المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الوكالة (1) بفتح الواو وكسرها: التفويض (2) تقول: وكلت أمري - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ٥

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌باب السلم

- ‌الذي يجمع أخلاطًا أربعة أقسام

- ‌ الشرط (الثالث ذكر قدره)

- ‌ الشرط (الرابع ذكر أجل معلوم)

- ‌ الشرط (السابع أن يسلم في الذمة

- ‌باب القرض

- ‌باب الرهن

- ‌باب الضمان

- ‌فصل في الكفالة

- ‌باب الحوالة

- ‌المليء: القادر بماله، وقوله، وبدنه

- ‌باب الحجر

- ‌فصلفي المحجور عليه لحظه

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الإجارة

- ‌ يصح استئجار آدمي لعمل معلوم

- ‌ الشرط (الثاني معرفة الأجرة)

- ‌الشرط (الثالث الإباحة في) نفع (العين)

- ‌كون المنفعة مقصودة

- ‌ الثالث (القدرة على التسليم)

- ‌ الرابع (اشتمال العين على المنفعة

- ‌باب السبق

- ‌باب العارية

- ‌تنعقد بكل لفظ أو فعل يدل عليها

- ‌باب الغصب

- ‌باب الشفعة

- ‌ الشفعة (على الفور وقت علمه

- ‌باب إحياء الموات

- ‌باب الجعالة

- ‌باب اللقطة

- ‌ لا يتصرف فيها قبل معرفة صفاتها)

- ‌باب اللقيط

-

- ‌كتاب الوقف

- ‌ الثاني: (أن يكون على بر)

- ‌ الرابع: أن يقف ناجزا

- ‌صفات ترتيب الاستحقاق

- ‌ يولى في الوظائف وإمامة المساجد الأحق شرعا

الفصل: ‌ ‌باب الوكالة (1) بفتح الواو وكسرها: التفويض (2) تقول: وكلت أمري

‌باب الوكالة

(1)

بفتح الواو وكسرها: التفويض (2) تقول: وكلت أمري إلى الله. أي فوضته إليه (3) واصطلاحًا: استنابة جائز التصرف مثله، فيما تدخله النيابة (4) .

(1) الوكالة جائزة بالكتاب، والسنة، والإجماع، قال تعالى {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} وقال {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ} وقال {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} ووكل صلى الله عليه وسلم عروة بن الجعد في شراء الشاة، وأبا رافع في تزويج ميمونة، وعمرو بن أمية في تزوج أم حبيبة، وكان يبعث عماله في قبض الزكاة ويأمر بإقامة الحدود، وغير ذلك، وحكى الموفق وغيره إجماع الأمة على جوازها في الجملة، ولدعاء الحاجة إليها، إذ لا يمكن كل أحد فعل ما يحتاج إليه بنفسه.

(2)

والفتح أشهر، اسم مصدر بمعنى التوكيل، وهي لغة: التفويض والحفظ.

(3)

أي تقول: وكلت أمري، ووكلت الأمر إليه. اكتفيت به، وتطلق ويراد بها الحفظ، ومنه {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} أي حفيظ.

(4)

أي والوكالة اصطلاحًا وشرعا: استنابة جائز التصرف، فيما وكل فيه "مثله" أي جائز التصرف وهو الحر، المكلف، الرشيد، سواء كان الموكل والوكيل ذكرين، أو أنثيين، أو مختلفين «فيما تدخله النيابة» من حقوق الله تعالى، وحقوق الآدميين، على ما يأتي تفصيله، ويستثنى من ذلك من يتصرف بالإذن، كالعبد، والوكيل، والمضارب، والمحجور عليه لسفه، إلا لما لهم فعله، ويمكن أن يكون المراد هنا بجائز التصرف من يصح منه فعل ما وكل فيه، وأركانها: الموكل، والوكيل، والموكل فيه.

ص: 203

(تصح) الوكالة (بكل قول يدل على الإذن)(1) كـ "افعل كذا" أو أذنت لك في فعله، ونحوه (2) وتصح مؤقتة، ومعلقة بشرط (3) كوصية وإباحة أكل، وولاية قضاء، وإمارة (4) .

(1) أي إيجاب الوكالة بكل قول يدل على الإذن في التصرف بلا خلاف.

(2)

أي تصح بنحو، بع عبدي، أو أعتقه، أو أذنت لك في كذا ونحو ذلك، كأقمتك مقامي، أو فوضت إليك في كذا، أو جعلتك نائبًا عني، لأنه لفظ دال على الأذن فصح، كلفظها الصريح، وفي الفروع: دل كلام القاضي على انعقادها بفعل دال كبيع، وهو ظاهر كلام الشيخ فيمن دفع ثوبه إلى قصار، أو خياط، وهو أظهر، كالقبول وتنعقد بالخط، والكتابة الدالة على الوكالة، إذ هي فعل دال على المعنى.

(3)

أي وتصح الوكالة مؤقتة، كأنت وكيلي شهرا؛ ونحوه، قال في الإنصاف بلا نزاع. وتصح معلقة بشرط، كإذا تمت مدة الإجارة في داري فبعها، ونحوه، على الصحيح، وهو مذهب أبي حنيفة.

(4)

أي يصح تعليق الوكالة، وتوقيتها، كما يصح تعليق هذه المذكورات وتوقيتها بشرط، كقوله: إذا قدم الحاج فبع هذا. أو: إذا دخل رمضان فافعل كذا. أو إذا طلب أهلي منك شيئًا فادفعه لهم. ونحوه مما يصح معلقا، ومؤقتا بشرط، وعند الشافعي إن تصرف صح لوجود الإذن، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال «أميركم زيد، فإن قتل فجعفر، فإن قتل فابن رواحة» ولأنه لو قال: وكلتك في شراء كذا، في وقت كذا. صح بلا خلاف، وقال ابن القيم رحمه الله: يصح تعليق الوكالة بالشرط، كما يصح تعليق الولاية بالشرط، كما صحت به السنة، بل تعليق الوكالة أولى بالجواز، فإن الولي وكيل وكالة عامة، فإنه إنما يتصرف نيابة عن المولي له فوكالته أعم من وكالة الوكيل في الشيء المعين، فإذا صح تعليقها، فتعليق الوكالة الخاصة أولى بالصحة. قال: وقد شرع الله لعباده التعليق بالشروط، في كل موضع يحتاج إليه العبد، حتى بينه وبين ربه، وتعليق العقود، والفسوخ، والتبرعات والالتزامات، وغيرها، بالشروط، أمر قد تدعو إليه الضرورة، أو الحاجة أو المصلحة فلا يستغني عنه المكلف، وقد علق النبي صلى الله عليه وسلم ولاية الإمارة بالشروط، وهذا تنبيه على تعليق الحكم في كل ولاية، وعلى تعليق الوكالة الخاصة والعامة.

ص: 204

(ويصح القبول على الفور والتراخي)(1) بأن يوكله في بيع شيء، فيبيعه بعد سنة (2) أو يبلغه أنه وكله بعد شهر، فيقول: قبلت (3)(بكل قول أو فعل دال عليه) أي على القبول (4) لأن قبول وكلائه عليه السلام كان بفعلهم (5) وكان متراخيًا عن توكيله إياهم، قاله في المبدع (6) .

(1) أي ويصح قبول الوكالة على الفور من غير تراخ، ويصح على التراخي، وهذا مذهب الشافعي وغيره.

(2)

أو يأمره بفعل شيء فيفعله بعد مدة طويلة، أو بلغه أن زيدا وكله في بيع شيء، فباعه من غير قبول صح.

(3)

أي فيصح القبول.

(4)

يعني من الوكيل، قال في الإنصاف: بلا نزاع. ويتخرج انعقادها بالخط، والكتابة الدالة على ذلك، قال ابن نصر الله: ولم يتعرض له الأصحاب، ولعله داخل في قوله: أو فعل. لأن الكتابة فعل دال على المعنى.

(5)

كما هو مستفيض من غير وجه، كقبض الزكاة، وإقامة الحدود، وغير ذلك.

(6)

وقاله الموفق وغيره، ولأنه إذن في التصرف، والإذن قائم، ما لم يرجع

عنه، أشبه الإباحة، وكذا سائر العقود الجائزة، كالشركة، والمضاربة، والمساقاة، والمزارعة، يصح القبول فيها بالفعل فورا، ومتراخيا.

ص: 205

ويعتبر تعيين الوكيل (1)(ومن له التصرف في شيء) لنفسه (فله التوكيل) فيه (والتوكل فيه)(2) . أي جاز أن يستنيب غيره (3) وأن ينوب عن غيره، لانتفاء المفسدة (4) والمراد فيما تدخله النيابة ويأتي (5) ومن لا يصح تصرفه بنفسه فنائبه أولى (6) فلو وكله في بيع ما سيملكه (7) .

(1) كأن يقول: وكلت فلانا في كذا. فلا يصح: وكلت أحد هذين. وكذا من لا يعرفه، أو لم يعرف موكله، للجهالة، لا علمه بالوكالة.

(2)

لأن النائب فرع عن المستنيب.

(3)

أي من له التصرف في شيء لنفسه، جاز أن يستنيب غيره في ذلك الشيء، وإلا فلا، سوى توكيل أعمى ونحوه في عقد ما يحتاج إلى رؤية، لأن منعه لعجزه عن العلم بالمبيع، لا لمعنى فيه.

(4)

أي وجاز لمن له التوكل في شيء أن ينوب عن غيره في ذلك الشيء، لانتفاء المفسدة في تلك النيابة.

(5)

أي قريبًا موضحًا، مستثنى منه ما لا تدخله النيابة.

(6)

أي من لا يصح تصرفه، فحيث انتفى الأصل انتفى الفرع.

(7)

لم يصح التوكيل، لأن الموكل لا يملكه حين التوكيل، وهذا تفريع على قوله: ومن لا يصح تصرفه لنفسه فنائبه أولى، ونقل الصحة فيما سيملكه تبعا لمملوك، كبع هذا وما يحدث منه.

ص: 206

أو طلاق من يتزوجها لم يصح (1) ويصح توكيل امرأة في طلاق نفسها وغيرها (2) وأن يتوكل واجد الطول، في قبول نكاح أمة لمن تباح له (3) وغني لفقير في قبول زكاة (4) وفي قبول نكاح أخته ونحوها لأجنبي (5)(ويصح التوكيل في كل حق آدمي من العقود)(6) .

(1) أي التوكيل، وكذا إن قال: إن تزوجت فلانة، فقد وكلتك في طلاقها. بخلاف: إن اشتريت فلانًا فقد وكلتك في عتقه، لصحة تعليق العتق على الملك.

(2)

هذا استثناء مما تقدم، فيصح توكيل امرأة في طلاق نفسها، قولا واحدا كما يأتي، ويصح في طلاق غيرها، من ضرة أو غيرها، لأنها لما ملكت طلاق نفسها بجعله إليها، ملكت طلاق غيرها.

(3)

أي ويصح أن يتوكل واجد الطول، أو غير خائف العنت، في قبول نكاح أمة لمن تباح له الأمة، من عبد، أو حر عادم الطول، خائف العنت.

(4)

أي ويصح أن يتوكل غني لفقير في قبول زكاة، أو كفارة، أو نذر، لأن المنع في هذه لنفسه للتنزيه، لا لمعنى فيه يقتضي منع التوكيل.

(5)

أي ويصح التوكيل في قبول نكاح أخته ونحوها – كعمته، وخالته، وحماته – لأجنبي لا تحل له، لكن يشترط لعقد النكاح تسمية الموكل، ولو نوى أنه قبله لموكله، ولم يذكره لم يصح، ولا يصح توكيل العبد، والسفيه في غير مالهما فعله، وتصح وكالة المميز بإذن وليه فيما لا يعتبر له البلوغ.

(6)

بالإجماع، لما تقدم من الآيات والأخبار، وما يأتي، سواء كانت متعلقة بالمال، أو ما يجري مجراه، وسواء كان الموكل حاضرًا أو غائبًا.

ص: 207

لأنه عليه السلام وكل عروة بن الجعد في الشراء (1) وسائر العقود، كالإجارة، والقرض، والمضاربة، والإبراء، ونحوها، في معناه (2)(والفسوخ) كالخلع، والإقالة، (والعتق، والطلاق)(3) لأنه يجوز التوكيل في الإنشاء، فجاز في الإزالة بطريق الأولى (4)(والرجعة (5)

(1) قال: أعطاني دينارا فقال "اشتر لنا شاة" فاشتريت شاتين بدينار، وبعت إحداهما بدينار، فأتيته بشاة ودينار. الحديث، ووكل في قبول النكاح وغيره، مما ينيف على ثلاثين حديثًا، تدل دلالة واضحة على صحة الوكالة في العقود وغيرها، وهو إجماع.

(2)

أي سائر العقود مما ذكر ونحوها، كصلح، وهبة وإقرار، وضمان، وكفالة، وحوالة، وشركة، ووديعة، وجعالة، ومساقاة، وصدقة، ووصية، ونحو ذلك، في معنى التوكيل، لأن الحاجة تدعو إليها، كدعائها إلى التوكيل، فيثبت فيها حكمه، وقال الموفق وغيره: لا نعلم فيه خلافًا، وكذا الكتابة، والتدبير، والإنفاق، والقسمة، والحكومة، والوكالة في الوقف، وحكاه في الإنصاف في الجميع إجماعًا، وقال أبو حنيفة: للخصم أن يمتنع من محاكمة الوكيل إذا كان الموكل حاضرا. والجمهور على خلافه، لإجماع الصحابة، فإن عليا وكل عقيلا عند أبي بكر، وقال: ما قضى له فلي، وما قضي عليه فعلي، ووكل عبد الله بن جعفر عند عثمان، ولدعاء الحاجة إلى ذلك، فقد لا يحسن، أو لا يحب أن يتولاها بنفسه، لأن للخصومة قحما.

(3)

أي أنه يصح التوكيل فيها، وهو كذلك بلا خلاف.

(4)

ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك، فأشبه البيع.

(5)

أي ويصح التوكيل في الرجعة، لأنه يملك بالتوكيل الأقوى، وهو إنشاء النكاح، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، فتلافيه بالرجعة أولى، وظاهره أن التوكيل في الرجعة للمرأة صحيح، سواء كان لها في رجعة نفسها أو غيرها.

ص: 208

وتملك المباحات من الصيد، والحشيش، ونحوه) كإحياء الموات (1) لأنها تملك مال بسبب لا يتعين عليه، فجاز كالابتياع (2)(لا الظهار) لأنه قول منكر وزور (3)(واللعان والأَيمان) والنذور والقسامة (4) والقسم بين الزوجات (5) والشهادة والرضاع (6) والالتقاط، والاغتنام (7) .

(1) والاحتطاب، واستقاء الماء، فيصح التوكيل في ذلك، بلا خلاف.

(2)

وكالاتهاب فيصح التوكيل فيه.

(3)

ومحرم، فلا يجوز فعله، ولا الاستنابة فيه، أشبه بقية المعاصي.

(4)

وكذا الإيلاء، لأنها تتعلق بعين الحالف والناذر، فأشبهت العبادات البدنية، والحدود، فلا يصح الاستنابة فيها.

(5)

أي لا تصح الاستنابة فيه، لأنه يتعلق ببدن الزوج، لأمر يختص به، ولا يوجد في غيره.

(6)

أي لا تصح استنابة في الشهادة، بأن يقول: اشهد عني. لتعلقها بعين الشاهد، لأنها خبر عما رآه أو سمعه، ولا يتحقق ذلك في نائبه، فإن فعل كان شاهدا على شهادته، ولا في الرضاع، كأن تقول امرأة لامرأة: أرضعي عني لأنه يختص بالمرضعة، والمرتضع، لأمر يختص بإنبات لحم المرتضع، وانشاز عظمه من لبنها.

(7)

أي ولا يصح التوكيل في الالتقاط، فإذا فعل ذلك فالتقط، كان أحق

من الآمر، ولأن المغلب فيه الائتمان، ولا يصح في الاغتنام، لأنه مستحق بالحضور، فلا طلب للغائب به.

ص: 209

والغصب، والجناية، فلا تدخلها النيابة (1)(و) تصح الوكالة أيضًا (في كل حق لله تدخله النيابة من العبادات)(2) كتفرقة صدقة، وزكاة، ونذر، وكفارة (3) لأنه عليه السلام كان يبعث عماله لقبض الصدقات، وتفريقها (4) وكذا حج، وعمرة، على ما سبق (5) .

(1) أي ولا يصح التوكيل في الغصب، والجناية، لأن ذلك محرم، وكذلك كل محرم، لأنه لا يحل له فعله بنفسه، فلم تجز النيابة فيه، وقوله «فلا تدخلها النيابة» يعني الظهار، وما عطف عليه، فلا تصح الوكالة فيه، لعدم قبوله النيابة.

(2)

يعني المتعلقة بالمال.

(3)

قال في الإنصاف: بلا نزاع أعلمه. ويجوز للمخرج التوكيل في إخراجها، ودفعها إلى مستحقها، ولا يأخذ لنفسه من الصدقة، ولا لأجل العمل، لأن لفظ الموكل ينصرف إلى دفعه إلى غيره، ويجوز لولده، ووالده، إذا كان من أهل الصدقة، ويجوز أن يقول لغيره: أخرج زكاة مالي من مالك. لأنه اقتراض من مال وكيل، وتوكيل له في إخراجه.

(4)

كما هو مستفيض من غير وجه، ومنه ما في الصحيحين: أنه بعث عمر على الصدقة. وقال لمعاذ: «صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم» وكذا خلفاؤه، وولاة المسلمين.

(5)

أي في كتاب المناسك، سواء كان نفلاً مطلقًا، أو فرضًا، من نحو معضوب، وتقدم بأدلته.

ص: 210

وأما العبادات البدنية المحضة (1) كالصلاة، والصوم، والطهارة، من الحدث، فلا يجوز التوكيل فيها (2) لأنها تتعلق ببدن من هي عليه (3) لكن ركعتا الطواف تتبع الحج (4)(و) تصح في (الحدود في إثباتها، واستيفائها)(5) لقوله عليه السلام «واغد يا أُنيس إلى امرأَة هذا، فإن اعترفت فارجمها» فاعترفت، فأمر بها فرجمت، متفق عليه (6) .

(1) يعني الخالصة، وهي ما لا تتعلق بالمال.

(2)

قولا واحد، وكذا الاعتكاف، وتجديد الوضوء، ونحوه مما يتعلق بالبدن فحسب.

(3)

أي فلا يقوم غيره مقامه، ولأن الثواب عليه لأمر يخصه، فلا تدخله النيابة، إلا أن الصيام المنذور يفعل عن الميت، أداء لما وجب عليه، وليس بتوكيل وتصح طهارة الخبث لأنها من التروك، وتجوز الاستنابة في صب الماء، وإيصاله إلى الأعضاء.

(4)

وإن كانت الصلاة لا تدخلها النيابة، لكن دخلت تبعا، وهذا استدراك من قوله «وأما العبادات البدنية» الخ فالحقوق ثلاثة أنواع، نوع تصح الوكالة فيه مطلقًا، وهو ما تدخله النيابة من حقوق الله، وحقوق الآدمي، ونوع لا تصح الوكالة فيه مطلقًا، كالصلاة، والظهار، ونوع تصح فيه مع العجز دون القدرة، كحج فرض، وعمرته.

(5)

أي وتصح الوكالة في إثبات الحدود، كحد زنا، وسرقة، واستيفائها ممن وجبت عليه، ويقوم الوكيل مقام الموكل، في درئها بالشبهات.

(6)

فدل الحديث على صحة التوكيل في إثبات الحدود، واستيفائها، وأمر

النبي صلى الله عليه وسلم برجم ماعز فرجموه، ووكل عثمان عليا في إقامة حد الشرب على الوليد بن عقبة، ولأن الحاجة تدعو إليه، لأن الإمام لا يمكنه تولي ذلك بنفسه، وقال ابن رجب: بناء على أن القاضي ليس بنائب للإمام، بل هو ناظر للمسلمين، لا عن ولاية، ولهذا لا ينعزل بموته، ولا بعزله، فيكون حكمه في ولايته حكم الإمام، ولأنه يضيق عليه تولي جميع الأحكام بنفسه، ويؤدي ذلك إلى تعطيل مصالح الناس العامة، فأشبه من وكل فيما لا تمكن مباشرته عادة لكثرته.

ص: 211

ويجوز الاستيفاء في حضرة الموكل، وغيبته (1)(وليس للوكيل أن يوكل فيما وكل فيه) إذا كان يتولاه مثله، ولم يعجزه (2) لأنه لم يأذن له في التوكيل، ولا تضمنه إذنه، لكونه يتولى مثله (3) .

(1) وهو قول مالك، واستثنى بعضهم القصاص، وحد القذف، لاحتمال أن يعفو الموكل في حال غيبته فيسقط، والأول المذهب، لأن ما جاز استيفاؤه في حضرة الموكل، جاز في غيبته، كالحدود وسائر الحقوق، واحتمال العفو بعيد، ولأن قضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يحكمون في البلاد، ويقيمون الحدود التي تدرأ بالشبهات، والأولى الاستيفاء بحضوره فيهما، لاحتمال عفوه.

(2)

في قوله «ليس للوكيل أن يوكل فيما وكل فيه» أحوال ثلاثة «أحدها» إذا كان يتولاه مثله، ولم يعجزه عمله، فليس له أن يوكل فيما وكل فيه، وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي.

