الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَتمَّةٌ
قد عُلم من هذه المقدِّمة الإِشارة إلى جُمَلٍ من فَنِّ الأنساب الذي هو من جُملة فنون علم الأثر، وهو فنٌّ جليلٌ يتضمَّن معرفة نسب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومن ينتمي إليه
(1)
، والتمييز بين بني عبد مناف، هاشميِّها، ومُطَّلبيِّها، وعَبْشَميِّها، ونَوْفَليِّها، وبين قريش من كنانة، والأَوْس من الخَزْرج، والعربيّ من العَجَميّ، والمَوْلى من الصَّريح
(2)
.
• ومن فوائده الشَّرعية:
الخِلافة، والكَفَاءة، وتجنُّب تزويج ما يحرم عليه ممن يلقاه بنَسَبٍ في رَحِمٍ محرَّمة، والقيام بمن تجب عليه نفقته، ومعرفة من يتَّصل به ممن يرثه، وكذا معرفة ذوي الأرحام المأمور بصلتهم، ومعاونتهم. ومعرفة الأنصار ليقوم بوصيَّة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بهم
(3)
، وغير ذلك مما يطول شرحه
(4)
.
(1)
قال في "كشف الظنون"(1/ 178): "هو علم يتعرَّف منه أنساب الناس وقواعده الكلية والجزئية، والغرض منه الاحتراز عن الخطأ في نسب شخص، وهو علم عظيم النفع، جليل القدر".
وقال بعضهم: هو علم دراسة سلالات العائلات بناءً على سجلات مرتبطة بأحداث مهمة في حياة الأفراد وأسلافهم. يبحث علو الأنساب في الطريقة المستخدمة لمعرفة الأسلاف من سجلات مكتوبة، أو منطوقة، وتحديد صلة القرابة في العائلات.
وقد عُني العرب بعلم الأنساب عناية كبيرة، فظهر فيهم عدد كبير من النَّسَّابين في الجاهلية والإسلام، أمَّا الآن فيستخدم علماء الأنساب الحواسيب لإعداد جداول لها علاقة بالأنساب والسِّجلات الأسرية، وذلك لتبادل المعلومات واستعادتها من المكتبات. انظر:"الموسوعة العربية العالمية"(3/ 229).
(2)
الصَّريح: الرجل الخالص النَّسب. ويُجمع على صُرحاء. "لسان العرب"(2/ 509) - مادة (صَرَحَ).
(3)
(بهم) سقطت من الأصل، وأثبتُّها من (م)، و (ك) لمقتضى السياق.
(4)
انظر فوائد علم الأنساب بالتفصيل في: "نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب" للقلقشندي (ص 13 - 17)، و"سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب" لمحمد أمين السويدي (ص 7 - 8)، ومقدِّمة "الرسائل الكمالية في الأنساب" لمحمد سعيد كمال (ص 15 - 16).
وقد قال تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}
(1)
، أي ليحصلَ التَّعارف بينكم كلٌّ يرجع إلى قبيلته
(2)
.
وقال مجاهد
(3)
: "أي ليعرف بعضكم بعضًا بالنَّسب، كما يقال: فلان بن فلان من كذا وكذا، أي من قبيلة كذا وكذا"
(4)
.
وقال الثَّوريُّ
(5)
: "كانت حِمْيَر ينتسبون إلى مَخاليفها، وكانت [ح 15/ ب] عرب الحجاز ينتسبون
(6)
إلى قبائلها"
(7)
.
وكان أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه علَّامة بالأنساب؛ ولهذا لمَّا أمر صلى الله عليه وسلم، حسَّان بن ثابت رضي الله عنه
(8)
بهجاء المشركين وقال له: إنه لا علم لي بقريش.
19 -
قال صلى الله عليه وسلم لأبي بَكْرٍ رضي الله عنه: "أخْبِرْهُ عنهم، ونقِّبْ له في مَثَالِبِهم"
(9)
؛ فَفَعَلَ.
(1)
الحجرات (آية: 13).
(2)
في (م): قبيلة.
(3)
هو مجاهد بن جبر المكي، المقرئ المفسِّر الإِمام، أحد الأعلام الأثبات، وُلِد في خلافة عمر سنة (21 هـ)، ومات بمكة سنة (104 هـ) على الأشهر، وهو ساجد. "سير أعلام النبلاء"(4/ 449)، و"البداية والنهاية"(9/ 224).
(4)
أخرجه ابن جرير في "تفسيره"(26/ 140)، من طريق ابن أبي نجيح، عن مجاهد.
(5)
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله الكوفي، أحد الأئمة الأعلام. ولد سنة (97 هـ). قال غير واحد من العلماء: سفيان أمير المؤمنين في الحديث. كان إمامًا، ثقة ثبتًا، ورعًا زاهدًا، فقيهًا عالمًا، وفضائله كثيرة جدًا. مات سنة (161 هـ). "تهذيب التهذيب"(4/ 101)، و"طبقات المفسرين"(1/ 193).
(6)
في (م): ينتسبون.
(7)
انظر: "تفسير ابن كثير"(6/ 387).
(8)
هو الصحابي الجليل، حسَّان بن ثابت بن المنذر بن حرام الأنصاري الخزرجي، شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، يكنى أبا الوليد. مات سنة أربعين، وقيل قبلها، وقيل سنة خمسين، وقيل سنة أربع وخمسين، والجمهور أنه عاش مائة وعشرين سنة، وقيل غير ذلك. "أسد الغابة"(2/ 6)، و"الإِصابة"(2/ 55).
