المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌16/ 5 - المبحث الخامس عشر:الولاية العامة والخاصة - حقوق المرأة في ضوء الكتاب والسنة

[مرزوق بن هياس الزهراني]

فهرس الكتاب

- ‌(1)المقدمة

- ‌(2)خطة البحث

- ‌(3)الباب الأول حول الإنسان، وفيه فصلان:

- ‌1/ 3 - الفصل الأول: خلق الإنسان، وفيه مباحث:

- ‌2/ 3 - المبحث الأول: تعريف الإنسان

- ‌3/ 3 - المبحث الثانيبيان أصل خلق الإنسان

- ‌4/ 3 - المبحث الثالثاصطفاء الإنسان وتكريمه

- ‌5/ 3 - الفصل الثاني التوجه والارتباط، وفيه مباحث

- ‌6/ 3 - المبحث الأول: الرسالة إلى الإنسان

- ‌7/ 3 - المبحث الثانيارتباط الإنسان بالرسالة

- ‌(4)الباب الثاني: المساواة بين الرجل والمرأة، وفيه فصلان:

- ‌1/ 4 - الفصل الأول: أصل الخلق وحق الحياة، ومتطلباتها، وفيه مباحث:

- ‌2/ 4 - المبحث الأول: المساواة في أصل الخلق

- ‌3/ 4 - المبحث الثانيالمساواة في حق الحياة

- ‌4/ 4 - المبحث الثالثالمساواة في متطلبات الحياة:

- ‌5/ 4 - المبحث الرابعالمساواة في حق التكريم:

- ‌6/ 4 - المبحث الخامسالمساواة في حق الكسب:

- ‌7/ 4 - المبحث السادس:المساواة في حق النكاح المبني على الشرع:

- ‌8/ 4 - المبحث السابع:المساواة في حق اختيار الزوج:

- ‌9/ 4 - المبحث الثامن:المساواة في حق قضاء الوطر

- ‌10/ 4 - المبحث التاسع:المساواة في تحريم نكاح المشركين:

- ‌11/ 4 الفصل الثانيالمساواة في التكليف وتحمل المسئولية، وفيه مباحث:

- ‌12/ 4 - المبحث الأول: المساواة في التكليف:

- ‌13/ 4 - المبحث الثاني:المساواة في تحمل المسئولية:

- ‌14/ 4 - المبحث الثالث:المساواة في الحدود:

- ‌15/ 4 - المبحث الرابع:المساواة في حق الشورى:

- ‌16/ 4 - المبحث الخامس:المساواة في حرية الرأي:

- ‌17/ 4 - المبحث السادس:المساواة في حق التعليم

- ‌18/ 4 - المبحث السابع:المساواة في حق تعليم الغير

- ‌(5)الباب الثالث: الفروق بين الرجل والمرأة

- ‌1/ 5 - الفصل الأول: ما ينفرد به الرجل عن المرأة

- ‌2/ 5 - المبحث الأول: القوامة

- ‌3/ 5 - المبحث الثاني:وجوب الصلاة في جماعة

- ‌4/ 5 - المبحث الثالث:إباحة الزواج بأكثر من امرأة

- ‌5/ 5 - المبحث الرابع:إباحة الاستمتاع بملك اليمين

- ‌6/ 5 - المبحث الخامس:إباحة الزواج من المرأة الكتابية

- ‌7/ 5 - المبحث السادس:جعل العصمة بيد الرجل

- ‌8/ 5 - المبحث السابع:الطلاق صيغته وصفته للرجل

- ‌9/ 5 - المبحث الثامن:الرجوع عن الطلاق للرجل

- ‌10/ 5 - المبحث التاسع:الإمهال في حالة الإيلاء

- ‌11/ 5 - المبحث العاشر:الولاية على المحارم

- ‌12/ 5 - المبحث الحادي عشر:انتساب الأبناء إلى الآباء

- ‌المبحث الثاني عشر: زيادة النصيب في الميراث وليس مطلقا

- ‌13/ 5 - المبحث الثاني عشر:شهادته باثنتين وليس مطلقا

- ‌14/ 5 - المبحث الثالث عشر:حرمة الاستمتاع من الزوجة بالفرج في حالتي الحيض والنفاس

- ‌15/ 5 - المبحث الرابع عشر:حرمة إتيان الزوجة في الدبر

- ‌16/ 5 - المبحث الخامس عشر:الولاية العامة والخاصة

- ‌17/ 5 - المبحث السادس عشر: الجهاد

- ‌18/ 5 - المبحث السابع عشر:وجوب النفقة على الزوج

- ‌19/ 5 - المبحث الثامن عشر:وجوب نفقة المرضعة على الزوج

- ‌20/ 5 - الفصل الثاني:ما تنفرد به المرأة عن الرجل، وفيه مباحث:

- ‌21/ 5 - المبحث الأول:خلق المرأة من الرجل

- ‌22/ 5 - المبحث الثاني: وجوب الحجاب

- ‌23/ 5 - المبحث الثالث:حق الرضاع والحضانة

- ‌24/ 5 - المبحث الرابع:حق الزينة والتجمل

- ‌25/ 5 - المبحث الخامسحق رعاية الأسرة

- ‌26/ 5 - المبحث السادس:حق الأمومة، وزيادة البر

- ‌27/ 5 - المبحث السابع:عدم وجوب الجهاد

- ‌28/ 5 - المبحث الثامنوجوب العدة على المرأة

- ‌29/ 5 - المبحث التاسع:حرمة كتمان ما يخلق في الأرحام

- ‌30/ 5 - المبحث العاشر:حق المرأة في كيفية الطلاق

- ‌31/ 5 - المبحث الحادي عشر:حق المرأة في المخالعة

- ‌32/ 5 - المبحث الثاني عشر:حق المرأة في العدل عدم المضارة

- ‌33/ 5 - المبحث الثالث عشرحق المرأة الميراث

- ‌(6)الخاتمة

- ‌ فهرس المصادر

الفصل: ‌16/ 5 - المبحث الخامس عشر:الولاية العامة والخاصة

77 -

(من أتى امرأة حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)(1)، وورد من قول أبي هريرة رضي الله عنه:"إتيان النساء والرجال في أدبارهن كفر"(2).

