الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (1) وجعل العلاقة بينهما آية من آياته الدالة على لطفه وحكمته سبحانه {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (2) وقد حث نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم أمته على النكاح قال صلى الله عليه وسلم:
24 -
(من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)(3) وفي رواية (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج. . . .)(4) وهذا القول معنيّ به الطرفان: الرجل والمرأة، لتبقى حقوق الإنسان مصونة، ولتسير حياتهم في الإطار الصحيح، حتى تتوفر لديهم القدرة والكفاءة اللازمة للوفاء بالحقوق الواجيات.
8/ 4 - المبحث السابع:
المساواة في حق اختيار الزوج:
من أجل قيام حياة بين الرجل والمرأة سعيدة آمنة أباح الله لكل منهما اختيار من يرغب فيه رفيقا في درب الحياة، وجعل ذلك وفق ضوابط شرعية، تجب مراعاتها عند الرغبة في الارتباط بهذا الأمر المصيري الهام، فيجب على الرجل والمرأة أن يبدأ
(1) الآية (1) من سورة النساء.
(2)
الآية (21) من سورة الروم.
(3)
البخاري حديث (1806).
(4)
مسلم حديث (1400).
كل منهما بالاجتهاد في اختيار صاحبه، وفق الضوابط الإسلامية، وقد روي ما يمكن الاستشهاد به
25 -
(تخيّروا لنطفكم فانكحوا الأكفاء وانكحوا إليهم)(1) والمراد بالأكفاء: أهل الدين والورع بالدرجة الأولى، فإذا انضم إلى هذه الكفاءة شيء آخر فهو أفضل وأتم، مثل الكفاءة في العلم والنسب والجاه، وغير ذلك من الأمور التي تزيد الحسن حسنا، والحذر كل الحذر من مخالفة الشرع، لما لذلك من تأثير بإذن الله على نجابة الأبناء من عدمها، وهذا حق للأبناء على الرجل والمرأة أن يفكرا فيه منذ البداية، وكما حذر النبي صلى الله عليه وسلم من المرأة السيئة السلوك فقال:
26 -
(إياكم وخضراء الدمن، فقيل: يا رسول الله، وما خضراء الدمن؟ ، قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء)(2) فقد نبّه المرأة إلى أن تختار ذا الدين، قال صلى الله عليه وسلم:
27 -
(إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرضِ وفساد عريض)(3) فإذا توفر الدين، جاز صرف النظر عما سواه، لذلك قال الله تعالى:{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (4) فحسن الاختيار أمر مطلوب شرعا وعقلا وعرفا، وهو حق شرعي للرجل والمرأة،
(1) ابن ماجه حديث (1968) وفي سنده طعن شديد، لكنه على ما فسرنا مقبول المتن.
(2)
مسند الشهاب حديث (957).
(3)
الترمذي حديث (1090) والأشبه أنه مرسل.
(4)
الآية (32) من سورة النور.
لا يجوز نزعه منهما فلا يجبر أحد من أب ولا سواه، على أن يتزوج من لا يريد، ولا على ترك من اختار على الوجه الصحيح، روى ابن عباس رضي الله عنه قال: إن زوج بريرة كان عبدا، يقال له مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي، ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس:
28 -
(يا عباس، ألا تعجب من شدة حب مغيث بريرة، ومن شدة بغض بريرة مغيثا؟ ! ، فقال لها: لو راجعتيه فإنه أبو ولدك، فقالت: يا رسول الله أتأمرني؟ قال: إنما أنا شافع، قالت: لا حاجة لي فيه)(1) فأمضى لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرادت من ترك زوجها بعد أن أعتقتها عائشة رضي الله عنها، ولم يجبرها على البقاء، مع استعطافه صلى الله عليه وسلم إياها، وشفاعته في أن تبقى رحمة بالزوج والولد، وقولها: أتأمرني؟ يفهم منه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قال: نعم آمرك، لأطاعت دون تردد عملا بقول الله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)} (2) فلما لم يقل ذلك عرفت أنها مخيرة وأن من حقها الرفض، وليس هذا على الإطلاق في حق الفتى والفتاة، بل يجوز التدخل من قبل الولي بالمنع إذا كان القدح بأمر شرعي، فإذا ضل عنه الفتى أو الفتاة وجب على الولي الأخذ على أيديهما، ومنعهما من العبث بشرع الله تعالى، أما إذا كان التعلل بالطبقية مثلا: أغنياء وفقراء، قبيلة وأخرى، عربي وعجمي، ونحو ذلك من ضلالات
(1) البخاري حديث (5283).
(2)
الآية (36) من سورة الأحزاب ..