(9)
أخرجه عبد الرزاق في "مصنَّفه"(11/ 264) - رقم (20502)، من طريق معمر، عن أيوب، =
وحينئذٍ قال حسَّان رضي الله عنه: لأسُلَّنَّك
(1)
-أي لأُخلِّصنَّ
(2)
نسَبَك- من هَجْوِهم بحيث لا يبقى شيءٌ من نَسَبكَ فيما ناله الهجو، كالشَّعرة إذا انسلَّت لا يبقى عليها شيءٌ من أثر العجين
(3)
.
20 -
وفي "جامع التَّرمذيِّ"
(4)
، و "مسند أحمد"
(5)
من حديث يزيد مَوْلى
= عن محمد بن سيرين، بنحوه مرسلًا، وذكر الحافظ ابن حجر في "الفتح" (10/ 547) روايةً للحديث عزاها لعبد الرزاق في "مصنَّفه" ولم أجدها فيه؛ بلفظ: "هجا رهط من المشركين النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال المهاجرون: يا رسول الله! ألا تأمر عليًّا فيهجو هؤلاء القوم؟ فقال: إنَّ القوم الذين نصروا بأيديهم أحقّ أن ينصروا بألسنتهم، فقالت الأنصار: أرادنا والله؛ فأرسلوا إلى حسان، فأقبل فقال: يا رسول الله! والذي بعثك بالحقِّ ما أحبّ أن لي بمقولي ما بين صنعاء وبُصْرى، فقال: أنت لها.
فقال: لا علم لي بقريش، فقال لأبي بكر: أخبره عنهم، ونقَّب له في مثالبهم".
- وقد رواه البخاري ومسلم موصولًا في "صحيحيهما".
أما البخاري في كتاب الأدب -باب هجاء المشركين (10/ 546 - فتح) - رقم (6150)، من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.
وأما مسلم ففي فضائل الصحابة -باب فضائل حسان بن ثابت (4/ 1935) - رقم (2490)، من طريق عُمارة بن غَزِية، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنها. وهو حديث طويل؛ وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى حسان ليهجو المشركين بعد أن هجاهم عبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك فلم يُرْضيا! فلما دخل حسان قال: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذَنَبه، ثم أدلع لسانه فجعل يُحَرِّكه، فقال: والذي بعثك بالحقِّ! لأفرِينَّهم بلساني فرُي الأديم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تعْجلْ؛ فإن أبا بكر أعلمُ قريشٍ بأنسابها، وإنَّ لي فيهم نسبًا حتى يُلخِّص
لك نسبي"، فأتاه حسان، ثم رجع فقال: يا رسول الله! قد لخَّصَ لي نسبك، والذي بعثك بالحقِّ!
لأسُلَّنَّك منهم كما تُسلُّ الشَّعرة من العجين
…
إلى إلخ الحديث. وهذا لفظ مسلم.
(1)
في (م): لأنسلنَّك.
(2)
في (م)، و (ك): لأُخلِّص.
(3)
انظر العبارة بنصِّها في: "فتح الباري"(10/ 547) دون قوله: (أثر)، وقارنه بـ (6/ 554).
قال النووي في "شرح مسلم"(16/ 48): "معناه: لأتلطَّفنَّ في تخليص نسبك من هجوهم؛ بحيث لا يبقى جزءٌ من نسبك في نسبهم الذي ناله الهجو، كما أن الشعرة إذ سُلَّت من العجين لا يبقى منها شيءٌ، بخلاف ما لو سُلَّت من شيء صلب؛ فإنها ربَّما انقطعت فبقيت منها بقية".
(4)
(4/ 309) - رقم (1979).
(5)
(2/ 374).
المُنبعِث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:
"تَعَلَّمُوا مِنْ أنْسَابِكُمْ ما تَصِلُونَ به أرْحَامَكُمْ؛ فإنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ محبةٌ في الأهلِ، مَثْرَاةٌ في المال، مَنْشَأةٌ في الأثرِ". وقال
(1)
: "إنه غريب لا نعرفه إلَّا
(2)
من هذا الوجه"
(3)
.
(1)
يعني الترمذي.
(2)
(إلَّا) ناقصة من (م).
(3)
إسنادُهُ حسن بمجموع طرقه وشواهده.
وهو يُروى من طرقٍ بعضها فيه ضعف، وبعضها فيه انقطاع؛ ولكن بمجموع طرقه وشواهده يرقى إلى درجة الحسن أو الصحيح، وهو يُروى من أربعة طرق:
الأول: عن عبد الله بن المبارك، عن عبد الملك بن عيسى الثقفي، عن يزيد مولى المنبعث، عن أبي هريرة.
أخرجه أحمد في "مسنده"، والترمذي في كتاب البر والصلة -باب ما جاء في تعليم النسب.
الطريق الثاني: عن عبدان، عن عبد الله بن عبد الملك بن عيسى الثقفي، عن يزيد مولى المنبعث، عن أبي هريرة. أخرجه الحاكم في "مستدركه" وصحَّحه ووافقه الذهبي (4/ 179) - رقم (7284).
