الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقريظ الأستاذ الدكتور موفق بن عبد الله بن عبد القادر
• "
…
فلقد أحسن الطالب تحرير النَّصِّ، والتَّخريج، والتَّعليل، والتَّراجم؛ أقول: هذه الرِّسالة، قد قرأتُ الكثيرَ من الكتب ومن الرَّسائل، وناقشتُ الكثير؛ لم أجد رسالة ماجستير ترقى إلى هذا المستوى قطّ، والله لا أقولها مجاملة، وإنما أقولها عن قناعة، وقد قرأتُها لأجد فيها خللًا فلم أجد إلَّا أشياء لا تكاد تُذكر؛ أمام ما بذله الطالب من جهدٍ في تخريج وتعليل وتدقيق، وغير ذلك مما يتطلَّبه تحقيق النُّصوص.
ولا عجب في ذلك؛ فإنَّ شيخه -وهو شيخنا الفاضل- الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب من المعروفين في التَّأليف والتَّحقيق.
يُضاف إلى ذلك حسن الخلق الذي تمتَّع به الطالب، فإنَّنا لم نجد كلمةً مزعجةً! كما ناقشنا سابقًا رسائل، نجد الطالبَ يتعالم ويطاول على العلماء! إنَّما هنا الطالب فيه تواضعٌ جمٌّ، وهذه بداية طيِّبة إنْ شاء الله لهذا الطالب؛ نسأل الله له التَّوفيق والسَّداد.
إنَّ هذه الرِّسالة بَحَثَ فيها الطالب بحثًا جادًّا يفوق درجة الماجستير، هذه الرِّسالة ترقى إلى درجة الدكتوراه؛ نسأل الله للجميع التَّوفيق".
الأستاذ الدكتور موفق بن عبد الله بن عبد القادر
الأستاذ المشارك بكلية الدعوة وأُصول الدين
جامعة أُمِّ القرى - مكة المكرمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
بين يدي الكتاب
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلَّا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدا عبده ورسوله.
(1)
.
(2)
.
(3)
.
أَمَّا بَعْدُ: "فإِنَّ الله سبحانه وتعالى هو المنفرد بالخلق والاختيار من المخلوقات، قال الله تعالى:{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ}
(4)
، والمراد بالاختيار هاهنا:(الاجتباء والاصطفاء)، فهو اختيارٌ بعد الخلق.
وإذا تأمَّل العبدُ أحوالَ هذا الخلقِ، رأى هذا الاختيارَ والتَّخصيصَ فيه دالًّا على ربوبيته ووحدانيته، وكمال حكمته وعلمه وقدرته.
فلقد خلق الله السَّمواتِ سبعًا، واختار العُليا منها فجعلها مستقرَّ المقرَّبين من
(1)
آل عمران (آية: 102).
(2)
النساء (آية: 1).
(3)
الأحزاب (الآيتان: 70 - 71).
(4)
القصص (آية: 68).
ملائكته، واختصَّها بالقرب من كرسيّه ومن عرشه، وأسكنها من شاء من خلقه، فلها مزيةٌ وفضلٌ على سائر السَّموات.
ومن هذا تفضيله سبحانه جنَّة الفردوس على سائر الجنان، وتخصيصها بأن جعل عرْشَهُ سقْفَها.
ومن هذا اخياره من الملائكة المُصْطَفَيْن منهم على سائرهم، كجبريل، وميكائيل، وإسرافيل.
كذلك اختياره سبحانه للأنبياء من ولد آدم عليه وعليهم الصَّلاة والسَّلام، وهم مائة ألفٍ وأربعة وعشرون ألفًا
…
واختياره الرُّسلَ منهم، وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر
…
واخياره أُولي العزم منهم، وهم خمسة:(نوح، وإبراهيم، وموسي، وعيسي، ومحمد عليهم الصَّلاة والسَّلام)، واختار الخليلين منهم:(إبراهيمَ ومحمدًا صلَّى الله عليهما وعلى آلهما وسلَّم).
ومن هذا اختياره سبحانه ولدَ إسماعيل من أجناس بني آدم، ثم اختار منهم بني كنانة من خزيمة. ثم اختار من ولد كنانة قريشًا، ثم اختار من قريق بني هاشم -وهم قرابة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ورهطه الأدنون-، ثم اختار من بني هاشم سيِّدَ ولد آدم محمدًا صلى الله عليه وسلم.
عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله اصطفى كنانةَ من وَلَدِ إسماعيل، واصطفى قُرَيْشًا من كنانةَ، واصطفى من قُرَيْشٍ بني هاشمٍ، واصطفاني من بي هاشم"
(1)
.
كذلك اختار الله أصحابه من جملة العالمين، واختار منهم السَّابقين الأولين، واختار منهم أهل بدر. وأهلَ بيعة الرضوان، واختار لهم من الدِّين أكمله، ومن الشَّرائع أفضلها، ومن الأخلاق أزكاها وأطهرها.
(1)
أخرجه مسلم في كتاب الفضائل -باب فضل نسب النَّبي صلى الله عليه وسلم (4/ 1782) - رقم (2276). وفي معنى هذا الحديث أنشد بعضهم:
قُرَيْشٌ خِيَارُ بَنِي آدَمِ
…
وخَيْر قُرَيْشٍ بَنُو هاشمِ
وَخَيْرُ بَنِي هَاشمٍ كلِّهم
…
نَبِيُّ الإِلَهِ أَبُو القَاسِمِ
- "المعجم اللطيف" للشاطري (ص 15).
واختار أُمَّته صلى الله عليه وسلم على سائر الأمم، ووهبها من العلم والحلم ما لم يَهِبْهُ لأُمَّة سواها
…
والمقصود أنَّ الله سبحانه وتعالى اختار من كلِّ جنس من أجناس المخلوقات أطيَبَه، واختصَّه لنفسه وارتضاه دون غيره، فإنَّ الله تعالى طيِّبٌ لا يحبّ إلَّا الطَّيِّب، ولا يقل من العمل والكلام والصَّدقة إلَّا الطَّيِّب، فالطَّيِّب من كلِّ شيء هو مُختاره تعالى"
(1)
.
إذا عُلِمَ هذا؛ فإنَّ بني هاشم ممن اختار الله ليكونوا رهط نبيّه صلى الله عليه وسلم وقرابته الأدنون، خصوصًا المؤمنين منهم، العاملين بشرعه، المتَّبعين لسنَّة نبيِّه، كالعبَّاس وبنيه، وعليٍّ وبنيه.
وقد جاءت أحاديث كثيرة في فضل قريش، ثم في فضل بني هاشم -سيأتي أكثرها في ثنايا الكتاب-.
والذي ينبغي أن يُعلم: أنه ليس فضل العرب ثم قريش ثم بني هاشم بمجرد كون النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم منهم، كما يتوهمه البعض، وإنْ كان عليه الصلاة والسلام قد زادهم فضلًا وشرفًا بلا ريب؛ بل هم في أنفسهم أفضل وأشرف وأكمل
(2)
.
وبالجملة؛ فالذي عليه أهل السُّنَّة والجماعة اعتقاد أنَّ جنس العرب أفضل من جنس العجم، عبرانيهم، وسريانيهم، ورومهم، وفرسهم، وغيرهم. وأنَّ قريشًا أفضل العرب، وأنَّ بني هاشم أفضل قريش، وأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل بني هاشم. فهو صلى الله عليه وسلم أفضل، الخلق أجمعين، وأشرفهم نسبًا وحسبًا، وإلَّا لزم الدَّور
(3)
، وعلى ذلك درج السَّلف والخلف
(4)
.
(1)
ما بين الأقواس مقتبس من مقدِّمة ابن القيم في "زاد المعاد"(1/ 39 - 44)، بتصرُّف.
كذلك مما ذكر ابن القيم: اختياره سبحانه من الأماكن والبلاد خيرها وأشرفها. وهو البلد الحرام.
ومه أيضًا تفضيله بعض الأيام والشهور على بعض، فخير الأيام عند الله يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر، وقيل: يوم عرفة، وقيل: أفضل الأيام يوم الجمعة.
كذلك تفضيله سبحانه عشر ذي الحجة على غيرها من الأيام، وتفضيل شهر رمضان على سائر شهور السنة، وتفضيل عشره الأخير على سائر الليالي، وتفضيل ليلة القدر على ألف شهر.
(2)
"مسبوك الذهب في فضل العرب" للعلَّامة مرعي الكرمي (ص 41 - 42).
(3)
الدَّوْر: هو توقُّف الشيء على ما يتوقَّف عليه. ومنه ما يُسمَّى: (الدَّور المصرح)، ومنه:(الدَّور المضمر). انظر: "التعريفات" للجرجاني (ص 105).
