المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الحجر (1) وهو في اللغة التضييق والمنع (2) ومنه سمي - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ٥

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌باب السلم

- ‌الذي يجمع أخلاطًا أربعة أقسام

- ‌ الشرط (الثالث ذكر قدره)

- ‌ الشرط (الرابع ذكر أجل معلوم)

- ‌ الشرط (السابع أن يسلم في الذمة

- ‌باب القرض

- ‌باب الرهن

- ‌باب الضمان

- ‌فصل في الكفالة

- ‌باب الحوالة

- ‌المليء: القادر بماله، وقوله، وبدنه

- ‌باب الحجر

- ‌فصلفي المحجور عليه لحظه

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الإجارة

- ‌ يصح استئجار آدمي لعمل معلوم

- ‌ الشرط (الثاني معرفة الأجرة)

- ‌الشرط (الثالث الإباحة في) نفع (العين)

- ‌كون المنفعة مقصودة

- ‌ الثالث (القدرة على التسليم)

- ‌ الرابع (اشتمال العين على المنفعة

- ‌باب السبق

- ‌باب العارية

- ‌تنعقد بكل لفظ أو فعل يدل عليها

- ‌باب الغصب

- ‌باب الشفعة

- ‌ الشفعة (على الفور وقت علمه

- ‌باب إحياء الموات

- ‌باب الجعالة

- ‌باب اللقطة

- ‌ لا يتصرف فيها قبل معرفة صفاتها)

- ‌باب اللقيط

-

- ‌كتاب الوقف

- ‌ الثاني: (أن يكون على بر)

- ‌ الرابع: أن يقف ناجزا

- ‌صفات ترتيب الاستحقاق

- ‌ يولى في الوظائف وإمامة المساجد الأحق شرعا

الفصل: ‌ ‌باب الحجر (1) وهو في اللغة التضييق والمنع (2) ومنه سمي

‌باب الحجر

(1)

وهو في اللغة التضييق والمنع (2) ومنه سمي الحرام والعقل حجرًا (3) وشرعًا: منع إنسان من تصرفه في ماله (4) وهو ضربان، حجر لحق الغير، كعلى مفلس (5) .

(1) أي هذا باب يذكر فيه أحكام الحجر على الشخص لحق غيره، أو لحق نفسه، ومن لا حجر عليه، وما يتعلق بذلك، والأصل في مشروعيته قوله تعالى {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} وقوله {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} وقوله {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} الآية، وحجره عليه الصلاة والسلام على معاذ وغيره.

(2)

كما في القاموس وغيره.

(3)

أي ومنه سمي الحرام حجرًا، لأنه ممنوع منه، كقوله تعالى {وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} أي حراما محرما، ومنه سمي العقل حجرا، كقوله {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} أي عقل، لأنه يمنع صاحبه من تعاطي ما يقبح، وتضر عاقبته.

(4)

سواء كان المنع من قبل الشرع، كالصغير، والمجنون، والسفيه، أو الحاكم، كمنعه المشتري من التصرف في ماله حتى يقضي الثمن الحال.

(5)

أي والحجر ضربان، أحدهما حجر لحظ غير المحجور عليه، كحجر على مفلس لحق الغرماء، وعلى مريض بما زاد على الثلث، والعبد، والمكاتب، والمشتري بعد طلب الشفيع، والمرتد لحق المسلمين، والراهن، وغير ذلك، والمراد هنا الحجر على المفلس، وهو من عليه دين حال، يعجز عنه ماله الموجود، مدة

الحجر، من التصرف فيه، وما سواه، يذكر في مواضعه، وتقدم أن المفلس من لا مال له، ولا ما يدفع به حاجته من العروض، فهو المعدم، وفي الخبر: قالوا: من لا درهم له ولا دينار. وفي لفظ: ولا متاع.

ص: 162

وحجر لحق نفسه، كعلى نحو صغير (1)(ومن لم يقدر على وفاء شيء من دينه لم يطالب به (2) وحرم حبسه) وملازمته (3) لقوله تعالى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (4) .

(1) أي والضرب الثاني حجر لحظ المحجور نفسه، كحجر على صغير، وسفيه، ومجنون، والحجر عليهم أعم، فلا يصح تصرفهم في أموالهم، ولا ذممهم قبل الإذن، و"نحو" هنا لا مفهوم لها، لأن ذكرها هنا وتركها في الأول يوهم أن الحجر لحظ الغير لا يكون إلا في المفلس، وليس كذلك.

(2)

للآية الآتية وغيرها، وفي فضل إنظار المعسر أحاديث كثيرة، منها قوله «من سره أن يظله الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله، فلييسر على معسر» وقوله: «من نفس عن غريمه أو محا عنه، كان في ظل العرش يوم القيامة» وفي الحديث القدسي «أنا أحق من ييسر، ادخل الجنة» ولأحمد عن بريدة مرفوعًا «من أنظر معسرًا فله بكل يوم مثله صدقة، قبل أن يحل، فإذا حل فأنظره فبكل يوم مثلاه صدقة» ويسن إبراؤه، وهو أفضل من الإنظار، وينبغي أن يعد إبراء المعسر مما فيه السنة أفضل من الفرض، وهو الإنظار.

