الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السَّادس موازنة بين كتاب "اسْتِجْلابِ ارْتِقَاءِ الغُرَف" وكتاب "ذخائر العُقْبى في مناقب ذوي القرْبى" للمحبِّ الطَّبريِّ
(ت 694 هـ)
تمهيد:
تقدَّم أنَّ الكتب المؤلفة في فضائل آل البيت من الكثرة بمكان، كما تقدَّم ذكر طائفة من تلك الكتب، إلَّا أنه ينبغي أن يُقال: إنَّ أكثر تلك الكتب دخلتها الأحاديث الضَّعيفة والموضوعة، والقصص والأخبار الواهية، بل وفي بعضها انحرافات خطيرة لا يحسن السُّكوت عليها.
قال صدِّيق حسن خان رحمه الله تعالى في هذا السِّياق محذِّرًا من الوضع في فضائل عليِّ بن أبى طالب رضي الله عنه، مبيِّنًا آثار ذلك الوضع في الأُمَّة:"إنما دخل الفساد وسوء الاعتقاد في الأُمَّة من طريق هذه الأخبار المختلفة، والآثار المفتعلة، جاء بها قومُ سوءٍ من الرَّوافض وأهل البدع، وأشاعوها في الناس الجهلة والعامَّة، الذين لا تمييز لهم أصلًا بين الصَّحيح والسَّقيم، والحسن والقبيح، وذكَّر بها الوعَّاظ الجاهلون، فصارت بعد زمان كأنها الدِّين والعقيدة، ودسُّوا موضوعاتٍ كثيرةً فيها، فعاد الإسلام وأهله غريبًا وغرباء"
(1)
.
على أنه "قد صحَّ في فضائل أهل البيت أحاديث كثيرة، وأمَّا كثير من الأحاديث التي يرويها من صنَّف في فضائل أهل البيت، فأكثرها لا يصحّحه الحفَّاط، وفيما صحَّ في ذلك كفاية"
(2)
.
(1)
انظر: "الدين الخالص" للعلَّامة صديق حسن خان (3/ 317)، ط: دار الكتب العلمية.
(2)
من كلام الشيخ عبد الله ابن الإمام محمد بن عبد الوهاب. انظر: "الدُّرر السَّنية في الأجوبة النَّجدية"(1/ 208).
وهذه سمةٌ بارزةٌ في أكثر ما كُتب في فضائل أهل البيت.
أمَّا بالنِّسبة للضَّعيف، فالأمر فيه يسير طالما كان في الفضائل والمناقب.
قال أبو عبد الله النوفلي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: "إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والسُّنن والأحكام تشدَّدنا في الأسانيد، وإذا روينا عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال وما لا يضع حكمًا ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد"
(1)
. اهـ. وهو مرويٌّ عن غير واحد من أهل العلم
(2)
.
ويذهب العلَّامة صديق حسن خان إلى أنَّ الضَّعيف لا يُقبل حتى في الفضائل والمناقب، يقول رحمه الله تعالى مقرِّرًا ذلك:"ومسلك أهل التحقيق أنَّ الحكم بفضيلة أحدٍ حكمٌ شرعيٌ، وأحكام الشَّرع الشَّريف متساوية الأقدام، فلا وجه للتمسُّك بالضِّعاف فيها، بل لا بدَّ أن يكون الخبر صحيحًا لذاته أو لغيره، وكذا الحسن. لا يحتجُّ بالضَّعيف إلَّا عن طريق الشَّهادة والمتابعة إذا كان موافقًا". اهـ
(3)
.
وأمَّا الواهي والموضوع فلا عذر في إيراده إلَّا مع بيان حاله.
قال السُّيوطي في "تدريب الراوي"
(4)
في الكلام على الموضوع: "وتحرم روايته مع العلم به، أي بوضعه في أي معنى كان، سواء في الأحكام والقصص والترغيب وغيرها، إلَّا مبيَّنًا، أي مقرونًا ببيان وضعه، لحديث "مسلم": "من حدَّث عنّي بحديثٍ يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين"". اهـ.
