المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌هل يوصف الله -تعالى- بصفة التردد - الأربعون العقدية - جـ ٢

[أيمن إسماعيل]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الحادى والعشرون: السنة الجارية شرح حديث الجارية

- ‌الحديث الثانى والعشرون: كشف الالتباس عن حديث أمرت أن أقاتل الناس

- ‌الحديث الثالث والعشرون: فتح البصير في بيان ما توسل به الضرير

- ‌ التوسل المختلف فيه:

- ‌الحديث الرابع والعشرون: بيان الحِكَم في شرح حديث إن الله هو الحَكَم

- ‌ الحالات التى يكون فيها الحكم بغير ما أنزل الله شركًا

- ‌الحديث الخامس والعشرون: ذات العماد شرح حديث حق الله على العباد

- ‌الحديث السادس والعشرون: المشكاة في شرح حديث لا تعجز واستعن بالله

- ‌الحديث السابع والعشرون: بيان الحق نفسه في شرح حديث أينا لم يظلم نفسه

- ‌الحديث الثامن والعشرون: ضوء الثريا شرح حديث من عادى لى ولياً

- ‌هل يوصف الله -تعالى- بصفة التردد

- ‌الحديث التاسع والعشرون: المعانى الراسيات شرح حديث إنى معلمك كلمات

- ‌ الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: "احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ "، وبين ما يقع لأهل الإيمان من البلاء والمحن

- ‌ أصل القضاء لا يعارض العمل:

- ‌الحديث الثلاثون: نثر الجمَّان بفوائد حديث إنهما ليعذبان

- ‌هل عذاب القبر يكون على الروح فقط، أم على الروح والبدن

- ‌الحديث الحادي والثلاثون: بلوغ الرُّبَى شرح حديث ضحك النبي تعجبا

- ‌ المخالفون لأهل السنة والجماعة في إثبات صفة اليدين:

- ‌الحديث الثانى والثلاثون: فتح الأعز الأكرم شرح حديث أي الذنب أعظم

- ‌من أتى خلاف المعهود تجاوزت عاقبته الحدود:

- ‌الحديث الثالث والثلاثون: تلخيص الخطاب شرح حديث إنك تأتى أهل كتاب

- ‌الفطرة دالة على نقض مذهب المتكلمين:

- ‌الحديث الرابع والثلاثون: درء الخوض في رد أحاديث الحوض

- ‌ حكم سب الصحابة رضى الله عنهم:

- ‌الحديث الخامس والثلاثون: البيان والتتمة شرح حديث يكون بعدى أئمة

- ‌تعريف الإمامة، وأهمية تنصيب الإمام:

- ‌ وسطية الأمة مع الأئمة:

- ‌الحديث السادس والثلاثون: ردع الجاني على حديث إن الله أفتاني

- ‌ هل السحر حقيقة أم خيال

- ‌الحديث السابع والثلاثون: دليل البيداء شرح حديث أنا أغنى الشركاء

- ‌ هل الرياء مبطل للعمل

- ‌ الشرك الخفي أشد خطورة من المسيح الدجال

- ‌أمور ليست من الرياء:

- ‌الحديث الثامن والثلاثون: نيل المأرب شرح حديث طلوع الشمس من المغرب

- ‌الحديث التاسع والثلاثون: بذل الطاقة شرح حديث صاحب البطاقة

- ‌ أليس تأويل الميزان بالعدل يستقيم لغة

- ‌ ما الذي يوزن في الميزان يوم القيامة:

- ‌ما الحكمة من نصب الموازين، مع كونه عزوجل وسع علمه أعمال العباد ومآلاتهم

- ‌ حكم من مات على الشرك الأصغر:

الفصل: ‌هل يوصف الله -تعالى- بصفة التردد

وبين ذاك، فإذا كان هذا دالًا على التباين، فكيف يكون هذا الشيء المبايِن بعضاً من الشيء المبايَن؟!

وكيف يكون سمعه وبصره ويده ورجله؟! فهذا مستحيل.

وأيضا السمع والبصر واليد والرجل بعض من المخلوق ولا يمكن أن يكون بعض المخلوق هو الخالق، فهذا شيء مستحيل.

(1)

قال ابن رجب:

من اجتهد بالتقرب إلى الله بالفرائض، ثم بالنوافل، قربه إليه، ورقَّاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان، فيصير يعبد الله على الحضور والمراقبة كأنه يراه، فيمتلئ قلبه بمعرفة الله تعالى، ومحبته، وعظمته، وخوفه، ومهابته، وإجلاله، والأنس به، والشوق إليه، حتى يصير هذا الذي في قلبه من المعرفة مشاهداً له بعين البصيرة.

