الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الوقف
(1)
يقال: وقف الشيء، وحبسه، وأحبسه، وسبله. بمعنى واحد (2) وأوقفه لغة شاذة (3) وهو مما اختص به المسلمون (4)
(1) الأصل في مشروعية الوقف السنة، والإجماع في الجملة، ففي الصحيحين أن عمر قال: يا رسول الله إني أصبت ما لا بخيبر، لم أصب قط مالا أنفس عندي منه، فما تأمرني فيه؟ قال «إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها، غير أنه لا يباع أصلها، ولا يوهب، ولا يورث» فتصدق بها عمر في الفقراء، وذي القربى، والرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقا، غير متمول فيه، ولمسلم «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له» وفي البخاري. باب وقف الدواب، والكراع، والعروض، والصامت، وذكر قصة عمر.
وقال جابر: لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذو مقدرة إلا وقف، ولا نزاع في وقف الأرض، وقال القرطبي: لا خلاف بين الأئمة في تحبيس القناطر والمساجد، واختلفوا في غير ذلك.
(2)
وجمع الوقف «وقوف» وتسمية الوقف وقفا بمعنى أنه وقف على تلك الجهة، لا ينتفع به في غيرها.
(3)
وقال الحارثي: لغة بني تميم.
(4)
قال الشافعي: لم يحبس أهل الجاهلية، وإنما حبس أهل الإسلام، والقول بصحة الوقف، قول أكثر أهل العلم من السلف.
ومن القرب المندوب إليها (1)(وهو تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة)(2) على بر أو قربة (3) والمراد بالأصل: ما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه (4) وشرطه أن يكون الواقف جائز التصرف (5)(ويصح) الوقف (بالقول (6) وبالفعل الدال عليه) عرفا (7)(كمن جعل أرضه مسجدا، وأذن للناس في الصلاة فيه)(8)
(1) لما تقدم من الأخبار، ولقوله تعالى:{وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} هذا إذا كان على وجه القربة.
(2)
أي، والوقف شرعا: تحبيس مالك مطلق التصرف ماله المنتفع به، وتسبيل منفعته من غلة، وثمرة، وغيرها.
(3)
أي: على جهة بر، أو معروف، أو قربة، كأقاربه، وكالمساجد، ولعل مراده في الثواب.
(4)
بقاء متصلا، كالعقار، والحيوان، والسلاح، والأثاث، وأشباه ذلك.
(5)
وهو الحر البالغ الرشيد، لا نحو مكاتب وسفيه.
(6)
الدال على الوقف، وقال الشيخ: إذا قال واحد أو جماعة: جعلنا هذا المكان مسجدًا، أو وقفا. صار مسجدًا ووقفًا بذلك.
(7)
أي ويصح الوقف بالفعل الدال على الوقف عرفًا كالقول، لاشتراكهما في الدلالة على الوقف.
(8)
إذنا عاما ولو بفتح الأبواب وهو على هيئة المسجد، وكتابة لوح بالإذن، أو الوقف، أو أدخل بيته في المسجد وأذن فيه، لأن العرف جار بذلك، فدل على الوقف.
أو أذن فيه وأقام (1)(أو) جعل أرضه (مقبرة وأذن) للناس (في الدفن فيها)(2) أو سقاية وشرعها لهم (3) لأن العرف جار بذلك (4) وفيه دلالة على الوقف (5)(وصريحه) أي صريح القول (6)(وقفت، وحبست، وسبلت)(7) فمتى أتى بصيغة منها صار وقفا، من غير انضمام أمر زائد (8) (وكنايته: تصدقت، وحرمت، وأبدت) (9) .
(1) أي فما بناه على هيئة المسجد صار موقوفا بالفعل الدال عليه عرفا، قال الشيخ: ولو نوى خلافه.
(2)
إذنا عاما صح الوقف، وليس له الرجوع، كما أن من قدم لضيفه طعاما كان إذنا في أكله.
(3)
أي فتح بابها إلى الطريق ونحوه، وكذا موضع التطهير، وقضاء الحاجة.
(4)
فجاز الوقف، كالمعاطاة في البيع والهبة ونحوهما، لدلالة الحال.
(5)
فجاز أن يثبت به كالقول، وكذا لو ملأ خابية ماء على الطريق أو في مسجد ونحوه، لدلالة الحال على تسبيله.
(6)
بالوقف: الألفاظ التي متى أتى بواحدة منها صار وقفا، من غير انضمام أمر زائد إليها.
(7)
فهذه الألفاظ صريحة لعدم احتمال غيره، بعرف الاستعمال المنضم إليه عرف الشرع.
(8)
من نية، أو قرينة، أو فعل.
(9)
لعدم خلوص كل لفظ منها عن الاشتراك، والتأبيد يستعمل في كل ما يراد تأبيده من وقف وغيره.
لأنه لم يثبت لها فيه عرف لغوي ولا شرعي (1)(فتشترط النية مع الكناية (2) أو اقتران) الكناية بـ (ـأحد الألفاظ الخمسة) الباقية من الصريح والكناية (3) كتصدقت بكذا صدقة موقوفة، أو محبسة، أو مسبلة، أو محرمة، أو مؤبدة (4) لأن اللفظ يترجح بذلك لإرادة الوقف (5) (أو) اقترانها بـ (ـحكم الوقف) (6) كقوله: تصدقت بكذا صدقة لا تباع ولا تورث (7) .
(1) فلا يصح بها مجردة عما يصرفها إليه، فإن الصدقة تستعمل في الزكاة وغيرها، والتحريم يصدق في الظهار وغيره.