وكَتَبَ البخاريُّ على حديث: "موضوع، مَنْ حدَّث بهذا استوجب الضَّرب الشَّديد، والحبس الطويل! ". وعلَّق عليه الحافظ السَّخاويُّ بقوله: "لكن محلّ هذا ما لم يُبيِّن ذاكره
(1)
أخرجه الخطيب البغدادي في: "الكفاية في علم الرواية"(ص 134) - باب التَّشدُّد في أحاديث الأحكام. ونقله الحافظ ابن حجر في: "القول المسدد في الذّبّ عن المسند للإمام أحمد"(ص 20)، وغير واحد من السلف.
(2)
فقد قال به عبد الرحمن بن مهدي، وأبو زكريا العنبري فيما نقله عنه الحاكم، وابن عبد البر، وغيرهم. انظر:"الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة" لأبي الحسنات اللكنوي (ص 50 - 51).
(3)
انظر: "الدين الخالص"(3/ 316).
(4)
(1/ 246).
أمره، كأن يقول: هذا كذب، أو باطل، أو نحوهما من الصَّريح في ذلك"
(1)
.
وقال الخطيب البغداديُّ رحمه الله تعالى: "ومن روى حديثًا موضوعًا على سبيل البيان لحال واضعه، والاستشهاد على عظيم ما جاء به، والتعجُّب منه والتنفير عنه؛ ساغ له ذلك، وكان بمثابة إظهار جرح الشَّاهد في الحاجة إلى كشفه والإبانة"
(2)
.
موازنة بكتاب "ذخائر العُقْبى في مناقب ذوي القُرْبَى" تأليف: الإمام أبي العبّاس أحمد بن محمد المحبِّ الطَّبريِّ (ت 694 هـ) تحقيق: أكرم البوشي
يعدُّ كتاب المحبِّ الطَّبريِّ من أشهر كتب أهل السُّنَّة المصنَّفة في فضائل أهل بيت النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقد أفاد منه الحافظ السَّخَاويُّ في كتابنا هذا:"استجلاب ارتقاء الغُرَف"، كما أشار إليه في مقدِّمته.
وقد قسَّمه المحبُّ إلى قسمين:
القسم الأول: وذكر فيه ما جاء في ذكر القرابة على وجه العموم والإجمال، وفيه تسعة أبواب.
القسم الثاني: وذكر فيه مناقب القرابة على وجه التفصيل، وفيه عدة أبواب، وفي كلِّ باب عدة فصول.
وأبرز ما ينتقد به المحبُّ الطَّبريُّ في كتابه أمور:
أولها: إيراده لكثير من الأحاديث الموضوعة والواهية والمنكرة، دون التنبيه على ضعفها أو وضعها وقد أشار السَّخَاويُّ في مقدِّمة "الارتقاء"
(3)
إلى ذلك، وَوَصَفَ المحبَّ بالتَّسامح والتَّساهل في إيراد الأحاديث، وأورد كلام شيخه الحافظ ابن حجر في حقِّ المحبِّ الطَّبريِّ:"إنه كثير الوهم في عزوه للحديث ونقله".
(1)
انظر: "فتح المغيث"(1/ 275).
(2)
"فتح المغيث"(1/ 275).
(3)
انظر: (ص 224)، القسم المحقق.
