الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خاصة. وهو مرويّ عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما. وقال عكرمة أيضًا: "من شاء باهلْته؛ إنها نزلت في شأن نساء النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم"
(1)
.
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى في موضع آخر
(2)
: "
…
ثم الذي لا يشك فيه من تدبَّر القرآن؛ أنَّ نساء النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم داخلات في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)} [الأحزاب: 33]؛ فإنَّ سياق الكلام معهنَّ، ولهذا قال بعد هذا كلِّه:{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34]، أي واعملن بما يُنزِّل الله تبارك وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم في بيوتكن من الكتاب والسُّنَّة؛ قاله قتادة وغير واحد.
"واذكرن هذه النعمة التي خُصصتنَّ بها من بين الناس؛ أنَّ الوحي ينزل في بيوتكن دون سائر الناس، وعائشة الصِّدِّيقة بنت الصِّديق رضي الله عنهما أولاهنَّ بهذه النعمة، وأحظاهنَّ بهذه الغنيمة، وأخصّهنَّ من هذه الرَّحمة العميمة
…
"، إلخ.
القضية الثانية: (في الشَّرَافة وتاريخها):
لفظ (الشَّريف) في الأصل يُراد به عند العرب: الرجل الماجد النبيل، أو مَن كان كريم الآباء من جميع العرب كما في "لسان العرب"
(3)
؛ فهذا هو الذي كان يقصد به في الصدر الأول (السَّيِّد والماجد).
ومن هذا المعنى نجد ابنَ حبيبٍ (ت 245 هـ) يُؤلِّف كتابه: "أسماء المغتالين من الأشراف في الجاهلة والإسلام"
(4)
، ويذكر فيه أشراف القوم، ولو كانوا يهودًا.
كذلك صَنَعَ الإمام أبو بكر بن أبي الدُّنيا (ت 281 هـ)، فنجده ألَّف كتابَا سمَّاه:"الإشراف منازل الأشراف"
(5)
، أورد فيه أشراف الناس، ولو ممن عُرفوا بالظلم والانحراف، وقاموا بقيادة الناس إلى الضَّلال، كالحجَّاج بن يوسف الثَّقفيّ، والمختار الثّقفيّ.
(1)
"تفسير ابن كثير"(5/ 452 - 453).
(2)
"تفسير ابن كثير"(5/ 458).
(3)
(9/ 169) - مادة (شرَفَ).
(4)
حققه الشيخ عبد السلام هارون، مطبوع ضمن "نوادر المخطوطات"(2/ 121 - 297).
(5)
حققه الدكتور نجم عبد الرَّحمن خلف، دار الرشد (1411 هـ).
وكان غرض ابن أبي الدُّنيا -كما نبَّه عليه محقق الكتاب- الحثّ على التأسّي بجلائل أعمال الصفوة من الأشراف، والتحذير من الأعمال والأقوال السيئة التي صدرت عنهم كحكَّام أو أفراد.
ومن هذا المعنى أيضًا -أعني إطلاق (الشَّريف) على السَّيد الماجد- ما رأيتُهُ في "الموسوعة العربية العالمية- موسوعة الأمير سلطان"
(1)
تحت عنوان (الأشراف الرُّومان)، إذ جاء فيها:
أنهم أشراف يعيشون في جمهورية روما القديمة (509 - 264 ق. م). وكانت كلمة (الأشراف) عندهم تستخدم لتمييز أعضاء مجلس الشيوخ الرُّوماني. وكان (الأشراف) ينتمون إلى أسَرٍ غنيّة، ويفتخرون بأجدادهم، ويُسيطرون على الحكومة والجيش والدِّين، وكانوا يُقاومون محاولات العامة مشاركتهم في سلطانهم، ولم يكن باستطاعة أحدٍ من العامّة التَّزوُّج من الأشراف حتى عام (445 ق. م).
ويرى المستشرق جوتين (Goteen) أن الأشراف يُراد بهم: النُّبلاء والعرب الخُلَّص، ومن كان يُفرض له من بيت المال ألفا درهم، أو ألفان وخمسمائة.
ولذا وُجِدَ من لُقِّبَ بـ (الشَّريف) وهو ليس من آل البيت النَّبويَّ؛ من ذلك (الشَّريف العُمَريّ) من ذريَّة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب؛ مذكورٌ في الشَّافعية
(2)
.