الطريق الثالث: عن حاتم بن إسماعيل، عن أبي الأسباط، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. أخرجه الطبراني في "الأوسط" (8/ 212) - رقم (8308). قال الطبراني عقبه:"لم يرو هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير إلَّا أبو الأسباط، تفرَّد به حاتم"، وابن عدي في "الكامل"(2/ 445) في ترجمة أبي الأسباط.
قلت: في هذا الطريق أبو الأسباط، واسمه بشر بن رافع النَّجراني.
قال البخاري: لا يُتابع في حديثه. وقال أحمد: ضعيف. وقال ابن معين: حدَّث بمناكير. وقال مرةً: ليس به بأس. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن عدي: لا بأس بأخباره، لم أجد له حديثًا منكرًا، انظر:"ميزان الاعتدال"(2/ 28).
وقال الهيثمي في "المجمع"(1/ 192): "وفيه أبو الأسباط بشر بن رافع، وقد أجمعوا على تضعيفه". وبنحوه في (8/ 152)، ويشهد له ما قبله وما بعده.
الطريق الرابع: عن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن أبي ضَمْرة أنس بن عياض، عن عبد الملك بن عيسى الثقفي، عن عبد الله بن يزيد مولى المنبعث، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم وزاد:"مرضاة للرَّب"؛ أخرج هذا الطريق ابن حزم في "الجمهرة"(ص 2).
قُلْتُ: لكن له شاهدٌ عند البَغَويِّ
(1)
، والطَّبرانيِّ
(2)
، وابنِ شاهين
(3)
، وغيرهم، من حديث عبد الملك بن يعلى، عن العلاءِ بنِ خارجةَ:
21 -
أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:
…
وذكر مثله، لكنه قال:"مَنْسَأة في الأجل"
(4)
. إلا أنه كما قرَّرتُ فيما كَتَبْتُه من "شرح التِّرمذيِّ"
(5)
معضلٌ أو منقطع
(6)
.
(1)
في "مصابيح السنَّة"(3/ 360) - رقم (3840).
(2)
في "الكبير"(18/ 98) - رقم (176).
والطَّبرانيّ: هو أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني، إمام حافظ ثقة متقن. ولد عام (260 هـ). كان إليه المنتهى في كثرة الرواية. من أشهر مؤلفاته:"المعاجم الثلاثة"، و "الدعاء"، و"الأوائل". مات سنة (360 هـ). "سير أعلام النبلاء"(16/ 119)، و"تهذيب تاريخ دمشق"(6/ 240).
(3)
هو الإمام الحافظ، عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهين. وُلِد ببغداد سنة (297 هـ). صنَّف في التفسير والحديث والتاريخ والعقائد والزهد، حتى بلغت مؤلفاته (330 مؤلفًا)، من أشهرها:"الكتاب اللطيف لشرح مذاهب أهل السنَّة"، و"تاريخ أسماء الثقات". مات سنة (385 هـ). "تاريخ بغداد"(11/ 264)، و"سير أعلام النبلاء"(16/ 341).
(4)
أخرجه الطبراني في "الكبير"، والبغوي، وابن شاهين، وابن قانع في "معجم الصحابة"(12/ 4173) - رقم (1481)، جميعهم من طريق وهيب، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن عبد الملك ابن يعلى، عن العلاء بن خارجة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. لكنه قال:"منسأة للأجل". قال في "مجمع الزوائد"(8/ 152): "ورجاله قد وُثِّقوا".
وقال المنذري في "الترغيب والترهيب"(3/ 223): "لا بأس بإسناده". وقوَّاه ابن حجر في "الفتح"(6/ 527).
(5)
ذكره المؤلف في "الضوء اللامع"(8/ 16) من جملة مؤلفاته، وسمَّاه:"تكملة شرح الترمذي للعراقي"، وذكَرَ أنه كتب منه أكثر من مجلدين، والظاهر أنه لم يتمَّه؛ مضى ذكره في مؤلفات السخاوي. وانظر:"مؤلفات السخاوي" لمشهور سلمان رقم (106)، ولم يُشِرْ إلى شيء من مخطوطاته.
(6)
قال المصنِّف في "التحفة اللطيفة"(2/ 270): "قال البغوي: قال المخزومي: هو خطأ، والصواب: ابن العلاء بن حارثة". وانظره في: "الإصابة"(4/ 446)، و "أسد الغابة"(4/ 72).
قلتُ: ووجه كون الحديث معضل أو منقطع؛ أنَّ في بعض طرقه (عن عبد الله بن عبد الملك بن عيسى، عن يزيد مولى المنبعث)؛ وليس فيه عبد الملك بن عيسى؛ فإنه هو الذي يروي عن يزيد، وليس ولده عبد الله. وفي بعض الطرق (عن عبد الملك بن عيسى، عن عبد الله بن يزيد مولى المنبعث، عن أبي هريرة)؛ وعبد الله بن يزيد لم يدرك أبا هريرة؛ فهذا انقطاع في الإسناد، والله أعلم.
والصَّواب فيه: عبد الملك بن عيسى بن العلاء بن جارية
(1)
، راويه عن يزيد مولى المنبعث، أو عن ولده عبد الله بن يزيد
(2)
؛ والله الموفق.
