الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى غير نهابة، وهذا لأن تقديرها غير متناهية يستلزم أن لا يكون بعدها شيء.
فحينئذ إذا قيل: بعد كل واحد غيره، كان التقدير أن الجملة ليس لها بعد، ولكل واحد من أجزائها بعد.
ومعلوم أن مثل هذا حكم الجملة فيه ليس حكم الأفراد، وكذلك إذ قدر أنه لا أول للجملة، ولكل منها أول.
وكذلك إذا قيل: إن الجملة كل، وجميع، ومجموع، أومستدير، أومربع، أو مثلث، أو حيوان، أو إنسان لم يلزم أن يكون كل من أجزائها كلاً، ولا مدوراً، ولا حيواناً.
ولكن الذي يبين فساد مذهب هؤلاء الفلاسفة أن يقال: قد علم بصريح العقل واتفاق العقلاء امتناع التسلسل في العلل، وأما وجود حوادث لا تتناهى فلا ننازعهم فيه مطلقاً، إذ كان أئمة السنة يقولون بذلك في أفعال الرب وأقواله.
لكن تبين خطؤهم من وجوه:
فساد مذهب الفلاسفة من وجوه
(الوجه الأول)
أن قولهم يتضمن وجود حوادث لا تتناهى في آن واحد، وهذا محال باتفاقهم مع جماهير العقلاء، بل بتضمن وجود تمام علل
ومعلولات لا تتناهي في آن واحد، ووجود ممكنات لا تتناهى في آن واحد، وهذا مما يصرحون بامتناعه، مع قيام الدليل على امتناعه، وتضمن امتناع وجود حادث، ووجود الحوادث بلا مؤثر تام، وكل هذا ممتنع.
وذلك أن أصلهم أن المعلول يجب مقارنته لعلته التامة في الزمان، لا يتعقبها ولا يتراخى عنها، فيكون الأثر مع التأثير التام.
وكثير من المتكلمين يقولون: يجوز أن يتراخى.
والصحيح قول ثالث، وهو أن يتعقبه: لا يكون معه، ولا متراخياً عنه.
وذلك يستلزم حدوث كل ما سوى الله تعالى.
وأما على قولهم فيلزم أن لا يحدث شيء في الوجود، بل يكون كل ممكن قديماً أزلياً، لوجود علته التامة في الأزل.
ويلزم أن لا يحدث شيء لامتناع حدوث الحادث بدون سبب حادث، والأول يمتنع عندهم أن يحدث عنه شيء، ويلزم أنه كلما حدث حادث حدثت حوادث لا نهاية لها، فإنهم يقولون: لا يحدث حادث حتى تحدث تمام علته.
فيقال: وذلك التمام حادث، فيحتاج أن يحدث معه تمام علته وهلم جراً، فيلزم وجود تمام علل ومعلولات لا تتناهى في آن واحد.
وهذا ممتنع، كامتناع علل ومعلولات لاتتناهى في آن واحد، إذ لا فرق بين امناع التسلسل في ذات العلة وفي تمامها، إذ كانت لا تصير علة بالفعل إلا إذا كانت تامة.