الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجملة هذا أن القديم لا يجوز عدمه، ولا يجوز لمثل ذلك أن يكون القديم إنما يتحرك فيما لم يزل لعدم نفسه، ولا لعدم معنى قديم.
فلم يبق إلا وجهان: أحدهما: أن يكون فيما لم يزل على ما هو عليه لنفسه أو لمعنى قديم.
فإن كان لم يزل ساكناً لنفسه، استحال تحركه بعد سكونه، لوجود نفسه في كلا الحالين.
ويستحيل خروج الشيء عن الوصف المستحق لنفسه، مع وجود نفسه التي بها كان كذلك.
وإن كان لم يزل ساكناً لأجل معنى قديم، استحال أن يتحرك إلا عند عدم سكونه القديم، وإلا وجب تحركه وسكونه معاً.
فإذا استحال ذلك، واستحال عدم سكونه إذا كان قديماً، واستحال أن يخرج القديم عن الصفة التي هو فيها لم يزل عليها، لم يجز أن يلحقه - لما وصفناه - وانقلاب ولا تغيير، ولا اعتمال ولا تأثير، فصح ما قاله شيخنا أبو الحسن من هذا الوجه) .
تعليق ابن تيمية
قلت: ولقائل أن يقول: هذا الكلام مضمونه أن ما به يعلم حدوث النطفة، به يعلم حدوث سائر الأجسام، وأن المنكر لحدوث سائر الأجسام يمكنه إنكار حدوث النطفة.
وليس الأمر كذلك.
بل حدوث الحيوان والنبات والمعدن ونحوذلك، وحدوث أوائل ذلك، كالنطفة والبيضة وطاقة الزرع ونحو ذلك - أمر مشهود معلوم بالحس والضرورة،
واتفاق العقلاء.
وهذا بخلاف الفلك، فإنه ليس شهود حدوثه كشهود حدوث الحيوان والنبات والمعدن.
وكذلك من ينازعهم في الواجب وفي تسميته جسماً: كالهاشمية والكرامية وغيرهم.
أو من لا يطلق الاسم، ولكن يقولون له: ما أثبته نسميه نحن جسماً، أو يجب أن يكون جسماً، كما يعلم حدوث هذه الحوادث المشهودة.
فإن قال بهذا، فالمفرق يقول: حدوث النطفة مشهود معلوم مسلم، وكذلك حدوث ما أشبهها.
وأما حدوث كل ماسميته جسماً، فإنما أثبته بما ذكرته من الدليل، وهو ضعيف على ما سنذكره.
فإن قال: أعني بالنزاع في حدوث النطفة النزاع في حدوث الجواهر المفردة، التي منها تركبت النطفة وتألفت، أو في حدوث مادتها التي لبستها صورة النطفة.
قيل له: الجواب من طريقتين:
أحدهما: أن يقال: هذا لا حاجة لك به.
الثاني: أن يقال: ما ذكرته ليس بصحيح.
فأما الطريق الأول ففيه وجوه.
أحدها: أن العلم بحدوث ما يحدث، والاستدلال به على ثبوت الصانع ليس مفتقراً إلى أن يعلم: هل في النطفة جواهر منفردة أو مادة؟ وهل ذلك قديم أو حادث؟ بل مجرد حدوث ما شهد حدوثه يدل على أن له محدثاً، كما يدل حدوث سائر الحوادث على أن لها محدثاً.
وإن قال: فقصدي تعميم حدوث سائر الأجسام.
قيل له: فحينئذ لم يكن بك حاجة إلى ذكر حدوث الإنسان وحده من النطفة، بل كان هذا تطويلاً.
إذ كان ما به بثبت حدوث النطفة، به يثبت حدوث الإنسان ابتداء.
وحينئذ فيكون كلام الأشعري كلام من لا يعرف الاستدلال والنظر، كما قاله من اعترض عليه من المعتزلة، فإنه إذا كان لا بد في الاستدلال بالأجسام المخصوصة في آخر الأمر من دليل يتناول جميع الأجسام، كان ذكر هذا ابتداءً أولى من التطويل، لا سيما في مثل المختصر الذي يطلب فيه التقريب والتسهيل.