وقد سبقه إلى ذلك الحافظُ تقيُّ الدِّين الفاسيُّ المكيُّ في كتابه: "العقد الثَّمين في تاريخ البلد الأمين"
(1)
، في ترجمة المحبِّ الطبريِّ المكيِّ، إذ يقول ما نصُّه:
"وله تواليف حسنة في فنون من العلم، إلَّا أنه وقع له في بعض كتبه الحديثية شيء لا يستحسن، وهو أنه ضمّنها أحاديث ضعيفة وموضوعة في فضائل الأعمال، وفضائل الصَّحابة رضي الله عنهم، من غير تنبيهٍ على ذلك، ولا ذَكَرَ إسنادها ليُعْلم منه حالها، وغاية ما صنع أن يقول: أخرجه فلان، ويُسمِّي الطَّبرانيَّ مثلًا أو غيره من مؤلِّفي الكتب التي أخرج منها الحديث المشار إليه، وكان من حقِّه أن يخرِّج الحديثَ بسنده في الكتاب الذي أخرجه منه، ليسلمَ بذلك من الانتقاد كما سَلِمَ به مؤلفُ الكتاب الذي أخرج منه المحبُّ الطَّبريُّ الحديثَ الذي خرَّجه.
"أو يقول: أخرجه الطَّبرانيُّ -مثلًا- بسندٍ ضعيفٍ، كما صَنَعَ غيرُ واحدٍ من المحدِّثين في بيان حكم سند الحديث الذي يريدون إخراجه. أو ذكره بإسنادِ المؤلِّف الذي يخرِّجونه من كتابه". اهـ كلام الفاسي.
وممن أشار إلى كثرة إيراد المحبِّ الطَّبريِّ الموضوع والواهي، العلَّامة صديق حسن خان في كتابه "الدِّين الخالص"
(2)
، فقد ذكر كتاب "ذخائر العقبى"، وكتاب "نزل الأبرار" للبدخشاني، ونبَّه إلى ضرورة تصفيتهما من الرِّوايات الواهية بقوله: "
…
فما أحقَّهما بأن يُجرَّدا عن الضِّعاف وما في معناها، ويُقتصر فيهما على الرِّوايات الصَّحيحة اللائقة بالاحتجاج! وهي أيضًا على قدر الكفاية، فأي حاجة معًا إلى ما لا يبلغ مداها
…
والصَّباح يُغني عن المصباح، والحقًّ أبلج، والباطل لجلج".
وقد أشار الأُستاذ عيسى الحميري كذلك إلى رواية المحبِّ للضِّعاف والمناكير، في الدِّراسة التي أعدَّها عن منهج المحبِّ الطَّبريِّ في مقدّمة تحقيق كتاب "الرِّياض النَّضرة في مناقب العشرة"
(3)
.
(1)
(2/ 26)، تحقيق فؤاد سيِّد.
(2)
(3/ 316).
(3)
انظر: (ص 90 - 91).
وهذه أمثلة لتلك الأحاديث الموضوعة:
1 -
حديث أنس رضي الله عنه قال: كنت عند النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فرأى عليًّا مقبلًا فقال: "يا أنس! قلت: لبيك. قال: هذا المقبل حجَّتي على أُمَّتي يوم القيامة". (ص 373) وعزاه للنَّقَّاش.
وهو حديث موضوع، آفته مطر بن أبي مطر.
- راجع: "الموضوعات"(2/ 161 - رقم 171)، و"اللآلئ المصنوعة"(1/ 366)، و "تنزيه الشريعة"(1/ 360)، و "الفوائد المجموعة"(ص 373).
2 -
حديث عليٍّ رضي الله عنه مرفوعًا: "أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة: المكرم لذرِّيَّتي، والقاضي لهم حوائجهم، والسَّاعي في أُمورهم عند اضطرارهم إليه، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه"(ص 50) معزوًا للإمام علي بن موسى الرِّضا.
وهو حديث موضوع، آفته عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي، وهو كذَّاب.
وقد أورده السَّخَاويُّ في هذا الكتاب رقم (320)، وقال:"ضعيف جدًّا". مع أنه أورد قبله حديثًا رقم (286) فيه الطائي المذكور فقال: "وفيه عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي، وهو كذَّاب"، وانظر:"الفوائد المجموعة"(ص 397) وحَكَمَ عليه بالوضع.
