المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثامن المآخذ على الكتاب - استجلاب ارتقاء الغرف بحب أقرباء الرسول - صلى الله عليه وسلم - وذوي الشرف - جـ ١

[السخاوي]

فهرس الكتاب

- ‌شكر وثناء

- ‌تقريظ الدكتور الشيخ عبد المجيد محمود عبد المجيد

- ‌تقريظ الأستاذ الدكتور موفق بن عبد الله بن عبد القادر

- ‌المقدِّمة

- ‌ بواعث ودواعي اختياري للكتاب لتحقيقه

- ‌منهج دراسة الكتاب وتحقيقه

- ‌خطَّة البحث

- ‌روايتي للكتاب عن المؤلف

- ‌ الدِّراسة

- ‌الفصل الأول دراسة حياة المؤلف

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأوَّل اسمه ونسبه و‌‌مولده ونشأتهوأسرته ووفاته

- ‌مولده ونشأته

- ‌اسمه ونسبه وكنيته:

- ‌لقبه:

- ‌أُسرته:

- ‌أولاده:

- ‌وفاته:

- ‌المبحث الثَّاني طلبه للعلم ورحلاته وشيوخه وتلاميذه وأعماله

- ‌مروياته ومسموعاته:

- ‌رحلاته العلمية:

- ‌شيوخه وتلاميذه والأعمال التي قام بها

- ‌أولًا: شيوخه:

- ‌شيوخه في القراءات والتفسير:

- ‌شيوخه في الحديث الشَّريف وعلومه:

- ‌شيوخه في الفقه والأصول:

- ‌شيوخه في العربية:

- ‌ثانيًا: تلاميذه والآخذون عنه:

- ‌ثالثًا: الأعمال والوظائف التي قام بها المؤلف:

- ‌التدريس:

- ‌عقد مجالس الإملاء:

- ‌القضاء:

- ‌المبحث الثالث مكانته العلمية وذكر أشهر مؤلفاته المطبوعة

- ‌مكانة المؤلف عند شيخه الحافظ ابن حجر:

- ‌ثناء العلماء عليه بعد شيخه:

- ‌أشهر مؤلفاته المطبوعة

- ‌عدد مؤلفاته:

- ‌ما كتبه في الحديث وعلومه:

- ‌ما كتبه في ختم بعض الكتب

- ‌ما كتبه على الأبواب والمسائل

- ‌الفصل الثاني دراسة الكتاب

- ‌المبحث الأول تحقيق اسم الكتاب ونسبته للمؤلف ووصف النُّسخ الخطية وبيان منهجي في التحقيق

- ‌المطلب الأول: تحقيق اسم الكتاب

- ‌بيان معنى اسم الكتاب:

- ‌المطلب الثاني: تحقيق نسبة الكتاب للمؤلِّف

- ‌المطلب الثالث: وصف النُّسخ الخطيَّة

- ‌المطلب الرابع: منهجي في تحقيق الكتاب

- ‌المبحث الثانيالتعريف بالكتاب وموضوعاته وقيمته العلمية

- ‌المطلب الأول: موضوعات الكتاب ومحتوياته ومسائله

- ‌سبب تأليف الكتاب:

- ‌ترتيب الكتاب:

- ‌أبرز القضايا الواردة في ثنايا الكتاب:

- ‌المطلب الثَّاني في الكلام على ثلاث قضايا متعلّقة بموضوع الكتاب

- ‌القضية الثانية: (في الشَّرَافة وتاريخها):

- ‌القضية الثالثة: (في التعريف بنقابة الأشراف):

- ‌المطلب الثَّالث: قيمة الكتاب العلمية

- ‌المبحث الثالث منهج المؤلف في الكتاب ومصادره

- ‌المطلب الأول: شرط المؤلف في الكتاب

- ‌المطلب الثاني: منهج المؤلف في الكتاب

- ‌أبرز معالم هذا المنهج:

- ‌أولًا: منهج المؤلف في عرض أبواب الكتاب ومسائله:

- ‌ثانيًا: منهج المؤلف في عرض الأحاديث والآثار في الأبواب وعزوها:

- ‌ثالثًا: منهجه في بيان صحة الأحاديث والآثار

- ‌المطلب الثالث: مصادر المؤلف في الكتاب

- ‌القسم الأول: مصادر أساسية:

- ‌ أولًا: مصادر حديثية أساسية

- ‌ ثانيًا: الأجزاء الحديثية والمشيخات:

- ‌ ثالثًا: مصادر أساسية من كتب التفسير:

- ‌(أ) المصادر التي صرَّح بالنقل عنها:

- ‌(ب) المصادر التي لم يُصرِّح بالنقل عنها:

- ‌المبحث الرَّابع في بيان مذهب السَّلف في أهل البيت

- ‌مجمل معتقد السَّلف في أهل بيت النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌أقوال أئمة السَّلف وأهل العلم والإيمان من بعدهم:

- ‌شروط ولاية أهل السُّنَّة لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الشرط الأول: أن يكونوا مؤمنين مستقيمين على الملة:

- ‌الشرط الثاني: أن يكونوا متَّبعين للسُّنَّة النَّبويَّة الصَّحيحة:

- ‌آل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأولياؤه

- ‌هل القول بتفضيل بني هاشم يعدُّ تفضيلًا مطلقًا

- ‌المبحث الخامس أشهر الكتب المطبوعة في مناقب وفضائل أهل البيت النَّبويِّ

- ‌أولًا: "صحيح البخاري

- ‌ثانيًا: "صحيح مسلم

- ‌المبحث السَّادس موازنة بين كتاب "اسْتِجْلابِ ارْتِقَاءِ الغُرَف" وكتاب "ذخائر العُقْبى في مناقب ذوي القرْبى" للمحبِّ الطَّبريِّ

- ‌المبحث السابع أثر كتاب "استجلاب ارتقاء الغرف" فى الكتب التي أُلِّفت بعده

- ‌المبحث الثامن المآخذ على الكتاب

- ‌المقدِّمة فيمَن حَضَرَنِي مِنْ أقْرِبَاء رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم المنْسُوبِينَ إلى جَدِّهِ الأقْرَبِ عَبْدِ المطَّلب

- ‌تَتمَّةٌ

- ‌1 - بَابُ وَصِيَّةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وخَلِيْفتِهِ بِأهْلِ بَيْته المُشَرَّفِ كُلٌّ مِنْهُمْ بانْتمَائِهِ إليْه وَنِسْبَتِهِ

- ‌ الوَصِيَّةَ الصَّريحةُ بأهْلِ البَيْتِ

- ‌2 - بَابُ الحَثِّ على حُبّهِمْ والقيامِ بواجب حَقِّهمْ

الفصل: ‌المبحث الثامن المآخذ على الكتاب

‌المبحث الثامن المآخذ على الكتاب

لا يخلو أي عمل من أعمال بني آدم من وجود بعض النقص والتقصير؛ فإنَّ الله أبى العصمة إلَّا لكتابه وأنبيائه. ومن الطبعي أن يقف الباحث على بعض المآخذ والملاحظات على أي كتاب من كتب أهل العلم قام بدراسته وتحقيقه والعناية به.

