الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منتهى غيرهم، فصاروا يحكون كلام المعظمين عندهم على هذا الوجه.
وقد رأينا من ذلك أموراً، حتى أن من قضاتهم وأكابرهم من يحكي أقوال الأئمة الأربعة في مسألة من المسائل الكبار، فإذا قيل له: أهذا نقله أحد عن الشافعي أو فلان أو فلان؟ قال: لا، ولكن هذا قاله العقلاء، والشافعي لا يخالف العقلاء، أو نحو هذا الكلام.
فالطوائف المقصرة الضالة تجد حكايتهم للمنقولات، مثل نظرهم في المعقولات، فلا نقل صحيح، ولا عقل صريح.
وكل من كان أبعد عن متابعة الأنبياء، كان أبلغ في هذين الأمرين، حتى ينتهي الأمر إلى القرامطة الباطنية، الذي مبنى أمرهم على السفسطة في العقليات والقرمطة في السمعيات.
ثم الشيعة أقرب منهم، فكان عندهم من السفسطة والقرمطة بحسبهم، والمعتزلة خير منهم، فهم أقل سفسطة وقرمطة، ولكن دخل من ذلك عندهم، بحسب ما فيهم من مخالفة الكتاب والسنة، أمور كثيره.
كلام ابن عقيل في ذم علم الكلام
وابن عقيل لما خبر كلام المعتزلة لم يرض طريقهم، فلهذا ذكر أن
الناس ثلاث طوائف: طائفة شكت لما رأت وجود الشر والضرر في العالم.
وطائفة قالت بالأصلين وهم الثنوية.
والطائفة الثالثة عللوا ما انخرم بعلل لم تشف غليل العقل - كما فعلت المعتزلة - فلما لم يستقم لهم التعليل، جنحوا وقالوا: خفي علينا وجه الحكمة فيما عرض في العالم من الفساد، فسلموا لمن استحق التسليم، وهو الصانع.
قال: (وهذه طائفة أهل الحديث) وهذا بناءً على إثبات الحكمة والغاية والتعليل من حيث الجملة، والاعتراف بجهلة من جهة التفصيل، وذكر أن هذا منتهى كل عالم محق، وهذا مبلغ علم من انتهى إلى هنا.
ولابن عقيل أنواع من الكلام، فإنه كان من أذكياء العالم، كثير الفكر والنظر في كلام الناس، فتارة يسلك مسلك نفاة الصفات الخبرية، وينكر على من يسميها صفات، ويقول: إنما هي إضافات، موافقة للمعتزلة، كما فعله في كتابه ذم التشبيه وإثبات التنزيه وغيره من كتبه، واتبعه على ذلك أبو الفرج بن الجوزي في كتابه كف التشبيه بكف التنزيه) في كتابه منهاج الوصول، وتارة يثبت
الصفات الخبرية، ويرد على النفاة والمعتزلة بأنواع من الأدلة الواضحات، وتارة يوجب التأويل كما فعله في الواضح وغيره وتارة يحرم التأويل ويذمه وينهي عنه، كم فعله في كتاب الأنتصار لأصحاب الحديث، فيوجد في كلامه من الكلام الحسن البليغ ما هو معظم مشكور، ومن الكلام المخالف للسنة والحق ما هو مذموم مدحور.
وكذلك يوجد هذا وهذا في كلام كثير من المشهورين بالعلم، مثل أبي محمد بن حزم، ومثل أبي حامد الغزالي، ومثل أبي عبد الله الرازي وغيرهم.