(3)

وحرم الحجر عليه، حيث لم يظهر له مال، وادعى الإعسار وصدق.

(4)

أي وإن كان الذي عليه الدين معسرًا، فعلى الغريم تنظرته إلى اليسار والسعة، فدلت الآية على أن المعسر الذي لا يقدر على وفاء شيء من دينه، لا يطالب به، ويجب إنظاره، ويحرم حبسه وملازمته، ولقوله لغرماء الذي كثر دينه «خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك» ولأن الحبس والملازمة إما لإثبات عسرته، أو لقضاء دينه، وعسرته ثبتت، والقضاء عليه متعذر.

ص: 163

فإن ادعى العسرة، ودينه عن عوض، كثمن وقرض، أولا (1) وعرف له مال سابق، الغالب بقاؤه (2) أو كان أقر بالملاءة حبس (3) إن لم يقم بينة تخبر باطن حاله (4) .

(1) أي أو لم يكن عن عوض، بل كان عن أرش جناية، وقيمة متلف، ومهر، أو ضمان، أو كفالة، أو عوض خلع، ونحو ذلك.

(2)

إما لكون الدين ثبت عن معاوضة، كثمن مبيع وقرض، أو عرف له أصل مال سوى هذا، فالقول قول غريمه مع يمينه، فإذا حلف أنه ذو مال، حبس حتى تشهد بينة بإعساره.

(3)

لأن الأصل بقاء المال، ومؤاخذة له بإقراره، والقول أيضًا قول غريمه مع يمينه، فإذا حلف حبس، لأن الحبس وسيلة إلى قضاء دينه، قال ابن المنذر: أكثر من نحفظ عنه من علماء الأمصار وقضاتهم يرون الحبس في الدين. وقال ابن القيم وغيره: لو ادعى الخصم الفلس، وقال المدعي: معه مال. وسأل تفتيشه، وجب إجابته، واستدل بقول علي للظعينة: لتخرجن الكتاب، أو لنجردنك، وكانت أسرى قريظة يدعون عدم البلوغ، فيكشف عن مآزرهم.

(4)

أي إن لم يقم بينة تشهد بإعساره، ويعتبر فيها أن تخبر باطن حاله، لأن الإعسار من الأمور الباطنة التي لا يطلع عليها في الغالب إلا المخالط له، قالوا: ويكفي اثنان، ولا يحلف معها، وإن شهدت بنفاد ماله أو تلفه، حلف معها، ونص أحمد أنه لا يثبت الإعسار إلا بثلاثة، واحتج بحديث قبيصة، قال ابن القيم: إذا كان في باب أخذ الزكاة، وحل المسألة، ففي باب دعوى الإعسار، المسقط لأداء الدين أولى. وقال: من علم له مال متقدم، كمن أصابته فاقة، حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجى من قومه، فهذا صريح في أنه لا يقبل في بينة الإعسار أقل من ثلاثة رجال، وهو الصواب الذي يتعين القول به، وهو اختيار بعض أصحابنا، وبعض أصحاب الشافعية، قالوا: وليس الإعسار من الأمور الخفية التي تقوى فيها التهمة، فروعي فيها الزيادة في البينة.

ص: 164

وتسمع قبل حبس وبعده (1) وإلا حلف وخلي سبيله (2)(ومن له قدرة على وفاء دينه لم يحجر عليه)(3) .

(1) لأن كل بينة جاز سماعها بعد مدة، جاز سماعها في الحال.

(2)

أي وإن لم يكن دينه عن عوض كصداق، ولم يعرف له مال سابق أو عرف والغالب ذهابه، أو لم يقر أنه مليء، وادعى الإعسار، حلف ولم يحبس، لأن الأصل عدم المال، قال علي: حبس الرجل بعد معرفة ما عليه من الحق ظلم. وكان إذا جيء بالرجل فقال: ما عندي ما أقضيه. قال: لا أحبسه، وأنا حائل بينك وبينه وقال ابن القيم: هذا الحكم عليه جمهور الأمة فيما إذا كان عليه دين عن غير عوض مالي، كالإتلاف، والضمان، والمهر، ونحوه، فإن القول قوله مع يمينه، ولا يحل حبسه بمجرد قول الغريم أنه مليء، وأنه غيب ماله. قال: والذي يدل عليه الكتاب، والسنة، وقواعد الشرع، أنه لا يحبس في شيء من ذلك إلا أن يظهر بقرينة أنه قادر مماطل، سواء كان دينه عن عوض، أو عن غير عوض، وسواء لزمه باختياره، أو بغير اختياره، فإن الحبس عقوبة، والعقوبة إنما تسوغ بعد تحقق سببها، ولا تسوغ بالشبهة، بل سقوطها بالشبهة أقرب إلى قواعد الشريعة. وقال الشيخ: من عرف بالقدرة فادعى إعسارًا وأمكن عادة قبل.