‌16/ 5 - المبحث الخامس عشر:

الولاية العامة والخاصة

.

وأنفرد الرجل في الإسلام بحق الولاية العامة والخاصة، ولم يحدث في الإسلام أن تولت امرأة شأن المسلمين، ولو كان ذلك حقا لأظهره رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو مرة واحدة لبيان الجواز فضلا عن أن يكون حقا للمرأة، ولم يولّ رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة ولاية خاصة ولا عامة، كل الغزوات ولاّها الرجال، ولم يستخلف امرأة على شأن من شئون المسلمين، لا حضرا ولا سفرا، فلو كانت الولاية جائزة للمرأة في الإسلام، ما ولّى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا على المدينة لمّا خرج إلى تبوك، وقد قال عليّ رضي الله عنه: أتخلّفني في الصبيان والنساء؟ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

78 -

(ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه ليس نبي بعدي)(3) المراد أنه استخلف عليا رضي الله عنه كما استخلف موسى عليه السلام هارون عليه السلام على بني إسرائيل، والفارق بينهما أنه لا نبي بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، مع أن عليا رضي الله عنه له أثر عظيم في القتال، فرجّح رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلافه على المدينة، مع وجود النساء الفاضلات: فاطمة بنت رسول الله أم الحسن والحسين، زوج علي رضي الله عنهم، وعائشة أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق، زوج رسول

(1) النسائي في الكبير حديث (9017).

(2)

النسائي في الكبير حديث (9018).

(3)

البخاري حديث (4416).

ص: 113

الله صلى الله عليه وسلم، العالمة الفقيهة، وغيرهما كثير، فلو كانت الولاية جائزة للمرأة لكانت فاطمة أو عائشة أو غيرهما من النساء أولى من عليّ رضي الله عنه بالاستخلاف على الأقل لحاجة المسلمين إلى شجاعة عليّ رضي الله عنه في مواجهة الأعداء، وقد ورد النص من رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدم صحة الولاية للمرأة بقوله:

79 -

(لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)(1) وفي رواية (أسندوا أمرهم إلى امرأة)(2) وفي رواية (تملكهم امرأة)(3) وحين سأل صلى الله عليه وسلم عن أمر فارس بيد من، قالوا: امرأة قال صلى الله عليه وسلم:

80 (ما أفلح قوم يلي أمرهم امرأة)(4) وأشار النسائي رحمه الله بإخراجه في كتاب القضاء إلى عدم جواز تولية المرأة هذا العمل (5) وهذا ما التزم به الخلفاء الراشدون بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يولّ أحد منهم المرأة ولاية خاصة، وكذلك دول الإسلام المتعاقبة، لم تحدث فيها أن تولت المرأة الولاية الخاصة فضلا عن العامة، حتى جاء صنائع الاستعمار من أبناء المسلمين، زاعمين أن الإسلام ظلم المرأة، ومعنى هذا أن خالق المرأة ظلمها إذ لم يأمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بأن تكون فاطمة أو عائشة أو غيرهما من النساء خليفة للمسلمين، ومن ينتصر لهن من خالقهن؟ ! صنائع الاستعمار من الرجال والنساء، المتبعين اليهود والنصارى في محاربة الإسلام، فتشبث من لا يريد للمرأة الحشمة والنقاء، تبعا لغير المسلمين، وطعنا في منهج الإسلام

(1) البخاري حديث (4425، 7099).

(2)

أحمد حديث (20402، 20474، 20477).

(3)

أحمد حديث (20438، 20478، 20517).

(4)

أحمد حديث (20508).

(5)

النسائي حديث (5388).

ص: 114

القويم، بشبهات يثيرها ضد الإسلام، وليس المراد نصر المرأة، لأنها منصورة من خالقها، بما قرر لها من حقوق في الإسلام، لكن المراد إبعاد المرأة عن الحشمة والحياء، ليحصل لهم من المتعة المحرمة ما رأوه في نساء الغرب، وإذا فعلت المرأة المسلمة ذلك تكون قد رفضت سنن النبي صلى الله عليه وسلم، واحتضنت سنن اليهود والنصارى وغيرهم من الملحدين، وقد نبّه إلى هذا الخطر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة حين قال:

81 -

(لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ )(1)، وهذا الإخبار يضاف إلى معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فكأني به ينظر ويسمع ما يفعله أعداء الإسلام والقيم من بني جلدتنا، وأسيادهم الساعين إلى تدمير الإسلام في نفوس أهله، وليس المراد أن ذلك يحصل لكل فرد من المسلمين، وإنما أراد الإخبار عن وجود هذا الصنف في المسلمين، فهم من المسلمين في النسب، لا في السلوك والسبب، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:

82 -

(من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، والله المعطي وأنا القاسم، ولا تزال هذه الأمة ظاهرين على من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون)(2)، إذن فالذين ينادون بولاية المرأة ما هم إلا جهلة بدين الإسلام، أو أعداء له اتبعوا غير سبيل المسلين، فالله عز وجل أعرف بالمرأة وقدراتها، وما تصلح له وما لا تصلح له {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (3) وعلى فرض صلاحية

(1) البخاري حديث (3456).

(2)

البخاري (3116).

(3)

الآية (14) من سورة الملك.

