف، وإن كان له باب يستطرق منه استطراقًا خاصًا، مثل أبواب السر، التي يخرج منها النساء، أو الرجل المرة بعد المرة، فقال الشيخ وغيره: ينبغي أن لا يجوز له أن يستطرق منها استطراقًا عامًا، لأنه إنما استحق الاستطراق الخاص، فلا يتعداه، ومثله من له باب على عقار له فيه شريك، يستطرق منه بعض الأوقات، ليس له أن يجعل من يستطرق منه أكثر منه استطراقا، وإن كان له داران، لكل منهما باب إلى درب غير نافذ، ورفع الحاجز بين الدارين، ليتمكن من التطرق، فقال الموفق: الأشبه الجواز. وصوبه في الإنصاف.
(4)
أي ويكون إعارة لازمة إن أذنوا له، فإذا سده ثم أراد فتحه، لم يملكه إلا بإذن متجدد.
وحرم أن يحدث بملكه ما يضر بجاره (1) كحمام، ورحى، وتنور (2) وله منعه، كدق وسقي يتعدى (3) .
(1) لخبر «لا ضرر ولا ضرار» وهو حديث مشهور، وقاعدة من قواعد الدين، يدل على تحريم الضرار، على أي صفة كان، من غير فرق بين الجار وغيره، وفي حق الجار أشد، لعظم حقه، ومبنى المضارة على القصد والإرادة، أو على فعل ضرر عليه، فمتى قصده أو فعله من غير استحقاق فهو مضار، وأما إذا فعل الضرر المستحق، للحاجة إليه والانتفاع به، لا لقصد الإضرار، فليس بمضار، وقال الوزير وغيره: اتفقوا على أن للرجل التصرف في ملكه، ما لم يضر بجاره.
(2)
لتأذي جاره بدخان الحمام، أو اهتزاز حيطانه برحاه، أو تعدي، دخان تنوره إليه، وكذا حفر كنيف إلى جنب حائط جاره، وحفر بئر ينقطع بها ماء بئره ونحو ذلك مما فيه إضرار بجاره، قال الشيخ: ومن كانت له ساحة يلقي فيها التراب والحيوانات، ويتضرر الجيران بذلك، فإنه يجب على صاحبها أن يدفع ضرر الجيران، إما بعمارتها، وإما بإعطائها لمن يعمرها، أو يمنع أن يلقي فيها ما يضر بالجيران.
(3)
أي وله منعه مما ذكر، كماله منعه من دق نحو حدادة، وسقي يتعدى ضرره إلى حائط جاره، وإشعال نار ونحو ذلك، مما يؤذي جاره، بخلاف طبخه وخبزه ونحوه في ملكه على العادة، فلا يمنع من ذلك. وله منع جاره من غرس "الأثل" بجامع الإيذاء، لأن ضرره متحقق، وليس له أن يحدث ما يضر بجاره، وإن كان ما حصل منه الضرر سابقًا على ملك الجار، لم يلزمه إزالته.
وحرم أن يتصرف في جدار جار أو مشترك بفتح طاق (1) أو ضرب وتد ونحوه بلا إذنه (2)(وليس له وضع خشبه على حائط جاره) أو حائط مشترك (3)(إلا عند الضرورة) فيجوز (إذا لم يمكنه التسقيف إلا به) ولا ضرر (4) لحديث أبي هريرة يرفعه «لا يمنعن جار جاره أن يضع خشبه على جداره» (5) .
(1) وهو ما عطف من الأبنية، وكالمحراب، والفاغرة، عند العوام، وكذا فتح روزنة بلا إذن مالكه، أو شريكه، لأنه انتفاع بملك غيره، بما له قيمة، كالبناء عليه.
(2)
أي وحرم أن يتصرف في جدار جاره، أو في مشترك بينه وبين غيره، بضرب "وتد" وهو ما يغرز في الأرض أو الحائط من خشب وغيره ونحو ذلك، كجعل "رَفًّ" فيه بلا إذن مالكه، أو شريكه، كالبناء عليه، لأنه يضر بحائط غيره. وإن صالحه على ذلك بعوض جاز. وليس له منعه من تعلية داره. ولو أفضى إلى سد الفضاء عنه، قاله الشيخ وغيره. وقال: ليس له منعة خوفًا من نقص أجرة ملكه بلا نزاع. ونظر على قاعدته.
(3)
أي إذا أمكنه وضعه على غير جدار جاره، أو الحائط المشترك، فمتى كان مستغنيًا عنه منع منه، إلا بإذن الجار أو الشريك.
(4)
أي إلا عند الضرورة عند الأكثر، ونص عليه، فيجوز له وضعه عليه، إذا لم يمكنه التسقيف إلا به، ولا ضرر على المالك في ذلك، فإن تضرر منع بلا نزاع، لخبر «لا ضرر ولا ضرار» وقال الشيخ: الضرار محرم بالكتاب والسنة.