3 -
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "تبعث الأنبياء على الدَّوابِّ، ويحشر صالح على ناقته، ويحشر ابنا فاطمة على ناقتي العضْباء والقصْواء، وأُحشر أنا على البراق، خطوها عند أقصى طرفها، ويحشر بلال على ناقة من نوق الجنَّة". (ص 234) وعزاه للحافظ السِّلَفيّ.
وهو حديث موضوع.
قال ابن الجوزي في "الموضوعات"
(1)
: "هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وقال الذَّهبيُّ في "ترتيبها" رقم (1120): "إسناده مظلم، ما أدري من وضعه؟ تعلَّق فيه ابن الجوزيِّ على أبي صالح كاتب الليث".
4 -
حديث عليٍّ رضي الله عنه مرفوعًا: "إذا كان يوم القيامة كنت أنت وولدك على
(1)
(3/ 566).
خيل بُلْق متوَّجة بالدُّر والياقوت، فيأمر الله بكم إلى الجنَّة والنَّاس ينظرون". (ص 234) وعزاه لعليِّ بن موسى الرِّضا.
ولم أقف عليه، وآثار الوضع عليه ظاهرة، والله تعالى أعلم.
والعجب من المحبِّ الطَّبريِّ أنه حاول الجمع بين الحديثين بقوله: "ولا تضاد بينه وبين حشرهم على العضْباء والقصْواء، إذ يكون الحشر أولًا عليها، ثم ينتقلون إلى الخيل، أو يحمل ولده على غير الحسن والحسين منهم". اهـ.
وكان الأجدر أن ينظر في إسناد الحديثين، ويتكلَّم عن رجالهما.
5 -
ذكر المحبُّ عدة روايات موضوعة جاءت في مقتل الحسين رضي الله عنه وما تبع ذلك، منها:
(أ) عن أبي محمد الهلالي -وعزاه لمنصور بن عمَّار، والملاء- قال:
شَرِكَ منا رجلان في دم الحسين بن علي رضي الله عنهما، فأمَّا أحدهما فابتُلي بالعطش، فكان لو شرب راويةً ما روي. قال: وأمَّا الآخر فابتُلي بطول ذَكَرِه، فكان إذا ركب الفرس يلويه على عنقه كأنه جبل! (ص 247).
وعدَّ المحبُّ هذا الخبر من الكرامات والآيات التي ظهرت لمقتل الحسين!
(ب) عن نضرة الأزدية قالت: لمَّا قُتل الحسين بن علي أمطرت السَّماء دمًا! فأصبحنا وجِبابُنا وجرارُنا مملوءة دمًا. (ص 248).
(ج) عن جعفر بن سليمان قال: حدَّثتني خالتي أمُّ سالم قالت:
لمَّا قُتل الحسين مُطرنا مطرًا كالدَّم على البيوت والجُدُر! قالت وبلغني أنه كان بخراسان والشام والكوفة! (ص 249) وعزاه لابن بنت منيع.
قلت: أكثر هذه الرِّوايات والأخبار من وضع الرَّافضة ومبالغاتهم، كما صرَّح به الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية"
(1)
. إذ يقول: "ولقد بالغ الشِّيعة في يوم عاشوراء، فوضعوا أحاديث كثيرة كذبًا فاحشًا، من كون الشَّمس كسفت يومئذ حتى بدت النُّجوم، وما رُفع يومئذ حجرٌ إلَّا وُجِد تحته دم، وأنَّ أرجاء السَّماء احمرّت، وأنَّ الشَّمس كانت تطلع
(1)
(8/ 203).
وشعاعها كالدَّم، وصارت السَّماء كأنها عَلَقة، وأنَّ الكواكب ضرب بعضها بعضًا، وأمطرت السَّماء دمًا أحمر، وأنَّ الحُمْرة لم تكن في السماء قبل يومئذٍ، ونحو ذلك"
…
إلى أنْ قال رحمه الله: "
…
إلى غير ذلك من الأكاذيب والأحاديث الموضوعة التي لا يصحّ منها شيء".