ص: 115

بعض المسترجلات من النساء للولاية، نقول ذلك ممنوع في حق المرأة المسلمة لأنها متعبدة بتنفيذ ما أمرها الله بتركه، كما تعبّدها بعمل ما أمرها به، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بلّغ الأمة أن لا يولّوا امرأة، روى أبو بكرة رضي الله عنه قال: لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الجمل، بعد ما كدت أن ألحق بأصحاب الجمل، فأقاتل معهم، قال: لما بلغ رسول الله أن أهل فارس ملّكوا عليهم بنت كسرى، قال:

83 -

(لن يفلح قوما ولو أمرهم امرأة) قال أبو بكرة رضي الله عنه: فلما قدمت عائشة البصرة ذكرت ذلك، فعصمني الله به، اعتبر أبو بكرة رضي الله عنه قدوم عائشة لمحاربة علي ولاية لها ممن قدم بها، فذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في ولاية المرأة، فتوقف عن قتال علي رضي الله عنه، هذا فهم الصحابة رضي الله عنهم للإسلام، فهم يذعنون لحكم الله ورسوله، من غير تمحّل ولا فلسفة، ولا يقتدون بغير نبيهم، ولا يفرطون في دينهم {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} (1) فلم يقل أبو بكرة رضي الله عنه هذه بنت أبي بكر خليل رسول الله، وزوج رسول الله، وأم المؤمنين لها من العلم والفقه وصفات الفضل ما يجعلني أقاتل تحت لوائها، وهي حقيقة بالإمارة، لم ترد بذهن أبي بكرة هذه الأفكار، لأنه يقتدي بأعظم من عائشة رضي الله عنها من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، فخطّأ عائشة وأغمد سيفه، ولو فعل غير ذلك لكان واقعا في ضلالة، وهي مخالفته

(1) الآية (36) من سورة الأحزاب.

ص: 116

لما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، من عدم فلاح من ولّوا أمرهم امرأة، وقتال عليّ رضي الله عنه ظلما وعدوانا، وعائشة نفسها رضي الله عنها أدركت خطأها في ذلك الخروج حينما سمعت كلاب الحوأب تنبح قالت: أي ماء هذا؟ ، قالوا ماء الحوأب، قالت: ما أظنني إلا أني راجعة، فقال بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله عز وجل ذات بينهم، قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها ذات يوم:

84 -

(كيف بأحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب)(1) وهذا الإخبار أيضا فيه معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو إنكار على من يحصل لها ذلك، وهو ما دعا عائشة أن تنقله بأمانة، ولو كانت هي الواقعة فيما أنكره رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تكن عائشة رضي الله عنها خرجت لولاية ولا قيادة، وإنما خرجت للإصلاح، لأن لها مقاما عند المسلمين فإذا دعتهم إلى التوافق على الحق، ونهتهم عن المنكر يستجاب لها في ذلك، ومن المصائب التي وقعت على المسلمين ما أقدم علية من كان معدودا في علماء السنة، ولا يزال كذلك إن شاء الله، ولكنه وقع في أمر عظيم، ما نعتبره إلا نزغا أصابه من الشيطان، إذ أقدم على مخالفة أهل السنة والجماعة قاطبة، وتحمّل وزر القدح في أبي بكرة رضي الله عنه، والطعن في البخاري رحمه الله، بل في علماء الأمة كافة، والتطريق لأعداء السنة بالطعن في أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل: صحيح البخاري، وبيان هذا أن أبا بكرة رضي الله عنه أقام عليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الحد لشهادته على المغيرة رضي الله عنه بالزنى، لعدم توفر النصاب أربعة، وقد أجمع العلماء: أهل الرواية والدراية

(1) أحمد (24254).

ص: 117

من عهد التابعين إلى يومنا هذا على قبول مرويات أبي بكرة رضي الله عنه، ولم يتفوه أحد بكلمة سوى هذا المبتلى اليوم، وكان والله يسعه ما وسع الأئمة طيلة ما مضى من القرون، لكنها فتنة أصيب بها في فكره إذ خرج بهذا الرأي الباطل، مفارقا به علماء الأمة، وفي دينه إذ تولى كبر الطن في أبي بكرة رضي الله عنه أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مخالفا بذلك أصحاب رسول الله ومن بعدهم من أصحاب القرون المفضلة، ومن بعدهم من أئمة الهدى والدين إلى يومنا هذا، فرماه بالفسق والكذب وهذا في حد ذاته ذنب عظيم، وقد أجمع العلماء أن أبا بكرة رضي الله عنه لم يكن قاذفا، وإنما كان شاهدا، وأقيم عليه الحد على سبيل عدم كمال النصاب في الشهادة، وقد كانوا أربعة لكن تردد أحدهم في الشهادة، فاعتبر عمر ذلك خللا في الشهادة فجلد الثلاثة ومنهم أبو بكرة رضي الله عنه، وكان حقه أن تقبل روايته وترد شهادته على قول، والقول الثاني: تقبل روايته وشهادة، وقد درج الأئمة على قبول روايته إلى يومنا هذا وإلى يوم القيامة إن شاء الله، والبلية الثانية طعنه في الإمام البخاري الذي لم تعرف الدنيا مثله من عصره إلى يومنا هذا، وقد عرف الناس البخاري ولا مقارنة بين الرجلين أصلا، مردفا بالطعن في كتابه الصحيح، الموصوف من الأئمة بأنه أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل، إذ قال:"فينبغي أن يضم هذا الحديث إلى الأحاديث الموضوعة المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم " هكذا موضوع؟ ! ! والعلماء عجزوا عن إيجاد حديث واحد ضعيف في البخاري لا تقوم به حجة، وقد حاول أئمة أكبر من عالمنا هذا مئات المرات ولم يقل أحد منهم هذه المقالة؛ لأنهم كانوا يبحثون عن حق يقولونه، وقد جهّل علماء الأمة بفهمه السقيم فما مثله إلا كما قال الشاعر محمد بن أحمد بن عبيد الله الكاتب:

ص: 118

وطاول البقل فروع الميس

وهبت العنز لقرع التيس (1)

ولعله قال هذا من أجل مساندة دعاة تحرير المرأة لذلك انبرى فوقع في هذا المنزلق الخطير؛ لأن المدافع عن الباطل لا يأتي إلا بباطل أو أشد، والعجيب أن الرجل في ختام مقاله الذي لم يوفق فيه، يسأل الله التوفيق لغيره من الناس، ولو تدبر ما كتب بتجرد، وتذكر الغاية التي من أجلها كتب مقاله لأدركه التوفيق، ولكانت عنده السلامة مما وقع فيه خيرا له من ملأ الأرض ذهبا (2)، وهو بهذا المقال الشنيع ساند أهل الباطل من دعاة تحرير المرأة المسلمة، الزاعمين أن لها حقا في الولاية العامة والخاصة، وليس الأمر كذلك وهم إما جهلة بالإسلام ووضع المرأة فيه فأتوا من قبل الجهل، وإما أنهم يعلمون ذلك ولكن زاغوا عما في الإسلام متبعين سنن اليهود والنصارى، فيكونوا من المضلين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

85 -

(إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين)(3) ولذلك قال عمر رضي الله عنه لزياد ابن حدير:

86 -

"هل تعرف ما يهدم الإسلام؟ ، قال: قلت: لا، قال: يهدمه زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين"(4)

(1) معجم الأدباء 17/ 198.