وأيضاً، فإن العلم بحدوث الحوادث المشهودة أظهر وأبين من العلم بحدوث جميع الأجسام، وذلك كاف في إثبات العلم بالصانع، فلماذا تجعل موقوفة على مقدمات لو كانت صحيحة، كان فيها من التطويل والغموض ما يوجب هذا كثيراً: إما عدم العلم، أو حصول ضده
من اعتقاد الباطل، فيكون ما جعل طريقاً إلى العلم والإيمان، موجباً لضده من الجهل والكفر.
والوجه الثاني: أن يقال: فحينئذ يكون الشك في حدوث الحيوان والنبات ونحو ذلك، مبيناً على كونها مركبة من الجواهر المنفردة أو المادة والصورة، وإمكان قدم الجواهر المنفردة أو المادة.
ومعلوم أن هذا لو كان صحيحاً، لكان من الدقيق الذي يحتاج إلى بيان، وهم لم يبنوا ذلك.
ومن المعلوم أن هذا موضع اضطراب فيه أهل الكلام والفلسفة اضطراباً لا يتسع هذا الموضع لاستقصائه:
فقالت طائفة: إن الأجسام مركبة من أجزاء لا تتجزأ، وهي الجواهر المنفردة، وهذا قول أكثر المعتزلة والأشعرية.
وقالت طائفة: بل فيها أجزاء لا نهاية لها، وهوالمذكور عن النظام.
وعليه انبنى القول بطفرة النظام.
ولهذا يقال: ثلاثة لا يعلم لها حقيقة: طفرة النظام، وأحوال أبي هاشم، وكسب الأشعري.
وقالت طائفة: بل هي مركبة من المادة والصورة، وهي تقبل الانقسام إلى غير نهاية، لكن ليس فيها أجزاء لا نهاية لها.
وقالت طائفة: ليست مركبة لا من هذا ولا من هذا، بل تقبل التجزؤ إلى أجزاء لا تتجزأ.
وقالت طائفة: ليست مركبة لا من هذا ولا من هذا، ولا تتجزأ إلى غير غاية.
بل إذا صغرت الأجزاء انقلبت إلى أجسام أخر، مع كونها في نفسها يتميز منها جانب عن جانب.
فهؤلاء لا يقولون بقبول الانقسام إلى غير نهاية، ولا بوجود ما لا يقبل الانقسام، بل كل ما وجد يقبل الانقسام، لكنه يستحيل إلى جسم آخر، في حال تميز جانب منه عن جانب، فلا يوجد فيه انقسام إلى غير نهاية.
وقد بسط الكلام على هذه الأقوال في غير هذا الموضع.
وأذكياء المتأخرين: مثل أبي الحسين البصري، وأبي المعالي الجويني، وأبي عبد الله الرازي: كانوا متوقفين في آخر أمرهم في إثبات الجوهر الفرد.
فإذا كان الأمر هكذا لم يمكن أحداً أن يطالب بدليل على حدوث الحيوان، باعتبار تركبه من الجواهر، أو المادة والصورة، حتى يثبت ذلك أولاً.
ومن المعلوم لكل عاقل أن علم الناس بحدوث ما يشهدون حدوثه من
الأجسام، ليس موقوفاً على العلم بأنها مركبة هذا التركيب، الذي كلت فيه أذهان هؤلاء الأذكياء.
الوجه الثالث: أن يقال: حدوث مايشهد حدوثه من الثمار والزروع والحيوان وغير ذلك أمر مشهود، فإن الإنسان إذا تأمل خشب الشجرة، وما يخرجه الله منها من الأنوار والثمار، وما يخرجه من الأرض من الزروع، وما يخرجه من الحيوان من النطفة والبيض - أيقن بحدوث هذه الأعيان.
فإذا قيل له: هذا لم يحدث، ولكن كانت أجزاؤه مفرقة فاجتمعت، وجعل لها صفة غير تلك الصفة.
