الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبقوله تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} ، وما أشبه ذلك من خلال الأدلة، وظواهر الحجج التي يدركها كافة ذوي العقول، وعامة من يلزمه حكم الخطاب، مما يطول تتبعه واستقراؤه) .
قال: (فبهذه الوجوه ثبت عندهم أمر الصانع وكونه) .
فقد بين الخطابي بعض ما نبه عليه القرآن من الاستدلال بالآيات النفسية والأفقية، وهي أدلة عقلية.
والخطابي ذم طريقة الاستدلال بالأعراض، وأنها لازمة للأجسام.
وهذه الطريقة لم ينبه القرآن عليها، ولكن بعض الناس ذكروا: أن هذه طريقة إبراهيم الخليل صلوات الله عليه، في قوله:{لا أحب الأفلين} ، قالوا: لأن الأفول هو الحركة التي لم يخل الجسم منها.
وهذا باطل لوجوه:
بطلان استدلال الفلاسفة
أحدها: أن الأفول باتفاق أهل اللغة والتفسير هو المغيب والاحتجاب.
والثاني: أنه لو استدل بالحركة لكان من حين بزغت استدل بذلك، لم يؤخر الدلالة إلى حين الغروب.
الثالث: أن قصة إبراهيم هي على نقيض مطلوبهم أدل، فإنه لم يجعل الحركة منافية لما قصده، بل المنافي هو الأفول.
الرابع: أن إبراهيم لم يكن معنياً بقوله: {هذا ربي} ، أنه رب العالمين، عل أي وجه قاله، ولا اعتقد ذلك قومه ولا غيرهم، وإنما كان الذي يقول ذلك يتخذه رباً لينال بذلك أغراضه، كما كما عباد الكواكب والشمس والقمر يفعلون ذلك.
وكان قومه من هؤلاء، لم يكونوا جاحدين للصانع، بل مشركين به.
ولهذا قال لهم: {أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين} .
وقال في آخر قوله: {إني بريء مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين * وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون * وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون} ، وقد بسط هذا في موضع آخر.
والمقصود هنا: أن القاضي كان أولاً يقول بطريقة من يقول: إن أول الواجبات هو النظر في حدوث الأجسام، ثم رجع القاضي عن ذلك، ووافق الخطابي وغيره ممن سلك مسلك السلف والأئمة، وقالوا: إن هذه الطريقة ليست واجبة بل هي عند محققيهم باطلة، وإن كان النظر واجباً في غيرها من الطرق الصحيحة.
وقد افتتح القاضي كتابه بقوله: (الحمد لله مبتدىء الأشياء ومخترعها من غير شيء، العالم بها قبل تكوينها، والقادر عليها قبل أنشائها، جاعل العلامات، وناصب الدلالات، ومبين الآيات، الآمر أولي الأبصار بالأفكار، وأولي الألباب بالاعتبار، أرسل الرسل بالإنذار، وأنزل الكتب بالأنوار، وباعث النبيين، ومنقذ العمين.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى، وأمينه المرتضى، أنزل عليه كتابه الهدى نوراً لمن التمسه، وضياءً لمن اقتبسه، ودليلاً لمن طبله، دلهم فيه على معاني حكمته، ولطيف صنعته، وبيان جلاله، أثبت الحجة به على أوليائه وأعدائه، وهو كلامه الذي يعجز الخلق أن يأتوا بمثله، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، لا معقب لأمره، ولا راد لفضله، تعالى عما يقول الجاحدون علواً كبيراً) .
ثم قال: (وهذه خطبة شيخنا أبي بكر عبد العزيز بن جعفر بن أحمد، ذكرها في أول كتابه الشافي قصدت أن أفتتح كتابي بها تبركاً به، ولأنه قد صرح فيها بالقول وبالنظر والاستدلال بقوله: الآمر أولي الأبصار بالأفكار، وأولي الألباب بالاعتبار) .
قال: (وفي هذا بيان لوجوب النظر وصحته، وإزالة الإشكال عمن توهم غير هذا في المذهب) .
قلت: وإيجاب النظر مطلقاً غير إيجاب النظر في الطريق المعين، طريقة كون الأعراض حادثة وهي لازمة للأجسام، فإن هذه لا يقول بوجوبها على المسلمين أحد من أئمة المسلمين، الذي يعرفون ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ويتبعونه، إذ كان معلوماً بالاضطرار لكل من عرف ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يوجب النظر في هذه الطريقة، بل ولا دل على صحتها، بل ما أخبر به يناقض موجبها، وهي وإن جعلها من جعلها من أهل الكلام المحدث أصلاً في معرفة الصانع وصفاته، وصدق رسله، فهي عند التحقيق تناقض معرفة الصانع ومعرفة صفاته وصدق رسله، كما قد بسط في مواضع والمقصود هنا أن القاضي أبا يعلى ونحوه ممن كان يقول أولاً: إن المعرفة