(3)

وتعين دفعه بطلبه، وإن طلب الإمهال بقدر ما يتمكن من الوفاء أمهل، قال الشيخ وغيره: من طولب بأداء حق عليه، فطلب الإمهال، أمهل بقدر ذلك، وذكره في الفروع اتفاقًا، لكن إن خاف غريمه منه احتاط عليه بملازمته، أو بكفيل أو ترسيم عليه.

ص: 165

لعدم الحاجة إلى الحجر عليه (1)(وأمر) أي ووجب على الحاكم أمره (بوفائه) بطلب غريمه (2) لحديث «مطل الغني ظلم» (3) ولا يترخص من سافر قبله (4) ولغريم من أراد سفرًا منعه من غير جهاد متعين، حتى يوثق برهن محرز (5) .

(1) وذلك لأن الغرماء يمكنهم المطالبة بحقوقهم في الحال.

(2)

إن علم قدرته عليه، أو جهل حاله، لتعينه عليه، إذ فيه فصل القضاء المنتصب له، والوفاء يجب – مع القدرة – على الفور.

(3)

أي مطلب الغني القادر على وفاء دينه ظلم، لأنه منع أداء ما استحق عليه أداؤه، وهو حرام مع التمكن، والحديث متفق على صحته، والجمهور أنه يفسق بمطله، وبالطلب يتحقق مطله.

(4)

أي ولا يجوز أن يقصر ونحوه من سافر قبل وفاء غريمه، وبعد الطلب، بعد حلول الدين، لأنه سفر معصية، وظاهره: ولو كان قصيرًا. وتقدم جواز القصر له ونحوه في بابه.

(5)

أي ولغريم شخص أراد سفرا، كذا أطلقه الأكثر، وقيده الموفق وغيره، بالطويل، قال في الإنصاف: وهو أولى. وظاهره أيضًا: ولو غير مخوف، أو الدين لا يحل قبل مدته، فله منعه من السفر، وكذا له منع ضامنه، من غير جهاد متعين، لتعينه، بخلاف حج، حتى يوثق المدين برهن محرز للدين، قولاً واحدًا، فلو كان برهن غير محرز للدين، فله منع المدين من السفر، حتى يقيم رهنا محرزًا للدين.

ص: 166

أو كفيل مليء (1)(فإن أبى) القادر وفاء الدين الحال (حبس بطلب ربه) ذلك (2) .

(1) أي أو حتى يوثق غريمه بكفيل مليء، قولاً واحدًا، فلو كان الضمين غير مليء فله منع المدين من السفر، حتى يقيم ضمينا مليئًا، لأن عليه ضررًا في تأخير حقه عن محله، وقدومه عند المحل غير متيقن ولا ظاهر، فملك منعه، قال الشيخ: إن أراد سفرا وهو عاجز عن وفاء دينه، فلغريمه منعه، حتى يقيم كفيلا ببدنه، لأنه قد يوسر في البلد الذي سافر إليه، فلا يتمكن الغريم من طلبه بإحضاره، وقال فيمن أعسر وأراد الحج مع والده، فمنعه الغرماء، ليقيم ويعمل ليوفيهم: لهم ذلك. ومقامه ليكتسب، ويوفي الغرماء، أولى وأوجب من الحج، ولا يحل لهم أن يطالبوه إذا علموا إعساره، ولا يمنعوه الحج، وإن قالوا: نخاف أن لا يرجع، ونريد كفيلاً ببدنه، توجه مطالبتهم بهذا، فإن حقوقهم باقية، ولكنه عاجز عنها.

(2)

أي الحبس، قال الشيخ وغيره: من كان قادرًا على وفاء دينه، وامتنع أجبر على وفائه، بالضرب والحبس، ونص على ذلك الأئمة من أصحاب مالك، والشافعي، وأحمد وغيرهم. قال: ولا أعلم فيه نزاعًا، وصوبه في الإنصاف، وقال: عليه العمل، ولا تخلص الحقوق في هذه الأزمنة إلا به، وبما هو أشد منه، وظاهر إطلاقهم: ولو كان أجيرًا في مدة الإجارة، أو امرأة مزوجة، لأن ذلك لا يمنع من الحبس. وقال الوزير: الحبس على الديون من الأمور المحدثة، ومضت السنة أنه لا يحبس على الديون، ولكن يتلازم الخصمان، فأما الحبس الذي هو الآن على الدين لا أعرف أنه يجوز عند أحد من المسلمين، وذلك أنه يجمع الكثير بموضع يضيق عنهم، غير متمكنين من الوضوء والصلاة، وربما يحبس أحدهم السنة والسنتين، وربما يتحقق القاضي أن ذلك المحبوس لا جدة له، وأن أصل حبسه على طريق الحيلة، قال: وقد حرصت على فك ذلك

الخ.

ص: 167

لحديث «لي الواجد ظلم (1) يحل عرضه وعقوبته» رواه أحمد، وأبو داود، وغيرهما (2) قال الإمام: قال وكيع: عرضه شكواه، وعقوبته حبسه (3) . فإن أبى عزره مرة بعد أُخرى (4)(فإن أصر) على عدم قضاء الدين (ولم يبع ماله (5)

(1) أي مطل الغني القادر على وفاء دينه ظلم، لمنعه الواجب عليه مع القدرة، ومحرم كما تقدم، فيستحق العقوبة، كما نص عليه الشارع.

