المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الثالث والعشرون: فتح البصير في بيان ما توسل به الضرير - الأربعون العقدية - جـ ٢

[أيمن إسماعيل]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الحادى والعشرون: السنة الجارية شرح حديث الجارية

- ‌الحديث الثانى والعشرون: كشف الالتباس عن حديث أمرت أن أقاتل الناس

- ‌الحديث الثالث والعشرون: فتح البصير في بيان ما توسل به الضرير

- ‌ التوسل المختلف فيه:

- ‌الحديث الرابع والعشرون: بيان الحِكَم في شرح حديث إن الله هو الحَكَم

- ‌ الحالات التى يكون فيها الحكم بغير ما أنزل الله شركًا

- ‌الحديث الخامس والعشرون: ذات العماد شرح حديث حق الله على العباد

- ‌الحديث السادس والعشرون: المشكاة في شرح حديث لا تعجز واستعن بالله

- ‌الحديث السابع والعشرون: بيان الحق نفسه في شرح حديث أينا لم يظلم نفسه

- ‌الحديث الثامن والعشرون: ضوء الثريا شرح حديث من عادى لى ولياً

- ‌هل يوصف الله -تعالى- بصفة التردد

- ‌الحديث التاسع والعشرون: المعانى الراسيات شرح حديث إنى معلمك كلمات

- ‌ الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: "احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ "، وبين ما يقع لأهل الإيمان من البلاء والمحن

- ‌ أصل القضاء لا يعارض العمل:

- ‌الحديث الثلاثون: نثر الجمَّان بفوائد حديث إنهما ليعذبان

- ‌هل عذاب القبر يكون على الروح فقط، أم على الروح والبدن

- ‌الحديث الحادي والثلاثون: بلوغ الرُّبَى شرح حديث ضحك النبي تعجبا

- ‌ المخالفون لأهل السنة والجماعة في إثبات صفة اليدين:

- ‌الحديث الثانى والثلاثون: فتح الأعز الأكرم شرح حديث أي الذنب أعظم

- ‌من أتى خلاف المعهود تجاوزت عاقبته الحدود:

- ‌الحديث الثالث والثلاثون: تلخيص الخطاب شرح حديث إنك تأتى أهل كتاب

- ‌الفطرة دالة على نقض مذهب المتكلمين:

- ‌الحديث الرابع والثلاثون: درء الخوض في رد أحاديث الحوض

- ‌ حكم سب الصحابة رضى الله عنهم:

- ‌الحديث الخامس والثلاثون: البيان والتتمة شرح حديث يكون بعدى أئمة

- ‌تعريف الإمامة، وأهمية تنصيب الإمام:

- ‌ وسطية الأمة مع الأئمة:

- ‌الحديث السادس والثلاثون: ردع الجاني على حديث إن الله أفتاني

- ‌ هل السحر حقيقة أم خيال

- ‌الحديث السابع والثلاثون: دليل البيداء شرح حديث أنا أغنى الشركاء

- ‌ هل الرياء مبطل للعمل

- ‌ الشرك الخفي أشد خطورة من المسيح الدجال

- ‌أمور ليست من الرياء:

- ‌الحديث الثامن والثلاثون: نيل المأرب شرح حديث طلوع الشمس من المغرب

- ‌الحديث التاسع والثلاثون: بذل الطاقة شرح حديث صاحب البطاقة

- ‌ أليس تأويل الميزان بالعدل يستقيم لغة

- ‌ ما الذي يوزن في الميزان يوم القيامة:

- ‌ما الحكمة من نصب الموازين، مع كونه عزوجل وسع علمه أعمال العباد ومآلاتهم

- ‌ حكم من مات على الشرك الأصغر:

الفصل: ‌الحديث الثالث والعشرون: فتح البصير في بيان ما توسل به الضرير

‌الحديث الثالث والعشرون: فتح البصير في بيان ما توسل به الضرير

ص: 701

*نص الحديث:

عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرَ البَصَرِ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي قَالَ: "إِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ، وَإِنْ شِئْتَ صَبَرْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ".

قَالَ: لَا بَلْ ادْعُ اللَّهَ لِي. " فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ، وَأَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، وَأَنْ يَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ فَتَقْضِي، وَتُشَفِّعُنِي فِيهِ، وَتُشَفِّعُهُ فِيَّ " فَفَعَلَ الرَّجُلُ، فَبَرَأَ.

