الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الرهن
(1)
هو لغة: الثبوت والدوام (2) يقال: ماء راهن. أي راكد (3) ونعمة راهنة أي دائمة (4) وشرعًا: توثقة دين بعين (5) يمكن استيفاؤه منها أو من ثمنها (6) .
(1) أي هذا باب يذكر فيه الرهن وأحكامه وما يتعلق به.
(2)
والاحتباس، وفي القاموس، ما وضع عندك لينوب مناب ما أخذ منك، ورهنه الشيء، وأرهنه: جعله رهنا، وارتهنه منه أخذه، وكل ما احتبس به شيء فرهينه ومرتهنه.
(3)
أي لا يجري.
(4)
أي لا تزول، وهو المراد هنا، من قولهم: رهن الشيء. إذا ثبت ودام، ومنه {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} أي محبوسة، والدائم والمحبوس هو الثابت، أو هو الحبس في مكان لا يزول منه.
(5)
أي جعل عين مالية وثيقة بدين، ووثقت بالشيء، اعتمدت عليه، فالمرتهن معتمد على الاستيفاء من الرهن عند التعذر، وظاهره عدم صحة رهن الدين، وعنه: يجوز عند من عليه الحق له، قال في الإنصاف: الأولى الجواز، وهو قول كثير من الأصحاب وغيرهم وتقدم. وقال الزركشي: توثقة دين بعين، أو بدين على قول.
(6)
أي يمكن استيفاء الدين، أو استيفاء بعضه منها، إن كانت من جنس الدين أو استيفاؤه أو بعضه من ثمنها، إن كانت من غير جنس الدين، وقوله: يمكن استيفاؤه. أخرج أم الولد ونحوها مما لا يصح بيعه.
وهو جائز بالإجماع (1) ولا يصح بدون إيجاب وقبول، أو ما يدل عليهما (2) ويعتبر معرفة قدره وجنسه وصفته (3) وكون راهن جائز التصرف، مالكًا للمرهون، أو مأذونًا له فيه (4)
(1) بل بالكتاب والسنة وبالإجماع، قال تعالى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} وتوفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة، وأجمعوا على جوازه في السفر، والجمهور على جوازه في الحضر، وحكي اتفاقًا، مع وجود كاتب فإن الكل في الآية خرج مخرج الأعم الأغلب، لا على سبيل الشرط، للسنة المستفيضة في ذلك، وليس بواجب إجماعًا، لأنه وثيقة بالدين، فلم يجب كالضمان، وإنما جاز حفظًا للأموال وسلامة من التنازع.
(2)
أي ولا يصح الرهن بدون إيجاب، كرهنتك هذا الشيء. وقبول كقبلت هذا الشيء، أو ارتهنته، أو ما يدل على الإيجاب، والقبول كمعاطاة، وأركانه أربعة: الصيغة، والمرهون، والمرهون به، والمتعاقدان.
(3)
أي ويشترط للرهن ستة شروط، أحدها معرفة قدر الرهن، ومعرفة جنسه وصفته، لأنه عقد على مال، فاشترط العلم به، وجعل وثيقة بحق، ولا يحصل التوثيق بدون معرفته.
(4)
أي ويعتبر كون راهن جائز التصرف بلا نزاع، لأنه نوع تصرف في المال فلم يصح بدونه، قال ابن رشد: لا خلاف أن من صفة الراهن، أن يكون غير محجور عليه من أهل السداد، وكل من صح أن يكون راهنًا صح أن يكون مرتهنًا. اهـ. وذلك بأن يكون مالكًا للمرهون ولو لمنافعه، ومقتضاه: أن المرهون لا يطلق عليه اسم الرهن، ونص الآية {فَرِهَانٌ} وهو جمع رهن بمعنى مرهون، والمرهون كل عين معلومة جعلت وثيقة في حق، ويجوز أن يرهن مال نفسه على دين غيره، ولو بغير رضاه كإعارته شيئًا للمرتهن، صرح به الشيخ، وأن يكون المرهون مأذونًا له فيه، كأن استعار أو استأجر ما يصح رهنه ليرهنه، ولو لم يبين قدر الدين، لكنه ينبغي أن يبين له ذلك، والمرتهن والجنس الذي يرهنه به ومدته، فإن شرط له شيئًا فخالفه لم يصح، حكاه ابن المنذر إجماعًا، إلا إذا أذن في رهنه بقدر فزاد عليه، فيصح في المأذون فيه.
و (يصح) الرهن (في كل عين يجوز بيعها)(1) لأن القصد منه الاستيثاق بالدين، ليتوصل إلى استيفائه من ثمن الرهن (2) عند تعذره من الراهن (3) وهذا متحقق في كل عين يجوز بيعها (4) .
(1) من غير استثناء، وأخرجت العين المنافع، فإنه لا يصح رهنها مع صحة بيعها، ولو كانت العين نقدًا أو مؤجرًا أو جعلا، ويسقط ضمان العارية لانتقالها للأمانة، وإن لم يستعملها المرتهن، فإذا استعملها صارت مضمونة عليه.
(2)
أي المرهون، وكثيرًا ما يطلق الرهن ويراد به المرهون، من إطلاق المصدر على اسم المفعول.
(3)
أي عند تعذر استيفاء الدين، من الغريم الراهن للعين، ودين الآدمي واجب قضاؤه على الفور عند المطالبة وإلا فقيل: لا. وقال ابن رجب إن لم يكن عين وقتا للوفاء، فأما إن عين وقتا للوفاء كيوم كذا، فلا ينبغي أن يجوز تأخيره، لأن تعيين الوفاء فيه كالمطالبة. اهـ. وإذا لم يكن يعلم به فيجب إعلامه، وفيه وجه: يجب على الفور من غير مطالبة. وذكره القاضي والموفق محل وفاق.
(4)
أي الاستيثاق الموصل للدين، متحقق في كل عين مرهونة يجوز بيعها، سواء كانت مما يبقى إلى حلول الأجل أولا، كالبطيخ، ويباع ويكون ثمنه رهنًا مكانه، لأن حفظه متعين في بيعه، فيحمل عليه مطلق العقد.
(حتى المكاتب)(1) لأنه يجوز بيعه، ويمكن من الكسب (2) وما يؤديه من النجوم رهن معه (3) وإن عجز ثبت الرهن فيه وفي كسبه (4) وإن عتق بقي ما أَداه رهنًا (5) ولا يصح شرط منعه من التصرف (6) والمعلق عتقه بصفة إن كانت توجد قبل حلول الدين لم يصح رهنه (7) .
(1) أي يجوز رهنه، وهو مذهب مالك، وقال الشارح: إذا قلنا استدامة القبض شرط في الرهن لم يصح، والصحيح أنه شرط، فلا يصح رهنه، وهذا مذهب الشافعي، لأن استدامة القبض غير ممكنة في حق المكاتب، لمنافاتها مقتضى الكتابة.
(2)
أي فيمكن إيفاء الدين من ثمنه أو كسبه "ويمكن" بالبناء للمفعول، أي يمكن المكاتب من الكسب، لأنه ملكه بالكتابة، وهي سابقة، وكما كان قبل أن يرهن.
(3)
لأنه كنمائه، وكما لو كسب القن ثم مات.
(4)
أي وإن عجز عن أداء ما بقي من الكتابة، وثبت الرق، ثبت الرهن فيه، وفي كسبه بالدين.
(5)
كقن مات بعد كسبه، سواء عتق بأداء أو إعتاق.
(6)
أي ولا يصح إذا رهن المكاتب منعه من التصرف، حتى لا يعتق، لمخالفته مقتضى عقد الكتابة.
(7)
لكونه لا يمكن بيعه عند حلول الحق، ولا استيفاء الدين من ثمنه، مثاله: هو حر إذا دخل رمضان. وحلول الدين بعد ظهوره.
وإلا صح (1) ويصح الرهن (مع الحق)(2) بأن يقول: بعتك هذا بعشرة إلى شهر، ترهنني بها عبدك هذا؛ فيقول: اشتريته منك ورهنته (3) لأن الحاجة داعية إلى جوازه إذًا (4)(و) يصح (بعده) أي بعد الحق بالإجماع (5) ولا يجوز قبله، لأنه وثيقة بحق، فلم يجز قبل ثبوته (6) .
(1) أي وإن لم تكن توجد قبل حلول الدين، صح الرهن، لإمكان بيعه، فإن كانت تحتمل الأمرين، كقدوم زيد، صح رهنه كالمدبر عتقه، وإن حصلت قبل، فيمكن أن يبقى حتى يستوفي الدين من ثمنه، وهذا مذهب أبي حنيفة.
(2)
أي في صلب العقد، وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي، وجماهير العلماء.
(3)
ونحو ذلك، فيصح الرهن.
(4)
بل إلى ثبوته، فإنه لو لم يعقده مع ثبوت الحق، ويشترطه فيه، لم يتمكن من إلزام المشتري عقده، وكانت الخيرة إلى المشتري، والغالب أنه لا يبذله، فتفوت الوثيقة بالحق.
(5)
حكاه غير واحد، لقوله {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} بعد قوله {وَلَمْ تَجِدُواكَاتِبًا} فجعله بدلاً عن الكتابة، فيكون في محلها، ومحلها بعد وجوب الحق، وفي الآية أيضًا ما يدل على ذلك، ولأنه دين ثابت، تدعو الحاجة إلى الوثيقة به، فجاز أخذها به كالضمان.
(6)
أي قبل ثبوت الحق كالشهادة نص عليه، وهو مذهب الشافعي.
ولأنه تابع للحق فلا يسبقه (1) ويعتبر أن يكون (بدين ثابت)(2) أو مآله إليه (3) حتى على عين مضمونة كعارية (4) ومقبوض بعقد فاسد (5) ونفع إجارة في ذمة (6) لا على دين كتابة (7) .
(1) أي لا يسبق الحق، كالثمن لا يتقدم البيع، واختار أبو الخطاب: يصح، وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، فإذا قال: رهنتك هذا الشيء بعشرة تقرضينها غدا. وسلمه إليه، ثم أقرضه الدراهم، لزم الرهن، لأنه وثيقة بالحق، فجاء عقدها قبل وجوبه كالضمان.
(2)
أي ويعتبر الرهن أن يكون بدين ثابت، كقرض وقيمة متلف.
(3)
أي إلى الثبوت، كثمن في مدة خيار، وأجرة دار.
(4)
أي حتى إنه يصح الرهن على عين مضمونة كعارية، وإن لم تكن دينًا، لمشابهتها له من حيث أنه إذا تعذر أداؤها استوفي له من ثمن الرهن، قال القاضي: هذا قياس المذهب. قال في تصحيح الفروع: وهو أولى.
(5)
وهو ما اختل فيه شرط من شروط البيع، ويصح أخذ الرهن على المقبوض بسوم، لأن مقصود الرهن الوثيقة بالحق، وهذا حاصل، فإن الرهن بها يحمل الراهن على أدائها، وإن تعذر أداؤها استوفي بدلها من ثمن الرهن، فأشبهت ما في الذمة.
(6)
أي ويصح أخذ الرهن على نفع إجارة في الذمة، كمن استؤجر لخياطة ثوب، أو بناء دار ونحو ذلك، فإنه إذا لم يعمله الأجير بيع الرهن واستؤجر منه من يعمله.