(2)

كالنسائي، وابن ماجه، وصححه ابن حبان، وعلقه البخاري، وحسنه الحافظ.

(3)

شكواه الإخبار بسوء فعله، كأن يقول: مطلني أو أن يقول: يا ظالم، يا مماطل، وعقوبته حبسه، ويرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم في نوعه، وقدره، إذا لم يتعد حدود الله. قاله الشيخ: وهذا أصل متفق عليه، أن كل من ترك واجبًا، أو فعل محرمًا استحق العقوبة، ووكيع هو ابن الجراح الحافظ، صاحب الجامع وغيره، من كبار التاسعة، مات سنة مائة وسبع وتسعين.

(4)

أي حتى يقضيه حقه بلا نزاع. قاله الشيخ، لكن لا يزاد كل يوم على أكثر التعزير إن قيل يتقدر. قال: ولا يجب حبسه بمكان معين، فيجوز حبسه في دار، ولو في دار نفسه، بحيث لا يتمكن من الخروج، ولو كان قادرًا على أداء الدين وامتنع، ورأى الحاكم منعه من فضول الأكل، والنكاح فله ذلك، إذ التعزير لا يختص بنوع معين، وليس له إخراجه حتى يتبين له أمره، أو يبرأ من غريمه، وفي الفائق: أبى الضرب الأكثرون.

(5)

أي ويقضي الدين، بل صبر على الحبس والتعزير.

ص: 168

باعه الحاكم وقضاه) (1) لقيامه مقامه (2) ودفعا لضرر رب الدين بالتأخير (3)(ولا يطالب) مدين (بـ) ـدين (مؤجل) لأنه لا يلزمه أداؤه قبل حلوله (4) ولا يحجر عليه من أجله (5)(ومن ماله لا يفي بما عليه) من الدين (حالاً (6)

(1) لما يأتي من أنه صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ ماله، وباعه في دين كان عليه، قال ابن الصلاح: هو حديث ثابت، وإعطاء الغرماء ماله ثابت من فعل عمر، ولم ينقل أنه أنكر ذلك عليه أحد من الصحابة، وقال الشيخ: للحاكم بيع ماله، ويقضي دينه، ولا يلزمه إحضاره، وإذا كان الذي عليه الحق قادرًا على الوفاء، ومطل صاحب الحق، حتى أحوجه على الشكاية، فما غرمه بسبب ذلك فهو على الظالم المبطل، إذا كان غرمه على الوجه المعتاد، قال: ومن غرم مالا بسبب كذب عليه عند ولي الأمر، فله تضمين الكاذب عليه بما غرمه.

(2)

أي لقيام الحاكم مقام الدين الممتنع، قال أحمد: إذا تقاعد بحقوق الناس، يباع عليه ويقضى.

(3)

لحديث «لا ضرر ولا ضرار» وظاهره: يجب، وهو مذهب الشافعي وغيره، وقال الشيخ: لا يلزمه أن يبيع عليه، ومذهب أبي حنيفة: يجبره الحاكم على البيع، إذا لم يمكنه الإيفاء بدونه.

(4)

فلم تستحق المطالبة به.

(5)

أي من أجل كونه لزمه دين من ثمن مبيع أو صداق، أو غيره، ولم يجز منعه من التصرف في ماله بسببه، ولأن الغرماء لا يمكنهم طلب حقوقهم في الحال، فلا حاجة إلى الحجر.

(6)

أخرج من يفي ماله بالحال، وتقدم حكمه.

ص: 169

وجب) على الحاكم (الحجر عليه بسؤال غرمائه) كلهم (أَو بعضهم)(1) لحديث كعب بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ، وباع ماله. رواه الخلال بإسناده (2)(ويستحب إظهاره) أي إظهار حجر المفلس (3) وكذا السفيه، ليعلم الناس بحاله، فلا يعاملوه إلا على بصيرة (4) .

(1) قال في الفروع: والأصح أو بعضهم. واستظهره في تجريد العناية، وصوبه في الإنصاف، وهو مذهب مالك والشافعي.

(2)

والدارقطني، والحاكم وصححه، وتقدم قول ابن الصلاح: أنه حديث ثابت، فدل على جواز الحجر على المديون، وأنه يجوز للحاكم بيع ماله لقضاء دينه، وثبت من فعل عمر، ولم ينكر، وقال الوزير: اتفقوا على أن الحجر على المفلس إذا طلب الغرماء ذلك، وأحاطت الديون بماله، مستحق على الحاكم، وله منعه من التصرف، حتى لا يضر بالغرماء، وبيع ماله إذا امتنع المفلس من بيعه، ويقسمه بين غرمائه بالحصص، إلا أبا حنيفة فقال: يحبسه حتى يقضي الدين، ومعاذ هو ابن جبل الأنصاري رضي الله عنه، بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضيًا، معلمًا، وكان إليه المنتهى في العلم، ومات بالشام في طاعون عمواس.