(4)
هذه المسألة (تفضيل جنس العرب على ما سواه من الأجناس) مما قد يُشكل على البعض، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= خصوصًا وأنَّ دعاة القومية العربية -أخزاهم الله- يأخذون من هذا الكلام تأييدًا لما ذهبوا إليه! والواقع أنَّ أهل السُّنَّة والجماعة وإن قالوا بتفضل العرب في الجملة إلَّا أنهم يجعلون التقوى والعمل الصالح أهم ما يفضل به الشخص عند الله وعند الناس؛ وكلامهم في هذا يطول جدًّا.
وقد أطال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية الكلامَ في هذه المسألة في "اقتضاء الصراط المستقيم"(1/ 374 - 405). وفي مواضع من كتبه، وقد نقل عن أبي محمد حرب بن إسماعيل صاحب الإمام أحمد كلامًا في وصف العقيدة التي كان عليها الإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن الزبير الحميدي، وسعيد بن منصور، وغيرهم ممن جالسهم وأخذ عنهم العلم، ومما ذكر حرب بن إسماعيل في هذه العقيدة:
(ونعرف للعرب حقَّها وفضلها وسابقتها، ونحبَّهم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حبُّ العرب إيمان وبغضهم نفاق"، ولا نقول بقول الشُّعوبية وأراذل الموالي الذين لا يحبُّون الحرب، ولا يُقرُّون بفضلهم؛ فإنَّ قولهم بدعة وخلاف). اهـ. وأشار ابن تيمية إلى أنَّ هذا الكلام مروي عن الإِمام نفسه، وأنه قول عامة أهل العلم.
وقد استدلَّ شيخ الإِسلام على فضل جنس العرب، ثم جنس قريش، ثم جنس بني هاشم:
• بما رواه الترمذي (5/ 584) - رقم (3607) من حديث عبد الله بن الحارث، عن العبَّاس بن عبد المطلب قال: قلت يا رسول الله! إنَّ قريشًا جلسوا فتذاكروا أحسابهم بينهم، فجعلوا مثلك كمثل نخلة في كبوة من الأرض! فقال صلى الله عليه وسلم:"إنَّ الله خلق الخلق فجعلني من خيرهم من خير فرقهم وخير الفريقين، ثم تخيَّر القبائل فجعلني من خير قبيلة، ثُمَّ تخيَّر البيوت فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفسًا، وخيرهم بيتًا". قال الترمذي. هذا حديث حسن.
• وبما روى الترمذي أيضًا (5/ 584) - رقم (3608) من حديث المطلب بن أبي وداعة قال: جاء العبَّاس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأنه سمع شيئًا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: من أنا؟ قالوا: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: أنا محمد بن عبد المطلب. ثم قال: "إن الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم فرقة، ثم جعلهم فرقتين فجعلني في خيرهم فرقة، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتًا فجعلني في خيرهم بيتًا وخيرهم نفسًا".
قال شيخ الإِسلام (1/ 380 - 381): "وقوله في الحديث: (خلق الخلق فحملني في خيرهم، ثم خيرهم فجعلني في خير فرقة)، يحتمل شيئين:
أحدهما: أنَّ الخلق هم الثقلان، أو هم جميع في خلق في الأرض، وبنو آدم خيرهم، وإن قيل بعموم الخلق، حتى يدخل فيه الملائكة كان فيه تفضيل جنس بني آدم على جنس الملائكة، وله وجه صحيح.
ثم جعل بني آدم فرقتين، والفرقتان: العرب والعجم. ثم جعل العرب قبائل، فكانت قريش أفضل قبائل العرب، ثم جعل قريشًا بيوتًا، فكانت بنو هاشم أفضل البيوت.
ويحتمل أنه أراد بالخلق بني آدم، فكان في خيرهم، أي في ولد إبراهيم أو في العرب. =
ولذا تقرَّر عند جمهور أهل السُّنَّة والجماعة وجوب محبة قرابة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، والإحسان إليهم، ورعاية حقوقهم. قال الله تعالى:{قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}
(1)
، وقد نصَّ علماء أهل السُّنَّة على هذا في كتب العقائد، وجعلوا ذلك من جملة أصولهم في الاعتقاد.