(7)
استثناء مما يصح رهنه، لعدم ثبوته، لأن للمكاتب أن يعجز نفسه أو يعجز فلا يصح أخذ الرهن عليه، صححه في تصحيح المحرر والفروع.
أو دية على عاقلة قبل الحلول (1) ولا بعهدة مبيع (2) وثمن وأُجرة معينين (3) ونفع نحو دار معينة (4)(ويلزم) الرهن بالقبض (في حق الراهن فقط)(5) لأَن الحظ فيه لغيره، فلزم من جهته، كالضمان في حق الضامن (6)(ويصح رهن المشاع)(7) .
(1) لعدم ثبوته، لأنه لو تموت العاقلة أو يصيبها جنون ونحو ذلك قبل الحلول، لم يلزمها شيء، وبعد الحلول يصح لوجوبه إذًا.
(2)
أي تبعة مبيع، لأن البائع إذا وثق على عهدة المبيع فكأنه ما قبض الثمن، ولا ارتفق به، وليس له حد ينتهي إليه، فيعم ضرره بمنع البائع التصرف فيه.
(3)
لكونهما غير ثابتين في الذمة.
(4)
وكعبد معين زمنا معينا، ودابة معينة، لحمل شيء معين، إلى مكان معلوم، لأن الذمة لم يتعلق بها حق واجب في هذه الصور ونحوها، ولا يؤول إلى الوجوب، لأن الحق في أعيان هذه الأشياء، وينفسخ عقد الإجارة عليها بتلفها.
(5)
وهذا مذهب مالك والشافعي.
(6)
أي من أنه يلزم في حق الضامن فقط، لأن الحظ فيه لغيره، فكذا الرهن لا يلزم إلا في حق الراهن، بخلاف المرتهن، فإن الحظ فيه له وحده، فكان له فسخه كالمضمون له، ولا لزوم في حقهما بحال.
(7)
من الشريك ومن الأجنبي، ولو بعض نصيبه منه، أو من عين في مشاع، كأن يكون له نصف دار، فيرهن نصيبه من بيت منها بعينه لشريكه أو غيره.
لأنه يجوز بيعه في محل الحق (1) ثم إن رضي الشريك والمرتهن بكونه في يد أحدهما أو غيرهما جاز (2) وإن اختلفا جعله حاكم بيد أمين أمانة أو بأُجرة (3)(ويجوز رهن المبيع) قبل قبضه (4)(غير المكيل والموزون) والمذروع والمعدود (5) .
(1) أي زمن حلوله: يجوز أن يباع ذلك الجزء، ويوفى منه الدين، فصح رهنه، أشبه المفرز، وهذا مذهب الجمهور، وقال أصحاب الرأي: إلا لشريكه أو هما لواحد، وتظهر صحة قول الجمهور بإمكان استيفاء الدين من ثمنه، عند تعذره من غيره، لأن المشاع قابل لذلك.
(2)
لأن الحق لا يعدوهما، والعبارة فيها إجمال، وعبارة الإقناع وشرحه: ثم إن كان المرهون بعضه مما لا ينقل – كالعقار – خلى الراهن بينه وبينه، وإن لم يحضر الشريك ولم يأذن، إذ ليس في التخلية تعد على حصة الشريك، وإن كان المرهون بعضه مما ينقل، كالثياب، فرضي الشريك والمرتهن بكونه في يد أحدهما أو غيرهما جاز.
(3)
لأن المالك لا يلزمه تسليم ما لم يرهنه، والمرتهن لا يلزمه ترك الرهن عند المالك، فقام الحاكم مقامهما في حفظه لهما، ويجعله بيد أمين، ولو بأجرة عليهما، لأن أحدهما ليس أولى به من الآخر، ولا يمكن جمعهما فيه فتعين ذلك.
(4)
لأنه يجوز بيعه قبل قبضه، يعني على القول به، فصح رهنه، كما بعد القبض.
(5)
وكذا ما بيع بصفة أو رؤية متقدمة قبل قبضه، واستثناؤه لعدم جواز بيعه قبل قبضه، واختار الشيخ جواز رهن المكيل والموزون ونحوهما قبل قبضهما، وحكاه القاضي وابن عقيل عن الأصحاب.
(على ثمنه وغيره)(1) عند بائعه وغيره، لأَنه يصح بيعه (2) بخلاف المكيل ونحوه (3) فإنه لا يصح بيعه قبل قبضه، فكذلك رهنه (4)(وما لا يجوز بيعه) كالوقف وأم الولد (لا يصح رهنه)(5) لعدم حصول مقصود الرهن منه (6)(إلا الثمرة والزرع الأخضر قبل بدو صلاحهما بدون شرط القطع)
(1) أي وغير ثمنه قولاً واحدًا، وعلى ثمنه نص عليه، لأن ثمنه في الذمة دين، والمبيع ملك للمشتري، فجاز رهنه كغيره من الديون.
(2)
أي يصح رهن المبيع عند بائعه وغير بائعه، لأنه يصح بيعه قبل قبضه، وما صح بيعه قبل قبضه صح رهنه.
(3)
أي من معدود ومذروع، ومبيع بصفة أو رؤية متقدمة، ونحو ذلك.
(4)
سواء كان على ثمنه أو غيره، أو دين آخر، وسواء رهنه من البائع أو شخص آخر، واختار القاضي والشيخ الجواز، وقال في الرعاية: في أصح الوجهين، لأن قبضه مستحق، فيمكن المشتري أن يقبضه ثم يقبضه، وإنما لم يجز بيعه لأنه يفضي إلى ربح ما لم يضمن.
(5)
وكالحر والآبق والكلب والمجهول ونحو ذلك، وكالعين المرهونة، لا يصح رهنه.
(6)
أي باستيفاء الدين من ثمنه عند التعذر، وما لا يجوز بيعه لا يمكن فيه ذلك، ولا يجوز رهن العبد المسلم لكافر إلا عند بعضهم، بشرط كونه في يد مسلم، ككتب حديث وتفسير، اختاره الموفق والشيخ وغيرهما، ولا يصح رهن المصحف، لأنه وسيلة إلى بيعه، هذا المذهب، وعنه يصح وفاقًا.
فيصح رهنهما (1) مع أنه لا يصح بيعهما بدونه (2) لأن النهي عن البيع لعدم الأَمن من العاهة (3) ولهذا أمر بوضع الحوائج (4) وبتقدير تلفهما لا يفوت حق المرتهن من الدين (5) لتعلقه بذمة الراهن (6) ويصح رهن الجارية دون ولدها (7) وعكسه، ويباعان (8) .
(1) أي الثمرة والزرع قبل بدو الصلاح، استثناء من قوله: وما لا يجوز بيعه، الخ. فمتى حل الحق بيعا بشرط القطع في الحال، وإن اختار المرتهن تأخير بيعهما فله ذلك.
(2)
أي بدون شرط القطع في الحال.
(3)
كما تقدم في قوله: ويأمن العاهة. ولأن الغرر يقل فيه، لاختصاصه بالوثيقة.
(4)
وقال «بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟» وهذا مفقود هنا.
(5)
إذ مقصوده إمكان استيفاء الدين، وهو ممكن هنا.
(6)
وتمكنه من عوده إلى حقه فيها، وإن شرط قطعها عند خوف اختلاطها بغيرها جاز، وإن اختلطت لم يبطل، لا إن رهنها إلى محل تحدث فيه أخرى لا تتميز، لأنه مجهول.
(7)
أو أخيها ونحوه، وكذا رهن الأب دون ولده، وهذا أيضًا استثناء من قوله: وما لا يجوز بيعه لا يصح رهنه.
(8)
أي ويصح عكس ذلك، بأن يرهن ولدها دونها، ويرهن الولد دون أبيه ونحوه، لأن النهي عن بيع ذلك، إنما هو لأجل التفريق بين ذي الرحم
المحرم، وذلك مفقود هنا، فإذا استحق بيع الرهن يباعان الجارية وولدها، والأب وولده ونحوه، والأخوان ونحوهما، إذا حل الحق ولم يحصل وفاء.
ويختص المرتهن بما قابل الرهن من الثمن (1)(ولا يلزم الرهن) في حق الراهن (إلا بالقبض)(2) .
(1) ويوفي دينه منه، والباقي من ثمن المرهون للراهن، وإن لم يف بالدين، فما بقي مرسل في ذمة الراهن، وإذا كانت الجارية هي المرهونة مثلاً، وكانت قيمتها مائة مع كونها ذات ولد، وقيمة الولد خمسين، فحصتها ثلث الثمن، وصحح جمع أنها تقوم مع ولدها لتحريم التفريق.
(2)
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: الراجح – الذي عليه كثير من العلماء أو أكثرهم – أن الرهن لا يلزم إلا بالقبض، وقبض كل شيء هو المتعارف، وقبض الدار والعقار: هو تسلم المرتهن له، ورفع يد الراهن عنه، هذا هو القبض بالإجماع. قال: فإذا أراد صاحبها أن يأكل أموال الناس بالباطل، ويخون في أمانته لمسألة اختلف فيها، فالرجوع إلى الفتوى بقول الجمهور، وكان أفتى بالقول الثاني لضرورة، فإن رجعنا إلى كتاب الله وسنة رسوله في إيجاب العدل، وتحريم الخيانة، فهذا هو الأقرب قطعًا، وإن رجعنا إلى كلام غالب العلماء فهم لا يلزمون ذلك إلا برفع يد الراهن، وكونه في يد المرتهن.
وقال حفيده الشيخ عبد الرحمن: وهذا الذي أشار إليه من الخروج عن العدل رأيناه عيانًا، وسببه الإفتاء بخلاف قول الجمهور في هذه المسألة، وذلك أن الشيخ أبا بطين وغيره قالوا: الذي حملنا على عدم اشتراط القبض قلة ما في أيدي الناس، واضطرارهم إلى ذلك، إذ لا يمكن صاحب العقار أن يرفع يده عن عقاره، لأن معيشته فيه. وقال سليمان بن عبد الله: إذ لو قيل لمرتهن الدور والعبيد، والزروع والثمار والدواب: اقبضها. ما أراد ذلك، وكان عليه من المشقة ما لا يخفى،
ولو قيل للراهن: قبضها. لم يستطع لأنه إنما يستدين فيما رهنه، فلا تمتنع الفتيا باللزوم، لأنها من طرق الترجيح، فالله أعلم.
كقبض المبيع (1) لقوله تعالى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (2) ولا فرق بين المكيل وغيره (3) وسواء كان القبض من المرتهن أو من اتفقا عليه (4) والرهن قبل القبض صحيح، وليس بلازم (5) فللراهن فسخه، والتصرف فيه (6) .
(1) هذا تمثيل للقبض، لا تشبيه، لأن البيع يلزم إذا لم يكن ثم خيار، وإن لم يقبض المبيع، ويكون تشبيهًا على القول الثاني بلزوم الرهن بالقبض كالبيع.
(2)
أي فارتهنوا ممن تدينونه رهونا مقبوضة، لتكون وثيقة لكم بأموالكم، قال ابن رشد: اتفقوا في الجملة على أن القبض شرط في الرهن، للآية، ولأنه عقد إرفاق، يفتقر إلى القبول، فافتقر إلى القبض، كالقرض.