(3)

لتجتنب معاملته، لئلا يستضر الناس بضياع أموالهم، ويشهد عليه، لينتشر ذلك، وربما عزل الحاكم، أو مات، فيثبت الحجر عند الآخر، فلا يحتاج إلى ابتداء حجر ثان.

(4)

أي ومثل الحجر على المفلس الحجر على السفيه، يستحب إظهاره، والإشهاد عليه، لئلا يغر الناس.

ص: 170

(ولا ينفذ تصرفه) أي المحجور عليه لفلس (في ماله) الموجود، والحادث بإرث أو غيره (بعد الحجر)(1) بغير وصية أو تدبير (2)(ولا إقراره عليه) أي على ماله، لأَنه محجور عليه (3) وأما تصرفه في ماله قبل الحجر عليه فصحيح (4) لأنه رشيد، غير محجور عليه (5) .

(1) هذا أحد الأحكام الأربعة المتعلقة بالحجر على المفلس، وهو تعلق حق الغرماء بماله الموجود قبل الحجر، والحارث بإرث أو غيره، كأرش جناية، ووصية وصدقة، وهبة، ونحو ذلك بعد الحجر، فحكمه كالموجود حال الحجر، لا ينفذ تصرفه فيه تصرفًا مستأنفًا، كبيع وهبة، ووقف، وعتق، وإصداق، ونحوه، لأنه محجور عليه فيه، أشبه الراهن، فلم يصح تصرفه، وهو قول مالك، والشافعي.

(2)

لأنه لا تأثير لذلك إلا بعد الموت، وخروجه من الثلث بعد وفاء دينه، و "أو" هنا بمعنى الواو، ويصح أن يتصدق بالشيء اليسير، قال أحمد: وقضاء دينه أوجب. وصوبه في الإنصاف، وقال: يصح بما جرت العادة بمثله، ويتسامح به، بلا خلاف، ومن عليه نفقة واجبة فلا يملك التبرع بما يخل بالنفقة الواجبة وكلام أحمد يدل عليه.

(3)

أي ولا يصح إقراره على ماله، لأن حقوق الغرماء متعلقة بأعيان ماله، فلم يقبل الإقرار عليه، ولو بعتق عبده، لأنه لا يصح منه عند الجمهور، فلم يقبل إقراره به، ولأنه محجور عليه بحكم حاكم، فأشبه السفيه، قال الشيخ: ويصح إقراره إن أضافه إلى ما قبل الحجر، يعني وأمكن.

(4)

نافذ، من بيع، وهبة، وإقرار، وقضاء بعض الغرماء، وغير ذلك، قال الموفق: لا نعلم فيه خلافًا، ولو استغرق جميع ماله.

(5)

أي فنفذ تصرفه كغيره، ولأن سبب المنع الحجر، فلا يتقدم سببه.

ص: 171

لكن يحرم عليه الإضرار بغريمه (1)(ومن باعه أو أقرضه شيئًا) قبل الحجر، ووجده باقيًا بحاله (2) ولم يأْخذ شيئًا من ثمنه، فهو أحق به (3) لقوله عليه السلام «من أدرك متاعه عند إنسان أَفلس فهو أحق به» متفق عليه، من حديث أبي هريرة (4) .

(1) استدراك من قوله: وأما تصرفه في ماله. يفيد أنه لا يفهم من عموم الصحة عدم الحرمة، بل يكون صحيحًا مع الحرمة، وقال ابن القيم: إذا استغرقت الديون ماله، لم يصح تبرعه بما يضر بأرباب الديون، سواء حجر عليه الحاكم، أو لم يحجر عليه، هذا مذهب مالك، واختيار شيخنا، وهو الصحيح، وهو الذي لا يليق بأصول المذهب غيره، بل هو مقتضى أصول الشرع وقواعده، لأن حق الغرماء قد تعلق بماله، ولهذا يحجر عليه الحاكم، ولولا تعلق حق الغرماء بماله، لم يسع الحاكم الحجر عليه، فصار كالمريض مرض الموت، وفي تمكين هذا المدين من التبرع، إبطال حقوق الغرماء، والشريعة لا تأتي بمثل هذا، فإنما جاءت بحفظ حقوق أرباب الحقوق، بكل طريق، وسد الطريق المفضية إلى إضاعتها. اهـ. ونصره غير واحد من أهل التحقيق، وجزم به ابن رجب وغيره، وعليه: لو رهن بعد أن ضاق ماله لم يصح. وصوبه في الإنصاف.

(2)

أي ما باعه أو أقرضه ونحوه لم ينقص ماليته، لذهاب صفة مع بقاء عينها وكذا عين مؤجرة لم يمض من المدة شيء، فهو أحق بذلك، إن شاء الرجوع فيه.

(3)

أي ولم يأخذ البائع ونحوه شيئًا من الثمن، ولا أبرأ من بعضه، فهو أحق به، وهذا مذهب الجمهور.

