الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كانوا من المؤمنين بالله فعليهم تنفيذ شرعه، قال تعالى:{ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (1) وقد يكون من الولي ابتداء بمنعها من الزواج أصلا لأسباب مادية، كأن تكون ذات دخل مادي، فيؤخر زواجها أو يمنعه استثمارا لدخلها المادي، وهذا غالبا يكون من الآباء، أو يكون الولي ذا ثروة فلا يزوجها خوفا من مشاركة الزوج فيما قد ترثه، وهذا قد يحدث من الآباء وغيرهم من الأولياء، وهو من ظلم المرأة، الوارد النهي عنه في الآية الكريمة.
33/ 5 - المبحث الثالث عشر
حق المرأة الميراث
.
المواريث حق شرعه الله تعالى بين عباده الذكور والإناث، تولى سبحانه تقسيمه، على مقتضي الخلق والتكليف وتحمل المسئولية بين الرجل والمرأة، ولم يكل ذلك التقسيم إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل، فقال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ
(1) من الآية (232) من سورة البقرة.
فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} (1) وقال تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} (2) هذه وصية الله للمؤمنين به ذكورا وإناثا، والوصية منه تعالى فريضة يجب على المؤمن قبولها دون تردد، وهذا غاية العدل منه تعالى بين عباده، ومن شك في ذلك أو نسب الجور إليه فلاشك في كفره، لمعارضته لحكم أحكم الحاكمين عز وجل، وطعنه في ركن من أركان العدل بين الرجل والمرأة، ولقد كان علم الفرائض من أهم المهمات عند أصحاب رسول الله رضي الله عنهم، والتابعين لهم بإحسان، لأنه معقد العدل
(1) الآية (11) من سورة النساء.
(2)
الآية (12) من سورة النساء ..
بين الرجل والمرأة، فقوله:{لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (1) حكم شرعي قائم بذاته وذلك في حال اجتماع الذكور والإناث، أما في حال انفراد الفرع الوارث فإن كان ذكرا فله جميع الميراث {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} (2) أي ولم يكن معهن ذكر، ويلاحظ أن السياق القرآني الكريم ورد بالجمع فقد يقول قائل: إن الثلثين فريضة ثلاث من البنات فأكثر، ولم يسم فرض البنتين، وقد لا حظ العلماء هذا فقال ابن عباس رضي الله عنهما لهما النصف، وقال الجماهير: لهما الثلثان اعتمادا على قصة امرأة سعد بن الربيع روى جابر رضي الله عنه قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنتيها من سعد فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع، قتل أبوهما معك في أحد شهيدا، وإن عمهما أخذ مالهما، فلم يدع لهما مالا، ولا ينكحان إلا ولهما مال؟ ، قال: فقال:
145 -
(يقضي الله في ذلك، قال فنزلت آية الميراث، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما، فقال: أعط ابنتي سعد الثلثين، وأمهما الثمن، ما بقي فهو لك)(3) وللبنت النصف عملا بقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} (4) وهذا كله في حالة عدم وجود الذكر، فريضة من الله عز وجل، لا ينازع فيها مؤمن، هذه
(1) من الآية (11) من سورة النساء.
(2)
من الآية (11) من سورة النساء.
(3)
أحمد حديث (14781).
(4)
من الآية (11) من سورة النساء.
القسمة فيما يتعلق بالفروع من البنين والبنات، أما الأصول من الآباء والأمهات والأجداد والجدات ففي قوله تعالى:{وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} (1) أي إن كان له ولد ذكر أو أنثى، لأن مسمى الولد يشمل الذكر والأنثى، لكنه إذا وجد الذكر من الأولاد وحده، أو مع الأنثى منهم فليس للجد إلا الثلث، وإن وجدت أنثى وحدها كان للجد السدس بالفرض، ويكون عصبة فيما عدا السدس، وهذا جلي لا إشكال فيه، ويتراجع نصيب الأم إلى السدس في حالة عدم الفرع الوارث، ووجود الإخوة، قال تعالى:{فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (2) والمراد سدس التركة، لأن الأخوين فأكثر يحجبان الأم عن الثلث إلى السدس، وكذلك الأختين فأكثر، ويرتفع ميراث الأم إلى ثلث التركة في حالة لم يكن للميت وارث إلا الأبوين، وينقص إلى ثلث الباقي في حالة وجود أحد الزوجين، وقد أشكل ميراث الجد بعد موت أبي بكر رضي الله عنه فقد أنزله منزلة الأب، ولا ميراث للإخوة معه، ولم يخالف أبا بكر أحد من الصحابة طيلة حياته رضي الله عنه، ووقع الخلاف بعد موت أبي بكر رضي الله عنه، فمن العلماء من سار على نهج أبي بكر، ومنهم من ورّثه مع الإخوة مطلقا، وقال الجماهير: إن الجد يسقط بني الإخوة، الذكور والإناث على حد سواء، أما الجدة فقد حصل الإجماع على أنها ترث السدس إذا لم تكن أم الميت
(1) من الآية (11) من سورة النساء.
(2)
من الآية (11) من سورة النساء ..
على قيد الحياة، وتسقط مع وجود الأم، والجدة أم الأم لا تسقط بوجود الأب.