(3)

فلم يجز له التوكيل، كما لو نهاه، ولأنه استؤمن فيما يمكنه النهوض

فيه، فلا يوليه غيره، كالوديعة، فإن كان لا يتولاه مثله، كالأعمال الدنية في حق أشراف الناس، المترفعين عن فعلها في العادة، أو يعجز عن عمله ككثرته، أو لكونه لا يحسنه، أو غير ذلك، فله التوكيل فيه، وحكي أنه لا نزاع فيه.

ص: 212

(إلا أن يجعل إليه) بأَن يأْذن له في التوكيل (1) أو يقول: اصنع ما شئت (2) . ويصح توكيل عبد بإذن سيده (3)(والوكالة عقد جائز)(4) .

(1) أي فيجوز له التوكيل، لأنه عقد أذن فيه، فكان له فعله، كالتصرف المأذون فيه، قال الموفق وغيره: لا نعلم فيه خلافًا، وهذا «الحال الثاني» .

(2)

أي أو يقول: وكلتك فاصنع ما شئت أو: تصرف كيف شئت، فله أن يوكل، لأن لفظ: اصنع ما شئت. عام، فيدخل في عمومه التوكيل، «والحال الثالث» أن ينهى الموكل وكيله عن التوكيل، فلا يجوز له التوكيل، بغير خلاف، لأن ما نهاه عنه غير داخل في إذنه، فلم يجز له، كما لو لم يوكله، وكل وكيل جاز له التوكيل، فليس له أن يوكل إلا أمينا، لأنه لا نظر للموكل في توكيل من ليس بأمين، فإن تغير فعليه عزله، فإن لم يعلم بالتغير فلا ضمان عليه، وإن عينه الموكل جاز وإن لم يكن أمينا، لأنه قطع نظره بتعيينه، ولا ينعزل الوكيل الثاني بموته ونحوه، ولا يملك عزله، ولو قال: وكل فلانا عني في بيع كذا، فقال الشيخ: لا يحتاج إلى تبيين أنه وكيله، أو وكيل فلان.

(3)

لأن المنع لحق السيد، فجاز بإذنه، ولا يجوز بغير إذنه، لأنه لا يجوز له التصرف بغير إذن سيده، سوى ما يملكه وحده، فيجوز توكيله في الطلاق من غير إذن.

(4)

أي من الطرفين، وكذا الشركة، والمضاربة، والمساقاة، والمزارعة، والوديعة، والجعالة، والمسابقة، والعارية، على ما يأتي تفصيله.

ص: 213

لأنها من جهة الموكل إذن (1) ومن جهة الوكيل بذل نفع (2) وكلاهما غير لازم (3) فلكل واحد منهما فسخها (4)(وتبطل بفسخ أحدهما، وموته)(5) وجنونه المطبق (6) لأن الوكالة تعتمد الحياة والعقل، فإذا انتفيا انتفت صحتها (7) .

(1) أي في التصرف، فكان لكل واحد منهما إبطاله، كالإذن في أكل طعامه.

(2)

أي للموكل، لكل منهما إبطاله.

(3)

أي من الطرفين، لا الإذن في الوكالة، ولا بذل النفع بها للموكل.

(4)

أي الوكالة أي وقت شاء بلا نزاع، لعدم لزومها، وكذا الشركة، ونحوها مما تقدم.

(5)

أي وتبطل الوكالة بفسخ الموكل أو الوكيل لها، وتبطل بموت الموكل أو الوكيل، وبموتهما معا بغير خلاف، إذا علم الحال، ومتى تصرف بعد فسخ الموكل أو موته فهو باطل إذا علم ذلك.

(6)

أي وتبطل الوكالة بجنون أحدهما المطبق بفتح الباء، قال في الإنصاف وغيره: بلا خلاف نعلمه إذا علم الحال. لزوال أهلية التصرف، وكذا كل عقد جائز كالشركة، ولا تبطل بالإغماء قولا واحدًا.

(7)

أي لانتفاء ما تعتمد عليه، وهو أهلية التصرف، لكن لو وكل ولي اليتيم، وناظر الوقف أو عقدا، أو غيرهما عقدا جائزا، كالمشاركة، والمضاربة، لم تنفسخ بموته، لأنه متصرف على غيره، اقتصر عليه في الإنصاف، وقطع به في الإقناع، وذكره ابن رجب وغيره.

ص: 214

وإذا وكل في طلاق الزوجة ثم وطئها (1) أو في عتق العبد ثم كاتبه، أو دبَّره بطلت (2)(و) تبطل أيضًا بـ (عزل الوكيل)(3) ولو قبل علمه، لأنه وقع عقد لا يفتقر إلى رضى صاحبه، فصح بغير علمه، كالطلاق (4) .

(1) بطلت الوكالة، لأنه دليل رجوعه، ورغبته فيها، واختيار إمساكها، لا بقبلتها، على الصحيح من المذهب، كما لا تصح الرجعة بها.

(2)

أي الوكالة في العتق، للدلالة على رجوع الموكل فيه بالكتابة أو التدبير، وهذا الصحيح من المذهب.

(3)

لأن له عزله أي وقت شاء بلا نزاع، وإن تصرف بعد علمه فتصرفه باطل.

(4)

أي فيضمن ما تصرف فيه، وعنه: لا ينعزل قبل علمه. نص عليه، وهو مذهب الشافعي وغيره، واختاره الشيخ، وقال: هو الصواب، لما في ذلك من الضرر، لأنه قد يتصرف تصرفات فتقع باطلة، وربما باع الجارية فيطؤها المشتري، أو الطعام فيأكله، أو غير ذلك، فيتصرف فيه المشتري ويجب ضمانه، فيتضرر المشتري. والوكيل، وعليه: متى تصرف قبل علمه صح تصرفه. وهذا قول أبي حنيفة، حتى أنه لا يعزل نفسه إلا بحضرة الموكل، ولا ينعزل الشريك، والمضارب، حتى يعلم رب المال والشريك، لأنه ذريعة إلى عامة الأضرار، وهو تعطيل المال عن الفوائد والأرباح، حسن في اعتبار المقاصد، وسد الذرائع، قال في الإنصاف: وهو الأليق بالمذهب. وقال الشيخ: لا يضمن مطلقًا. وصوبه في الإنصاف، لأنه لم يفرط، وقال أيضًا: وعلى القول بالعزل قبل العلم، فتصرفاته صحيحة.

ص: 215

ولو باع أَو تصرف فادعى أنه عزله قبله لم يقبل إلا ببينة (1)(و) تبطل أيضًا (بحجر السفيه)(2) لزوال أَهلية التصرف (3) لا بالحجر لفلس (4) لأنه لم يخرج عن أهلية التصرف (5) .

(1) أي ولو باع وكيل، أو تصرف، فادعى موكله، أنه عزله قبل البيع أو التصرف، لم يقبل إلا ببينة تشهد بالعزل قبل، لأن الأصل بقاء الوكالة والشركة ونحوهما، وبراءة ذمة الوكيل، والشريك، ونحوه من ضمان ما أذن له فيه، بعد الوقت الذي ادعى الموكل عزل فيه، واختار الشيخ: لا يضمن. وقال: لو باع، أو تصرف، فادعى أنه عزله قبله لم يقبل، فلو أقام به بينة ببلد آخر، وحكم به حاكم، فإن لم ينعزل قبل العلم صح تصرفه، وإلا كان حاكمًا على الغائب، ولو حكم قبل هذا الحكم بالصحة حاكم لا يرى عزله قبل العلم، فإن كان قد بلغه ذلك نفذ، والحكم الناقض له مردود، وإلا وجوده كعدمه، والحاكم الثاني إذا لم يعلم بأن العزل قبل العلم، أو علم ولم يره، أو رآه ولم ير نقض الحكم المتقدم، فحكمه كعدمه، وقبض الثمن من وكيله دليل بقاء وكالته، وأنه قول أكثر العلماء. اهـ. إلا الطلاق فيقبل بلا بينة.

(2)

أي وتبطل الوكالة أيضًا بحجر السفيه في تصرف مالي، وكيلا كان أو موكلا، حيث اعتبر رشده.

(3)

أي فلا يملكه غيره من جهته كالمجنون، والمراد فيما ينافيه، بخلاف ما لا ينافيه كالطلاق.

(4)

أي فالوكالة بحالها في شراء شيء في ذمته، أو في ضمان، أو اقتراض، أو خصومة، أو طلاق، أو خلع، أو قصاص، ونحو ذلك.

(5)

يعني بالفلس، فصحت وكالته، لعدم ما ينافيها.

ص: 216

لكن إن حجر على الموكل، وكانت في أَعيان ماله بطلت (1) لانقطاع تصرفه فيها (2)(ومن وكل في بيع أو شراء، لم يبع ولم يشتر من نفسه)(3) لأَن العرف في البيع بيع الرجل من غيره، فحملت الوكالة عليه (4) ولأنه تلحقه تهمة (5) .

(1) أي الوكالة فيما حجر عليه فيه من أعيان ماله، كأن يقول لوكيله: بع داري أو غلامي، أو نحوه.

(2)

بالحجر عليه فيها، بخلاف ما لو كانت الوكالة في ذمته، كأن يقول: اشتر لي كذا وكذا.

(3)

أي من وكل في بيع شيء لم يجز أن يبيعه لنفسه، ومن وكل في شراء شيء لم يجز أن يشتري من نفسه، وهذا مذهب الشافعي، وأصحاب الرأي.

(4)

يعني كما لو صرح به، ولأن العرف في الشراء من غيره، فشراؤه من نفسه لموكله خلاف العرف، فكما لو صرح فقال: اشتره من غيرك.

(5)

أي في بيعه من نفسه لنفسه، وشرائه من نفسه لنفسه، وعليه الجمهور، وعنه: يجوز إذا زاد على مبلغ ثمنه في النداء، أو وكل من يبيع وكان هو أحد المشترين. وفي الكافي: لأنه امتثل أمره، وحصل غرضه، فصح كما لو باع أجنبيًا، وإنما يصح بشرط أن يزيد على مبلغ ثمنه في النداء، ويتولى النداء غيره، لتنتفي التهمة، وذكر في الإنصاف احتمالا: لا يعتبران. لأن دينه، وأمانته تحمله على عمل الحق، وربما زاد خيرًا، ومحل الخلاف ما لم يأذن له، فإن أذن له في الشراء لنفسه جاز، وكذا في شرائه من نفسه، إلا في وجه عند الشافعية، وهو قد وكله في التصرف لنفسه فجاز، ويتولى طرفي العقد في ذلك، كتوكيله في بيعه، وتوكيل آخر في شرائه، ولا يجوز للدلال أن يكون شريكًا فيمن يزيد من

غير علم البائع، لأنه يحب أن لا يزيد أحد عليه، فلا ينصح، وإذا تواطأ جماعة على ذلك استحقوا التعزير، ومنه: أن يمنعوا من المناداة.

ص: 217

(و) لا من (ولده) ووالده، وزوجته، ومكاتبه، وسائر من لا تقبل شهادته له (1) لأنه متهم في حقهم، ويميل إلى ترك الاستقصاء عليهم في الثمن، كتهمته في حق نفسه (2) وكذا حاكم، وأمينه (3) وناظر وقف (4) ووصي، ومضارب، وشريك عنان، ووجوه (5)(ولا يبيع) الوكيل (بعرض، ولا نساء، ولا بغير نقد البلد)(6) .

(1) كابن بنته، وأبي أمه، فلا يجوز للوكيل البيع لأحدهم، ولا الشراء منه مع الإطلاق، وعلى القول بالصحة فهنا أولى.

(2)

وفي الإنصاف: بناه بعضهم على ما تقدم، وقالوا: بخلاف أخيه وعمه فيصح. وقال في الإنصاف: وحيث حصل تهمة في ذلك لم يصح.

(3)

أي وكالوكيل – فيما تقدم من البيع ونحوه لنفسه أو أقاربه – حاكم وأمينه، واستثناه بعضهم، لأن ولايته عامة.

(4)

فلا يبيع من مال الوقف، ولا يشتري منه لنفسه، ولا لوالده، وولده، وزوجته، ونحوهم، ولا يؤجر إلا أن يكون الوقف على نفس الناظر، فإجارته لولده صحيحة بلا نزاع، وإن كان على غيره صحت عند بعضهم بأجرة المثل.

(5)

وكذا عامل بيت المال ونحوه، لا يبيع ولا يشتري من نفسه، ولا ولده، ونحوه على ما تقدم.

(6)

أي ولا يبيع الوكيل «بعرض» كثوب، وفلوس، «ولا نساء» أي بثمن مؤجل، ولا يبيع بغير نقد البلد، فإن فعل لم يصح.

ص: 218

لأن عقد الوكالة لم يقتضه (1) فإن كان في البلد نقدان باع بأغلبهما رواجًا (2) فإن تساويا خير (3)(وإن باع بدون ثمن المثل) إن لم يقدر له ثمن (4)(أو) باع بـ (دون ما قدره له) الموكل صح (5)(أو اشترى له بأكثر من ثمن المثل) وكان لم يقدر له ثمنًا (6)(أو مما قدره صح) الشراء (7) .

(1) وإنما الأصل في البيع تحصيل الثمن، والحلول، وإطلاق النقد ينصرف إلى نقد البلد، فلو باع وأطلق، انصرف إلى الحلول، ونقد البلد، فلم يصح إلا حالا بنقد البلد، وهذا مذهب الشافعي.

(2)

وكذا إن كان فيه نقود، باع بالأغلب رواجا.

(3)

أي في أن يبيع بأيهما شاء، وقال غير واحد: بالأصلح. لأنه الذي ينصرف إليه الإطلاق، والمراد ما لم يعين الموكل نقدًا، فإن عينه تعين، لأنه إنما يتصرف بإذن الموكل.

(4)

صح البيع، وضمن النقص، وهذا مذهب الشافعي وغيره، فيما لا يتغابن الناس بمثله، وأما ما يتغابن الناس بمثله في الغالب، كأن يبيع ما يساوي عشرة بتسعة، فيصح ولا ضمان عليه.

(5)

أي البيع، وضمن النقص، ولو كان مما يتغابن به عادة، لأنه ليس له أن يبيع بدون ما قدر له.

(6)

صح الشراء، وضمن الزائد عن ثمن المثل، إذا كان مما لا يتغابن به عادة، لأنه يمكن التحرز منه.

(7)

أي أو اشترى بأكثر مما قدر له، صح الشراء، وضمن الزائد عن ثمن المثل، ولو كان مما يتغابن به عادة، لأنه غير مأذون فيه.

ص: 219

لأَن من صح منه ذلك بثمن مثله صح بغيره (1)(وضمن النقص) في مسألة البيع (2)(و) ضمن (الزيادة) في مسألة الشراء لأَنه مفرط (3) والوصي، وناظر الوقف، كالوكيل في ذلك، ذكره الشيخ تقي الدين (4) .

(1) أي غير ثمن المثل كالمريض.

(2)

أي بدون ثمن المثل، مما لا يتغابن بمثله عادة، وأما ما يتغابن بمثله، كالدرهم في العشرة، فمعفو عنه إذا لم يكن الموكل قدر الثمن، وإذا حضر من يزيد على ثمن المثل، وباعه بثمن المثل، صح وضمن الزيادة، لأن عليه طلب الحظ لموكله.

(3)

أي بترك الاحتياط، وطلب الحظ، ما لم يكن مما يتغابن بمثله عادة، كدرهم في عشرة، فلا، لعسر التحرز منه، ما لم يقدر له ثمن فيضمن، واختار الشيخ أنه لا يضمن ما لم يفرط، وصوبه في الإنصاف وغيره.

(4)

قدس الله روحه، قال: وكذلك الشريك، والوصي، والناظر على الوقف، وبيت المال، ونحو ذلك. وقال: هذا ظاهر فيما إذا فرط، وأما إذا احتاط في البيع والشراء، ثم ظهر غبن، أو عيب لم يقصر فيه، فهذا معذور، يشبه خطأ الإمام أو الحاكم، ويشبه تصرفه قبل علمه بعزله، وأبين من هذا الناظر، والوصي، والإمام، والقاضي، إذا باع، أو أجر، أو زارع، أو ضارب، ثم تبين أنه بدون القيمة بعد الاجتهاد، أو تصرف تصرفا، ثم تبين الخطأ فيه، مثل أن يأمر بعمارة، أو غرس، ونحو ذلك، ثم تبين أن المصلحة كانت في خلافه، وهذا باب واسع، وكذلك المضارب، والشريك، فإن عامة من يتصرف لغيره بوكالة أو ولاية، قد يجتهد ثم يظهر فوات المصلحة، أو حصول المفسدة، فلا لوم عليه

فيهما، وتضمين مثل هذا فيه نظر، وهو شبيه بما إذا قتل في دار الحرب من يظنه حربيًا فبان مسلما، فإن جماع هذا أنه مجتهد، مأمور بعمل اجتهد فيه، وكيف يجتمع عليه الأمر والضمان، هذا الضرب هو خطأ في الاعتقاد والقصد، لا في العمل، وأصول المذهب تشهد له بروايتين.

ص: 220

وإن قال: بعه بدرهم. فباعه بدينار صح، لأَنه زاده خيرًا (1) (وإن باع) الوكيل (بأَزيد) مما قدره له الموكل صح (2) (أو قال) الموكل:(بع بكذا مؤجلاً، فباع) الوكيل (به حالاً) صح (3) .

(1) ولأن من رضي بدرهم رضي مكانه دينارًا.

(2)

أي البيع، كأن وكله في بيع شيء بمقدر فباعه بأكثر منه، سواء كانت الزيادة من جنس الثمن المأمور به أو لا، أو أطلق فباعه بأكثر من ثمن المثل، لأنه باع بالمأذون فيه، وزاد زيادة تنفعه ولا تضره، وأشبه ما لو شراه بدون ثمن المثل أو دون ما قدر له، كما لو قال: اشتر شاة بدينار فاشترى شاتين، لخبر عروة بن الجعد، لا إن قال: بعه بدرهم فباعه بثوب يساوي دينارا، لمخالفته موكله، وأما ما حصل للوكيل فقال الشيخ – فيمن دفع إلى رجل ثوبا يبيعه، فباعه وأخذ الثمن، فوهبه المشتري ثوبًا أو منديلاً – ينبغي أن يكون لصاحب الثوب، ولو نقص المشتري من الثمن درهما، فإن الضمان على الذي باع الثوب، فقد نص أحمد على أن ما حصل للوكيل من زيادة فهي للبائع، وما نقص فهو عليه، ولم يفرق بين أن يكون النقص قبل لزوم العقد أو بعده، وينبغي أن يفصل إذا لم يلزمه.

(3)

أي البيع، لأنه زاده خيرًا، حيث باع بثمن حال ما أمر ببيعه مؤجلا.

ص: 221

(أو) قال الموكل: (اشتر بكذا حالاً. فاشتري به مؤجلاً (1) ولا ضرر فيهما) أي فيما إذا باع بالمؤجل حالاً، أو اشتري بالحال مؤجلاً (صح)(2) لأنه زاده خيرًا (3) فهو كما لو وكله في بيعه بعشرة، فباعه بأكثر منها (4)(وإلا فلا) أي وإن لم يبع أو يشتر بمثل ما قدره له بلا ضرر، بأن قال: بعه بعشرة مؤجلة. فباعه بتسعة حالة (5) أو: باعه بعشرة حالة؛ وعلى الموكل ضرر، بحفظ الثمن في الحال أو: بعه بعشرة حالة. فباعه بأحد عشر مؤجلة (6) أو قال: اشتره بعشرة حالة. فاشتراه بأحد عشر مؤجلة، أو بعشرة مؤجلة مع ضرر، لم ينفذ تصرفه، لمخالفته موكله (7) .

(1) ومثاله إن قال: اشتره بمائة حالا. فاشتراه بها مؤجلا، صح البيع، لأنه زاده خيرا بتأجيل الثمن، والعادة الزيادة في مقابلة الأجل فيهما.

(2)

أي البيع، ومفهومه: إن تضرر لم يصح.

(3)

أي ببيع المؤجل حالا، والشراء بالحال مؤجلا، وكان مأذونا فيه عرفا.

(4)

لأنه زاده خيرا ينفعه ولا يضره، فكذا بيعه المؤجل حالا، وشراؤه بالحال مؤجلا.

(5)

لم يصح، لمخالفته موكله، وحصول ضرره.

(6)

لم يصح البيع.

(7)

وحصول ضرره فيهما، وقال الموفق: ويحتمل أن ينظر فيه، فإن لم يكن له غرض في النسيئة صح، وإن كان فيها غرض – نحو أن يكون الثمن مما يستضر بحفظه في الحال، أو يخاف عليه من التلف أو المتغلبين، أو يتغير عن حاله

إلى وقت الحلول – فهو كمن لم يؤذن له، لأن حكم الحلول لا يتناول المسكوت عنه إلا إذا علم أنه في المصلحة كالمنطوق، أو أكثر، فيكون الحكم فيه ثابتا بطريق التنبيه أو المماثلة، ومتى كان في المنطوق به غرض مختص به، لم يجز تفويته، ولا ثبوت الحكم في غيره وقال الشارح: الأولى أن ينظر له فيه. ثم ذكر نحوه، وفي الإنصاف: إن حصل ضرر لم يصح. وصوبه، وإن أمره ببيعه في سوق بثمن، فباعه به في آخر صح، إن لم ينهه عنه، ولم يكن له فيه غرض، بلا نزاع.

ص: 222

وقدم في الفروع أَن الضرر لا يمنع الصحة (1) وتبعه في المنتهى والتنقيح، في مسألة البيع (2) وهو ظاهر المنتهى أيضًا في مسألة الشراء (3) وقد سبق لك أن بيع الوكيل، بأَنقص مما قدر له، وشراءه بأكثر منه، صحيح ويضمن (4) .