قال: أما ما تغيرت صفاته، كتغير الأبيض إلى السواد، والساكن إلى الحركة، والحامض إلى الحلاوة، والمفرق إلى الاجتماع، وتغير الجسم من شكل إلى شكل، كتغير الشمعة والفضة ونحو ذلك من صورة إلى صورة - فهذا كله، وما يشبهه، يشهد فيه أن العين باقية، وإنما تغيرت صفاتها التي هي: الحركة والسكون، والاجتماع والافتراق، والألوان والطعوم والأشكال.
بخلاف الثمرة التي تخرج من الشجرة، والجنين الذي يخرج من بطن أمه، والفروج الذي يخرج من البيضة، فإن
عاقلاً لا يقول: إن نفس الرطبة فها جرم الخشب باقياً، ولا أجزاء الجنين كعظمه وبصره فيه أجزاء النطفة باقية، ولا نفس الفروج فيه بياض البيض باقياً.
ومن قال: إن هذا باق في هذا، كما أن الجسم الذي اسود بعد بياضه، وحلا بعض حموضته، وصار مدوراً بعد أن كان مسطحاً باق - فهو لا يتصور ما يقول، أو هو معاند مسفسط.
فالأمر ينتهي إلى عدم التصور التام أو العناد المحض.
وهذا أصل كل ضلال، وهو الجهل أو العناد، والعناد وصف المغضوب عليهم، والجهل وصف الضالين.
والفرق بين استحالة العين وبين تبدل الصفات معلوم للعامة والخاصة.
وقد ذكر الفقهاء ذلك في غير موضع.
ثم كلامهم في النجاسة إذا استحالت، مثل أن تصير رماداً أو ملحاً ونحو ذلك.
ومثل كلامهم في باب الأيمان: فيما إذا حلف على فعل في جسم معين، فتغير ذلك الجسم المعين.
فإن كان التغيير لم يزل الاسم فاليمين باقية بلا نزاع بينهم، كما لو حلف لا يكلم هذا الرجل فمرض أو صار شيخاً، أو لا يأكل هذه الخبز فصار كسراً، ونحوذلك.
وإن كانت قد استحالت أجزاؤه تغير اسمه: مثل أن يحلف لا أكلت هذه البيضة فصارت فروجاً، أولا أكلت هذه الحنطة فصارت زرعاً.
قالوا: فهنا لا يحنث، لأنه زال اسمه، وزالت أجزاؤه.
وإن تغيرت الصفة مع زوال الاسم: كما إذا حلف لا كلمت هذا الصبي فصار شيخاً، أولا أكلت لحم هذا الحمل فصار كبشاً - فإنه يحنث عند جمهورهم: كأبي حنيفة ومالك وأحمد في المشهور من مذهبه، وهو أحد الوجهين في مذهب الشافعي.
وكذلك لو حلف لا أكلت من هذا الرطب فصار تمراً.
وتنازعوا فيما إذا أكل مما يصنع من الرطب والعنب من الدبس والخل، فمنهم من قال: يحنث، وهو مذهب مالك، وهو المشهور من مذهب أحمد.
ومنهم من قال: لا يحنث، كما هو مذهب أبي حنيفة والشافعي.
وطائفة من أصحاب أحمد قالوا: لأن اسم المحلوف عليه وصورته زالت فلم يحنث، كما في مسألة البيضة والفروج.
فقال لهم الأولون: عين المحلوف عليه باقية، فصار كمسألة الحمل، بخلاف البيضة إذا صارت فرخاً، فإن أجزاءها استحالت فصارت عيناً أخرى، ولم يبق عينها.
مع أن في هذه المسائل كلاماً ليس هذا موضعه، إذ كان منهم من يرى اليمين باقية مع استحالة العين لأجل التغيير، ومنهم من يرى أنه بمجرد زوال الاسم تزول اليمين.
ولكن المقصود هنا أنه من المستقر في عقول الناس الفرق بين استحالة الأعيان وانقلابها، وبين تغير صفاتها مع بقاء عينها وذاتها.