(3)
من أن القبض شرط في لزومه، وصفة قبضه كقبض مبيع.
(4)
أي وسواء القبض للرهن، من المرتهن نفسه بإذن راهن، فإنهم اتفقوا على أن من شرطه: أن يكون إقراره في يد مرتهن من قبل راهن. أو كان القبض ممن اتفق الراهن والمرتهن على أن يكون الرهن بيده، فيلزم الرهن بذلك القبض، في حق راهن دون مرتهن.
(5)
لعدم وجود شرط اللزوم، وهو القبض عند الجمهور. ويعتبر في القبض إذن ولي أمرٍ، لمن جن ونحوه.
(6)
أي فللراهن قبل الإقباض، الرجوع في الرهن، ولو كان الراهن أذن في القبض، لعدم لزوم الرهن، وله التصرف في الرهن بما شاء لعدم لزومه، مكيلا كان أو غيره، وإن امتنع من إقباضه لم يجبر.
فإن تصرف فيه بنحو بيع أو عتق بطل (1) أو بنحو إجارة، أو تدبير لا يبطل (2) لأنه لا يمنع من البيع (3)(واستدامته) أي القبض (شرط) في اللزوم للآية، وكالابتداء (4) .
(1) أي فإن تصرف الراهن في الرهن قبل إقباضه، بنحو بيع، من أي عقد كان يخرج به عن ملكه، بطل الرهن. أو تصرف فيه بعتق بطل الرهن، وكذا لو رهنه ثانيًا، بطل الرهن الأول، سواء أقبض الثاني أو لا، لخروجه عن إمكان استيفاء الدين من ثمنه، ثم البائع مخير، بين إمضاء البيع بلا رهن، أو الفسخ.
(2)
أي وإن تصرف الراهن في الرهن، تصرفا لا يخرجه عن ملكه، بنحو إجارة قبل إقباضه، لم يبطل الرهن، أو بنحو تدبير وكتابة وتزويج الأمة قبل القبض، لا يبطل الرهن بذلك.
(3)
أي فلم تمتنع صحة الرهن، ولأنه لا يمنع ابتداء الرهن، فلا يقطع استدامته.
(4)
أي استدامة قبض رهن من مرتهن، أو من اتفقا عليه، شرط لبقاء لزوم عقده، لقوله {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} وكابتداء لزومه بالقبض، فإن الأولى بمن يشترط القبض في لزومه أن يشترط الاستدامة، وهو المذهب، وقول أبي حنيفة ومالك، وذلك لأن الرهن يراد للوثيقة، ليتمكن من بيعه، واستيفاء دينه، فإذا لم يكن في يده زال ذلك.
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله: مثل هذه الرهون- يعني العقارات والثمار والمواشي – لا تقبض أو لا يستديم الراهن قبضها، كما هو الواقع في هذه الأقطار، فعلى القول الصحيح: لا يقع على الراهن إضرار لزوال اللزوم، وله أن يتصرف فيه برهن وغيره، فإذا تصرف، بطل الرهن الأول، وصح الثاني، ولا يلزم إلا بشرطه المتقدم، ولا يسع الناس إلا هذا. اهـ. وفيه قول آخر نصره بعض الأصحاب، وأجابوا عن قوله {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} أنه وصف أغلبي، وأن الحاجة داعية إلى ذلك في المعين، لا سيما في قرى نجد، لقلة ما في أيديهم، قالوا: فلا تمتنع الفتيا باللزوم، للاضطرار إلى ذلك، والله أعلم.
(فإن أَخرجه) المرتهن (إلى الراهن باختياره)(1) ولو كان نيابة عنه (زال لزومه)(2) لزوال استدامة القبض (3) وبقي العقد كأنه لم يوجد فيه قبض (4) ولو آجره أو أعاره لمرتهن أو غيره بإذنه فلزومه باق (5) .
(1) زال لزومه، لأخذ الراهن الرهن باختيار المرتهن، وإذنه للراهن في أخذه، ولو كان إخراجه له بإجارة أو إعارة أو غير ذلك.
(2)
أي ولو كان أخذ الراهن الرهن نيابة للمرتهن، كأن يؤمنه إياه، أو يودعه عنده، زال لزوم الرهن.
(3)
التي هي شرط اللزوم، والمشروط ينتفي بانتفاء شرطه.
(4)
لأن استدامة القبض شرط في اللزوم، وقد زالت، ولكن ينبغي أن يدفع الرهن إذا طلبه المرتهن، لعموم قوله {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} وهذا عقد، ولعموم «المؤمنون عند شروطهم» وخروجًا من خلاف من قال بلزومه بمجرد العقد، وفي التلخيص: هو أشهر الروايتين.
(5)
أي ولو آجر الرهن راهن لمرتهن، أو غيره بإذن المرتهن، أو أعار الرهن لمرتهن، أو غيره بإذن مرتهن، فلزوم الرهن باق، لأن هذا التصرف لا يمنع البيع، فالقبض بحاله، لكن بشرط كونه ليس في يد الراهن، فيما إذا آجره غير المرتهن، وإن وهبه ونحوه بإذن مرتهن صح وبطل الرهن.
(فإن رده) أي رد الراهن الرهن (إليه) أي إلى المرتهن (عاد لزومه إليه)(1) لأنه أقبضه باختياره، فلزم كالابتداء (2) ولا يحتاج إلى تجديد عقد لبقائه (3) ولو استعار شيئًا ليرهنه جاز (4) ولربه الرجوع قبل إقباضه لا بعده (5) .
(1) أي إلى المرتهن: بحكم العقد السابق، وكذا يعود لزوم الرهن برده إلى من اتفقا عليه.
(2)
وكذا يعود لزوم الرهن في عصير تخمر ولم يرق، ثم تخلل، بحكم العقد السابق، لأنه يعود ملكا بحكم الأول.
(3)
حيث لم يطرأ عليه ما يبطله، أشبه ما لو تراخى القبض عن العقد، وإن أزيلت يد المرتهن بغير حق، فلزوم الرهن باق، لثبوتها عليه حكما.
(4)
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه، أن الرجل إذا استعار من الرجل شيئًا، يرهنه على دنانير معلومة، عند رجل سماه، إلى وقت معلوم ففعل، أن ذلك جائز، وينبغي أن يذكر المرتهن، والقدر الذي يرهنه به، وجنسه، والمدة، لأن الضرر يختلف بذلك، فاحتيج إلى بيانه كأصل الرهن. قال: وأجمع أهل العلم على أنه متى شرط شيئًا من ذلك، فخالف ورهنه بغيره، لم يصح الرهن، وإن رهنه بأقل مما قدره صح، وبأكثر، يصح في المقدر، ويبطل في الزائد، وإن أطلق فقال القاضي وغيره: يصح بما شاء، وإلى أي وقت شاء، وممن شاء.
(5)
أي وللمعير الرجوع عن إذنه في الرهن، قبل اقباض المستعير، لا بعده، فليس له الرجوع بعد الإقباض، لتعلق حقهما به، وكذا مؤجر، لأنه لا يلزم إلا بالقبض.
لكن له مطالبة الراهن بفكاكه مطلقًا (1) ومتى حل الحق ولم يقضه، فللمرتهن بيعه، واستيفاء دينه منه (2) ويرجع المعير بقيمته، أو مثله (3) وإن تلف ضمنه الراهن وهو المستعير، ولو لم يفرط المرتهن (4)(ولا ينفذ تصرف واحد منهما) أي من الراهن والمرتهن (فيه) أي في الرهن المقبوض (بغير إذن الآخر)(5) .
(1) أي سواء عين مدة الرهن، أو العارية أو لا، حالاً كان الدين أو لا، في محل الحق أو قبله، لأن العارية لا تلزم، وأما المؤجر فلا رجوع له قبل مضي الإجارة، للزومها.
(2)
لأن هذا هو مقتضى الرهن.
(3)
أي يرجع المعير على المستعير بقيمة المعار، إن كان متقومًا، أو مثله إن كان مثليًا يوم بيعه، وإلا يكن مثليًا رجع بأكثر الأمرين من قيمته أو ما بيع به، صوبه في الإنصاف وغيره.
(4)
أي وإن تلف المعار ضمنه الراهن، لأن العارية مضمونة مطلقًا، لا المؤجر، لأن المؤجر أمانة، إن لم يتعد أو يفرط، وفي هذه الصورة العارية مستمرة حتى بعد الرهن، لانتفاع المستعير بها في ذلك.
(5)
أما المرتهن فالرهن أمانة في يده، وأما الراهن فإذا تصرف في الرهن المقبوض بغير إذن المرتهن، ببيع، أو هبة أو وقف أو رهن ونحوه، فتصرفه باطل قولاً واحدًا، وفي الوقف وجه أنه يصح، وقال الموفق وغيره: الصحيح أنه لا يصح.
لأنه يفوت على الآخر حقه (1) فإن لم يتفقا على المنافع لم يجز الانتفاع، وكانت معطلة (2) وإن اتفقا على الإجارة أو الإعارة جاز (3) ولا يمنع الراهن من سقي شجر وتلقيح (4) ومداواة، وفصد (5) .
(1) فلم يصح تصرف أحدهما فيه، وذلك أن تصرف الراهن يبطل حق المرتهن من الوثيقة، كفسخ الرهن، وتصرف المرتهن تصرف في ملك الغير، وإن أذن للراهن في بيع الرهن صح إجماعًا، وبطل الرهن بلا نزاع في الجملة، إلا أن يأذن له في بيعه، بشرط أن يجعل ثمنه رهنا، وذكر الشيخ صحة الشرط، أو يجعل دينه من ثمنه، ويجوز للمرتهن الرجوع في كل تصرف أذن فيه، قال في الإنصاف: بلا نزاع، وإن ادعى أنه رجع قبل البيع، فصوب في الإنصاف أنه لا يقبل، وإن باعه بعد حلول الدين صح، وصار ثمنه رهنًا، بمعنى أنه يؤخذ منه.
(2)
فإن كانت دارًا أغلقت، وإن كان عبدًا أو غيره تعطلت منافعه، حتى يفك الرهن، ولم ينفرد أحدهما بالتصرف، لأنه لا ينفرد بالحق، لأن الرهن عين محبوسة كالمبيع المحبوس عند البائع على قبض ثمنه، وقال مالك والشافعي: للراهن إجارته وإعارته، مدة لا يتأخر انقضاؤها عن حلول الدين.
(3)
لأن المقصود بالرهن الاستيثاق بالدين، واستيفاؤه من ثمنه، عند تعذر استيفائه من ذمة الراهن، وهذا لا ينافي الانتفاع به، ولا إجارته وإعارته، فجاز كانتفاع المرتهن، ولأن تعطيل منفعته إضاعة للمال، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعته.
(4)
أي ولا يمنع المرتهن الراهن، من سقي شجر مرهون، وتلقيحه، لأن ذلك من مصلحة الرهن.
(5)
وكتشريط وفتح رهصة التبزيع، وغير ذلك من إصلاح الرهن، ودفع
الفساد عنه. وله تعليم قن صناعة، ودابة السير، ونحو ذلك مما فيه صلاح الرهن، والرهن مع ذلك بحاله.