(1) أي مطلقا، وعبارته، وإن أمره بشراء بكذا حالا، أو ببيع بكذا نساء. فخالف في حلول وتأجيل، صح في الأصح.

(2)

وعبارة المنتهى وشرحه: وكذا لو قال: بعه بألف نساء. فباعه به حالا صح، ولو مع ضرر يلحق الموكل بحفظ الثمن، لأنه زاده خيرا، ما لم ينهه عن بيعه حالا، فإن نهاه لم يصح.

(3)

وعبارته وشرحه: ومن قال لوكيله عن شيء: اشتره بكذا. أي بثمن قدره له حالا، فاشتراه الوكيل أي بالثمن الذي قدره له موكله مؤجلا صح، وقيل: إن لم يتضرر. انتهى، فظاهره ما ذكره الشارح، وفي شرحه له: ولو تضرر، ما لم ينهه، على قياس ما سبق. وفي الإقناع: ولو استضر بقبض الثمن في الحال، ما لم ينهه. أي عن البيع حالا، فإن نهاه لم يصح.

(4)

فيقتضي أن البيع والشراء فيما ذكر صحيحان، ويضمن الوكيل النقص في مسألة البيع، والزيادة في مسألة الشراء، فدل كلامه أنه يرى الصحة ولو مع الضرر.

ص: 223

فصل (1)

(وإن اشترى) الوكيل (ما يعلم عيبه لزمه) أي لزم الشراء الوكيل (2) فليس له رده، لدخوله على بصيرة (3)(إن لم يرض) به (موكله)(4) فإن رضيه كان له، لنيته بالشراء (5) . وإن اشتراه بعين المال لم يصح (6)(فإن جهل) عيبه (رده)(7)

(1) أي في بيان ما يلزم الموكل والوكيل، من نحو رد مبيع بعيب، وتسليم ثمن، وإشهاد، وما يملك فعله، وغير ذلك.

(2)

ولم يلزم الموكل، حيث اشترى له ما لم يأذن فيه، لأن إطلاق البيع يقتضي السلامة من العيوب، ولا نزاع أنه ليس للوكيل شراء معيب.

(3)

أي فليس للوكيل رد المبيع المعيب، لدخوله على بصيرة، وتفريطه، وعدم احترازه.

(4)

أي ولزم الشراء الوكيل إن لم يرض بالعيب موكله، لأن الحق له.

(5)

أي فإن رضي الموكل بعيب المبيع، كان المبيع المعيب له، لأن الوكيل نوى العقد له بالشراء، فلزمه إذا لم يكن الشراء له بعين ماله.

(6)

أي وإن اشترى المعيب بعين مال الموكل، لم يصح الشراء، لأنه اشترى له ما لم يأذن له فيه، فخالف مقتضى الوكالة.

(7)

أي وإن جهل وكيل عيب ما اشتراه حال عقد صح، وكان كشراء موكل بنفسه، لمشقة التحرز من ذلك، وله رده على بائعه، جزم به في الإقناع، والمنتهى، وصححه في الإنصاف، والمقنع، والمحرر، والعسكري، والحجاوي، وغيرهم.

ص: 224

لأنه قائم مقام الموكل (1) وله أيضًا رده، لأنه ملكه (2) فإن حضر قبل رد الوكيل، ورضي بالعيب، لم يكن للوكيل رده، لأن الحق له (3) بخلاف المضارب، لأن له حقًا، فلا يسقط رضى غيره (4) فإن طلب البائع الإمهال حتى يحضر الموكل، بلم يلزم الوكيل ذلك (5) وحقوق العقد – كتسليم الثمن (6)

(1) أي لأن الوكيل قائم مقام الموكل في الرد بالعيب، فله رده، ومثل ذلك خيار غبن أو تدليس.

(2)

أي وللموكل أيضًا رد المعيب إن لم يرضه، لأنه ملكه، وحقوق العقد متعلقة به، ولو أسقط الوكيل خياره، وإن أنكر بائع أن الشراء وقع لموكل، حلف ولزم الوكيل، لرضاه بالعيب.

(3)

أي فإن حضر الموكل قبل رد الوكيل المبيع المعيب، ورضى الموكل بالعيب، لم يكن للوكيل رده، لأن الحق للموكل وحده، وقد أسقطه.

(4)

يعني فله الرد من أجل حصته من الربح، وإن رضي رب المال بالعيب، ولم يرض هو به.

(5)

لأنه لا يأمن فوات الرد بهرب البائع، وفوات الثمن بتلفه، وإن أخره بناء على هذا القول فلم يرض به الموكل، فله الرد وإلا سقط، وإن قال البائع: قد رضي موكلك بالعيب، فالقول قول الوكيل بيمينه: أنه لا يعلم ذلك.

(6)

أي تتعلق بالموكل، لانتقال الملك من البائع للموكل، وهذا مذهب الشافعي، فيطالب بثمن ما اشتراه وكيله له، وظاهره: مطلقًا. سواء كان الثمن معينا أو في الذمة، وفي المبدع وغيره: أنه يطالب الوكيل إذا كان الثمن في الذمة، وأما إن كان معينا فالمطالب الموكل، وقال الموفق وغيره: أما ثمن ما اشتراه إذا كان في الذمة فإنه يثبت في ذمة الموكل أصلاً، وفي ذمة الوكيل تبعا، كالضامن.

ص: 225

وقبض المبيع، والرد بالعيب (1) وضمان الدرك – تتعلق بالموكل (2) . (ووكيل البيع يسلمه) أي يسلم المبيع (3) لأن إطلاق الوكالة في البيع يقتضيه لأنه من تمامه (4)(ولا يقبض) الوكيل في البيع (الثمن) بغير إذن الموكل (5) لأنه قد يوكل في البيع من لا يأمنه على قبض الثمن (6)(بغير قرينة)(7) .

(1) أي يتعلقان بالموكل، كتعلق الثمن، فلو أبرأ الوكيل، لم يبرأ الموكل، كالضامن والمضمون عنه سواء.

(2)

جزم به الموفق وغيره. والدرك التبعة. وقال الشيخ – فيمن وكل في بيع، أو شراء، أو استئجار – إن لم يسم موكله في العقد فضامن، وإلا فالروايتان. وظاهر المذهب تضمينه، ومن مملوكه يتصرف له تصرف الوكيل وهو يعلم، ثم فعل شيئا، فقال: ليس وكيلي. لم يقبل إنكاره، حتى لو قدر أنه لم يوكله، فتفريطه وتسليطه عدوان منه، يوجب الضمان.

(3)

لمشتريه بلا نزاع.

(4)

أي التسليم، ولا يملك الإبراء من الثمن، لأنه ليس من المبيع، ولا من تتمته، وهذا مذهب الشافعي.

(5)

قطع به غير واحد، وكذا الوكيل في النكاح، لا يملك قبض المهر فيه، وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي، وهو المفتى به.

(6)

فلم يملكه بغير إذن الموكل، وإن تعذر قبض الثمن من المشتري، لم يلزم الوكيل شيء، لأنه ليس بمفرط، كما لو ظهر المبيع مستحقًا، أو معيبًا.

(7)

أي تدل على قبض الثمن، أو يأذن الموكل في قبضه.

ص: 226

فإن دلت القرينة على قبضه مثل توكيله في بيع شيء في سوق غائبًا عن الموكل (1) أو موضع يضيع الثمن بترك قبض الوكيل له (2) كان إذنًا في قبضه (3) فإن تركه ضمنه، لأنه يعد مفرطًا (4) هذا المذهب عند الشيخين (5) وقدم في التنقيح – وتبعه في المنتهى (6) – لا يقبضه إلا بإذن. فإن تعذر لم يلزم الوكيل شيء، لأنه ليس بمفرط، لكونه لا يملك قبضه (7)

(1) كان ذلك إذنا في قبضه، فإن تركه عُدَّ مفرطا.

(2)

أي للثمن، وكذا لو أفضى عدم القبض إلى ربا، كبيع ربوي بآخر ولم يحضر الموكل.

(3)

لدلالة القرينة، فكان القبض حينئذ من مقتضى العقد.

(4)

لكونه يملك قبضه، قال الموفق وغيره: لأن ظاهر حال الموكل أنه إنما أمره بالبيع لتحصيل ثمنه، فلا يرضى بتضييعه، ولهذا من فعل ذلك يعد مفرطا.

(5)

الموفق والمجد، وصوبه في الإنصاف، وعليه الفتوى، وقطع به في الإقناع، وإن لم تدل قرينة على ذلك لم يكن له قبضه.

(6)

وقال في الإنصاف: إنه المذهب؛ وقدمه في الفروع، واختاره القاضي وغيره.

(7)

والوجه الثالث: يملكه مطلقًا، فإن تركه ضمن، وقال ابن عبدوس: له قبض الثمن إن فقدت قرينة المنع، وحيث جاز القبض لم يسلم المبيع قبل قبض ثمنه، أو حضور الموكل، وإلا ضمن.

ص: 227

(ويسلم وكيل الشراء الثمن)(1) لأنه من تتمته وحقوقه، كتسليم المبيع (2)(فلو أَخره) أي أخر تسليم الثمن (بلا عذر وتلف) الثمن (ضمنه) لتعديه بالتأْخير (3) وليس لوكيل في بيع تقليبه على مشتر إلا بحضرته، وإلا ضمن (4)(وإن وكله في بيع فاسد) لم يصح ولم يملكه (5) لأن الله تعالى لم يأذن فيه (6) ولأن الموكل لا يملكه (7) .

(1) أي للبائع بلا نزاع.

(2)

أي فحكمه حكم تسليم البائع المبيع، قال الموفق وغيره: والحكم في قبض المبيع كالحكم في قبض الثمن في البيع.

(3)

وتفريطه في إمساكه، وإن كان له عذر، مثل أن امتنع بائع من قبضه، أو ذهب لينقده، ونحو ذلك، فلا ضمان عليه، لأنه لم يتعد ولم يفرط، ووكيل في شراء أو قبض مبيع، لا يسلم الثمن حتى يتسلم المبيع.

(4)

أي وليس لوكيل في بيع إعطاؤه لمشتر، ليقلبه بما يغيب به عن الوكيل، وإنما يقلبه بحضرة الوكيل، وذلك أن يقول: أريد أن أريه فلانا. فإن غاب به عن الوكيل وتلف، ضمنه الوكيل، لتعديه بدفعه له، وإن حضر الموكل جاز، لدلالة الحال على رضاه به.

(5)

أي وإن وكله في بيع فاسد لم يصح، كشرطه على وكيل أن لا يسلم المبيع "ولم يملكه" يعني البيع الفاسد.

(6)

أي في البيع الفاسد، وتقدم بيانه بأدلته.

(7)

أي فالوكيل أولى أن لا يملكه.

ص: 228

(ف) لو (باع) الوكيل إذًًا بيعًا (صحيحًا) لم يصح، لأَنه لم يوكل فيه (1) . (أَو وكله في كل قليل وكثير) لم يصح (2) لأنه يدخل فيه كل شيءٍ من هبة ماله’ وطلاق نسائه وإعتاق رقيقه، فيعظم الغرر والضرر (3)(أو) وكله في (شراء ما شاء (4) أو عينًا بما شاء، ولم يعين) نوعًا وثمنًا (لم يصح)(5) .

(1) أي في البيع الصحيح لأنه إنما أذن له وقت كونه وكله في بيع محرم، فلم يملك الحلال بالإذن في الفاسد، كما لو أذن في شراء خمر وخنزير، لم يملك شراء الخيل والغنم.

(2)

ذكره الآزجي اتفاق الأصحاب، وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي، وكذا لو قال: وكلتك في كل شيء. أو في كل تصرف يجوز لي، أو كل مالي لم يصح التصرف فيه.

(3)

ولأنه لا يصح التوكيل إلا في تصرف معلوم.

(4)

لم يصح، لأنه قد يشتري ما لا يقدر على ثمنه.

(5)

حتى يذكر النوع كبر، والثمن كدرهم، وفي الإنصاف: حتى يذكر النوع، وقدر الثمن. ثم قال: وعنه ما يدل على أنه يصح. وهو ظاهر ما اختاره في المغني والشرح. وقال ابن أبي موسى: إذا أطلق وكالته، جاز تصرفه في سائر حقوقه، وقيل: يكفي ذكر النوع فقط. اختاره القاضي، وقطع به ابن عقيل، وإن قدر له أكثر الثمن وأقله صح، لأنه يقل الغرر.

ص: 229

لأنه يكثر فيه الغرر (1) وإن وكله في بيع ماله كله، أو ما شاء منه صح (2) قال في المبدع: وظاهر كلامهم – في بع من مالي ما شئت – له بيع ماله كله (3)(والوكيل في الخصومة لا يقبض)(4) لأن الإذن لم يتناوله نطقًا ولا عرفًا (5) لأنه قد يرضى للخصومة من لا يرضاه للقبض (6) .

(1) لكثرة ما يمكن شراؤه. وعنه: ما يدل على أنه يصح، وهو ظاهر ما اختاره في المغني، وقال أحمد – في رجلين قال كل واحد منهما لصاحبه: ما اشتريت من شيء فهو بيني وبينك -: إنه جائز.

(2)

لأنه يعرف ماله، فيعرف أقصى ما يبيع، فيقل الغرر، وما جاز التوكيل في جميعه جاز في بعضه، وكذا لو وكله في قبض ديونه، أو الإبراء منها، أو ما شاء منها صح.

(3)

أي ظاهر ما ذكره الأصحاب تعريجا، وتكون "من" بيانية لا تبعيضة.

(4)

وهذا مذهب الشافعي، ولا يقبل إقراره على الموكل بقبض الحق، ولا غيره وهذا مذهب مالك، والشافعي، لأن الإقرار يقطع الخصومة وينافيها، فلم يملك الوكيل الإقرار فيها، كالإبراء أو المصالحة على الحق بلا خلاف.

(5)

لأن معنى الوكالة في الخصومة الوكالة في إثبات الحق، لا في قبضه.

(6)

وفي الإنصاف: الذي ينبغي أن يكون وكيلا إن دلت قرينة، كما اختاره الموفق وغيره فيما إذا وكله في بيع شيء: أنه لا يملك قبض ثمنه إلا بقرينة، وفي الفنون: لا يصح ممن علم ظلم موكله في الخصومة. قال في الإنصاف: هذا مما لا شك فيه. وإن ظن ظلمه توجه المنع، وصوبه. وفي قوله {وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} دليل على أنه لا يجوز لأحد أن يخاصم عن غيره في إثبات حق، أو نفيه، وهو غير عالم بحقيقة أمره.

ص: 230

(والعكس بالعكس) فالوكيل في القبض له الخصومة (1) لأنه لا يتوصل إليه إلا بها (2) فهو إذن فيها عرفًا (3)(و) إن قال الموكل (اقبض حقي من زيد) ملكه من وكيله (4) لأنه قائم مقامه (5) و (لا يقبض من ورثته) لأنه لم يؤمر بذلك، ولا يقتضيه العرف (6) (إلا أن يقول) الموكل للوكيل: اقبض حقي (الذي قبله) أو عليه (7) فله القبض من وارثه، لأن الوكالة اقتضت قبض حقه مطلقًا (8) .

(1) ولا تلزمه، علم رب الحق ببذل الغريم ما عليه، أو جحده، أو مطله، وسواء وكل في قبض دين أو عين، أو في قسم شيء، أو بيعه.

(2)

أي بالخصومة، فملكها لتثبيت ما وكل فيه.

(3)

لأن القبض لا يتم إلا بها، وكما أنه لو وكل في شراء شيء ملك تسليم ثمنه.

(4)

لاقتضاء العرف أن له قبضه من وكيله، وإن كان مقتضى اللفظ قبضه من زيد.

(5)

أي لأن وكيله قائم عرفا مقام زيد، فيجرى مجرى تسليمه.

(6)

أي لا يقتضي العرف القبض من الورثة، إذا قال: اقبض حقي من زيد. لأن الوارث غير قائم مقام الموروث في ذلك، لأن الحق انتقل إليه، واستحقت المطالبة عليه، لا بطريق النيابة، ولأنه قد يرى بقاء الحق عندهم دونه.

(7)

أي الذي من جهة زيد، أو على زيد مثلا.

(8)

أي من زيد، ومن وكيله، ومن وارثه، لأنه من حقه، لإتيانه بلفظ يشمل ذلك، بخلاف ما قبله.

ص: 231

وإن قال: اقبضه اليوم. لم يملكه غدًا (1)(ولا يضمن وكيل) في (الإيداع إذا) أودع و (لم يشهد) وأَنكر المودع، لعدم الفائدة في الإِشهاد (2) لأَن المودع يقبل قوله في الرد والتلف (3) وأَما الوكيل في قضاء الدين إذا كان بغير حضور الموكل، ولم يشهد ضمن (4) إذا أَنكر رب الدين (5) وتقدم في "الضمان"(6) .

(1) لتقييد الوكالة بزمن معين، لأنه قد يختص غرضه في زمن حاجته إليه دون غيره.

(2)

أي على الوديع، ولعل المراد ما لم ينكر الورثة.

(3)

أي فلا فائدة للموكل في الاستيثاق عليه، ولا يعد مفرطا، فإن أنكر الوديع دفع الوكيل الوديعة، فقول وكيل بيمينه.

(4)

إذا لم يؤذن له في القضاء بغير إشهاد، وإن قضاه بحضرة الموكل لم يضمن، لأن حضوره قرينة رضاه بالدفع بغير بينة، وإن لم يعلم هل هو دين أو وديعة؟ فأنكر المدفوع إليه لم يضمن.

(5)

سواء صدقه الموكل في القضاء أو كذبه، لأنه إنما أذن في قضاء مبرئ ولم يوجد.

(6)

سبقه قلم، بل تقدم في الكلام على قضاء العدل، في «باب الرهن» في الفصل الذي بعد الباب.

ص: 232

فصل (1)

(والوكيل أمين، لا يضمن ما تلف بيده بلا تفريط)(2) لأَنه نائب المالك في اليد والتصرف (3) فالهلاك في يده كالهلاك في يد المالك (4) ولو بجعل (5) فإن فرط أَو تعدى (6) .

(1) أي فيما يلزم الوكيل ضمانه، وما لا يلزمه، وما يقبل قوله فيه، وغير ذلك.

(2)

ولا تعد منه في ذلك، سواء كان ثمنا، أو مثمنا، أو غيرهما، قال الشيخ: ولو عزل قبل علمه بالعزل، وقلنا: ينعزل. لعدم تفريطه.

(3)

وقائم مقامه في حفظه، والتكسب فيه، وغير ذلك.

(4)

وكالمودع، والوصي، وأمين الحاكم، والشريك، والمضارب، والمرتهن ونحوهم، لأنه لو كلف الضمان مع تعذره لامتنع الناس من الدخول في الأمانات مع دعاء الحاجة إليها، وذلك ضرر.

(5)

أي ولو كان الوكيل المدعي للتلف ونحوه بجعل، فلا يقال: إنه كالرد؛ وإن وكله في تحصيل أمواله، والتصرف فيها بالعشر، أو وكله مطلقًا على الوجه المعتاد، الذي يقتضي العرف أن له العشر، فله ذلك، فإنه يستحق العشر بشرط لفظي أو عرفي، واستيفاء المال بجزء شائع منه جائز في أظهر قولي العلماء.

(6)

أي فإن فرط الوكيل في حفظ ما وكل فيه، أو تعدى عليه، كأن حمَّل الدابة ما لا تطيق، ضمن قولا واحدًا، وكذا سائر الأمناء، وإن أعطى الدلال قماشا يبيعه، فأودعه عند شخص أمين، عادتهم أن يودعوا عنده، فعدم منه شيء،

فلا شيء على الدلال، وإن كان الدلال فرط، فتصرف بما لم يؤذن له فيه، لا لفظا ولا عرفا، ضمن.

ص: 233

أو طلب منه المال فامتنع من دفعه لغير عذر ضمن (1)(ويقبل قوله) أي الوكيل (في نفيه) أي نفي التفريط ونحوه (2)(و) في (الهلاك مع يمينه)(3) لأن الأصل براءة ذمته (4) .

(1) أي ما امتنع من دفعه لغير عذر، فإن كان ثم عذر، بأن لم يمكنه الرد حينئذ، لحبس ونحوه، فلا ضمان عليه.

(2)

كنفي التعدي، كما لو ادعى الموكل أن الوكيل لبس الثوب، أو حمل على الدابة لنفسه، أو فرط في حفظها.

(3)

أي ويقبل قول الوكيل – في دعوى الهلاك لنحو عين مبيع، أو ثمنه – مع يمينه.

(4)

فلا يكلف بينة، لأنه مما تتعذر إقامة البينة عليه، ولئلا يمتنع الناس من الدخول في الأمانات مع الحاجة إليها، ويلتحق بالوكيل كل من بيده شيء لغيره، كالأب، والوصي، وأمين الحاكم، والشريك، والمضارب، والمرتهن، والمستأجر والمودع، في أنه يقبل قولهم في التلف ونحوه، وقال الشيخ: والوكيل في الضبط والمعرفة، مثل من وكل رجلا في كتابة ماله وما عليه، كأهل الديوان، فقوله أولى بالقبول من وكيل التصرف، لأنه مؤتمن على نفس الإخبار بما له وما عليه، وهذه مسألة نافعة، ونظيرها إقرار كُتّاب الأمراء، وأهل ديوانهم، بما عليهم من الحقوق بعد موتهم، وإقرار كتّاب السلطان وبيت المال، وسائر أهل الديوان بما على جهاتهم من الحقوق، ومن ناظر الوقف، وعامل الصدقة، بما على الخراج ونحو ذلك، فإن هؤلاء لا يخرجون عن ولاية، أو وكالة.