ولهذا اتفقوا كلهم على أن العين الخبيثة لا تطهر بمجرد تغير الصفة، فالدم والميتة ولحم الخنزير والخمر: إذا تغيرت صفاته، مثل أن يجمد الدم والخمر، أو يسيل شحم الميتة والخنزير ونحو ذلك، فإنه لا يزول التحريم باتفاقهم.
وأما إذا استحالت العين: مثل أن يصير ذلك ملحاً أو رماداً أو نحو ذلك، ففيه نزاع مشهور.
والجمهور على أنه يطهر بالاستحالة، كما هو مذهب أكثر أهل الرأي وأهل الظاهر، وأحد القولين في مذهب مالك وأحمد، واتفقوا على أن الخمر المنقلبة بفعل الله تعالى خلاً أنها تطهر.
وأما الطريق الثاني: وهو بيان أن ما ذكره ليس بدليل صحيح على حدوث الأجسام - فإن المعترض يقول: قوله: (إن القديم إذا حصل على صفة من صفات لم يجز خروجه عنها) كلام مجمل، قد يراد به أنه إذا حصل على صفة لازمة لذاته لم يجز خروجه عنها.
وقد يريد له إذا حصل على حال عارضة له، سواء كان نوعها لازماً له أولم يكن لازماً لذاته، مثل الفعل والعمل، سواء سمي حركة أو لم يسم: كالإتيان
والمجيء والنزول والمناداة والمناجاة، وأمثال ذلك مما تنازع فيه الناس: هل يقوم بالقديم أم لا؟.
فجمهور أهل السنة والحديث المتبعون للسلف، والأئمة من السلف والخلف، مع كثير من طوائف الكلام، وأكثر الفلاسفة: يجوزون أن يقوم بالقديم ما يتعلق بمشئته وقدرته من الأفعال وغير الأفعال، فيقول هؤلاء: قول القائل: أن القديم الحاصل على صفة، لا يجوز خروجه عنها، إن إراد به مواقع الإجماع: مثل صفات الكمال اللازمة لذات الله، أو نوع الصفات الازم لذات الله تعالى، فهذا لا نزاع فيه.
وإن أراد به أعيان الحوادث، فما الدليل على أن القديم إذا قام به حال من غير هذه الأحوال المعينة، لم يجز خروجه عنها؟
وأما استدلال المستدل بقوله: لا يخلو أن يكون على ما هو عليه في أزله لنفسه، أو لعلة، إلى آخر الكلام.
فيقال لك: ذلك الأمر الذي قام هو به، هو معنى من المعاني؟ فإن جعلت الموجب لذلك المعنى أمراً آخر - على قول مثبتي الأحوال القائلين: بأن كونه عالما ومتحركا معنى أوجبه العلم والحركة - خوطبت على هذا الاصطلاح وقيل لك: قام به ذلك لمعنى.
قوله: وإذا كان لمعنى استحال أن يزول إلا عند عدم ذلك المعنى، والقديم يستحيل عدمه.
يقال له: قول القائل: القديم يستحيل عدمه، لفظ مجمل.
أتريد
به: أن العين القديمة أو صفتها اللازمة لها يستحيل عدمه، أو النوع الذي لا يزال يستحيل عدمه؟ فإن أراد شيئاً من هذه المعاني، لم يكن له فيه حجة.
وإن أراد أن النوع القديم يستحيل عدم فرد من أفراده المتعاقبة، فهذا محل نزاع، ولا دليل على امتناع عدمه، ولم يعدم القديم هنا، بل النوع القديم لم يزل، ولكن عدم فرد من أفراده بمعاقبة فرد آخر له، كالأفعال المتعاقبة شيئاً بعد شيء.
فإذا كان القائم بالقديم نوع لم يزل مع تعاقب أفراده، لم يكن قد عدم النوع، بل كان الكلام في كونه أزلياً كالكلام في كونه أبدياً، وكما أنه لا يزال، فلا يعدم النوع، وإن عدم ما يعدم من أعيانه، فكذلك القول في كونه لم يزل.