22 -
[ح 16/ أ] وفي "الأدب المفرد"
(3)
للبخاريِّ من حديث محمد بن جُبَيْر بن مُطْعِم
(4)
، عن أبيه رضي الله عنه أنه سمع عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه على المنبر يقول:
"تَعَلَّمُوا أَنْسَابَكُمْ ثمَّ صِلُوا أَرْحَامَكُمْ. والله! إنه لَيَكونُ بين الرَّجُلِ وأخيهِ
(1)
هو عبد الملك بن عيسى بن عبد الرحمن بن العلاء بن جاريه الثقفي، روى عن يزيد مولى المنبعث، وابنه عبد الله، وعكرمة مولى ابن عباس. وعنه الدراوردي، وابن المبارك، وحاتم بن إسماعيل. قال في "التقريب" (ص 625):"مقبول من السادسة". وانظر: "التهذب"(6/ 361).
(2)
قلتُ: وبهذا رجع الحديث إلى طريقه الأولى التي مدارها على عبد الملك بن عيسى الثقفي؛ ولكنه هنا معضل فقد سقط من الإِسناد يزيد مولى المنبعث، وأبو هريرة، وبهذا لا يكون هذا الطريق شاهدًا.
وإنما شاهده من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا وموقوفًا؛ وهو صحيح.
• أمَّا المرفوع: فقد أخرجه أبو داود الطيالسي (ص 360) - رقم (2757)، من طريق إسحاق بن سعيد بن عمرو بن العاص، عن أبيه قال: كنت عبد ابن عباس فأتاه رجل، فسأله؛ مَنْ أنتَ؟ قال: فَمَتَّ له برحم بعيدة، فألان له القول؛ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اعرفوا أنسابكم تصلوا أرحامكم؛ فإنه لا قرب بالرحم إذا قطعت وإن كانت قريبة، ولا بُعْدَ بها إذا وُصلَت وإنْ كانت بعيدة".
- ومن طريقه أخرجه الحاكم (4/ 178) - رقم (7283)، وقال:"هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرِّجاه"، ووافقه الذهبي على ذلك. وتعقَّبه الألباني في "الصحيحة"(1/ 499) بأنه على شرط مسلم؛ فإنَّ أبا داود الطيالسي لم يحتجَّ به البخاري، وإنما روى له تعليقًا.
• وأمَّا الموقوف: فقد أخرجه البخاري في "الأدب المفرد"(ص 39) - رقم (73)، من طريق أحمد ابن يعقوب، عن إسحاق بن سعيد بن عمرو، عن ابن عباس موقوفًا عليه، ولكنه قال:"احفظوا أنسابكم .. " إلخ، وزاد:"وكلُّ رحم آتية يوم القيامة أمام صاحبها تشهد له بصلة، إن كان وصلها، وعليه بقطيعة، إن كان قطعها".
(3)
(ص 39) - رقم (72).
(4)
محمد بن جُبيْر، تابعي جليل، روى عن أبيه، وعمر، وابن عباس، ومعاوية، وغيرهم. مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، وقيل غير ذلك. قال الحافظ:"ثقة، عارف بالنَّسب". "التهذيب"(9/ 77)، و "التقريب"(ص 832).
الشَّيء، ولو يَعْلمُ الذي بَيْنَهُ وبَيْنَهُ مِنْ داخِلةِ الرَّحم لأوْزَعَه ذلكَ عَنِ انْتِهَاكِهِ"
(1)
.
23 -
وأمَّا ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "عِلْمُ النَّسبِ علمٌ لا ينفع وجهالةٌ لا تضرُّ"، فرواه أبو نُعَيْم
(2)
، وابن عبد البرِّ
(3)
.
24 -
ومن طريق أولهما أورده الرُّشاطيُّ
(4)
، وأوَّله: "مرَّ برجل فقال: ما
(1)
إسناده حسنٌ، رجالُهُ رجال الصَّحيح.
أخرجه في "الأدب المفرد" من طريق عمر بن خالد، عن عتَّاب بن بشير، عن إسحاق بن راشد، عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر
…
وساقه.
عتَّاب بن بشير، هو الجَزَري (صدوق يخطئ). "التقريب"(ص 656)، أخرج له البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي. وإسحاق بن راشد، هو الجزري (ثقة، في حديثه عن الزهري بعض الوهْم). "التقريب"(ص 128)، أخرج له البخاري، والأربعة، وبقية رجاله ثقات معروفون.
- وأخرجه ابن وهب في "جامعه"(1/ 62) - رقم (15) من طريق ابن لهيعة، عن عُقَيْل بن خالد، عن ابن شهاب به.
وإسنادُهُ حسنٌ بشاهده السابق، وعُقَيْل بن خالد بن عُقَيل الأيلي، وثَّقه أحمد والنسائي كما في "التذكرة" للحُسيني (2/ 1180). قال في "التقريب" (ص 687):(ثقة ثبت).
- وابن حزم في "الجمهرة"(ص 5)، من طريق موسى بن معاوية، عن وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب: "تعلَّموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم".
وإسناده منقطع؛ فإنَّ عروة بن الزبير لم يدرك عمر بن الخطاب، فلا تصح له عنه رواية.
ولذا قال الحافظ في "الفتح"(6/ 527): "رجاله موثَّقون، إلَّا أن في انقطاعًا".