وإنزاء فحل على مرهون (1) بل من قطع سلعة خطرة (2)(إلا عتق الراهن) المرهون (فإنه يصح مع الإثم)(3) لأنه مبني على السراية والتغليب (4)(وتؤخذ قيمته) حال الإعتاق، من الراهن، لأنه أبطل حق المرتهن من الوثيقة (5) .
(1) لأن فيه مصلحة الرهن وزيادته، وذلك زيادة في حق المرتهن من غير ضرر، وإن كانت فحولا لم يكن للراهن إطراقها بغير رضى المرتهن، لأنه انتفاع لا مصلحة للرهن فيه، إلا أن يتضرر بترك الإطراق، فله ذلك، لأنه كالمداواة، وليس له تزويج الأمة المرهونة على المذهب، وهو قول مالك والشافعي.
(2)
أي بل يمنع الراهن من قطع "سلعة" بالكسر، زيادة تحدث في الجسد كالغدة، تتحرك إذا حركت، إذا كان فيها خطر، لأنه يخاف عليها من قطعها، وكذا يمنع من قطع إصبع زائدة، لا من ختان لا يخاف عليه منه، يبرأ عادة قبل الأجل، ولا يمنع من قطع أكلة يخاف عليه من تركها.
(3)
لما فيه من إبطال حق المرتهن من الوثيقة، وإنما نفذ مع التحريم لأنه إعتاق من مالك تام الملك، فنفذ كعتق المستأجر.
(4)
بدليل أنه ينفذ في ملك الغير، ففي ملكه أولاً "والسراية" هي أنه إذا أعتق الموسر جزءًا من عبد له فيه شرك، سرى إلى جميعه "والتغليب" أن يقول مثلا: عبدي حر. فإنه إذا لم تكن نية ولا تخصيص عتق كل عبد له.
(5)
فأشبه ما لو أتلفه.
وتكون (رهنًا مكانه) لأنها بدل عنه (1) وكذا لو قتله (2) أو أحبل الأمة بلا إذن المرتهن (3) أو أقر بالعتق وكذبه (4)(ونماء الرهن) المتصل والمنفصل، كالسمن، وتعلم الصنعة (5) .
(1) ونائبه عن الرهن، وكبدل أضحية ونحوها، وكما لو أبطله أجنبي، هذا إن كان المعتق للرهن موسرًا، وإن كان معسرًا عتق، ويكون الدين مسرحًا إلى أن يوسر، فعليه قيمته تكون رهنًا مكانه، وبعد حلول الدين يطالب بالدين فقط، وعن أحمد: لا ينفذ عتق المعسر. وهو مذهب مالك، لأنه يسقط حقه من الوثيقة، فلم ينفذ، لما فيه من الإضرار بالمرتهن، وعنه: لا ينفذ وإن كان موسرًا وهو أحد قولي الشافعي، واختاره الشيخ وغيره، لإبطاله حق الوثيقة من الرهن، أشبه البيع.
(2)
أي وكالعتق لو قتل المرهون، في أنه يجعل قيمته رهنا مكانه.
(3)
أي وكالعتق أيضًا لو أحبل الأمة المرهونة بلا إذن المرتهن، يجعل قيمتها رهنًا مكانها، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن للمرتهن منع الراهن من وطء أمته المرهونة. اهـ. وإن أولدها خرجت من الرهن، وعليه قيمتها حين أحبلها، وإن كان أذن خرجت من الرهن، ولا شيء للمرتهن، لأنه أذن في سبب ما ينافي حقه، فكان إذنًا فيه، قال الموفق: لا نعلم فيه خلافًا.
(4)
أي فيلزمه قيمته رهنًا مكانه لأنه عتق بإقراره، وإن كان أعتقه بإذن مرتهن، نفذ العتق إجماعًا، لإسقاطه حقه من الوثيقة.
(5)
أي ملحق بالرهن في يد من الرهن في يده كالأصل، وهذان عائدان إلى الزيادة المتصلة، وما بعدهما عائد إلى الزيادة المنفصلة، على طريق اللف والنشر المرتب.
والولد، والثمرة، والصوف (1)(وكسبه، وأَرش الجناية عليه، ملحق به) أي بالرهن، فيكون رهنًا معه (2) ويباع معه لوفاء الدين إذا بيع (3)(ومؤونته) أي الرهن (على الراهن)(4) لحديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه، وعليه غرمه» (5) .
(1) أي والولد ملحق بالرهن، وهو مذهب مالك، لأنه يتبع الأصل في الحقوق الثابتة، والثمرة ملحقة بالرهن، والصوف، والشعر، واللبن، وورق الشجر، ونحو ذلك، وهو قول أصحاب الرأي، أي أن النماء يتبع الرهن، لأنه عقد يستتبع النماء، فتعلق به حق الرهن كالأصل، وإن رهن أرضا فنبت فيها شجر لا بفعل آدمي، فهو تبع للأرض، ولا يجوز للمرتهن قطعه، وإن بيعت بيع معها.
(2)
أي وكسب الرهن ملحق به وكذا مهر أمة، حيث وجب رهن، وأرش الجناية على الرهن رهن، لأنه بدل جزئه، فكان منه كقيمته لو أتلف، وهذا مذهب الشافعي وغيره، والحاصل أن نماء الرهن وغلاته رهن كالأصل، لأن حكم الرهن يثبت في العين بعقد المال، فيدخل فيه النماء والمنافع، كالملك بالبيع وغيره، وكون الكسب من الرهن من المفردات، وعند الثلاثة لا يدخل، فالله أعلم.
(3)
لأن الرهن عقد على العين، فيدخل فيه ما ذكر ونحوه، كالبيع والهبة.
(4)
أي ومؤنة الرهن من طعامه، وكسوته، ونحو ذلك على الراهن، حكاه الوزير وغيره إجماعًا.
(5)
أي لا يستحق المرتهن الرهن إذا عجز صاحبه عن فكه "له غنمه" أي زيادته "وعليه غرمه" هلاكه ونفقته، والشاهد من الحديث أن مؤنته على الراهن.
رواه الشافعي، والدارقطني وقال: إسناده حسن صحيح (1)(و) على الراهن أيضًا (كفنه) ومؤنة تجهيزه بالمعروف، لأَن ذلك تابع لمؤنته (2)(و) عليه أيضًا (أجرة مخزنه) إن كان مخزونًا، وأجرة حفظه (3)(وهو أمانة في يد المرتهن) للخبر السابق (4) ولو قبل عقد الرهن، كبعد الوفاء (5)(إن تلف من غير تعد)(6) .
(1) وقال الحافظ وغيره: رجاله ثقات. ولأن الرهن ملك للراهن، فكان عليه نفقته.
(2)
فإن كل من لزمته مؤنة شخص في حياته، لا في مقابلة نفع، كانت مؤنة تجهيزه ودفنه عليه، كسائر العبيد والإماء، والأقارب من الأحرار.
(3)
وهذا مذهب الجمهور مالك، والشافعي، وإسحاق وغيرهم، لأنه نوع إنفاق، فكان على الراهن كالطعام، ولأن الرهن ملك الراهن، فكان عليه مسكنه وحافظه، كغير الرهن، وإن أبق فأجرة من يرده عليه، وكذا إن احتيج إلى مداواته، وإن كان الرهن ثمرة فاحتاجت إلى سقي، أو جذاذ ونحوه فعليه، وكذا رعي ماشية ونحوه كعلفها، وكتأبير نخل، وكل زيادة تلزم الراهن إذا امتنع أجبره الحكم.
(4)
وهو قوله "وعليه غرمه" ولقوله «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» فحكمه كالوديعة.
(5)
أي الرهن أمانة في يد المرتهن، ولو قبل عقد الرهن، بأن دفع له العين ليرهنها بعد فتلفت، كبعد وفاء الدين أو الإبراء منه.
(6)
أي من المرتهن كأن يستعمله، أو يفعل ما لا يسوغ له فعله في الشرع، لخروجه بذلك عن الائتمان، فصار كالغاصب.
ولا تفريط (منه) أي من المرتهن (1)(فلا شيء عليه)(2) قاله علي رضي الله عنه (3) لأنه أمانة في يده كالوديعة (4) فإن تعدى أو فرط ضمن (5)(ولا يسقط بهلاكه) أي الرهن (شيء من دينه)(6) لأنه كان ثابتًا في ذمة الراهن قبل التلف، ولم يوجد ما يسقطه، فبقي بحاله (7) وكما لو دفع إليه عبدًا ليبيعه ويستوفي حقه من ثمنه فمات (8) .
(1) أي في حفظ الرهن، كأن لا يحرزه في مكان مثله ونحوه.
(2)
أي على المرتهن، كسائر الأمانات، وكما لو تلف تحت يد العدل، وهو من مال الراهن.
(3)
وقاله الشافعي وغيره، وللخبر المتقدم ونحوه، ولأنه وثيقة بالدين فلا يضمن، كالزيادة على قدر الدين.
(4)
أي فلا يضمن، كما لا تضمن الوديعة إذا تلف من غير تعد ولا تفريط.
(5)
إجماعًا، حكاه الموفق والوزير وغيرهما، لزوال ائتمانه، فلزمه ضمانه حينئذ، لتعديه أو تفريطه، كالوديعة، والرهن باق بحاله.
(6)
أي إن لم يتعد أو يفرط، وهو مذهب الشافعي.
(7)
أي الدين، لم يسقط بهلاك الرهن منه شيء، ولا يلزم الراهن أن يرهن مكانه رهنًا آخر، لأنه غير واجب من أصله.
(8)
وكحبس عين مؤجرة بعد فسخ على الأجرة، فيتلف العبد، أو العين المؤجرة، فلا يسقط الدين، ولا الأجرة، ولا يضمنان بلا تعد ولا تفريط، والعلة الجامعة أنها عين محبوسة في يده بعقد، على استيفاء حق له عليه.
(وإن تلف بعضه) أي الرهن (فباقيه رهن بجميع الدين) لأن الدين كله متعلق بجميع أجزاء الرهن (1)(ولا ينفك بعضه مع بقاء بعض الدين) لما سبق (2) سواء كان مما تمكن قسمته أولا (3) ويقبل قول المرتهن في التلف (4) وإن ادعاه بحادث ظاهر كلف بينة بالحادث، وقبل قوله في التلف، وعدم التفريط، ونحوه (5) .
(1) أي فإذا تلف البعض، بقي البعض الآخر رهنًا بجميع الدين، بلا نزاع في الجملة، لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، ولأن الباقي بعض الجملة، وقد كان الجميع رهنا، فيكون البعض رهنا، لأنه من الجملة، ولو كان الرهن عينين تلفت إحداهما، فالدين متعلق بالأخرى.
(2)
أي من أن الدين متعلق بجميع أجزاء الرهن، فيكون محبوسًا بكل الحق، وبكل جزء منه، لا ينفك منه شيء حتى يقضيه جميعه، وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه على أن من رهن شيئًا، فأدى بعضه، وأراد إخراج بعض الرهن، أن ذلك ليس له، حتى يوفيه آخر حقه، أو يبريه. وفي الاختيارات: لا ينفك شيء من الرهن حتى يقضي جميع الدين.
