الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
في المحجور عليه لحظه
(1)
(ويحجر على السفيه، والصغير، والمجنون، لحظهم)(2) إذ المصلحة تعود عليهم، بخلاف المفلس (3) والحجر عليهم عام في ذممهم، ومالهم (4) ولا يحتاج لحاكم (5) .
(1) هذا هو الضرب الثاني من ضربي الحجر، وهو حجر المحجور عليه لحظ نفسه، وتقدم أن الأصل فيه قوله تعالى {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} وقوله {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} الآية.
(2)
أي ويحجر على السفيه إذا ظهر منه التبذير لماله، ذكرا كان أو أنثى، للآية وغيرها، ورد صلى الله عليه وسلم صدقة الذي تصدق بأحد ثوبيه، والبيضة، والمعتق عبدا له عن دبر، لا مال له غيره، وذلك لأن الأموال للانتفاع بها، بلا تبذير، واستفاض النهي عن إضاعة المال، ويحجر على الصغير، وهو من لم يبلغ، والمجنون، قال الوزير وغيره: اتفقوا على أن الأسباب الموجبة للحجر الصغر، والرق، والجنون. وقال ابن رشد: أجمع العلماء على وجوب الحجر على الأيتام الذين لم يبلغوا الحلم، للآية، والجمهور: وعلى الكبار إذا ظهر منهم التبذير. وقال ابن المنذر: أكثر علماء الأمصار يرون الحجر على كل مضيع لماله، صغير كان أو كبيرا.
(3)
ونحوه، لأن الحجر عليه لحظ غيره، لا لنفسه.
(4)
بخلاف المفلس، ففي ماله دون ذمته، وتقدم.
(5)
لأن عجزهم عن التصرف في محل الشهرة.
فلا يصح تصرفهم قبل الإذن (1)(ومن أَعطاهم ماله بيعًا أَو قرضًا) أو وديعة ونحوها (2)(رجع بعينه) إن بقي، لأنه ماله (3)(وإن) تلف في أيديهم (4) أو (أتلفوه لم يضمنوا) لأنه سلطهم عليه برضاه (5) علم بالحجر أَولا، لتفريطه (6)(ويلزمهم أَرش الجناية) إن جنوا (7) .
(1) أي فلا يصح تصرف الصبي والسفيه ونحوهما في أموالهم، ولا في ذممهم، قبل الإذن، لأن تصرفهم يفضي إلى ضياع أموالهم، وفيه ضرر عليهم؛ وأما المجنون فلا يصح تصرفه، ولو أذن له، فعبارته بالنسبة إليهما لا إلى الجميع.
(2)
كعارية، وإجارة.
(3)
وتصرفهم فاسد، فهو باق على ملكه.
(4)
أي بنفسه، كموت قن، وحيوان، لم يضمنوا، سواء كان بتعد منهم، أو تفريط، أو لا.
(5)
فكان من ضمان مالكه، وليسوا من أهل الحفظ لعارية ونحوها.
(6)
أي سواء علم الدافع بحجر المدفوع إليه أو لم يعلم، لأنه إن علم فقد فرط، وإن لم يعلم فهو مفرط أيضًا، إذ الحجر عليهم في مظنة الشهرة، وإن دفع إليهم محجور عليه ماله فمضمون على المدفوع له، وقيل: يضمنون إذا جهل أنه محجور عليهم، وصوبه في الإنصاف، كتصرف العبد بغير إذن سيده، وصوب أن إتلاف السفيه الوديعة ونحوها كإتلاف الرشيد.
(7)
أي على نفس، أو طرف، أو جرح، على ما يأتي تفصيله في الجنايات إن شاء الله تعالى.
لأنه لا تفريط في المجني عليه (1) والإتلاف يستوي فيه الأهل وغيره (2)(و) يلزمهم أيضًا (ضمان مال من لم يدفعه إليهم)(3) لأنه لا تفريط من المالك (4) والإتلاف يستوي فيه الأهل وغيره (5)(وإن تم لصغير خمس عشرة سنة) حكم ببلوغه (6) لما روى ابن عمر قال: عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحد، وأَنا ابن أَربع عشرة سنة، فلم يجزني (7) .
(1) فلزمهم الأرش، قال في الإنصاف، بلا نزاع.
(2)
ولأنهم لو لم يضمنوا ما جنوا، لعظم الضرر بتعديهم، والدية على العاقلة، مع الصغر والجنون بشرطه.
(3)
إذا أتلفوه، أو أتلفوا شيئًا منه، قال ابن القيم: يضمن الصبي، والمجنون، والنائم ما أتلفوه من الأموال، وهذا من الشرائع العامة، التي لا تتم مصالح الأمة إلا بها، فلو لم يضمنوا جنايات أيديهم، لأتلف بعضهم أموال بعض وادعى الخطأ، وعدم القصد.
(4)
لحصوله في أيديهم بغير اختياره، كالغصب، والجناية.
(5)
أي الإتلاف لمال الغير يستوي في ضمانه الأهل للحفظ، وغير الأهل، كالصبي، والسفيه، والمجنون.
(6)
وزال الحجر عنه، وهذا مذهب مالك، والشافعي.
(7)
أي فلم يأذن لي في الخروج للقتال، وفي رواية: ولم يرني بلغت.