* تخريج الحديث:

أخرجه أحمد (17241) والترمذى (3578) والحاكم (1180) وابن خزيمه (1219)، واللفظ لأحمد.

قال الترمذى: هذا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي. وقال الطبراني بعد ذكر طرقه في " المعجم الصغير ":

" والحديث صحيح "، ونقله عنه المنذري في " الترغيب "(3/ 67).

وقد صححه أيضاً البيهقي وأبو عبد الله المقدسي، وقد ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى "(1/ 265 وما بعدها) محتجاً به على مشروعية التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته.

وقال البيهقي: "ورويناه في كتاب الدعوات بإسناد صحيح عن روح بن عبادة عن شبعة".. قال شعيب الأرنؤوط: " إسناده صحيح، رجاله ثقات ".

وصححه

ص: 703

الألبانى في صحيح الجامع (1279)، وفي صحيح الترمذي برقم (2832).

(1)

*أولاً: المعنى العام لحديث الباب:

يروي الصاحب الجليل عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرَ البَصَرِ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي، .....

فأراد هذا الرجل الضرير من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له الله -تعالى- أن يرد إليه بصره.

فقالَ صلى الله عليه وسلم: "إِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ، وَإِنْ شِئْتَ صَبَرْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ".

والمعنى: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد خيَّره بين أمرين، أحدهما فاضل، والآخر مفضول:

* فأما المفضول:

فأن يدعو له النبي صلى الله عليه وسلم -برد بصره، فيتعجل رفع البلاء في الحياة الدنيا.

* وأما الفاضل:

فهو الصبر على هذا البلاء، الذى هو فقد البصر، فلاشك في فضيلة الصبر على هذا البلاء، كما وردت النصوص الدالة على ذلك، ففي حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:

" إِنَّ اللَّهَ قَالَ: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ، عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الجَنَّةَ " يُرِيدُ: عَيْنَيْهِ.

(2)

وفي روايه أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:

" يَقُولُ الله: يا ابن آدم! أَخَذْتُ كَرِيمَتَيْكَ.

(1)

والحديث تُكُلِّم فيه لأجل قول الترمذي: " لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر، وليس الخطمي "، وهو خطأ ففي نسخة أحمد شاكر إثبات الترمذي أنه الخطمي، وكذلك في تحفة الأشراف "ح/ 9760"، وهذا يوافق قول جمهور العلماء أنه الخطمي. وممن قال بذلك النسائي في عمل اليوم والليلة "ح/959"، والإمام أحمد الذى نسبه في إحدى روايات الحديث بأنه الخطمي، ونسبه في أخرى فقال: المدني، كما في المسند (4/ 138)

وكذلك فقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية أن أبا جعفر هو الخطمي، لا الرازي، وتبعه على ذلك المحققون من العلماء " (مجموع الفتاوى 1/ 266)

وقال الشيخ الألباني: والصواب أنه الخطمي، وهكذا نسبه أحمد في رواية له (4/ 138) وسمَّاه في أخرى (أبو جعفر المدني) وكذلك سمَّاه الحاكم، والخطمي هذا لا الرازي هو المدني. وقد ورد هكذا في (المعجم الصغير) للطبراني وفي طبعة بولاق من سنن الترمذي أيضا، ويؤكد ذلك بشكل قاطع أن الخطمي هذا

هو الذي يروي عن عمارة بن غُزَيَّة، ويروي عنه شعبة، كما في إسناده عند أحمد والترمذى، وهو صدوق. وعلى هذا فالإسناد جيد لا شبهة فيه ".

انظر مجموع الفتاوى (1/ 266) والتعليق على المعجم الكبير (9/ 17) والتوسل وأحكامه (ص/ 82)

(2)

أخرجه البخاري (5653) وأحمد (12595)

ص: 704

فَصَبَرْتَ عِنْدَ الصَّدْمَةِ وَاحْتَسَبْتَ، لَمْ أَرْضَ لَكَ ثَوَابًا دُونَ الْجَنَّةِ".