- وأخرجه أبو بكر النَّجاد في "مسند عمر بن الخطاب"(ص 72) - رقم (41)، من طريق مبارك بن فضالة. عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن عمر قال: "تعلَّموا من النُّجوم ما تهتدوا به في ظلمات البرِّ والبحر، ثم انتهوا. وتعلَّموا من الأنساب قدر ما تصلون به أرحامكم
…
"، الحديث.
وفيه مبارك بن فُضَالة، قال في "التقريب" (ص 918):"صدوق يدلِّس ويوِّي". وقد عنعنه، ويتقوَّى بالطرق السابقة.
(2)
لم أقف عليه عند أبي نُعيم فيما لدي من المصادر.
(3)
في "جامع بيان العلم وفضله"(1/ 752 - المحقَّقة) - رقم (1385) / (2/ 23) - ط المنيرية.
(4)
هو الإمام الحافظ المتقن النَّسَّابة، أبو محمد عبد الله بن علي بن عبد الله الأندلسي الرُّشاطي - بضمِّ الراء- نسبةً إلى رُشاطة، بلد بالغرب. وُلِد سنة (466 هـ). وإن حافظًا للتاريخ والأنساب، من مؤلفاته:"اقتباس الأنوار والتماس الأزهار في أنساب رواة الآثار". مات شهيدًا سنة (542 هـ). "سير =
هذا؟ قالوا: علَّامة بالنَّسب
…
"؛ فكلامٌ لا يثبت
(1)
.
= أعلام النبلاء" (20/ 258)، و "لب اللباب" (1/ 353).
وكتابه في الأنساب له مختصر. انظر نُسَخَةُ الخطية في: "معجم ما ألَّف في رسول الله صلى الله عليه وسلم" للمنجد (ص 45 و 144).
(1)
حديثٌ باطلٌ.
أخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" من طريق أبي أيوب سليمان بن محمد الخزاعي، عن هشام بن خالد، عن بقيه، عن ابن جُريج، عن عطاء، عن أبي هريرة، أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فرأى جمعًا من الناس على رجل، فقال:"ما هذا؟ " قالوا: يا رسول الله! رجل علَّامة. قال: "وما العَلامة؟ ". قالوا: أعلم الناس بأنساب العرب، وأعلم الناس بعربية، وأعلم الناس بشعر وأعلم الناس بما اختلف فيه العرب.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا علمٌ لا ينفع وجهلٌ لا يضرّ".
هذا الحديث لا يثبت، كما صرَّح بذلك المصنف، وقد سبقه إلى الحكم عليه شيخُه الحافظ ابنُ حجر كما في "الفتح"(6/ 527). وهو منكرٌ متنًا، وقد أعلَّه ابن عبد البر برجلين في إسناده، قال إنه لا يُحتجُّ بهما.
قال أبو عمر: "في إسناد هذا الحديث رجلان لا يُحتجُّ بهما، وهما: سليمان، وبقيَّة؛ فإنْ صحَّ كان معناه أنه علم لا ينفع مع الجهل بالآية المحكمة والسنَّة القائمة والفريضة العادلة، أو ينفع في وجهٍ ما، ولذلك لا يضرّ جهله في ذلك المعنى وشبهه، وقد ينفع ويضرّ في بعض المعاني؛ لأنَّ العربية والنَّسب عنصرا الأدب".
أما سليمان بن محمد الخُزَاعي، فقد ذكره الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان"(3/ 118) ولم يترجمه، سوى أنه ساق الحديث، وأشار إلى أن ابن عبد البر أخرجه كتاب "العلم" وأنه قال في سليمان هذا؛ لا يُحتجّ به، ثم عقَّب الحافظ بقوله:
"قلتُ: وهذا الباطل لا يحتمله بقيَّة، وإن كان مدلسًا، فإن تُوبع سليمان عليه احتمل أن يكون بقيَّة دلَّسه على ابن جُريج، وما عرفتُ سليمان هذا بعد". اهـ.
قلتُ: وجدتُ مَنْ تابع سليمان بن محمد الخزاعي عليه، فقد تابعه محمد بن أحمد بن داود المؤدِّب، عن هشام بن خالد به، أخرج هذا المتابع أبو نُعيم، والسمعاني في "الأنساب"(1/ 22)، ومحمد بن أحمد المؤدِّب، هو أبو بكر المؤدِّب البغدادي، له ترجمة في "تاريخ بغداد"(1/ 316)، وهو من شيوخ الإمام الطبراني. قال فيه الدارقطني: لا بأس به. فترجَّح -والله أعلم- أنَّ بقيَّة بن الوليد دلَّسه على ابن جُريج.
وأما بقيَّة، فهو بقيَّة بن الوليد بن صائد، أبو يُحْمد الحميري الكلاعي الحمصي.
قال أبو حاتم: لا يُحتجُّ بحديثه. وقال أبو مسهر الغسَّاني: أحاديث بقيَّة ليست نقيَّة، فكنْ منها على =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= تقيَّة. وقال النسائي وغيره: إذا قال حدَّثنا وأخبرنا فهو ثقة. وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: يُكتب حديث بقيَّة ولا يُحتجُّ به. انظر: "الميزان"(2/ 46)، و"الأباطيل والمناكير" للجوزقاني (1/ 352).
قال ابن عساكر كما في "تهذيب تاريخ دمشق"(3/ 279): "وحاصل ما يُقال في هذا الرجل: أنه إذا روى عن الشاميين فهو ثبت، وإذا روى عن أهل العراق والحجاز خالف الثقات في روايته عنهم. فإنْ روى عن المجهولين فالعهدة عليهم لا عليه، وإذا روى عن غير الشاميين فربَّما أوهم عليه، وربَّما كان الوهم من الراوي عنه". اهـ.
