الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثلاثون: نثر الجمَّان بفوائد حديث إنهما ليعذبان
*نص حديث الباب:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضى الله عنهما - قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم بِقَبْرَيْنِ، فَقَالَ:
«إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً، فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ:
«لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا»
* تخريج الحديث:
أخرجه البخاري (1378) فى مواضع من صحيحه، منها فى " باب عذاب القبر من الغيبة والبول "، ومسلم (292)" باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه "
* أهم الفوائد المستقاة من حديث الباب: الفائدة الأولى:
قد دل حديث الباب على إثبات أصل من الأصول التى قال بها أهل السنة، ونصوا عليها خلافاً لأهل البدع، وهى مسألة عذاب القبر.
قال النووى:
وأما فقه الباب ففيه إثبات عذاب القبر، وهو مذهب أهل الحق خلافا للمعتزلة.
(1)
وهذا الأصل في الإيمان بعذاب القبر، قد دل عليه القرآن والسنة وتظاهرت الأدلة وتواترت من سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الدلالة على أن القبر والبرزخ يكون فيه عذاب ويكون فيه نعيم للإنسان المكلف، على ما يحكم الله عز وجل به على الميت.
(1)
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (3/ 202)
وأصل إيراد هذه المسألة في العقائد إنما جاء لأجل أن الخوارج والجهمية والفلاسفة وأهل الكلام ينكرون عذاب القبر.
ونظير ذلك ما أورده البربهاري في "شرح السنة" من ذكره لمسائل المسح على الخفين؛ وذلك لأن الروافض لم تقل بها، وذكره لمسألة الصلاة فى السراويل رداً على من كرهها من الهادوية.
* الأيات الدالة على إثبات عذاب القبر:
قوله تعالى (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ)(الأنعام: الآية 93)
فقال سبحانه (الْيَوْمَ) يعني يوم إخراج أنفسهم، أي يوم موتهم يجزون عذاب الهون.
قال ابن القيم:
فقول الملائكة «اليوم تجزون عذاب الهون» المراد به: عذاب البرزخ الذي أوله يوم القبض والموت.
(1)
وقال تعالى في آل فرعون (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)(غافر: 46) فقال: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً). وذلك قبل قيام الساعة؛ فإنه تعالى قال بعدها (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ).
قال ابن كثير:
هذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور.
(2)
وقال تعالى عن قوم نوح عليه السلام: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} (نوح/)
(1)
تفسير القرآن الكريم (ابن القيم)(ص/376)
(2)
وقد نص على مثل ذلك الزمخشرى، وانظر تفسير القرآن العظيم (7/ 146) والكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (4/ 170) واعتقاد أئمة الحديث للإسماعيلى (ص/69)
فدل العطف بالفاء على أن دخولهم النار حصل عقيب إغراقهم، وأنه قبل يوم القيامة.
(1)
وهذه الأدلة القرآنية ربما تأولها المعارض ولم يرها دالة على إثبات عذاب القبر؛ لكن كثرتها وظهور كلام السلف فيها يدل على أنها في عذاب القبر والبرزخ.
وأما الأحاديث الدالة على عذاب القبر أحاديث متواترة، وممن نص على تواترها:
أبوالعباس ابن تيمية وابن القيم والطحاوى و ابن عبد البر وابن الملقن، وقد ذكر الكتانى رواة أحاديث عذاب القبر من الصحابة -رضى الله عنهم- فعد اثنين وثلاثين نفساً، وسمَّى غيره أسماء رواة الصحابة فعد تسعة وأربعين صحابياً.
(2)
وقد بوَّب أصحاب الصحاح فى مصنفاتهم أبواباً فى إثبات عذاب القبر، كما هو فعل البخارى، قال:" باب ما جاء في عذاب القبر "، وفى صحيح مسلم: " باب:
" إثبات عذاب القبر والتعوذ منه ".
قال ابن عبد البر: والآثار في عذاب القبر لا يحوط بها كتاب.
(3)
وروى الشيخان عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ-رضى الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
{يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم: 27]" قَالَ: " نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ.