(5)
وفي لفظ «أن يغرز خشبه في جداره» وللبيهقي «جذوعه في جداره» أي جدار جاره المالك للجدار، "وخشب" بصيغة الجميع.
ثم يقول أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين (1) والله لأَرمين بها بين أكتافكم. متفق عليه (2)(وكذلك) حائط (المسجد (3) وغيره) كحائط نحو يتيم (4) .
(1) أي ثم يقول أبو هريرة – وذلك أيام إمارته على المدينة زمن مروان – مالي أراكم عنها. أي عن وضع الخشب على جدار الجار، معرضين عن العمل بذلك الحكم الشرعي.
(2)
أقسم على ذلك مبالغة في الحمل على وضعها، فدل على أنه لا يحل للجار أن يمنع جاره من وضع الخشب في جداره، ويجبره الحاكم إذا امتنع، لأنه حق ثابت لجاره، ما لم يحصل ضرر على الجار، وهو مذهب أحمد، وأهل الحديث وغيرهم، وقال البيهقي: لم نجد في السنن الصحيحة ما يعارض هذا الحكم إلا عمومات لا يستنكر أن يخصها. وقضى به عمر في زمن وفور الصحابة، ولم يخالفه أحد، ولأنه انتفاع بحائط جاره، على وجه لا يضر به، وقال الشيخ: إذا كان الجدار مختصًا بشخص، لم يكن له أن يمنع جاره من الانتفاع بما يحتاج إليه الجار، ولا يضر بصاحب الجدار. واختار الموفق وجمع: وضعها عند الحاجة، وظاهر الحديث عدم اعتبار تضرر الملك، وعلى من يريد الغرز أن يتوقى الضرر مهما أمكن، ويجب عليه إصلاح ما يقع حال الغرز.
(3)
أي وكجدار الجار حائط المسجد، ليس له وضع خشبه على حائطه إلا إذا لم يمكن جاره تسقيفه إلا بوضع خشبه عليه، بلا ضرر كالطلق.
(4)
أي وغير المسجد كحائط نحو يتيم، كمجنون، أو مكاتب، أو وقف، ونحو ذلك.
فيجوز لجاره وضع خشبه عليه، إذا لم يمكن تسقيف إلا به بلا ضرر، لما تقدم (1)(وإذا انهدم جدارهما) المشترك أو سقفهما (2)(أَو خيف ضرره) بسقوطه (3)(فطلب أحدهما أن يعمره الآخر معه أُجبر عليه) إن امتنع (4) .
(1) أي من الدليل والتعليل على جوازه بشرطه، وبلا ضرر على الحائط، ولو كان الحائط لصغير ونحوه، وإن أبى أجبره الحاكم، وإن زال بسقوط ونحوه فله إعادته بشرطه، وإن خيف سقوط الحائط بعد وضعه لزم إزالته، وإن صالح عن شيء مما تقدم بعوض معلوم جاز، وأما المنفعة التي لا قيمة لها، كاستناد إلى جداره، أو استظلال به، أو نظر في ضوء سراجه، ونحو ذلك، فقال الشيخ: العين والمنفعة التي لا قيمة لها عادة، لا يصح أن يرد عليها عقد بيع، أو إجارة اتفاقًا.
(2)
أي وإذا انهدم جدارهما المشترك بينهما، طلقا كان أو وقفا، وطلب أحدهما أن يعمره الآخر معه، أو انهدم سقفهما المشترك بينهما، أو بين سفل أحدهما وعلو الآخر، وطلب أحدهما أن يعمره الآخر معه، أجبر عليه إن امتنع.
(3)
أي أو استهدم جدارهما أو سقفهما المشترك، وخيف ضرره بسقوطه، وجب نقضه، وإن أبى أحدهما، أجبره الحاكم، وأيهما هدمه فلا شيء عليه، كما لو انهدم بنفسه.
(4)
نص عليه، وجزم به الموفق وغيره، دفعا لضرر الشريك، وقال الشيخ: إذا احتاج الملك المشترك إلى عمارة لا بد منها، فعلى أحد الشريكين أن يعمر مع شريكه إذا طلب ذلك منه، في أصح قولي العلماء.
لقوله عليه السلام «لا ضرر ولا ضرار» (1) فإن أَبى أَخذ حاكم من ماله، وأنفق عليه (2) وإن بناه شريك شركة بنية رجوع رجع (3)(وكذا النهر، والدولاب، والقناة) المشتركة إذا احتاجت لعمارة (4) .
(1) وتقدم أنه حديث مشهور، ويشهد له كليات وجزئيات تدل على تحريم الضرار على أي صفة كان، ويتأكد في حق الجار.
