الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا معنى ما روي عن عمر أنه قال:
" اللهم إن كنت كتبتني شقياً فامحني واكتبني سعيداً؛ فإنك تمحو ما تشاء وتثبت. والله سبحانه عالم بما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون؛ فهو يعلم ما كتبه له وما يزيده إياه بعد ذلك، والملائكة لا علم لهم إلا ما علمهم الله، فلهذا قال العلماء: إن المحو والإثبات في صحف الملائكة وأما علم الله سبحانه فلا يختلف ولا يبدو له ما لم يكن عالماً به، فلا محو فيه ولا إثبات.
(1)
والأجل أجلان " أجل مطلق " يعلمه الله " وأجل مقيد " وبهذا يتبين معنى قوله صلى الله عليه وسلم {من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه} فإن الله أمر الملك أن يكتب له أجلاً وقال: " إن وصل رحمه زدته كذا وكذا " والملك لا يعلم أيزداد أم لا؛ لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر، فإذا جاء ذلك لا يتقدم ولا يتأخر.
(2)
*
أصل القضاء لا يعارض العمل:
عَنْ جَابِرٍ -رضى الله عنه - قَالَ: جَاءَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ -رضى الله عنه- قَالَ:
يَا رَسُولَ اللهِ بَيِّنْ لَنَا دِينَنَا كَأَنَّا خُلِقْنَا الْآنَ، فِيمَ الْعَمَلُ الْيَوْمَ؟ أَفِيمَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ، وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ، أَمْ فِيمَا نَسْتَقْبِلُ؟
قَالَ: «لَا، بَلْ فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ» قَالَ: فَفِيمَ الْعَمَلُ؟ فَقَالَ:
«اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» ، ثُمَّ قَرَأَ:{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 6]، إِلَى قَوْلِهِ {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 10]
(3)
فقد قدَّر الله -تعالى- ترتيب المسبَبَات على الأسباب، ما يجيء لك ولد إلا إذا تزوجت، ولا يعقل أن تقول " إنْ كتب الله لي ولدا فسيأتي ولو لم أتزوج "!، أو تترك طلب الرزق وتقول:
" إنْ كتب الله لي رزقاً سيأتيني وأنا نائم "! نعم قد يكون؛ لكن
(1)
مجموع الفتاوى (14/ 492)
(2)
المصدر السابق (5/ 517) ومن أراد الاستزادة في تفصيل هذه المسألة فليراجع:
مشكل الأثار (8/ 81) والتوضيح لشرح الجامع الصحيح (14/ 101) والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (6/ 528)
(3)
متفق عليه.
ليس هذا موجب العقل والفطرة والشرع.
بل موجب العقل والفطرة والشرع أن تسعى في طلب الرزق، ولو توكلت على الله-تعالى - فلا بد لك من الأخذ بالأسباب، وأعظم من ذلك أمر السعادة، فلا تكون السعادة إلا بأسبابها وهي الإيمان والعمل الصالح، ولا يمكن أن يكون الإنسان سعيدًا إلا بالأسباب، فمن تحققت له أسباب السعادة فنعلم بذلك أنه قد سبق علم الله -تعالى- وكتابه بسعادته.
*ولكن مع تقدير الله -تعالى - الأزلى لمنازل أهل السعادة وأهل الشقاء فقد أمر -تعالى- بتحصيل العمل الصالح الذى به تحصل سعادة الدارين، قال تعالى {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} [الكهف: 110]، وقال تعالى (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19))
فجعل-تعالى- من علامات صدق الدعوى بذل العمل، وإلا فالمدَّعون كثر، لكن لم يزل أهل الصدق إلى قلة.
تم بحمد الله.