(1)

* نعود فنقول:

أن الرجل لما خيَّره الرسول صلى الله عليه وسلم بين الصبر على هذا البلاء لتكون له البشارة بالجنة، أو تعجيل إجابة الدعاء له برد بصره، فقد اختار الأمر الثاني، وهو أن يدعو له النبي صلى الله عليه وسلم برد البصر؛ لذا أمره صلى الله عليه وسلم يتوضأ، وأن يصلي ركعتين، وأن يدعو بهذا الدعاء:

" اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضي، وتشفعني فيه، وتشفعه فيَّ ".

وهذا في حقيقته توسل من هذا الرجل إلى الله -تعالى- بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا يجرنا إلى الفائدة الثانية.

*أهم الفوائد المستنبطة من حديث الباب: الفائدة الأولى: أقسام التوسل:

ينقسم التوسل إلى أقسام ثلاثة:} مشروع، محذور، مختلف فيه {أولاً: التوسل المشروع وأقسامه:

لا شك أن الشرع قد رغَّب في اتخاذ السبل التى تقرب العبد من ربه، قال تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(المائدة/35)، وقال عزوجل مبيِّناً حال عباده الصادقين (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ)(الإسراء/57)، وقد أبانت أدلة الشرع أنواع التوسل المشروع، وهى كما يلى:

الأول: التوسل بأسماء الله -تعالى- وصفاته وأفعاله:

ومن أدلة هذا القسم من القرآن:

ما حكاه الله-تعالى- عن سليمان عليه السلام في قوله (ربِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ)(النمل/19)

فقد توسل عليه السلام في دعائه بصفة من صفات الله تعالى، وهي صفة الرحمة.

(1)

وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (535) وانظر صحيح الأدب المفرد (ح/415)

ص: 705

*ومن أدلة السنة:

وعن مِحْجَنَ بْنِ الْأَدْرَعِ -رضى الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَسْجِدَ، إِذَا رَجُلٌ قَدْ قَضَى صَلَاتَهُ وَهُوَ يَتَشَهَّدُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ يَا أَللَّهُ بِأَنَّكَ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"قَدْ غُفِرَ لَهُ، قَدْ غُفِرَ لَهُ، قَدْ غُفِرَ لَهُ ".

(1)

* وعن أنس رضي الله عنه أَنّ النبي صلى الله عليه وسلم سَمِعَ رَجُلًا يَدْعُو:

" اللَّهُمَّ! إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، الْمَنَّانُ، بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، يَا حَيُّ! يَا قَيُّومُ! ". فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ» .

(2)

* وعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، كَالسُّورَةِ مِنَ القُرْآنِ: " إِذَا هَمَّ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ،

(3)

فهذا تبرؤ إلى الله من العلم والحول والقوة، وتوسل إليه سبحانه بصفاته التي هي أحب ما توسل إليه بها المتوسلون.

(4)

* قال عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ رضى الله عنهما:

كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو فيقول: " اللهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي.

(5)

* قال أبو الأحوص: سمعت عبد الله بن مسعود -رضى الله عنه-يدعو بهذا الدعاء:

اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِنِعْمَتِكَ السَّابِغَةِ الَّتِي أَنْعَمْتَ بِها عَلَيَّ، وَبَلائِكَ الَّذِي أَبْتلَيْتَنِي، وَبفَضْلِكَ الَّذِي

(1)

أخرجه أحمد (18995) والنسائي (1301) وأبوداود (985)، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح.

(2)

أخرجه أبوداود (1495) والترمذي (3542) والحاكم (1/ 504) وحسنه الترمذى، وقال الحاكم:" صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي. وانظر السلسلة الصحيحة (3411)

(3)

أخرجه البخاري (6382)

(4)

مدارج السالكين (2/ 122)

(5)

أخرجه أحمد (18325) والحاكم (1/ 524) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وانظرصحيح الجامع الصغير وزياداته (1301)

ص: 706

أَفْضَلْتَ عَلَيَّ أَنْ تُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ. اللهُمَّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ بفَضْلِكَ وبِمَنِّكَ وَرَحْمَتِكَ.

(1)

قال ابن القيم:

فتح الله -تعالى- باب الدعاء رغباً ورهباً ليذكره الداعي بأسمائه وصفاته فيتوسل إليه بها، ولهذا كان أفضل الدعاء وأجوبه ما توسل فيه الداعي إليه بأسمائه وصفاته، قال الله تعالى:{وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف 180].