ص: 234

لكن إن ادعى التلف بأَمر ظاهر، كحريق عام (1) ونهب جيش. كلف إقامة البينة عليه (2) ثم يقبل قوله فيه (3) . وإن وكله في شراء شيءٍ، واشتراه، واختلفا في قدر ثمنه، قبل قول الوكيل (4) وإن اختلفا في رد العين، أَو ثمنها إلى الموكل، فقول وكيل متطوع (5) وإن كان بجعل فقول موكل (6) .

(1) كلف إقامة البينة على وجود الحريق، وهذا استدراك من قول الماتن: قبل قوله.

(2)

أي على نهب الجيش في تلك الناحية، لأن وجود الأمر الظاهر مما لا يخفى، فلا يتعذر إقامة البينة عليه، جزم به القاضي وغيره، وهو مذهب الشافعي وغيره.

(3)

أي في أن العين تلفت بذلك الأمر الظاهر، الذي أقام به بينة، لا على تلفها، لتعذر إقامة البينة عليه، كما لو تلفت بسبب خفي.

(4)

لأنه أمين، وأدرى بما عقد عليه.

(5)

أي متبرع، مع يمينه، لأن الوكيل المتطوع قبضها لنفع مالكها، فقبل قوله فيه، كالوصي، والمودع المتبرعين، ولأنه لو لم يقبل قولهم لامتنع الناس من قبول هذه الأمانة، فيلحق الناس الضرر، هذا المذهب.

(6)

لأن الوكيل قبضها لحظ نفسه، فلم يقبل قوله، كالمستعير، ولأن القول قول المنكر مع يمينه، لخبر «البينة على المدعي، واليمين على من أنكر» وما في معناه، وهذه قاعدة عظيمة، وكلمة جامعة، من جوامع الكلم، والوكيل قد أقر بوصول المال، ثم ادعى وصوله إلى صاحبه، وإذا أنكر الموكل، فالقول قوله بيمينه، لأن الأصل عدم الوصول، حتى تقوم البينة بذلك، وظاهر الخبر أنه لا فرق بين متطوع أو بجعل، قال ابن رجل: لو ادعى الأمين رد الأمانة على من ائتمنه، فالأكثرون على أن قوله مقبول، وقال الأوزاعي: لا يقبل قوله، لأنه مدع. وقال مالك، وأحمد في رواية: إن ثبت قبضه للأمانة ببينة، لم يقبل قوله في الرد بدون البينة، وقال: قد اختلف الفقهاء في هذا الباب على قولين «أحدهما» أن البينة على المدعي أبدا، واليمين على المدعى عليه أبدا، وهو قول أبي حنيفة، ووافقه طائفة من الفقهاء والمحدثين كالبخاري «الثاني» أنه يرجح جانب أقوى المتداعيين، وتجعل اليمين في جانبه، وهذا مذهب مالك، وذكر القاضي أبو يعلى في خلافه أنه مذهب أحمد. قال عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب: القول قول المالك، على الراجح عند متأخري الحنابلة، وكذا الوكيل بجعل، والذي نفهم من كلامهم صوابه، ولا نعلم شيئًا يرده من الكتاب والسنة، وذلك أن الدليل دل على أن القول قول المنكر بيمينه، والبنية على المدعي. قال: وهذا قاعدة عظيمة شملت المتطوع وغيره.

ص: 235

وإذا قبض الوكيل الثمن حيث جاز (1) فهو أَمانة في يده (2) لا يلزم تسليمه قبل طلبه (3) ولا يضمنه بتأخيره (4) .

(1) وذلك بأن أذن له الموكل، أو دلت قرينة على الإذن.

(2)

له حكم الأمانات.

(3)

كالوديعة.

(4)

لأنه رضي بكونه في يده، فإن أخر رده بعد طلبه مع إمكان الرد، فتلف ضمنه لتعديه بإمساكه بعد الطلب، وتمكنه منه، وإن تلف قبل ذلك من غير تعد، أو استُحِق المبيع، رجع المشتري بالثمن على الموكل، وإن طالب الموكل الوكيل بثمن ما باعه، فقال: لم أقبضه. وأقام المشتري بينة عليه بقبضه، لزم الوكيل، ولا يقبل قوله في رد، ولا تلف، لأنه صار خائنًا بجحده.

ص: 236

ويقبل قول الوكيل فيما وكل فيه (1)(ومن ادعى وكالة زيد في قبض حقه من عمرو) بلا بينة (لم يلزمه) أي عمرًا (دفعه إن صدقه)(2) لجواز أن ينكر زيد الوكالة، فيستحق الرجوع عليه (3)(ولا) يلزمه (اليمين إن كذبه)(4) لأنه لا يقضى عليه بالنكول، فلا فائدة في لزوم تحليفه (5) .

(1) أي ويقبل قول الوكيل – ولو بجعل – فيما وكل فيه، من بيع، وإجارة، وصداق، وغيرها: أنه قبض الثمن من مشتر وتلف بيده، وفي قدره، لكن لا يصدق فيما لا يشتبه من قليل ثمن ادعى أنه باع به، أو كثير أنه اشترى به، وكذا الوكيل في الضبط – وهو كاتب ما له وما عليه، أولى بالقبول من وكيل التصرف كما تقدم، لأنه مؤتمن على نفس الإخبار بما له وما عليه – ويقبل إقراره في ذلك، ولا يقبل إقراره على موكله، قال الوزير: اتفقوا على أن إقرار الوكيل على موكله في غير مجلس الحاكم لا يقبل بحال، وكذا في مجلسه، إلا أبا حنيفة، فيصح عنده في مجلس القاضي، إلا أن يشترط عليه أن لا يقر عليه، واتفقوا على أن إقراره عليه بالحدود والقصاص غير مقبول، في مجلس الحاكم أو غيره.

(2)

أي صدق من عليه الحق مدعي الوكالة، لم يلزمه دفع إليه، وهذا مذهب الشافعي وغيره، وكذا لو ادعى أنه وصي أو أنه أحيل عليه.

(3)

أي على عمرو، لأن تسليمه لا يبرئه إلا أن تقوم به بينة، فيلزمه التسليم لزوال التبعة.

(4)

أي ولا يلزم عمرًا اليمين إن كذب مدعي الوكالة من زيد، في قبض ما قبله من دين أو غيره، بلا نزاع.

(5)

أي تحليف عمرو، إذ لا يلزمه الدفع، ولو صدقه إلا ببينة، سواء كان الحق دينا، أو وديعة، أو غيرهما.

ص: 237

(فإن دفعه) عمرو (فأنكر زيد الوكالة حلف)(1) لاحتمال صدق الوكيل فيها (2)(وضمنه عمرو)(3) فيرجع عليه زيد، لبقاء حقه في ذمته (4) ويرجع عمرو على الوكيل، مع بقاء ما قبضه (5) أو تعديه (6) لا إن صدقه، وتلف بيده بلا تفريط (7)(وإن كان المدفوع) لمدعي الوكالة بغير بينة (وديعة أَخذها) حيث وجدها (8) .

(1) أي زيد منكر الوكالة، أنه لم يوكله في قبض حقه ونحوه من عمرو، لأن الأصل عدمه.

(2)

أي في تلك الوكالة المدعاة على عمرو.

(3)

أي وضمن عمرو ذلك الحق لزيد.

(4)

أي لعمرو، ولكونه لم يبرأ بتسليمه إلى غير زيد أو وكيله.

(5)

صدقه أو لا، فرط أو لم يفرط.

(6)

أي ويرجع عمرو على الوكيل ببدل حقه مع تعديه أو تفريطه في التلف، لأنه بمنزلة الغاصب.

(7)

أي صدق عمرو مدعي الوكالة، لأنه مقر أنه أمين، حيث صدقه في دعواه الوكالة، ولأنه يدعي أن ما أخذه المالك ظلم، ويقر أنه لم يوجد من صاحبه تعد، فلا يرجع على صاحبه بظلم غيره، وإن كان دفع بغير تصديق رجع مطلقا، سواء كان دينًا أو عينا، بقي أو تلف، بتعد أو غيره، لأنه لم يقر بوكالته، ولم تثبت ببينة، قال الشيخ: ومجرد التسليم ليس تصديقًا.

(8)

أي وجد العين ربها، بيد القابض أو غيره، وكذا عارية، ومغصوب، ونحو ذلك.

ص: 238

لأنها عين حقه (1)(فإن تلفت ضَمَّن أَيهما شاءَ)(2) لأن الدافع ضمنها بالدفع (3) والقابض قبض ما لا يستحقه (4) فإن ضمَّن الدافع لم يرجع على القابض إن صدقه (5) وإن ضمَّن القابض لم يرجع على الدافع (6) وكدعوى الوكالة دعوى الحوالة، والوصية (7) .

(1) أي عين حق زيد، دفعه عمرو إلى غير مستحقه.

(2)

عمرا أو مدعي الوكالة.

(3)

أي لأن الدافع للوديعة ونحوه – وهو عمرو – دفعها بغير إذن شرعي.

(4)

أي ولأن القابض وهو مدعي الوكالة قبض ما لا يستحقه من وديعة أو غيرها، فتوجه الضمان على كل منهما.

(5)

أي لم يرجع الدافع على القابض إن صدقه الدافع، ما لم يتعد، أو يفرط فيها، فيرجع، وكذا من غير تصديق كما تقدم، وذكره الشيخ اتفاقًا.

(6)

أي وإن ضمن زيد القابض من عمرو، لم يرجع زيد على عمرو، لاعتراف الوكيل ببراءته، وأن رب الحق ظلمه، فلا يرجع بظلمه على غير من ظلمه، لكن إن كان الوكيل تعدى في الوديعة أو نحوها، أو فرط، استقر الضمان عليه، ولو صدقه الدافع.

(7)

فإذا ادعى بكر أن زيدًا أحاله على عمرو أو أوصى له بما عند عمرو، فإن صدقه لم يلزمه الدفع إليه، وإن أنكر لم يستحلف، لكن إذا أنكر رب الحق الحوالة، رجع على غريمه، وهو على القابض مطلقًا صدقه أو لا، تلف في يده أو لا، لأنه قبضه على أنه مضمون عليه.

ص: 239

وإن ادعى أنه مات وأنا وارثه. لزمه الدفع إليه مع التصديق (1) واليمين – مع الإنكار – على نفي العلم (2) .

(1) أي تصديقه لمدعي الإرث، قال الموفق: بغير خلاف نعلمه. لأنه مقر له بالحق، وأنه يبرأ بهذا الدفع، فلزمه، كما لو جاء صاحب الحق.

(2)

أي ويلزم يمين من عليه الحق مع إنكاره موت رب الحق، أو إنكاره أن المطالب وارثه، وصفتها: أنه لا يعلم صحة ما قال، لأن اليمين هنا على نفي فعل الغير، فكانت على نفي العلم، وإنما لزمته ههنا، لأن من لزمه الدفع مع الإقرار، لزمته اليمين مع الإنكار، كسائر الحقوق المالية، وفي الإنصاف: إن ادعى أنه مات، وأنا وارثه، لزمه الدفع إليه مع التصديق، واليمين مع الإنكار، وهذا بلا نزاع، وسواء كان دينا، أو عينا، أو وديعة، أو غيرها.

ص: 240

باب الشركة (1)

بوزن سرقة، ونعمة، وتمرة (2)(وهي) نوعان، شركة أَملاك (3) وهي (اجتماع في استحقاق)(4) كثبوت الملك في عقار (5) أو منفعة لاثنين فأكثر (6) .

(1) الشركة جائزة بالكتاب، والسنة، والإجماع في الجملة، قال تعالى {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ} أي الشركاء، وفي الحديث القدسي «يقول الله أنا ثالث الشريكين» رواه أبو داود، وتكره مشاركة من في ماله حرام وحلال، وإن غلب الحرام حرمت، وقال أحمد: بأكل الحلال تطمئن القلوب وتلين.

(2)

بفتح وكسر، وبكسر وسكون، وبفتح وسكون.

(3)

أي الشركة نوعان «أحدهما» شركة أملاك، ويشتمل على أنواع.

(4)

أي وشركة الأملاك اجتماع اثنين فأكثر في استحقاق مالي، بشراء، أو هبة، أو إرث، أو غير ذلك، وكل واحد في نصيب شريكه كالأجنبي، لا يجوز له التصرف إلا بإذنه، فإن تصرف ببيع، أو هبة، أو رهن نفذ في حصته.

(5)

كدار بين اثنين فأكثر بإرث ونحوه، وكذا في رقاب، كعبد ورثه اثنان فأكثر.

(6)

أي أو كثبوت منفعة دون العين، كما لو وصى لاثنين فأكثر بمنفعة عبد، ونحو ذلك، فإن الموصى لهم شركاء في المنفعة دون الرقبة، أو رقبة دون المنفعة، كعبد أوصى بنفعه لزيد، وورث العبد اثنان فأكثر، وكحق في رقبة، كحد قذف لاثنين بكلمة واحدة، فإنه يحد لهما حدا واحدا.

ص: 241

(أَو) شركة عقود (1) وهي اجتماع في (تصرف) من بيع ونحوه (2)(وهي) أَي شركة العقود – وهي المقصودة هنا (3)(أنواع) خمسة (4)(فـ) أحدها (شركة عنان)(5) سميت بذلك لتساوي الشريكين في المال والتصرف (6) كالفارسين إذا سويا بين فرسيهما، وتساويا في السير (7) .

(1) وهي "النوع الثاني" من نوعي الشركة، ويشتمل على أنواع أيضًا.

(2)

كعمل وغيره، مما سيأتي موضحا.

(3)

أي بهذا الباب، وأنه إنما عقد لأجلها، لا لشركة الأملاك من عقار ونحوه.

(4)

شركة عنان، وشركة مضاربة، وشركة وجوه، وشركة أبدان، وشركة مفاوضة، والصحيح منها الأربعة الأول، وشركة المفاوضة فيها تفصيل أيضًا، ولا تصح الشركة إلا من جائز التصرف في المال، كالبيع، ويشترط العاقدان، كالوكالة.

(5)

بكسر العين، وذكر ابن المنذر وغيره أنها جائزة بالإجماع، وإنما اختلف في بعض شروطها.

(6)

هذا الأشهر، وقال الفراء؛ من: عنَّ الشيء. إذا عرض، لأن كلا منهما عنِّ له أن يشارك صاحبه. وقيل: من المعاننة وهي المعارضة، فكل واحد من الشريكين معارض لصاحبه بماله وأفعاله.

(7)

لأن عنانيها يكونان سواء، فتساوي الشريكين هو علة التسمية.

ص: 242

وهي (أن يشترك بدنان) أَي شخصان فأَكثر (1) مسلمين، أَو أَحدهما (2) ولا تكره مشاركة كتابي لا يلي التصرف (3)(بماليهما المعلوم) كل منهما، الحاضرين (4)(ولو) كان مال كل منهما (متفاوتًا)(5) .

(1) جائزا التصرف، وعبارة الإقناع وغيره: أن يشترك اثنان فأكثر. فلذا صرف الشارح العبارة.

(2)

يعني مسلمًا، والآخر كافرًا، مجوسيًا كان أو وثنيًا، وتصح شركتهما مع الكراهة.

(3)

قال أحمد: يشاركه، لكن لا يخلو الكتابي بالمال، فعلة كراهة ما خلوا به معاملتهم بالربا، وبيع الخمر ونحوه، وهذا منتف فيما حضره المسلم، وما باعوا به من الخمر ونحوه بمال الشركة وقع فاسدًا، وعليهم الضمان، وما باعوه قبل مشاركة المسلم، فثمنه حلال، لاعتقادهم حله، وقد عاملهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يأكل إلا طيبًا، وهذا بخلاف المجوسي، والوثني، ومن في معناه، قال أحمد في المجوسي: ما أحب مخالطته ومعاملته، لأنه يُستحل ما لا يستحل.

(4)

أي من المالين الحاضرين، فلا تصح على غائب أو في الذمة، فيعتبر حضور ماليهما لتقرير العمل، لكن إن أحضراه وتفرقا، ووجد منهما ما يدل على الشركة انعقدت، وقال ابن القيم: تجوز المضاربة بالدين، وهو الراجح في الدليل، وليس في الأدلة الشرعية ما يمنع من جوازه، ولا يقتضي تجويزه مخالفة قاعدة من قواعد الشرع، ولا وقوعًا في محظور، ولا غرر، ولا مفسدة، وتجويزه من محاسن الشريعة. اهـ. والشركة كذلك.

(5)

صحت إن علم كل منهما قدر ماله، فلا يشترط اتفاق المالين.

ص: 243

بأَن لم يتساو المالان قدرًا (1) أو جنسا، أو صفة (2)(ليعملا فيه ببدنيهما)(3) أو يعمل فيه أحدهما، ويكون له من الربح أكثر من ربح ماله (4) فإن كان بدونه لم يصح (5) وبقدره إبضاع (6) وإن اشتركا في مختلط بينهما شائعًا (7) صح إن علما قدر ما لكل منهما (8) .

(1) كما لو كان مع أحدهما مائة، ومع الآخر خمسون.

(2)

كما لو كان مع أحدهما دنانير، ومع الآخر دراهم، أو مع أحدهما دراهم ناصرية، ومع الآخر دراهم ظاهرية، وعند التراجع يرجعان بما أخرجاه، وما بقي فربح.

(3)

أي ليعملا فيما اشتركا فيه من المال ببدنيهما، وربحه بينهما على ما شرطاه.

(4)

وذلك ليكون الجزء الزائد في نظير عمله في مال شريكه.

(5)

أي بدون ربح ماله، لم تصح الشركة، لأخذه جزءًا من ربح مال صاحبه بلا عمل منه، لكن التصرف صحيح، لعموم الإذن، وله ربح ماله، ولا أجرة له، لتبرعه بعمله.

(6)

أي وبقدر مال العامل إبضاع، لا شركة، والإبضاع أن يعطي من يبيع له بلا جعل، أو يدفع مالا لمن يعمل فيه بلا عوض، ولا يصح.

(7)

كمال ورثاه أو اتهباه، ولم يعلما كميته.

(8)

أي صح عقد الشركة في المال المختلط بينهما، إن علما قدر ما لكل منهما فيه، من نصف، أو ربع ونحوه، لانتفاء الغرر، وقال الشيخ: الاشتراك في

مجرد الملك، مثل أن يكون بينهما عقار، فيشيعانه بينهما، أو يتعاقدان أن المال الذي لهما، المعروف بهما بينهما يكون نصفين، ونحو ذلك، مع تساوي ملكهما فيه، فجوازه متوجه، لكن: هل يكون بيعا؟ قياس ما ذكروه في الشركة أنه ليس ببيع، كما أن القسمة ليست بيعا.

ص: 244

(فينفذ تصرف كل منهما فيهما) أي في المالين (1)(بحكم الملك في نصيبه، و) بحكم (الوكالة في نصيب شريكه)(2) ويغني لفظ الشركة عن إذن صريح في التصرف (3)(ويشترط) لشركة العنان والمضاربة (أن يكون رأس المال من النقدين المضروبين)(4) لأنهما قيم الأموال، وأَثمان البياعات (5) فلا تصح بعروض (6) .

(1) أي فينفذ تصرف كل من الشريكين في جميع المالين، ببيع، وقبض وغير ذلك مما هو من مصلحة تجارتهما.

(2)

لأنه متصرف بجهة الإذن، فهو كالوكالة، وكل من المالين يصير شركة بينهما بمجرد العقد، وتنعقد بما يدل على الرضى.

(3)

لدلالته عليه، ولتضمن الشركة للوكالة.

(4)

هذا المذهب، ولا خلاف أنه يجوز أن يجعل رأس المال من النقدين المضروبين، إذا كانت غير مغشوشة.

(5)

والناس يشتركون بهما، من زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى زمننا، من غير نكير.

(6)

قالوا: ولو كان العرض مثليا، كبر وحرير، لأن قيمته ربما زادت

قبل بيعه، فيشاركه الآخر في نماء العين التي هي ملكه، وعنه: تصح. اختاره أبو بكر، وأبو الخطاب وغيرهما، وصوبه في الإنصاف وغيره، وهو قول مالك وغيره، لأن مقصود الشركة تصرفهما في المالين جميعًا، وكون ربح المالين بينهما، وهو حاصل في العروض، كحصوله في الأثمان.

قال الموفق: فيجب أن تصح الشركة والمضاربة بها، كالأثمان، ويرجع كل واحد منهما عند المناضة بقيمة ماله عند العقد، قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: وهو الصحيح، لأن القاعدة في المعاملات أن لا يحرم منها إلا ما حرمه الله ورسوله. وقال في القول الأول: لم يذكروا حجة شرعية نعلمها. وذهب الجمهور إلى الصحة في غير النقدين، من كل ما يتملك.

ص: 245

ولا فلوس ولا نافقة (1) وتصح بالنقدين (ولو مغشوشين يسيرًا) كحبة فضة في دينار (2) ذكره في المغني والشرح (3) لأَنه لا يمكن التحرز منه (4) .

(1) لأنها عروض، هذا المذهب، وقال الموفق: وفيه وجه آخر: أن الشركة تجوز بها على كل حال، وإن لم تكن نافقة، بناء على جواز الشركة بالعروض.

(2)

أي فلا أثر له هنا: ولا في الربا، ولا غيره، إذا كان يسيرا لمصلحة، جزم به في الإقناع وغيره.