ومما ينبغي أن يُعلم أنه ليس لمثلي -وأنا قصير الباع في العلم والتَّحصيل- أن ينتقد إمامًا كبيرًا كالحافظ السَّخَاويِّ، وإنما هي مجرد ملاحظات قد أصيب فيها وقد أخطئ -ولعلَّ خطئي أكثر من صوابي-، ورائدي في ذكرها تجلية الصَّواب في تلك القضايا، وهذه المآخذ لا تنتقص من المؤلف ولا المؤلف بحالٍ؛ والله المستعان.

وهذه المآخذ تتلخَّص في الآتي:

1 -

وَهْمُهُ في عزو بحض الأحاديث:

ومن ذلك:

(أ) عزا حديث رقم (299) أنَّ أبا بكرٍ رضي الله عنه قال لعليٍّ رضي الله عنه: "والذي نَفْسِي بيده، لَقَرَابَةُ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَبُّ إليَّ أنْ اصِلَ مِنْ قرابتي".

عزاه لـ "صحيح البخاري"(7/ 493 - مع الفتح)، رقم (4241)، وفي مواطن أخرى فقط، والواقع أن الحديث متَّفق عليه، فقد أخرجه مسلم في "صحيحه"(3/ 1380)، رقم (1759).

(ب) عزا حديث أبي هريرة رضي الله عنه، رقم (369) قال:

سُئِل رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ أيُّ النَّاسِ أكرم؟ فقال: "أَكْرَمُهُمْ عند اللَّهِ أَتقَاهُم

"، الحديث.

ص: 208

عزاه لـ "صحيح البخاري" فقط (7/ 362 - مع الفتْح)، رقم (4689)، وفي مواضع أخرى. والواقع أنَّ الحديث متفق عليه، فقد أخرجه مسلم في "صحيحه"(4/ 1846)، رقم (2378).

(ج) عزا حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، رقم (53) يرفعه إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:"أَلا إنَّ لكلِّ نَبيٍّ تَرِكَةً وضَيْعَةً، وإنَّ تَرِكَتِي وَضَيْعَتِي الأَنصارُ، فاحْفَظُوني فيهم"؛ للطَّبرانيِّ في "المعجم الكبير"، والواقع أنَّ الحديث في "المعجم الأوسط"(5/ 464)، رقم (5398).

2 -

تساهله في الحكم على بعض الأحاديث:

مضى الإِشارة فيما سبق أنَّ المؤلف وصف المحبَّ الطبَّريَّ بالتساهل والمسامحة في إيراد الأحاديث

وهذا الذي عابه المؤلف على المحبِّ وقع في شيء منه.

فهناك أحاديث ضعيفة جدًّا حكم عليها بالضَّعف فقط، ومثلها لا ينجبر بغيره

وهناك أحاديث موضوعة فيها كذَّابون أو متَّهمون بالكذب، حكم على بعضها بأنها ضعيفة جدًّا، وأخرى سكت عنها

ومثلها أحاديث منكرة سكت عنها المؤلف ولم يحكم عليها بشيء، مع أنه اشرط على نفسه البيان كما سبق في منهجه.

• وسأذكر على ذلك ثلاثة أمثلة، وإنْ شئتَ فانظر الأرقام التالية:(175، 224، 323، 346):

(أ) حديث الحسن بن عليٍّ رضي الله عنهما برقم (338)، أنَّه قال لمعاوية بن حُدَيْج:

"يا معاوية! إيَّاك وبُغْضَنَا، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يُبْغِضُنَا، ولا يَحْسِدُنا أَحَدٌ إِلَّا ذِيدَ عن الحَوْضِ يَوْمَ القِيامَةِ بِسِيَاط من النَّارِ".

قال المؤلف في تخريجه: "أخرجه الطَّبرانيُّ في "الأوسط" [3/ 99]؛ وسنده ضعيف".

ولي على كلام المؤلف رحمه الله تعالى ملاحظتان:

• الأولى: اقتصاره في عزو الحديث على "المعجم الأوسط" فحسب، فإنَّ الحديث أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" أيضًا (3/ 81)، رقم (2726) بإسناده سواء، وفيه قصة؛ فكان الأولى عزوه إلى المعجميْن.

ص: 209

الملاحظة الثانية: قول المؤلف: "وسنده ضعيف"؛ والواقع أنه ضعيف جدًّا، ولقائلٍ أنَّ يقول: هو موضوع؛ فإنَّ فيه كذَّابًا.

آفته عبد الله بن عمرو الواقِفيّ، كما وقع في الطبراني -بفتح الواو وكسر القاف والفاء- نسبةً إلى بطن في الأوس من الأنصار، كما في "الأنساب" (5/ 567). وقيل: الواقِعيّ -بعد القاف عين مهملة، كما في "تكملة الإكمال"(7/ 306) - وهو الذي رجَّحه ابن نقطة، وهو بهذه النِّسبة في سائر كتب الرجال التي اطَّلعت عليها. وهو كذَّاب، وهو المتَّهم بوضْعه، وقد انفرد به.

قال علي بن المدينيّ، "كان يضع الحديث". وقال الدّارقطنيّ:"بصريّ يكذب".

وقال أبو حاتم: "ليس حديثه بشيء، ضعيف الحديث، كان لا يصدق".

وقال ابن عدي: "أحاديثه كلُّها مقلوبة، وهو إلى الضَّعف أقرب منه إلى الصِّدق".

وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(9/ 172): "رواه الطبراني في "الأوسط" (3/ 99)، وفيه عبد الله بن عمرو الواقفي، وهو كذَّاب". وأورده في (4/ 278) من طريق الطبراني في "الكبير" وأعاد نفس المقال.

انظر: "الجرح والتعديل"(5/ 119)، و "الضعفاء الكبير"(2/ 284)، و"الكامل"(4/ 1569)، "ضعفاء الدارقطني"(ص 264)، و"ضعفاء ابن الجوزي"(2/ 134)، و "الكشف الحثيث"(ص 155)، و "الميزان"(4/ 155)، و"اللسان" (3/ 374.

قلت: فمن هذه حاله لا يُقال في حقِّه إنه ضعيف! والله تعالى أعلم.

(ب) حديث أنس رضي الله عنه رقم (199) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"وعَدَنِي ربِّي في أَهْلِ بيْتي مَنْ أَقرَّ منهم بالتَّوحيدِ، ولي بالبلاغِ أنْ لا يُعَذِّبَهم".

قال المؤلف عقبه: "رواه الحاكم، وقال: صحيح الإِسناد ولم يخرِّجاه! "، وسكت!