وقال -أيضًا- في هذا السِّياق مختتمًا كلامه: "وللشِّيعة الرَّافضة في صفة مصرع الحسين كذبٌ كثيرٌ، وأخبار باطلة". اهـ.
وهناك أحاديث موضوعة أخرى، لولا خشية الإطالة لذكرتُها، وانظر على سبيل المثال (ص 30، 41، 52، 83، 95، 163، 325، 342، 343).
ثانيها: وُجِد من طريقة المحبِّ الطَّبريِّ في نسبة الأحاديث إلى مخرِّجيها مما يُؤخذ عليه، أنه يُوردها منسوبةً إلى غير مظانها، فقد ينسب الحديث إلى "السُّنن"، وهو في "الصَّحيحين" أو أحدهما
…
وقد ينسبه إلى "المعاجم"، وهو في "السُّنن الأربعة" أو أحدها
…
بل قد ينسبه إلى مصدر لا يعدُّ من المصادر الحديثية، كالكتب المؤلَّفة في الصحابة، مثل "الاستيعاب"، ويكون الحديث مرويًّا في "الصَّحيحين"، و"السُّنن"، و"المسانيد"!
…
وهذا عند المحبِّ كثير.
وهذه ثلاثة أحاديث على سبيل التمثيل:
1 -
أورد (ص 89) حديث: "خير نساء العالمين: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد". وعزاه لابن عبد البر!
والحديث أصله في "صحيح البخاري"(6/ 470 - مع الفتح)، رقم (3432)، و"صحيح مسلم"(4/ 1886)، رقم (2430). وهو عند الترمذي (5/ 702)، رقم (3877)، وأحمد (1/ 84، 116، 132، 143، 293)، والحاكم في "المستدرك"(2/ 539)، رقم (3837) و (3/ 203)، رقم (4847)، وابن حبان في "صحيحه"(15/ 401، 464)، رقم (6951، 7003)، والطبراني في "المعجم الكبير"(22/ 402)، رقم (1004).
2 -
أورد (ص 94) حديث: "إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش: يا أهل الجمع نكِّسوا رؤوسكم، وغضُّوا أبصاركم حتى تمرَّ فاطمة بنت محمد على
السِّراط". وعزاه بقوله: (خرَّجه الحافظ أبو سعيد محمد بن علي بن عمر النَّقَّاش في "فوائد العراقيين").
والحديث أخرجه الحاكم في "المستدرك"(3/ 166)، رقم (4728)، وقال:"هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، وتعقَّبه الذَّهبيُّ بقوله:"لا والله! بل موضوع".
والطبراني في "المعجم الكبير"(1/ 108)، رقم (180) و (22/ 400)، رقم (999). وهو في "فضائل الصحابة"(2/ 763)، رقم (1344)، والعزو لهؤلاء الأئمة أولى.
3 -
عزا في (ص 299) حديث: "سيِّد الشُّهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجلٌ قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله" لابن السَّري!
وهو موجود في "مستدرك الحاكم"(3/ 215)، رقم (4884)، وكان الأولى العزو إليه.
* * *
وإليك موازنة سريعة بين "ذخائر الطَّبريّ" و"ارتقاء السَّخَاويّ" لبابٍ اشتركا في عنوانه، وتميَّز السَّخَاويُّ في إيراد أحاديثه ومسائله.
قال المحبُّ الطَّبريُّ رحمه الله تعالى (ص 50):
"ذكر ما جاء في الحثِّ على حبِّهم والزَّجر عن بُغْضهم
عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحبُّوا الله لما يغذوكم به،
وأحبُّوني بحبِّ الله، وأحبُّوا أهل بيتي بحبِّي"، أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب.
"وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أنَّ رجلًا صفَّ بين الرُّكن والمقام، فصلَّى وصام، ثم لقي الله وهو مبْغضٌ لأهل بيت محمد دخل النَّار". أخرجه ابن السّري.
"وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أبغض أهل البيت فهو منافق". أخرجه أحمد في "المناقب".
"وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يُحبّنا أهل البيت إلَّا مؤمن تقيّ، ولا يُبغضنا إلَّا مافق شقيّ"، أخرجه الملّاء.
"وعن عليٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يرد الحوض أهل بيتي ومن أحبَّهم من أمَّتي كهاتين السَّبَّابتين"، أخرجه الملّاء". اهـ من كتاب المحبِّ.
واسْتَعْرِضْ معي عرض الحافظ السَّخَاويّ لأحاديث الباب في "ارتقائه"
(1)
، إذ يقول رحمه الله تعالى:
" باب الحثِّ على حبِّهم والقيام بواجب حقِّهم
عن محمد بن علي بن عبد الله بن عبَّاس، عن أبيه، عن جدِّه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحبُّوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبُّوني لحبِّ الله عز وجل، وأحبُّوا أهل بيتي لحبّي"، أخرجه الترمذي عن أبي داود "صاحب السُّنن" وقال: إنه حسن غريب، إنما يُعرف من هذا الوجه.
وكذا أخرجه البيهقي في "الشُّعب"، ومن قبله الحاكم وقال: صحيح الإِسناد. ومن العجيب ذكر ابن الجوزيِّ لهذا الحديث في "العلل المتناهية".
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري، عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن عبدٌ حتى أكون أحبّ إليه من نفسه، وتكون عترتي أحبّ إليه من عترته، ويكون أهل بيتي أحبّ إليه من أهله، وتكون ذاتي أحبّ إليه من ذاته". أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"، وأبو الشَّيخ في "الثَّواب" والدَّيلميّ في "مسنده".
وعن عبد الله بن الحارث، عن العبَّاس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله! إن قريشًا إذا لقي بعضهم بعضًا لقوهم ببشر حسن، وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها! قال: فغضب النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم غضبًا شديدًا، وقال:"والذي نفسي بيده! لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يُحبَّكم لله ولرسوله". أخرجه أحمد، والحاكم في "صحيحه".
واستشهد لصحّته بما أخرجه هو، وكذا ابن ماجه من طريق محمد بن كعب القُرظيّ، عن العبَّاس رضي الله عنه قال: كنا نلقى النَّفر من قريش وهم يتحدَّثون فيقطعون حديثهم! فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
"ما بال أقوام يتحدَّثون، فإذا رأوا الرجل من أهل بيتي قطعوا حديثهم! والله! لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبَّهم لله ولقرابتي".
(1)
انظر: (ص 392 وما بعدها)، القسم المحقق.
وعن عبد الله بن الحارث أيضًا، عن عبد المطلب بن ربيعة رضي الله عنه قال: دخل العبَّاس رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّا لنخرج فنرى قريشًا تحدَّث، فإذا رأونا سكتوا، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرَّ عرق بين عينيه، ثم قال:
"والله! لا يدخل قلب امرئٍ: مسلم إيمان حتى يُحبَّكم لله ولرسوله".
وهو عند محمد بن نصر المروزي بلفظ: "والذي نفسي بيده! لا يدخل قلب أحد الإيمان حتى يحبَّكم لله ولقرابتي
…
"، الحديث. وسمَّى الصَّحابيّ المطَّلب بن ربيعة. ورويناه من طريق أبي الضُّحى، عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال:
…
". إلخ كلام السَّخَاويِّ.
وفي الباب أحاديث أخرى لم أذكرها خشية الإِطالة، وما ذُكِرَ يكفي للموازنة.
* * *
تسجيل أهم الملاحظات من خلال النَّصَّين السَّابقيْن:
* أولًا: كتاب "ذخائر العُقْبى" للمحبِّ الطَّبريِّ.