(2)
فمتى أتى بإحدى الكنايات، واعترف بما نواه، لزم في الحكم لظهوره، وإن قال: ما أردت الوقف. فالقول قوله.
(3)
فتخصها بالوقف.
(4)
أي كأن يقول: تصدقت بكذا صدقة موقوفة، أو تصدقت بكذا صدقة محبسة، أو صدقة مسبلة، أو صدقة مؤبدة، أو صدقة محرمة، أو هذه العين محرمة موقوفة، أو محرمة محبسة، أو محرمة مسبلة، أو محرمة مؤبدة.
(5)
أي لأن لفظ الكناية يترجح بأحد الألفاظ الخمسة الباقية لإرادة الوقف بها.
(6)
أي أو اقتران الكناية بحكم الوقف، بأن يصف الكناية بصفات الوقف.
(7)
أو تصدقت بأرضي على فلان، أو على الفقراء، أو الغزاة، لأن ذلك كله لا يستعمل في غير الوقف، فانتفت الشركة، وقال الشيخ: من قال: قريتي التي بالثغر لموالي الذين به ولأولادهم. صح وقفا، وهو رواية عن أحمد، وإذا
قال كل منهم: جعلت ملكي للمسجد، أو في المسجد. ونحو ذلك، صار بذلك وقفا للمسجد، فيؤخذ منه أن الوقف يحصل بكل ما أدى معناه، وإن لم يكن من الألفاظ السابقة، وتقدم في البيع وغيره أن العقود تنعقد بكل ما دل على مقصودها من قول أو فعل، فكل ما عده الناس وقفا انعقد به، وإن اختلف اصطلاح الناس في الألفاظ والأفعال، انعقد عند كل قوم بما يفهمونه من الصيغ والأفعال.
(ويشترط فيه) أربعة شروط (1) الأول: (المنفعة) أي أن تكون العين ينتفع بها (دائما من معين)(2) فلا يصح وقف شيء في الذمة كعبد ودار، ولو وصفه كالهبة (3)(ينتفع به مع بقاء عينه (4) ، كعقار، وحيوان) ونحوهما، من أثاث، وسلاح (5) .
(1) يعني لصحة الوقف، وفي الإقناع وغيره «خمسة» والخامس أن يكون من جائز التصرف، وتقدم.
(2)
من جهة أو شخص.
(3)
لأنه نقل ملك على وجه الصدقة، فلا يصح في غير معين كالهبة، وفي المحرر: ولا يصح وقف المجهول، قال الشيخ: المجهول نوعان «مبهم» وهذا قريب، «ومعين» مثله أن يقف دارا لم يرها، فمنع هذا بعيد، وكذلك هبته.
(4)
لأنه يراد للدوام، ليكون صدقة جارية، وقال الشيخ: أقرب الحدود في الموقوف أنه كل عين تجوز عاريتها.
(5)
كبساط ليفرش بالمسجد، وسيف، وحلي على لبس وعارية لمن يحل له، فأما العقار فلفعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الحيوان فلحديث أبي هريرة:«من احتبس فرسا في سبيل الله» وخبر فرس عمر، وخبر أم معقل: أن زوجها جعل ناضحه في سبيل الله؛ وأما الأثاث فلقوله صلى الله عليه وسلم «أما خالد فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله» .
ولا يصح وقف المنفعة كخدمة عبد موصى له بها (1) ولا عين لا يصح بيعها كحر وأم ولد (2) ولا ما لا ينتفع به مع بقائه كطعام لأكل (3) ويصح وقف المصحف (4) والماء والمشاع (5) .
(1) ومنفعة أم ولده في حياته، ومنفعة العين المستأجرة، واختار الشيخ صحته، وقال: لو وقف منفعة يملكها كالعبد الموصى بخدمته، أو منفعة أم ولده في حياته، أو منفعة العين المستأجرة، فإنه لا فرق بين وقف هذا ووقف البناء والغراس، ولا فرق بين وقف ثوب على الفقراء يلبسونه، أو فرس يركبونه، أو ريحان يشمه أهل المسجد، وطيب الكعبة: حكمه حكم كسوتها، فعلم أن التطيب منفعة مقصودة، لكن قد يطول بقاء مدة التطيب وقد يقصر، ولا أثر لذلك.
(2)
ومرهون، وكلب، وسباع لا تصلح للصيد، وجوارح طير لا تصلح له، لأنه لا يصح بيعها.
(3)
ومشموم لا ينتفع به مع بقاء عينه، وقال الوزير: اتفقوا على أن كل ما لا يمكن الانتفاع به إلا بإتلافه كالذهب، والفضة، والمأكول لا يصح وقفه. اهـ. بخلاف ند، وصندل، وقطع كافور، فيصح وقفه لشم مريض وغيره، وتقدم قول الشيخ: إنه لا أثر لطول المدة.
(4)
وإن لم يصح بيعه، وتقدم ما فيه من الخلاف.
(5)
أي ويصح وقف الماء، نص عليه أحمد وغيره، لخبر بئر رومة، ويصح وقف المشاع، قال الوزير: اتفقوا على أن وقف المشاع جائز، وفي خبر عمر: أنه أصاب مئة سهم من خيبر، فأذن له صلى الله عليه وسلم في وقفها، ولأنه عقد يجوز
على بعض الجملة مفرزًا، فجاء مشاعا، كالبيع، وذلك بحيث يكون مشهورًا متميزًا، يؤمن أن يلتبس بغيره، وإلا فلا بد من التحديد اتفاقًا.