ولابن عقيل من الكلام في ذم من خرج عن الشريعة من أهل الكلام والتصوف ما هو معروف، كما قال في الفنون، ومن خطه نقلت، قال: (فصل: المتكلمون وقفوا النظر في الشرع بأدلة العقول
فتفلسفوا، واعتمد الصوفية المتوهمة على واقعهم فتكهنوا، لأن الفلاسفة اعتمدوا على كشف حقائق الأشياء بزعمهم، والكهان اعتمدوا على ما يقلى إليهم من الاطلاع، وجميعاً خوارج على الشرائع، هذا يتجاسر إن يتكلم في المسائل التي فيها صريح نقل بما يخالف ذلك المنقول، بمقتضى ما يزعم أنه يجب في العقل، وهذا يقول: قال لي قلبي عن ربي، فلا على هؤلاء أصبحت، ولا على هؤلاء أمسيت، لا كان مذهب جاء على طريق السفراء والرسل، يريد تعلم بيان الشرايع، وبطلان المذاهب والتوهمات، والطرايق المخترعات: هل لعلم الصوفية عمل في إباحة دم أو فرجً، أوتحريم معاملة، أو فتوى معمول بها في عبادة أو معاقدة؟ أو للمتكلمين بحكم الكلام حاكم ينفذ حكمه في بلد أو رستاق؟ أو تصيب للمتوهمة فتاوي وأحكام؟ إنما أهل الدولة الإسلامية والشريعة المحمدية المحدثون والفقهاء: هؤلاء يروون أحاديث الشرع، وينفون الكذب عن النقل، ويحمون النقل عن الاختلاف.
وهؤلاء المفتون يفنون عن الأخبار تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، هم الذي سماهم النبي صلى الله عليه وسلم: الحملة العدول، فقال: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين.
فالخارج - وإن خفقت بنوده، وكثرت جموعه، وسمي بالملك - يبعد أن يضرب له دينار أو درهم، أو يخطب له على منبر، أو تكون أموره إلا على المغالطة والمخالسة، بينا هو على حاله يتضعضع لكتاب الملك، وتخشى من أن يقابله بقتال، أو يصافه بحرب، لأن في نفس الخارجي بقية من انخساس الباطل، وللملك - وإن قل جمعه - صولة الحق، وكذلك البرخشتي مع الطبيب المقيم: هذا مختار يطلب من الأدوية ما يسكن الألم في الحال، ويضع على الأمراض الأدوية الجواد العاملة بسرعة، فيأخذ العطية والخلعة لسكون الألم وإزاله المرض، ويصبح على أرض أخرى، ومنزل
بعيد، وطبه مجازفة، لأنه يأمن الموافقة والمعاينة.
والأطباء المقيمون يلامون على تطويل العلاج، وإنما سلكوا الملاطفة بالأدوية المتركبة دون الحادة من الأدوية، وإن عجلت سكون الألم، فإنها غير مأمونة الغوائل، ولا سليمة العواقب، لأن ماتعطى الأدوية الحادة من السكون إنما هو لغلبة المرض، وحيثما غلبت الأمراض أوهت قوى المحل الذي حلته الأمراض، فهو كما قيل: الدواء للبدن كالصابون للثوب ينقيه ويبليه، كذلك كلما احتد الصابون وجاد أخلق الثوب، فكذلك الفقهاء والمحدثون يقصرون عن إزالة الشبه.
لأنهم عن نقل يتكلمون، وللخوف على قلوب العوام من الشكوك يقصرون القول ويقللون، فهم حال الأجوبة ينظرون في العاقبة، والمبتدعة والمتوهمة يتهجمون، كتهجم البرخشتي، فعلومهم فرح ساعة، ليس لعلومهم ثبات، فإن اشتبه على قوم ما دلسه الصوفيه عليهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن في أمتي محدثين ومكلمين، وهو ما يلقي من الفراسات والدرايات، كما نطق به عمر.
قيل لهم: لو نطق
عمر برأيه ولم يصدقه الوحي على لسان السفير، لما التفت إلى واقعته، ولا يبتنى الشرع على فراسته.
ألاتراه لما مات السفير قال من هو أعلى طبقة منه: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني، إذا قلت في كتاب الله برأيي؟ وقال في الكلالة ما قال.
