الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَفِظَ اللَّهُ} (1) هذه صفاتهنّ: محسنات عاملات بالخير، مطيعات لله تعالى ولرسوله في كل أمر ونهي، قائمات بما يجب عليهن من حقوق الله عز وجل، وحقوق رسوله صلى الله عليه وسلم، وحقوق الأزواج، حافظات لطهرهن وعفافهن وشئون حياتهنّ في حضور وغيبة أزواجهن عنهنّ، كل ذلك يتم في إطار ما شرع الله عز وجل.
19/ 5 - المبحث الثامن عشر:
وجوب نفقة المرضعة على الزوج
.
قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (2) فقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} فيه دلالة على أن المرأة لها حق إرضاع طفلها خلال حولين من ولادته، ولا تجوز منازعتها في ذلك، وأن الحولين ليس كمالهما شرطا
(1) الآية (34) من سورة النساء.
(2)
الآية (233) من سورة البقرة ..
في الرضاع، بدليل قوله تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وأن عدم التمام جائز ولا حرج فيه، والمدار في ذلك على ما يصلح به حال المولود، وانتفاء الإضرار به، وهذا في حالة الاتفاق بين الأبوين على الرضاع، أما في حالة عدم موافقة الأم على إرضاع طفلها ولاسيما في حالات الطلاق، فلا تجبر على ذلك، إلا في حالة عدم قبول المولود غير ثديها فيجب عليها أن تقوم بإرضاعه، أخذا من قوله تعالى:{لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} ففيه دلالة على أن ذلك يدور مع مصلحة الطفل، وعلى الأب النفقة فيقدم للأم الطعام والشراب وغير ذلك مما هو متعارف عليه، مما تصلح به صحة الأم الآيل نفعها إلى المولود، وعليه كسوتها مما هو معروف في مجتمعه، أخذا من قوله تعالى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ولا يجوز للمرأة المطالبة بما فوق المعروف من المعاش واللباس، أخذا من قوله تعالى:{لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} وهذا مطابق لقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} (1) فالنفقة مرتبطة باليسر والعسر، وهي واجبة على الآباء للأمهات المرضعات في حالة
(1) الآية (7) من سورة الطلاق.
الطلاق المبتوت، ومن كانت باقية في العصمة فنفقتها واجبة في كل الأحوال.
وفي الآية تضمين لوجوب نفقة المولود على الوالد، وصرّح بالوجوب للأم لأنها محل تغذية المولود بالحليب المباشر منها، وما يتبعه مما يصلح به شأنه، ولأنه في هذه الحال قاصر ضعيف لا حول له ولا قوة، وقد، وأجمع العلماء على أنه يجب على الأب نفقة أولاده الذين لا مال لهم، وقد منع الله الأبوين من المضارة، فلا يضار الأب الأم بأن يمنعها مما يجب عليه لها، أو يحول بينها وبين مولودها، فينتزعه منها، ليهرب من رزقها وكسوتها بالمعروف، وكذلك الأم لا تضار الأب بأن تطالبه بما لا يستطيع بسبب أنها ترضع ولده، وهذا على قراءة الآية على البناء للمفعول، وعلى قراءة البناء للفاعل، فالمراد لا تضر والدة ولدها، فتقصّر في تربيته وغذائه وكسائه، وكذلك الأب لا يضر ولده بانتزاعه من أمه، أو عدم القيام برزقه وكسوته، وما تصلح تربيته.
ولم يكن وجوب نفقة الأم المرضعة قاصرا على الأب، بل يمتد في حالة وفاة الأب إلى الوارث، وذلك في حالات:
الأولى: أن يكون المولود ورث مالا من أبيه فينفق عليه وعلى أمه من ماله الذي ورثه، والثانية: أن لا يكون للصبي مال، فتجب النفقة على وارث الأب الأقرب فالأقرب، والثالثة: قيل المراد بالوارث وارث الأم في حالة موتها، فيجب عليه أن يقوم بالنفقة التي كانت تؤديها الأم لطفلها، أخذا من قوله تعالى:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} (1).
(1) من الآية (233) من سورة البقرة.
ونعود بعد هذا إلى المنفق على المولود أبا كان أو غيره، ونقول إن لهما أي الأبوين، أو المنفق والمرضعة سواء كانت الأم أو أخرى، فإن عليهما حالة الفطام التشاور فيما هو منفعة للطفل، فإذا شاورا غيرهما من أهل الخبرة كالطبيب مثلا، واتفقا وتراضيا على أن فصل المولود عن الرضاع دون الحولين لا يضربه فلا حرج في ذلك، أخذا من قوله تعالى:{فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} (1) وليعلم أن للأب الحق في أن يسترضع للمولود غير أمه، وذلك في حالتين:
الأولى: حالة الوفاق مع الأم على استرضاع الغير، فعلى الأب أن يسلم للمرضعة ما اتفقا عليه أجرة الإرضاع، بطيب نفس وبشر وكرم، وبما هو متعارف عليه في ذلك، لما في ذلك من المصلحة للطفل في رعايته وتربيته، لأن المنازعة في ذلك تنعكس ضررا على المولود.
والثانية: حالة الخلاف مع الأم وقد أرضعت المولود وقتا ثم وقع الخلاف، فإن على الأب أن يسترضع غيرها بعد أن يسلم للأم ما فرض لها، أخذا من قوله تعالى:{وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ} (2) وهذا نظير قوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} (3) ولتنفيذ ذلك على الوجه الشرعي من جميع الأطراف: الأب والأم والوارث والمسترضعة، قال تعالى:
(1) من الآية (233) من سورة البقرة.
(2)
من الآية (233) من سورة البقرة.
(3)
الآية (6) من سورة الطلاق.