(3)

وعبارتهما بعد ذكر الوجهين في المغشوش: اللهم إلا أن يكون الغش قليلا جدًا، لمصلحة النقد، كيسير الفضة في الدينار، مثل الحبة ونحوها، فلا اعتبار به، لأنه لا يمكن التحرز منه، ولا يؤثر في الربا، ولا في غيره.

(4)

أي من الغش اليسير، فلا يؤثر.

ص: 246

فإن كان الغش كثيرًا لم يصح، لعدم انضباطه (1)(و) يشترط أيضًا (أن يشترطا لكل منهما جزءًا من الربح مشاعًا معلومًا) كالثلث، والربع (2) لأَن الربح مستحق لهما بحسب الاشتراط، فلم يكن بد من اشتراطه كالمضاربة (3) فإن قالا: والربح بيننا. فهو بينهما نصفين (4)(فإن لم يذكرا الربح) لم تصح، لأَنه المقصود من الشركة، فلا يجوز الإخلال به (5) .

(1) أي فلا يتأتى رد مثله، لأن قيمتها تزيد وتنقص، فهي كالعروض، قال الموفق:«والوجه الثاني» تصح، بناء على صحة الشركة بالعروض. وقال الشيخ محمد: وأما المغشوش فقد تقدم أن الصحيح جوازه بالعروض، وهي أبلغ من المغشوش، والصحيح جواز ذلك.

(2)

لأن شركة العنان أحد أنواع الشركة فاشترط علم نصيب كل واحد منهما من الربح.

(3)

أي كما أنه لا بد من اشتراطه في المضاربة، وسواء شرطا لكل واحد منهما على قدر ماله من الربح، أو أقل منه، أو أكثر، لأن الربح مستحق بالعمل، وقد يتفاضلان فيه، لقوة أحدهما، وحذقه، فجاز أن يجعل له حظا من ربح ماله كالمضارب وهذا مذهب أبي حنيفة.

(4)

لأن الإضافة إليهما إضافة واحدة من غير ترجيح، فاقتضت التسوية.

(5)

وقال الموفق وغيره: إذا لم يذكرا الربح كان بينهما على قدر المالين، واستسلف ابنا عمر من أبي موسى مالا، وربحا فيه، فجعله عمر قراضا، وقال الشيخ: والربح الحاصل من مال لم يأذن مالكه في التجارة به، قيل: للمالك؛

وقيل للعامل، وقيل: بينهما على قدر النفعين، بمعرفة أهل الخبرة. قال: وهو أصحها. وحكم به عمر، إلا أن يتجر به على غير وجه العدوان، مثل أن يعتقد أنه مال نفسه، فتبين مال غيره، فهنا يقتسمان الربح بلا ريب.

ص: 247

(أَو شرطا لأَحدهما جزءًا مجهولاً)(1) لم تصح، لأَن الجهالة تمنع تسليم الواجب (2)(أَو) شرطا (دراهم معلومة) لم تصح، لاحتمال أَن لا يربحها، أَو لا يربح غيرها (3)(أَو) شرطا (ربح أَحد الثوبين)(4) أو إحدى السفرتين (5) أو ربح تجارة في شهر أو عام بعينه (لم تصح)(6) .

(1) كحصة أو نصيب، أو مثل ما شرط لفلان مع جهله، أو ثلث الربح إلا عشرة دراهم.

(2)

ولأن الربح هو المقصود، فلا تصح مع جهله كثمن وأجرة.

(3)

أي المشروط له الدراهم المعلومة، فيختص بالربح، وفي الأولى إذا لم يربح يأخذ جزءًا من المال، وقد يربح كثيرًا، فيتضرر من شرطت له.

(4)

أي لأحدهما، والثاني للآخر، أو ربح ثوب بعينه لأحدهما، لم تصح. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض، إذا جعل أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة. والشركة في هذا كالمضاربة.

(5)

يعني لأحدهما ربحها، وربح الثانية للآخر، ونحو ذلك لم تصح.

(6)

أي الشركة، قال الموفق وغيره: فهذه شروط فاسدة، لأنها تفضي إلى جهل حق كل واحد منهما من الربح، أو إلى فواته بالكلية، وفي الإنصاف: لم يصح بلا نزاع في ذلك.

ص: 248

لأنه قد يربح في ذلك المعين دون غيره أَو بالعكس (1) فيختص أَحدهما بالربح، وهو مخالف لموضوع الشركة (2)(وكذا مساقاة ومزارعة (3) ومضاربة) فيعتبر فيها تعيين جزء مشاع معلوم للعامل لما تقدم (4)(والوضيعة) أي الخسران (على قدر المال) بالحساب (5) سواء كانت لتلف، أو نقصان في الثمن، أو غير ذلك (6) .

(1) أي وقد يخسر في ذلك المعين لأحدهما ربحه، ويربح في غيره.

(2)

مناف لمقصودها، وهو حصول الربح لهما، لا لأحدهما دون الآخر، قال الموفق: ولا نعلم في هذا خلافا.

(3)

قياسا على الشركة، فلا يصحان إن شرط العامل جزءًا مجهولاً، أو آصعًا معلومة من جزء مشاع معلوم، أو ثمرة شجرة معينة، أو مجهولة، أو زرع ناحية بعينها، أو نحوه مما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى.

(4)

أي من أنه يعتبر للشركة اشتراط ربح مشاع معلوم لكل من الشريكين، فكذا هنا، وهو المقصود بها.

(5)

لأنها عبارة عن نقصان رأس المال، وهو مختص بالقدر، فإن كانت الشركة بينهما نصفين، أو أثلاثا، فالخسران بقدر ذلك؛ قال الموفق: لا نعلم فيه خلافًا، سواء كان الربح بينهما كذلك أو لم يكن.

(6)

فالخسران على قدر المال في الشركة، وفي الإنصاف: إن تلف أحد المالين فمن ضمانهما، فإن كانا مختلطين فبلا نزاع، وإلا فعلى الصحيح من المذهب. اهـ. وأما في المضاربة فعلى المال خاصة، كما لو تلف الشجر في المساقاة، أو الأرض في المزارعة، لا شيء على العامل، لأنهم إنما يتشاركون في النماء.

ص: 249

(ولا يشترط خلط المالين)(1) لأَن القصد الربح، وهو لا يتوقف على الخلط (2)(ولا) يشترط أيضًا (كونهما من جنس واحد)(3) فيجوز إن أخرج أحدهما دنانير والآخر دراهم (4) . فإذا اقتسما رجع كل بمالِهِ، ثم اقتسما الفضل (5) وما يشتريه كل منهما بعد عقد الشركة فهو بينهما (6) وإن تلف أَحد المالين فهو من ضمانهما (7) .

(1) – إذا عيناهما، أو أحضراهما- عند الجمهور، لأنه عقد على التصرف، تلفه من مالهما، وزيادته لهما، ولأن الشركة اقتضت ثبوت الملك لكل واحد منهما.

(2)

ولأن مورد العقد العمل، والربح نتيجته، والمال تبع للعمل، فلم يشترط خلطه.

(3)

هذا الصحيح من المذهب، وتقدم نحوه.

(4)

فهما من جنس الأثمان، فتصح الشركة فيهما كالجنس الواحد.

(5)

أي فإذا اقتسم الشريكان بعد فسخ الشركة، رجع كل منهما بمثل ماله الذي جعله في الشركة، ثم اقتسما الفضل، وهو الربح الحاصل بعد رأس مال الشركة.

(6)

أي مشترك، حيث لم ينوه لنفسه، لأن العقد وقع على ذلك، ولأنه أمينه ووكيله، وما يشتريه لنفسه فله، والقول قوله في ذلك.

(7)

لأن العقد اقتضى أن يكون المالان كالمال الواحد، فكذلك في الضمان، وكنمائه، لصحة القسمة بالكلام، كخرص ثمار، فكذا الشركة، احتج به أحمد، قاله الشيخ وغيره.

ص: 250

ولكل منهما أن يبيع ويشتري ويقبض (1) ويطالب بالدين، ويخاصم فيه (2) ويحيل ويحتال، ويرد بالعيب (3) ويفعل كل ما هو من مصلحة تجارتهما (4) لا أن يكاتب رقيقًا، أو يزوجه، أو يعتقه (5) أو يحابي، أو يقترض على الشركة إلا بإذن شريكه (6) .

(1) أي ولكل واحد من الشريكين أن يبيع ويشتري، مساومة، ومرابحة، وتولية، ومواضعة، كيف رأى المصلحة، لأن هذه عادة التجار، وله أن يقبض المبيع والثمن، ويقبَّضهما، لأنه مؤتمن في ذلك، بخلاف الوكيل في قبض الثمن.

(2)

لأن من ملك قبض شيء ملك المطالبة والمخاصمة فيه، كالوكيل في قبض الدين.

(3)

أي ولكل منهما أن يحيل ويحتال، لأنهما عقد معاوضة، وهو يملكهما، «ويرد بالعيب» للحظ فيما ولي فيه هو أو شريكه شراءه، ولو رضي شريكه بلا نزاع كما لو رضي بإهمال المال بلا عمل، فلشريكه إجباره عليه لأجل الربح، ما لم يفسخ الشركة، وله أن يقر بالعيب بلا نزاع، وبالثمن أو بعضه، وبأجرة المنادي ونحوه، مما هو من توابع التجارة، وفي القواعد: الأكثر أنه يملك الإقالة للمصلحة.

(4)

بمطلق الشركة، لأن مبناها على الوكالة والأمانة كما تقدم، وله أن يستأجر ويؤجر، لأن المنافع أجريت مجرى الأعيان، وله المطالبة بالأجر لهما وعليهما، ولكل منهما أن يسافر بالمال مع الأمن، لانصراف الإذن المطلق.

(5)

لا على مال ولا غيره، لأن الشركة انعقدت على التجارة، وليست هذه الأشياء تجارة، سيما تزويج العبد، فإنه ضرر محض لا بإذن شريكه.

(6)

أي وليس لأحد الشريكين أن يحابي، فيبيع بأنقص من ثمن المثل، أو يشتري بأكثر منه، وليس له أن يقرض، أو يهب، أو يقترض على الشركة، أو

يستدين، أو يضارب، أو يشارك بالمال، أو يخلطه بغيره، أو يأخذ به سفتجة ونحو ذلك، إلا بإذن شريكه في ذلك كله، لأنه ليس من التجارة المأذون فيها، وله أن يبيع نساء، ويودع، ويرهن، لحاجة فيهما، لأنه من عادة التجار. وإن قيل له: اعمل برأيك؛ ورأى مصلحة فيما تقدم، جاز فيما يتعلق بالتجارة، من المشاركة ونحوها، لا العتق والقرض ونحوه.

ص: 251

وعلى كل منهما أَن يتولى ما جرت العادة بتوليه من نشر ثوب وطيه (1) وإحرازه (2) وقبض النقد ونحوه (3) فإن استأْجر له فالأُجرة عليه (4) .

(1) أي وعلى كل من الشريكين، أو الشركاء: تولي ما جرت العادة واستمر العرف بتوليه، من نشر نحو ثوب وطيه، وختم كيس.

(2)

أي الثوب والكيس وغيره، من مال الشركة فيما يحرز فيه مثله.

(3)

أي وقبض النقد من مشتر ونحوه، لاقتضاء عقد الشركة لذلك، وعليه فعل نحو ذلك، مما جرت العادة بتوليه، لأن إطلاق الإذن يحمل على العرف، وهو يقتضي تولي هذه الأمور ونحوها بنفسه.

(4)

أي فإن استأجر لشيء من ذلك، من يفعله عنه، فالأجرة عليه من ماله، لأنه بذلها عوضًا عما يلزمه، وأما ما جرت العادة بأن يستنيب فيه، فله أن يستأجر من مال الشركة لفعله، ولو شريكه، كنقل طعام ونحوه، وكاستئجار غرائر شريكه لنقله فيها، أو داره ليحرز فيها، وليس له فعله ليأخذ أجرته، بلا استئجار صاحبه له، لأنه قد تبرع بما لا يلزمه، فلم يستحق شيئًا، وإن تقاسما الدين في الذمم، فالمذهب: لا يصح. وعنه: يصح. لأن الاختلاف لا يمنع القسمة، كاختلاف الأعيان، اختاره الشيخ، والشيخ محمد بن عبد الوهاب، وغيرهما، وعليه: لا يرجع من توى ماله على من لم يَتْوِ، إذا أبرأ كل واحد صاحبه. وقال الشيخ: يجوز ولو في ذمة واحد، وذكره ابن القيم رواية عن أحمد. وإن أبرأ من الدين لزمه في حقه، دون حق صاحبه بلا نزاع.

ص: 252

فصل (1)

النوع (الثاني: المضاربة)(2) من الضرب في الأَرض وهو السفر للتجارة (3) قال الله تعالى {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ} (4) وتسمى قراضًا ومعاملة (5) .

(1) أي في أحكام المضاربة، وهي جائزة إجماعًا. وكانت في عصره صلى الله عليه وسلم وأقرها، وروي عن عمر وعثمان، وعلي، وابن مسعود وغيرهم، ولم يعرف لهم مخالف، والحكمة تقتضيها، لأن بالناس حاجة إليها، فإن الدراهم والدنانير، لا تنمى إلا بالتقليب والتجارة، وحكمها كالشركة، فيما للعامل أن يفعله أو لا يفعله، وفيما يلزمه فعله، وفي الشروط، قال ابن القيم: المضارب أمين وأجير ووكيل، وشريك فأمين إذا قبض المال، ووكيل إذا تصرف فيه، وأجير فيما يباشره بنفسه من العمل، وشريك إذا ظهر فيه الربح.

(2)

أي النوع الثاني من أنواع الشركة الخمسة "المضاربة" وهذه تسمية أهل العراق.

(3)

لما كان الربح يحصل في الغالب بالسفر للتجارة.

(4)

أي يطالبون من رزق الله في المكاسب، والمتاجر، أو المضاربة من الضرب في المال، وهو التصرف، أو من ضرب كل منهما بسهم في الربح.

(5)

فأهل الحجاز يسمونها "قراضا" من قرض الشيء، أي قطعه، كأن رب المال اقتطع للعامل قطعة من ماله، وسلمها له، واقتطع له قطعة من ربحها. أو من المقارضة بمعنى الموازنة، وأما المعاملة فمن العمل، وهو الاتجار بالمال لأجل الربح، والعامل مضارب.

ص: 253

وهي: دفع مال معلوم (1)(لمتجر) أي لمن يتجر (به ببعض ربحه) أي بجزءٍ معلوم مشاع منه كما تقدم (2) فلو قال: خذ هذا المال مضاربة. ولم يذكر سهم العامل، فالربح كله لرب المال (3) والوضيعة عليه (4) وللعامل أُجرة مثله (5) .

(1) أي والمضاربة شرعا: دفع مال، أي نقد مضروب، على ما تقدم في الشركة، وتنعقد بما يؤدي معنى الدفع، كوديعة وعارية إذا قال ربها لمن هي تحت يده: ضارب بها مضاربة، أو يقول: خذه بضاعة على أن لك نصف الربح مثلا. ففي حديث عائشة أنها أبضعت. "معلوم": قدره معين، فلا تصح بأحد هذين، ولا بصبرة دراهم، إذ لا بد من الرجوع إلى رأس المال عند الفسخ ليعلم الربح.

(2)

أي من أنه يشترط فيها تعيين جزء مشاع معلوم للعامل، قال الموفق وغيره: من شرط صحتها تقدير نصيب العامل، لأنه يستحقه بالشرط، فلم يقدر إلا به. وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن للعامل أن يشترط على رب المال ثلث الربح أو نصفه، أو ما يجمعان عليه، بعد أن يكون ذلك معلومًا، جزءًا من أجزاء، فلو سمى له كل الربح، أو دراهم ولو معلومة، أو جزءًا مجهولاً ونحوه فسدت.

(3)

لفساد العقد، وكذا لو قال: ولك جزء من الربح. لجهالة نصيب العامل، وفي الإنصاف: فما يعود بجهالة الربح يفسد العقد بلا نزاع.

(4)

أي على رب المال وحده، لأن العامل أمين.

(5)

وإن لم يحصل ربح، لأنه عمل بعوض لم يسلم له، وفي الإنصاف: وإن فسد بجهالة الربح وجب المسمى، وذكره الشيخ ظاهر المذهب، وأوجب في الفاسد نصيب المثل، فيجب من الربح جزء جرت العادة في مثله، وإن خسر فلا شيء له، وصوبه في الإنصاف وغيره.

ص: 254

وإن شرط جزءًا من الربح لعبد أَحدهما، أَو لعبديهما صح، وكان لسيده (1) . وإن شرطاه للعامل ولأجنبي معًا، ولو ولد أحدهما، أَو امرأَته (2) وشرطا عليه عملاً مع العامل صح (3) وكانا عاملين (4) وإلا لم تصح المضاربة (5) (فإن قال) رب المال للعامل: اتجر به (والربح بيننا. فنصفان)(6) لأنه أضافه إليهما إضافة واحدة ولا مرجح، فاقتضى التسوية (7) .

(1) أي صح الشرط، وكان الجزء المشروط في الحقيقة لسيد العبد، لأن العبد لا يملك، وماله لسيده، وفي الأولى بينهما أثلاثًا لصاحب العبد الثلثان، وفي الثانية بينهما نصفين، كما لو لم يذكراه.

(2)

أو قريبه كأخيه، صغيرا كان أو كبيرًا، والمراد بالأجنبي غير القن.

(3)

أي الشرط، وكان كما لو قال: خذه فاتجر به أنت وفلان، وما ربحتما فلكما نصفه.

(4)

أي وكان العامل المعقود معه، والأجنبي غير القن، عاملين في الاتجار بالمال، صح الشرط، وإن قال: لك الثلثان، على أن تعطي امرأتك نصفه. صح.

(5)

أي وإن لم يشرطا على المشروط له الجزء – غير عبد أحدهما – عملا مع العامل لم تصح المضاربة، لأن شرط جزء لغير عامل شرط فاسد، يعود إلى الربح، ففسد به العقد.

(6)

قولا واحد، وصحت المضاربة.

(7)

كما لو قال: هذه الدار بيني وبينك، فإنها تكون بينهما نصفين، وإن قال رب المال: اتجر به، وكل ربحه لي. فإبضاع، لا حق للعامل فيه، وإن قال: اتجر به وكله لك. فقرض، لا حق لرب المال في ربحه، وإن قال: مضاربة. لم تصح فيهما، وهذا مذهب الشافعي، لاشتراط ما ينافي مقتضى العقد.

ص: 255

(وإن قال) : اتجر به (ولي) ثلاثة أرباعه، أو ثلثه (1) (أو) قال: اتجر به و (لك ثلاثة أرباعه، أو ثلثه. صح)(2) لأَنه متى علم نصيب أحدهما أخذه (والباقي للآخر)(3) لأن الربح مستحق لهما، فإذا قدر نصيب أحدهما منه فالباقي للآخر بمفهوم اللفظ (4)(وإن اختلفا لمن) الجزء (المشروط) له (فـ) ـهو (لعامل) قليلاً كان أو كثيرًا (5) لأَنه يستحقه بالعمل، وهو يقل ويكثر (6) .

(1) صح على الصحيح، اختاره الموفق وغيره، وهو مذهب أبي حنيفة، ولو لم يذكر نصيب العامل، لأن الربح لا يستحقه غيرهما.

(2)

والباقي لرب المال قولاً واحدًا، لأنه يستحق الربح بماله، لكونه نماءه وفرعه، والعامل يأخذ بالشرط، فما شرط له استحقه، وما بقي لرب المال بحكم الأصل، وكذا إن قال: اتجر به ولك الثلث وربع عشر الباقي من الربح. ونحوه صح، لأنه أجزاء معلومة.

(3)

فالأولى ما لرب المال مقدر، وللعامل ربع أو ثلثان، والثانية ما للعامل مقدر، وربعه أو ثلثاه لرب المال.

(4)

كما علم أن ثلثي الميراث للأب من قوله {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} ولو قال: أوصيت بهذه المائة لزيد وعمرو، ونصيب زيد منها ثلاثون. كان الباقي لعمرو.

(5)

لأن الشرط يراد لأجله، وهذا مذهب الشافعي.

(6)

يعني العمل في المضاربة، فقد يشرط له جزء يسير لسهولة العمل، وقد

يشرط له كثير لصعوبته، وقد يختلف باختلاف العاملين في الحذق وعدمه.

ص: 256

وإنما تقدر حصته بالشرط (1) بخلاف رب المال فإنه يستحقه بماله (2) ويحلف مدعيه (3) وإن اختلفا في قدر الجزء بعد الربح فقول مالك بيمينه (4)(وكذا مساقاة، ومزارعة) إذا اختلفا في الجزء المشروط أو قدره، لما تقدم (5) .

(1) أي فكان الشرط له، قل النصيب المشروط له أو كثر، ادعاه رب المال أو العامل.

(2)

لا بالشرط، ولهذا لو سكت عن نصيبه، كان له الباقي بعد المشروط لعامل.

(3)

أي مدعي كون المشروط للعامل، وهو في هذه المسألة من استحق في الصورتين، فإن ادعى العامل الجزء المشروط أنه شرط له، حلف، أو ادعى رب المال أنه للعامل مثلا إذا كان قليلا، حلف وصار للعامل، فهي للعامل في الحالتين القليلة والكثيرة.

(4)

فلو قال: شرطت لي نصف الربح. وقال المالك: بل ثلثه. فالقول قول المالك، لأنه ينكر السدس الزائد واشتراطه له، والقول قول المنكر.

