الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
30/ 5 - المبحث العاشر:
حق المرأة في كيفية الطلاق
.
كما أن للرجل حقا في طلاق زوجته، في حالة عدم انسياق الحياة الزوجية في مسارها الصحيح، فإن للمرأة حقا في كيفية إلقاء الطلاق عليها، كما طالبن خولة بحكم من الله في قصتها مع زوجها، والكيفية المطلوبة شرعا وردت مبينة في كتاب الله عز وجل قال تعالى:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (1) والمراد الطلاق الرجعي، فإنه يجرى على المرأة بالتدرج كما أمرا الله عز وجل مراعاة للمصلحة الشاملة للأسرة، فيطلق طلقة واحدة، ليبقى المجال فسيحا للصلح، فقد يندم الرجل ويراجع لأي سبب من الأسباب المشروعة، لا للإضرار بالزوجة، ويجب أن يغلب على ظن كل منها أنه في حال المراجعة يقيم حدود الله، فيما يتعلق بحقوق كل منهما على الآخر، عملا بقول الله تعالى:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (2) وليس المراد ظنّ اليقين، إذ لا يعلم ذلك إلا الله تعالى، والمراد بالحدود حقوق الزوجية الواجبة لكل منهما على الآخر، ولو حصل الشك والتردد من أحدهما في إقامة حدود الله في الحقوق الزوجية، فلا تجوز المراجعة خوفا من عدم إقامة الحقوق، وذلك معصية الله عز وجل، فإذا ما تراجعا عادت الزوجة كما كانت قبل الطلقة، ما لم تخرج
(1) من الآية (229) من سورة البقرة.
(2)
الآية (230) من سورة البقرة.
من العدة، فإن لم تحصل الرجعة قبل نهاية العدة، فالمرأة تملك نفسها ولا حق للزوج في إرجاعها إلا بثلاثة شروط: رضاها، ومهر جديد، وعقد جديد، ولو طلق الثانية كان له وعليه ما ذكر، وهذا معنى قوله تعالى:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (1)، فإن طلقها الثالثة فلا تحل له البتة حتى تتزوج رجلا آخر زواجا شرعيا يطؤها فيه، ولا يكفي مجرد العقد، عملا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة امرأة رفاعة القرضي:
143 -
(لا، حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك)(2) ويفارقها بعد ذلك بطلاق أو وفاة، وهذه صفة الطلاق المشروعة، ومن خرج عن هذه الصفة كمن يلقي الطلاق بالثلاث دفعة واحدة فقد خالف الشرع، والأحرى بالمرأة أن تطالبه بالطلاق الشرعي، لأن فيه العدل ومصلحة الأسرة، ويؤكد هذا التعبير بقوله تعالى:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (3) ولم يقل: طلقتان، إشارة إلى أنه يكون مرة بعد مرة، فلا يتوهم أنه يجوز طلقتان في آن واحد، لتفويت المصلحة فيما بعد الطلقة الأولى، وأشار تعالى بقوله:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (4) إلى ما سيكون نافذا بعد الطلقة الأولى أو الثانية، وأنه أحد أمرين: حصول الندم والرغبة في العودة إلى ممارسة الحياة الزوجية، فلا مانع من ذلك بشرط أن يحسن كل منهما عشرة الآخر، وفق ما هو معروف في الشرع، والأمر الثاني:
(1) من الآية (229) من سورة البقرة ..
(2)
البخاري حديث (5317).
(3)
من الآية (229) من سورة البقرة.
(4)
من الآية (229) من سورة البقرة.
عدم الوفاق فيحصل التسريح بإيقاع طلقة ثالثة، ويصح التسريح بترك الرجعة حتى تخرج المرأة من العدة، سواء بعد الطلقة الأولى أو الثانية، وإيقاع الطلقة الثالثة هو الأولى عملا بسياق الكتاب العزيز، بشرط أن يحسن كل منهما إلى الآخر، بقبول ما يقضي به الشرع، ولاسيما إذا كان بينهما أطفال، فتجب مراعاة الحقوق لجميع الأطراف، وفي حالة إيقاع الطلاق في كل الأحوال لا يجوز للرجل أن يأخذ شيئا مما أعطى المرأة مهرا قليلا كان أو كثيرا، عملا بقول الله تعالى:{وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} (1) وكذلك ما أعطاها هبة أو هدية، عملا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(العائد في هبته كالكلب، يقيء ثم يعود في قيئه)(2) وبقول الله تعالى: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (3) والطلاق لا يذهب المروءة والمعروف من الرجل الكريم، وقد قيل: ما أكرم النساء إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم (4) وذلك يشمل حالة الوفاق، وحالة الفراق.
(1) من الآية (228) من سورة البقرة ..
(2)
البخاري حديث (2589) ومسلم حديث (1622).
(3)
الآية (237) من سورة البقرة.
(4)
فيض القدير 3/ 496.