(3)
أي أو كان الرهن مما لا تمكن قسمته فلا ينفك مع بقاء بعض الدين، وكذا لو قضى أحد الوارثين حصته من دين مورثه، فلا يملك أخذ حصته من الرهن.
(4)
بيمينه إن أطلق، أو ذكر سببًا خفيًا كسرقته، وبريء منه، لأنه أمين، وإن لم يحلف قضى عليه بالنكول.
(5)
أي وإن ادعى مرتهن تلف الرهن بحادث ظاهر، كنهب، وحريق، كلف بينة تشهد بالحادث الظاهر، لعدم خفائه، ثم بعد إقامته البينة قبل قوله
في التلف بالحادث الظاهر، بدون بينة تشهد بأنه تلف بالحادث الظاهر، وقبل قوله في عدم التفريط ونحوه، كعدم التعدي.
(وتجوز الزيادة فيه) أي في الرهن (1) بأن رهنه عبدًا بمائة، ثم رهنه عليها ثوبًا، لأنه زيادة استيثاق (2)(دون) الزيادة في (دينه)(3) فإذا رهنه عبدًا بمائة، لم يصح جعله رهنًا بخمسين مع المائة (4) ولو كان يساوي ذلك، لأن الرهن اشتغل بالمائة الأولى، والمشغول لا يشغل (5)(وإن رهن) واحد (عند اثنين شيئًا) على دين لهما (6)(فوفى أحدهما) انفك في نصيبه (7) .
(1) رهنًا آخر معه، قولاً واحدًا.
(2)
أي فجاز كالأول بشرطه.
(3)
أي فلا يصح، وهو المشهور في المذهب، وقول أكثر العلماء.
(4)
إلا أن يجعل بعقد متجدد، بأن يفسخ المرتهن الرهن، ثم يجددا عقدًا على الدينين بذلك الرهن، وذهب مالك وغيره إلى جواز الزيادة في الدين، وإدخاله في الرهن، وهو رواية عن أحمد، والشافعي، واختاره الشيخ، وقال أبابطين: وعمل الناس عليه، ويحكم به.
(5)
أي فالمرهون لا يرهن، فلا يجعل مرهونًا بالدينين معًا.
(6)
في عقد واحد، صح الرهن، وصار نصفه رهنًا عند كل واحد منهما بدينه.
(7)
أي فمتى وفي الراهن أحد الغريمين، خرجت حصته من الرهن.
لأن عقد الواحد مع الاثنين بمنزلة عقدين (1) فكأنه رهن كل واحد منهما النصف منفردًا (2) ثم إن طلب المقاسمة، أجيب إليها إن كان الرهن مكيلاً أو موزونًا (3)(أو رهناه شيئًا (4) فاستوفى من أحدهما، انفك في نصيبه) (5) لأن الراهن متعدد (6) فلو رهن اثنان عبدًا لهما عند اثنين بألف، فهذه أربعة عقود (7) ويصير كل ربع منه رهنًا بمائتين وخمسين (8) .
(1) أي فإذا وفى أحدهما انفك، فكذا غلق الرهن ونحوه عند شخص آخر.
(2)
أي بعقد دون الآخر، فيعطى من رهن عند اثنين بعقد واحد حكمه.
(3)
أي وكان الرهن لا تنقصه القسمة، كالمكيل، والموزون، فله ذلك، وإن كان مما تنقصه القسمة فلا يجيبه المرتهن، لما عليه من الضرر، ويكون في يد المرتهن، بعضه رهن، وبعضه وديعة، حتى يوفى حقه.
(4)
أي أو رهن اثنان واحدًا شيئًا بما يصح رهنه.
(5)
أي الموفي لما عليه.
(6)
فتعلق على كل منهما بنصيبه، كتعدد العقد، ولأن الرهن لا يتعلق بملك الغير إلا بإذنه، ولم يوجد.
(7)
وذلك كأن يرهن زيد وعمرو عبدًا مثلاً بألف عند بكر وخالد، فيكون زيد قد عقد عقدين، لكونه رهن عند بكر وخالد، وعمرو كذلك، فهذه أربعة عقود واضحة.
(8)
فمتى وفى أحدهما، انفك من الرهن بقدر ما هو مناط به.
ومتى قضى بعض دينه (1) أو أبرئ منه، وببعضه رهن، أو كفيل، فعما نواه (2) فإن أطلق صرفه إلى أيهما شاء (3)(ومتى حل الدين) لزم الراهن الإيفاء (4) كالدين الذي لا رهن به (5)(و) إن (امتنع من وفائه (6)
(1) وببعضه رهن، أو كفيل، وقع قضاء البعض عما نواه، فلو كان عليه مائتان مثلاً، بإحداهما رهن، أو كفيل، فوفى مائة ونوى التي بها الرهن، أو الكفيل، وقع عنها، وانفك الرهن، أو برئ الكفيل، وإلا فالرهن أو الكفيل بحاله.
(2)
أي المبرئ، لأن التعيين في ذلك له، فينصرف إلى ما عينه، وكذا القاضي للدين، قال في الإنصاف: فعما نوياه بلا نزاع، والقول قولهما في النية واللفظ، لأنهما أدرى بما صدر منهما.
(3)
أي فإن أطلق القاضي للدين الذي ببعضه رهن أو كفيل، وأطلق المبرئ عن الدين الذي ببعضه رهن أو كفيل، ولم يعينا إحدى المائتين مثلا، بنية، ولا لفظ حال القضاء، أو الإبراء، صرفاه إلى أيهما شاءا، لأنه لهما ذلك في الابتداء فكان لهما بعده.
(4)
لأنه دين حال، فلزم إيفاؤه، قولاً واحدًا.
(5)
أي أنه يجب إيفاؤه على الفور، إذا حل أجله، فكذا ما به رهن، لأنه هكذا كان العقد بينهما، قال تعالى {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ} .
(6)
أي فإن امتنع الراهن من وفاء الدين ومطل، فلا يخلو من أحد الأمور الآتية.
فإن كان الراهن أذن للمرتهن (1) أو العدل) الذي تحت يده الرهن (في بيعه باعه)(2) لأنه مأذون له فيه، فلا يحتاج لتجديد إذن من الراهن (3) وإن كان البائع العدل، اعتبر إذن المرتهن أيضًا (4)(ووفى الدين) لأنه المقصود بالبيع (5) .
(1) أي في بيع الرهن ولم يرجع عن إذنه، باعه ووفى الدين، لأنه وكيل ربه.
(2)
أي أو كان الراهن أذن للعدل الذي تحت يده الرهن في بيع الرهن، باعه ما لم يرجع الراهن عن الإذن في بيعه، ووفى الحق من ثمنه، لأن هذا هو المقصود من الرهن، وقد باعه بإذن صاحبه في قضاء دينه، فصح البيع، كما في غير الرهن، ويجوز للعدل أو المرتهن بيع قيمة الرهن كأصله بالإذن الأول.
(3)
أي لأن المرتهن والعدل مأذون لهما في بيع الرهن، فلا يحتاج لتجديد إذن من الراهن أيضًا عند محل الحق، إذ الأصل بقاؤه على الإذن، بل يعتبر عدم الرجوع عن الإذن، فإن عزله صح عزله، وقال أبو حنيفة ومالك: لا ينعزل، لأن وكالته صارت من حقوق الرهن: قال ابن أبي موسى: ويتوجه لنا مثل ذلك. فإن أحمد قد منع الحيلة في غير موضع، وهذا يفتح باب الحيلة للراهن. اهـ. وهذا الذي ذهب إليه مالك وغيره، هو الذي ينبغي المصير إليه، خصوصًا لما كثر الغش والخداع، وانفتح باب الحيل.
(4)
لأن الحق له، فلم يجز حتى يأذن في البيع، وإن باع العدل الرهن، ثم ظهر المبيع مستحقًا، رجع المشتري به على الراهن إن أعلمه العدل، لأنه وكيل، وإلا فعلى الوكيل.
(5)
أي لأن وفاء الدين هو المقصود ببيع الرهن، إذ هو وثيقة فيه، ليباع عند حلول الدين، إذا امتنع الراهن من الوفاء، وهذا لا نزاع فيه ويحرم مطله، ولا يجوز إجباره على المناجمة.
وإن فضل من ثمنه شيء فلمالكه (1) وإن بقي منه شيء فعلى الراهن (2)(وإلا) يأْذن في البيع، ولم يوف (3)(أجبره الحاكم على وفائه (4) أو بيع الرهن) (5) لأن هذا شأْن الحاكم (6) فإن امتنع حبسه، أو عزره حتى يفعل (7)(فإن لم يفعل) أي أصر على الامتناع (8) أو كان غائبًا، أو تغيب (9) .
(1) أي وإن فضل من ثمن الرهن المبيع شيء بعد الدين الذي هو رهن به فلمالك الرهن، لأنه ماله، وإنما البيع لوفاء دينه.
(2)
أي وإن بقي من الدين الذي على الراهن شيء فعلى الراهن، يؤديه إلى المرتهن، كسائر الديون المرسلة.
(3)
أي وإن لم يأذن الراهن في بيع الرهن، ولم يوف الدين.
(4)
أي وفاء الدين الذي به رهن، كما لو لم يكن به رهن، ولأنه قد يكون له غرض في الرهن، والمقصود الوفاء، ومتى وفاه من غير الرهن انفك الرهن.
(5)
أي أو أجبر الحاكم الراهن على بيع الرهن، لوفاء الدين من ثمنه.
(6)
أي إجبار المدين على وفاء الدين، أو بيع الرهن للوفاء.
(7)
أي ما أمر به من وفاء الدين، أو بيع الرهن والوفاء من ثمنه، والقول الثاني: يبيعه الحاكم، ولو لم يحبسه ولم يعزره.
(8)
يعني من وفاء الدين، أو بيع الرهن والوفاء.
(9)
أي أو كان الراهن غائبًا عن البلد، أو تغيب امتناعًا عن الوفاء أو بيع الرهن للوفاء.
(باعه الحاكم ووفى دينه)(1) لأنه حق تعين عليه، فقام الحاكم مقامه فيه (2) وليس للمرتهن بيعه إلا بإذن ربه أو الحاكم (3) .
(1) أي باعه الحاكم أو أمينه على الراهن لتعينه طريقًا لأداء الواجب، وقضى الدين من ثمنه، قال ابن رشد: حق المرتهن في الرهن أن يمسكه حتى يؤدي الراهن ما عليه، فإن لم يأت به عند الأجل، له أن يرفعه إلى السلطان، فيبيع عليه الرهن إن لم يجبه إلى البيع، أو كان غائبًا. ومن الأصحاب من قال: الحاكم مخير، إن شاء أجبره على البيع، وإن شاء باعه عليه، وجزم به الموفق والشارح، وهو مذهب الشافعي.
(2)
أي لأن الدين حق تعين أداؤه على الراهن، فقام الحاكم مقامه في أدائه، كالإيفاء من جنس الدين، إذا امتنع المدين، قال الشيخ: ومتى لم يمكن بيع الرهن إلا بخروج المديون من الحبس، أو كان في بيعه وهو في الحبس ضرر عليه، وجب إخراجه، ويضمن عليه أو يمشي معه هو أو وكيله.