(2)

كتب شيخنا العالم الرباني والقدوة المنافح عن السنة وأهلها: الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد، ردا على العالم المذكور، بعد مهاتفته وبيان ما وقع في مقاله من إثم، وما له من عاقبة سيئة، ولم يستجب للنصح، فبادر الشيخ أثابه الله إلى الرد على مقاله في رسالة بعنوان (الدفاع عن أبي بكرة ومروياته والاستدلال لمنع ولاية النساء على الرجال) نصر فيها السنة وبين الحق ودمغ الباطل، في علم جم ونصح عظيم وأدب كريم، أثابه الله وبارك في جهوده.

(3)

الدارمي حديث (116).

(4)

الدارمي حديث (221).

ص: 119

وصدق التابعي الجليل سعيد بن جبير لما أجاب حين سأله هلال بن خباب عن علامة هلاك الناس فقال: "إذا هلك علماؤهم (1) "؛ لأن غلط العالم لا يضره وحده، بل يضر الأمة: المتأثر به مباشرة وغير المتأثر، لم يسلم من عداوة من تأثر به وتابعه على خطئه، فتكون القيم الإسلامية عند هؤلاء منكر، كما يزعم دعاة تحرير المرأة منها، ويصدق عليهم قول علي رضي الله عنه:

87 -

"تعلموا العلم تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، فإنه سيأتي بعد هذا زمان لا يعرف فيه تسعة عشرائهم المعروف، ولا ينجو منه إلا كل نومة (2)، فأولئك أئمة الهدى ومصابيح العلم، ليسوا بالمساييح (3) ولا المذاييع (4) البذر"(5) وقد حذّر هرم بن حيان من العالم الفاسق، فقال:"إياكم والعالم الفاسق"، فبلغ عمر بن الخطاب رضوان الله عليه فكتب إليه وأشفق منها:"ما العالم الفاسق؟ "، قال: فكتب إليه هرم: "يا أمير المؤمنين والله ما أردت به إلا الخير، يكون إمام يتكلم بالعلم ويعمل بالفسق، فيشبّه على الناس فيضلوا"(6)، وهؤلاء الذين يرون أن القيم الإسلامية تقاليد بالية، وأن المرأة لم تأخذ حقها في الإسلام هم يتكلمون على أنهم علماء، ويعملون على خروج المرأة عن القيم الإسلامية، ويشككونها في عدالة الإسلام، وهذا هو الفسق عينه، لأننا من عهد النبوة إلى أن ظهرت قوى الاستعمار لم نقف على مثل هذه الدعاوى، وما هي إلا من نتاج الاستعمار، ومن شذ من

(1) الدارمي حديث (248).

(2)

أي: غافل عما هم فيه من الضلال.

(3)

أي: الذين يسعون بالشر والنميمة (النهاية 2/ 432).

(4)

كثيروا الكلام.

(5)

الدارمي حديث (266).

(6)

الدارمي حديث (303).

ص: 120

أبناء المسلمين فنعق بمقالتهم، ومخالفة سائر المسلمين، قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله:"إذا رأيت قوما ينتجون (1) بأمر دون عامتهم، فهم على تأسيس الضلالة"(2) وهؤلاء في الحقيقة لم يرضوا بما حكم الله وشرع من حقوق الرجل والمرأة، ويزعمون أنهم من أهل العلم، وقد ورد في الأثر:"كيف يكون من أهل العلم من سخط رزقه واحتقر منزلته، وقد علم أن ذلك من علم الله وقدرته، كيف يكون من أهل العلم من اتهم الله فيما قضى له"(3)، والحق أن المرأة لا تصلح لولاية الناس ولاية عامة ولا خاصة؛ لأن طبيعة خلقها وما كلفها الله به من العبادات تتعارض تماما مع ممارستها الولاية بقسميها، وهذا ما أجمع علية الأئمة من عهد الصحابة إلى يومنا هذا، قال ابن حزم رحمه الله: وجميع فرق أهل الملة ليس منهم أحد يجيز إمامة المرأة (4)، وقال البغوي رحمه الله:"اتفقوا على أن المرأة لا تصلح أن تكون إماما ولا قاضيا؛ لأن الإمام يحتاج إلى الخروج لإقامة أمر الجهاد، والقيام بأمور المسلمين، والقاضي يحتاج إلى البروز لفصل الخصومات"(5)، وليس هذا كما يزعم دعاة الحرية احتقارا لفكر المرأة وقدرتها على العطاء في مجال الرجل، لكنه الأمر الذي يحفظ عليها سلامة ما خلقت له، ولو تولت المرأة أبسط أمور الولاية لاستدعى ذلك منها الوقوع في أمور تفضي إلى إبطال عدة عبادات تعبدها الله بها، ومن تلك الأمور:

(1) من النجوى، ومنه: لا ينتجي اثنان دون صاحبهما، أي لا يتسارّان منفردين عنه (النهاية 5/ 25).

(2)

الدارمي حديث (310).

(3)

الدارمي حديث (373) ..

(4)

الفصل 4/ 179.

(5)

شرح السنة 10/ 77.