قال الإِمام أبو بكر الآجرِّيِّ في "كتاب الشَّريعة"
(2)
:
"واجبٌ على كلِّ مؤمن ومؤمنة محبَّة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم: بنو هاشم؛ عليُّ بنُ أبي طالب وولدُه وذرِّيَّتُه، وفاطمةُ وولدُها وذرِّيَّتُها، والحسنُ والحسينُ وأولادهما وذرِّيَّتُهما، وجعفر الطَّيَّارُ وولدُه وذرِّيَّتُه، وحمزةُ وولدُه، والعبَّاسُ وولدُه وذرِّيَّتُه رضي الله عنهم؛ هؤلاء أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، واجب على المسلمين محبَّتهم، وإكرامهم، واحتمالهم، وحسن مداراتهم، والصَّبر عليهم، والدُّعاء لهم".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "العقيدة الواسطية"
(3)
ضمن تقرير عقيدة أهل السُّنَّة:
"ويُحبُّون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال يوم غدير خمٍّ: "أُذكِّركم الله في أهل بيتي"
(4)
. وقال للعبَّاس عمِّه وقد اشتكى إليه أنَّ بعض قريش يجفو بني هاشم فقال: "والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يُحبُّوكم لله ولقرابتي"
(5)
". ثم ساق حديث واثلة بن الأسقع المتقدِّم، وهو في "صحيح مسلم".
= ثم جعل بني إبراهيم فرقتين: بني إسماعيل، وبني إسحاق، أو جعل العرب: عدنان وقحطان، فجعلني في في إسماعبل، في بني عدنان. ثم جعل بني إسماعيل أو بني عدنان قائل، فجعلني في خيرهم قبيلة: وهم قريش". اهـ كلامه يرحمه الله. وانظر كذلك في تقرير هذه المسألة والنظر في أدلتها: "مجموع فتاوى ابن تيمية" (27/ 472 وما بعدها)، "مسبوك الذهب" للكرمي (ص 42).
(1)
الشورى (آية: 23).
(2)
باب ذكر إيجاب حبّ بني هاشمٍ أهل بيتِ النَّبي صلى الله عليه وسلم على جميع المؤمنين (5/ 2276) - تحقيق الدكتور عبد الله الدميجي.
(3)
"العقيدة الواسطية بشرح الفوزان"(ص 195).
(4)
أخرجه مسلم (2408) من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه.
(5)
أخرجه أحمد (1/ 207)، وهو حسنٌ بشواهده.
انظر تخريجه والحكم عليه في القسم المحقق برقم (120).
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في "تفسيره"
(1)
:
"ولا ننكر الوصاة بأهل البيت، والأمر بالإِحسان إليهم، واحترامهم وإكرامهم؛ فإنهم من ذرِّيَّةٍ طاهرةٍ، من أشرف بيت وُجِدَ على وجه الأرض فخرًا وحسبًا ونسبًا، ولا سيما إذا كانوا متَّبعين للسُّنَّة النَّبويَّة الصَّحيحة الواضحة الجليّة، كما كان عليه سلفهم، كالعبّاس وبنيه، وعليٍّ وأهل ذرِّيَّته رضي الله عنهم أجمعين". اهـ.
وكلام أهل السُّنَّة والجماعة في هذا يطول ذكره جدًّا، وقد أوردت أكثره في الفصل الرَّابع من الباب الثاني، في مبحث:(مذهب السَّلف في أهل البيت).
هذا؛ وإنَّ من تيسير الله عز وجل وحسن توفيقه لي؛ أنْ وقفتُ على هذا الكتاب القيِّم للحافظ شمس الدِّين السَّخَاويِّ في هذا الموضوع الحيوي (فضائل أهل بيت النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم)؛ خصوصًا وأنَّ مواقف النَّاس فيهم بين الغالي والجافي، والإِنصاف في مثل هذه القضايا عزيز، والمسدَّد من سدَّده الله.
وقد تردَّدتُ في أول الأمر في الإِقدام على تحقيق الكتاب، وقلت: ماذا عساي أن آتي في هذا الموضوع؟ ما الجديد الذي يمكن أن أُضيفَه إلى المكتبة الإِسلامية؟
وبعد أخذٍ وردٍّ، ومشاورة لأساتذتي ومشايخي، وزملائي وأقراني من طلبة العلم؛ شرح الله صدري للإِقدام على تحقيقه والعناية به، مع خدمته بدراسة وافية عن آل البيت وما يتعلَّق بهم، لا سيما وأنَّ الساحة تكاد تخلو من دراسة شاملة عن آل البيت، وإنْ وُجدت فلا تخلو من كثير من الملاحظات!