(1)
شرح النونية للهراس (1/ 47)
(2)
وانظر مجموع الفتاوى (4/ 285) والروح (ص/52) والتفسير القيم (ص/376) الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (1/ 516) والتمهيد (22/ 247) ولقط اللآلئ المتناثرة (ص/213) ونظم المتناثر من الحديث المتواتر (ص/126) وشرح الطحاوية (ص/399) والصحيح المسند فى عذاب القبر ونعيمه (ص/9)
(3)
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (22/ 251)
(1)
وورد فى زيادة عند مسلم والنسائي:
يُقَالُ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ، وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، وَدِينِي دِينُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَذَلِكَ قَوْلُهُ:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27] "
(2)
*وعَنْ عَائِشَةَ -رضى الله عنها- قَالَتْ:
دَخَلَتْ عَلَيَّ عَجُوزَانِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ المَدِينَةِ، فَقَالَتَا لِي:
إِنَّ أَهْلَ القُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ، فَكَذَّبْتُهُمَا، وَلَمْ أُنْعِمْ أَنْ أُصَدِّقَهُمَا، فَخَرَجَتَا،
وَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عَجُوزَيْنِ، وَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ:
«صَدَقَتَا، إِنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَذَابًا تَسْمَعُهُ البَهَائِمُ كُلُّهَا»
(3)
، فَمَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ فِي صَلَاةٍ إِلَّا تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ.
(4)
في هذا الحديث دليل على أن عذاب القبر تعرفه اليهود، وذلك - والله أعلم - في التوراة؛ لأن مثل هذا لا يدرك بالرأي.
وعنْ مُصْعَبٍ قال: كَانَ سَعْدٌ بن أبى وقاص-رضى الله عنه - يَأْمُرُ بِخَمْسٍ، وَيَذْكُرُهُنَّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِهِنَّ:
" اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ البُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا- يَعْنِي فِتْنَةَ الدَّجَّالِ- وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ".
(5)
(1)
متفق عليه. وانظر روائع التفسير (1/ 590) والاستيعاب في بيان الأسباب (2/ 390)
(2)
أخرجها مسلم (2871) والنسائى (2057) وانظر الصحيح المسند من أسباب النزول (ص/172)
(3)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
قال بعضهم: ولهذا السبب يذهب الناس بدوابهم إذا مغلت إلى قبور اليهود والنصارى والمنافقين؛ كالإسماعيلية والنصيرية وسائر القرامطة: من بني عبيد وغيرهم الذين بأرض مصر والشام وغيرهما؛ فإن أهل الخيل يقصدون قبورهم لذلك كما يقصدون قبور اليهود والنصارى. والجهال تظن أنهم من ذرية فاطمة وأنهم من أولياء الله وإنما هو من هذا القبيل.
فقد قيل: إن الخيل إذا سمعت عذاب القبر حصلت لها من الحرارة ما يذهب بالمغل. (مجموع الفتاوى (4/ 287)
*قلت:
المَغَل: هو وَجَعُ يصيب الدابة إذا أَكلت الترابَ مَعَ البَقْل، فيأَخذها لِذَلِكَ وجَعٌ فِي بَطْنِهَا. لسان العرب (11/ 626)
(4)
متفق عليه.
(5)
رواه الشيخان.