(4)

أي من أدرك متاعه بعينه، لم يتغير بصفة، ولا زيادة، ولا نقص،

«عند رجل قد أفلس» أي صار إلى حال لا يملك فيها فلسا «فهو أحق به» من غيره أي من الغرماء، فيأخذه دون الغرماء، ولمسلم في الرجل الذي يعدم «إذا وجد عنده المتاع ولم يفرقه، أنه لصاحبه الذي باعه» ولأحمد عن الحسن عن سمرة مرفوعًا: «من وجد متاعه عند مفلس بعينه فهو أحق به» حسنه الحافظ.

ص: 172

وكذا لو أقرضه أو باعه شيئًا (بعده) أي بعد الحجر عليه (رجع فيه) إذا وجده بعينه (1)(إن جهل حجره) لأنه معذور بجهل حاله (2) .

(1) أي عين ما باعه، أو أقرضه ونحوه، كما لو كان قبل الحجر عليه، ولا يكون أسوة الغرماء.

(2)

لعموم الخبر، ولا يعد مقصرا بعدم السؤال عنه، لأن الغالب على الناس عدم الحجر، وكمشتري المعيب، ويشترط لرجوع من وجد عين ماله عند مفلس ستة شروط، كون المفلس حيًا إلى أخذها، وهذا مذهب مالك، وقال الشافعي: له الفسخ؛ لما روي «مات أو أفلس» رواه أحمد، وأبو داود، وصححه الحاكم، وحسنه الحافظ، وقال: يجب المصير إليه، وقال ابن عبد البر: يرويه المعتمر، وهو غير معروف بحمل العلم، ثم هو غير معمول به، لجعله المتاع لصاحبه بمجرد موت المشتري، والأمر بخلاف ذلك عند جميع العلماء، ولأبي داود عن أبي هريرة «فإن مات فصاحب المتاع أسوة الغرماء» وظاهر كلام ابن القيم صلاحه للاحتجاج به، فالله أعلم، والثاني بقاء كل عوضها في ذمته، وكونها كلها في ملكه، سواء رضي بأخذ الباقي بكل الثمن أو قسطه، لفوات شرطه، إلا إذا جمع عددًا كثوبين فأكثر، فيأخذ البائع ونحوه – مع تعذر بعضه – ما بقي، وكون السلعة بحالها، بأن لم توطأ بكر، ولم يجرح قن، ونحو ذلك، وكون السلعة لم يتعلق بها حق، كشفعة، وجناية، ورهن، وكون السلعة لم تزد زيادة متصلة،

وهذا مذهب الجمهور، ولا يفتقر الفسخ إلى حكم حاكم لأنه ثبت بالنص، وقال أحمد: لو حكم حاكم أنه أسوة الغرماء نقض حكمه وأخذه، ولو قال المفلس: إنما لك ثمنه، فأنا أبيعه وأعطيك. فربه أحق به، فإن وجد شيء من ذلك منع الرجوع، لأنه فسخ بسبب حادث، فلم يملك الرجوع، وهو أسوة الغرماء.

ص: 173

(وإلا) يجهل الحجر عليه (فلا) رجوع له في عينه، لأنه دخل على بصيرة (1) ويرجع بثمن المبيع، وبدل القرض، إذا انفك حجره (2)(وإن تصرف) المفلس (في ذمته) بشراء، أو ضمان أو نحوهما (3)(أو أقر) المفلس (بدين (4) أو) أقر بـ (ـجناية توجب قودًا، أو مالاً صح) تصرفه في ذمته، وإقراره بذلك، لأنه أهل للتصرف، والحجر متعلق بماله لا بذمته (5) .

(1) أي بخراب ذمة المفلس، أشبه من اشترى معيبا يعلم عيبه.

(2)

هذا الحكم الثالث، وهو انقطاع المطالبة عنه، وإنما يرجع من باعه، أو أقرضه ونحوه بثمن المبيع، وبدل القرض، إذا انفك حجره، لأنه هو الذي أتلف ماله، بمعاملته من لا شيء معه.

(3)

كقرض أو إجارة، صح تصرفه، ويتبع بما لزمه من ثمن مبيع، أو قرض أو ضمان، ونحو ذلك، بعد فك الحجر عنه.

(4)

سواء كان قبل الحجر أو بعده، بأن قال: أخذت منه كذا قبل الحجر، أو بعده، أو أطلق.

(5)

وهذا مذهب مالك، وأبي حنيفة، لكن ليس للبائع – ولا للمقرض ونحوهما – مطالبته في حال الحجر، لأن حق الغرماء تعلق بعين ماله الموجود حال الحجر، وبما يحدث له من المال، فقدموا على غيرهم ممن لم يتعلق حقه بعين المال، وتقدم قول الشيخ: إن أضافه إلى ما قبل الحجر وأمكن.

ص: 174

(ويطالب به) أي بما لزمه من ثمن مبيع ونحوه (1) وما أقر به (بعد فك الحجر عنه) لأنه حق عليه (2) وإنما منعنا تعلقه بماله لحق الغرماء، فإذا استوفي فقد زال العارض (3)(ويبيع الحاكم ماله) أي مال المفلس الذي ليس من جنس الدين (4) بثمن مثله أو أكثر (5) .

(1) كبدل قرض، وضمان، وإجارة.