أما قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (1) فالمراد به بيان أن هذه الفروض لا يستحقها أصحابها إلا بعد نفاذ الوصية التي يوصي بها الميت، لأنها آخر حقوقه من ماله، وبعد قضاء ديونه، لأنه مرهون بها، وقضاء الدين مقدم على الوصية، والوصية لا تكون إلا في الثلث، ولا تجوز الوصية لوارث.
أما قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} (2) فالمراد مطلق الولد منه أو من غيره ذكرا كان أو أنثى، ويدخل في ذلك أولاد الأبناء {فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (3) ولا يستحق الفرض إلا بعد نفاذ الوصية التي توصي بها الميتة، لأنها آخر حقوقها من مالها، وبعد قضاء ديونها، لأنها مرهونة بها، وقضاء الدين مقدم على الوصية، والوصية لا تكون إلا في الثلث، ولا تجوز الوصية لوارث، وكذلك الزوجات يرثن الأزواج {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ} (4) من بطنها أو من غيرها
(1) من الآية (11) من سورة النساء.
(2)
من الآية (12) من سورة النساء.
(3)
من الآية (12) من سورة النساء.
(4)
من الآية (12) من سورة النساء.
ويدخل في مسمى الولد أبناء وبنات البنين، والبنات على حد سواء {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (1) ولا تستحق الفروض إلا بعد نفاذ الوصية التي يوصي بها الميت، لأنها آخر حقوقه من ماله، وبعد قضاء ديونه، لأنه مرهون بها، وقضاء الدين مقدم على الوصية، والوصية لا تكون إلا في الثلث، ولا تجوز الوصية لوارث، ولو كان للميت أكثر من زوجة فهن شركاء في الربع أو الثمن وفق الحالة من وجود الولد وعدمه، ومن تكريم المرأة أن فرض لها الإسلام حق الإرث من الزوج بمجرد العقد، فلو مات الزوج بعد العقد وقبل الدخول وجب للمرأة المعقود عليها نصيبها من تركة الزوج، وذلك بمقتضى قول الله عز وجل:{وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (2) وكما هو حق للمرأة فهو كذلك حق للرجل بمقتضى قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (3).
(1) من الآية (12) من سورة النساء ..
(2)
من الآية (12) من سورة النساء.
(3)
من الآية (12) من سورة النساء.
أما من لم يكن له فرع وارث ولا أصل وارث، سواء كان رجلا أو امرأة، ولكن ترك أو تركت أخا أو أختا ففرض كل منهما السدس، عملا بقوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} (1) ولو كان الأخوة أو الأخوات أكثر من واحد، فيشتركون في الثلث، والمراد بهم الإخوة من الأم لا غير، عملا بقوله تعالى:{فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} (2) وأسهمهم متساوية لا فرق بين الذكر والأنثى، وهم عند استيفاء الفروض مقدمون على الإخوة الأشقاء أو لأب، كما في المسألة المعروفة بالحمارية وهي: أن تترك المرأة زوجا، وأما، وأخوين لأم، وإخوة أشقاء، فإن للزوج النصف، وللأم السدس، وللأخوين لأم الثلث، ولا شيء للإخوة الأشقاء، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم:
146 -
(ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر)(3) وفي كل الأحوال لابد من استيفاء الوصية من الثلث من غير مضارة، وقضاء الدين، والمضارة في الوصية ما زاد على الثلث، وأقل منه أولى وأحب، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
(1) الآية (12) من سورة النساء.
(2)
الآية (12) من سورة النساء.
(3)
البخاري حديث (6732) ومسلم حديث (1615).
147 -
(فالثلث والثلث كثير، إنك إن تدع ورثتك أغنياء، خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس في أيديهم)(1) والوصية حق للذكر والأنثى على حد سواء وقد تأخذ المرأة مثل حظ الرجل، كما في المسألة الحمارية فالأخوة لأم يشتركون في الثلث الذكر والإناث بالتساوي، وكذلك الأخ لأم والأخت لأم يرث كل منهما السدس، إذا لم يوجد الحاجب لهما، وكما في ميراث الأبوين مع الأولاد، فإن للأب السدس، وللأم السدس، من غير تفريق بينهما، وقد تكون المرأة أكثر نصيبا من الرجل، كما لو تركت المرأة زوجها وبنتها، فإن للزوج الربع، وللبنت النصف، وكما لو ترك المتوفى زوجة، وبنتين، وأخاه، فالزوجة لها الثمن، وللبنتين الثلثين، والباقي للعم أخو الميت، ويكون نصيب كل بنت أكثر من نصيب الرجل عمهما، فأين الظلم للمرأة؟ ! ولما لم يقل الناعقون بظلم الرجل في هذا؟ ! ولو قالوا به لكنا لهم بالمرصاد، لأن الحكم صادر من أحكم الحاكمين، وهل يبقى لأحد شيء من الإيمان إذا نسب الظلم والجور إلى الخلاق العليم؟ ! ، الذي أرسى العدل بين عباده، وجعل الإسلام وسطا بين جاهليتين: الجاهلية الأولى التي حرمت النساء والصغار من الميراث، والجاهلية المعاصرة التي تدعي المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، وهو أمر قد حسمه الخلاق العليم، وجعل تعالى كافة الأحكام المذكورة في المواريث حدودا لا يجوز لأحد تجاوزها كائنا من كان، قال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ
(1) أحمد حديث (2742).