الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثَّاني في الكلام على ثلاث قضايا متعلّقة بموضوع الكتاب
سأتناول في هذا المبحث -بمشيئة الله تعالى- ثلاث قضايا مهمة متعلِّقة بموضوع الكتاب، بشيء من الاختصار، للتعريف بها، ولاتِّصالها المباشر بموضوعه وهي:
• القضية الأولى: في بيان المراد بأهل البيت، وهل يدخل فيهم الزَّوجات المطهرات أم لا؟
• الثانية: في الشَّرافة وتاريخها.
• الثالثة: في الكلام عن نقابة الأشراف، وهل لها وجود اليوم؟
القضية الأولى: (مَنْ هم أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم):
(أهل البيت -آل البيت- العِتْرة النَّبويَّة- الذُرِّيَّة الطَاهرة- الأشراف- السَّادة)؛ هذه مسميَّات لشيء واحد، هم قرابة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ورهطه الأدنون.
ومن نافلة القول؛ أن أهل العلم اختلفوا في المراد بهم على أقوالٍ، وسأنقل تلك الأقوال في هذه المسألة من كتاب ابن القيِّم "جلاء الأفهام"
(1)
، ويمكن مراجعة أدلة كلِّ قول ومناقشته في المصدر المذكور.
قال -رحمه الله تعالى-: "اختُلِفَ في آل النبيِّ صلى الله عليه وسلم على أربعة أقوال:
فقيل: هم الذين حُرمت عليهم الصَّدقة، وفيهم ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم بنو هاشم، وبنو المطلب، وهذا مذهب الشَّافعي وأحمد رحمهما الله في رواية عنه.
والثاني: أنهم بنو هاشم خاصة، وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله، والرِّواية الثانية عن أحمد رحمه الله، واختيار ابن القاسم صاحب مالك.
والثالث: أنهم بنو هاشم ومن فوقهم إلى غالب، فيدخل فيهم بنو المطلب، وبنو
(1)
"جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام"(ص 324 - 326)، ط: دار ابن الجوزي.
أميَّة، وبنو نوفل، ومن فوقهم إلى بني غالب. وهو اختيار أشهب من أصحاب مالك، حكاه صاحب "الجواهر"
(1)
عنه، وحكاه اللخمي في "التبصرة" عن أصبغ، ولم يحكه عن أشهب.
وهذا القول في الآل -أعني أنهم الذين تحرم عليهم الصَّدقة- منصوصُ الشَّافعيّ رحمه الله
(2)
، وأحمد، والأكثرين. وهو اختيار جمهور أصحاب أحمد والشافعيّ
(3)
.
• والقول الثانى: أنّ آل النَّبيِّ هم ذرّيّته وأزواجه خاصّة:
حكاه ابن عبد البر في "التمهيد"[17/ 302 - 303]، قال في (باب عبد الله بن أبي بكر) في شرح حديث أبي حميد السَّاعديّ: (استدل قوم بهذا الحديث على أنَّ آل محمد هم أزواجه وذرّيّته خاصة؛ لقوله في حديث مالك، عن نعيم المُجْمِر، وفي غير ما حديثٍ:"اللَّهُمَّ صلِّ على محمَّد، وعلى آل محمَّد"
(4)
. وفي هذا الحديث -يعني حديث أبي حميد-: "اللَّهُمَّ صلِّ على محمَّد، وأزواجه، وذرّيته"
(5)
.
فقالوا: فهذا يفسِّر ذلك الحديث، ويُبيِّن أن آل محمد هم أزواجه، وذرّيّته. قالوا: فجائز أن يقول الرجل لكلِّ من كان من أزواج محمد صلى الله عليه وسلم ومن ذرّيّته: صلَّى الله عليك؛ إذا واجهه، وصلَّى الله عليه؛ إذا غاب عنه، ولا يجوز ذلك في غيرهم. قالوا: والآل والأهل سواء، وآل الرجل وأهله سواء، وهم الأزواج والذّرّية؛ بدليل هذا الحديث).
• والقول الثالث: أن آله صلى الله عليه وسلم أتباعه إلى يوم القيامة:
حكاه ابن عبد البر
(6)
عن بعض أهل العلم، وأقدم مَنْ رُوي عنه هذا القول: جابر بن
(1)
انظر: "عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة"، لابن شاس (1/ 348).
(2)
انظر: "روضة الطالبين"، للنوري (1/ 368).
(3)
وهو القول المرجَّح كما سيأتي.
(4)
متَّفقٌ عليه. أخرجه البخاري (6/ 408 - مع الفتح) - رقم (3370)، وفي (11/ 152 - مع الفتح) - رقم (6358)، ومسلم في (5/ 301) - رقم (406)؛ كلاهما من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه.
(5)
متَّفقٌ عليه. أخرجه البخاري (6/ 407 - مع الفتح) - رقم (3369)، ومسلم (1/ 306) - رقم (407) من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه.