يقول الصديق هذا وأسلم اليوم لشيخ رباط يخلو بأمرد في سمعه، ويسمع الغناء من أمرد وحرة، ويأكل من الحرام شبعة، ويرقص كما تشمس الخيل، لا يسأل الفقهاء، ولا يبنى أمره على النقل، يقول بواقعة، ويقول أتباعه: الشيخ يسلم إليه طريقته، وأي طريقة مع الشرع؟ وهل أبقت الشريعة لقائل قولاً؟ وهل جاءت إلا بهدم العوايد ونقض الطرايق؟ ما على الشريعة أضر من المتكلمين والمتصوفين.
هؤلاء يفسدون العقول بتوهمات شبهات العقول، وهؤلاء يفسدون الأعمال ويهدمون قوانين الأديان، يحبون البطالات، والاجتماع على اللذات، وسماع الأصوات المشوشات للمعايش والطاعات، وأولئك يجرئون الشباب والأحداث، وعلى البحث وكثرة السؤال والاعتراضات، وتتبع الشرع بالمناقضات.
وما عرفنا للسلف الصالح أعمال هؤلاء الصوفية، بل كانت أحوالهم الجد لا الهزل، ولا أحوال المتكلمين: لا التكشف ولا البحث، بل كانوا عبيد تسليم وتحكيم في المعتقدات، وجد وتشهير في الأعمال والطاعات،
فنصيحتي لأخواني من المؤمنين الموحدين أن لا يقرع أبكار قلوبهم كلام المتكلمين، ولا تصغي مسامعهم إلى خرافات المتصوفين، بل الشغل بالمعايش أولى من بطالة المتصوفة، والوقوف مع الظواهر أولى من توغل المنتحلة للكلام.
وقد خبرت طريقة الفريقين: غاية هؤلاء الشك، وغاية هؤلاء الشطح.
والمتكلمون عندي خير من المتصوفة، لأن المتكلمين مرادهم مع التحقيق مزيد الشكوك في بعض الأشخاص، ومؤدي المتصوفة إلى توهم الإشكال، والتشبيه هو الغاية في الإبطال، بل هو حقيقة المحال، مما يسقط المشايخ من عيني، وإن نبلوا في أعين الناس أقداراً وانساباً، وعلوماً وأخطاراً، إلا قول القائل منهم إذا خوطب بمقتضى الشرع: عدتي كذا وكذا، يشير إلى طريقة قد قننها لنفسه، تخرج عن سمت الشرع، فذاك مختلق طريقة، وكل مختلق مبتدع، ولو كان في ترك النوافل، لأن الاستمرار على ترك السنن خذلان.
قال أحمد رضي الله عنه وقد سئل
عن رجل استمر على ترك الوتر: هذا رجل سوء.
أنا أنصح بحكم العلم والتجارب: إياك أن تتبع شيخاً يقتدي بنفسه، ولا يكون له إمام يعزى إليه ما يدعوك إليه، ويتصل ذلك بشيخ إلى شيخ إلى السفير صلى الله عليه وسلم، الله الله، الثقة بالأشخاص ضلال، والركون إلى الآراء ابتداع، اللين والانطباع في الطريقة مع السنة، أحب إلي من الخشونة والانقباض مع البدعة، الله لا يتقرب إليه بالامتناع مما لم يمنع منه، كما لا يتقرب إليه بأعمال لم يأمر بها.
اصحاب الحديث رسل السفير: الفقهاء المترجمون لما أراد السفير من معاني كتابه، ولا يتم اتباع إلا بمنقول، ولا يتم فهم المنقول إلا بترجمان، وما عداهما تكلف لا يفيد.
وإلى هذين القسمين انقسم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: نقلةً وفقهاء، ولا نعرف فيهم ثالثاً.
أصحاب أسواق وصفقات وتجارات، لا ربط ولا مناخ للبطالات، يا أصحاب المخالطات والمعاملات، عليكم بالورع، يا أصحاب الزوايا والانقطاعات عليكم بحسم مواد الطمع.
يا طراق المبتدئين إياكم واستحسان طرائق أهل التوهم والخدع، ليس السني عندي المحب لمعاوية ويزيد، ولا لأبي بكر وعمر، ولا الشيعة عندي من زار المشاهد، وأنشد المراثي والقصايد.