وهذا الحكم على الإِسناد والسكوت عليه، فيه نظر، ومتابعة المؤلف للحاكم ههنا ليست بجيدة؛ فإنه منكر لا يصحُّ، ولذا تعقَّب المذَّهبيُّ الحاكمَ بقوله؛ "بل منكر لم يصحّ".

وهو كما قال الحافظ الذَّهبيُّ، فإنَّ مداره على عمر بن سعيد الأبحّ، وهو منكر

ص: 210

الحديث. قال البخاري في "التاريخ الكبير"(6/ 143): "منكر الحديث ". وقال ابن عدي في "الكامل": "في بعض ما يرويه عن سعيد بن أبي عَروبة إنكار". انظر: "مختصر الكامل"(ص 519)، وراجع "الضعفاء الكبير"(3/ 166)، والميزان (5/ 240)، و "المغني"(2/ 117)، و "ضعفاء ابن الجوزي"(2/ 210).

• كما أنَّ في الحديث علةً أُخرى:

وهي اختلاط سعيد بن أبي عَروبة، فقد اختلط في آخر عمره، وطالت مدة اختلاطه، فقيل: خمس سنين، وقيل: عشر، وقيل: ثلاث عشرة. وقد صرَّح الأئمة يحيى بن معين، وأبو أحمد ابن عدي بأنه خلَّط، وأنَّ من سمع منه قديمًا فسماعه صحيح، كسماع يزيد بن زُريع، ومن سمع منه بعد اختلاطه فليس بشيء ولا يُعتمد

(1)

.

وعمر بن سعيد الأبحّ مع نكارة حديثه فقد سمع من سعيد بن أبي عَروبة قبل وفاته بسبعة أيام لا غير، فيكون حديثه ليس بشيء كما قال ابن معين. قال الحاكم (3/ 163) عقب رواية الحديث:"قال عمر بن سعيد الأبحّ: ومات سعيد بن أبي عَروبة يوم الخميس، وكان حدَّث بهذا الحديث يوم الجمعة مات بعده بسبعة أيام في المسجد؛ فقال قوم: لا جزاك الله خيرًا، صاحب رفض وبلاء. وقال قوم: جزاك الله خيرًا، صاحب سنَّة وجماعة، أدَّيت ما سمعتَ". اهـ.

(ج) حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه (رقم 196) يرفعه إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:

"أمَا ترضى أَنْ تكونَ رابعَ أرْبَعَةٍ، أوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ أَنَا، وأَنْتَ، والحَسَن والحُسَيْن رضي الله عنهم، وأزوَاُجنا عن أيْمَانِنا وشمائِلنا، وذُرِّيَّتُنا خَلْفَ أَزوَاجِنا".

قال المؤلف عقبه: "أخرجه الثَّعلبيُّ بنسدٍ فيه الكُدَيْمِيُّ، وهو ضعيف".

وهذا الحكم على الحديث فيه نظر، وذلك أنَّ قوله في حقِّ الكُدَيْمِيُّ، (وهو محمد بن يونس بن موسى) ضعيف، فيه شيء من التساهل! وهو في ذلك تَابَع شيخه الحافظ ابن حجر كما في "التقريب"(ص 912)؛ والذي عليه أكثر الأئمة اتِّهام الكُدَيْميّ وترك روايته.

(1)

انظر: "الكواكب النيرات"(ص 42 - 46)، و"كتاب المختلطين"(ص 41 - 43).

ص: 211

قال الذهبي في "الميزان": "أحد المتروكين". وقال في "التذكرة": "هو واهٍ". وقال ابن عدي: "قد اتُّهم بالوضع، وادَّعى الرِّواية عمن لم يرهم، ترك عامةُ شيوخنا الرِّواية عنه". وقال ابن حبان: "لعلّه وضع أكثر من ألف حديث! "، وقال الحاكم:"ذاهب الحديث، تركه ابن صاعد، وابن عُقْدة، وسمع منه ابن خزيمة ولم يُحدِّث عنه". وقال الإِمام أحمد: "حسن المعرفة ما وُجِدَ عليه إلَّا لصحبته للشاذكوني".

وقال موسى بن هارون وهو متعلِّق بأستار الكعبة: "اللَّهُمَّ إني أشهد أنَّ الكُدَيميّ كذَّابٌ يضع الحديث".

وقال قاسم المطرز: "أنا أجاثي الكُدَيميّ بين يدي الله وأقول: يكذب على نبيِّك! ".

واتَّهمه الدَّارقطنيُّ بالوضع. وقال الحافظ ابن حجر كما مضى: "ضعيف".

وأما إسماعيل الخطبيّ فقال: "ثقة! ما رأيت جمعًا أكثر من مجلسه"؛ فخالف جميع مَنْ سبق!

- انظر: "الميزان"(6/ 378)، و"التهذيب"(9/ 539)، و"تذكرة الحفاظ"(2/ 618)، و"التقريب"(ص 912).

ثم إنَّ الإسناد مسلسل بالضُّعفاء، فقد فات المؤلف النظر في حال رجلين من رجال الإسناد، أحدهما أضعف من الآخر، وهما:

• الأول: إسماعيل بن عمرو البَجَليّ. ضعَّفه أبو حاتم والدَّارقطنيُّ.

وقال ابن عدي: "حدَّث بأحاديث لا يُتابع عليها". وذكره ابن حبان في "ثقاته"! وأثنى عليه إبراهيم بن أروْمة. انظر: "الثقات"(8/ 100)، و"الميزان"(1/ 399).

• الثاني: هو عمر بن موسى بن وجيه الوجيهيّ الحمصيّ.

قال أبو حاتم: "متروك الحديث، ذاهب الحديث، كان يضع الحديث ويروي المناكير". وقال البخاري: "منكر الحديث". وقال النسائي: "متروك الحديث". وقال ابن معين: "ليس بثقة". وقال الدَّارقطنيّ: "متروك". وقال ابن عدي: "هو بيِّن الأمر في الضعفاء، وهو في عداد من يضع الحديث متنًا وسندًا". انظر: "الميزان"(5/ 271)، و"مختصر الكامل"(ص 511)، و "الإِكمال فيمن له رواية في المسند"(ص 308).

ص: 212

3 -

وَهْمُهُ في سياق قصةٍ لأبي جعفر المنصور مع الأوزاعي رحمهما الله: فقد أورد (ص 295) خبرًا مفاده أنَّ الرَّشيد سأل الأوزاعيَّ عن لُبْسِ السَّواد، فقال:"إني لا أحَرِّمُهُ؛ ولكن أكرهه". قال: "ولِمَ؟ ".

قال: "لأنه لا تُحلَّى فيه عروسٌ، ولا يُلبِّي فيه مُحْرِمٌ، ولا يُكفَّن فيه ميِّتٌ

" إلخ القصة

(1)

.