وأيضاً فيقال له: القديم إذا فعل بعد إن لم يكن فاعلاً، فكونه فعل أمر موجود أو معدوم؟.
فإن قال: إنه معدوم.
فهذا مكابرة للحس والعقل، فإن الفعل إذا كان أمراً عدمياً، فلا فرق بين حال أن يفعل وحال ألا يفعل، لأن العدم المحض لا يكون فعلاً.
وإذا لم يكن فرق بين الحالين، وهو في حال ألا يفعل لا فعل، فيجب في الحال التي زعم أنه فعل ألا يكون له فعل لتساوي الحالين، فيجب ألا يفعل مع كونه فعل، وهذا جمع بين النقيضين.
وإن قال: كونه فعل أمر موجود، فالقديم قبل أن يفعل كان على صفة، فإما أن يتجدد ما يوجب خروجه عن تلك الصفة أو لا يتجدد، فإن لم يتجدد وجب ألا يفعل، وإن تجدد شيء انتقض قوله: إنه إذا كان على صفة من الصفات لم يجز خروجه عنها.
فإن قيل: إنما أعني بالصفة المعنى القائم بذاته، وذاك لم يزل.
قيل: هب أنك عنيت هذا، لكن دليلك يتناول هذا وغيره، ويوجب أن الأمر القديم الأزلي لا يجوز تحوله من حال إلى حال بوجه من الوجوه، لأن ما كان قديماً كان لمعنى، والقديم لا يزول.
فالأمر المتجدد المتحول الحادث، سواء سميته صفة أو حالاً أو حادثاً أو فعلاً، وسواء كان قائماً به أو بغيره، بموجب دليلك أنه لا يجوز بغير الأمور القديمة الأزلية.
فإن كان هذا حقاً وجب ألا يحدث شيء من الحوادث، فإن جوز أن تحدث عن قديم من غير حدوث أمر وجودي يكون شرطاً في وجودها، فقد جوز تغير الأمور الأزلية بلا سبب.
وإن قال: لا بد من تجدد أمر به يحصل حدوثها، وإذا تجدد أمر فقد حصل تغير لم يكن في الأزل، فانتقضت حجته.
وإيضاح هذا أن يذكر نظير حجته.
فيقال له: القديم الذي لم يزل غير فاعل لا يجوز كونه فاعلاً، فإنه إذا كان غير فاعل، فإما أن يكون ذلك لنفسه أو لعلة، إلى آخر الكلام.
وإن قال: فعله بعد أن لم يكن فاعلاً، ليس إلا مجرد وجود المفعولات، والفعل حدوث نسبة وإضافة بينهما، وهي عدمية.
فيقال له: فالمتجدد القائم به يقال فيه كذلك، ليس هو إلا مجرد وجود ذلك المتجدد، وهو حدوث نسبة وإضافة عدمية، والفعل حدوث نسبة وإضافة نسبة وإضافة بيهما وهي عدمية.
فإن قال: هذا يلزم منه قيام المتجددات والحوادث به، وهذا لا يجوز.
قيل له: هذه مصادرة على المطلوب، فإنك أنت لم تقم دليلاً على أن القديم لا تقوم المتجددات والحوادث به، بل ما ذكرته هو الدليل على ذلك.
فإن كان استدلالك على هذا لا يتم إلا بأن تجعل المطلوب مقدمة في إثبات نفسه، لم يكن لك عليه دليل إلا مجرد الدعوى، وصار هذا بمنزلة أن يقول القائل: القديم لا تقوم به الأحوال المتجددة، لأن القديم لا تقوم به الأحوال المتجددة.
وإذا كان العلم بالصانع موقوفاً على هذا الدليل، لم يكن هناك علم بالصانع، بل صار حقيقة الكلام: الدليل على ثبوت الصانع حدوث النطفة وغيرها من الأجسام، والدليل على حدوث ذلك أنه تقوم به المتجددات والحوادث، وما قام به المتجددات والحوادث كان حادثاً، لأن ما قام به المتجددات والحوادث كان جادثاً.
فيكون منتهى الكلام: مجرد الدعوى التي نوزع فيها والاستدلال عليها