الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: موضوعات الكتاب ومحتوياته ومسائله
احتوى كتاب "ارتقاء الغُرَف" على مسائل متعددة، وقضايا متنوعة، وفوائد مستنبطة، مما يجعله من أبرز الكتب المؤلفة في هذا الباب وأنفعها، ويصحُّ فيه ذاك الوصف الذي وصفه به المؤلف في مقدِّمته، حيث إنه جمعه واقتفى فيه بما تقرُّ به العين، ويلذُّ في السَّمع
(1)
.
وقبل أن أبدأ في بيان ذلك سأذكر أمرين متعلقين بالكتاب، هما: سبب تأليف الحافظ السَّخاويَّ للكتاب، ثم ترتيبه، وبعد ذلك أشرع في الكلام على موضوعات الكتاب وما يتعلق به.
سبب تأليف الكتاب:
الذي دعا الحافظ السَّخَاوي إلى تأليف الكتاب سببان جوهريان ذكرهما في خطبته.
أمَّا السَّبب الأول: فهو ما أشار إليه في خطبة الكتاب بعد حمد الله والثناء عليه، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّه صلى الله عليه وسلم، فلقد ذكر أنه جمع هذا الكتاب وألَّفه من أجل التماس أحد الأعيان المحبِّين له، دون أن يشير إلى اسمه أو يُعرِّف به.
وقد تعرَّفت -بحمد الله وتوفيقه- على هذا الشَّخص الذي أشار على المؤلف تأليفَ الكتاب وجمعه، وهو أبو البقاء بن الجيعان البدر، أحد أعيان المائة التاسعة، واسمه محمد بن يحيى بن شاكر بن عبد الغني، ذلك أنه التمس من المؤلف تصنيفَ كتاب في "الأشراف"، حين صار ابن الجيعان يتكلَّم في وقف الأشراف
(2)
. تجدر الإشارة أنَّ المؤلف تَرجمَهُ ترجمة حافلةٌ في كتابه الشهير "الضوء اللامع"
(3)
في أربع صحائف.
وهذه الطريقة -أعني تأليف كتاب أو رسالة أو ما أشبه ذلك، من أجل إجابة سائل، أو رغبةِ حاكم أو سلطان، أو التماسِ شيخ أو طالب -كانت سائغة عند المتقدِّمين،
(1)
انظر: مقدمة القسم المحقَّق (ص 223).
(2)
انظر: "الضوء اللامع"(11/ 10)، وانظر ما كتبته بخصوص هذا الشأن في تحقيق مقدمة الكتاب (ص 222 - 223).
(3)
(11/ 8 - 11).
يصنعونها في أكثر من تأليف
…
وقد أكثر المؤلف من ذلك
(1)
.
قال المؤلف مشيرًا إلى هذا السبب بقوله: "
…
وبَعدُ: فهذا تصنيفٌ شريفٌ في العِترَة العَطِرَةِ الطَّيِّبَة، والذُرِّيَّةِ البهيَّه المنتخبة، اشتمل على مقدِّمة، وخاتمة، بينهما فصولٌ وفوائدُ مهمَّة، بالبرهان قائمة، من مقبول المنقول، جمعتُهُ امثالًا لإِشارة مَن ارتَقى بما انتقَى من محاسن والده، وذَاق بِفَهمِهِ الذي رَاقَ حلاوَة ما استجنَاه من ثَمَرِ العلمِ وفوائده، زاده الله حيثُ حَشى من جميل الثَّنَاء سَمْعَهُ، ومشى بما رأى فيه نَفعَهُ من طريف الخير وتالده، وأسعده سعادَة أوليائه، ومتع بدوام حياته وبقائه"
(2)
.
أما السَّبب الثاني: فهو ما أشار إليه -أيضًا- مِن أنه اطلَّع في أول حياته على كتاب "ذخائر العُقبى في مناقب ذوي القُربى"، للمحبِّ الطَّبريِّ (ت 694 هـ)، ثم إنه تطلَّبه وَبَحَثَ عنه فلم يجد مَن يخبره عنه شيئًا، فدعاه هذا الأمر إلى التَّشمر والجدِّ -خصوصًا بعد التماس أبي البقاء بن الجيعان كما تقدَّم- لجمع مادة كتابنا هذا، والاقتفاء في هذا الجمع ما تقرّ به العين، ويلذّ في السَّمع، مع تنبيهه إلى أنه لا يأتي في الكتاب إلَّا الفوائد المهمة
(1)
تجدر الإشارة إلى أن السخاوي ألَّف عددًا كبيرًا من كتبه لأجل إشارة من يشير عليه بذلك، أو لأجل مناسبة معينة، ومن تلك المؤلفات:
* "وجيز الكلام في الذيل على دول الإسلام للذهبي"، ألَّفه لأجل إشارة ابن الجيعان المتقدِّم.
* "التِّبر المسبوك في الذيل على السلوك للمقريزي"، ألَّفه إجابة لطلب عظيم وقته الدوادار الكبير في أيام الأشرف قايتباي. "وجيز الكلام"(2/ 576).
* "الابتهاج بأذكار المسافر الحاج"، ألَّفه لأجل ابن الأمشاطي لما أراد الخروج للحج. "الضوء اللامع"(10/ 238).
* "القناعة مما تحسن الإحاطة به من أشراط الساعة"، ألَّفه من أجل سؤال تلميذه المعروف بـ (ابن القارئ)، "الضوء اللامع"(10/ 88).
* "القول المبين في ترجمة القاضي عضد الدِّين"، ألَّفه لإشارة تلميذه حسين بن أحمد بن قاوان. "الضوء اللامع"(3/ 137).
* "القول المعهود فيما على أهل الذمة من العهود"، ألَّفه من أجل طلب القاضي علاء الدين ابن الصابوني لحادثة وقعت بالقاهرة بين المسلمين والنصارى. "الضوء اللامع"(5/ 185)، و"وجيز الكلام"(2/ 759).
(2)
انظر: (ص 222) في القسم المحقق.