ويظهر أنَّ المؤلف وَهِمَ في عزو هذا الخبر لهارون الرَّشيد؛ فإن القصة المذكورة وقعت بين الخليفة أبي جعفر المنصور والإمام الأوزاعيِّ، وليس بين الرَّشيد والثاني، وذلك لأمور:

الأول: أنَّ الإِمام الأوزاعيَّ لم يدرك خلافة هارون الرَّشيد قطعًا؛ فإنَّ وفاته كانت سنة (157 هـ) في خلافة المنصور

(2)

، والرَّشيد لم يبايَع بالخلافة إلَّا سنة (170 هـ)، فكيف يكون ذلك اللقاء؟ !

الثاني: أنَّ ولادة هارون الرَّشيد كانت سنة (149 هـ) في خلافة المنصور

(3)

، فعلى هذا يكون اللقاء قد حصل بينهما وعمر الخليفة الرَّشيد آنذاك ثمان سنين؛ وهذا مستبعد جدًّا!

الثالث: أنَّ الحافطين الذهبي وابنَ كثيرٍ ذكرا هذه القصة، وأنها وقعت للأوزاعي مع أبي جعفر المنصور، فقد دخل على المنصور ووعظه، فأحبَّه المنصور وعظَّمه، ولما أراد الانصراف استعفى من لُبْس السَّواد، فأجابه المنصور وأذِنَ له.

فلما خرج، قال المنصور للرَّبيع: الحقه فاسأله لِمَ كره السَّواد؟ ولا تُعلِمُهُ أني قلتُ لك.

فسأله الرَّبيع فقال: لأني لم أرَ مُحْرِمًا أحرم فيه، ولا ميتًا كُفِّن فيه، ولا عروسًا جُلِّيتْ فيه؛ فلهذا أكرهه. والله تعالى أعلم.

(1)

انظر: "سير أعلام النبلاء". (7/ 126)، و"البداية والنهاية"(10/ 122).

(2)

انظر ترجمة الأوزاعي في: "سير أعلام النبلاء"(7/ 107 - 134)، و "البداية والنهاية"(10/ 118). وستأتي في (ص 295).

(3)

انظر ترجمة هارون الرشيد في: "الجوهر الثمين"(1/ 125 - 130)، و"تاريخ الخلفاء"(ص 249 - 261). وستأتي في (ص 295).

ص: 213

4 -

أنَّ المؤلف عقد بابًا كاملًا على أساس أحاديث ضعيفة أو موضوعة!

فمثلًا الباب التاسع: (باب مكافأة الرَّسول عليه السلام لمن أحسن إليهم في يوم القيامة)، فمجموع أحاديث هذا الباب أربعة. ثلاثة موضوعات، وواحد ضعيف. فلو أنه ترك ذلك لكان أولى في نظري، إلَّا أنَّ يُقال -ما سبق الإِشارة إليه- إنَّ مراده معرفة جميع ما ورد في هذا الباب.

5 -

إيراده بعض الحكايات الغريبة في الترغيب في إكرام أهل البيت:

فلقد أورد عدة حكايات فيها شيء من النكارة، وأكثرها رؤى منامية، لا تقدِّم ولا تؤخِّر. ولذا فإني علَّقت على كل حكاية وما فيها من الملاحظات -خاصة المتعلقة بالعقيدة- بما يناسبها في موضعها.

وقد يُعتذر للمؤلف بأنَّ جميع ما ذكره من تلك الحكايات إنما نقله عن المقريزي وعزاه إليه، وهو -أعني المقريزي- ممن عُرِفَ بميله الشَّديد لآل البيت، حتى إنه اتَّهمه البعض بالتَّشيُّع

(1)

؛ فكون الحافظ السَّخَاويِّ يحيل إليه؛ فإنه يجعل العهدة عليه.

(1)

وممن اتَّهمه بذلك المصنِّف فيما ذُكِرَ، فلقد أجهد نفسه -أعني المقريزي- بما لا طائل تحته، وصحَّح نسب الخلفاء العلويين العُبيديين الفاطميين الدَّعيَّ، وأشاد بذكر مناقب خلفائهم، وفخَّم من شأنهم! وحاول جاهدًا إثبات نسبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وناقش المُشكّكين في هذا النَّسب!

وله في ذلك كتاب خاصّ سمّاه: "اتِّعاظ الحُنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخُلفا". وكتاب آخر سمَّاه: "النزاع والتخاصم فيما بين بني أُميَّة وبني هاشم". وقد نفاه عنه بعض الباحثين المعاصرين؛ والقضية تحتاج مزيدَ بحثٍ.

- انظر مقدمة الدكتور محمد عاشور لتحقيق كتاب: "معرفة ما يجب لآل البيت"، للمقريزي (ص 11 - 13).

بل إنه جعل نفسه حُسينيًّا عُبيديًّا لأجل حكايةٍ حكيتْ له! ولم يُسلِّم بهذه النِّسبةِ المصنِّفُ فى "الضوء اللامع". ولذا كان ينشر محاسن العُبيدية في كتابه "الخطط المقريزية"، ويُفخِّم من شأنهم بذكر مناقبهم! الأمر الذي جعل العلَّامة الشَّوكانيّ يتعجَّب منه! كما ذكره في "البدر الطالع"(1/ 79).

تجدر الإِشارة: أنَّ سائر العلماء ببغداد نفوا هذا النسب، وذلك في شهر ربيع الآخر سنة (402 هـ)، وكتبوا محضرًا يتضمَّن نفي نسبهم، وأنهم لا نسب لهم إلى علي بن أبي طالب، ولا إلى فاطمة كما يزعمون! بل هم أدعياء كذبة، عُبيديون كفار فسَّاق فجَّار، ملحدون زنادقة معطِّلون، وللإِسلام جاحدون، ولمذهب المجوسية والثَّنَوية معتقدون. =

ص: 214

وقد نبَّه المؤلف في ترجمته من "الضوء"

(1)

، و "التبر"

(2)

أنه كان يُكْثر الاعتماد على مَنْ لا يُوثق به من غير عزو!

قلتُ: وأكثر تلك الحكايات لم يَعْزُها المقريزي لأحد

وما جاء في أبواب الكتاب من الأحاديث والآثار يُغني عن كلِّ ذلك، وفي الصَّحيح غُنْية عن الضَّعيف كما هو مقرَّر.

• وعلى كلٍّ فكما قال الأول:

وَمَن ذَا الذي تُرْضَى سجاياه كلّها

كفى المرء نبلًا أن تعدَّ معايبُه

وبالله تعالى التوفيق، وعليه وحده التكلان، ولا حول ولا قوة إلَّا بالله.

* * *

= انظر: "المنتظم" لابن الجوزي (15/ 82 - 83)، و"الكامل في التاريخ" لابن الأثير (8/ 73)، و"البداية والنهاية" لابن كثير (11/ 369)، و "مرآة الجنان"، لليافعي (3/ 4)، و"النجوم الزاهرة" لابن تغري بردي (4/ 230).