ويرى محمد سعيد كمال؛ أن الضَّعف الشَّديد الذي انتاب الدولة العباسية، وظهور الدولة الفاطمية وقوتها هو الذي جرَّأ على إطلاق لقب (الشَّريف) على مَنْ كانوا ينتمون إلى نسل علي بن أبي طالب من السَّيِّدة فاطمة رضي الله عنهما؛ إذ لا يُعقل أن يُطلق هذا على العلويين في قوة العبّاسيين الذين كانوا يرون أن العمَّ أولى من ابن البنت. ولذلك كان يُطلق على نسل علي بن أبي طالب في أول الأمر (علويّ)، وعلى نسل أبيه (طالبيّ). ثم أطلق
(1)
(2/ 202).
(2)
هو أبو الفتح، ناصر بن الحسين بن محمد، المعروف بـ "الشريف العُمَريّ"، من ولد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. كان من فقهاء الشافعية الكبار، تفقَّه به خلق كثير، وصار عليه مدار الفتوى والتدريس والمناظرة، وصنَّف كتبًا كثيرة. مات بنيسابور سنة (444 هـ). وله ولدَّ فقيه، ولد سنة (417 هـ)، ومات (477 هـ). "طبقات الشافعية" للإسنوي (2/ 77، 78)، "العبر" للذهبي (2/ 286).
(الشَّريف) على مَنْ كان مِنْ آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ شاملًا العلويين، والجعفريين، والعَقِيليين والعبَّاسيين
…
فلما وَلِيَ الفاطميون مِصرَ قَصَروا اسم الشَّريف على ذرّيّة الحسن والحسين رضي الله عنهما، وبقي هذا متعارفًا عليه في كثير من الأقطار الإسلامية؛ وإلَّا فهو يعمّ العلويَّ، والجَعْفريَّ، والعَقيليَّ، والعبَّاسيَّ
(1)
.
وقد أشار الحافظ السُّيوطيُّ إلى ذلك في رسالته "العجاجة الزرنبية"
(2)
، قال: "ولهذا تجد تاريخ الحافظ الذهبي مشحونًا في التراجم بذلك؛ يقول: الشريف العبَّاسيّ- الشَّريف العَقِيليّ -الشريف الجعفريّ- الشَّريف الزَّينبيّ
…
"، إلخ كلامه.
وههنا ثمَّة لقب آخر يُقابل لقب (الشَّريف) يُنْعتُ به آل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو (السَّيِّد).
والسَّيِّد يطلق في اللغة على: (الرَّب، والمالك، والشَّريف، والفاضل، والكريم والحليم، ومُحْتَمِلِ أذى قومه، والزَّوج، والرئيس، والمُقدَّم)
(3)
. ويُفيد الشَّريف محمد بن منصور آل عبد الله
(4)
؛ أن لقب (الشَّريف) لا يُطلق في الحجاز إلَّا على مَنْ وَلِيَ إمرة مكة من الحَسنيين، فيُقال:"شريف مكَّة". وأمَّا مَن لم يَلِهَا منهم فيُنعَتُ بـ (السَّيِّد).
ويُؤيدُ كلامه بأنه رأى كثيرًا من وثائق الأشراف القديمة؛ الحال فيها ما ذُكِر؛ مَنْ وَلِيَ إمرة فهو (شريف)، ومَنْ لم يكن كذلك فهو (سيِّد)؛ وبه يُعلم أنْ لا فرق بين (السَّيِّد) و (الشَّريف).
• وزُبْدَةُ القولِ: أنَّ كلَّ هاشميٍّ فهو سيِّدٌ شريفٌ، سواء أكان عَلويًّا -من ذريّة علي بن أبي طالب، ولو لم يكن من فاطمة-، أم فاطميًّا، أم جَعْفريًّا، أم عَقِيليًّا، أم عبَّاسيًّا
…
فالكلُّ منطبقٌ عليه هذا الوصف؛ وهو الذي سار عليه المؤلف في كتابه.
ولذا قال السُّيوطيُّ في "العجاجة الزرنبية"
(5)
بعد أن ذكر أنَّ لقب (الشَّريف) كان
(1)
انظر: مقدّمة الأُستاذ محمد سعيد كمال على "مجموعة الرسائل الكمالية في الأنساب"(8/ 12 - 13).
(2)
"العجاجة الزرنبية في السلالة الزينبية"، مطبوعة ضمن "الحاوي"(2/ 32).
(3)
انظر: "لسان العرب"(3/ 228)(س. و. د).
(4)
في كتابه: "قبائل الطائف وأشراف الحجاز"(ص 39).
(5)
(2/ 32 - 33).