فمتى امتلأ القلب بعظمة الله- تعالى- محا ذلك من القلب كل ما سواه، ولم يبق للعبد شيء من نفسه وهواه، ولا إرادة إلا لما يريده منه مولاه، فحينئذ لا ينطق العبد إلا بذكره، ولا يتحرك إلا بأمره، فإن نطق، نطق بالله، وإن سمع، سمع به، وإن نظر، نظر به.

فهذا هو المراد بقوله: (كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها)، ومن أشار إلى غير هذا، فإنما يشير إلى الإلحاد من الحلول، أو الاتحاد، والله ورسوله بريئان منه.

(2)

*عودٌ إلى حديث الباب: الفائدة الخامسة:

قوله عزوجل: " وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ "

ف‌

‌هل يوصف الله -تعالى- بصفة التردد

؟؟

(3)

(1)

شرح العقيدة السفارينية لابن العثيمين (ص/130)

(2)

جامع العلوم والحكم (2/ 347)

(3)

وقد أورد النووي حديث الباب هذا في (الأربعين النووية)، ولكن دون قوله تعالى (وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن؛ يكره الموت وأنا أكره مساءته)

فلعل اختصاره له هو من باب مراعاة حال السامعين؛ وذلك لكون هذه الأربعين معدة للمبتدئين في طلب= =العلم، وبعض العلم لا يصلح لكل أحد. والله تعالى أعلم. وقد بوَّب البخاري في الصحيح على أثر علي رضي الله عنه الموقوف في كتاب العلم بقوله (باب من خص بالعلم قوماً دون قوم، كراهية ألا يفهموا).

وانظر " التوضيح الرشيد في شرح التوحيد " المذيل بالتفنيد لشبهات العنيد، لأبى عبد الله الحقوي (ص/334)

ص: 853

والجواب هنا لا يكون بإطلاق الإيجاب، ولا بإطلاق النفى، بل عندنا مقدّمتان ينبنى عليهما تحرير معنى التردد المراد فى حق الله تعالى:

أ) الأولى:

أصل استعمال هذه الكلمة إنما يكون لمن نازعها أمران يريد فعل واحد منهما، ولكنه لجهله بعاقبة هذا الاختيار فقد صار متردداً بينهما.

ب) الثانية:

أن التردد على المعنى المذكور فى المقدمة الأولى مما يُنزه الله - تعالى- عنه؛ فإن علم الله -عزوجل - مما وسع كل شيء، يعلم ما كان وما يكون وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون {وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا}

فينبني على هاتين المقدمتين أن التردد الواقع فى حق الله - تعالى- ليس من جنس التردد الذى يقع للبشر، والذى منشؤه عندهم من الجهل بعواقب الأمور، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)) (الشورى /11)، وإنما التردد المراد قد بيَّنه سياق حديث الباب، (يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ..)، يكون بين أمرين:

الأول:

" انفاذ ما قدِّر من موت المؤمن، ولا شك أنه قضاء نافذ لا محالة، قال تعالى (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) "

الثانى:

" كراهية ما يحصل من مساءة المؤمن بتقدير الموت عليه ".

فصار الأمر محبوباً من جهة ومبغوضاً من جهة، محبوب من جهة أنه يؤدي إلى ما هو خير؛ فبالموت ينتقل المؤمن إلى ما هو خير له، ومكروه من جهة أن العبد يكره ذلك.

(1)

(1)

وقد ذهب جملة من شرَّاح هذا الحديث إلى تأويل صفة التردد وصرفها عن ظاهرها، وذلك بنفي صفة التردد عن الله تعالى، وإلى هذا ذهب الخطابي وابن حجر والشوكاني والسيوطي وابن الجوزي، وهو مسلك أهل التاويل من شراح الحديث وغيرهم.

بل إن هذا مما دفع الذهبى إلى الكلام في سند الحديث، فقال:

فهذا حديث غريب جدا، لولا هيبة الجامع الصحيح لعددته في منكرات خالد بن مخلد، وذلك لغرابة لفظه!

ومن جملة التأويلات البعيدة التى ذكروها لمعنى التردد الوارد في حديث الباب، منها:

أ) هو من تردد العبد حين يصاب بداء، فيدعو الله فيشفيه منه، ثم يبدو له أن يتركه ويعرض عنه، فلا بد له من لقائه إذا بلغ الكتاب أجله، فإنه قد كتب الفناء على خلقه.