(5)

أي وكذا حكم مساقاة، وحكم مزارعة، القول قول المالك بيمينه، إذا اختلف رب المال والعامل، في الجزء المشروط للعامل أو قدره، لما تقدم من أنهما إذا اختلفا في المضاربة لمن الجزء المشروط؟ فهو لعامل، قليلاً كان أو كثيرًا، لأنه يستحقه بالعمل، وهو يقل ويكثر، وإنما تقدر حصته بالشرط، وقاسوهما عليها لأن العامل في كل منها إنما يستحق بالعمل.

ص: 257

(ومضاربة) كشركة عنان فيما تقدم (1) وإن فسدت فالربح لرب المال، وللعامل أُجرة مثله (2) وتصح مؤقتة، ومعلقة (3)

(1) أي مما يجوز للعامل أن يفعله من بيع، وشراء وقبض، ومطالبة، وحوالة، ورد بعيب، وغير ذلك، وما لا يجوز له من مكاتبة رقيق، أو تزويجه، أو عتقه، ونحو ذلك، وفيما يلزمه فعله كنشر ثوب، وطيه ونحوه، وفي الشروط صحيحة كانت أو فاسدة، لأن ما جاز في إحداهما جاز في الأخرى، وما امتنع في إحداهما امتنع في الأخرى، قال في الإنصاف: ولا خلاف في أن حكمهما واحد فيما ذكروا.

(2)

أي وإن فسدت المضاربة فالربح لرب المال، لأنه نماء ماله، وللعامل أجرة مثله، لأنه إنما يستحق بالشرط، فإذا فسدت فسد، خسر المال أو ربح، لأن عمله إنما كان في مقابلة المسمى، وتصرفه نافذ، للإذن فيه، وهذا مذهب الشافعي وغيره، وتقدم قول الشيخ – في الربح الحاصل من مال لم يأذن مالكه في التجارة به -: أن الأصح أن يكون بينهما على قدر النفعين، بمعرفة أهل الخبرة، وبه حكم عمر، إلا أن يتجر على غير وجه العدوان، مثل أن يعتقد أنه مال نفسه، فتبين مال غيره، فهنا يقتسمان الربح بلا ريب.

(3)

أي وتصح المضاربة مؤقتة، بأن يقول رب المال: ضاربتك على هذه الدراهم سنة، أو نحو ذلك، لأنه تصرف بتوقت نوع من المتاع، فجاز توقيته بالزمان، وهذا مذهب أبي حنيفة، وتصح معلقة بشرط عند الجمهور، كإذا جاء رأس الشهر فضارب بهذا المال على كذا، أو إذا قبضت مالي من زيد فهو معك مضاربة. ونحو ذلك، لأنه إذن في التصرف، فجاز تعليقه على شرط مستقبل، وإن قال: ضارب بالدين الذي عليك. فقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أنه لا يجوز أن يجعل الرجل دينا له على رجل مضاربة. وعن أحمد: تصح، نصره ابن القيم في الأعلام.

ص: 258

(ولا يضارب) العامل (بمال لآخر، إن أضر الأول، ولم يرض)(1) لأنها تنعقد على الحظ والنماء، فلم يجز له أن يفعل ما يمنعه منه (2) وإن لم يكن فيها ضرر على الأول، أو أذن جاز (3)(فإن فعل) بأن ضارب لآخر، مع ضرر الأول، بغير إذنه (رد حصته) من ربح الثانية (في الشركة) الأولى (4) لأنه استحق ذلك بالمنفعة التي استحقت بالعقد الأول (5) ولا نفقة لعامل إلا بشرط (6) .

(1) وذلك كأن يكون المال الثاني كثيرًا يستوعب زمانه، فيشغله عن التجارة في الأول، أو الأول كثيرًا، ومتى اشتغل عنه بغيره انقطع عن بعض تصرفاته، فيحرم إن لم يأذن.

(2)

كما لو أراد التصرف بالغبن، وحكى الموفق وغيره جوازه عن أكثر الفقهاء، فالله أعلم.

(3)

قال الموفق: بغير خلاف.

(4)

فيدفع لرب المضاربة الثانية نصيبه من الربح، ويؤخذ نصيب العامل، فيضم لربح المضاربة الأولى، ويقتسمه مع ربها على ما اشترطاه.

(5)

فكان بينهما، كربح المال الأول، هذا المذهب، وقال الموفق: النظر يقتضي أن لا يستحق رب المضاربة الأولى من ربح الثانية شيئًا، لأنه إنما يستحق بمال أو عمل، وليس له في الثانية مال ولا عمل، وتعدي العامل لا يوجب عوضا، واختاره الشيخ وغيره.

(6)

أي ولا نفقة لعامل في مال المضاربة، ولو مع السفر، لأنه دخل على العمل بجزء، فلم يستحق غيره إلا بشرط، قال الشيخ وابن القيم وغيرهما: أو عادة فيعمل بها، فأقاموا العادة مقام الشرط أيضًا، قال في الإنصاف: وهو قوي في النظر، فإن شرطها له وأطلق، فله جميع نفقته، من مأكول، وملبوس، بالمعروف وإن قدرها له فحسن، قطعا للمنازعة، وإن اختلفا، فنفقة مثله عرفا، وإن كان معه مال لنفسه أو غيره، فعلى قدر المالين، إلا أن يكون قد شرط له من ماله، مع علمه بذلك.

ص: 259

(ولا يقسم) الربح (مع بقاء العقد) أي المضاربة (إلا باتفاقهما)(1) لأن الحق لا يخرج عنهما (2) والربح وقاية لرأس المال (3)(وإن تلف رأس المال (4) أو) تلف (بعضه) قبل التصرف، انفسخت فيه المضاربة (5) كالتالف قبل القبض (6) .

(1) أي على قسمة الربح، وصرح في الإقناع والمنتهى بالتحريم.

(2)

أي المتضاربين، فاعتبر اتفاقهما على القسمة.

(3)

أي فلا يجبر ربه على القسمة، لأنه لا يأمن الخسران فيجبره بالربح، ولا يجبر العامل لأنه لا يأمن أن يلزمه ما أخذه، في وقت لا يقدر عليه، وإن اتفقا على قسمه أو قسم بعضه جاز، لأنه ملكهما كالشريكين.

(4)

أي قبل التصرف، ثم اشترى سلعة للمضاربة، فهي له وثمنها عليه، إلا أن يجيزه رب المال، وفي الفروع هو كفضولي.

(5)

قال في الإنصاف: بلا نزاع أعلمه وكان رأس المال الباقي، لأنه مال هلك على جهته، قبل التصرف فيه.

(6)

أي أنه تنفسخ فيه المضاربة قولا واحدا.

ص: 260

وإن تلف (بعد التصرف) جبر من الربح (1) لأَنه دار في التجارة، وشرع فيما قصد بالعقد، من التصرفات المؤدية إلى الربح (2)(أو خسر) في إحدى سلعتين، أو سفرتين (جبر) ذلك (من الربح) أي وجب جبر الخسران من الربح (3) ولم يستحق العامل شيئًا إلا بعد كمال رأس المال (4) لأنها مضاربة واحدة (5)(قبل قسمته) ناضًا (6) .

(1) أي وإن تلف رأس المال بعد التصرف، أو تلف بعضه بعد التصرف، جبرت الوضيعة من ربح باقيه، قبل قسمته.

(2)

أي ولا شيء للعامل إلا بعد كمال رأس المال.

(3)

أي ربح باقيه قبل قسمته، وكذا لو تعيبت سلعة، أو نزل السعر ونحو ذلك، فمهما بقي العقد على رأس المال، وجب جبر خسرانه من ربحه، وسواء كان الربح والخسران في مرة أو الربح في مرة، والخسران في أخرى.

(4)

قال الموفق وغيره: بلا خلاف. لأن الربح هو الفاضل من رأس المال، وما لم يفضل فليس بربح، وفي الإنصاف: ليس للمضارب ربح حتى يستوفي رأس المال بلا نزاع، وإن ظهر ربح لم يكن له أخذ شيء منه إلا بإذن رب المال بلا نزاع. اهـ، وذلك لأن الربح وقاية لرأس المال، ورب المال شريكه، فلم يكن له مقاسمة نفسه، ولأن ملكه غير مستقر عليه، فإن أذن جاز، لأن الحق لا يخرج عنهما.

(5)

أي فلم يستحق أخذ شيء من الربح حتى يسلم رأس المال إلى ربه.

(6)

أي فالوضيعة تجبر من ربح باقيه قبل قسمة المال ناضا أي نقدًا، والنض الإظهار، والدرهم والدينار كالناض فيهما، أو إنما سمي ناضا إذا تحول عينا، بعد أن كان متاعا.

ص: 261

(أو تنضيضه) مع محاسبته (1) فإذا احتسبا، وعلما ما لهما، لم يجبر الخسران بعد ذلك مما قبله (2) تنزيلاً للتنضيض مع المحاسبة منزلة المقاسمة (3) وإذا انفسخ العقد والمال عرض أو دين، فطلب رب المال تنضيضه، لزم العامل (4) .

(1) أي أو قبل تصفيته بأن يرد نقدا، مع محاسبته حسابا كالقبض، حتى لو شاء صاحب المال قبضه، وأما قبل ذلك فالوضيعة إذا حصلت تحسب من الربح، ولا يستحق شيئًا قبل كمال رأس المال، قال أحمد: إلا أن يقبض رأس المال صاحبه، ثم يرده إليه، فيقول: اعمل في هذا. فما ربح بعد ذلك لا يجبر منه، وأما ما لا يدفع، فحتى يحتسبا حسابا كالقبض. قيل له: يحتسبان على المتاع؟ قال: لا يحتسبان إلا على الناض، لأن المتاع قد ينحط سعره، وقد يرتفع.

(2)

فهذا الحساب الذي هو كالقبض، تكون المضاربة بعده ابتداء مضاربة ثانية، كما لو قبضها منه، ثم ردها إليه.

(3)

والمقاسمة لا يجبر الخسران بعدها مما قبلها، والمذهب أنه يملك حصته من الربح بالظهور قبل القسمة، ومقتضاه أنه إذا وجد وجب أن يملكه، وعنه بها وعنه: بالمحاسبة بحكم الشرط، والتنضيض، والفسخ قبل القسمة والقبض. اختاره الشيخ وغيره، ويستقر ملكه بالمقاسمة، وبالمحاسبة التامة.

(4)

أي وإذا انفسخ عقد المضاربة والمال عرض، فإن رضي رب المال أن يأخذ بماله عرضا – بأن يقوم عليه، ويدفع حصته – جاز، ما لم يقصد حيلة ليختص بالربح، وإن طلب تنضيضه لزم العامل، فيجبر على بيع العرض، وقبض ثمنه حيث لم يرض المالك، لأن عليه رد المال ناضا كما أخذه، وهو مذهب الشافعي، وصوبه في الإنصاف، وإن كان دينا وجب تقاضيه كله، وكذا لو كان رأس المال

دراهم فصار دنانير أو عكسه، فهو كالعرض، وذكر ابن عقيل أن المضارب لا ينعزل ما دام عرضا، بل يملك التصرف حتى ينض رأس المال، وحتى يعلم رب المال أنه أراد الفسخ كما تقدم، وإن طلب العامل البيع فأبى رب المال، أجبر إن كان فيه ربح، بلا خلاف وإلا فلا.

ص: 262

وتبطل بموت أحدهما (1) فإن مات عامل، أو مودع، أو وصي ونحوه (2) وجهل بقاء ما بيدهم، فهو دين في التركة (3) لأن الإخفاء وعدم التعيين كالغصب (4) ويقبل قول العامل فيما يدعيه من هلاك، وخسران (5) .

(1) أي المتضاربين، وبجنونه، وبالحجر عليه للسفه، وبالفسخ من أحدهما، قال أحمد: إذا مات رب المال لم يجز للعامل أن يبيع ويشتري إلا بإذن الورثة. وتقدم أنها عقد جائز.

(2)

كوكيل، وأجير، وعامل وقف، وناظره، ونحوه.

(3)

لأن الأصل بقاء المال بيد الميت، واختلاطه بجملة التركة، ولا سبيل إلى معرفة عينه، فكان دينا، وصاحبه أسوة الغرماء، وفي الفروع: لو مات وصي، وجهل مال موليه، يتوجه أنه كمال المضاربة والوديعة، قال الشيخ: هو في تركته.

(4)

أي فتعلق بذمته، وإذا أراد مالك تقرير وارث، فمضاربة مبتدأة، ولا يبيع عرضا بلا إذن، ووارث المالك كهو، فيتقرر ما لمضارب.

(5)

قال الموفق: بغير خلاف. لأنه متصرف في مال غيره بإذنه، على وجه لا يختص بنفعه، كالوكيل، ويقبل قوله فيما يدعى عليه من خيانة أو تفريط بلا خلاف، ويقبل قوله في قدر رأس المال، حكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه، لأنه يدعى عليه قبض شيء وهو ينكره، وفي الإنصاف: إن قال ربحت ألفًا، ثم خسرتها. أو: هلكت. قبل قوله بلا نزاع، وإن قال: غلطت، أو نسيت. لم يقبل، وعنه: يقبل. قال أبو بكر: وعليه العمل. ومحل ذلك كله ما لم تكن لرب المال بينة تشهد بخلاف ذلك، وإن ادعى الهلاك بأمر ظاهر كلف البينة كما تقدم.

ص: 263

وما يذكر أَنه اشتراه لنفسه، أو للمضاربة، لأنه أَمين (1) والقول قول رب المال في عدم رده إليه (2) .

(1) ولأن الاختلاف هنا في نية المشتري، وهو أعلم بما نواه، ولا يطلع عليه أحد سواه، فقبل قوله بلا خلاف، ومثله شريك عنان، ووجوه.

(2)

بيمينه، لأنه منكر، والعامل قبض المال لنفع له فيه، وتقدم أن الأصل عدم القبض، والعامل يدعيه، والقاعدة مطردة أن «البينة على المدعي، واليمين على من أنكر» لترادف الأخبار بذلك.

ص: 264

فصل (1)

(الثالث شركة الوجوه)(2) سميت بذلك لأَنهما يعملان فيها بوجههما أَي جاهما، والجاه والوجه واحد (3) .

وهي: أَن يشتركا على (أَن يشتريا في ذمتيهما) من غير أن يكون لهما مال (بجاههما (4) فما ربحا) هـ (فـ) ـهو (بينهما) على ما شرطاه (5) .

(1) أي في بيان أحكام شركة الوجوه، وهي جائزة، إذ معناها وكالة كل منهما صاحبه في الشراء، والبيع، والكفالة بالثمن، وكل ذلك صحيح، لاشتمالها على مصلحة من غير مفسدة.

(2)

أي النوع الثالث من أنواع الشركة الخمسة، شركة الوجوه، يعني الشركة بالوجوه.

(3)

يقال: فلان وجيه. أي ذو جاه، والجاه: القدر، والمنزلة.

(4)

بثقة التجار بهما، على أن ما اشترياه فهو بينهما نصفين، أو أثلاثا، أو نحو ذلك على ما يتفقان عليه، ويبيعان ذلك.

(5)

من تساو وتفاضل، لخبر «المؤمنون على شروطهم» ولأن عقدها مبني على الوكالة، فيتقيد بما أذن فيه.

ص: 265

سواء عين أحدهما لصاحبه ما يشتريه، أو جنسه، أو وقته أو لا (1) فلو قال: ما اشتريت من شيء فبيننا. صح (2)(وكل واحد منهما وكيل صاحبه (3) وكفيل عنه بالثمن) (4) لأن مبناها على الوكالة والكفالة (5)(والملك بينهما على ما شرطاه)(6) لقوله عليه السلام «المؤمنون عند شروطهم» (7) .

(1) أي سواء عين أحد الشريكين لصاحبه ما يشتريه، أو عين جنسه، أو قدره أو قيمته، أو لم يعين شيئًا من ذلك، لأن ذلك إنما يعتبر في الوكالة المفردة، لا الداخلة في ضمن الشركة.

(2)

أي العقد، قال أحمد – في رجلين اشتركا بغير رؤوس أموالهما، على أن ما يشتريه كل واحد منهما فهو بينهما – فهو جائز، وكانت شركة صحيحة. ولأنهما اشتركا في الإبتياع، وأذن كل واحد منهما للآخر فيه فصح، وكانا يتبايعانه بينهما، كما لو ذكرا شرائط الوكالة، ولا يعتبر ذكر شروط الوكالة، لأنهما دخلا في ضمن الشركة، بدليل المضاربة، وشركة العنان.

(3)

أي في شراء نصف المتاع، بنصف الثمن، وكذا بيعه، فيستحق الربح في مقابلة ملكه الحاصل في المبيع.

(4)

فيلزمه قضاء نصيبه.

(5)

والوكيل يسلم ثمن المبيع ويستلمه، والكفيل يسلم مكفولاً به.

(6)

بينهما نصفين، أو أقل أو أكثر، وما يشتريه أحدهما بينهما بالنية، صوبه في تصحيح الفروع. وكذا في شركة العنان.

(7)

ثابتون عليها، ولعموم {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} وغير ذلك.

ص: 266

(والوضيعة على قدر ملكيهما)(1) كشركة العنان، لأَنها في معناها (2)(والربح على ما شرطاه) كالعنان (3) وهما في تصرف كشريكي عنان (4) .

(الرابع شركة الأبدان)(5) وهي (أن يشتركا فيما يكتسبان بأبدانهما) أي يشتركان في كسبهما من صنائعهما (6) .

(1) أي فيما يشتريانه، فمن له فيه الثلثان فعليه ثلثا الوضيعة، ومن له الثلث فعليه ثلثها، سواء كان الربح بينهما كذلك أو لا، ولأن الوضيعة عبارة عن نقص رأس المال، وهو مختص بملاكه، فيوزع بينهم على قدر الحصص.

(2)

في أن الخسران على قدر المال بالحساب، لأن شركة الوجوه في معنى شركة العنان، فأعطيت حكمها، وتقدم أنها على قدر المال بلا خلاف.

(3)

أي شركة العنان، من ربع، أو ثلث، أو غيره، لما تقدم من أن أحدهما قد يكون أوثق عند التجار، وأبصر بالتجارة من الآخر، ولأنها منعقدة على عمل وغيره، فكان ربحها على ما شرطاه.

(4)

أي وشريكا الوجوه في التصرف – بنحو بيع، وإقرار، وخصومة، وغير ذلك – كشريكي عنان فيما يجب لهما وعليهما، وفيما يجوز، ويمتنع، وشروط، وسائر ما تقدم، وأيهما عزل صاحبه انعزل، لأنه وكيله.

(5)

أي شركة بالأبدان فحذفت الباء ثم أضيفت، لأنهم بذلوا أبدانهم في الأعمال، لتحصيل المكاسب، وسميت بذلك لاشتراكهما في عمل أبدانهما، وهي نوعان.

(6)

فقد شرك النبي صلى الله عليه وسلم بين عمار، وسعد، وابن مسعود

كما سيأتي، فما تقبلاه في ذممهما من عمل – كحدادة، وقصارة، وخياطة – صح، وكذا لو قال أحدهما: أنا أتقبل، وأنت تعمل، والأجر بيننا. صح.

ص: 267

فما رزق الله فهو بينهما (1)(فما تقبله أحدهما من عمل يلزمهما فعله)(2) ويطالبان به (3) لأن شركة الأبدان لا تنعقد إلا على ذلك (4) وتصح مع اختلاف الصنائع، كقصار مع خياط (5) ولكل واحد منهما طلب الأُجرة (6) وللمستأْجر دفعها إلى أحدهما (7) .

(1) أي على ما اتفقا عليه من مساواة أو تفاضل، لأن العمل يستحق به الربح، وقد يتفاضلان في العمل، فجاز تفاضلهما في الربح الحاصل به.

(2)

لتضمن الشركة ذلك، أي فما تقبله أحدهما من عمل – يصير في ضمانهما – يلزمهما فعله.

(3)

أي ويطالب كل واحد منهما بما تقبل شريكه من أعمال الشركة.

(4)

أي ضمان كل واحد منهما عن الآخر ما يلزمه، فإن الشركة الشرعية لا تخرج عن الوكالة والضمان.

(5)

أو حداد، أو نجار، فيما يتقبلان في ذممهما من عمل، لأنهم اشتركوا في مكسب مباح فصح، كما لو اتفقت الصنائع، فإنها تصح قولا واحدا.

(6)

أي أجرة عمل تقبله هو أو صاحبه.

(7)

ويبرأ من الأجرة بالدفع لأحدهما، لأن كل واحد منهما كالوكيل عن الآخر.

ص: 268

ومن تلفت بيده بغير تفريط لم يضمن (1)(وتصح) شركة الأبدان (في الاحتشاش، والاحتطاب (2) وسائر المباحات) كالثمار المأْخوذة من الجبال (3) والمعادن (4) والتلصص على دار الحرب (5) لما روى أبو داود بإسناده عن عبد الله (6) قال: اشتركت أنا، وسعد، وعمار، يوم بدر (7) فلم أجئ أنا وعمار بشيء، وجاء سعد بأسيرين (8) .

(1) كالوكيل، وتضيع عليهما، لأن كل واحد منهما وكيل الآخر في المطالبة والقبض، وإن فرط أو تعدى فعليه وحده، لانفراده بما يوجب الضمان.

(2)

والاصطياد، والاغتنام، والحمل ونحوه، وهذا النوع الثاني، قال أحمد: لا بأس أن يشترك القوم بأبدانهم، وليس لهم مال، مثل الصيادين، والحمالين، والنخالين. واحتج بقصة سعد وصاحبيه.