ص: 121

الأول: ضياع الأمر الذي خلقت المرأة من أجله بعد عبادة الله عز وجل وهو الإنجاب والتربية ورعاية الأسرة، وهذا من أسباب أمر النساء بالقرار في البيوت، قال تعالى:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} (1) فالقرار في البيت أمر طبعي للمرأة يوافق ما جبلت عليه، وهو أمر تعبدي لأن المرأة مدعوة إلى الاحتساب في الإنجاب والتربية، وأن تكون الغاية من ذلك عبادة الله وقوة الأمة المسلمة، حينما تكون تربيتها لأبنائها وفق القيم الإسلامية، قال صلى الله عليه وسلم:

88 -

(وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله، أياتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ ، قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ ، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرا)(2) روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة، وينهى عن التبتل نهيا شديدا"، ويقول:

89 -

(تزوجوا الودود الولود، إني مكاثر الأنبياء يوم القيامة)(3) ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:

90 -

(من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، وخير نسوة ركبن الإبل صالح نساء قريش، أرعاه على زوج في ذات يده، وأحناه على ولد في صغره)(4)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

91 -

(من ابتلي من هذه البنات بشيء كنّ له سترا من النار)(5) وسمّاه صلى الله عليه وسلم بلاء؛ لأن تربية البنات أصعب من الأولاد

(1) الآية (33) من سورة الأحزاب.

(2)

مسلم حديث (1006).

(3)

أحمد حديث (12613).

(4)

أحمد حديث (16929).

(5)

البخاري حديث (1418) ومسلم حديث (2629).

ص: 122

ومراقبتهن والمحافظة عليهنّ تبقى مستمرة إلى الموت، فكان الأجر أعظم، وهنّ من عمل الوالد إذا مات انتفع بدعائهنّ وبرهن، قال صلى الله عليه وسلم:

92 -

(إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)(1) ولا يتحقق هذا إلا بقرار المرأة في البيت، والقيام بحق الرعاية على الوجه الذي شرعه الله، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

93 -

(والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها)(2) إنه شرف للمرأة المسلمة أن تنجب وتربي وترعا، وتخرّج الأجيال من أمثال أبي بكر وعمر ومن بعدهم من عظماء الأمة المسلمة، لقد غاض الأعداء ما حققته المرأة المسلمة في ظل الإسلام فكادوا لها كيدا عظيما، وأعظمه ما كان بألسنة وأقلام من يزعمون أنهم من المسلين.

والثاني: نزع الحجاب وقد أمرت به شرعا وغايته الأولى طاعة الله ورسوله، وما يترتب عليه من المصالح الفردية والاجتماعية أمر بالغ الأهمية في الإسلام، وهذا من أسباب نهيهنّ عن التبرج {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (3) لما في نزع الحجاب والتبرج من فساد للفرد والمجتمع.

والثالث: الاختلاط بغير المحارم، وقد تعبدها الله عز وجل بعدم الاختلاط، والذي يؤدي في الغالب إلى التبرج المنهي عنه، فقد

(1) مسلم حديث (1631).

(2)

البخاري حديث (853).

(3)

الآية (33) من سورة الأحزاب.

ص: 123

كان التبرج في الجاهلية مقترنا بالإختلاط، وعدم التبرج من أسبابه الأمر بالقرار في البيوت الوارد في آية الأحزاب، وقد قال صلى الله عليه وسلم:

94 -

(إياكم والخلوة بالنساء، والذي نفسي بيده ما خلا رجل وامرأة إلا دخل الشيطان بينهما، وليزحم رجل خنزيرا متلطخا بطين أو حمأة خير له من أن يزحم منكبه منكب امرأة لا تحل له)(1) والمراد بهذا في غير ما ضرورة، كالمزاحمة في العمرة والحج، وما كان أمرا ضروريا لابد للمرأة منه، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ولو كان يجوز للمرأة أن تخالط غير المحارم لكان أخو الزوج - - - - الحمو - - - - أولى الناس بذلك، ولكن اعتبره الرسول صلى الله عليه وسلم خطرا وشبّهه بالموت (2) لشدة ضرره لو حصل اختلاط، وهذا لازم ولايتها أن تكون مرجعا لعامة الناس، وهو ما تتحقق به المفاسد السابقة، وذهاب ما تتحقق به عبادة المرأة فيما ذكرنا، ويلحق بهذا ما يتعلق بما يسمونه اليوم الانتخابات، فإن المرأة لا تنتخب من الرجال من يتولى شأنا من شئون المسلمين، ولم يحدث أن شاركت المرأة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن إلى أن جاء صنائع الاستعمار، فنفثوا سمومهم في بعض البلدان، نعم قد يتسامح إذا كان الأمر شأنا نسائيا بحتا، وتقدّم من النساء من هنّ ذوات علم وعقل ودين، فإن ذلك يكون مقبولا لعلم النساء بشئونهنّ الخاصة، فليراجع دعاة التحرير من الرجال والنساء أنفسهم، إن كانوا مسلمين، وليحذروا أن يقولوا يوم

(1) الطبراني في الكبير، حديث (7830).

(2)

البخاري حديث (5232) ومسلم حديث (2172).

ص: 124

القيامة: {يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا} (1)، وقد روى التابعي أبو الزاهرية: حدير بن كريب: إن الله تعالى قال:

95 -

(أبث العلم في آخر الزمان حتى يعلمه الرجل والمرأة، والعبد والحر والصغير والكبير، فإذا فعلت ذلك بهم أخذتهم بحقي عليهم)(2) وهذا والله منطبق على زماننا هذا، تعلم الكثيرون، ولكن لم ينتفعوا بعلمهم إلا في الجدل العقيم، ومحاربة القيم الإسلامية، حبا في الشهرة والأضواء، وتسويقا لقيم الغرب وأخلاقه، وأخشى أن يقال لهم يوم القيامة:{هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} (3) وحقه عليهم الدفاع عن كل ما شرعه في كتابه أو على لسان رسوله، أو على لسان الخلفاء الراشدين، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:

96 -

(فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا، واياكم ومحدثات الأمور، فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ)(4). ومما يبرر به دعاة التحرير آراءهم الفاسدة ومعهم من تصدّى للطّعن في أبي بكرة رضي الله عنه استشهادهم بتولي "أنديرا غاندي، ومارغريت تاتشر" وبلقيس، وغيرهن مما لم يذكرون، وهذا والله

(1) الآية (66) من سورة الأحزاب ..

(2)

الدارمي حديث (260).

(3)

الآية (109) من سورة النساء.

(4)

الترمذي حديث (2676) وقال: حسن صحيح.