ثم عُمِلَ ببغداد حضرٌ آخر سنة (444 هـ)، يتضمَّن القدح في نسبهم، وعُمِلَ به عدة نُسخ، وسُيِّر في البلاد، وشُيّع بين الحاضر والباد. انظر:"المنتظم"(15/ 336)، و "الكامل في التاريخ"(8/ 310)، و"البداية والنهاية"(12/ 68)، و "مرآة الجنان"(3/ 48).

(1)

انظر: "الضوء اللامع لأهل القرن التاسع"(2/ 23).

(2)

انظر: "التبر المسبوك في الذيل على دول الملوك"(ص 21).

ص: 215

اسْتجلابُ ارتَقَاءِ الغُرَفِ

بِحُبِّ أَقْرِبَاءِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم

وَذَوِي اِلشَّرَفِ

تَألِيفُ

الحَافِظِ شَمْسِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحمنِ السَّخَاوِيِّ

(831 - 902 هـ)

تحقِيق وَدَراسَة

خالد بنْ أحمد الصُّمِّي بابطينْ

الجُزءُ الأوّلُ

(الجزء المحقق)

ص: 217

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلَّى الله على سيِّدِنا محمَّدٍ

(1)

وآله وسلَّم

(2)

الحمد لله الذي فضَّل أهْلَ البَيْتِ النَّبويِّ بالشَّرف

(3)

، وجَعَلَ المعوَّل على اقتفاءِ مَنْهَلِهِم السَّويِّ المجانب للتَّقتير والسَّرف. وأكْرَمَ بالوقوفِ على مَرْتَبَتِهِم مَنْ اختاره، وألْهَمَ إلى العُكُوف على محبَّتهم من صيَّرها شِعَارَهُ ودِثَارَهُ

(4)

. وزَانَ قومًا بالسَّعي في مصالحهم فَهَانَ بما ألفوه لهم

(5)

من الرعيْ قدرُ مكافحهم لتضمُّنِ ذلك الإِجلال لنبيِّنا المطَّلبيِّ الهاشميِّ القرشيِّ.

وتحصَّن كلٌّ منهم بالامتثال في صنيعه من الرَّاشي والمرتشي، خصوصًا إنْ انضمَّ إليه الإحسانُ باللَّحظ للعلماء، لا سيَّما المحدِّثين

(6)

الذين صاروا أقلَّ من القليل بيقين.

(1)

في (م): اللَّهُمَّ صلَّ على سيّدنا محمد. وفي (ك): اللَّهُمَّ صلِّ على محمد وآله وسلِّم.

(2)

جاه في مقدمة (ز)، و (هـ) ما يلي:(قال الشَّيخُ الإمامُ العالمُ العلَّامةُ الحافظُ النَّاقدُ الحُجَّة المُسْنِدُ. شمسُ الدِّين، أبو الخير، محمَّد بنُ عبد الرَّحمن بنِ محمَّد بنِ أبي بكر بنِ عثمان بنِ محمَّد السَّخَاويُّ الشَّافعيُّ؛ أمتع الله الوجود بوجوده؛ آمين). وفي (هـ): (رحمه الله تعالى) بدل (أمتع الله الوجود بوجوده). وفيها أيضًا سياق نسب المؤلف كاملًا وهو لم يرد في (ز)، ولم أثبت هذه المقدِّمة لأنها من كلام النُّسَّاخ.

(3)

(بالشرف) لم ترد في (م).

(4)

الشِّعار: هو الثوب الذي يلي الجسد؛ لإنه يلي ثمره. والدِّثار: هو الثوب الذي فوق الشِّعار، انظر:"النهاية"(2/ 480)، و (2/ 100).

(5)

(لهم) لم ترد في (م).

(6)

في (م)، و (ك): للمحدِّثين.

ص: 219

وكان حريصًا في جَلْبِ ما ينفعهم بالبنان، مع اللفظ والإِجلال المبين، لاختصاصهم عن سائر الفرق نُطْقًا وكتابةً في الورق بكثرة الصَّلاة على مَنْ اختاره الله واصطفاه، وانتصابهم مع الأَرَق لتبْيين ما يندفعُ به اللَّبْس والاشتباه، حتى كأنهم المعنيُّون بقول الشَّارع:

1 -

"أَوْلى النَّاسِ بي أَكْثَرُهُمْ عليَّ صَلاةً"

(1)

.

(1)

إسنادُهُ ضعيفٌ، وهو معلولٌ بالاضطراب، وفيه من لا يُعْرَف.

مداره على موسى بن يعقوب الزَّمْعي، وهو سيِّئ الحفظ، وقد تفرَّد به.

قال علي بن المديني: "ضعيف، منكر الحديث". وقال النسائي: "ليس بالقوي". أما يحيى بن معين فقد وثَّقه كما في "التاريخ" له (2/ 597). وقال الآجري عن أبي دارد: "هو صالح". وقال ابن عدي فيه: "وهو عندي لا بأس به وبرواياته". وقال الحافظ في "التقريب"(ص 987): "صدرق سيَّئ الحفظ". انظر: "التهذيب (10/ 338)، و "الميزان" (6/ 570)، و "الكامل" (6/ 2342)، و"المقاصد الحسنة" (ص 149).

قُلْتُ: وقد اضطرب فيه موسى بن يعقوب الزَّمْعي -لسوء حفظه- على وجوه:

1 -

فقد رواه عن عبد الله بن كيسان، عن عبد الله بن شدَّاد بن الهاد، عن ابن سعود رضي الله عنه:

• أخرجه من هذا الوجه:

الترمذيُّ في "سننه"(2/ 354) في أبواب الصلاة -باب ما جاء في فضل الصلاة على النِّبي صلى الله عليه وسلم، من طريق محمد بن بشارا عن محمد بن خالد، عن موسى بن يعقوب الزَّمعي، عن عبد الله بن كيْسان، عن عبد الله بن شدَّاد بن الهاد، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ ولكنه قال:"يوم القيامة". قال الترمذي عقبه: "هذا حديث حسن غريب".