وعرضت عليه يوم الخندق، وأَنا ابن خمس عشرة سنة، فأَجازني. متفق عليه (1)(أو نبت حول قبله شعر خشن) حكم ببلوغه (2) لأَن سعد بن معاذ لما حكم في بني قريظة بقتلهم، وسبي ذراريهم (3) أمر أن يكشف عن مؤتزرهم (4) فمن أنبت فهو من المقاتلة، ومن لم ينبت فهو من الذرية (5) وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة» متفق عليه (6) .
(1) أي أمضاني للخروج للقتال، ورآني بلغت، فدل على أن بلوغ خمس عشرة سنة من الولادة يكون بلوغًا، وهو قول الجمهور.
(2)
وزال الحجر عنه، وهذا مذهب مالك، والشافعي.
(3)
أي لما حكم رئيس الأوس رضي الله عنه في بني قريظة، وكانت نزلت على حكمه، فحكم بقتل مقاتلتهم، وسبي ذراريهم، أي أخذ أولادهم عبيدًا وإماء.
(4)
أي أمر أن يرفع ما يواري موضع الإزار، للحاجة إلى الكشف عمن يستحق القتل.
(5)
يعني فمن أنبت الشعر الخشن المتجعد في العانة، فهو من المقاتلة يقتل، ومن لم ينبت الشعر في العانة، فهو من الذرية يسترق.
(6)
قيل: سميت بذلك لأنها رقعت بالنجوم. والمراد: من فوق سبع سموات وقال عطية القرظي: عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة، فكان من أنبت قتل، ومن لم ينبت خلي سبيله، فكنت ممن لم ينبت، فخلي سبيلي. صححه الترمذي، فدل الحديثان على أن الإنبات من علامات البلوغ.
(أو أنزل) حكم ببلوغه (1) لقوله تعالى {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} (2)(أو عقل مجنون، ورشدا) أي من بلغ وعقل (3)(أو رشد سفيه، زال حجرهم) لزوال علته (4) قال تعالى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (5)(بلا قضاء) حاكم (6) لأنه ثبت بغير حكمه، فزال لزوال موجبه، بغير حكمه (7) .
(1) أي أو أنزل المني، يقظة أو مناما، باحتلام، أو جماع، أو غير ذلك، حكم ببلوغه، قال الموفق: لا نعلم فيه خلافًا، وقال ابن المنذر: أجمعوا على أن الفرائض والأحكام تجب على المحتلم العاقل، فينفك عنه الحجر.
(2)
والحلم هو أن يرى الطفل في منامه ما ينزل به الماء الدافق، الذي يكون منه الولد، واتفق الفقهاء على أنه بلوغ.
(3)
زال حجره بلا خوف.
(4)
وهي الجنون، والسفه، ودفعت إليهم أموالهم.
(5)
رشدا) عقلا، وصلاحا في الدين، وحفظا للمال، وعلما بما يصلحه فعلق زوال الحجر بالرشد، فمتى كان مصلحا في ماله، بأن لا يكون مبذرا، ويحسن التصرف، زال حجره، عند جمهور العلماء، ولأن الحجر إنما كان لعجزه عن التصرف في ماله حفظا له، وقد زال.
(6)
أي بفك الحجر عنهم، وتدفع إليهم أموالهم لقوله {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} واشتراط الحكم زيادة، تمنع الدفع عند وجود ذلك.
(7)
أي الحاكم، وظاهره أن الرشيد إذا سفه، ثم رشد، لا ينفك عنه إلا بحكمه، كما صرحوا به، وقسم الموفق وغيره الحجر إلى ثلاثة أقسام، قسم يزول
بغير حكم حاكم، وهو حجر المجنون، إذا عقل، يزول الحجر عنه، ولا يعتبر فيه حكم حاكم، قال الموفق وغيره: بغير خلاف. وقسم لا يزول إلا بحاكم وهو الحجر على السفيه، وقسم فيه خلاف، وهو الحجر على الصبي، والمذهب أنه إذا بلغ ورشد، انفك عنه الحجر بدون حكم حاكم، وهو مذهب الشافعي، وقال مالك: لا يزول إلا بحاكم. وهو قول بعض أصحاب الشافعي، لأنه موضع اجتهاد ونظر، فإنه يحتاج في معرفة البلوغ، والرشد إلى اجتهاد، فيوقف ذلك على حكم حاكم، كزوال الحجر عن السفيه، وتقدم الأمر بدفع أموالهم إليهم، واشتراط حكم الحاكم زيادة على النص، فالله أعلم.
(وتزيد الجارية) على الذكر (في البلوغ بالحيض)(1) لقوله عليه السلام «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» رواه الترمذي وحسنه (2)(وإن حملت) الجارية (حكم ببلوغها) عند الحمل (3) لأنه دليل إنزالها، لأن الله تعالى أجرى العادة بخلق الولد من مائهما (4) .
(1) أي وتزيد الجارية في البلوغ على ما يحصل به بلوغ الذكر بالحيض، فهو علم على البلوغ في حقها، قال الموفق: لا نعلم فيه خلافًا. وفي الإنصاف: بلا نزاع.
(2)
ووجه الدلالة منه أنه صلى الله عليه وسلم علق قبول صلاة الحائض بالخمار، فدل على اعتباره.
(3)
منذ حملت، لحصول البلوغ به.
(4)
أي ماء الرجل وماء المرأة، قال تعالى {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} ولقوله صلى الله عليه وسلم «فمن أين يكون الشبه؟» وقوله «وإن غلب ماء المرأة، أنث بإذن الله» .