(3)

كالعسل، للخبر، فإنما اغتنامهم من قبيل المباحات.

(4)

أي وتصح شركة الأبدان في استخراج المعادن، وهي من المباحات.

(5)

كسلب من يقتلانه بدار حرب وغيره.

(6)

يعني ابن مسعود رضي الله عنه، فإنه إذا أطلق اسم عبد الله لم ينصرف إلا عليه.

(7)

وكانت في السنة الثانية من الهجرة في رمضان.

(8)

ومثل هذا لا يخفى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أقرهم ونقل أنه قال «من أخذ شيئًا فهو له» فكان ذلك من قبيل المباحات.

ص: 269

قال أحمد: أشرك بينهم النبي صلى الله عليه وسلم (1)(وإن مرض أحدهما فالكسب) الذي عمله أحدهما (بينهما)(2) احتج الإمام بحديث سعد (3) وكذا لو ترك العمل لغير عذر (4)(وإن طالبه الصحيح أن يقيم مقامه لزمه)(5) .

(1) فدل على جواز شركة الأبدان، ولأن العمل أحد جهتي المضاربة، فصحت الشركة عليه كالمال.

(2)

على ما شرطاه، نص عليه، وقد سئل عن الرجلين يشتركان في عمل الأبدان، فيأتي أحدهما بشيء، ولا يأتي الآخر بشيء؟ قال: نعم، هذا بمنزلة حديث سعد.

(3)

وعمار وابن مسعود، حيث اشتركوا، فجاء سعد بأسيرين، وأخفق الآخران، وأقرت شركتهم، ولأن العمل مضمون عليهما معًا، وبضمانهما له وجبت الأجرة، فتكون لهما، كما كان الضمان عليهما، ويكون العامل عونًا لصاحبه في حصته، ولا يمنع ذلك استحقاقه.

(4)

أي بأن كان حاضرا صحيحًا، فالكسب بينهما على ما شرطاه، وقال الموفق وغيره: ويحتمل أنه إذا ترك العمل لغير عذر، أن لا يشارك صاحبه في أجرة ما عمله دونه، لأنه إنما شاركه ليعملا جميعا، فإذا ترك أحدهما العمل، فما وفى بما شرط على نفسه، فلم يستحق ما جعل له في مقابلته، وإنما احتمل ذلك فيما إذا تركه لعذر، لأنه لا يمكن التحرز منه.

(5)

أي وإن طالب المريض الصحيح بأن يقيم مقامه من يعمل معه لزمه ذلك، ويلزم غير العارف منهما بعمل ما تقبله شريكه أن يقيم مقامه في العمل، ليحصل المقصود لكل من الشريكين.

ص: 270

لأنهما دخلا على أن يعملا (1) فإذا تعذر عليه العمل بنفسه لزمه أن يقيم مقامه (2) توفية للعقد بما يقتضيه (3) وللآخر الفسخ (4) وإن اشتركا على أن يحملا على دابتيهما والأُجرة بينهما صح (5) وإن أجَّراهما بأعينهما فلكل أجرة دابته (6) ويصح دفع دابة ونحوها لمن يعمل عليها، وما رزقه الله بينهما على ما شرطاه (7) .

(1) أي بأبدانهما في نوعيها، من تقبل عمل بأبدانهما في ذممهما، أو تملك مباح.

(2)

من يعمل، لدخولهما في الشركة على ذلك، و"مقامه" بضم الميم، ويجوز الفتح، بخلاف نحو: قام زيد مقام عمرو، فبالفتح لا غير.

(3)

من لزوم العمل مع شريكه.

(4)

أي فإن امتنع المريض ونحوه من أن يقيم مقامه فللآخر فسخ الشركة، بل له فسخها وإن لم يمتنع، لأنها غير لازمة.

(5)

لأنه نوع من الاكتساب، والدابتان آلتان، فأشبها الأداة، وتقبلهما الحمل أثبت الضمان في ذمتيهما.

(6)

أي وإن أجرا الدابتين بأعيانهما على حمل شيء، بأجرة معلومة، واشتركا على ذلك، لم تصح الشركة، ولكل واحد منهما أجرة دابته، لأنه لم يجب ضمان الحمل في ذممهما، وإنما استحق المكتري منفعة البهيمة.

(7)

أنصافًا، أو أثلاثا أو نحوه، نص عليه، وقال – فيمن دفع فرسه على النصف من الغنيمة – أرجو أن لا يكون به بأس، وقال – فيمن دفع عبده إلى رجل ليكتسب عليه، ويكون له ثلث ذلك، أو ربعه – فجائز، وكذا إن دفع

غزلا إلى رجل لينسجه، أو ثوبا إلى خياط ليفصله ويبيعه، ولأن الدابة ونحوها عين تنمي بالعمل عليها، فصح العقد ببعض نمائها، كالدراهم، والدنانير، وكالشجر في المساقاة، والأرض في المزارعة، وإن اشترك ثلاثة، من أحدهم دابة، ومن آخر راوية، ومن آخر العمل، على أن ما رزق الله بينهما صح، وهذا قول الشافعي، وإن جمعا بين شركة العنان، والوجوه، والأبدان صح.

قال الشيخ وغيره: وليس لولي الأمر المنع بمقتضى مذهبه في شركة الأبدان، والوجوه، والمساقاة، والمزارعة، ونحوها مما يسوغ فيه الاجتهاد. قال: وتصح شركة الشهود: واقتصر عليه في الفروع، قال الشيخ: وللشاهد أن يقيم مقامه إن كان الجعل على عمل في الذمة، وإن كان على شهادة بعينه فوجهان، قال: والأصح جوازه، وللحاكم إكراههم، لأن له نظرا في العدالة وغيرها، وقال أيضًا: إن اشتركوا على أن كل ما حصله كل واحد منهم بينهم، بحيث إذا كتب أحدهم، وشهد، شاركه الآخر، وإن لم يعمل، فهي شركة أبدان، تجوز حيث تجوز الوكالة، وشركة الدلالين تصح عند بعضهم. وقال: نص أحمد على جوازها، وذكر الموفق قياس المذهب جوازها، وصوبه في الإنصاف.

قال الشيخ: ووجه صحتها أن بيع الدلال وشراءه، بمنزلة خياطة الخياط، وتجارة التاجر، وسائر الأجراء المشتركين، لكل منهم أن يستنيب، وإن لم يكن للوكيل أن يوكل، ومأخذ من منع أن الدلالة من باب الوكالة، وسائر الصناعات من باب الإجارة وليس الأمر كذلك، ومحل الخلاف في الاشتراك في الدلالة التي فيها عقد، فأما مجرد النداء، والعرض، وإحضار الزبون، فلا خلاف في جوازه، وتسليم الأموال إليهم، مع العلم بالشركة إذن لهم، وإن باع كل واحد ما أخذ، ولم يعط غيره، واشتركا في كسب، جاز في أظهر الوجهين، كالمباح، ولئلا تقع منازعة.

ص: 271

(الخامس شركة المفاوضة)(1) وهي (أن يفوض كل منهما إلى صاحبه كل تصرف مالي وبدني من أنواع الشركة)(2) بيعًا، وشراء، ومضاربة، وتوكيلاً، وابتياعًا في الذمة، ومسافرة بالمال، وارتهانًا، وضمان ما يرى من الأعمال (3) أو يشتركا في كل ما يثبت لهما وعليهما فتصح (4)(والربح على ما شرطاه (5) والوضيعة بقدر المال) لما سبق في العنان (6)

(1) المفاوضة لغة الاشتراك في كل شيء، كالتفاوض، والمساواة، والمجاراة في الأمر.

(2)

أي وشركة المفاوضة شرعا قسمان، أحدهما صحيح، وهو نوعان "الأول" تفويض كل من المشتركين، اثنين فأكثر، إلى صاحبه كل تصرف مالي وبدني من أنواع الشركة، وهو الجمع بين عنان، ووجوه، ومضاربة، وأبدان، فتصح، لأن كل واحد منها يصح منفردا، فصح مع غيره، كحالة الإنفراد.

(3)

قال في الإنصاف وغيره: فهذه شركة صحيحة، لأنها لا تخرج عن شركة العنان، والوجوه، والأبدان، وجميعها منصوص على صحتها.

(4)

لأنها لا تخرج عن أنواع الشركة التي تقدمت، وهذا النوع الثاني.

(5)

كما تقدم، وقال الشيخ: وموجب العقد المطلق التساوي في العمل والأجر، وإن عمل واحد أكثر ولم يتبرع، طالبهم إما بما زاد في العمل، وإما بإعطائه زيادة في الأجرة بقدر عمله، وإن اتفقوا على أن يشترطوا له زيادة جاز.

(6)

وهو أن الخسران على قدر المال بالحساب، سواء كان التلف أو النقصان في الثمن أو غير ذلك، وأما في المضاربة فعلى المال.

ص: 273

(فإن أدخلا فيها كسبًا أو غرامة نادرين)(1) كوجدان لقطة، أو ركاز، أو ميراث، أو أرش جناية (2)(أو ما يلزم أحدهما من ضمان غصب أو نحوه (3) فسدت) لكثرة الغرر فيها (4) ولأنها تضمنت كفالة وغيرها، مما لا يقتضيه العقد (5) .

(1) فسدت، لأنه عقد لم يرد الشرع بمثله، وهذا هو القسم الثاني من قسمي شركة المفاوضة.

(2)

أو مهر وطء، أو هبة، أو وصية، أو غير ذلك من الأكساب النادرة.

(3)

كضمان عارية، وقيمة متلف، وكتفريط، وتعدد بيع فاسد.

(4)

ولأنها شركة معاوضة، وقد يلزم الشريك فيها ما لا يقدر الشريك عليه.

(5)

ففسدت، وقيل: شركة المفاوضة أن يقول: أنت شريك لي في كل ما يحصل لي، بأي جهة كانت، من إرث أو غيره، والمنصوص أنه لا يصح، ولكل منهما ربح ماله، وأجرة عمله، وما يستفيده له، ويختص بضمان ما غصبه أو جناه، وضمانه عن الغير.

ص: 274

باب المساقاة (1)

من السقي، لأنه أهم أمرها بالحجاز (2) وهي: دفع شجر له ثمر مأْكول – ولو غير مغروس – إلى آخر ليقوم بسقيه وما يحتاج إليه، بجزءٍ معلوم له من ثمرة (3)(تصح) المساقاة (على شجر له ثمر يؤكل) من نخل وغيره (4) .

(1) أي والمزارعة، والأصل في جوازها السنة والإجماع، أما السنة فيأتي أنه صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر، بشرط ما يخرج منها ثمر أو زرع، ثم عاملهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ولم ينكر، فكان إجماعًا، وقال الشيخ: هما أصل من المؤاجرة، وأقرب إلى العدل والأصول، فإنهما يشتركان في المغنم والمغرم، بخلاف المؤاجرة، فإن صاحب الأرض تسلم له الأجرة، والمستأجر قد يحصل له زرع، وقد لا يحصل، والصحيح جوازها، وسواء كانت الأرض مقطعة أم لا.

(2)

أي لأن السقي أهم أمر المساقاة بالحجاز، وحاجة شجرهم إلى السقي أكثر مشقة، لأنهم يسقون من الآبار بالنضح، فسميت بذلك.

(3)

أي والمساقاة شرعا: دفع شجر مغروس، معلوم للمالك والعامل – ولو كان الشجر غير مغروس – مع أرض، ليغرسه فيها، ويقوم بسقيه وما يحتاج إليه، حتى يثمر، بجزء مشاع، معلوم لهما، من ثمر ذلك الشجر عينه، أو بجزء من الشجر، أو من الشجر والثمر، كالمزارعة، ويأتي.

(4)

أي تصح المساقاة على شجر مغروس، معلوم للمالك والعامل، برؤية

أو صفة، له ثمر يؤكل، من نخل وغيره، كالكرم، والرمان، والجوز، واللوز، والزيتون، وغيرها، لمن يعمل عليه، ويقوم بمصلحته، بجزء مشاع معلوم، من الثمرة.

ص: 275

لحديث ابن عمر: عامل النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر، بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع. متفق عليه (1) وقال أبو جعفر: عامل النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بالشطر، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم أهلوهم إلى اليوم (2) .

(1) ولمسلم: دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها، على أن يعملوها من أموالهم، ولهم شطر ثمرها، أي نصفه، ولأحمد: دفع خيبر – أرضها ونخلها – مقاسمة على النصف. فدل على صحة المساقاة. وقال ابن القيم: وفي قصة خيبر دليل على جواز المساقاة والمزارعة بجزء من الغلة، من ثمر أو زرع، فإنه صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر، واستمر على ذلك إلى حين وفاته، ولم ينسخ ألبتة، واستمر عمل الخلفاء الراشدين عليه، وليس من باب المؤاجرة، بل من باب المشاركة، وهو نظير المضاربة سواء.

(2)

ذكره في المغني. وأبو جعفر: محمد، بن علي، بن الحسين، بن علي، بن أبي طالب، ثقة فاضل توفي سنة 115هـ.

وقال قيس بن مسلم عن أبي جعفر: ما بالمدينة أهل بيت هجرة إلا يزرعون على الثلث والربع، وزارع علي، وسعد بن مالك، وابن مسعود، وعمر بن عبد العزيز، والقاسم، وعروة، وآل أبي بكر، وآل علي، وآل عمر. وعن طاووس أن معاذ بن جبل أكرى الأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، على الثلث، والربع، فهو يعمل به إلى يومك هذا رواه ابن ماجه، وذكر البخاري آثارًا كثيرة عن السلف توجب أنه لم ينقل خلاف في الجواز، وتمسك بذلك الجمهور، وعليه عمل المسلمين في سائر الأمصار، قال الموفق: وهذا عمل به الخلفاء الراشدون مدة خلافتهم، واشتهر ذلك، فلم ينكره منكر، فكان إجماعًا. قال: ولا يجوز التعويل على ما خالف الحديث والإجماع، وكثير من أهل النخيل والشجر يعجزون عن عمارته وسقيه، ولا يمكنهم الاستئجار عليه، وكثير من الناس لا شجر لهم، ويحتاجون إلى الثمر، ففي تجويزها دفع الحاجتين، وتحصيل لمصلحة الفئتين.

ص: 276

يعطون الثلث أو الربع (1) . ولا تصح على ما لا ثمر له كالحور (2) أو له ثمر غير مأْكول، كالصنوبر، والقرظ (3) .

(1) أي يعطي النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه أهل خيبر الشطر، والثلث، والربع، وهذا أمر صحيح مشهور، قد عمل به صلى الله عليه وسلم، ثم خلفاؤه، ثم أهلوهم، ومثل هذا يستحيل أن يكون منسوخًا، فدل على ما دل الحديث عليه من وجوب بيان الجزء المساقى عليه، من نصف، أو ربع، أو غيرهما من الأجزاء المعلومة، وأنها لا تجوز على مجهول، وأن قوله: وثمر. عام في كل ثمر، ولا تكاد بلد ذات أشجار تخلو من شجر غير النخل، وللدارقطني: بشطر ما يخرج من النخل والشجر، ولأنه يشبه النخل، والحاجة تدعو إلى المساقاة عليه كالنخل، وأكثر لكثرته، فأشبه النخل.

(2)

معرب كوز، وكالصفصاف، والسرو، والوَرْد، لأنه ليس منصوصًا عليه، ولا في معنى المنصوص عليه، ولأن المساقاة إنما تكون بجزء من الثمرة، وهو لا ثمر له.

(3)

الصنوبر شجر جبلي، ومنه: الأرْزُ، ثمره غير مأكول. و"القرظ" محركة

ورق السلم، أو ثمر السنط، فلا تصح المساقاة عليه، وقال الموفق: ما لا ثمر له، أوله ثمر غير مقصود، فلا تجوز المساقاة عليه، وبه قال مالك والشافعي، ولا نعلم فيه خلافًا، لأنه غير منصوص عليه، ولأنها إنما تجوز بجزء من الثمرة، وهذا لا ثمرة له، إلا أن يكون مما يقصد ورقه أو زهره، كالتوت، والورد، فالقياس يقتضي جواز المساقاة عليه لأنه في معنى الثمر، والمساقاة عليه بجزء منه، وصوبه في الإنصاف، وفي الإقناع، وعلى قياسه شجر له خشب يقصد، كحور، وصفصاف، وأما ما لا ساق له كالقطاني، والمقاثي، فإن قيل: كالشجر، صحت المساقاة عليه، أو كالزرع فمزارعة، صرح به ابن رجب وغيره.

ص: 277

(و) تصح المساقاة أيضًا (على) شجر ذي (ثمرة موجودة) لم تكمل، تنمى بالعمل (1) كالمزارعة على زرع ثابت لأنها إذا جازت في المعدوم مع كثرة الغرر ففي الموجود وقلة الغرر أَولى (2)(و) تصح أيضًا (على شجر يغرسه) في أَرض رب الشجر (ويعمل عليه حتى يثمر)(3) .

(1) أي تزيد به الثمرة كالتأبير، والسقي، وإصلاح الثمرة، هذا المذهب، وهو قول مالك وأحد قولي الشافعي.

(2)

لأنه صلى الله عليه وسلم نص على المساقاة على الثمرة المعدومة بجزء منها، فالموجودة النامية بالعمل بطريق الأولى، فإن بقي من العمل ما لا تزيد به الثمرة، كالجذاذ ونحوه، فقال الموفق وغيره: لا تصح المساقاة عليه بغير خلاف.

(3)

أو ساقاه على ودي النخل أو صغار الشجر، إلى مدة يحمل فيها غالبًا بجزء من الثمرة، قال الموفق: صح، لأنه ليس فيه أكثر من أن عمل العامل يكثر، وذلك لا يمنع الصحة. قال: والحكم فيما إذا ساقاه على شجر يغرسه، كالحكم

فيما إذا ساقاه على صغار الشجر. وقال أحمد فيمن قال لرجل: - اغرس في أرضي هذه شجرا أو نخلا، فما كان من غلة فلك بعملك كذا وكذا سهما، من كذا وكذا – فأجازه.

ص: 278

احتج الإمام بحديث خيبر (1) ولأَن العوض والعمل معلومان فصحت، كالمساقاة على شجر مغروس (2)(بجزء من الثمرة) مشاع معلوم، وهو متعلق بقوله: تصح (3) . فلو شرطا في المساقاة الكل لأحدهما (4) أو آصعًا معلومة (5) .

(1) أي في الزرع والنخل كما تقدم.

(2)

بالسنة والإجماع، فصح على هذا الحكم، واختاره الشيخ وغيره.

(3)

أي المساقاة على شجر له ثمر يؤكل، وما عطف عليه، وهو من شرط صحة المساقاة، فإنه لا بد من تقدير نصيب العامل بجزء معلوم من الثمرة، كالثلث والربع لما تقدم من الأخبار، وسواء قل الجزء أو كثر، ولا شيء للعامل من غير الثمرة، كالجريد والليف، والورق ونحوه.

(4)

لم تصح، لاختصاص أحدهما به دون الآخر، والعامة تسميه "النفاه" وكذا لو شرط عليه عملا في غير السنة، أو في غير الشجر الذي ساقاه عليه، لأن موضوع المساقاة: أن يعمل في شجر معين، بجزء مشاع من ثمرته، في ذلك الوقت الذي يستحق عليه فيه العمل.

(5)

أو جعل له آصعًا معلومة، كعشرة مثلا لم تصح، لأنه قد لا يخرج إلا ذلك فيختص به العامل، أو جعل له دراهم معينة، لأنه قد لا يخرج من النماء ما يساويها. وقال الشيخ – فيما إن غارسه على أن يكون لرب الأرض دراهم مسماة، إلى حين

إثمار الشجر، فإذا أثمر كانا شريكين في الثمر – لا أعرفها منقولة، فقد يقال: هذا لا يجوز، كما لو اشترط في المزراعة والمساقاة دراهم مقدرة، مع نصيبه من الزرع والثمر، فإن هذا لا يجوز بلا نزاع، كما لو اشترط شيئًا مقدرا، فإنه قد لا يحصل إلا ذلك المشروط، فيبقى الآخر لا شيء له، لكن الأظهر أن هذا ليس بمحرم.

ص: 279

أو ثمرة شجرة معينة لم تصح (1) وتصح المناصبة، والمغارسة، وهي دفع أرض وشجر لمن يغرسه كما تقدم (2) بجزء مشاع معلوم من الشجر (3) .

(1) لأنه قد لا يحمل غيرها أو لا تحمل، فيحصل الضرر والغرر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المزارعة التي يجعل فيها لرب الأرض مكانا معينا.

(2)

أي في قولهما: وتصح أيضًا على شجر يغرسه في أرض رب الشجر، ويعمل عليه حتى يثمر بجزء من الثمرة، ودليله وتعليله، والمناصبة والمغارسة معناهما واحد، فسرهما بقوله: وهي دفع أرض وشجر. أي معلوم بلا غرس، مع أرض، لمن يغرس الشجر فيها، ويعمل عليه حتى يثمر.

(3)

نص عليه أحمد، أو من الشجر والثمر. وقال الشيخ: لو دفع أرضه إلى آخر يغرسها، بجزء من الغراس، صح كالمزارعة، واختاره. وقال: ولو كانت مغروسة، فعامله بجزء من غراسها. ولا فرق بين أن يكون الغارس ناظر وقف أو غيره. وعند الموفق وغيره: فساد الاشتراك في الغراس والأرض. وقال الشيخ: قياس المذهب صحته. وصححه المالكيون في الأرض الملك لا الوقف. قال الموفق: وتصح على البعل، كما تصح على السقي، لا نعلم فيه خلافًا عند من يجوز المساقاة.