(2)

أي لأن ما لزمه من ثمن مبيع، أو بدل قرض، أو إقرار لشخص، ونحو ذلك حق عليه، كما لو ابتاع، أو اقترض ونحوه، أو أقر لإنسان بمال بعد الحجر عليه.

(3)

أي فلمن باعه ونحوه بعد فك الحجر مطالبته بحقوقهم، قولاً واحدًا.

(4)

أي الذي عليه، بنقد البلد، أو غالبه رواجًا، أو الأصلح، أو الذي من جنس الدين، على ما تقدم في الرهن، وهذا الحكم الرابع، وأما الذي من جنس الدين فلا حاجة إلى بيعه، وإنما يلزم الحاكم قسمه، وإن كان فيهم من دينه من غير جنس الأثمان، ورضي أن يأخذ عوضه من الأثمان جاز، وإلا اشتري له بحصته من الثمن، كدين سلم.

(5)

أي بثمن مثل المبيع المستقر في وقته، وهو ما تنتهي إليه رغبات الراغبين، أو أكثر من ثمن مثله على الفور إن حصل راغبًا، قاله الشيخ وغيره، وقال: لأنه محجور عليه في ماله، فلا يتصرف له فيه إلا بالأحظ ويجب الاستقصاء، وعدم العجلة، حتى يبذل في الجميع قيمته في ذلك الوقت، إلا أن الشيخ يرى اختيار عدم الإجبار على البيع، إذا حصل كساد خارج عن العادة، لجدب ونحوه، ويبدأ بأقله بقاء، وأكثره كلفة، ويترك له ما يحتاجه من مسكن، وخادم لمثله بلا نزاع قاله في الإنصاف، وما يتجر به، كمؤنته أو آلة حرفته وله ولعياله أدنى نفقة مثلهم. وفي رواية: ما يقوم به معاشه. ولعله في حق من لا يمكنه التصرف ببدنه. ومذهب أبي حنيفة: يترك له المسن، ومذهب مالك والشافعي: تباع ويكترى له بدلها، لخبر «خذوا ما وجدتم» .

ص: 175

(ويقسم ثمنه) فورًا (بقدر ديون غرمائه) الحالة (1) لأن هذا هو جل المقصود من الحجر عليه (2) وفي تأخيره مطل، وهو ظالم لهم (3) .

(1) لا المؤجلة فلا يشاركون ذوي الديون الحالة و "فورًا"، حال من "قسم" و"بيع" أي من غير تراخ، فأوجبوا الفورية في البيع والقسم. وقول من قال: يقدم العامل في الزرع ونحوه. لا أصل له.

(2)

أي لأن بيع المفلس، وقسمه على الغرماء فورًا، هو معظم مقصود الحجر على المفلس.

(3)

أي المطل ظلم للغرماء، لأنه صلى الله عليه وسلم لما حجر على معاذ، باع ماله في دينه، وقسم ثمنه بين غرمائه، ولفعل عمر، ولاحتياجه إلى قضاء دينه، فجاز بيع ماله، وقسمه على غرمائه على الفور، وينبغي إحضاره مع غرمائه، ويبدأ بالمجني عليه، ثم بمن له رهن لازم، ثم بمن له عين مال ونحوه، بشرطه. ثم يقسم باقيه بين الغرماء، على قدر ديونهم، لقصة الرجل الذي ابتاع ثمارًا، فكثر دينه، فقال:«تصدقوا عليه» فلم يبلغ وفاء دينه، فقال لغرمائه «خذوا ما وجدتم، فليس لكم إلا ذلك» .

ص: 176

(ولا يحل) دين (مؤجل بفلس) مدين (1) لأن الأجل حق للمفلس فلا يسقط بفلسه كسائر حقوقه (2)(ولا) يحل مؤجل أيضًا (بموت) مدين (3)(إن وثق ورثته برهن) يحرز (4)(أو كفيل مليء) بأقل الأمرين من قيمة التركة، أو الدين (5) .

(1) ذكره القاضي رواية واحدة، وظاهره: دين سلم أو غيره.

(2)

ولأنه لا يوجب حلول ماله، فلا يوجب حلول ما عليه، وكما لا يحل الدين الذي له بموته، ولا يوقف له مال، ولا يرجع على الغرماء إذا حل، ويبقى في الذمة إلى وقت حلوله، فإن لم يقسم الغرماء حتى حل، شارك الغرماء، كما لو تجدد على المفلس دين بجناية فإن أدرك بعض المال قبل قسمه شاركهم فيه بجميع دينه، وعنه: إذا وثق برهن أو كفيل ملئ. وعنه: يحل. وهو قول مالك، فالله أعلم.

(3)

هذا المذهب عند أكثر الأصحاب، وعنه: يحل بالموت وفاقًا، لأنه لا يخلو إما أن يبقى في ذمة الميت، أو الورثة، أو يتعلق بالمال، واختار القاضي أنه لا يحل بشرطه، فيبقى في ذمة الميت، ويتعلق بعين ماله.

(4)

أي إن وثق الورثة أو غيرهم رب الدين، برهن يحرز الأقل من الدين أو التركة، يثق به، لوفاء حقه.