فإذا ولدت، حكم ببلوغها من ستة أشهر، لأنه اليقين (1)(ولا ينفك) الحجر عنهم (قبل شروطه) السابقة بحال ولو صار شيخًا (2)(والرشد الصلاح في المال)(3) لقول ابن عباس في قوله تعالى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} أي صلاحًا في أموالهم (4) . فعلى هذا يدفع إليه ماله وإن كان مفسدًا لدينه (5) .
(1) أي أقل مدة الحمل ستة أشهر، إذا كانت توطأ، لأنه اليقين، وإلا فلأكثر مدة الحمل منذ طلقت، ومتى بلغت، ورشدت، دفع إليها مالها، وهو الصحيح من المذهب، وقول أبي حنيفة، والشافعي، وابن المنذر وغيرهم. وقيل: حتى تزوج، أو تعنس، وتبرز للرجال. وصوبه في الإنصاف.
(2)
أي ولا ينفك الحجر عن السفيه، والصغير، والمجنون، قبل شروطه السابقة، وهي البلوغ، أو العقل، مع الرشد بحال، ولو صار المحجور عليه شيخًا، لظاهر الآية، وتقدم أن جمهور العلماء يرون الحجر على كل مضيع لماله، صغيرًا كان أو كبيرًا، و "لو" إشارة إلى خلاف أبي حنيفة، من أنه إذا بلغ خمسا وعشرين دفع إليه ماله.
(3)
أي لا غير، قال الموفق، وهو قول أكثر أهل العلم، منهم مالك، وأبو حنيفة، وقال الشافعي: في الدين والمال. قال ابن عقيل: وهو الأليق بمذهبنا، لأن إفساد دينه يمنع الثقة في حفظ ماله.
(4)
وقال مجاهد: إذا كان عاقلاً. ولأن من كان مصلحا لماله فقد وجد منه رشد، أشبه العدل.
(5)
وهو مذهب الجمهور، واتفقوا على أنه إذا أونس من صاحب المال الرشد دفع إليه ماله.
ويؤنس رشده (بأن يتصرف مرارًا فلا يغبن) غبنًا فاحشًا (غالبًا (1) ولا يبذل ماله في حرام) كخمر، وآلات لهو (2)(أو في غير فائدة) كغناء، ونفط (3) لأن من صرف ماله في ذلك عد سفيهًا (4)(ولا يدفع إليه) أي الصغير (حتى يختبر) ليعلم رشده (قبل بلوغه، بما يليق به)(5) .
(1)"يؤنس" بالبناء للمفعول، أي يعلم رشده، بأن يتكرر منه البيع والشراء مرارًا، فلا يغبن غبنًا فاحشًا غالبًا، قيل: كاثنين من عشرة. والمرجع فيه العرف، وقيده بالفاحش، لأن غير الفاحش كل يغبن به.
(2)
وقمار، وغناء محرم، ونحو ذلك، فقد يعد الشخص سفيها بصرفه ماله في المباح، ففي الحرام أولى.
(3)
أي ولا يبذل ماله في غير فائدة، ولو كان مباحًا، كغناء مباح، "ونفط" بكسر النون أي إحراقه للتفرج.
(4)
أي لأن من صرف ماله في محرم من نحو ما تقدم، أو فيما لا فائدة فيه، عد سفيها عرفا مبذرا، وهذا بخلاف صرفه في باب بر، كصدقة، أو مطعم، ومشرب، وملبس لا يليق به، فليس بتبذير، إذ لا إسراف في الخير، قال الشيخ: الإسراف ما صرفه في المحرمات، أو كان صرفه في المباح يضر بعياله، أو كان وحده ولم يثق بإيمانه، أو صرف في مباح قدرا زائدًا على المصلحة، والفرق بين الإسراف والتبذير، أن الإسراف صرف الشيء فيما ينبغي، زائدا على ما ينبغي، والتبذير صرف الشيء فيما لا ينبغي.
(5)
أي بما يكون أهلاً أن ينسب إليه، فولد التاجر بأن يتكرر بيعه، فلا يغبن كما تقدم، وولد رئيس وكاتب، باستيفاء على وكيله، وابن المزارع، بما يتعلق بالزراعة، وابن المحترف، بما يتعلق بحرفته، وأنثى بما يفوض إلى ربة البيت، ونحو ذلك.
لقوله تعالى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} الآية (1) والاختبار يختص بالمراهق، الذي يعرف المعاملة، والمصلحة (2)(ووليهم) أي ولي السفيه الذي بلغ سفيهًا واستمر (3) والصغير، والمجنون، (حال الحجر الأَب) الرشيد، العدل ولو ظاهرًا (4) .
(1) فظاهرها أن ابتلاءهم قبل البلوغ، لأنه تعالى سماهم يتامى، وإنما يكون ذلك قبل البلوغ، ومد اختبارهم إلى البلوغ بلفظ (حتى) فدل على أنه قبله، ولأن تأخيرهم إلى البلوغ يفضي إلى الحجر على البالغ الرشيد، لكونه ممتدًا حتى يختبر، ويعلم رشده.
(2)
أي والاختبار فيما تقدم ونحوه يختص بالمراهق المميز، الذي يعرف البيع، والشراء، ونحوه، والمصلحة، والمفسدة، وإلا أدى إلى ضياع المال، وحصول الضرر، والشارح دفع ما يتبادر من قول الماتن: قبل البلوغ؛ فإنه يقتضي كون الاختبار قبل البلوغ بقليل أو كثير، إذا كان مميزًا، والكثير غير مراد، ولو قال: قبيل. بالتصغير لأشعر بذلك، وبيع الاختبار، وشراؤه، وغيره، صحيح بلا نزاع للأمر به، قال الشيخ: ومن نوزع في رشده، فشهد به عدلان قبل، لأنه قد يعلم بالاستفاضة، ومع عدم البينة، له اليمين على وليه: أنه لا يعلم رشده.