2 -

ورواه عن عبد الله بن كيسان، عن عبد الله بن شدَّاد، عن أبيه -هكذا بالواسطة- عن ابن مسعود رضي الله عنه:

• أخرجه من هذا الوجه:

ابن أبي شيبة في "مصنفه"(6/ 330) - رقم (31778)، وكذا في "مسنده"(1/ 207) - رقم (306)، وأبو الشيخ في "طبقات المحدثين بأصبهان"(4/ 354)، وأبو الهيثم بن كليب في "مسنده"(1/ 408) - رقم (413 - 414)، وابن حبان في "صحيحه"(3/ 192) - رقم (911) باب ذكر البيان بأنَّ أقرب الناس في القيامة يكون من النبي صلى الله عليه وسلم من كان أكثر صلاة عليه في الدنيا، وأبو يعلى في "مسنده"(8/ 427) - رقم (5011) والبزار في "البحر الزخار"(4/ 278) - رقم (1446)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(2/ 212) - رقم (1564). =

ص: 220

اللَّهُمَّ صلَّ وسلِّم

(1)

على سيِّدنا محمد، وعلى أهْلِ بيته الكرام، وتابعيهم

= 3 - ورواه عن عبد الله بن كيْسان، عن عتبة بن عبد الله، عن ابن مسعود رضي الله عنه:

• أخرجه من هذا الوجه:

البخاري في "التاريخ الكبير"(5/ 177)، من طريق عباس بن أبي شملة، به عنه. وعبَّاس بن أبي شَمْلة لم أجد له ترجمة.

4 -

ورواه عن عبد الله بن كيسان، عن عتبة بن أبي سعيد، عن عتبة بن عبد الله، عن ابن مسعود رضي الله عنه:

• أخرجه من هذا الوجه:

البيهقي في "شعب الإيمان"(2/ 212) - رقم (1563)، عن طريق أبي القاسم بن أبي الزَّناد عنه به. والقاسم لا بأس به كما في "التقريب"(ص 1192).

5 -

ورواه عن عبد الله بن كيسان، عن سعيد بن أبي سعيد، عن ابن عتبة بن مسعود، عن عبد الله بن مسعود!

هكذا عزاه الدَّارقطني في "العلل"(5/ 113) بهذا الإسناد. وقد أخرجه البخارى في "التاريخ الكبير"(5/ 177) - ووقع في المطبوع تصحيف وسقْط، ومن طريق قاسم بن أبي زياد! عن عبد الله بن كيسان، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عتبة بن مسعود، أو عبد الله بن مسعود.

• والحديث له شاهدٌ من حديث أبي أُمامة رضي الله عنه لا يخلو من مقال:

أخرجه البيهقي في "الكبرى"(3/ 249)، و "الشُّعب"(3/ 110) - رقم (3032)، و "حياة الأنبياء بعد وفاتهم"(ص 92) - رقم (12)، من طريق حماد بن سلمة، عن بُرْد بن سنان، عن مكحول الشامي، عن أبي أمامة؛ ولفظه:"أكثروا عليِّ من الصلاة في كلَّ يوم جمعة، فإنًّ صلاة أُمَّتي تُعرض عليَّ في كلِّ يوم جمعة، فمن كان أكثرهم عليَّ صلاةً، كان أقربهم مني منزلة".

قال المنذري في "الترغيب والترهيب"(3/ 303): "رواه البيهقي بإسناد حسن، إلَّا أنَّ مكحولًا قيل لم يسمع من أبي أمامة". وقد جوَّد الحافظُ إسنادَه في "الفتح"(11/ 167) فقال "لا بأس بإسناده".

وقال المصنِّف في "القول البديع"(ص 233) تبعًا لشيخه: "رواه البيهقي بسند لا بأس به، إلَّا أنَّ مكحولًا قيل لم يسمع من أبي أمامة في قول الجمهور، نعم في "مسند الشاميين" للطبراني التصريح بسماعه منه

" إلخ كلامه.

قلتُ: لم أجده في "مسند الشاميين" في مظانه، وقد ذكر ابن القيم في "جلاء الأفهام" (ص 159 - ط. دار ابن الجوزي) أنَّ الحديث فيه علَّتين:

الأولى: أنَّ بُرْد بن سنان قد تُكلِّم فيه، وقد وثَّقه يحيى بن معين وغيره.

العلَّة الثانية: أنَّ مكحولًا قد قيل: إنه لم يسمع من أبي أمامة.

(1)

هكذا في سائر النُّسخ: (اللَّهُم صل وسلِّم)، بينما في (م)، و (ك) دون قوله:(وسلِّم).

ص: 221

القائمين بنشر سنَّته باهتمام.

وبَعْدُ:

فهذا تصنيفٌ شريفٌ في العِتْرَةِ

(1)

العَطِرَةِ الطَّيِّبةِ، والذُّرِّيَّةَ البهيَّة المنتخبة، اشتمل على مقدِّمة، وخاتمة، بينهما فصولٌ وفوائدُ مهمَّة، بالبرهان قائمة من مقبول المنقول؛ جمعتُهُ امتثالًا لإِشارة

(2)

مَن ارْتَقَى بما انْتَقَى من محاسن والده، وذاقَ بفَهْمِهِ الذي رَاقَ حلاوةَ ما استَجْناه من ثمَرِ العلمِ وفوائده، زاده الله حيثُ حَشى من جميل الثَّناء سَمْعَهُ، ومشى بما رأى فيه نَفْعَهُ من طريق الخير وتالده

(3)

، وأبعده سعادة أوليائه، ومتَّع بدوام حياته وبقائه

(4)

.

(1)

العِتْرَة قي الأصل: هم ولد الرجل وذرّيّته وعقبه من صلبه، ويقال: رهطه الأدنون. وعترة الرجل: هم أخصّ أقارب، قال ابن الأثير في "النهاية" (3/ 177):

"وعترة النبي صلى الله عليه وسلم: بنو عبد المطب. وقيل: أهل بيته الأقربون، وهم أولاده، وعليٌّ وأولاده. وقل: عترته الأقربون والأبعدون منهم".

- وانظر: "مختار الصحاح"(ص 307)(عَترَ) و"المصباح المنير"(ص 391).

(2)

(لإشارة)؛ لم ترد في (م).

(3)

يقال الطريف والطارف: وهو في الأصل المال المستحدث والمستطرف. والتالد والتليد والتيلاد بمعنى: المال القديم الأصلي.

وقيل: ما ورثْتَه عن الآباء قديمًا.

- انظر: "لسان العرب"(9/ 214)، و (3/ 99) - طبعة دار صادر (1410 هـ).

ومراد المصنِّف ههنا: من حديث الخير وقديمه؛ والله أعلم.

(4)

الشخص الذي أشار على المصنِّف تصنيفَ هذا الكتاب وجمعه هو: أبو البقاء ابن الجيْعَان البدر، واسمه محمد بن يحيى بن شاكر بن عبد الغني، المولود سنة (847 هـ). وهو من أعيان القرن التاسع، ممن تتلمذ على السَّخَاوي وأخذ عنه. وقد تَرْجَمَهُ في "الضوء اللامع"(11/ 8 - 11) ترجمةً حافلةً.