قلتُ: ورواية بقيَّة التي نحن بصددها عن غير الشاميين فإنَّ ابن جُريج -كما هو معلوم- مكيّ. والله تعالى أعلم.
- وأخرجه الدَّيلمي كما في "زهر الفردوس"(4/ 137)، من طريق أبي نُعيم، عن محمد بن يعمر، عن محمد بن أحمد الغدادي، عن هشام به، وقال: عن ابن عباس، وأبي هريرة، ولم أقف على رواية أبي نعيم في المصادر المتوفرة بين يديّ.
• وللحديث طريقٌ آخر عن ابن عبَّاس؛ لكنه موضوعٌ:
أخرجه السمعاني في "الأنساب"(1/ 22) بإسناده من طريق الحكم بن سليمان الجبَّلي، عن إسحاق ابن نُجَيْح، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قال:
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، فإذا جماعة، فقال:"ما هذا؟ "
…
وذكره، وقال في آخره:"هذا علمٌ لا يضرُّ أهله". هذا الطريق آفته إسحاق بن نُجَيْح المَلطي، أبو صالح أو أبو يزيد؛ أكثر الحفَّاظ على تكذيبه.
قال الإمام أحمد فيما رواه عنه ابنه عبد الله كما في "الميزان"(1/ 354): كان من أكذب الناس! وفي "تاريخ بغداد"(6/ 321) عن ابن معين أنه قال فيه: كذاب، عدو الله، رجل سوء خبيث! وذكره ابنُ معين في "تاريخه" (2/ 27) فضعَّفه وقال: لا رحمه الله! وقال البخاري في "التاريخ الكبير"(1/ 404): منكر الحديث. وقال النسائي في "الضعفاء"(ص 153): متروك الحديث. وقال ابن عدي في "الكامل"(1/ 324): وإسحاق بن نُجَيْح قد يصل بهذا الإسناد (ابن جريج، عن عطاه، عن ابن عباس)، فيأتي بكلِّ حديث منكر عنه وعن غيره.
وقال في آخر ترجمته: وإسحاق بن نُجيْح بَيِّن الأمر في الضعفاء، وهو يضع الحديث.
• وله طريقٌ ثالثٌ ضعيفٌ:
أخرجه ابن وهب في "جامعه"(1/ 73) - رقم (31) من طريق هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم قال: قيل: يا رسول الله! ما أعلم فلانًا، قال:"بم؟ "، قيل: بأنساب الناس، قال:"علم لا ينفع وجهل لا يضر".
- وأبو سعد السَّمْعانيُّ في مقدّمة "الأنساب"(1/ 22) من طريق أبي عامر العَقَدي، عن هشام به. =
25 -
وكذا رُويَ عن عمر أيضًا؛ ولا يثبت
(1)
.
= - وأبو داود في "المراسيل"(ص 186) - رقم (438) باب ما جاء في العصبية وتعلُّم النسب.
وهذا إسناد منقطع؛ فإنَّ زيد بن أسلم من التابعين.
• وفي الحديث علَّةٌ أخرى؛ وهي نكارة المتن:
فمَنْ هذا الرجل الذي يجلس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحدِّث الناسَ -الصَّحابة بالطبع-، ويلتفُّون حوله، ويأخذون عنه! ويمرُّ صلى الله عليه وسلم ولا يعرفه! لا شكَّ أن ذلك مِنْ أبعدِ ما يكون! !
وهو في الوقت نَفْسِهِ معارضٌ للأحاديث الصَّحيحة في هذا الباب. وبهذا نصل إلى أنَّ جميع طرق هذا الحديث لا يصحُّ منها شيء، وأنَّ في متنه نكارةً، يَلْمَسُها مَنْ له أدنى معرفة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالحديثُ غيرُ ثابتٍ كما قال المؤلف.
قلتُ: وقد توسَّع ابن حزم الظاهري -رحمه الله تعالى- في رَدِّ هذا الحديث وبطلانه في كتابه "جمهرة أنساب العرب"(ص 3 - 5)، وأيَّد القول ببطلانه ببرهانين ذكَرَهُما:
أولهما: أن الحديث لا يصحُّ من جهة النقل أصلًا. وقد بيَّنت ذلك جليًّا بحمد الله.
ثانيهما: أن البرهان قد قام -خصوصًا بعد ذكر فوائده الشرعية- على أنَّ علم النَّسب علم ينفع، وجهل يضرُّ في الدُّنيا والآخرة.
ثم ساق رحمه الله الأدلة الثابتة على أنَّ علم النَّسب علم ينفع، وجهالة تضرُّ، ولذا كان واجبًا على العبد أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو ابن عبد الله الهاشمي، ومن زعم أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن هاشميًّا فهو كافر. ثم ذكر أدلةً تثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكلَّم في النَّسب؛ فمن ذلك:
1 -
ما قصَّه الله تعالى علينا في القرآن من ولادات كثير من الأنبياء عليهم السلام؛ وهذا علم نسب.
2 -
قوله صلى الله عليه وسلم: "نحن بنو النَّضر بن كنانة" - "ابن ماجه"(2612)، وأحمد (5/ 211، 212).