(3)
الأب الرشيد، ثم وصيه، ثم الحاكم، بخلاف من رشد ثم عاوده السفه، فلا ينظر في ماله إلا الحاكم كما يأتي.
(4)
لأن تفويض الولاية إلى غير من هذه صفته تضييع للمال، ويحتاج إلى ولي، فلا يكون وليًا على غيره "ولو ظاهرًا" فلا يحتاج إلى تعديل حاكم، وقال الموفق: من شرط ثبوت الولاية العدالة بلا خلاف.
لكمال شفقته (1)(ثم وصيه) لأَنه نائبه، ولو بجعل وثَمَّ متبرع (2)(ثم الحاكم) لأَن الولاية انقطعت من جهة الأَب فتعينت للحاكم (3) .
(1) يعني فإن الأب له من الشفقة ما ليس لغيره، فيستحق الولاية على الصغير، والمجنون بلا نزاع.
(2)
أي ثم ولي السفيه، والصغير والمجنون: وصي الأب، لأنه نائبه، أشبه وكيله في الحياة، ولو كان وصيه بجعل، وثَمَّ متبرع بالنظر له، لكن قال الشيخ وغيره: لا يجوز أن يولى على مال اليتيم إلا من كان قويًا، خبيرًا بما ولي عليه، أمينا عليه، والواجب إذا لم يكن الولي بهذه الصفة أن يستبدل به، ولا يستحق الأجرة المسماة، لكن إذا عمل لليتامى استحق أجرة المثل، كالعمل في سائر العقود الفاسدة، وقال: ولو وصى من فسقه ظاهر إلى عدل، وجب إنفاذه، كحاكم فاسق، حكم بالعدل.
(3)
أي ثم بعد الأب ووصيه، فالولاية للحاكم، يقيم أمينا، لأن الولاية انقطعت من جهة الأب، حيث لم يكن موجودا، أو وجد وفقد شيء من الصفات المعتبرة فيه، وكذا وصيه، فتعينت للحاكم إذا كان متصفا بما اتصف به من قبله، لأنه ولي من لا ولي له، وعنه: للجد ولاية: فعليها يقدم على الحاكم بلا نزاع، وقدمه بعضهم على الوصي، وصوبه في الإنصاف، وقيل: لسائر العصبة أيضًا ولاية بشرط العدالة، اختاره الشيخ، فيقدمون على الحاكم، وقال أيضًا: تكون لسائر الأقارب، ومع الاستقامة لا يحتاج إلى الحاكم. إلا إذا امتنع من طاعة الولي وتكون الولاية لغير الأب، والجد، والحاكم على اليتيم وغيره، وهذا مذهب أبي حنيفة، ومنصوص أحمد في الأم، وأما تخصيص الولاية بالأب والجد فضعيف جدا، ويشترط في الحاكم ما يشترط في الأب، فإن لم يكن كذلك، أو لم يوجد، فأمين يقوم مقام الحاكم. وقال: الحاكم العاجز كالمعدوم. وقال أحمد: حكامنا اليوم لا يجوز أن يقدم إلى أحد منهم، ولا يدفع إليه شيء. فكلامهم محمول على حاكم أهل، قال في الغاية: وهذا ينفعك في كل موضع، فاعتمده.
ومن فك عنه الحجر فسفه أُعيد عليه (1) ولا ينظر في ماله إلا الحاكم (2) كمن جن بعد بلوغ ورشد (3)(ولا يتصرف لأحدهم وليه إلا بالأَحظ)(4) لقوله تعالى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (5) والسفيه والمجنون في معناه (6) .
(1) أي ومن فك عنه الحجر حيث رشد فسفه – بضم الفاء وكسرها – أي صار سفيها، أعيد عليه الحجر وجوبًا، قال في الإنصاف: بلا نزاع.
(2)
لأنه حدث بعد رشده، فلا مدخل للأب بعد رشده.
(3)
أي في أنه لا ينظر في ماله إلا الحاكم.
(4)
قال في الإنصاف: بلا نزاع.
(5)
أي لا تتصرفوا في مال اليتيم إلا بالغبطة، ومفهومه أن ما لا حظ له فيه ليس له التصرف به كالعتق، والهبة، أو التبرعات، والمحاباة، فإن تبرع، أو حابى، أو زاد على النفقة عليه، أو على من تلزمه مؤونته بالمعروف ضمن، كتصرفه في مال غيره، وينفق عليه من ماله بالمعروف بغير إذن حاكم. وله خلط نفقة موليه بماله، إذا كان أرفق له، لقوله {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} ولا يجوز أن يشتري من مالهما شيئًا لنفسه، ولا يبيعهما إلا الأب، لأنه غير متهم عليه، لكمال شفقته وفاقًا.
(6)
أي في معنى اليتيم، إذ النص إنما ورد فيه، فألحق به غيره للقياس.
(ويتجر) ولي المحجور عليه (له مجانًا)(1) أي إذا اتجر ولي اليتيم في ماله كان الربح كله لليتيم (2) لأنه نماء ماله، فلا يستحقه غيره إلا بعقد، ولا يعقد الولي لنفسه (3)(وله دفع ماله)(4) لمن يتجر فيه (مضاربة بجزءٍ) معلوم (من الربح) للعامل (5) .