(5)

أي أو وثق الورثة «بكفيل مليء، بأقل الأمرين» متعلق «بوثق» من قيمة التركة، أو الدين، لأن الورثة قد لا يكونون أملياء، أو لا يرضى بهم الغريم، فيؤدي إلى فوات حقه، ومثله إن لم يكن له ورثة.

ص: 177

لأن الأجل حق للميت، فورث عنه، كسائر حقوقه (1) فإن لم يوثقوا حل، لغلبة الضرر (2)(وإن ظهر غريم) للمفلس (بعد القسمة) لماله لم تنقض (3) و (رجع على الغرماء بقسطه)(4) .

(1) وكما لا تحل الحقوق التي له بموته، ولم يجعل الله الموت مبطلاً للحقوق، وإنما هو ميقات للخلافة، وعلامة على الوراثة، وفي الخبر «من ترك حقًا أو مالاً فلورثته» وقال الشيخ في الأجرة المؤجلة: لا تحل بالموت في أصح قولي العلماء، وإن قلنا يحل الدين، لأن حلولها مع تأخير استيفاء المنفعة ظلم له؛ فيبقى الدين في ذمة الميت، كما كان قبل موته، ويتعلق بعد موته بعين ماله، كتعلق حقوق الغرماء بمال المفلس، عند الحجر عليه، وتختص أرباب الديون الحالة بالمال، ولا يرجع رب المؤجل عليهم بعد حلوله، بل على من وثقه.

(2)

وكذا إن لم يكن ورثة، لئلا يضيع، ويأخذه ربه كله، إن اتسعت التركة له، أو يحاص به الغرماء، ولا يسقط منه شيء في مقابلة الجل، وكذا حكم من طرأ عليه جنون.

(3)

أي وإن ظهر غريم للمفلس حال دينه، ليس مؤجلا، بعد قسم مال المفلس، لم تنقض القسمة، وهذا مذهب الشافعي، وحكي عن مالك، لأنهم لم يأخذوا زائدًا على حقهم، وإنما تبين مزاحمتهم فيما قبضوه من حقهم.

(4)

أي بقدر حصته، قال الموفق: أشبه ما لو قسم أرضا، أو ميراثًا بين شركاء، ثم ظهر شريك آخر، أو وارث آخر، وظاهره: ولو كانوا قد تصرفوا فيه.

ص: 178

لأنه لو كان حاضرًا شاركهم، فكذا إذا ظهر (1) وإن بقي على المفلس بقية (2) وله صنعة، أُجبر على التكسب لوفائها (3) كوقف، وأُم ولد يستغني عنهما (4)(ولا يفك حجره إلا حاكم)(5) .

(1) يعني بعد القسمة، كغريم الميت، يظهر بعد قسم ماله، فلو كان للمفلس ألف، اقتسمه غريمان نصفين، ثم ظهر ثالث، دينه كدين أحدهما، رجع على كل واحد بثلث ما قبضه.

(2)

أي وإن بقي على المفلس – بتشديد اللام – بعد قسم ماله بقية من الدين.

(3)

أي البقية، فيما يليق به، وهذا قول عمر بن عبد العزيز، وإسحاق، وغيرهما، لما روي أنه صلى الله عليه وسلم باع إنسانًا في دينه، أي آجره لذلك، ولأنها عقد معاوضة، فجاز إجباره عليه، وإيجاره لما يملك إجارته، فيجبر عليها لوفاء دينه.

(4)

أي كما يجبر على إيجار وقف عليه، وأم ولد يستغني عنهما، للقدرة على الوفاء، وعنه: لا يجبر. وهو قول مالك، والشافعي، وقدمه، وجزم به غير واحد، لقوله تعالى {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} وقوله صلى الله عليه وسلم «خذوا ما وجدتهم، فليس لكم إلا ذلك» ولأنه تكسب للمال، فلم يجبر عليه، كما لا يجبر على قبول صدقة، ولا هدية، ولا وصية، ولا قرض، ولا امرأة على التزويج، لأن في ذلك ضررًا بتحمل المنة التي تأباها قلوب ذوي المروءات.

(5)

أي ولا يفك حجر المفلس – إن بقي عليه شيء من الدين – إلا حاكم، جزم به وقدمه الأكثر.

ص: 179

لأنه ثبت بحكمه، فلا يزول إلا به (1) وإن وفى ما عليه، انفك الحجر بلا حاكم، لزوال موجبه (2) .

(1) أي لأن الحجر عليه ثبت بحكم الحاكم، فلا ينفك إلا به، كالمحجور عليه لسفه بعد رشده، ولأن فراغ ماله يحتاج إلى معرفة وبحث، فوقف ذلك على الحاكم، ولو طلبوا إعادته لما بقي لم يجبهم.

(2)

أي الحجر، وموجبه بكسر الجيم، الأثر الذي أوجبه، فالحكم يدور مع علته، وإن ادَّان من فك حجره، وعليه بقية، فحجر عليه، تشارك غرماء الحجر الأول والثاني، في ماله الموجود، لأن حقوق الجميع متعلقة بذمته، وهو قول الجمهور، ومن فلَّس ثم ادَّان لم يحبس، لوضوح أمره.

ص: 180