الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولهذا قالوا: لا يحدث حادث إلا بسبب حادث، فلو حدث عن القديم لا فتقر إلى حادث، والقول في الثاني كالقول في الأول، فيلزم أن لا يحدث شيء.
وهذا بعينه يلزمهم في كل حادث، فإنه لا يحدث حتى يحدث حادث هو تمام مؤثره، وذلك الحادث لا يحدث حتى يحدث حادث معه، فيلزم أن لا يحدث شيء.
فالمتكلمون قالوا: القادر يفعل بدون سبب حادث، فقالوا: هذا محال.
وقالوا: تحدث الحوادث كلها بدون سبب حادث ولا فاعل محدث لها، فكان قولهم أشد بطلاناً.
الوجه الثاني
أن وجود حوادث لا أول لها إنما يمكن في القديم الواحد، فإذا قدر قديمان: كل منهما تقوم به حوادث لا تتناهى، كما يقولونه في الأفلاك، فهذا ممتنع.
لأن كلاً منهما لا بداية لحركاته ولا نهاية، مع أن أحدهما أكثر من الآخر، وما كان أكثر من غيره كان ما دونه أقل منه، فيلزم أن يكون ما لا أول له ولا آخر يقبل أن يزاد عليه، ويكون شيء آخر أكثر منه، وهذا ممتنع، كما امتنع مثل ذلك في الأبعاد.
(الوجه الثالث)
أن قولهم يقتضي أن يكون فعل الفاعل مقارناً له أزلاً وأبداً، وأن يكون القديم الأزلي مفعولاً ممكناً يقبل الوجود والعدم، وهذا مما يعلم فساده بصريح العقل واتفاق العقلاء.
كلام ابن رشد رداً على الغزالي وتعليق ابن تيمية
وقد أورد ابن رشد على أبي حامد في هذا كلاماً، بعضه من باب
الأسولة اللفظية وبعضه من باب الأسوله المعنوية، فقال عن الدليل الذي ذكره لهم في إثبات العلة الأول.
(هذا كلام مقنع غير صحيح، فإن اسم العلة يقال باشتراك الاسم على العلل الأربع، أعني: الفاعل، والصورة، والهيولى، والغاية.
وكذلك لو كان هذا جواب الفلاسفة لكان جواباً مختلاً، فإنهم كانوا يسألون عن أي علة أرادوا بقولهم: إن العالم له علة أولى، فإن قالوا: أردنا بذلك السبب الفاعل الذي فعله لم يزل ولا يزال، مفعوله هو فعله، لكان جواباً صحيحاً على مذهبهم، على ما قلنا غير معترض عليه.
ولو قالوا: أردنا به السبب المادي لكان قولهم معترضاً.
وكذلك لو قالوا: أردنا به السبب الصوري لكان معترضاً أن فرضوا صورة العالم قائمة به.
وإن قالوا: أردنا به صورة مقارنة للمادة، جرى قولهم على مذهبهم.
وإن قالوا: صورة هيولانية، لم يكن المبدأ عندهم شيئاً غير جسم من الأجسام، وهذا لا يقولون به.
وكذلك إن قالوا: هو سبب على طريق الغاية، كان جارياً أيضا على أصولهم.
وإذا كان هذا الكلام فيه من الاحتمال ما ترى، فكيف يصح أن يجعل جواباً للفلاسفة؟) .
وبسط الكلام بسطاً لا يرد على أبي حامد، فإنه قد علم أنه أراد بالعلة هنا العلة الفاعلة، لا الأقسام الثلاثة، وهم يسمون المبدأ الأول العلة الأولى، ويقولون: كل ما سواه صادر عنه، فالذي ذكره تقرير مذهبهم - كما يقولونه - على أحسن وجه، فلا حاجة إلى مؤاخذة لفظية، وهو كون لفظاً مشتركاً، فإن هذا من باب الإعنات في الخطاب، والخروج عن المقصود.
والاستفسار مع ظهور المقصود، نوع من اللد في الكلام، وأبغض الرجال إلى الله الألد الخصم.
ثم اعترض ابن رشد على الوجهين اللذين ذكرهما أبو حامد، فقال على الوجه الأول، وأنه يلزمهم على مساق مذهبهم أن يكون المبدع جسماً قديماً لا علة له، وأنهم لم يبطلوا ذلك إلا بقولهم في التوحيد ونفي الصفات، وقد أبطلة أبو حامد.