(1) استحبابًا، قاله الشيخ وغيره، لقول عمر وغيره: اتجروا بأموال اليتامى، كيلا تأكلها الصدقة. ولأنه أحظ للمولى عليه، وقال الشيخ: لو مات من يتجر لنفسه وليتيمه بماله، وقد اشترى شيئًا ولم يعرف لمن هو، لم يقسم، ولم يوقف الأمر حتى يصطلحا، كما يقوله الشافعي، بل مذهب أحمد أنه يقرع، فمن قرع حلف وأخذ.
(2)
قال في الفروع: في الأصح.
(3)
أي فلا أجرة له في نظير اتجاره، وكذا إن دفعه إلى ولده أو غيره ممن ترد شهادته له فنماؤه لليتيم، ولا أجرة له، وظاهر إطلاقهم أنه كالأجنبي، ولعله غير مراد، كما يأتي في الوكالة، وإن كان أصلح، وعقد مع حاكم جاز، وفيه وجه: يجوز لولي اليتيم الاتجار عليه، وهو مذهب أبي حنيفة، واختاره الشيخ وغيره وقواه صاحب الإنصاف وغيره، وعليه: إن دفعه إلى نحو ولده جاز له الأجرة.
(4)
أبًا كان، أو وصيا، أو حاكمًا، أو أمين حاكم وفاقًا.
(5)
لعل المراد هنا المضاربة، للمتجه الدلالة، ولما تقدم من الأمر بالاتجار به، ولأن ذلك أحظ للمولى عليه، وكما يفعله البالغون في أموالهم.
لأن عائشة أَبضعت مال محمد بن أبي بكر رضي الله عنهم، ولأَن الولي نائب عنه فيما فيه مصلحته (1) وله البيع نساء (2) والقرض برهن (3) وإيداعه (4) .
(1) أي ودفع الولي مال اليتيم مضاربة – مع الأمن في المواضع التي يتجر بها، والطرق – فيه مصلحة، لتكون نفقته من فاضل ربحه، لكن بشرط أن لا يدفعه إلا للأمناء، ولا يغرر به، وإلا ضمن، فإن دفعه إلى من ظاهره العدالة ثم خان فلا ضمان، وله دفعه إلى من يتجر به، والربح كله لليتيم.
(2)
أي إلى أجل، إذا كان له الحظ في ذلك، فإنه قد يكون أكثر ثمنا، لكن يحتاط على الثمن، بأن يأخذ به رهنا أو كفيلاً موثوقًا.
(3)
أي وله القرض برهن إذا كان فيه حظ لليتيم، كأن يكون للصبي مال في بلد، فيريد نقله إلى بلد آخر، فيقرضه من رجل في ذلك البلد، ليقضيه بدله في بلده، يقصد بذلك حفظه من الغرر في نقله، أو يخاف عليه الهلاك من نهب، أو غرق أو غيرهما، أو يكون مما يتلف بتطاول مدته، وأشباه ذلك، لا لمودة، أو مكافأة، والمشهور جواز قرضه لملئ لصلحته بلا رهن، وإن أمكنه فهو أولى، ومتى أمكنه التجارة به، أو شراء عقار له فيه الحظ لم يقرضه، لأن فيه تفويت الحظ على اليتيم، ومتى لم يكن لليتيم حظ في قرض ماله لم يقرضه، لأنه يشبه التبرع، ولا يقترض وصي، ولا حاكم منه شيئًا لنفسه.
(4)
أي وللولي إيداع مال اليتيم، ولو مع إمكان قرضه لمصلحة، وقرضه لثقة أولى من ذلك، لأن الوديعة لا تضمن، وإن أودعه مع إمكان قرضه جاز ولا ضمان عليه لأنه ربما رأى الإيداع أولى من القرض، فلا يكون مفرطًا، وللولي رهن مال اليتيم عند ثقة لحاجة، كنفقة أو كسوة، أو إنفاق على عقاره المستهدم،
أو بهائمه، ونحو ذلك، وماله غائب يتوقع وروده، أو ثمرة ينتظرها أو دين مؤجل يحل، أو متاع كاسد يرجو نفاقه، فيجوز له الاقتراض ورهن ماله، وإلا فيبيع من أصول ماله، ويصرفه من نفقته.
وشراء العقار، وبناؤُه لمصلحة (1) وشراء الأضحية لموسر (2) وتركه في المكتب بأُجرة (3) ولا يبيع عقاره إلا لضرورة، أو غبطة (4) .
(1) أي وله شراء العقار إذا رأى المصلحة في ذلك، وبناؤه بما جرت عادة أهل بلده به، لأنه في معنى الشراء، وقوله: لمصلحة عائد على صورة البناء وكل ما تقدم.
(2)
أي ولولي يتيم شراء الأضحية ليتيم موسر من مال اليتيم، لأنه يوم سرور وفرح، ليحصل بذلك جبر قلبه، وإلحاقًا بمن له أب، كالثياب الحسنة، قال الشيخ: ويستحب إكرام اليتيم، وإدخال السرور عليه، ودفع الإهانة عنه، فجبر قلبه من أعظم مصالحه، وهذا مذهب أبي حنيفة، ومالك، وعنه: لا يجوز. وهو مذهب الشافعي، وحملها الموفق وغيره على ما إذا كان الطفل لا يعقل التضحية، ولا يفرح بها، ولا ينكسر قلبه بتركها، وعلى كل حال من ضحى عنه، لم يتصدق بشيء منها، بل يوفرها له، لأنه لا يحل له أن يتصدق بشيء من ماله تطوعا، ولو قيل بجواز الصدقة بما جرت به العادة لكان متوجها، كما في الإنصاف وغيره، وللولي شراء لعب غير مصورة لصغيرة من مالها.