والذي لفت انتباهي حقًّا، أنَّ هذا الكتاب رغم شهرة مؤلفه ومكانته العلمية لم يأخذ حظَّه من الشهرة والمنزلة التي يليق بها؛ شأن كتب الحافظ السَّخاويِّ؛ فإني وإلى عهد قريب لم أجد أحدًا من العلماء والباحثن المعاصرين -فيما اطَّلعت عليه- أشار إلى الكتاب أو عرَّف به، وإنما قد يُذكر الكتاب من جملة مؤلفات السَّخَاويِّ دون الإِشارة إلى مخطوطاته أو أماكن وجودها، وغالبًا ما تذكر مؤلفات السَّخَاويِّ ولا يُشار إلى هذا الكتاب لا من قريب ولا من بعيد، اللهم إلَّا الدِّراسة الجيِّدة التي قام بها الشَّيخ مشهور آل سلمان
(1)
"تفسير القرآن العظيم"(6/ 199)، عند تفسير قوله تعالى:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزاب: 33].
حول مؤلفات السَّخَاويِّ -وقد طُبع مؤخرًا- على أنه قد فاته شيء من ذلك، نبَّه عليه بعض الباحثين.
مع الوضع بعين الاعتبار كثرة المؤلفات في مناقب آل البيت، إلَّا أن الواقع أنَّ هذه المؤلَّفات دخلها كثير من الوضع، بدافع العاطفة والميل لأهل البيت، أو الكيد للإِسلام وتشويهه، مع اشتمال بعضها على عقائد منحرفة!
وقد جاء هذا الكتاب -بحمد الله تعالى- وسطًا بين تلك المؤلفات، تحرَّى فيه مؤلفه الحقَّ والصَّوابَ، مع مراعاة المقبول من الرِّوايات، مع وجود بعض الملاحظات التي لا يخلو منها أي كتاب من كتب البشر، فإنَّ الله أبى العصمة إلَّا لكتابه.
* * *
وبَعْدُ؛ فإنَّا نُشْهِدُ اللَّهَ أَنَّا نحبُّ آلَ البيتِ ونجلُّهم، ونعتقد فضْلَهم وولايتهم -على قانون السَّلف، كما قرَّره أهل السُّنَّة والجماعة- ولا نذكرهم إلَّا بالجميل، وندفع عنهم كلَّ أذىً وقبيح، ولا يعني هذا تفضيلهم على جميع المؤمنين، بل يُنْزَلون منازلهم اللائقة بهم، من غير غلو أو جفاء.
عن محمد بن الحنفية قال: قلت لأبي: أي النَّاس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: أبو بكر. قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر، وخشيت أن يقول عثمان.
قلت: ثم أنت؟ قال: "ما أنا إلَّا رجل من المسلمين! "، أخرجه البخاري
(1)
.
كما أنَّا لا ندَّعي لهم العصمة من الوقوع في الذُّنوب والمعاصي، بل هم كسائر البشر في ذلك.
قال شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"وسائر أهل السُّنَّة والجماعة وأئمة الدِّين لا يعتقدون عصمة أحد من الصَّحابة، ولا القرابة، ولا السَّابقين، ولا غيرهم، بل يجوز عندهم وقوع الذنوب منهم، والله تعالى يغفر
(1)
كتاب فضائل الصحابة -باب قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذًا خليلًا"(7/ 20 مع الفتح) - رقم (3671).
لهم بالتوبة، ويرفع بها درجاتهم، ويغفر لهم بحسنات ماحية، أو بغير ذلك من الأسباب" (1).
وختامًا: فإني أشكر الله تبارك وتعالى الذي منَّ عليَّ لإتمام هذه الرِّسالة على هذا النحو، وأسأله تعالى أن ينفعني بهذا العمل، وأن يجعله ذخرًا لي في الدُّنيا والآخرة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّ على سيِّد الأَوَّلين والآخرين، نبيِّنا محمد، وعلى آله الطَّيِّبين الطَّاهرين، وأزواجه أمَّهات المؤمنين، وأصحابه الغُرِّ الميامين.
وكتب
خَالدْ بن أَحْمَد الصُّيمِّي بَابطِين
مكة المكرمة - ص. ب 4791