الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الملة» .
وفي رواية أبي معاوية عنه: إلا على هذه الملة حتى يبين عنه لسانه، فهذا صريح في أنه يولد على ملة الإسلام، كما فسره ابن شهاب راوي الحديث، واستشهاد أبي هريرة بالآية يدل على ذلك.
قال ابن عبد البر في التمهيد: (روي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة وغيره، فممن رواه عن أبي سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وحميد بن عبد الرحمن، وأبو صالح السمان، وعبد الرحمن الأعرج، وسعيد بن أبي سعيد، ومحمد بن سيرين) .
كلام ابن عبد البر في التمهيد عن معنى الفطرة
قال: (ورواه ابن شهاب، واختلف في إسناده، منهم من رواه عن سعيد عن أبي هريرة، ومنهم من رواه عن أبي سلمة عن
أبي هريرة ومنهم من رواه عن حميد عن أبي هريرة.
قال محمد بن يحيى الذهلي: كل هذه صحاح عن ابن شهاب، محفوظة) .
قال ابن عبد البر: (وقد سئل ابن شهاب عن رجل عليه رقبة مؤمنة أيجزىء الصبي عنه أن يعتقه وهو رضيع؟، قال: نعم لأنه ولد على الفطرة) .
قال ابن عبد البر لما ذكر النزاع في تفسير هذا الحديث: (وقال آخرون: الفطرة ها هنا الإسلام، قالوا: وهوالمعروف عند عامة السلف أهل التأويل، وقد أجمعوا في تأويل قوله عز وجل:{فطرة الله التي فطر الناس عليها} ، على أن قالوا: فطرة الله: دين الله الإسلام.
واحتجوا بقول أبي هريرة في هذا الحديث: اقرأوا إن شئتم: {فطرة الله التي فطر الناس عليها} .
وذكروا عن عكرمة ومجاهد والحسن وإبراهيم والضحاك وقتادة في قول الله عز وجل: {فطرة الله التي فطر الناس عليها} قالوا: فطرة
الله: دين الإسلام، لا تبديل لخلق الله، قالوا: لدين الله.
واحتجوا بحديث محمد بن إسحاق، عن ثور بن يزيد، عن يحيى بن جابر، عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي، عن عياض بن حمار المجاشعي، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس يوماً: ألا أحدثكم بما حدثني الله في الكتاب: إن الله خلق آدم وبنيه حنفاء مسلمين وأعطاهم المال حلالاً لا حرام فيه، فجعلوا ما أعطاهم الله حلالاً وحراما» الحديث.
قال: (وكذلك روى بكر بن مهاجر، عن ثور بن يزيد بإسناده مثله في هذا الحديث (حنفاء مسلمين) .
(
…
قال أبو عمر: روى هذا الحديث قتادة عن مطرف بن عبد الله، عن عياض بن حمار، ولم يسمعه قتادة من مطرف، ولكن
قال: حدثني ثلاثة: عقبة بن عبد الغافر، ويزيد بن عبد الله بن الشخير، والعلاء بن زياد، كلهم يقول: حدثني مطرف، عن عياض، عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه:«وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم» .
لم يقل: مسلمين، وكذلك رواه الحسن عن مطرف عن عياض، ورواه ابن إسحاق عمن لا يتهم، عن قتادة بإسناده، وقال فيه:«وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم» ولم يقل مسلمين) .
قال: (فدل هذا على حفظ محمد بن إسحاق وإتقانه وضبطه، لأنه ذكر (مسلمين) في روايته عن ثور بن يزيد لهذا الحديث، وأسقطه من رواية قتادة، وكذلك رواه الناس عن قتادة، قصر فيه عن قوله: مسلمين، وزاد ثور بإسناده، والله أعلم) .
قال: (والحنيف في كلام العرب: المستقيم المخلص، ولا استقامة أكثر من الإسلام) .
قال: (وقد روي عن الحسن قال: الحنيفة: حج البيت، وهذا يدلك على أنه أراد الإسلام، وكذلك روي عن الضحاك والسدي: (حنفاء) قال: حجاجاً، وعن مجاهد:(حنفاء) قال: متبعين) .
قال: (وهذا كله يدلك على أن الحنيفية: الإسلام) .
قال: (وقال أكثر العلماء: الحنيف: المخلص.
وقال الله عز وجل: {ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما} وقال: {ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل} .
فلا وجه لإنكار من أنكر رواية من روى:
حنفاء: مسلمين.
قال الشاعر - وهو الراعي -:
أخليفة الرحمن إنا معشر
…
حنفاء نسجد بكرةً وأصيلاً
عرب نرى لله في أموالنا
…
حق الزكاة منزلاً تنزيلاً
فهذا وصف الحنيفية بالإسلام، وهو أمر واضح لا خفاء به) .
قال: (ومما احتج به - من ذهب إلى أن الفطرة في هذا الحديث: الإسلام - قوله صلى الله عليه وسلم «خمس من الفطرة» ويروى «عشرة من الفطرة» يعني فطرة الإسلام) .
قلت: الدلائل الدالة على أنه أراد: على فطرة الإسلام - كثيرة، كألفاظ الحديث التي في الصحيح، مثل قوله:(على الملة)، (وعلى هذه الملة) ومثل قوله في حديث عياض بن حمار:«خلقت عبادي حنفاء كلهم» وفي لفظ «حنفاء مسلمين» ومثل تفسير أبي هريرة وغيره من رواة الحديث ذلك، وهو أعلم بما سمعوا.
وأيضاً، فإنه لو لم يكن المراد بالفطرة الإسلام، لما سألوا عقب ذلك:(أرأيت من يموت من أطفال المشركين وهو صغير؟) ، لأنه لو لم يكن هناك ما يغير تلك الفطرة لم سألوه.
والعلم القديم وما يجري مجراه لا يتغير.
وكذلك قوله: «فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه» ، بين فيه أنهم يغيرون الفطرة التي فطر الناس عليها.
وأيضاً، فإنه شبه ذلك بالبهيمة التي تولد مجتمعة الخلق لا نقص فيه، ثم تجدع بعد ذلك، فعلم أن التغيير وارد على الفطرة السليمة التي ولد العبد عليها.
وأيضاً، فإن الحديث مطابق للقرآن، لقوله تعالى:{فطرة الله التي فطر الناس عليها} ، وهذا يعم جميع الناس، فعلم أن الله فطر الناس كلهم على فطرته المذكورة، وفطرة الله أضافها إليه إضافة مدح لا إضافة ذم، فعلم أنها فطرة محمودة لا مذمومة.
يبين ذلك أنه قال: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها} وهذا نصب على المصدر الذي دل عليه الفعل الأول عند سيبويه وأصحابه، فدل على أن إقامة الوجه للدين حنيفاً هو فطرة الله التي فطر الناس عليها، كما في نظائره، ومثل قوله:{كتاب الله عليكم} ، وقوله:{سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا} ، فهذا عندهم مصدر منصوب بفعل مضمر لازم إضماره، دل عليه الفعل المتقدم.
كأنه قال: كتب الله ذلك عليكم، وسن الله ذلك.
وكذلك هنا فطر الله الناس على ذلك: على إقامة الدين لله حنيفاً.
وكذلك فسره السلف كما تقدم النقل عنهم.