ص: 125

سفه في العقول، وضعف في الدين؛ وهل تستوي المرأة المسلمة والكافر؟ ، هل يستوي من يرجو الله واليوم الآخر ومن لا يرجو الله واليوم الآخر؟ ، هل يستوي من يؤمن بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ومن لا يؤمن بها، هل يستوي من يؤمن بقول الله عز وجل:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (1) ومن لا يؤمن بهّ؟ ! ! ، إذا حكم هؤلاء النساء وحققن نجاحات، فما للمسلمات والكافرات؟ ، علما بأن النجاحات مصادرها الرجال المساعدون لهنّ، وهنّ فيهم كالشعرة السوداء في الثور الأبيض، ولا يبعد أن جعل هذا طعما للمرأة المسلمة، وحجة للمغرورين، ولكن صاحب الهوى لا يعقل، إن الله عز وجل تعبّد المسلمات بما يناقض ما عليه الكافرات، مما تقدم بيانه، وليس للمتشبثين بولاية المرأة مستند في قصة بلقيس، فإنها لم تكن مؤمنة حينذاك، فلما قدمت على سليمان، أذعنت لسطوته وسلطانه، فـ {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2) وبعد إيمانها أختلف النقل في أمرها تزوجت سليمان أم تبع، بقيت على ملكها أم لا، وشرع من قبلنا ليس شرعا لنا إلا ما أمرنا به شرعنا، وليس في الإسلام ما يجيز الولاية للمرأة، ومن قال بالجواز فقد تحمّل أمرا عظيما يسأل عنه يوم القيامة.

إن حرية المرأة معلومة في الإسلام، لا مطعن فيها ولا اعتراض عليها من المسلمين، فخالقها العالم بما يصلحها وما يفسدها حدد

(1) الآية (85) من سورة آل عمران.

(2)

الآية (44) من سورة النمل ..

ص: 126

واجباتها، وبين حقوقها، في إطار يكرمها ويجعلها عزيزة مصونة إلى أن تلقى الله عز وجل، والذين يعترضون على حقوق المرأة وغيرها من الأمور المشروعة في الإسلام، وهذا لا يخلو من أحوال ثلاث:

الحالة الأولى: أن يكون المعترض غير مؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما نزل عليه من الحق، كاليهود والنصارى والذين أشركوا، فهذا لا غرابة في طعنه على حقوق المرأة وغيرها من الأحكام الشرعية في الإسلام، لأنه عدو للإسلام ونبيه جملة وتفصيلا، فمن الطبعي جدا أن يمكر ويدبر ويخطط لكسر ما عند عدوه من قيم وفضائل، ترتقي بها المرأة عن مرابض الدواب وسلوكياتها، كما هو الحال في بلاد الغرب ومن شايعها، ولنا مع هؤلاء موقفان:

الموقف الأول: في حال أن تكون دعوتهم قاصرة على نسائهم، فهذا لا نعارضه ولا شأن لنا به، لأنها حياتهم وشؤونهم الخاصة بهم وبنسائهم، فهم لا يؤمنون بالإسلام ولا بقيمه، وما بعد الكفر ذنب.

الموقف الثاني: أن تستهدف المرأة المسلمة، وتصدّر إليها خسائر المرأة الكافرة، لتكون مثلها، فهنا الموقف الذي يجب الصمود فيه من كل مسلم، يؤمن بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا، وهو جهاد فكري فرض عين على كل عالم بالكتاب والسنة ذكرا أو أنثى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (1)

(1) الآية (71) من سورة التوبة.

ص: 127

وذلك الاستنفار والفرض العينى سببه استهداف الإسلام من أعدائه، وهنا تتضح مواقف المسلمين كما اتضحت في عهد رسول الله، ولا يخلو الموقف من أمرين:

الأمر الأول: الاستجابة الكاملة للذود عن الإسلام جملة وتفصيلا من كل المسلمين، وأعني بالكل العلماء، وهنا لا إشكال.

الأمر الثاني: أن يتوقف البعض ولا يعتبر الأمر خطرا، لشبهات تعرض، أو تأويلات تحدث، بحكم التوجه الفكري، أو قلة العلم الشرعي، فهذا يجب على العلماء النصح له وبيان الحق، متابعة أفكاره، وبيان ما فيها من حق وباطل، حتى لا يغتر به الآخرون ولاسيما إذا كان منتميا إلى الثقافة المعاصرة.

الحالة الثانية: أن يكون المعترض من المفتونين بحضارة الغرب يروق له ما يروق لهم، وهنا نفصّل في الأمر بعض الشيء: فإن كان عربيا غير مسلم فلا مشكلة لأننا نعلم أن من تدبير عدوا الإسلام اصطياد المغرورين بما لديه من تفوق علمي واقتصادي، وانفلات في القيم والفضائل، باسم الحرية، وهؤلاء تتفق خطورتهم مع غير العرب في الكيد للإسلام، وينفردون بدعوى الوطنية، فجعلوا منظّرين لمواطنيهم، وقد نجح الأعداء في استخدام هؤلاء للتأثير على البلهاء من أبناء المسلمين، فكونوا قطعانا من البشر يسونها في أوطان المسلمين لتنفيذ مشروع تدمير الإسلام، بألفاظ معسولة، وأفكار مغسولة من القيم والفضائل، تذليلا لإنشاء مراتع الشهوات، والقضاء على الإسلام وأهله، لأن الإسلام مجموعة قيم وفضائل، يرتبط بعضها ببعض، فإذا فكّكت سهل القضاء عليها واحدة تلو الأخرى، وللأسف نجحت تلك القطعان في القيام بخدمة العدو، بسبب ما هيئ لهم من التلميع الإعلامي، والوصول بهم إلى مراكز مؤثرة في

ص: 128

السلوك الاجتماعي، فاستجالوا الكثيرين من البسطاء من أبناء المسلمين، لانبهارهم بما حصل عليه هؤلاء من شهرة، وتسويق واسع لأفكارهم المسمومة، ولبعد أبناء المسلمين عن نهج العهد النبوي والخلافة الراشدة، ولذلك وقعوا في حبائل الأعداء وأذنابهم.