(3)
أي ولولي اليتيم تركه في المكتب كجعفر موضع تعلم الكتابة، وليتعلم ما ينفعه، بأجرة من ماله، لأنه من مصالحه، وله تعليمه الخط، والرماية، والأدب، وأن يسلمه في صناعة إذا كانت مصلحة، ومداواته لمصلحة، ونحو ذلك.
(4)
أي ولا يبيع الولي عقار اليتيم إلا لضرورة، فيجوز بلا نزاع، وذلك
كاحتياجه إلى كسوة، أو نفقة، أو قضاء دين، أو ما لا بد منه، أو يخاف عليه الهلاك بغرق، أو خراب، أو نحوه، ولا يبيعه إلا لغبطة، قال في الإنصاف بلا نزاع. وهي أن يبذل فيه زيادة كثيرة على ثمن مثله، واشترط بعضهم أن يزاد في ثمنه نحو الثلث والصحيح من المذهب جوازه إذا كان لمصلحة، سواء حصل زيادة أو لا، واختاره الموفق والشيخ. وقال ابن القيم: وفي شراء مسجد المدينة من اليتيمين، دليل على جواز بيع عقار اليتيم، وإن لم يكن محتاجًا إلى بيعه للنفقة، إذا كان في البيع مصلحة للمسلمين عامة كبناء مسجد، أو سور ونحوه، ويؤخذ منه بيعه إذا عوض عنه بما هو خير منه. اهـ. ولغير حاجة لا يجوز، وتقدم الأمر بشراء العقار له لمصلحة، فبيعه من غير حاجة تفويت لها.
(ويأْكل الولي الفقير من مال موليه)(1) لقوله تعالى {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} (2)(الأقل من كفايته أو أجرته) أي أجرة عمله (3) .
(1) أي ويأكل الولي الفقير – غير حاكم وأمينه – من مال موليه، وأما الأب فيأكل، ولو لم يكن فقيرًا بغير خلاف، وإن فرض الحاكم شيئًا للولي، جاز له أخذه مجانًا، ولو مع غناه بغير خلاف.
(2)
أي (ومن كان فقيرًا) محتاجًا إلى مال اليتيم – وهو يحفظه ويتعاهده – (فليأكل بالمعروف) وأتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: إني لفقير، وليس لي شيء، ولي يتيم. فقال «كل من مال يتيمك، غير مسرف، ولا مبذر، ولا متأثل» .
(3)
على الأصح، وقاله الشيخ وغيره، فلو كانت أجرة مثله عشرة دراهم، وقدر كفايته خمسة عشرة، لم يكن له إلا أجرة المثل، والعكس بالعكس.
لأنه يستحق بالعمل والحجة جميعًا (1) فلم يجز أن يأخذ إلا ما وجدا فيه (2)(مجانًا) فلا يلزمه عوضه إذا أيسر (3) لأنه عوض عن عمله، فهو فيه كالأجير، والمضارب (4)(ويقبل قول الولي) بيمينه (5)(والحاكم) بغير يمين (6)(بعد فك الحجر في النفقة) وقدرها (7)
(1) فبالعمل كالزكاة، وبالحاجة لآية (فليأكل) ولخبر "كل" ومن يمنع الفقير عن معاشه بالمعروف، ونص أحمد على أكله منه بالمعروف.
(2)
أي العمل والحاجة في الولي، ولو لم يقدره حاكم.
(3)
أما الأب فلا يلزمه، رواية واحدة، لأن له أن يأخذ من مال ولده ما شاء، مع الحاجة وعدمها، والفقير غير الأب مجانًا على الأصح، لأن الله أمر بالأكل من غير ذكر عوض، فأشبه سائر ما أمر بأكله.
(4)
أي وهما لا يلزمهما عوض ما أخذاه على عملهما، فلم يلزم الولي، ولأنه لو وجب عليه إذا أيسر لكان واجبًا في الذمة قبل اليسار فإن اليسار ليس سببًا للوجوب، والآية والخبر لم يذكر فيهما عوض، ويأكل ناظر وقف بمعروف، قال الشيخ: لا يقدم بمعلومه بلا شرط، إلا أن يأخذ أجرة عمله مع فقره كوصي يتيم، وأما الوكيل في الصدقة فلا يأكل منها شيئًا، لأجل عمله، لأنه منفذ، ليس بعامل، مُنَمٍّ، مثمر.
(5)
بلا نزاع، لأنه أمين كالمودع.
(6)
لولايته، وعدم التهمة، والأب كالحاكم وأولى، ولأنه ليس لولده عليه مخاصمة.
(7)
أي إذا ادعى من زال حجره تعديا في النفقة عليه، أو على ماله، أو تعديا في قدرها، ليرجع على الولي.
ما لم يخالف عادة وعرفًا (1) ولو قال: أنفقت عليك منذ سنتين. فقال: من سنة. قدم قول الصبي (2) لأن الأصل موافقته، قاله في المبدع (3)(و) يقبل قول الولي أيضًا في وجود (الضرورة، والغبطة) إذا باع عقاره وادعاهما ثم أنكره (4)(و) يقبل قول الولي أيضًا في (التلف)(5) .