1 -
يُلاحظ أنَّ المؤلف يُورد الحديث بدون إسناد، وإنَّما يذكر صحابيّه؛ ومعلوم ما للإسناد من الأهمية القصوى عند المحدِّثين. قال سفيان الثَّوري:"الإسناد زين الحديث"
(1)
.
وقد تقدَّم اعتراض التَّقيّ الفاسي على المحبِّ الطَّبريِّ بأنه لو روى الأحاديث بأسانيده في الكتاب الذي أخرج منه لكان أحسن؛ ليسلم من الانتقاد.
أو لو أنه ذكر الحديث بإسنادِ المؤلف الذي أخرج الحديث من كتابه لكان أولى.
2 -
ويُلاحظ -أيضًا- أنَّ المؤلف يُورد الأحاديث دون الكلام أو التعليق عليها صحّةً، أو حسنًا، أو ضعفًا. وهذا الأمر انتقده الفاسي أيضًا -كما تقدَّم-، إذ لو أنَّ المحبَّ قال عقب تخريج الحديث: أخرجه الطَّبرانيُّ -مثلًا- بسندٍ ضعيفٍ، كما صَنَعَ غيرُ واحدٍ من المحدِّثين في بيان حكم سند الحديث الذي يريدون إخراجه؛ لكان رحمه الله سالمًا من الاعتراض والانتقاد.
(1)
"أدب الإِملاء والاستملاء" للسمعاني (1/ 114)، رقم (13).
3 -
وجديرٌ بالملاحظة كذلك، أنَّ مصادر المؤلِّف التي ينقل منها الأحاديث غير مشتهرة، وبعضها أجزاء حديثية غير معروفة، وأصحابها ممن قد لا يُعرف عنه كثرة الرِّواية، أو ممن يروي الموضوعات بلا احتياط!
وقد رأينا من خلال النَّصِّ السَّابق نقله عن ابن السَّري، والملا في "سيرته". وفي مواطن كثيرة من الكتاب يعزو إلى: الإمام علي بن موسى الرِّضا، والغسَّاني في "معجمه"، وأبي روْق الهِزّاني، وابن المثنى في "معجمه"، وابن الحضرمي، وابن الجرَّاح، وابن الضَّحَّاك، وأبي مسلم البصري، وأبي سعيد النَّقَّاش.
الأمر الذي جعل السَّخَاويّ يصفه بالتَّسامح والتَّساهل في إيراد الأحاديث. كما تقدَّم قريبًا.
• ثانيًا: كتاب "استجلاب ارتقاء الغُرَف" للحافظ السَّخَاويّ:
1 -
من الملاحظ لأول وهلة اهتمام المؤلف بالإسناد، فهو يذكر الحديث ببعض السَّند ليشير إلى مَنْ يدور عليه الكلام في الِإسناد، كما رأيتَ في حديث ابن عبَّاس.
2 -
أن السَّخَاويّ يتكلَّم على الأحاديث صحةً وضعفًا، ويُناقش من سبقه في الحكم على الأحاديث، وهذا مما يُعطي الكتاب قيمةً علميةً.
فقد رأينا قوله عند رواية حديث ابن عبَّاس: "أخرجه الترمذي عن أبي داود صاحب السُّنن، وقال: إنه حسن غريب، إنما يُعرف من هذا الوجه. وكذا أخرجه البيهقي في "الشُّعب"، ومن قبله الحاكم وقال: صحيح الإِسناد. ومن العجيب ذكر ابن الجوزي له في "العلل المتناهية"".
3 -
يُلاحظ كذلك كثرة ما يُورد المؤلف من الشَّواهد والمتابعات؛ فقد ذكر في النَّصِّ السَّابق ستة طرق لحديث العبَّاس بن عبد المطلب، فهو بذلك يجمع طرق الحديث ليتقوَّى بها.
بل يذكر في الباب الواحد أحيانًا روايات كثيرة، فيقول: وفي الباب عن فلان، وفلان، وفلان
…
ثم يذكرها ومن خرَّجها. وبالله تعالى التوفيق.
* * *