الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بنفسها، مع ترك الدليل الواضح البين، الذي يشهد به الحس ويعلمه الخلق، ولا ينازع فيه عاقل - وهو حدوث المحدثات التي يشهد حدوثها، ثم افتقار المحدثات إلى فاعل ليس بمحدث بل قديم - من الأمور المعلولة بالضرورة لعامة العقلاء، لا ينازع فيه إلا من هو من شر الناس سفسطة.
فهذا وأمثاله مما يقوله جمهور الأنام، في مثل هذا المقام، ويقولون: إنا نعلم بالاضطرار: أن ما ذكره الله تعالى في القرآن ليس فيه إثبات الصانع بهذه الطريق، بل ما في القرآن من الإخبار عن الله بما أخبر عنه من أفعاله وأحواله يناقض هذه الطريق.
ويقولون: إن العقل الصريح مطابق لما في القرآن، فإن حدوث المحدثات مشاهد معلوم بالحس والعقل، وكون المحدث لا بد لهم من محدث أمر يعلم بصريح العقل، وأيضاً فحدوث الحادث بدون سبب حادث ممتنع في العقل.
عود لكلام الباقلاني في شرح اللمع
قال القاضي أبو بكر: (وأما قول أبي الحسن: إن الانقلاب والتغير والاعتمال والتأثير من سمات الدحث، وما لم يسبق المحدثات كان محدثاً مثلها - ففيه وجهان من الكلام:
أحدهما: أن نقول: إن التغييرات من سمات الحدوث بدلالة أن التغير هو خروج الشيء من صفة إلى صفة - فلا يخلو إما أن يكون
خروجاً من صفة قدم إلى صفة قدم، أو من صفة حدث إلى صفة حدث، أو من صفة قدم إلى صفة حدث، أو من صفة حدث إلى صفة قدم.
والأول باطل لوجهين:
أحدهما: أن المنتقل انتقل إلى أمر مستأنف لم يكن عليه، وذلك لا يكون قديماً.
الثاني: أن ذلك يقتضي عدم القديم كما تقدم، والقديم لا يجوز عدمه) .
قال: (ويستحيل أن يكون التغيير خروجاً من حال حدث، لأن ذلك لا يثبت إلا بأحد وجهين:
إما بحدوث تغيير القديم، أو ببطلان معنى منه قد ثبت قدمه، ووجوب حدوث ما اكتسبه وصفاً بعد أن لم يكن مستحقاً له.
وما قبل الحوادث لم يخل منها أو من أضدادها، وما لم يوجد قبل أول الحوادث ولم يعر منها كان محدثاً مثلها) .
قال: (ولا خلاف بيننا وبينهم - يعني المعتزلة - في هذا القسم لنطنب فيه) .
وقال: (وأما الوجه الآخر: فهو أن نقول: إنما أراد بقوله: إنها من سمات الحدث ودلائلة - إنها إذا ثبت حدوثها وأن الجسم لم يخل منها ولم يوجد قبل أولها: وجب له من الحدث ما وجب لها، إذ لا يخلو أن يكون وجد مع وجودها أو بعد وجودها، إذ قد فسد أن يكون موجوداً قبلها.
فإن كان وجد مع وجودها، وجب له من الحدث ما وجب لها، وإن كان وجد بعد وجودها، كان أولى بالحدوث، لأن ما وجد بعد المحدث كان أولى أن يكون محدثاً) .
قال القاضي أبو بكر: (واعلم أن هذا الدليل على حدوث النطفة وغيرها من الأجسام، إذا علق على هذه النكتة، وسلك فيها هذا الضرب من الاستدلال - فلا بد فيه من مقدمات أربع:
أولها: الدلالة على إثبات الأعراض.
والثانية: الدلالة على حدوثها وأن لها أولاً تنتهي إليه.
والثالثة: أن الجسم لا يخلو منها ولا يوجد قبل أولها.
والرابعة: أن ما لم يسبق المحدثات فواجب أن يكون محدثاً مثلهاً) .
ثم تكلم على إثبات هذه المقدمات بالكلام المعروف فهم في ذلك.
ولما قيل له: لم قلتم: إن الجسم لا ينفك من هذه الحوادث، ولا يوجد قبل أولها؟.