ص: 280

(وهو) أي عقد المساقاة والمغارسة والمزارعة (عقد جائز) من الطرفين (1) قياسًا على المضاربة (2) لأنها عقد على جزءٍ من النماءِ في المال، فلا يفتقر إلى ذكر مدة (3) ولكل منهما فسخها متى شاء (4)(فإن فسخ المالك قبل ظهور الثمرة فللعامل الأُجرة) أَي أُجرة مثله (5) لأَنه منعه من إتمام عمله الذي يستحق به العوض (6) .

(1) من جهة المالك والعامل، لقوله «نقركم على ذلك ما شئنا» فلم يقدر مدة.

(2)

من حيث أنها عقد جائز، فكذا المساقاة والمغارسة والمزارعة عقد جائز.

(3)

يحصل الكمال فيها، وكسائر العقود الجائرة. وإن جعلاها إلى الجذاذ أو الحصاد، أو إلى إدراكها صح، وصوبه في الإنصاف، والجمهور على أنها عقد لازم، دفعا للضرر، واختاره الشيخ وغيره. قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن: الصحيح اللزوم، وهو الذي عليه الفتوى. وقال ابن ذهلان: الذي استقر عندنا لزوم المساقاة. قال الموفق وغيره: فإن قلنا هي عقد لازم، فلا تصح إلا على مدة معلومة، وهذا مذهب الشافعي، ولأنها أشبه بالإجارة، لأنها تقتضي العمل على العين مع بقائها، وعليه: لا تتقدر أكثر المدة، بل يجوز ما يتفقان عليه من المدة التي يبقى الشجر فيها، وإن طالت، وأما أقل المدة، فتقدر بمدة تكمل فيها الثمرة، ولا يجوز أقل منها، وفي التبصرة: جائزة من جهة العامل، لازمة من جهة المالك، وذكره الشيخ حمد بن معمر عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

(4)

لأنه شأن العقود الجائزة.

(5)

هذا المذهب، صرح به جمهور الأصحاب.

(6)

وذلك لأن الربح لا يتولد من المال بنفسه، وإنما يتولد من العمل، ولم

يحصل بعمله ربح، والثمر متولد من عين الشجر، وقد عمل على الشجر عملاً مؤثرًا في الثمرة، فكان لعمله تأثير في حصول الثمر، وظهوره بعد الفسخ، ولولا الفسخ لظهرت الثمرة، فملك نصيبه منها، وقد قطع المالك ذلك بفسخه، فاستحق أجرة مثله. وقال الشيخ: إذا فسدت المساقاة أو المزارعة استحق العامل نصيب المثل، وهو ما جرت العادة في مثله، لا أجرة المثل، وقال: الصحيح من قولي العلماء أن هذه المشاركات إذا فسدت وجب نصيب المثل، لا أجرة المثل، فيجب من الربح أو النماء، إما مثله وإما نصفه، كما جرت العادة في مثل ذلك، ولا يجب أجرة مقدرة، فإن ذلك قد يستغرق المال وأضعافه، وإنما يجب في الفاسد من العقود نظير ما يجب في الصحيح، والواجب في الصحيح ليس هو أجرة مسماة، بل جزء، مشاع من الربح مسمى، فيجب في الفاسد نظير ذلك.

ص: 281

(وإن فسخها هو) أي فسخ العامل المساقاة، قبل ظهور الثمرة (فلا شيء له) لأنه رضي بإسقاط حقه (1) وإن انفسخت بعد ظهور الثمرة، فهي بينهما على ما شرطاه (2) ويلزم العامل تمام العمل كالمضارب (3) .

(1) في أصح الوجهين، كعامل المضاربة إذا فسخ قبل ظهور الربح، وعامل الجعالة إذا فسخ قبل إتمام عمله.

(2)

أي عند العقد، لأنها حدثت على ملكهما.

(3)

أي كما يلزم المضارب بيع العروض، إذا فسخت المضاربة بعد ظهور الربح، وقال الشيخ: إذا ترك العامل العمل حتى فسد الثمر، فينبغي أن يجب عليه ضمان نصيب المالك، فينظر كم يجيء لو عمل بطريق الاجتهاد، كما يضمن لو يبس الشجر، وهذا لأن تركه العمل من غير فسخ العقد حرام وغرر، وهو سبب في عدم هذا الثمر، فيكون كما لو تلفت الثمرة تحت اليد العادية. وقال: والأصوب الأقيس بالمذهب أن يضمن بمثل ما ينبت ضمان تغرير. اهـ.

وعلى القول بلزومها: يقوم الوارث مقام الميت منهما؛ فإن أبي وارث أن يأخذ ويعمل لم يجبر، ويستأجر الحاكم من التركة من يعمل، وإن هرب العامل ولم يوجد له ما ينفق عليها، فهو كا لو مات، فإن وجد الحاكم له مالا، أو أمكنه الاقتراض عليه من بيت المال، أو غيره، فعل، فإن تعذر، فلرب المال الفسخ، قال في الإنصاف بلا نزاع، وإن عمل فيها رب المال بإذن حاكم فقال الموفق: رجع، قولاً واحدًا.

ص: 282

(ويلزم العامل كل ما فيه صلاح الثمرة من حرث، وسقي (1) وزبار) بكسر الزاي، وهو قطع الأَغصان الرديئة من الكرم (2)(وتلقيح، وتشميس (3) وإصلاح موضعه (4) و) إصلاح (طرق الماء (5) وحصاد ونحوه) (6) .

(1) أي من حرث الأرض تحت الشجر، وسقي الشجر بماء حاصل لا يحتاج إلى حفر بئر، وعليه الاستقاء من بئر أو نحوها، بإدارة الدولاب ونحوه.

(2)

وبعض الجيدة بمنجل ونحوه، وقطع ما يحتاج الشجر إلى قطعه كجريد النخل.

(3)

أي ويلزم العامل تلقيح النخل، وهو جعل طلع الفحال في طلع النخل، وتشميس الثمر المحتاج للتشميس، وتجفيفه، وتصفية زرع، ونحو ذلك.

(4)

أي موضع التشميش، وكذا موضع دياس الزرع.

(5)

وإصلاح الحفر التي يجتمع فيها الماء على أصول الشجر.

(6)

كجذاذ، جزم به في الوجيز وغيره، ونصره الموفق وغيره.

ص: 283

كآلة حرث، وبقره (1) وتفريق زبل (2) وقطع حشيش مضر (3) وشجر يابس (4) وحفظ ثمر على شجر إلى أَن يقسم (5)(وعلى رب المال ما يصلحه) أي ما يحفظ الأَصل (6)(كسد حائط (7) وإجراء الأَنهار) (8) .

(1) أي التي تحرث الأرض.

(2)

بكسر فسكون "السَّرقين" وزبل زرعه: سمده. وكذا تفريق بسباخ ونحوه.

(3)

بشجر أو زرع، وتنقية من دغل وغيره.

(4)

أي وقطع شجر يابس أو شوك: وعليه آلة القطع من فأس، ومنجل، ونحوهما.

(5)

أي وعلى العامل حفظ ثمر على شجر، ونقله إلى الجرين، وحفظه فيه، وحفظ زرع ونحوه إلى أن يقسم، لأن هذا كله من العمل، والعامل يلزمه – بإطلاق عقد المساقاة – كل ما فيه صلاح الثمرة وزيادتها، لأن موضوعها على أن العمل منه، وينبغي العمل بالعرف.

وفي الرعاية: لا يشترط تفصيل ما يلزم العامل من عمله، بل يحمل المطلق في كل مكان على عرفه الغالب.

(6)

هذا مذهب الجمهور، وعبر بعضهم أن ما يتكرر كل عام فعلى العامل، وما لا يتكرر فعلى رب المال، وقال الموفق وغيره: هذا صحيح في العمل، واستثنى شراء ما يلقح به، لأنه ليس من العمل.

(7)

أي بنائه، أو بناء ما تهدم منه.

(8)

الأنهار مجاري الماء، ويقال للنهر الصغير ساقية، فإجراؤها على رب المال.

ص: 284

وحفر البئر (1)(والدولاب ونحوه) كآلته التي تديره، ودوابه (2) وشراء ما يلقح به، وتحصيل ماء، وزبل (3) والجذاذ عليهما بقدر حصتيهما (4) إلا أن يشترطه على العامل (5)

(1) أي على رب المال، ليتوفر الماء.

(2)

أي وعلى رب المال تحصيل الدولاب، وهو ما تديره الدولاب، وكذا آلاته التي تديره، ونحوه ما في معناه من أي آلة كانت، وعليه أيضًا تحصيل دوابه التي تديره، وقال الموفق وغيره: الأولى أن البقر التي تدير الدولاب على العامل، كبقر الحرث، والعمل بالعادة أولى.

(3)

أي وعلى رب المال شراء ما يلقح به من طلع فحال، ويسمى الكثر، وعلى رب المال تحصيل ماء، ولو نفد لزمه الحفر، ولو حصله في بئر أخرى لزم العامل السقي منها، وله تفاوت ما بينهما، وعلى المالك تحصيل زبل وسباخ، قاله الشيخ وغيره، لأنه ليس من العمل، فهو على رب المال.

(4)

وعللوه بأنه إنما يكون بعد تكامل الثمرة، وانقضاء المعاملة، وتقدم أن نقل الثمرة إلى الجرين والتشميس، والحفظ ونحوه على العامل، مع أنه بعد الجذاذ فالجذاذ أولى، وكالحصاد.

وقال الموفق: فأما الجذاذ، والحصاد، واللقاط فعلى العامل، نص عليه في الحصاد، وهو مذهب الشافعي، لأنه من العمل، فكان على العامل كالتشميس، واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم دفع خيبر إلى يهود، على أن يعملوها من أموالهم.

(5)

نص عليه، وهو قول بعض الشافعية، ولأنه شرط لا يخل بمصلحة العقد،

ولا مفسدة فيه فصح، وعليه يصح أن يشترط على أحدهما شيئًا مما يلزم الآخر، ويعتبر أن يكون ما يلزم كل واحد منهما من العمل معلومًا، وأن لا يكون على رب المال أكثر العمل، ولا نصفه، لأن العامل إنما يستحق بعمله.

ص: 285

والعامل فيها كالمضارب فيما يقبل، ويرد، وغير ذلك (1) .

(1) أي والعامل في المساقاة، وكذا المزارعة كالمضارب، فيما يقبل قوله فيه، وفيما يرد قوله فيه، فيقبل قوله أنه لم يتعد ونحوه، لأن رب المال ائتمنه بدفع ماله إليه، ويقبل قوله في غير ذلك، كمبطل لعقدها، وجزء مشروط، وإن اتهم حلف، صوبه في الإنصاف، فإن خان فمشرف يمنعه، وإن تعذر فعامل مكانه، قولا واحدًا، وإن عجز ضم إليه قوي، أو من يقوم مقامه، قال الشيخ: ويتبع في الكلف السلطانية العرف، ما لم يكن شرط، وما طلب من قرية من كلف سلطانية ونحوها فعلى قدر الأموال، فإن وضع على الزرع فعلى ربه، أو على العقار فعلى ربه، ومطلقا فعادة.

ص: 286

فصل (1)

(وتصح المزراعة) لحديث خيبر السابق (2) وهي دفع أرض وحب، لمن يزرعه، ويقوم عليه (3) أَو حب مزروع ينمى بالعمل، لمن يقوم عليه (4)(بجزءٍ) مشاع، (معلوم النسبة) كالثلث أَو الربع ونحوه (5)(مما يخرج من الأَرض (6)

(1) أي في أحكام المزارعة، وهي مشتقة من الزرع، وتسمى مخابرة، ومواكرة، والعامل فيها مزارع، ومخابر، ومواكر، والأصل في جوازها السنة، والإجماع القديم، والحاجة الداعية إلى ذلك، قال الشيخ: المزارعة آصل من الإجارة، لاشتراكهما في المغنم والمغرم؛ وقال ابن القيم: أبعد عن الظلم والغرر من الإجارة، فإن أحدهما غانم ولابد، وأما المزارعة فإن حصل الزرع اشتركا فيه، وإلا اشتركا في الحرمان.

(2)

ولفظه: عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر وزرع، وعامل به الخلفاء الراشدون من بعده.

(3)

بجزء مشاع معلوم من المتحصل.

(4)

أي أو دفع حب مزروع – يزيد بالعمل – لمن يقوم عليه، وإن لم يبق من العمل ما لا يزيد به لم تصح، كما تقدم.

(5)

كالنصف، أو أقل، أو أكثر، وفي الصحيح: كانوا يزرعونها بالثلث، والربع، والنصف.

(6)

يعني من الزرع، وتقدم أنه عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع أو ثمر.

ص: 287

لربها) أي لرب الأرض (أو للعامل، والباقي للآخر)(1) أي إن شرط الجزء المسمى لرب الأرض فالباقي للعامل، وإن شرط للعامل فالباقي لرب الأرض، لأنهما يستحقان ذلك (2) فإذا عين نصيب أحدهما منه، لزم أن يكون الباقي للآخر (3)(ولا يشترط) في المزارعة والمغارسة (كون البذر والغراس من رب الأرض)(4) فيجوز أن يخرجه العامل في قول عمر، وابن مسعود، وغيرهما (5) ونص عليه في رواية مهنا (6) .

(1) أي والباقي من المتحصل من الزرع – بعد الجزء المشروط لأحدهما – للآخر منهما.

(2)

دون غيرهما، غير أنه لا فرق بين أن يكون رب الأرض واحدًا، أو عددًا، وكذا العامل.

(3)

حيث لا مستحق للمتحصل من الخارج من الأرض سواهما.

(4)

قال في رواية مهنا – في الرجل يكون له الأرض فيها نخل وشجر، يدفعها إلى قوم يزرعون الأرض، ويقومون على الشجر، على أنه له النصف، ولهم النصف – لا بأس بذلك، قد دفع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر على هذا.

(5)

كابن عمر، وسعد، وفي الصحيح أن عمر عامل الناس على أنه إن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر، وإن جاؤوا بالبذر فلهم كذا، وظاهر هذا أن ذلك اشتهر فلم ينكر، فكان إجماعًا.

(6)

أي من أنه لا بأس به وتقدم.

ص: 288

وصححه في المغني، والشرح (1) واختاره أبو محمد الجوزي والشيخ تقي الدين (2)(وعليه عمل الناس)(3) لأن الأصل المعول عليه في المزارعة قصة خيبر، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن البذر على المسلمين (4) وظاهر المذهب اشتراطه (5)

(1) وعبارتهما – بعد ذكر رواية مهنا، وقصة خيبر، وغير ذلك قالا – وهو الصحيح إن شاء الله تعالى.

(2)

واختاره المجد، والشارح، وصاحب الفائق، وابن القيم، وغيرهم، وقال: والذين اشترطوا البذر من رب الأرض قاسوها على المضاربة، وهذا القياس – مع أنه مخالف للسنة الصحيحة، وأقوال الصحابة فهو – من أفسد القياس، فإن المال في المضاربة يرجع إلى صاحبه، ويقتسمان الربح، فهذا نظير الأرض في المزارعة، وأما البذر الذي لا يعود نظيره إلى صاحبه، بل يذهب، كما يذهب نفع الأرض، فإلحاقه بالنفع الذاهب، أولى من إلحاقه بالأصل الباقي.

(3)

قاله صاحب الإنصاف وغيره، وقال: وهو الأقوى دليلاً.

(4)

ولو كان شرطا لما أخل بذكره، ولو فعله هو أو أصحابه لنقل، بل على أنهم يعملونها من أموالهم، وعليه فأيهما أخرج البذر جاز، وفعله عمر، وفي لفظ «على أن يعملوها، ويزرعوها، ولهم شطر ما يخرج منها» .

(5)

حكاه الموفق وغيره، وهو مذهب الشافعي، وعللوه بأنه عقد يشترك رب المال والعامل في نمائه فوجب أن يكون رأس المال كله من عند أحدهما كالمضاربة، لكن هذا التعليل يخالف قصة خيبر، وهي الأصل في ذلك وبما إذا اشترك رجلان بماليهما وبَدَنِ أحدهما.

ص: 289

نص عليه في رواية الجماعة، واختاره عامة الأَصحاب (1) وقدمه في التنقيح (2) وتبعه المصنف في الإقناع (3) وقطع به في المنتهى (4) وإن شرط رب الأرض أن يأْخذ مثل بذره، ويقتسما الباقي لم يصح (5) وإن كان في الأرض شجر، فزارعه على الأرض، وساقاه على الشجر صح (6) .

(1) وفي الفروع: لا يصح إن كان البذر من العامل أو من غيره والأرض لهما أو منهما.

(2)

وعبارته: تجوز المزارعة ببعض ما يخرج من الأرض إذا كان البذر من رب الأرض.

(3)

فقدم أن المزارعة لا تصح إن كان البذر من العامل، أو منهما، أو من أحدهما والأرض لهما، أو الأرض والعمل من الآخر أو البذر من ثالث أو البقر من رابع، لكن قال: وعنه: لا يشترط كون البذر من رب الأرض. واختاره الموفق، والمجد، والشارح، وابن رزين، وأبو محمد الجوزي، والشيخ، وابن القيم، وصاحب الفائق، والحاوي الصغير، وهو الصحيح، وعليه عمل الناس.

(4)

فقال: فصل، وشرط علم بذر، وقدره، وكونه من رب الأرض. ولم يعرج على القول الثاني، وهو أسعد بالدليل.

(5)

كما لو اشترط لنفسه قفزانا معلومة، لأنه قد لا يخرج من الأرض إلا ذلك، فيختص به المالك، وقال الشيخ: وإذا شرط صاحب البذر أن يأخذ مثل بذره، ويقتسما الباقي جاز كالمضاربة، وكاقتسامهما ما بقي بعد الكلف السلطانية.

(6)

نص عليه، وفي الإنصاف: بلا نزاع. اهـ. سواء قل بياض الأرض

أو أكثر، قال أحمد: قد دفع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر على هذا، ولأنهما عقدان يجوز إفراد كل واحد منهما، فجاز الجمع بينهما، كالبيع والإجارة.

ص: 290

وكذا لو آجره الأرض، وساقاه على شجرها فيصح (1) ما لم يتخذ حيلة على بيع الثمرة قبل بدو صلاحها (2) وتصح مساقاة ومزارعة بلفظهما (3) ولفظ المعاملة، وما في معنى ذلك (4) ولفظ إجارة (5) .

(1) أي الجمع بين إجارة الأرض والمساقاة على الشجرة، كالبيع والإجارة، لأنهما أيضًا عقدان، يجوز إفراد كل واحد منهما، فجاز الجمع بينهما.

(2)

أو قبل وجودها، فلم تصح، سواء جمعا بين العقدين، أو عقدا أحدهما بعد الآخر، وفسر الحيلة في الإقناع على بيع الثمر بأن آجره الأرض بأكثر من أجرتها، وساقاه على الشجر بجزء من ألف جزء ونحوه. اهـ. وإن لم يكن بالأرض إلا شجرات يسيرة لم يجز شرط ثمرها لعامل مزراعة، وإن قال: ساقيتك على هذا البستان بالنصف، على أن الآخر بالربع لم تصح، كما لو شرطا لأحدهما دراهم معلومة أو زرع ناحية معينة.

(3)

أي لفظ مساقاة، ولفظ مزراعة، لأنه لفظهما الموضوع لهما حقيقة.

(4)

أي وتصح مساقاة ومزارعة بلفظ المعاملة، والمفالحة، وما في معنى ذلك الاسم المؤدي للمعنى، كاعمل ببستاني، أو تعهد نخلي، أو اسقه، أو أسلمته إليك لتتعهده بكذا، وفي الخبر: عامل أهل خيبر. لأن القصد المعنى، فإذا دل عليه بأي لفظ كان صح، كما تقدم في البيع وغيره، وكذا صفة القبول بما يدل عليه من قول وفعل.

(5)

أي وتصح المساقاة والمزارعة بلفظ إجارة، وهذا المذهب، اختاره

الموافق وغيره، فلو قال: استأجرتك لتعمل لي على هذا الحائط، بنصف ثمرته أو زرعه. صح، ولا يكون ذلك إجارة.

ص: 291

لأَنه مؤدًّ للمعنى (1) وتصح إجارة أرض بجزء مشاع مما يخرج منها (2) فإن لم تزرع نظر إلى معدل المغل، فيجب القسط المسمى (3) .

(1) أي لفظ مساقاة للمساقاة، ومزارعة للمزارعة، ومعاملة، وإجارة لهما، وما في معنى ذلك مما يدل على المراد، واختاره الشيخ وغيره.

(2)

كآجرتك هذه الأرض بربع ما تزرع فيها من بر ونحوه، وهي إجارة حقيقة، يشترط لها شروط الإجارة، وقال أبو الخطاب وجماعة: هي مزارعة بلفظ الإجارة. قال الشيخ: وتصح إجارة الأرض للزرع ببعض الخارج منها، وهو المذهب، وقول الجمهور.

(3)

"معدل المغل" من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي إلى المغل المعدل، أي الموازن لما يخرج منها لو زرعت، والمراد غلتها في العادة، أو ينظر إلى الأرض التي مثلها، بذلك المحل الذي زرعت فيه، من جنس ذلك الطعام، وينظر ما خرج من كل جريب منها من ذلك الطعام، فيجب في الأرض القسط المسمى في العقد، وإن فسدت، وسميت إجارة فأجرة المثل، واختار الشيخ وغيره: قسط المثل.

ص: 292