الحالة الثالثة: أن يكون المعترض من أبناء المسلمين الذين أوفدوا إلى بلاد الأعداء وهم غير محصنين بالقيم والفضائل الدينية، فهم أخذوا جرعات محدود، سرعان ما تبددت من أذهانهم إما لأنهم أخذوها لغرض دنيوي، وانتهى استذكارها والعمل بها بعد الحصول على الشهادة ومنحة السفر إلى بلاد الأعداء، أو أنها لم تكن كافية ولضعف التحصيل فيها تبددت أمام ما رأى من حضارة في بلاد الغرب، وأمام ما قدم له من أفكار أسهمت في القضاء إلى حد كبير على ما لديه من قيم وفضائل إسلامية، بعد أن أقنعوه بأن السبب في عدم وجود تلك الحضارة في بلاد الإسلام بالصورة ذاتها في بلاد الغرب إنما هو الإسلام الذي يحرّم كل شيء في نظرهم، هذه الثلة من أبناء المسلمين عادة إلى الوطن الإسلامي سهاما مسمومة وموجهة إلى الجسد الإسلامي بحقد شديد، وهم من القطعان الذين تقدمت الإشارة إليهم، لكنهم أخطر منهم في اتخاذ القرار، فأولئك منظّرون، وهؤلاء مجنّدون لهدم الإسلام بدعوى التحرير، والتقدم والتحضر، بعد أن رموا الإسلام زورا وبهتانا بأنه سبب في التخلف والتحجّر، وكبت الحريات، وهذه الثلة مهمتها تهيئة الناس للمشروع المعادي للإسلام، ليتم اتخاذ القرار من مالكيه في الوقت المناسب، ولا يخلو حال هذه الثلة من أحد أمرين:

ص: 129

(أ) إما أن تكون لهم بقية من قيم ومرجعية دينية، لكنهم يرون حصرها في العبادة، ولا علاقة لها بشؤون الحياة على مبدأ فصل الدين عن الدولة، وهؤلاء خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، والعمل السيئ كبير جدا وأثره على الإسلام وأهله كبير، وهو ما أوصل المسلمين اليوم إلى الذّلّ والإذعان للغرب في كل المجالات، وتحجيم الدور الإسلامي في حياة المسلمين إلى حد بدأ الأعداء يفكرون في تنفيذ أسباب اقتلاعه من جذوره، ليعود المسلمون في جاهلية جديدة تفوق الجاهلية الأولى، فلا هم بالمسلمين، حقا ولا هم كفار من الدرجة الأولى عند الغرب، وإن رضي الغرب بالنتيجة فسوف يكونون كفارا من الدرجة الثالثة وربما أبعد، على غرار معاملة إسرائيل لليهود فليسوا كلهم في طبقة واحدة.

(ب) وإما أن تكون مرجعية القيم لديهم غربية بحته ولا علاقة لها بالإسلام ففي هذه الحال أصبحوا أعداء خلّص للإسلام وأهله شأنهم شأن الغرب تماما، والواقع أن العالم الإسلامي لا يخلوا من أصحاب الأمرين، وهم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:

97 -

(دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، قال حذيفة رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله، صفهم لنا، قال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا)(1) وكم من أبناء المسلمين من خرج ضالا مضلا يدعي النبوة، وكم منهم من ينادي باستبعاد العمل بالسنة النبوية الصحيحة، هؤلاء يخشون الإسلام، ويخافون من الملتزمين به على الوجه الصحيح، فإذا ما سنحت لهم فرصة لضربه تذرعوا بأي خطأ يقع من شاذ، أو جاهل مراهق غرّر به، أو جماعة لم تسلك المنهج النبوي الصحيح، وعمّموا ذلك

(1) انظر رقم (6673).

ص: 130

على المسلمين، وأجروا التنكيل بكل أحد، دون وازع ولا ضمير، وما أكثر ما تغيب حقوق الإنسان في السجون والمعتقلات، ولا يطالبون بها إلا في حالة مناقضة الإسلام، وتدمير ما جاء به من الحق، فماذا يقول أبناء جلدتنا، والذين يتكلمون بألسنتنا؟ ! ، إذا ما لقوا ربهم، أم أنهم لا يؤمنون بالبعث؟ ولا مفر لهم من لقاء الله تعالى، إنهم صنائع الغرب لضرب الإسلام في عقر داره، وبأيدي أبنائه العاقين المارقين، هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، وهذا غيض من فيض، والأمثلة كثيرة ولا حصر لها، وتبارك القطعان الموجهة من أعداء الإسلام هذه التصرفات، ويطبّل لها الإعلام الخائن المأجور، وتتقبّل الشعوب الإمعة الساذجة هذه الترهات، ويكمم دعاة الحق والفضيلة، ويقتل منهم من يقتل، ويوضع في غياهب السجون الآلاف المؤلفة منهم يسامون سوء العذاب، كل هذا يتم بواسطة صنائع الغرب من أبناء المسلين، هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، وتمر بهم الأحداث إلى أن يكشف التاريخ للشعوب، ما أخفاه الغرب وقطعانه المسرّحة لهدم الإسلام وأهله، وحينئذ يتبرأ المتبوع من التابع، وينطبق عليهم قول الله تعالى:{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} (1).

(ج) وإما أن يكونوا رعاعا، يتبعون كل ناعق بحق وباطل، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(1) الآية (166) من سورة البقرة.

ص: 131

98 -

(لا تكونوا إمعة تقُولون: إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا)(1) وقد قابلنا الكثيرين منهم وناقشونا فيما يخص بلادنا مهد الإسلام ومنبع الفضيلة، زادها الله شرفا وحماية، وحرسها من كل عدو ولاسيّما الأعداء اللذين هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، ناقشنا السّذج منهم فلما أوضحنا لهم الحق مستندين في ذلك إلى الكتاب والسنة، والبيان وفق الواقع والشواهد من الأحداث، قالوا: ما عرفنا هذا، ظنناهم يريدون الخير لنا ولبلادنا، فكأني بهم لسذاجتهم إمعات إن أحسن الناس أحسنوا، وإن ظلموا ظلموا، وكأني بهم عند ظهور الحق ينطبق عليهم قول الله تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} (2) هذا واقع المسلمين اليوم، بعد عن نهج النبوة والخلافة الراشدة، وشتات وفرقة، وهوى متبع، وشهوات لا حصر لها، وتدمير للقيم والفضيلة، وظلم واستبداد، واتّباع لفكر الغرب ومخرجاته المنتنة، فتحقق في الأمة الإسلامية أنها غثاء كغثاء السيل، وهذا لا نريد به العموم، ولكن المراد الغالب.