(3)
لما تقدم، وقال الشيخ – فيما إذا امتنع الراهن من قضاء الدين، وأبى أن يأذن في بيع الرهن، وتعذر إجباره، وتعذر الحاكم – جوز بعض العلماء للمرتهن دفع الرهن إلى ثقة يبيعه، ويحتاط بالإشهاد على ذلك، ويستوفي حقه.
فصل (1)
(ويكون) الرهن (عند من اتفقا عليه)(2) فإذا اتفقا أن يكون تحت يد جائز التصرف صح (3) وقام قبضه مقام قبض المرتهن (4) ولا يجوز تحت يد صبي (5) أو عبد بغير إذن سيده (6) أو مكاتب بغير جعل، إلا بإذن سيده (7) .
(1) أي فيمن يكون الرهن عنده.
(2)
أي ويكون الرهن عند من اتفق الراهن والمرتهن أن يكون الرهن عنده، لأن الحق لا يعدوهما.
(3)
أي قبضه للرهن، وجائز التصرف هو الحر المكلف، مسلمًا كان أو كافرًا عدلاً أو فاسقًا، ذكرًا أو أنثى، لأنه جاز توكيله في غير الرهن، فجاز توكيله فيه، قاله الموفق وغيره، وهو واضح، بخلاف ما توهمه عبارة المقنع وغيره من اعتبار العدالة.
(4)
في اللزوم به، في قول أكثر أهل العلم، مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وغيرهم، لأنه قبض في عقد، فجاز فيه التوكيل، كسائر القبوض.
(5)
لأنه غير جائز التصرف مطلقًا، ولا تحت يد مجنون، ولا سفيه، فإن فعلا فقبضه وعدمه سواء، لا أثر له.
(6)
أي ولا يجوز تحت يد عبد بلا إذن سيده، لأن منافعه لسيده، فلا يجوز تضييعها في الحفظ بغير إذنه، فإن أذن جاز.
(7)
لأنه ليس له التبرع بمنافعه، وإذا كان بجعل جاز، لأن له الكسب بغير إذن سيده.
وإن شرط جعله بيد اثنين لم ينفرد أحدهما بحفظه (1) وليس للراهن ولا للمرتهن إذا لم يتفقا، ولا للحاكم نقله عن يد العدل إلا أن تتغير حاله (2) وللوكيل رده عليهما (3) لا على أَحدهما (4) .
(1) لأن الراهن والمرتهن لم يتراضيا إلا بحفظهما معا، فلم يجز لأحدهما الانفراد، كالوصيين، ويمكن أن يجعل في مخزن عليه لكل منهما قفل، وإن تغيرت حال أحدهما أقيم مقامه عدل.
(2)
أي العدل، بنحو فسق، أو جنون وضعف، لأنها رضيا به في الابتداء، ولا حاجة تدعو إلى ذلك، وحيث لم يملكاه فالحاكم أولى، وإن اتفقا على نقله جاز، لأن الحق لهما لا يعدوهما، وإن حدثت عداوة بينه وبينهما، أو بينه وبين أحدهما، فمن طلب نقله عن يده فله ذلك، ويضعانه في يد من اتفقا عليه، وإن اختلفا وضعه الحاكم عند عدل، لدعاء الحاجة إلى ذلك، وإن اختلفا في تغير حاله، بحث الحاكم عن ذلك، وعمل بما بان له، وكذا لو كان الرهن في يد المرتهن فلم تغير حاله، لم يكن للراهن نقله عن يده، وإلا فله رفعه عن يده إلى الحاكم، ليضعه في يدل عدل، وإن أنكر تغير حاله، بحث الحاكم عنه.
(3)
أي وللوكيل الذي جعلا الرهن تحت يده رده عليهما، وعليهما قبوله منه، لأنه أمين، متطوع بالحفظ، فلم يلزمه المقام عليه، فإن امتنعا، أجبرهما الحاكم، ولا يدفعه ولو إلى أمين من غير امتناعهما، فإن فعل ضمن، وكذا الحاكم، وإن امتنعا، ولم يجد حاكمًا، فتركه عند عدل، لم يضمن للعذر.
(4)
أي وليس له دفعه إلى أحدهما بغير إذن الآخر، ولو امتنع، لتفويت حقه، فإن فعل ضمن ما فات على الآخر.
(وإن أذنا له في البيع) أي بيع الرهن (لم يبع إلا بنقد البلد) لأن الحظ فيه لرواجه (1) فإن تعدد باع بجنس الدين (2) فإن عدم فبما ظنه أصلح (3) فإن تساوت، عينه حاكم (4) وإن عينا نقدًا تعين، ولم تجز مخالفتهما (5) فإن اختلفا لم يقبل قول واحد منهما (6) .
(1) أي نفاقه، وذلك إذا لم يكن فيه إلا نقد واحد، وحكمه في البيع حكم الوكيل في وجوب الاحتياط، والمنع من البيع بدون ثمن المثل، ومن البيع نسأ.
(2)
لأنه أقرب إلى وفاء الحق، وظاهره ولو مع عدم التساوي، لكن يجب حمله على التساوي، قال الموفق: إذا تساوت قدم البيع بجنس الدين، على البيع بما يرى فيه الحظ، لأنه يمكن القضاء منه، وهذا الصحيح من المذهب، وعند القاضي: بما يؤدي إليه اجتهاده. وصوبه في الإنصاف، وإن لم تتساو فبالأغلب رواجا بلا نزاع.
(3)
أي فإن عدم الذي هو من جنس الدين، باع بما ظنه الأصلح، وفيه الحظ، لأن الغرض تحصيل الحظ، والاحتياط فيما هو متوليه.
(4)
أي فإن تساوت النقود عنده في الأصلح، عين له الحاكم ما يبيعه به، لأنه أعرف بالأحظ.
(5)
لأنه وكيل، ولم يصح بيعه بغير ما عيناه قولا واحدًا، لأن الحق لهما، وكذا لو أذن الراهن للمرتهن في بيع الرهن، وعين نقدا تعين، ولم يكن له مخالفته، لأنه وكيل.
(6)
أي في تعيين النقد، كما لو قال أحدهما: بعه بدراهم. وقال الآخر: بدنانير. لم يقبل قول واحد منهما، لأن لكل واحد منهما فيه حقًا، للراهن ملك الثمن، وللمرتهن حق الوثيقة، واستيفاء حقه.
ويرفع الأَمر إلى الحاكم، ويأْمر ببيعه بنقد البلد (1) سواء كان من جنس الحق أو لم يكن، وافق قول أحدهما أولا (2)(وإن) باع بإذنهما و (قبض الثمن فتلف في يده) من غير تفريط (فمن ضمان الراهن)(3) لأن الثمن في يد العدل أمانة، فهو كالوكيل (4)(وإن ادعى) العدل (دفع الثمن إلى المرتهن، فأنكره ولا بينة) للعدل بدفعه للمرتهن (ولم يكن) الدفع (بحضور الراهن، ضمن) العدل (5) لأنه فرط حيث لم يشهد (6) .
(1) هذا المذهب، واختار الموفق وغيره أن يبيعه بما يرى الحظ فيه.
(2)
يعني لأن الحظ في ذلك، والقول الثاني إن كان في البلد نقدان فبأغلبهما فإن تساويا باع بجنس الدين، فإن لم يكن فيهما جنس، ولم يبن للعدل الأصلح، عين الحاكم ما يبيعه به، كما لو لم يعينا نقدا، وإن أذنا للعدل في بيعه فباعه، ثم رجع بفسخ عيب، عاد رهنا، بخلاف الإقالة فلا إلا بعقد متجدد.
(3)
لأنه ملكه فيفوت عليه، وهذا مذهب الشافعي.
(4)
قال الموفق وغيره: لا نعلم فيه خلافًا، وقول من قال: إنه من ضمان المرتهن. غير وجيه، لأن العدل وكيل الراهن في البيع، والثمن ملك للراهن، والعدل أمين له في قبضه، فإذا تلف كان من ضمان موكله، كسائر الأمناء.
(5)
ولو صدقه الراهن، بخلاف الأمانة.
(6)
فإن أشهد العدل، ولو غاب شهوده أو ماتوا، لم يضمن، إن صدقه راهن على الإشهاد، وإن حضر راهن القضاء، لم يضمن العدل.
ولأنه إنما أذن له في قضاء مبرئ ولم يحصل (1) فيرجع المرتهن على راهن، ثم هو على العدل (2) وإن كان القضاء ببينة لم يضمن، لعدم تفريطه (3) سواء كانت البينة قائمة أو معدومة (4) كما لو كان بحضرة الراهن، لأنه لا يعد مفرطًا (5)(كوكيل) في قضاء الدين (6) .
(1) أي القضاء المبريء فضمن، ولا يقبل قوله عليهما في تسليمه الثمن لمرتهن، أما الراهن فلأنه يدعي الدفع إلى غيره، وأما المرتهن فلأنه إنما هو وكيله في الحفظ، لا في دفع الثمن إليه.
(2)
أي فيرجع المرتهن – بعد اليمين أنه ما استوفي دينه مثلاً – على الراهن، ثم الراهن يرجع على العدل لتفريطه، وللمرتهن الرجوع على أيهما شاء بعد حلفه، وإن رجع على العدل، لم يرجع العدل على أحد، لإقراره ببراءة ذمة الراهن، ولدعواه ظلم مرتهن له، وأخذ المال منه ثانيًا بغير حق.
(3)
حيث أشهد على القضاء.
(4)
أي سواء كانت البينة حاضرة أو غائبة، حية أو ميتة، إن صدقه الراهن في ذلك، فإن لم يصدقه فقوله، لأن الأصل عدم ذلك.
(5)
أي كما أنه لا يضمن إذا كان القضاء بحضرة الراهن، لأن العدل إذا قضى المرتهن حقه من ثمن الرهن ببينة، أو بحضرة راهن، لا يعد مفرطًا، فلا ضمان عليه لو تلف الثمن.
(6)
أي إذا قضاه في غيبة موكله.
فحكمه حكم العدل فيما تقدم، لأَنه في معناه (1)(وإن شرط أن لا يبيعه) المرتهن (إذا حل الدين) ففاسد (2) لأنه شرط ينافي مقتضى العقد (3) كشرطه أن لا يستوفي الدين من ثمنه (4) أو لا يباع ما خيف تلفه (5) .
(1) أي معنى العدل، في أنه يرجع صاحب الدين على الموكل، والموكل على الوكيل، إذا لم يكن قضى الدين بحضوره، أو بحضور شهود، لكن لو أعطاه دراهم ولم يخبره أنها وفاء أو هبة، وقال: أعطها زيدًا. ففعل ولم يشهد، ثم بان أنها وفاء فأنكر المعطى، لم يضمن الوكيل، لأن الموكل هو الذي فرط، حيث لم يخبره.
(2)
الشروط في الرهن قسمان، صحيح وفاسد، فالصحيح نحو كونه على يدي عدل فأكثر، وأن يبيعه العدل عند الحق، ولا خلاف في ذلك، أو يبيعه المرتهن عند الجمهور، والفاسد قسمان، مالا يقتضيه العقد، أو ينافي مقتضاه، فمالا يقتضيه كالمحرم، والمجهول، والمعدوم، وما لا يقدر على تسليمه ونحوه، ونحو ما ينافي مقتضى العقد، أن يشترط الراهن أن لا يبيع المرتهن أو العدل الرهن عند حلول الحق، ففاسد قولاً واحدًا.
