الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله يقول: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً} .
ونحن نعلم بالاضطرار أن الطفل ليس عنده معرفة بهذا الأمر، ولكن ولادته على الفطرة تقتضي أن الفطرة تقتضي ذلك، وتستوجبه بحسبها.
فكلما حصل فيه قوة العلم والإرادة، حصل من معرفتها بربها، ومحبتها له، ما يناسب ذلك كما أنه ولد على أنه يحب جلب المنافع ودفع المضار بحسبه، وحينئذ فحصول موجب الفطرة، سواء توقف على سبب، وذلك السبب موجود من خارج، أو لم يتوقف، على التقديرين يحصل المقصود.
ولكن قد يتفق لبعضها فوات الشرط أو وجود مانع، فلا يحصل مقصود الفطرة.
الوجه الثالث
أن يقال: من المعلوم أن النفوس إذا حصل لها معلم ومخصص، حصل لها من العلم والإرادة بحسب ذلك.
ومن المعلوم أن كل نفس قابلة للعلم وإرادة الحق.
ومعلوم أن مجرد التعليم والتخصيص لا يوجب العلم والإرادة، لولا أن في النفس قوة تقبل ذلك.
وإلا فلو علم البهائم والجمادات وحضضها، لم يحصل لها ما يحصل لبني آدم، والسبب في الموضعين واحد، فعلم أن ذلك لاختلاف القوابل.
ولهذا يشترك الناس في سماع القرآن، ويتفاوتون في آثاره فيهم من العلم والحال وهكذا في سائر الكلام.
وإذاكان كذلك علم أن في النفوس قوة تقتضي العلم والإرادة.
يبين ذلك أن ذلك المرجح إذا حصل من خارج، فمعلوم أنه نفس لا يوجب بنفسه حصول العلم والإرادة في النفس، إلا بقوة منها تقبل ذلك، وتلك القوة لا تتوقف على أخرى، وإلا لزم التسلسل الذي لا يتناهى بين طرفين متناهين، أو الدور القبلي، وكلاهما ممتنع بالضرورة واتفاق العقلاء.
فهذا يدل على أن في النفس قوة ترجح الدين الحق علىغيره، وحينئذ فالمخاطب إنما عنده تنبيهاً على ما لا تعلمه لتعلمه، أو تذكيرها بما كانت ناسية لتذكره، أو تخضيضها على ما لا تريده لتريده، ونحو ذلك.
وكل هذه الأمور يمكن أن تحصل بخواطر في النفس تقتضي تنبيهها وتذكيرها وتحضيضها.
واعتبار الإنسان ذلك من نفسه يوجب علمه بذلك، فإن ما يسمعه الإنسان من كلام البشر بمكن أن يخطر له مثله في قلبه.
فعلم أن الفطرة يمكن حصول إقرارها بالصانع والمحبة والإخلاص له بدون سبب منفصل، وأنه يمكن أن تكون الذات كافية في ذلك.
ومن المعلوم أنه إذا كان المقتضى لذلك قائماً في النفس وقدر عدم المعارض، فالمقتضى السالم عن المعارض المقاوم يجب مقتضاه، فعلم أن الفطرة السليمة إذا لم يصل لها من يفسدها كانت مقرةً بالصانع، عابدةً له.
فإن قيل: هذه الخواطر التي تخطر للإنسان قد تحصل لبعض الناس دون بعض، بحسب ما يتفق من الأسباب، كما أن بعض الناس يحصل له