أما النساء المستغربات فلسن صنائع مباشرة للغرب، بل صنائع الصنائع، فأولياؤهن من الصنائع، أو من الأتباع السذج دعوهن إلى الفكر الغربي، وسمحوا لهن بالتبرج، وتلقي الفكر الغربي، ومنهم من أوفد موليته إلى الغرب لتتلقّى ما تلقّى هو من السموم، من منابعها الدنسة، ومنهم من ساير الآخرين من الأتباع السذج،

(1) أخرجه الترمذي حديث (2075).

(2)

الآية (167) من سورة البقرة.

ص: 132

فخرج على الإسلام نساء ينكرن ما جاء به في شأن المرأة: فالحجاب يطلبن بدلا عنه تبرج الجاهلية الأولى، والعدّة في الطلاق أو الوفاة ينادين بإلغائها والاكتفاء بالكشف المخبري، والأجانب عندهن لا فرق بينهم وبين المحارم، تكلم من تريد، وتجلس مع من تريد، وتسافر مع من تريد، في وقت نسيت أو تناست المرأة المغرورة، أن ربها وخالقها تعبّدها بهذه الأمور فالحكمة منها قبل كل شيء التعبد لله لأنه تعالى يقول:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1) ومن ثمار التعبد ظهور القيم والفضائل والعزة والكرامة في أكمل صورها، فالله تعالى خلق الإنسان وجعله يعيش حياة دنيوية قصيرة، لابتلائه بما جاءت به الرسل، فيظهر المحسن والمسيء، وينال كل منهما جزاءه في الحياة الآخرة الأبدية، قال تعالى:{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (2) ومقتضى ما أقدم عليه المستغربون رجالا ونساء من ذلك السلوك وتلك الدعوة القذرة، أن الله الذي خلق المرأة جهل ما يصلحها، وأن ما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة لم يعد صالحا لحال المرأة اليوم، ولا عادلا في شأنها، وأصبحت قوانين الغرب وسلوكياته هي ما يصلح به شأن المرأة، فالمستغربون اليوم أحسن منهم الجاهليون الأولون حين قالوا:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} (3) وقد كان آباؤهم على

(1) الآية (56) من سورة الذاريات.

(2)

الآية (1) من سورة الملك ..

(3)

من الآية (170) من سورة البقرة.

ص: 133

الضلال، فلم يبغوا بما كان عليه آباؤهم بديلا، والمستغربون اليوم وجدوا آباءهم على الحق والهدى، نهج لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فبرزوا لهدم ما عليه آباؤهم من الهدى، وتباروا لإرساء الزندقة والكفر على أنقاض القيم والفضيلة الإسلامية، كل هذا من أجل مشاركة الغرب حياتهم البهيمية {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} (1)، وتداعت الأمم اليوم على المسلمين من كل حدب وصوب، بعد أن دمروا الأخلاق والقيم، ينهبون الثرواث، ويسومون المسلمين سوء العذاب، والمسلمون يصدق عليهم أنهم غثاء، وليسوا في نظري أحسن حالا من قبيلة إياد في الجاهلية التي استعدى عليها أعداؤها من كل مكان، ولم يسمعوا نداء المصلح من عقلائها وهو أحد شعرائها:

لقيط بن يعمر الإيادي إذ قال لهم في قصيدته المشهورة، ومنها:

بل أيها الركب المزجي على عجل

نحو الجزيرةمرتادا ومنتجعا

أبلغ إيادا، وخلل في سراتهم

إني أرى الرأي إن لم أعص قد نصعا

يا لهف نفسي أن كانت أموركم

شتى وأحكم أمر الناس فاجتمعا

ألا تخافون قوما لا أبا لكم

أمسوا إليكم كأمثال الدبا سرعا

فهم سراع إليكم بين ملتقط

شوكا وآخر يجني الصاب والسلعا

لو أن جمعهم راموا بهدته

شم الشماريخ من ثهلان لانصدعا

في كل يوم يسنون الحراب لكم

لا يهجعون إذا ما غافل هجعا

خرزا عيونهم كأن لحضهم

حريق نار ترى منه السنا قطعا

(1) من الآية (44) من سورة الفرقان.

ص: 134

لا الحرث يشغلهم بل لا يرون لهم

من دون بيضتكم ريا ولا شبعا

وانتم تحرثون الأرض عن سفه

في كل معتمل تبغون مزدرعا

وتلبسون ثياب الأمن ضاحية

لا تجمعون وهذا الليث قد جمعا

وقد أظلكم من شطر ثغركم

هول له ظلم تغشاكم قطعا

ما لي أراكم نياما في بلهنية

وقد ترون شهاب الحرب قد سطعا

فاشفوا غليلي برأي منكم حسن

يضحى فؤادي له ريان قد نقعا

قوموا قياما على أمشاط أرجلكم

ثم افزعوا قد ينال الأمن من فزعا

يا قوم إن لكم من عز أولكم

إرثا أحاذر أن يودى فينقطعا

يا قوم لا تأمنوا إن كنتم غيرا

على نسائكم كسرى وما جمعا

هو الجلاء الذي يجتث أصلكم

فشمروا واستعدوا للحروب معا

هذا كتابي إليكم والنذير معا

فمن رأى مثل ذا رأيا ومن سمعا

لقد بذلت لكم نصحي بلا دخل

فاستيقضوا إن خير العلم ما نفعا (1)

هذا حال المسلمين والله اليوم مع أعداء المسلمين، ولا يأس من روح الله، فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وتبقى طائفة من المسلمين، المؤمنين بالإسلام الصحيح، أتباع عهد النبوة والخلافة الراشدة، وينتصر الإسلام، ويقوى المسلمون، ويختم لهم بخير، خبر من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم.

(1) انظر: الموسوعة الشعرية ومصادرها.

ص: 135