(1) أو يعلم كذب الولي، فلا يقبل قوله، لمخالفته الظاهر، وتعتبر العادة والعرف في مسائل كثيرة، حتى جعلت أصلا، فالعادة محكمة، معمول بها شرعا، لقول ابن مسعود: ما رآه المسلمون حسنا، فهو عند الله حسن. رواه أحمد وهي عبارة عما يستقر في النفوس، من الأمور المتكررة، المعقولة عند ذوي الطباع السليمة، والعرف: كل ما عرفته النفوس، مما لا ترده الشريعة، وقيل: ما عرفه العقلاء بأن حسن، وأقرهم الشارع عليه.
(2)
أي فقال الصبي ونحوه – بعد فك الحجر عنه – بل من سنة. قدم قول الصبي وكذا لو قال الولي: مات أبوك من سنتين، وقال الصبي: بل من سنة، وأنفقت علي من أوان موته. قدم قول الصبي بيمينه.
(3)
وكذا قال القاضي: القول قول الغلام، لأن الأصل حياة والده، واختلافهما في أمر ليس الوصي أمينا فيه، فقدم قول من يوافق قوله الأصل.
(4)
أي وادعى الولي الضرورة والغبطة المقتضية لبيع العقار، ثم أنكره الصبي، وعلم منه، أنه لا يعتبر ثبوت ذلك عند الحاكم، لكنه أحوط، دفعا للتهمة.
(5)
أي تلف مال المحجور عليه أو بعضه، لأنه أمين، لكن بيمينه، لاحتمال قول الصبي.
وعدم التفريط، لأنه أمين، والأصل براءته (1)(و) يقبل قوله أيضًا في (دفع المال) إليه بعد رشده، لأنه أمين (2) وإن كان بجعل لم يقبل قوله في دفع المال، لأنه قبضه لنفعه كالمرتهن (3) ولولي مميز وسيده أن يأذن له في التجارة (4) فينفك عنه الحجر في قدر ما أذن له فيه (5) .
(1) وفي الإنصاف: إن ادعى على الولي تعديا، أو ما يوجب ضمانا، فالقول قوله بلا نزاع.
(2)
أشبه المودع، لأنه إنما قبض المال لمصلحة الصبي ونحوه.
(3)
أي في دعواه رد الرهن، وكالمستعير، فلم تقبل دعوى الرد، ولم يفرق بعض الأصحاب بين من بجعل أو لا. وذكر الموفق وغيره احتمالا، أن القول قول الصبي، لأن الأصل معه، ولقوله {فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} فمن ترك الإشهاد فقد فرط والأول المذهب.
(4)
أي ولولي حر مميز، وسيد قن مميز، أن يأذن لموليه وقنه المميز في التجارة، وفاقًا لأبي حنيفة، لقوله {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} ولأنه عاقل محجور عليه، فصح تصرفه بإذن وليه وسيده، كالعبد الكبير، والسفيه، وأما المجنون، والطفل فلا يصح تصرفهما مطلقًا.
(5)
كالقن، فإن أذن لهما في التجارة في مائة، مثلا، لم يصح تصرفهما فيما زاد عليها، وكذا في نوع كـ"بر" فلا يتعداه إلى غيره، كوكيل، ووصي في نوع لأن الحجر لم ينفك إلا في قدر ما أذن فيه ولا يؤجر بنفسه، ولا يتوكل لغيره، ويجوز الإذن لسيد العبد بغير خلاف، لأن الحجر عليه لحق السيد، وإن رآه وليه أو سيده يتجر، فلم ينهه، لم يصر مأذونا له، لأنه تصرف يفتقر إلى الإذن، فلم يقم السكوت مقامه، لكن، قال الشيخ: الذي ينبغي أن يقال فيما إذا رأى عبده يبيع، فلم ينهه في جميع المواضع، أنه لا يكون إذنا، ولا يصح التصرف، ولكن يكون تغريرا، فيكون ضامنا، بحيث أنه ليس له أن يطالب المشتري بالضمان، فإن ترك الواجب عندنا كفعل المحرم، كما نقول فيمن قدر على إنجاء إنسان من هلكة، بل الضمان هنا أقوى.
(وما استدان العبد لزم سيده) أداؤه (إن أذن له) في استدانته ببيع، أو قرض، لأنه غر الناس بمعاملته (1)(وإلا) يكن استدان بإذن سيده (ف) ـما استدانه (في رقبته)(2) يخير سيده بين بيعه، وفدائه بالأقل من قيمته، أو دينه، ولو أعتقه (3)
(1) فلزمه جميع ما ادان، وكذا ما اقترضه ونحوه بإذن سيده، لأنه متصرف له، والمشترك لا بد من إذن الجميع، وفي الاختيارات: ولا يقبل من السيد دعوى عدم الإذن لعبده، مع علمه بتصرفه، ولو صدقه، فتسليطه عليه عدوان وهذا الصحيح من المذهب. وقال مالك والشافعي: إن كان في يده مال، قضيت ديونهم منه. وقال الموفق: لا فرق بين الدين الذي لزمه في المأذون فيه، أو فيما لم يؤذن له فيه، مثل أن أذن له في البر فاتجر في غيره، فإنه لا ينفك عن التغرير، إذ يظن الناس أنه مأذون له فيه.