قال ابن رشد: (يريد أنهم إذا لم يقدروا على نفي الصفات، كان ذلك الأول عندهم ذاتاً بصفات، وما كان على هذه الصفة فهو جسم، أو قوة في جسم، ولزمهم أن يكون الأول الذي لا علة له الأجرام السماوية) .
قال ابن رشد: (وهذا القول لازم لمن يقول بالقول الذي حكاه عن الفلاسفة - يعني طريقة ابن سينا والفلاسفة - يعني الأوائل - لا يحتجون على وجود الأول الذي لا علة له، بمانسبة إليهم من الأحتجاج، ولا يزعمون أيضاً أنهم يعجزون عن دليل التوحيد، ولا عن دليل نفي الجسمية عن المبدأ الأول.
وستأتي هذه المسألة فيما بعد) .
قلت: ابن رشد لما رأى ضعف الطريقة المنسوبة إلى الفلاسفة في كتب ابن سينا، في نفي الصفات ونفي التجسيم.
وأنها ليست طريقة
أوليهم، بنى نفي الصفات ونفي التجسيم تارة على إثبات النفس، وأنها ليست بجسم، واستدل بأضعف من دليلهم، وتارة يستدل بطريقة كلامية لفظية، وهي أن المركب لا بد له من مركب، والمؤلف لا بد له من مؤلف.
وهذا إنما يكون إذا أطلق هذا اللفظ على مسماه، باعتبار أن هناك مؤلفاً فعل التأليف، ومركبا فعل التركيب.
ومن لا يطلق هذا اللفظ بحال، أو أراد به ما فيه اجتماع، وقال: إن ذلك واجب بنفسه، لم يكن مثل هذا الكلام حجة عليه، وهذا مبسوط في موضعه.
المقصود تبيين ما أخذه ابن سينا عن أسلافه، وما أخذه عن المتكلمين، وكيف خلط أحدهما بالآخر.
قال ابن رشد: (قول أبي حامد: ولكن لعلتها علة، ولعلة العلة علة، وهكذا إلى غير نهاية، إلى قوله: وكل مسلك ذكرتموه في النظر يبطل عليكم بتجويز دورات لا أول لها، شك تقدم الجواب عنه، حين قلنا: إن الفلاسفة لا تجوز عللاً ومعلولات لا نهاية
لها، لأنه يؤدي إلى معلول لا علة له، ويوجبونها بالعرض من قبل علة قديمة، لكن لا إذا كانت مستقيمة ومعاً وفي مواد لا نهاية لها، بل إذا كانت دوراً) .
قال: (وأما ما يحكيه عن ابن سينا: أنه يجوز نفوساً لا نهاية لها، وأن ذلك إنما يمتنع فيما له وضع، فكلام غير صحيح، ولا يقول به أحد من الفلاسفة، وامتناعه يظهر من البرهان العام الذي ذكرناه عنهم، فلا يلزم الفلاسفة شيء مما ألزمهم من قبل هذا الوضع، أعني القول لوجود نفوس لا نهاية لها بالفعل.
ومن أجل هذا قال بالتناسخ من قال: إن النفوس متعددة بتعدد الأشخاص، وأنها باقية) .
قال: (وأما قوله: وما بالهم لم يجوزوا أجساماً بعضها فوق بعض بالمكان إلى غير نهاية، وجوزوا موجودات بعضها قبل بعض بالزمان إلى غير نهاية؟ وهل هذا إلا تحكم بارد؟!.
فإن الفرق بينهما عند الفلاسفة ظاهر جداً، وذلك أن وضع
الأجسام لا نهاية لها معاً يلزم عنه أن يوجد لما لا نهاية له كل، وأن يكون بالفعل، وذلك مستحيل، والزمان ليس بذي وضع، فليس يلزم من وجود أجسام، بعضها فوق بعض إلى غير نهاية، وجود ما لا نهاية له بالفعل، وهو الذي امتنع عندهم) .