والحقُّ يُقال: إنِّي ظللتُ مدَّةً من الزَّمن أفَكُرُ وأبحثُ علَّني أقفُ على هذا الشخص الذي طلب من الحافظ السَّخَاوي تأليف هذا الكتاب؛ خصوصًا وقد أثنى عليه المؤلف -في مقدِّمته كما رأيتَ- ثناءً عاطرًا. وقد وقع في نفسي أول الأمر أنه النَّجم عمر بن فهدٍ الهاشمي المكي المتوفى سنة (885 هـ)، فكثيرًا ما يذكره في "الضوء اللامع" بقوله:(صاجنا النَّجم عمر)، وبخاصَّةٍ أنَّ أباه محمد بن فهد المكي المتوفى سنة (871 هـ)، كان من العلماء المبرزين في ذلك العصر. فلمَّا رجعتُ إلى ترجمتهما لم أجد =

ص: 222

وذلك بعد تطلُّبي "ذَخَائر العُقْبى في مناقب ذوي

(1)

القُرْبى"، لشيخ الحجاز المُحِبِّ الطَّبريِّ أبي جعفر

(2)

، الذي طالعتُه فيما مضى وغَبَرَ، فما وجدتُ الآن مَنْ عنه أخْبَر.

ثم بعد إلانتهاء من هذا الجمع، والاقتفاء فيه بما تقرُّ به العين، ويلذُّ في السَّمع؛ رأيتُ المصنَّفَ المشار إليه، والمرغوبَ في الوقوف الآن عليه

(3)

، فوجدتُ غايةَ غرضه، ونهاية منتهضه، تفصيلُ فضائل أكثر من أشَرْتُ لاسمه في الفاتحة،

= لذلك أيَّ إشارة! انظر: (6/ 126 - 131)، و (9/ 281 - 283).

فقلتُ: لعلَّه بإشارةِ ابنِ فَهْدٍ الحفيدِ (عبد العزيز ابن النَّجم عمر)(4/ 224 - 226)، ولكنِّي لم أظفر ببُغْيتي! فضربتُ عن ذلك صَفْحًا.

ثم إنه بعد مُدَّةٍ جرى اتِّصالٌ هاتفيٌّ بالشيخ أبي عُبيدة مشهور بن حسن آل سلمان حول الكتاب؛ إذ للأخير كتابٌ بعنوان "مؤلَّفات الحافظ السَّخَاوي"، أو "مكتبة الحافظ السَّخَاوي"، فَذَكَرَ لي -جزاه الله خيرًا- المواضع التي ذكر فيها السَّخَاوي "ارتقاء الغُرَف" في "الضوء اللامع". فتتبَّعتُها موضعًا موضعًا، حتى وصلتُ إلى (11/ 10) وفيه ترجمة أبي البقاء بن الجيْعان؛ فرأيتُ ما نصُّه:

"وكان قد التمس منِّي في حياة والده وجدِّه تصنيفَ كتاب في "الأشراف"، حين صار يتكلَّمُ في وقف الأشراف رجاءَ رغبة الملك في التَّوجُّه إليهم، ثم بعدهما في "الذَّيل على دول الإسلام للذهبي"؛ فأجبتُه، وذكرت من أوصافه في خطبتها ما يحُسن إثباته هنا. ووقعا عنده موقِعًا، وانتفع بهما الناس؛ فكان مُشاركًا في الثواب بدون إلباس". اهـ.

ثم رجعتُ إلى مقدِّمة "وجيز الكلام في الذيل على دول الإسلام"(1/ 3) فوجدت ما نصُّه:

"وبعدُ: فهذا ذيلٌ تامٌّ على دول الإسلام" لشيخ الحفاظ

، جمعتُهُ امتثالًا لإِشارة مَنْ فاق حسًّا ومعنًى، بحيث استحق المزيد من الحُسنى، ورَاقَ وضْعًا ومعنّى، بحسن التَّصور، وصدق اللهجة، وعَليِّ الهِمَّة، والنهضة إلى المحلِّ الأسنى، وسار سيرًا وفيًّا حتى صار أصْلًا عليًّا، وتولَّدتْ محاسنه من أبيه وجدِّه، وتأكَّدت باجتهاده وجِدِّه

" إلخ كلامه. فالحمد لله على توفيقه.

(1)

في (ك): ذو القربى!

(2)

هو الإمام الحافظ المحدِّث، فقيه الحرم، أحمد بن عبد الله بن محمد الطبري، ثم المكي الشافعي. ولد بمكة سنة (615 هـ)، وبها نشأ وطلب العلم وسمع الكثير، ورحل إلى البدان. من أشهر مؤلفاته:"ذخائر العُقبى"، و "الرياض النضرة في مناقب العشرة"، وغيرهما. مات بمكة سنة (694 هـ). انظر:"تذكرة الحفاظ"(4/ 1474)، و "الأعلام"(1/ 159).

(3)

(عليه) سقطت من (م) دون سائر النُّسخ، ولا يتم السياق إلَّا بها.

ص: 223

والتَّطويلُ بما لا يُبيِّنه

(1)

من الموضوع والمنكر، فضلًا عن الضَّعيف؛ مع سَعَةِ علمه، إلى غير ذلك من التساهل والمسامحة، فعلمتُ بذلك صحَّة مقالة حافظ بلده، حيثُ وَصَفَهُ بهذا، وعدَّه في منتقَده

(2)

.

بل قال شيخُنا

(3)

-وناهيك به من مثله-: "إنه كثيرُ الوَهْمِ في عَزْوه للحديثِ ونَقْلِهِ"

(4)

، هذا مع أنه لم يكن في زمنه مثله في الحرم

(5)

، بل قيل:"إنَّ مَكَّةَ لم تُخْرِجْ بعد إمَامِنَا الشَّافعيِّ نَظِيرَهُ! "

(6)

، لكنَّها مقالةٌ مَخْدوشَةٌ، مع أنَّها لا تَشْفِي من

(1)

في (ك): بما يُبيِّنه!

(2)

أراد المؤلفُ بحافظ بلد المحبِّ الطَّبريِّ المكِّيِّ؛ الحافظَ تقيّ الدِّين محمد بن أحمد الحسنيَّ الفاسيَّ المكيَّ المتوفى سنة (832 هـ)، وانتقاد التقيِّ الفاسيِّ للمحبِّ الطبَّريِّ، ووصفه بالتساهل والمسامحة في الرواية، مع عدم بيانه للضعيف فضلًا عن الموضوع، مذكورٌ في كتابه:"العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين"(3/ 26) - تحقيق: فؤاد سيِّد، في ترجمة المحبِّ الطبريِّ المكِّي، إذ قال رحمه الله تعالى ما نصُّه!