(3)
إذ مقتضى العقد أن الراهن إذا لم يوف الدين، بيع الرهن، ووفي الدين من ثمنه.
(4)
أي فساد شرط أن لا يبيعه المرتهن إذا حل الدين، كفساد شرط أن لا يستوفي الدين من ثمن الرهن، لمنافاته مقتضى العقد، فإن المقصود مع الوفاء بهذا الشرط مفقود، ووجود الرهن وعدمه سواء.
(5)
أي وكشرط الراهن أن لا يباع من الرهن ما خيف تلفه كبطيخ، أو شاة إن خيف تلفها لعدم ما يطعمها به، ونحو ذلك ففاسد، أو شرط أن لا يبيعه
إلا بما يرضيه، وكذا إن شرط الخيار للراهن، أو أن لا يكون العقد لازمًا في حقه، أو شرط توقيت الرهن، أو كونه في يد الراهن، ونحو ذلك مما ينافيه، أو لا يقتضيه، ولا هو من مصلحته، فسد الشرط، لخبر «لا يغلق الرهن» وهو مشروط فيه شرط فاسد، ولم يحكم بفساد الرهن.
(أَو) شرط (إن جاءَه بحقه في وقت كذا وإلا فالرهن له) أي للمرتهن بدينه (لم يصح الشرط وحده)(1) لقوله عليه السلام «لا يغلق الرهن» رواه الأَثرم، وفسره الإمام بذلك (2) .
(1) أي كون الرهن للمرتهن في مقابلة دينه، سواء قال: إنه له بالدين. أو مبيع له بالدين الذي له على الراهن، فهو شرط فاسد، قال الموفق وغيره: روي عن ابن عمر، ومالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، ولا نعلم عن غيرهم خلافهم.
(2)
أي قال الإمام أحمد: لا يدفع رهنا إلى رجل، ويقول: إن جئتك بالدراهم إلي كذا وكذا، وإلا فالرهن لك. وقال ابن المنذر: وهذا معنى قوله «لا يغلق الرهن» عند مالك، والثوري، وأحمد، وفي حديث معاوية: مضى الأجل، فقال الذي ارتهن: منزلي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لا يغلق الرهن» والحديث رواه الدارقطني، والحاكم، وقال الحافظ: رجاله ثقات. وعن أحمد: يصح. وفعله، وقال ابن القيم: لا حجة لهم في الخبر، فإن موجبه أن المرتهن يتملك الرهن بغير إذن مالكه، إذا لم يوفه، فهذا غلق الرهن الذي أبطله النبي صلى الله عليه وسلم، وأما بيعه للمرتهن بما عليه عند الحلول، فلم يبطله كتاب، ولا سنة، ولا إجماع، ولا قياس صحيح، ولا مفسدة ظاهرة، وغايته أنه بيع علق على شرط، وقد تدعو الحاجة إليه، ولا يحرم عليهما ما لم يحرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا ريب أن هذا خير للراهن والمرتهن من الرفع إلى الحاكم،
وهو مقتضى أصول أحمد، وقال: فإذا اتفقا على أنه له بالدين عند الحلول كان أصلح لهما.
ويصح الرهن للخبر (1)(ويقبل قول راهن في قدر الدين)(2) بأن قال المرتهن: هو رهن بأَلف. وقال الراهن: بل بمائة فقط (3)(و) يقبل قوله أيضًا في قدر (الرهن)(4) فإذا قال المرتهن: أَرهنتني هذا العبد والأمة، وقال الراهن: بل العبد وحده. فقوله، لأَنه منكر (5)(و) يقبل قوله أيضًا في (رده)(6) .
(1) أي قوله «لا يغلق الرهن» فسماه رهنًا مع أنه فيه شرطًا فاسدًا، وهذا مذهب الجمهور.
(2)
يعني بيمينه، وهذا مذهب الشافعي، وأبي حنيفة، يجعلون القول قول الراهن مطلقًا.
(3)
وعند مالك وشيخ الإسلام القول قول المرتهن، ما لم يزد عن قيمة الرهن قال ابن القيم: وهو الراجح في الدليل، لأن الله جعل الرهن بدلاً من الكتاب والشهود، فكأنه الناطق بقدر الحق، وإلا فلو كان القول قول الراهن، لم يكن الرهن وثيقه، ولا بدلاً من الكتاب والشاهد، فدلالة الحال تدل على أنه إنما رهنه على قيمته، أو ما يقاربها، وشاهد الحال يكذب الراهن إذا قال: رهنت عنده هذه الدار على درهم ونحوه: فلا يسمع قوله.
(4)
أي إذا اختلفا ولا بينة.
(5)
أي فقول راهن، لأنه منكر، قال الموفق وغيره: لا نعلم في هذا خلافًا، وإن قال: رهنتك هذا العبد. قال: بل هذه الجارية. خرج العبد من الرهن، وحلف الراهن على أنه ما رهنه الجارية، وخرجت من الرهن أيضًا.
(6)
أي يقبل قول راهن في رد الرهن، إذا اختلفا في رده إلى الراهن.
بأَن قال المرتهن: رددته إليك. وأنكر الراهن، فقوله، لأَن الأصل معه (1) والمرتهن قبض العين لمنفعته، فلم يقبل قوله في الرد، كالمستأْجر (2) (و) يقبل قوله أيضًا في (كونه عصيرًا لا خمرًا) في عقد شرط فيه (3) بأن قال: بعتك كذا بكذا على أَن ترهنني هذا العصير. وقبل على ذلك، وأقبضه له (4) ثم قال المرتهن: كان خمرًا، فلي فسخ البيع. وقال الراهن: بل كان عصيرًا، فلا فسخ. فقوله، لأَن الأصل السلامة (5)(وإن أقر) الراهن (أنه) أي أن الرهن (ملك غيره)(6) قبل على نفسه، دون المرتهن (7) .
(1) وهو قبض المرتهن للرهن.
(2)
وكذا المستعير إذا ادعى أحدهما رد العين المستأجرة، وأما إن اختلف الراهن والمرتهن في تلف العين، فالقول قول المرتهن مع يمينه، لأن يده يد أمانة وتقدم.
(3)
أي رهن العصير في الثمن المؤجل.
(4)
ثم علمه خمرًا، فاختلفا في الرهن، هل كان قبل قبضه عصيرًا أو خمرًا.
(5)
أي من كونه خمرًا، نص عليه أحمد وغيره، ولأنهما اختلفا فيما يفسد العقد، فكان القول قول من ينفيه.
(6)
أو أنه كان باعه قبل الرهن، أو وهبه، أو غصبه قبل الرهن، وصدق.
(7)
أي قبل إقرار الراهن على نفسه، إذ لا عذر لمن أقر، وكما لو أقر بدين،
ولم يقبل إقراره على المرتهن، لأنه متهم في حقه، وقول الإنسان على غيره غير مقبول.
فيلزمه رده للمقر له إذا انفك الرهن (1)(أو) أقر (أنه) أي أن الرهن (جنى قبل) إقرار الراهن (على نفسه)(2) لا على المرتهن إن كذبه، لأنه متهم في حقه (3) وقول الغير على غيره غير مقبول (4)(وحكم بإقراره بعد فكه) أي فك الرهن، بوفاء الدين، أو الإبراء منه (5)(إلا أن يصدقه المرتهن) فيبطل الرهن (6) لوجود المقتضي، السالم عن المعارض، ويسلم للمقر له به (7) .
(1) لزوال المعارض، ويلزمه قيمة المغصوب منه إن طلبها، لأنه حال بينه وبينه برهنه.
(2)
ويلزمه أرش الجناية، لأنه حال بين المجني عليه وبين رقبة الجاني، فأشبه ما لو جنى عليه، وإن كان الراهن معسرًا فمتى انفك الرهن كان المجني عليه أحق برقبته، وإن أنكر لم يلتفت إلى قول الراهن.
(3)
أي ولا يقبل إقرار الراهن بالجناية على المرتهن، إن كذب المرتهن الراهن، لأن الراهن متهم في حق المرتهن، ليبطل بإقراره حق المرتهن فيه.
(4)
فلا يخرج من الرهن، ولا يزول شيء من أحكام الرهن.
(5)
فيأخذ مشتر، وموهوب له، ومغصوب منه الرهن إذا انفك، لزوال المعارض، ومجني عليه يأخذ الأرش أو يسلم له الجاني، غير أنه إن أراد المجني عليه، أو المغصوب منه أن يغرماه في الحال فلهما ذلك.
(6)
لاعترافه بما يبطله، ويلزم المرتهن اليمين إذا طلب منه، أنه لا يعلم ذلك الذي أقر به الراهن، فإن نكل قضي عليه ببطلان الرهن.
(7)
أي بالرهن إن صدقه كما تقدم.
فصل (1)
(وللمرتهن أَن يركب) من الرهن (ما يركب (2) و) أن (يحلب ما يحلب، بقدر نفقته) متحريًا للعدل (3)(بلا إذن) راهن (4) لقوله عليه السلام «الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونًا (5) ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونًا (6)
(1) أي في الانتفاع بالرهن، وما يتعلق بذلك.
(2)
كبعير وفرس، بقدر نفقته، قال في المبدع: ما لم يكن الدين قرضًا، نص عليه.
(3)
أي في ركوب ما يركب، وحلب ما يحلب، لئلا يحيف على الراهن، ولا يحل له أن ينهك المركوب، والمحلوب، بالركوب والحلب، لأنه إضرار به، وما فضل عن نفقته لربه، وما عدا ذلك يكون رهنا معه، وفي الإقناع: فإن فضل من اللبن شيء، باعه المأذون له، أو الحاكم، وإن فضل من النفقة شيء رجع به على الراهن. وهو معنى ما في الإنصاف وغيره.
(4)
أي في الركوب والحلب، ولو كان حاضرا، ولم يمتنع من النفقة عليه، لأنه مأذون فيه شرعًا، وقال مرعي: ويتجه احتمال: ولا يضمن.
(5)
أي ظهر الدابة يستحق المرتهن ركوبه، والانتفاع به، إذا كان الحيوان مرهونًا، في مقابلة نفقته.
(6)
الدر بفتح فشد، أي لبن الدابة ذات الضرع، يستحق المرتهن شربه، حيث كان الحيوان مرهونًا، في مقابلة نفقته، وهذا خبر بمعنى الأمر، وهذا الانتفاع في مقابلة النفقة، وذلك يختص بالمرتهن.
وعلى الذي يركب ويشرب النفقة» رواه البخاري (1) وتسترضع الأَمة بقدر نفقتها (2) وما عدا ذلك من الرهن لا ينتفع به إلا بإذن مالكه (3) .