ثم لما ذكر ابن رشد البرهان الذي حكاه أبو حامد عن الفلاسفة على استحالة علل لا نهاية لها، قال ابن رشد: (وهذا البرهان الذي حكاه عن الفلاسفة، أول نقله إلى الفلسفة ابن سينا، على أنه طريق خير من طريق القدماء، لأنه زعم أنه من جوهر الموجود، وأن طرق القوم من أعراض تابعة للمبدأ الأول، وهو طريق أخذه ابن سينا من المتكلمين، وذلك أن المتكلمين ترى أن من المعلوم بنفسه أن الموجود ينقسم إلى ممكن وضروري، ووضعوا أن الممكن يجب أن يكون له فاعل، وأن العالم بأسره لما كان ممكناً، وجب أن يكون الفاعل له واجب الوجود وهذا هو اعتقاد المعتزلة قبل الأشعرية، وهو قول جيد ليس فيه كذب، إلا ما وضعوه فيه: من أن العالم بأسره ممكن، فإن هذا ليس معروفاً بنفسه، فأراد ابن سينا أن يعمم هذه
القضية ويجعل المفهوم من الممكن ما له علة، كما ذكر أبو حامد، وإذا سومح في هذه القضية، لم تنته به القسمة إلى ما أراد، لأن قسمة الموجود أولاً إلى ما له علة، وإلى ما لا علة له، ليس معروفاً بنفسه.
ثم ما له علة ينقسم إلى ممكن وإلى ضروري، فإن فهمنا منه الممكن الحقيقي، أفضى إلى ممكن ضروري، ولم يفض إلى ضروري لا علة له، وإن فهمنا من الممكن ما له علة وهو ضروري، لم يلزم عن ذلك إلا أن ما له علة فله علة، وأمكن أن نضع أن تلك لها علة، وأن يمر ذلك إلى غير نهاية، فلا ينتهي الأمر إلى موجود لا عله له، وهو الذي يعنونه بواجب الوجود، إلا أن يفهم من الممكن الذي وضعه بإزاء ما لا علة له: الممكن الحقيقي، فإن هذه الممكنات هي التي يستحيل وجود العلل فيها إلى غير نهاية، وأما إن عنى بالممكن ما له علة من الأشياء الضرورية، فلم يتبين بعد ذلك مستحيل بالوجه الذي تبين في الموجودات الممكنة بالحقيقة، ولا يتبين بعد أن ها هنا ضرورياً يحتاج إلى علة، فيجب عن وضع هذا أن ينتهي الأمر إلى
ضروري بغير علة، إلى أن يبين أن الأمر في الجملة الضرورية، التي من علة ومعلول، كالأمر في الجملة الممكنة) .
قلت: فقد ذكر ابن رشد لما ذكر البرهان الذي حكاه أبو حامد عن الفلاسفة على استحالة علل لا نهاية لها: أن هذا البرهان الذي حكاه عن الفلاسفة أول من نقله إلى الفلسفة ابن سينا على أنها طريق خير من طريق القدماء، لأنه زعم أنه من جوهر الوجود وأن طرق القوم من اعراض تابعة للمبدأ الأول.
قال: (وهو طريق أخذه ابن سينا من المتكلمين، وذلك أن المتكلم يرى أن من المعلوم بنفسه أن الموجود ينقسم إلى ممكن وضروري، ووضعوا أن الممكن يجب أن يكون له فاعل، وأن العالم بأسره لما كان ممكناً وجب أن يكون الفاعل له واجب الوجود هذا هو اعتقاد المعتزلة قبل الأشعرية) .
قال: (وهو قول جيد ليس فيه كذب، إلا ما وضعوا فيه من أن العالم بأسره بممكن، فإن هذا ليس معروفاً بنفسه، فأراد ابن
سينا أن يعمم هذه القضية ويجعل المفهوم من الممكن ما له علة، كما ذكره أبو حامد) .
قلت: فقد بين أن كون الممكن يجب أن يكون له فاعل، قول جيد، إذ ان الممكن هو المحدث عند عامة العقلاء من الفلاسفة وغيرهم، والمحدث لا بد له من فاعل.
هذا أيضا معلوم بين مسلم عند عامة العقلاء.
وأما قوله: (ليس فيه كذب إلا ما وضعوا فيه من أن العالم بأسره ممكن، فإن هذا ليس معروفاً بنفسه.
فأراد ابن سينا أن يعمم هذه القضية.
ويجعل المفهوم من الممكن ما له علة) .
فإنه يقول: أولئك أرادوا بالممكن المحدث، وليس من المعروف بنفسه أن العالم كله محدث، فأراد ابن سينا أن يجعل معنى الممكن هو ما له علة، حتى يبني على ذلك أن العالم كله ممكن وله علة قديمة أزلية.
وهذا القول الذي ذكره ابن سينا، يظن من أخذ الفلسفة من كلامه، أنه قول أرسطو وأتباعه، وليس كذلك.