3 -
أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ذكر أفخاذ الأنصار وفاضل بينهم، فقدَّم بني النَّجار، ثم بني عبد الأشهل، ثم بني الحارث بن الخزرج، نم بني ساعدة؛ ثم قال عليه الصلاة والسلام:"وفي كلِّ دور الأنصار خير" - "البخاري"(1482، 3791 - فتح)، و"مسلم" (2511). وانظر ما ذكره الحافظ الهيثمي من الأحاديث في "مجمع الزوائد" (1/ 192) تحت: باب في علم النَّسب. مما يدلّ على أن علم النَّسب علم ينفع، وجهل قد يضرّ، وأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ممن كان يتكلَّم في النسب. وأخيرًا أختم الكلام بقول أبي محمد الرُّشاطيِّ -رحمه الله تعالى- إذ يقول:"الحضُّ على معرفة الأنساب ثابتٌ بالكتاب والسُّنَّة وإجماع الأُمَّة". انظر: "عمدة القارئ"(16/ 69).
(1)
هذا ظاهر البطلان أيضًا، فقد سبق -قريبًا- قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"تعلَّموا أنسابكم ثم صلوا أرحامكم"، بل ما فرض عمر بن الخطاب رضي الله عنه الديوان إلَّا على القبائل، ولولا علْمُهُ بالنَّسب لما أمكنه ذلك. انظر:"جمهرة أنساب العرب"(ص 5)، و"فتح الباري"(6/ 527).
ولهذا قال ابنُ عبد البرِّ: "لم يُنْصِفْ من زَعَمَ أن علم النَّسبِ علمٌ لا ينفع، وجهلٌ لا يضرُّ"
(1)
.
وقال ابن حزم
(2)
: "إنَّ فيه ما هو فرضٌ على كلِّ أحد، وما هو فرضٌ على الكفاية، وما هو مستحب"
(3)
، ثم فصَّل ذلك بما يطول إيرادُهُ
(4)
.
وبالجملة؛ فالذي يظهر كما قاله شَيْخُنا رحمه الله حَمْل ما ورد من ذمِّه على التعمُّق فيه حتى يُشْتغلَ به عما هو أهمّ منه
(5)
، وحَمَلَ ما ورد في استحسانه، يعني
(6)
على كثير من فوائده التي أورد منه جملةً
(7)
.
26 -
وقد روينا من حدب الرَّبيعِ بنِ سَبْرةَ
(8)
، أنه سمع عمرو بنَ مُرَّة الجُهَنيَّ رضي الله عنه يقول: سمعتُ رسولَ اللهِ [ح 16/ ب]صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ كان هاهنا من مَعَدٍّ قاعدًا فليقم"، فقمتُ!
فقال: "اقْعُدْ"؛ فَعَلَ ذلك ثلاثَ مراتٍ كلَّما أقومُ يقول: "اقْعُدْ".
(1)
"الإِنباه على قبائل الرواة"(ص 55)؛ ونصُّ كلامه: "ولعمري ما أنصف القائل إنَّ علم النَّسب
…
" إلخ.
(2)
هو أبو محمد، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري، صاحب المصنَّفات. ولد سنة (384 هـ). وسمع يحيى بن مسعود ويونسَ بنَ عبد الله. وحدَّث عنه ابنه أبو رافع، وأبو عبد الله الحُميدي. كان إمامًا حافظًا ثقة. متفننًا في علوم جمَّة. من أشهر مؤلفاته:"المحلَّى". مات مشردًا عن بلده ببادية لَبْلَة سنة (456 هـ). "سير أعلام النبلاء"(18/ 184)، و"شذرات الذهب"(3/ 299).
(3)
"جمهرة أنساب العرب"(ص 2)؛ ونصُّ كلامه: "وقد جعل الله تعالى جزءًا منه تعلُّمه لا يسع أحدًا جهله، وجعل تعالى جزءًا يسيرًا منه فضلًا تعلُّمه، يكون مَنْ جَهِلَهُ ناقص الدرجة في الفضل".
(4)
انظر: "الجمهرة"(ص 2 - 3).
(5)
في (م): (منها حمله)، دون بقية الكلام.
(6)
المراد به الحافظ ابن حجر.
(7)
انظر: "فتح الباري"(6/ 527)، وهو جمعٌ حسنٌ. أما الفوائد التي أورد منها المؤلف جملةً، فهي المتقدِّمة في أول هذه التتمة (ص 297).
(8)
في (م): بسرة، وهو خطأ.
قلت: فَمِمَّن
(1)
نحن يا رسول الله؟ قال: "أنتم من قُضَاعة بن حِمْيَر"
(2)
.
(1)
في (م): فمن.
(2)
إسنادُهُ حسنٌ بمجموع طرقه وشواهده.