ب) أن يكون معناه: "ما رددت رسلي في شيء أنا فاعله ترديدي إياهم في نفس المؤمن، كما روى من قصة موسى وملك الموت صلوات الله عليهما وما كان من لطمه عينة وتردده إليه مرة أخرى.

ج) وهو أن يكون خطاباً لنا بما نعقل، والرب عز وجل يتنزه عن حقيقته، بل هو من جنس قوله:

" ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ". فكما أن أحدنا يريد أن يضرب ولده تأديباً، فتمنعه المحبة وتبعثه الشفقة فيتردد بينهما إلى غير ذلك من التأويلات البعيدة التي تصرف الحديث عن ظاهره من غير قرينة توجب ذلك.، ولا ريب أن المسلك المذكور أعلاه هو المسلك الجاري على قواعد أهل السنة والجماعة في هذا الباب، = =وذلك بحمل الحديث على ظاهره، وإثبات التردد صفة لله - تعالى- على مايليق بجلاله وعظمته.

وانظر أعلام الحديث (3/ 2260) وكشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 527) وميزان الاعتدال (1/ 642) وقطرالولى (ص/470) والقول الجلي في حديث الولي (1/ 436)

ص: 854

*فإن قيل:

كيف يكون العبد ولياً لله -تعالى - وهو يكره الموت ولقاء الله عز وجل؟

* وجوابه:

لا شك أن المؤمن يحب لقاء ربه عزوجل، ولكنه كذلك يحب الاستزادة من أعمال الخير؛ ليزداد رفعة عند ربه عزوجل، وقد سئل رَسُوَل اللهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟

فقَالَ: " مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ "

(1)

.

* قال ابن هبيرة:

المؤمنون لا يكرهون الموت إلا لنقلهم من الخدمة إلى النعمة، فيرون أنهم لم يقضوا نهمهم من عبادة الله ولا من خدمته سبحانه في أرضه، فإذا نقلوا إلى مقر الراحة وموطن الإباحة ومحل النعم، لم يكونوا إلى ذلك مشتاقين ولا عليه متهافتين.

*فأما من دون هؤلاء في المقام، فإنهم قد يكرهون الموت لخوفهم من بعض أعمالهم، ويحبون البقاء لتدارك الفائت وتلافي الفارط.

ودون هؤلاء أيضًا: من يكره الموت؛ لأنه لم يقض بعد أشغاله، ولم يفرغ من استعداد جهازه للقاء ربه.

(2)

* قال أبوالعباس ابن تيمية:

المتردد منا وإن كان تردده في الأمر لأجل كونه ما

(1)

أخرجه الترمذى (2330)، وأحمد (20518)، انظر صَحِيح الْجَامِع (3297)

(2)

الإفصاح عن معاني الصحاح (7/ 306)

ص: 855

يعلم عاقبة الأمور، لا يكون ما وصف الله به نفسه بمنزلة ما يوصف به الواحد منا؛ فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ثم هذا باطل؛ فإن الواحد منا يتردد تارة لعدم العلم بالعواقب، وتارة لما في الفعلين من المصالح والمفاسد،

فإذا أتى العبد بكل ما يقدر عليه من محبوب الحق؛ فأحبه الحق لفعل محبوبه من الجانبين بقصد اتفاق الإرادة بحيث يحب ما يحبه محبوبه ويكره ما يكرهه محبوبه والرب يكره أن يسوء عبده ومحبوبه، فلزم من هذا أن يكره الموت ليزداد من محاب محبوبه. والله سبحانه وتعالى قد قضى بالموت فكل ما قضى به فهو يريده ولا بد منه، فالرب مريد لموته لما سبق به قضاؤه، وهو مع ذلك كاره لمساءة عبده، فصار الموت مراداً للحق من وجه مكروهاً له من وجه.

وهذا حقيقة التردد وهو: أن يكون الشيء الواحد مراداً من وجه مكروهاً من وجه، وإن كان لا بد من ترجح أحد الجانبين كما ترجح إرادة الموت؛ لكن مع وجود كراهة مساءة عبده، وليس إرادته لموت المؤمن الذي يحبه ويكره مساءته كإرادته لموت الكافر الذي يبغضه ويريد مساءته.

(1)

وقال رحمه الله:

والمقصود هنا التنبيه على أن الشيء المعين يكون محبوباً من وجه مكروهاً من وجه، وأن هذا حقيقة التردد، وكما أن هذا في الأفعال فهو في الأشخاص، والله أعلم.

(2)

تم بحمد الله

(1)

بتصرف يسير من مجموع الفتاوى (18/ 131)

(2)

مجموع الفتاوى (18/ 135)

ص: 856