وإنما يذكر هذا عن برقلس.
ولهذا قال: الباري جواد وعلة جوده هو ذاته، فيكون جوده دائناً.
وهذا يوافق قول ابن سينا، ولا يوافق قول أرسطو، فإن الأول عنده لا فعل له: لا جوداً ولا غير جود، ولا إرادة، بل ولا يعلم ما سواه.
وقول ابن رشد: (إن كون العالم بأسره ممكن ليس معروفاً بنفسه) .
فيقال له: إن سلم أنه ليس معروفاً بنفسه، هو معروف بالأدلة الكثيرة الدالة على أن كل ما سوى الله ممكن: يقبل الوجود والعدم، بل إنه محدث وكل ما سواه فقير إليه، وكل مفتقر إلى غيره فهو ممكن، وأنه ليس شيئاً موجوداً بنفسه غنياً عما سواه، قديماً أزلياً، إلا واحد.
وأدلة ذلك مذكورة في مواضع، وحينئذ فيحصل بذلك المقصود.
لكن المتكلمون من الجهمية والمعتزلة، ومن وافقهم من الأشعرية والكرامية ونحوهم، سلكوا في ذلك الاستدلال بأن ذلك لا يخلو عن الأعراض الحادثة، وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث، لامتناع حوادث لا أول لها، فلزم بذلك أن الأول لم يزل غير متكلم بمشيئته وقدرته، ولا فاعل لشيء، بل ولا كان يمكنه أن يكون متكلماً إذا شاء، فعالاً لما يشاء، بل هذا ممتنع، فلا يكون مقدوراً، فيلزم أنه صار قادراً بعد أن لم يكن، وفاعلاً، بل ومتكلماً بمشيئته بعد أن لم يكن، وأن الفعل صار ممكناً بعد أن كان ممتنعاً، من غير تجدد شيء أوجب انقلابه من الامتناع إلى الإمكان، إلى غير ذلك من اللوازم.
كما قد بسط في موضعه.
والسلف والأئمة كلهم ذموا الكلام المحدث وأهله، وأخبروا أنهم يتكلمون بالجهل، ويخالفون الكتاب والسنة وإجماع السلف، مع أن كلاهم جهل وضلال.
مخالف للعقل، كما هو مخالف للشرع، كما قد بسط في موضعه.
والمقصود ذكر كلام ابن رشد على طريقة ابن سينا: قال ابن رشد: (وإذا سومح ابن سينا في هذه القضية: - وهو أن الممكن ما له علة - لم تنته به القسمة إلى ما أراد، لأن قسمة الوجود إولاً: إلى ما علة، وإلى ما لا علة له، ليس معروفاً بنفسه، ثم ما له علة ينقسم إلى ممكن وضروري) .
قلت: أما تقسم الوجود إلى ما علة وإلى ما لا علة، فهذا تقسم دائر بين النفي والإثبات، لا يمكن المنازعة فيه، كما إذا قيل: الموجود ينقسم إلى ما قوم بنفسه، وإلى ما لا قوم بنفسه، وإلى ما هو موجود بنفسه، وما ليس موجوداً بنفسه، ونحو ذلك من التقسيمات الدائرة بين النفي والإثبات.
فهذا تقسيم حاصر، وإذ لا واسطة بين النفي والإثبات، وهما النقيضان.
كما أنهما لا يجتمعان فلا يرتفعان أيضاً.
لكن دعوى ابن سينا وأتباعه المقسمون هذا التقسيم: أن ما له علة ينقسم إلى ممكن حقيقي - وهو الحادث - وإلى ضروري، هو الذي ليس بيناً بنفسه، ولم يقيموا عليه دليلاً، ولا يمكنهم إقامة دليل عليه، بل
الدليل يدل على بطلانه.
ولهذا أظهر ما ذكره ابن رشد من فساد كلامهم.
قال ابن رشد: (ثم إذا قسم ما له علة إلى ممكن وضروري، فإن فهمنا منه الممكن الحقيقي أفضى إلى ممكن ضروري، ولم يفض إلى ضروري لا علة به، وإن فهمنا من الممكن ما له علة وهو ضروري، لم يلزم من ذلك إلا أن ما له علة فله علة، وأمكن أن نضع أن تلك العلة لها علة، وأن يمر ذلك إلى غير نهاية.