(2)
أي وإن أبى شريك البناء مع شريكه أخذ حاكم ترافعا إليه من مال الممتنع النقد، وأنفق عليه بقدر حصته، أو باع من عرض الممتنع وأنفق، وإن تعذر اقترض عليه.
(3)
أي وإن بنى شريك الجدار المشترك، أو السقف شركة بإذن شريك، أو إذن حاكم، أو بنية رجوع، رجع على شريكه بما أنفق بالمعروف على حصة الشريك، لأنه قام عنه بواجب، وكان الجدار أو السقف بينهما، كما كان قبل، وإن بناه بآلته فهو بينهما، ويملك منعه من الانتفاع به، حتى يؤدي ما يخصه من الغرامة الواقعة، بأجرة المثل، قال ابن منجا: لأنه لو لم يكن كذلك لأدى إلى ضياع حق الشريك. وصوبه في الإنصاف، وإن طلب أحدهما بناء حائط بين ملكيهما، لم يجبر الممتنع، ويبني الطالب في ملكه ما شاء، رواية واحدة، وإن اتفقا على بناء بستان بينهما، فبنى أحدهما، فما تلف من الثمرة بسبب إهمال الآخر ضمنه، قاله الشيخ.
(4)
أي وكالجدار المشترك على ما تقدم النهر، والدولاب تديره الدواب، والقناة، وهي أبيار متوالية يجري ماء بعضها إلى بعض، وكذا الناعورة، والبئر المشتركة، إذا احتاجت تلك ونحوها لعمارة أو كري أو تنظيف أو سد شق، أو
إصلاح حائط، أو إصلاح شيء منها، يجبر الممتنع، نص عليه، وحكاه ابن أبي موسى قولاً واحدًا، وفي النفقة ما سبق تفصيله، وإذا كان شيء من ذلك مشتركًا بين جماعة، فأرادوا إصلاح شيء منه، كان بينهم على حسب ملكهم، فإن كان بعضهم أدنى إلى أول الساقية ونحوها من بعض، اشترك الكل حتى يصلوا إلى الأول، ثم لا شيء عليه، وكذا الثاني، والثالث، وهذا مذهب الشافعي وغيره.
ولا يمنع شريك من عمارة (1) فإن فعل فالماء على الشركة (2) وإن أعطى قوم قناتهم أو نحوها لمن يعمرها، وله منها جزء معلوم صح (3) ومن له علو، لم يلزمه عمارة سفله إذا انهدم (4) بل يجبر عليه مالكه (5) .
(1) أي ولا يمنع شريك من عمارة نهر ونحوه، قال في الإنصاف: بلا نزاع.
(2)
أي فإن عمر الشريك فالماء بينهم على الشركة كما كان، وله المنع من الانتفاع بالقناة ونحوها، وصوبه في الإنصاف.
(3)
أي وإن أعطى قوم قناتهم أو نحوها، كنهرهم، وبئرهم، لمن يعمرها، سواء عجزوا عن عمارتها أو لا، ولمن يعمر من القناة ونحوها جزء معلوم، كنصف أو ثلث أو ربع صح، كغزل لمن ينسجه بسهم منه.
(4)
أي السفل، لعدم ملك الأعلى له، لأن الحيطان إنما تبنى لمنع النظر، والوصول إلى الساكن، وهذا يختص به من تحته، دون رب العلو، وإن كان على العلو طبقة ثالثة فصاحب الوسط مع من فوقه كمن تحته معه.
(5)
أي يجبر مالك السفل على بنائه، ليتمكن صاحب العلو من الانتفاع به.
ويلزم الأعلى سترة تمنع مشارفة الأسفل (1) فإن استويا اشتركا (2) .
(1) أي ويلزم الجار الأعلى جعل سترة تمنع مشارفة الجار الأسفل، لخبر «لا ضرر ولا ضرار» إذ الإشراف على الجار إضرار به، لكشفه جاره، وإطلاعه على حرمه، وأشبه ما لو اطلع عليه من صئر بابه أو خصاصه، ولقوله صلى الله عليه وسلم «لو أن رجلاً اطلع عليك، فحذفته بحصاة، ففقأت عينه، لم يكن عليك جناح» وقال ابن ذهلان: سواء كان ذلك بين دور، أو عقارات أو هما، فيلزم الأعلى البناء، وسد الطاقات التي فيها ضرر على الجار، ومتى كان سطح أحدهما أعلى من سطح الآخر فليس لصاحب العلو الصعود على وجه يشرف على جاره، إلا أن يبني سترة تستره.
(2)
أي فإن استويا في العلو، اشتركا في بناء السترة، وفي الاختيارات: يلزم الأعلى التستر بما يمنع مشارفة الأسفل، وإن استويا، وطلب أحدهما بناء السترة، أجبر الآخر معه، مع الحاجة إلى السترة، كسائر الحقوق، ولأنه لا أولوية لأحدهما على الآخر.