الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
18/ 5 - المبحث السابع عشر:
وجوب النفقة على الزوج
.
وانفرد بوجوب نفقة الزوجة أو الزوجات عليه، ولو كان فقيرا، وهي أو هن في غنى وثراء كبير، قال تعالى:{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} (1) والعبرة في النفقة بحال الزوج وقدرته، أي لينفق الزوج على زوجته وعلى أولاده على قدر وسعه، حتى يوسع عليهم إذا كان موسعا عليه، ومن كان فقيرا فعلى قدر ذلك، فتقدر النفقة بحسب الحالة من المنفق، والحاجة من المنفق عليه، بالاجتهاد على مجرى حياة العادة، فينظر الشرع إلى قدر حاجة المنفق عليه، ثم ينظر إلى حالة المنفق، فإن احتملت الحالة أمضاها عليه، فإن اقتصرت حالته على حاجة المنفق عليه ردها إلى قدر احتماله، ولا يكلف الزوج بما لا يقدر عليه، ويسقط اعتبار غنى الزوجة في النفقة، والنفقة حق للزوجة على الزوج تطالبه به ولو كان فقيرا، لكن تعطى على قدر حال الزوج، وليس على قدر غناها، وقد اجتمع نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، يطالبن بالنفقة، ولم يكن صلى الله عليه وسلم قادرا، ولما كان ذلك حقا لهن وهو غير قادر نزلت آية التخيير، فقد طالبن بالنفقة وآذينه بغيرة بعضهن على بعض صلى الله عليه وسلم، فهجرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآلى أن لا يقربهن شهرا، ولم يخرج إلى أصحابه، فقالوا: ما شأنه؟ :
(1) الآية (7) من سورة الطلاق.
100 -
وكانوا يقولون: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، فقال عمر: لأعلمن لكم شأنه، قال: فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أطلقتهن؟ ، قال: لا، قلت: يا رسول الله إني دخلت المسجد والمسلمون يقولون: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، أفأنزل فأخبرهم أنك لم تطلقهن؟ ، قال: نعم إن شئت، فقمت على باب المسجد وناديت بأعلى صوتي: لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، فنزلت هذه الآية:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} (1) قال: فبدأ بعائشة فقال: يا عائشة، إني أريد أن أعرض عليك أمراً أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك، قالت: وما هو يا رسول الله؟ ، فتلا عليها الآية، قالت: أفيك يا رسول الله أستشير أبوي؟ ، بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت، قال:
101 -
(لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها، إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً ميسراً)(2) ولكن أغضبه صلى الله عليه وسلم التغاير في المطالبة، وجاء أبو بكر رضي الله عنه يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد الناس جلوساً ببابه لم يؤذن لأحد منهم، فأذن لأبي بكر رضي الله عنه فدخل ثم أقبل عمر رضي الله عنه فاستأذن فأذن له فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالساً حوله نساؤه واجماً ساكتاً، فقال: لأقولن شيئاً أضحك رسول الله
(1) الآيتان (28، 29) من سورة الأحزاب.
(2)
انظر (تفسير البغوي، سورة الأحزاب).
- صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول، الله لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:
102 -
(هن حولي كما ترى يسألنني النفقة) فقام أبو بكر رضي الله عنه إلى عائشة يجأ عنقها، وقام عمر رضي الله عنه إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول: لا تسألي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً أبداً ليس عنده، ثم اعتزلهن شهراً أو تسعاً وعشرين، وكانت تحته تسع نسوة، فآلى منهن شهرا، ليعلم حكم الله في هذا الموقف، فلما نزلت آية التخيير بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة، وكانت أحبهن إليه فخيرها وقرأ عليها القرآن فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة، فرؤي الفرح في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعنها على ذلك، فلما اخترن الله ورسوله شكرهن الله عز وجل على ذلك وقصره عليهنّ، تكريما لهن من الله تعالى فقال:{لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} (1) وحرمهن على المؤمنين، فقيل لكل واحدة منهن: أم المؤمنين، قال تعالى:{وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} (2).
إن ما ذكرناه مما انفرد به الرجل عن المرأة ليس على سبيل الحصر، وهو يدل على فضل الرجال على النساء {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا
(1) الآية (52) من سورة الأحزاب، وانظر: تفسير البغوي بتصرف.
(2)
الآية (6) من سورة الأحزاب.