* وعن زَيْد بْن ثَابِتٍ-رضى الله عنه- قَالَ:
بَيْنَمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ، عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ وَنَحْنُ مَعَهُ، إِذْ حَادَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيهِ، وَإِذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ، فَقَالَ:
«مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هَذِهِ الْأَقْبُرِ؟» فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، قَالَ: فَمَتَى مَاتَ هَؤُلَاءِ؟ " قَالَ: مَاتُوا فِي الْإِشْرَاكِ، فَقَالَ:
«إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا، لَدَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ» ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ:
«تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ»
(1)
* وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ-رضى الله عنه - قَالَ:
خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ، كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ، وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ:
" اسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، "، ثُمَّ قَالَ:
" إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ- عليه السلام حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: " أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ، اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ ". قَالَ:
" فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا، فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ، وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ " قَالَ:
" فَيَصْعَدُونَ بِهَا، فَلَا يَمُرُّونَ، يَعْنِي بِهَا، عَلَى مَلَإٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، إِلَّا قَالُوا:
مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟ فَيَقُولُونَ:
فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَيَقُولُ اللهُ عز وجل: اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ، وَمِنْهَا
(1)
رواه مسلم (2867) وأحمد (21701)
أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى ". قَالَ:
" فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، فَيَأْتِيهِ
مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ:
رَبِّيَ اللهُ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِيَ الْإِسْلَامُ، فَيَقُولَانِ لَهُ:
مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم،
فَيَقُولَانِ لَهُ: وَمَا عِلْمُكَ؟ فَيَقُولُ:
قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ، فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ، فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ: أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ ". قَالَ:
" فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا، وَطِيبِهَا، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ ". قَالَ:
" وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ، فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ، فَيَقُولُ:
رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي ". قَالَ: " وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ، مَعَهُمُ الْمُسُوحُ، فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ:
أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ، اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنَ اللهِ وَغَضَبٍ "، قَالَ:
" فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ، فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنَ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ، فَيَأْخُذُهَا،
فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا، فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلَأٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ؟ فَيَقُولُونَ:
فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ، فَلَا يُفْتَحُ لَهُ "، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
…
[الأعراف: 40]
فَيَقُولُ اللهُ عز وجل: " اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى، فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا.
فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟
فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟
فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟
فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ، فَافْرِشُوا لَهُ مِنَ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ، فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا، وَسَمُومِهَا، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ، قَبِيحُ الثِّيَابِ، مُنْتِنُ الرِّيحِ،
فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ:
مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ، فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ، فَيَقُولُ:
رَبِّ لَا تُقِمِ السَّاعَةَ.
(1)
وعن سعيد بن المسيب، قال:"صَلَّيْتُ وراء أبي هريرة على صبيِّ لم يعمل خطيئةَ قطُّ، سمعتُه يقول: "اللهمَّ أعِذْهُ من عذاب القبر".
(2)
* الإجماع:
قال أبو العباس ابن تيمية:
مذهب سائر المسلمين إثبات الثواب والعقاب في البرزخ - ما بين الموت إلى يوم القيامة - هذا قول السلف قاطبة وأهل السنة والجماعة؛ وإنما أنكر ذلك في البرزخ قليل من أهل البدع.
(3)
(1)
أخرجه أبوداود (4753) وأحمد (18534) وقد صححه ابن القيم فى اجتماع الجيوش الإسلامية (ص/75) وفى إعلام الموقعين (1/ 178)، وقال راداً على تضعيف ابن حزم له:
" وأما قوله إن الحديث لا يصح لتفرد المنهال بن عمرو وحده به وليس بالقوى!!
فهذا من مجازفته رحمة الله، فالحديث صحيح لا شك فيه، وقد رواه عن البراء بن عازب جماعة غير زاذان، منهم عدى بن ثابت ومحمد بن عقبة ومجاهد ا. هـ، (الروح (ص/76)
وكذلك ممن صححه: ابن منده فى الإيمان (رقم/1064) وقال: هذا إسناد متصل مشهور، وصححه البيهقى فى " إثبات عذاب القبر وسؤال الملكين " (ص/39) وقال: هذا حديث كبير صحيح الاسناد.
وقال الحاكم:
«هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وفيه فوائد كثيرة لأهل السنة وقمع للمبتدعة، ولم يخرجاه بطوله، وله شواهد على شرطهما يستدل بها على صحته» ، ووافقه الذهبى (المستدرك (1/ 37))
(2)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 9) وفي "إثبات عذاب القبر"(رقم: 178) وابن أبي زمنين في "أصول السنة"(رقم: 83) وقد روي مرفوعاً، والموقوف أصح. وانظر سلسلة الآثار الصحيحة أو الصحيح المسند من أقوال الصحابة والتابعين (1/ 270)
(3)
مجموع الفتاوى (4/ 262)