(2)

* وورد في حديث فضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ -رضى الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سَمِعَ رجُلًا يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عز وجل، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَال صلى الله عليه وسلم:" عَجِلَ هَذَا "، ثُمَّ دَعَاهُ صلى الله عليه وسلم فقَالَ لَهُ:

" إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ رَبِّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ، ثُمَّ لِيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ.

(3)

قال الصنعانى: قوله صلى الله عليه وسلم: " عجل هذا":

أي بدعائه قبل تقديم الأمرين، فلم يحمد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه دليل على تقديم الوسائل بين يدي المسائل وهي نظير {إياك نعبد وإياك نستعين} [الفاتحة: 5]، حيث قدَّم الوسيلة وهي العبادة، على طلب الاستعانة.

(4)

الثانى: التوسل بالعمل الصالح:

وذلك أن يدعو المسلم ربه -تعالى- متوسلاً بعمل صالح بين يدى دعائه، ومن أدلة هذا القسم من القرآن:

قال تعالى (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)(آل عمران/16)

وقال تعالى

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير [8917]، وذكره صاحب " الصحيح المسند من آثار الصحابة في الزهد والرقائق والأخلاق والأدب "(2/ 15)، ثم قال: هذا توسل بأفعال الله عز وجل فلا إشكال فيه فقوله بـ [نعمتك] يعني [إنعامك] كقوله تعالى: {أن أشكر نعمتك التي أنعمت} ، وبمثل هذا وجَّه شيخ الإسلام حديث:

" اللهم إني أسألك بحق السائلين "، على فرض صحته، أن حق السائلين إجابة الله لهم، فعاد إلى كونه توسلاً بصفات الله عز وجل. انظر قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص/103)

(2)

الصواعق المرسلة (3/ 911)

(3)

أخرجه أحمد (23937) وأبوداود (1481) والترمذي (3477) وقال الترمذى: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ» ، وصحَّحه الحاكم ووافقه الذهبي..

(4)

سبل السلام (1/ 286)

ص: 707

حاكياً عن حال المؤمنين (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)(آل عمران/53)

* ومن أدلة السنة:

وفي الصحيحين من حديث الثلاثة الذين أصابهم المطر، فدخلوا في غار في جبل، فانحطت عليهم صخرة، فقال بعضهم لبعض: ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه، ......)

فقاموا يتوسلون إلى الله -تعالى- بأصدق أعمالهم الصالحة، فتوسل الأول ببره بوالديه، وتوسل الثانى بما ذكره من القيام عن المرأة خوفاً من الله تعالى، وتوسل الثالث بأمانته مع أجير كان يعمل عنده، وقال كل واحد منهم:

"اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ "، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ ".

(1)

* وعن بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ -رضى الله عنه- قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يَدْعُو وَهُوَ يَقُولُ:

"اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ"، قَالَ: فَقَالَ:

" وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى"

(2)

(1)

متفق عليه.

وقد استدل الإمام الشوكانى بحديث أصحاب الغار على مشروعية التوسل بأهل الفضل والعلم في حياتهم وبعد مماتهم، بأن يقول القائل:" اللهم إني أتوسل إليك بالعالم الفلاني "، باعتبار ما قام به من العلم.

*والجواب من وجوه:

1 -

أن الحديث بأدنى نظر فيه يُقطع بأنه أجنبي عن المسألة؛ فالثلاثة قد توسلوا إلى الله -تعالى-بأعمالهم الصالحة التي قاموا بها بأنفسهم، ولم يتوسلوا بالصالحين ولا بأعمالهم. فأين وجه الدلالة من الدليل على المراد من التقرير؟!! وإذا فسد الاستدلال بطل المستدل عليه.

2 -

أنا لا نسلم أن الفاضل إذا كان فضله بالأعمال كان التوسل به توسلاً بالأعمال الصالحة، لم لا يجوز أن يكون التوسل به توسلاً بذاته؟ بل هو الظاهر؛ فإن حقيقة التوسل بالشيء التوسل بذاته، والتوسل بالأعمال أمر خارج زائد على الحقيقة، ولا يصرف عن الحقيقة إلى المجاز إلا لمانع.