وهو يُروى عن ثلاثة من الصحابة (عمرو بن مُرَّة الجهنيّ -وسَبْرة بن معبد الجهني- وعقبة بن عامر الجهني رضي الله عنهم:
• أولًا: رواية عمرو بن مُرَّة الجُهَنيِّ:
أخرجها أبو يعلى في "مسنده"(3/ 135) - رقم (1567) من طريق زهير بن حرب، عن الحسن بن موسى، عن ابن لهيعة، عن الرَّبيع بن سبرة، عن عمرو بن مُرَّة الجهني، قال: كنت جالسًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "مَنْ هاهنا من معدٍّ فلْيقم"
…
إلخ الحديث. وأخرجها البزار في "مسنده"(1/ 119 - كشف) - رقم (221)، والرُّوياني في "مسنده"(3/ 237) من طريق أبي كُريب محمد بن العلاء، عن سعيد بن شرحبيل، عن ابن لهيعة به. وفيه:
…
قال عمرو: "ممَّن نحن؟ "، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"من اليد الطليقة، واللقمة الهنيئة، اليمن وحمير"، إلَّا أن الرُّوياني قال بعد قوله:"اللقمة الهنيَّة: "أنتم من جُهينة". قال البزار عقبه: "لا نعلمه يُروى إلَّا بهذا الإسناد".
- ومن طريق الرُّوياني أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(13/ 609). وخليفة بن خياط في "الطبقات"(ص 126) من طريق سليمان بن حرب، عن بشر بن السَّرِيّ، عن ابن لهيعة به، وابن قانع في "معجم الصحابة"(10/ 3688، 3687) - رقم (1207، 1206) من طريقين:
الأول: عن موسي بن هارون، عن قُتيبة، عن ابن لهيعة به.
والثاني: عن عبَّاد بن عبَّاد المهلبي، عن جرير بن حازم ومالك بن سعد، كلاهما عن ابن لهيعة، عن أبي عُشَّانة، عن عمرو بن مرة به. وإسناده ضعيف، لضعف ابن لهيعة، وستأتي شواهد أخرى تُقوِّيه.
• تنبيه: عزا الحافظ في "الإصابة"(4/ 564) - في ترجمة عمرو بن مُرَّة - هذا الحديث للإمام أحمد في "المسند"؛ ولكني لم أجده فيه بعد طول بحث وتفتيش، ثم رأيتُ محقق "مسند أبي يعلى" أشار إلى هذا الوهم من ابن حجر؛ فازداد يقيني بعدم وجوده في "المسند" المطبوع، ولعلَّه في بعض روايات "المسند" أو نسخه الخطيَّة؛ فالله تعالى أعلم.
وقد جاء في "الإصابة: "من كان ههنا من سَعْدٍ فليقم"، وهو تصحيف في جميع طبعات "الإصابة"! ومن آخرها طبعة دار الكتب العلمية (1415 هـ).
• ثانيًا: رواية عقبة بن عامر الجُهنيِّ:
أخرجها ابن وهب في "جامعه"(1/ 62) - رقم (23) من طريق ابن لهيعة، عن معروف بن سويد، عن أبي عُشَّانة، عنه. وهذا إسنادٌ حسنٌ؛ فإنَّ عبد الله بن لهيعة وإنْ كان ضعيفًا بسبب تخليطه بعد احتراق كتبه، إلَّا أن رواية عبد الله بن المبارك، وعبد الله بن وهب عنه أعدل من غيرهما، كما صرَّح به الحافظ في "التقريب"(ص 538)؛ وعليه فحديثه ههنا مقبول. =
والله الموفق.
* * *
= ومعروف بن سويد، هو الجُذَامي لم يُوثِّقه سوى ابن حبان (7/ 499)، ولذا قال الحافظ في "التقريب" (ص 959):"مقبول"، وقد تُوبع، تابعه الرَّبيع بن سبرة وهو ثقة كما في "التقريب"(ص 320)، وستأتي قريبًا.
- والحديث أخرجه الطبراني في "الكبير"(17/ 304) - رقم (839)، و (840) من طريقين:
الأول: عن سعيد بن عفير، عن ابن لهيعة، به عنه، وفيه أن عقبة بن عامر هو الذي قام ثلاث مرات. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 195):"وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف، وشيخه معروف ابن سويد لم أرَ من ترجمه". وتعقَّبه الشيخ حمدي السَّلفي بأنَّ معروف بن سويد من رجال "التهذيب"، وأن الحافظ ابن حجر قال عنه في "التقريب" (ص 959):(مقبول).
الثاني: عن فضالة بن الفضيل بن فضالة، عن أبيه، عن ابن لهيعة به عنه.
- وهو بهذا الطريق في "الأوسط"(1/ 166) - رقم (347). قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن معروف بن سويد إلَّا ابن لهيعة، تفرَّد به فضالة لن المفضل، عن أبيه". اهـ.
• ثالثًا: رواية سَبْرة بن مَعْبَد الجُهنِّي:
أخرجها عبد الله بن وهب في "جامعه"(1/ 62) - رقم (24) من طريق ابن. لهيعة، عن الرَّبيع بن سبرة، عنه.
وإسنادُها حسنٌ.
- والطبراني في "الكبير"(7/ 116) - رقم (6554) من طريق عبد العزيز بن محمد بن أبي عبيد الدراوردي، عن أبيه، عن الربيع بن سبرة، عن أبيه قال: حضرت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يومًا يقول: "مَنْ كان ههنا من مَعَدٍّ فلْيقُم" فقام عمرو بن مُرَّة الجهني
…
إلخ الحديث.
قال الهيثمي في "المجمع"(1/ 195): "ورجاله رجال الصحيح، إلَّا محمد بن أبي عبيد الدراوردي والد عبد العزيز، فإني لم أرَ من ترجمه".
قلتُ: ورواية ابن لهيعة السابقة تُقويِّ هذا الطريق، والله تعالى أعلم.