"وله تواليف حسنة في فنون من العلم، إلَّا أنه وقع له في بعض كتبه الحديثية شيء لا يستحسن. وهو أنه ضمَّنها أحاديث ضعيفة وموضوعة في فضائل الأعمال، وفضائل الصحابة رضي الله عنهم، من غير تنبيه على ذلك، ولا ذكر إسنادها ليُعلم منه حالها. وغاية ما صنع أنَّ يقول: أخرجه فلان، ويُسمِّي الطبراني مثلًا أو غيره من مؤلفي الكتب التي أخرج منها الحديث المشار إليه، وكان من حقِّه أنَّ يخرِّج الحديثَ بسنده في الكتاب الذي أخرجه منه، ليسلمَ بذلك من الانتقاد كما سلم به مؤلفُ الكتاب الذي أخرج منه المحبّ الطَّبريُّ الحديثَ الذي خرَّجه. أو يقول: أخرجه الطبراني -مثلًا- بسند ضعيف، كما صنع غير واحد من المحدِّثين في بيان حكم سند الحديث الذي يريدرن إخراجه. أو ذكره بإسناد المؤلف الذي يخرِّجونه من كتابه". اهـ.

(3)

هو الحافظ ابن حجر العسقلاني، المولود سنة (773 هـ)، والمتوفى سنة (852 هـ)؛ فهو شيخه الأول الذي تخرَّج به. بل صرَّح المصنِّف بذلك في مقدِّمة كتابه الشهير "الضوء اللامع"(1/ 5)، عند بيانه لمصطلحاته في الكتاب المشار إليه، فقال:"وكلُّ ما أطلقتُ فيه (شيخنا)، فمرادي به ابن حجر أستاذنا".

قلتُ: بل سار السَّخاوي رحمه الله تعالى على هذا الإطلاق في سائر كتبه وتأليفاته. وانظر: ترجمة ابن حجر في "الضوء اللامع"(2/ 36)، و "طبقات الحفاظ"(ص 552).

(4)

لم أقف على نصِّ كلام ابن حجر فيما بين يدي من المصادر.

(5)

قال التقي الفاسي في "العقد الثمين"(3/ 66): "وجدت بخط القطب الحلبي، في ترجمة المحبِّ: (إنه لم يكن فى زمانه مثله بالحرم المكِّيِّ)؛ وهذا مما لا ريب فيه".

(6)

صاحب هذه المقالة هو الحافظ صلاح الدين العلائي، كما ذكره التقي الفاسي في "العقد الثمين" =

ص: 224

هذا الألم.

على أني لو مشيتُ في هذا المَهْيَعِ

(1)

لجاء في عدة مجلّدات، فيها الكفاية والمقنع، مع بيان السَّمين من الهَزِيلِ، والثَّابتِ المَكِينِ من المُزَلْزَلِ العليلِ، إذ قد جمع الأئمةُ

(2)

في كلٍّ من عليٍّ

(3)

، والعبَّاس

(4)

، والسِّبطين

(5)

تصانيفَ منتشرةً في الناس. وكذا أُفرِدَتْ مناقب الزَّهراء

(6)

وغيرها، ممن علا شَرَفًا وفَخْرًا

(7)

.

ولكنْ ليس غرضُ السَّائل إلَّا إجمال الفضائل التي يَنْدَرِجُ فيها مَنْ بعدهم،

= (3/ 66)، ونصُّ عبارته:"ما أخرجت مكةُ بعد الشافعيِّ مثل المُحِبِّ الطبَّريِّ". قال الفاسي متعِّقبًا هذه المقالة: "وهذه منقبة عظيمة، إلَّا أنها لا تسلم من الاعتراض بمثل الحميدي المكي صاحب الشافعي، وبمثل ابن المنذر، وآخرين من الغرباء".

(1)

المَهْيَعُ -بفتح الميم، بعدها هاء ساكنة، ثم ياء مفتوحة-:"الطريق الواسع الواضح". "القاموس المحيط"(3/ 86) - مادة (م. هـ. ع). وقد ذكر هذه الكلمة أيضًا في مادة (هـ. ي. ع) وقال: "الطريق البيِّن".

(2)

تحرَّفت (الأئمة) في (ك) إلى: الآية! وهو خطأ قطعًا.

(3)

هو أمير المؤمنين أبو الحسن؛ انظر ترجمته في: "الاستيعاب"(3/ 197)، و "الإِصابة"(4/ 464)، و "البداية والنهاية"(7/ 223)، و "التهذيب"(7/ 334)، و "مقاتل الطَّالبيين"(ص 24)، و "عمدة الطالب"(ص 162).

(4)

انظر ترجمته في: "الاستيعاب"(2/ 385)، و"الإصابة"(3/ 511)، و "سير أعلام النبلاء"(2/ 78 - 103)، و "التاريخ الكبير"(7/ 2)، و "تاريخ خليفة"(ص 168)، و"الجرح والتعديل"(6/ 210).

(5)

جاء في "لسان العرب"(7/ 310): "السِّبْط والسِّبْطان والأسْباط خاصَّة الأولاد والمُصَاص منهم، وقيل: السِّبْط واحد الأسباط، وهو ولد الولد".

قال أبن الأثير في "النهاية"(2/ 334) عند الكلام على مادة (سَبَطَ): "

ومنه الحديث الآحر: (الحسن والحسين سِبْطَا رسول الله صلى الله عليه وسلم)، أي طائفتان وقِطعتان منه. وقيل: الأسباط خاصّة الأولاد، وقيل: أولاد الأولاد، وقيل: أولاد البنات".

(6)

انظر ترجمتها في: "الاستيعاب"(4/ 1893)، و "الإصابة"(13/ 71)، و "النبلاء"(2/ 118 - 134)، و"العبر"(1/ 131)، و"التهذيب"(12/ 440)، و "أعلام النساء"(4/ 108 - 132)، وتراجم سيِّدات بيت النبوة" (ص 589 - 647).

(7)

يسَّر الله لي جمع طائفة حسنة من المؤلفات في مناقب أهل البيت النبوي، ستخرج في دراسة مستفيضة عن أهل البيت بعنوان:"دراسات في أهل البيت النَّبوي".

ص: 225

ويَبْتَهِجُ بها من جَعَلَ دَيْدَنَه

(1)

حبَّ أهْلِ البَيتِ وودَّهم.

وقد أتيتُ من ذلك بما لم أقِفْ عليه في ديوان

(2)

، وقلَّدتُ المُحِبَّ في أشياء أضفْتُها إليه من غير بيان، وسَمَّيتُهُ: "اسْتِجْلابُ ارْتِقَاءِ

(3)

الغُرَفِ بِحُبِّ أَقْرباءِ الرَّسُولِ وَذَوِي الشَّرَفِ".

واللهَ أسألُ أنَّ ينفعَ به مصنِّفَه، وجامعَه، وكاتبَه، وقارئَه، وسامعَه، وجميعَ المسلمين، آمين.

* * *

(1)

الدَّيْدَنُ: هو الدَّأب والعادة. "لسان العرب"(13/ 152).

(2)

في (ل): "ارتقاب الغُرف! ".

(3)

الدِّيوان: بكسر الدال على المشهور، وفي لغة بفتحها، وهو فارسي معرب، معناه: مجتمع الصُّحف. انظر: "لسان العرب"(13/ 1656)، و "تهذيب الأسماء واللغات"، للنووي (3/ 107).

ص: 226