فلا ينتهي الامر إلى موجود لا علة له، وهو الذي يعنونه بواجب الوجود.
إلا أن يفهم من الممكن الذي وضعه بإزاء ما لا علة له: الممكن الحقيقي، فإن هذه الممكنات هي التي يستحيل وجود العلل فيه إلى غير نهاية) .
فقد بين ابن رشد أنه إذا قسم الوجود إلى ما له علة وما ليس له علة، ثم قسم ما له علة إلى ممكن وضروري، فإذا أراد بالممكن: الممكن الحقيقي، وهو الحادث، وهو قد جعل الممكن ما له علة - أفضى ذلك إلى ما له علة، فينقسم إلى ممكن ضروري - وهو القديم - وإلى ممكن حقيقي - وهو الحادث.
ولم يكن في هذا إثبات ضروري لا علة له، وهو واجب الوجود، لأن مجرد تقسيم الوجود إلى قسمين لا يستلزم ثبوت كل من القسمين، بل لا بد من دليل بدل على ثبوتهما،
وإلا فمجرد التقسيم دعوى مجردة، كما لو قيل: الوجود ينقسم إلى ماهو ثابت، وإلى ما ليس بثابت، أو ينقسم إلى قديم وحادث، وما ليس بقديم ولا حادث، أو ينقسم إلى واجب وممكن، وما ليس بواجب ولا ممكن.
فهذا تقسيم دائر بين النفي والإثبات، لكن لا يستلزم ثبوت كل من الأقسام.
وإذا قيل: ينقسم إلى معلول وغير معلول.
وقيل: المعلول ينقسم إلى ممكن حقيقي - وهو الحادث وإلى ممكن باصطلاح ابن سينا - وهو المعلول - مع كونه ضرورياً، كان غايته إذ أثبت انقسام المعلول إلى ضروري وحادث: إثبات القسمين: الضروري والحادث، أو إثبات ضروري معلول، ليس في إثبات ضروري ليس بمعلول، وهو واجب الوجود بنفسه، فلم يكن فيما ذكره إثبات واجب الوجود بنفسه، فكيف وليس فيه أيضاً إثبات ضروري معلول، وإنما فيه تقسيم المعلول إلى ضروري وغير ضروري؟.
ومجرد التقسيم لا يدل على ثبوت كل من القسمين، فلم يكن فيما ذكره لا إثبات ضروري معلول ولا غير معلول، إن لم يبين أن المحدث يدل على ذلك، ولا استدل بالحدوث ألبته، وهو الممكن الحقيقي، وإنما استدل بالممكن الذي ابتدعه، وجعله يتناول القديم الضروري والمحدث ولو استدل بالمحدث لدل على إثبات قديم، وثبوت قديم لا يدل على واجب الوجود باصطلاحهم لأن القديم عندهم ينقسم إلى واجب وممكن.
فإن أرادوا أن يثبتوا الواجب بنفسه، قالوا:(والقديم - الذي سموه ممكناً - يفتقر إلى واجب بنفسه) .
وهذا ليس بيناً، وعامة العقلاء ينازعونهم فيه، ولا يمكنهم إقامة دليل عليه.
فهذا الذي سموه ممكناً هو قديم أزلي ضروري الوجود، ومثل هذا لا يدل على واجب بنفسه، وهو أيضاً ليس بثابت، فلم يثبتوا هذا الممكن، ولم يثبتوا الواجب الذي يستدل عليه بهذا الممكن، فلم يثبتوا ما ادعوه من الممكن، ولا ما ادعوه من الواجب.
قال ابن رشد: (وإن فهمنا من الممكن ما له علة وهو ضروري، لم يلزم من ذلك إلا أن ما له علة فله علة) .
قلت: وذلك لأنه إذا قسم الوجود إلى ما له علة، وما لا علة له، وسمى هذا الأول ممكناً، ثم قسم هذا الممكن إلى: الممكن الحقيقة - وهو الحادث - وإلى الضروري - وهو القديم المعلول - لم يلزم من ذلك إلا إثبات قديم معلول، وهو أن هذا الضروري الذي له علة، هو ضروري له علة.
وهذا إذا قدر أنه أثبت هذا القسم.
وحينئذ فيكون قد أثبت ضرورياً واجب الوجود معلولاً.
قال: وإذا أمكن أن يكون الضروري الواجب الوجود معلولاً لعلة، أمكن أيضاً أن تكون تلك العلة، وإن كانت ضرورية واجبة