(2)
لأنه دين لزمه بغير إذن سيده، فتعلق برقبته، كالإتلاف، وعنه: إن علم معامله فلا شيء له، وصوبه الشيخ.
(3)
ظاهره أنه مخير فيما ذكره، وهو غير مراد، لأنه إذا أعتقه لا يمكن تسليمه، بل يلزمه الذي عليه قبل العتق، وهو الأقل من قيمته أو الدين، وأما
التخيير بين بيعه وفدائه فحيث لم يعتقه، وإن أعتقه لزمه أن يفديه بأقل الأمرين قيمته، أو الدين، لأنه فوت رقبته على رب الحق بإعتاقه، ولا يلزمه أكثر من قيمته، كما لو لم يعتقه، فلو تعلق برقبته مائة، وقيمته خمسون، لم يلزمه سوى الخمسين.
وإن كانت العين باقية ردت لربها (1)(كاستيداعه) أي أخذه وديعة فيتلفها (2)(وأَرش جنايته (3) وقيمة متلفه) فيتعلق ذلك كله برقبته (4) ويخير سيده كما تقدم (5) .
(1) حيث أمكن أخذه لها، لبقاء ملكه عليها، لفساد العقد.
(2)
أي فتعلق برقبته، لأنه الذي حال بينه وبين ماله.
(3)
أي تعلق برقبته، سواء كان مأذونا له أو لا، رواية واحدة، وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي.
(4)
أي العبد، سواء كان مأذونا له في التجارة أو لا، إذ الإذن في التجارة لا يتضمن الإذن في الجنايات، والإتلافات، وقال عثمان: دينه على ثلاثة أقسام قسم يتعلق بذمة السيد، وهي الديون التي أذن له فيها، وقسم يتعلق برقبته، وهي ديون غير المأذون له مما ثبت ببينة، أو إقرار السيد، وقسم يتعلق بذمة العبد، وهو ما لم يثبت بغير إقرار العبد فقط.
(5)
أي بين بيعه، وفدائه بالأقل من قيمته أو دينه، أو تسليمه إن لم يعتقه، وكذا كل ما تعلق بذمته، فإذا بيع وكان ثمنه أقل مما عليه، فليس لرب الدين ونحوه إلا ذلك، لأن العبد هو الجاني، فلم يجب على غيره شيء، وإن كان ثمنه أكثر، فالفضل للسيد، وإن اختار فداءه، لزمه أقل الأمرين، من قيمته أو أرش جنايته، لأن أرش الجناية إن كان أكثر، فلا يتعلق بغير العبد الجاني، لعدم الجناية من غيره، وإنما تجب قيمته، وإن كان أقل فلم يجب بالجناية إلا هو.
ولا يتبرع المأذون له بدراهم، ولا كسوة (1) بل بإهداء مأْكول، وإعارة دابة (2) وعمل دعوة بلا إسراف (3) ولغير المأذون له الصدقة من قوته، بنحو رغيف، إذا لم يضره (4) وللمرأة الصدقة من بيت زوجها بذلك، ما لم تضطرب العادة (5) .
(1) لأن ذاك ليس من التجارة، ولا يحتاج إليها، فأشبه غير المأذون له، ولا يتبرع بنحو كتاب، ولا فرس، وظاهره: ولو قل، ولعله ما لم تجربه عادة.
(2)
أي بل يجوز له التبرع بإهداء مأكول بلا إسراف، وإعارة دابة، وثوب ونحوه.
(3)
أي ويجوز له التبرع بعمل دعوة بضم الدال، وصدقة بيسير، بلا إسراف في الكل، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يجيب دعوة المملوك، وتزوج أبو سعيد مولى لبني أسد، فحضر دعوته ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ابن مسعود، وحذيفة، وأبو ذر، ولأنه مما جرت به عادة التجار فيما بينهم، فيدخل في عموم الإذن.
(4)
أي ولغير المأذون له في التجارة، كالقن، الصدقة من قوته بنحو رغيف، كفلس، وبيضة، إذا لم يضره، لأنه مما جرت العادة بالمسامحة فيه.
(5)
أي وللمرأة الصدقة من بيت زوجها برغيف ونحوه، لخبر «إذا أنفقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت وله مثله بما كسب، وللخازن مثل ذلك، من غير أن ينقص من أجورهم شيء» ولم يذكر إذنا، وقال لأسماء «ارضخي ما استطعت، ولا توعي، فيوعي الله عليك» وكذا قالت له امرأة: ما يحل لنا من أموالهم؟ قال «الرطب تأكلينه وتهدينه» ولأن العادة السماح بذلك، وطيب النفس به، فجرى مجرى صريح الإذن، ما لم يمنع، أو تضطرب العادة، يعني تختلف، نحو أن يكون بعضا يمنع، وبعضًا لا يمنع، أو يشك في رضاه، فلا يجوز إلا عن طيب نفس منه.
أو يكن بخيلاً، أو تشك في رضاه (1) .
(1) أي ولها الصدقة من بيته، ما لم يكن بخيلاً، أو تشك في رضاه، فيحرم الإعطاء من ماله بلا إذنه، لأن الأصل عدم رضاه إذا، كصدقته من مالها، فإن كان في بيت الرجل من يقوم مقام امرأته، كجاريته وأخته وغلامه المتصرف في بيت سيده وطعامه، جاز له الصدقة بنحو رغيف من ماله، ما لم يمنع أو يكن بخيلاً، أو يضطرب عرف، أو يشك في رضاه.