(1) أي وعلى الذي يركب الظهر، ويشرب اللبن النفقة، في مقابلة انتفاعه، وما فضل لربه، قال ابن القيم: دل الحديث، وقواعد الشريعة، وأصولها، على أن الحيوان المرهون محترم في نفسه، لحق الله تعالى، وللمالك فيه حق الملك، وللمرتهن حق الوثيقة، فإذا كان بيده، فلم يركبه، ولم يحلبه، ذهب نفعه باطلا، فكان مقتضى العدل، والقياس، ومصلحة الراهن، والمرتهن، والحيوان، أن يستوفي المرتهن منفعة الركوب والحلب، ويعوض عنهما بالنفقة، فإذا استوفى المرتهن منفعته، وعوض عنها نفقة، كان في هذا جمع بين المصلحتين، وبين الحقين.
(2)
أي إن كانت ذات لبن، قياسًا على الرهن المحلوب.
(3)
أي وما عدا الحيوان المركوب والمحلوب من الرهن، لا ينتفع به إلا بإذن مالكه، فالرهن قسمان، حيوان وغيره، والحيوان نوعان، حيوان مركوب ومحلوب تقدم حكمه، وحيوان غير مركوب، ولا محلوب، كالعبد، والأمة، فالمذهب أنه ليس للمرتهن أن ينفق عليه، ويستخدمه بقدر نفقته، بلا إذن، وإن أذن في الإنفاق، والانتفاع بقدره جاز، لأنه نوع معاوضة، وقال الموفق: إذا انتفع المرتهن بالرهن، باستخدام، أو ركوب، أو لبس، أو استرضاع، أو استغلال، أو سكنى، أو غيره حسب من دينه بقدر ذلك.
والقسم الثاني ما لا يحتاج إلى مؤنة، كالدار، والمتاع ونحوه، قال الموفق وغيره: لا يجوز للمرتهن الانتفاع به بغير إذن الراهن، لا نعلم فيه خلافًا، لأن الرهن ملك الراهن، فكذلك نماؤه، وإن أذن له جاز، ولو بغير عوض، لكن
إن جرَّبِهِ منفعة لم يجز، كما تقدم في القرض، ويضمن ما تلف من الانتفاع، أذن الراهن أولا، لأنه مع الإذن عارية، ومع عدمه كالغصب.
(وإن أنفق على) الحيوان (الرهن بغير إذن الراهن مع إمكانه) أي إمكان استئذانه (1)(لم يرجع) على الراهن (2) ولو نوى الرجوع، لأنه متبرع (3) أو مفرط، حيث لم يستأْذن المالك، مع قدرته عليه (4) .
(1) لحضوره، وعدم المانع من إذنه.
(2)
إذا لم ينو الرجوع، بفضل نفقته، رواية واحدة، لأنه تصدق به، فلم يرجع بعوضه.
(3)
أي حكما، وقال ابن القيم: من أدى عن غيره واجبًا عليه رجع عليه، لقوله {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ} فليس من جزاء هذا المحسن أن يضيع عليه معروفه، ولقوله «من أسدى إليكم معروفًا فكافؤه» ونص أحمد على أنه إذا افتدى أسيرًا، رجع عليه بما غرمه، قولاً واحدًا، وكتب عمر إلى عامله في سبي العرب، فقال: أيما حر اشتراه التجار، فاردد عليهم رؤوس أموالهم. وجميع الفرق تقول بهذا، وإن تناقضوا ولم يطردوها.
(4)
هذا المذهب، وقال الموفق: يخرج على روايتين، بناء على ما إذا قضى دينه بغير إذنه، وهذا أقيس في المذهب. وقال شيخ الإسلام: إن قال الراهن: أنا لم آذن لك في النفقة. قال: هي واجبة عليك، وأنا أستحق أن أطالبك بها لحفظ المرهون، وقال: محض العدل، والقياس، والمصلحة، وموجب الكتاب، ومذهب أهل المدينة، وفقهاء الحديث، وأهل السنة، أن من أدى عن غيره، فإنه يرجع ببدله، قال: والصواب التسوية بين الإذن وعدمه، والمحققون من الأصحاب سووا بينهما، قال تعالى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} وقال {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنّ} الآية ولم يشترط إذنًا ولا عقدًا.
(وإن تعذر) استئذانه، وأنفق بنية الرجوع (رجع) على الراهن (1)(ولو لم يستأذن الحاكم) لاحتياجه لحراسة حقه (2)(وكذا وديعة) وعارية (ودواب مستأجرة هرب ربها)(3) فله الرجوع إذا أنفق على ذلك بنية الرجوع، عند تعذر إذن مالكها (4) بالأقل مما أنفق، أو نفقة المثل (5) .
(1) لأنه قام عنه بواجب لم يمكنه استئذانه فيه، إما لتواريه عنه، أو غيبته، أو نحو ذلك، قال الوزير: أجمعوا على أنه إذا أنفق المرتهن على الرهن، بإذن الحاكم أو غيره، مع غيبة الراهن، أو امتناعه، كان دينا للمنفق على الراهن. وتقدم قول الشيخ وغيره: أن من أدى عن غيره واجبًا، فإنه يرجع ببدله.
(2)
وليس من جزائه أن يضيع عليه معروفه، وتقدم أن المحققين من الأصحاب سووا في ذلك بين الإذن وعدمه، فهنا أولى، فيرجع في هذه الحالة، ولو قدر على استئذان الحاكم، ولم يستأذنه، ولم يشهد أنه ينفق ليرجع على الراهن.
(3)
أي حكمها حكم الرهن فيما سبق، لأنها أمانة في يده، فينفق عليها من هي بيده، عند عدم مالكها، أو تعذر استئذانه، لوجوب حفظ النفس.
(4)
بنحو غيبة، لأنه قام عنه بواجب هو محتاج إليه لحراسة حقه، فكان كالرهن.
(5)
أي بالأقل مما أنفق على تلك، والأقل من نفقة المثل، فلو كان نفقة مثله خمسة، وأنفق أربعة، رجع بالأربعة، لأنها التي أنفقها، وإن كان أنفق خمسة، ونفقة مثله أربعة، رجع بالأربعة أيضًا، لأن ما زاد على نفقة المثل تبرع، وأراد أقل الأمرين، فالواو أولى من "أو".
(ولو خرب الرهن) إن كان دارًا (فعمره) المرتهن (بلا إذن) الراهن (رجع بآلته فقط) لأَنها ملكه (1) لا بما يحفظ به مالية الدار، وأُجرة المعمرين (2) لأَن العمارة ليست واجبة على الراهن، فلم يكن لغيره أَن ينوب عنه فيها (3) بخلاف نفقة الحيوان، لحرمته في نفسه (4) وإن جنى الرهن، ووجب مال (5) .
(1) فلا تفوته، ولا تخرج بصنعتها من ماليته.
(2)
أي لا يرجع بتلك العمارة التي يحفظ بها مالية الدار، كثمن ماء، ورماد، وطين، وجص، ونورة، ومساح ونحو ذلك مما يتكرر من الآلات، وكإسمنت، لكونه لا يعاد ثانيًا، ولا يرجع بنفقة المعمرين، لكونها نفقة في غير محلها، وهذا من عطف العام على الخاص.
(3)
فلا يرجع المرتهن ونحوه إلا بما يفوت به مال الراهن ونحوه، هذا المذهب، وأطلق في النوادر: يرجع. وقال: القاضي: يرجع بجميع ما عمر في الدار، لأنه من مصلحة الرهن. وقال الشيخ تقي الدين – فيمن عمر وقفا بالمعروف ليأخذ عوضه – له أخذه من مغله.
(4)
وعدم بقائه بدون النفقة وتقدم.
(5)
أي وإن جنى العبد المرهون، على نفس، أو مال، خطأ، أو عمدًا لا قود فيه، ووجب المال، أو فيه قود واختير المال، تعلق برقبة الجاني، وقدم على حق المرتهن، قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه. وهذا ما لم تكن الجناية بإذن سيده أو أمره، مع كون المرهون صبيًا، أو أعجميًا لا يعلم تحريمها، أو يعتقد وجوب طاعة سيده، فإن كان كذلك فالجاني السيد، فيتعلق به أرش الجناية.
خير سيده بين فدائه (1) وبيعه، وتسليمه إلى ولي الجناية فيملكه (2) فإن فداه فهو رهن بحاله (3) وإن باعه، أو سلمه في الجناية، بطل الرهن (4) وإن لم يستغرق الأَرش قيمته، بيع منه بقدره، وباقيه رهن (5) وإن جني عليه فالخصم سيده (6) .
(1) أي فإن استغرقه أرش الجناية، خير سيده بين فداء الرهن بالأقل من الأرش ومن قيمة الرهن، لأن الأرش إن كان أقل، فالمجني عليه لا يستحق أكثر منه، وإن كانت القيمة أقل فلا يلزم السيد أكثر منها، لأن ما يدفعه عوض الجاني فلا يلزمه أكثر من قيمته.
(2)
أي وخير سيد الجاني بين بيع الرهن في الجناية، وبين تسليم الرهن لولي الجناية، فيملك الرهن ولي الجناية، لاختصاص حق الجناية بالعين، فقدم على المرتهن.
(3)
لقيام حق المرتهن ووجود سببه، وإنما قدم حق المجني عليه لقوته، وقد زال.
(4)
لاستقرار كونه عوضًا عنها بذلك، فبطل كونه محلا للرهن، كما لو تلف أو بان مستحقًا.
(5)
أي وإن لم يستغرق الأرش قيمة العبد مثلاً، بيع من العبد بقدر الأرش، لأن البيع للضرورة، فيتقدر بقدرها، وباقي العبد رهن، لزوال المعارض، فإن تعذر بيع بعضه، بيع كله للضرورة، وكذا إن نقصت قيمته، ويكون باقي ثمنه رهنًا مكانه، وإن فداه مرتهن بإذن راهن غير متبرع رجع، وإلا فلا.
(6)
جني بالبناء للمجهول، أي وإن جني على العبد المرهون، جناية توجب قصاصًا أو مالاً، فالخصم، في طلب ما توجبه الجناية سيد العبد المجني عليه، لأنه
المالك له، والأرش الواجب بالجناية ملكه، فإن أخر المطالبة ولو لعذر، فالخصم المرتهن، لأن حقه متعلق بموجبها.
فإن أخذ الأَرش كان رهنًا (1) وإن اقتص فعليه قيمة أقل العبدين الجاني والمجني عليه، قيمة تكون رهنًا مكانه (2) .
(1) أي فإن أخذ سيد العبد المجني عليه الأرش، كان رهنا مكان العبد.
(2)
أي وإن اقتص السيد من جان عمدا بغير إذن المرتهن، فعليه قيمة أقل العبدين الجاني والمجني عليه، فلو كان الرهن يساوي مائة، والجاني تسعين، أو بالعكس، لم يلزم السيد إلا تسعون، تكون رهنًا مكانه، ولا يحتاج إلى عقد جديد، لأنه في الأولى لم يفوت على المرتهن إلا ذلك القدر، وفي الثانية لم يتعلق حق المرتهن إلا به، وكذا لو عفا السيد على مال، فعليه قيمة أقلهما. وإن كانت الجناية موجبة للمال، فعفا السيد عن المال، صح في حقه، لا في حق المرتهن، فيأخذ الأرش من الجاني فإن فك الرهن بأداء الراهن، أو أبرئ، رد إلى الجاني ما أخذ منه، وإن استوفى دينه من الأرش، رجع به جان على راهن.