(6)
في "التمهيد"(16/ 169)، (17/ 303).
عبد الله رضي الله عنهما. ذكره البيهقي [2/ 152] عنه، ورواه عن سفيان الثوري وغيره. واختاره بعض أصحاب الشافعيّ، حكاه عنه أبو الطيب الطّبريّ في "تعليقه"، ورجَّحه الشَّيخ محيي الدِّين النواوي في "شرح مسلم"[3/ 368]، واختاره الأزهري.
• والقول الرابع: أنَّ آله صلى الله عليه وسلم هم الأتقياء من أمّته
(1)
:
حكاه القاضي حسين، والرَّاغب، وجماعة"
(2)
. اهـ.
والمرجَّح من هذه الأقوال، كما قال الحافظ السَّخاويُّ في "القول البديع"
(3)
، أنهم من حرمت عليهم الصَّدقة، كما هو نصّ الشّافعيّ واختاره الجمهور، ويؤيّده قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة للحسن بن علي:" إنّا آل محمَّد لا تحلّ لنا الصدقة"
(4)
. وقوله في الحديث الآخر: "إن هذه الصَّدقة إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمّد ولا لآل محمَّد"
(5)
.
• وهل يدخل أزواجه في آله؟ قولان، هما روايتان عن الإمام أحمد:
أحدهما: أنهنَّ لسن من أهل البيت، ويُروى عن زيد بن أرقم رضي الله عنه.
والقول الثاني: وهو الرَّاجح أنهنّ من آله وأهل بيته
(6)
.
ويدلُّ لذلك حديث أبي حميد السَّاعدي رضي الله عنه: "اللهُمَّ صلِّ على محمَّد، وأزواجه، وذريته"
(7)
.
(1)
ويُنشدون في هذا القول بيتين من الشعر هما:
آل النَّبيِّ هُم أتباعُ ملَّتِهِ
…
من الأعاجمِ والسُّودانِ والعَرَبِ
لو لم يكن آلُهُ إلَّا قرابَتُهُ
…
صلَّى المصلِّي على الطَّاغي أبي لَهَبِ
وهناك قول خامس وهو أن المراد بآل محمد صلى الله عليه وسلم خواص الأولياء؛ وهو قول طائفة من الصوفية، ذكره الحكيم الترمذي. انظر:"منهاج السُّنَّة"(7/ 75).
(2)
انظر أدلة هذه الأقوال وحجج أصحابها ومناقشاتهم في "جلاء الأفهام"(ص 326 - 343).
(3)
(ص 122). وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية، وجماعة. انظر:"منهاج السُّنَّة النَّبويَّة"(7/ 75).
(4)
أخرجه البخاري (3/ 354 - مع الفتح) - رقم (1491)، ومسلم (2/ 751) - رقم (1069).
(5)
أخرجه مسلم (2/ 754) - رقم (1073).
(6)
انظر: "منهاج السُّنَّةَ النَّبويَّة"(7/ 76).
(7)
تقدَّم تخريجه قريبًا.
وحديث عائشة رضي الله عنها: "ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام البر ثلاث ليال تباعًا حتى قُبض"
(1)
. وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا"
(2)
.
وما يبين ذلك -كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية- أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مذكورات في الآية، والكلام في الأمر بالتطهير بإيجابه، ووعد الثواب على فعله، والعقاب على تركه.
(3)
(4)
.
فالخطاب كله لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعهن الأمر والنهي، والوعد والوعيد؛ لكن لمَّا تبين ما في هذا من المنفعة التي تعمهنَّ وتعم غيرهنَّ من أهل البيت، جاء التطهير بهذا الخطاب، وليس مختصًا بأزواجه، بل هو متناول لأهل البيت كلهم، وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسين أخصّ من غيرهم بذلك، ولذلك خصَّهم النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء لهم
(5)
.
قال الحافظ ابن كثير في "التفسير"
(6)
: "وقوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)} [الأحزاب: 33]؛ نصٌّ في دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أهل البيت ههنا؛ لأنهن سبب نزول هذه الآية، وسبب النزول داخل فيه قولًا واحدًا، إمَّا وحده على قولٍ، أو مع غيره على الصحيح". اهـ.
وكان عكرمة مولى ابن عباس ينادي في السوق بأن هذه الآية نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
متفق عليه. أخرجه البخاري (9/ 549 - مع الفتح) ، (11/ 282 - مع الفتح) - رقم (5416، 6454) ، ومسلم (4/ 2281) - رقم (2970).
(2)
متفق عليه. أخرجه البخاري (11/ 283 - مع الفتح) - رقم (6460) ، ومسلم (2/ 730) - رقم (1055).
(3)
الأحزاب (آية: 30).
(4)
الأحزاب (آية: 33).
(5)
انظر: "منهاج السنة النبوية"(7/ 74).
(6)
(5/ 452).