وانظر صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان (ص/202) و"الدر النضيد شرح وتعليق مدحت آل فراج"(ص/100)

(2)

أخرجه أحمد (22952) وأبو داود (1494) والترمذي (3475) وصححه الألبانى في"صحيح أبي داود"(1341)

ص: 708

*وكان ابن مسعود -رضى الله عنه- يقول في السحر: "اللهم دعوتني فأجبت، وأمرتني فأطعت، وهذا سحر فاغفر لي"

(1)

* ومن ذلك أن تتوسل إلى الله -تعالى- بالإيمان به -تعالى - ومحبته وطاعته، ونتوسل كذلك بالإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم به، وموالاته واتباع سنته، فهذا أعظم القرب والوسائل إلى الله تعالى، بل ما تقرب أحد إلى الله عز وجل بأعظم من طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

3 -

الثالث: التوسل بدعاء الصالحين:

وذلك أن تسأل شخصاً أن يدعو لك بأمر ما، ثم تدعو الله -تعالى - متوسلاً إليه بدعاء هذا الشخص، ومن أدلة هذا النوع:

أ) ما ورد في حديث الباب، حيث دعا الرجل الضرير ربه -تعالى- متوسلاً إليه بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم.

ب) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ-رضى الله عنه- أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَقَالَ:

«اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا» ، قَالَ: فَيُسْقَوْنَ.

(2)

ج) قال سليم ابن عامر الخبَائري:

قحطت السماء، فخرج معاوية بن أبي سفيان وأهل دمشق يستسقون، فقال معاوية رضى الله عنه: اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بخيرنا وأفضلنا، اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بيزيد بن الأسود الجرشي، يا يزيد ارفع يديك إلى الله، فرفع يديه، ورفع الناس أيديهم، فما كان أوشك أن ثارت سحابة في الغرب كأنها ترس، وهبت لها ريح، فسقتنا حتى كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم.

(3)

*ثانياً: التوسل المحذور:

وهو التوسل الشركى التى ورد في الأدلة الشرعية التحذير منه، والذى كان

نهجاً عند المشركين، الذين ضل سعيهم في باب التوسل وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

(1)

وانظر تفسير ابن جرير (12/ 64) وقاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص/235)

(2)

أخرجه البخاري (1010) باب: سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا.

(3)

أورده الذهبي في تاريخ الإسلام (2/ 178)، قال الألباني في " التوسل" (ص/41): إسناده صحيح.

ص: 709

* فمن أمثلة ذلك:

ما ورد في قوله تعالى (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)(الزمر/3)

فهؤلاء قد تقرَّبوا بصنوف العبادات لأصنامهم زعماً منهم أن ذلك ممّا يتوسل به إلى الله تعالى.

ولكنَّ الله -تعالى- قد أبطل هذا الزعم، بل وحكم على مدعيه بالكذب والكفر، فقال تعالى في ختام الأية (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)(الزمر/3)

وقال تعالى: {فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [الأحقاف: 28]

فدل ذلك على أن التوسُّل والتقرُّب باتِّخاذ شفعاء ووسائط من دون الله -تعالى- يتزلفون إليها بصنوف العبادات هو عَيْن الشرك الذى بُعث النبي صلى الله عليه وسلم لمحوه.

ولا يؤثر فى الحكم الشرعى هنا الدعوى بأن هذه وسيلة لإجابة الدعوات، أو أن هذه قربة إلى الله تعالى، فإنَّ العبرة في الأحكام بالمقاصد والمعاني، وليست بالألفاظ والمباني، ودليل هذه القاعدة هو قوله تعالى:

(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(يونس/ 18)

فقد سمَّوا ما يفعلونه من القربات لغير الله -تعالى- شفاعة، والله -تعالى - قد سمَّاها عبادة لما عكفوا عليه من الأصنام.

ثم قال تعالى آخر الأية (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) فهو تنزيه لله - تعالى -وعلوُّ عمَّا يفعله هؤلاء المشركون من إشراكهم في عبادته ما لا يضر ولا ينفع، وافترائهم عليه الكذب.

*ثم نقول:

وما فعله المشركون مع أصنامهم عبر القرون الماضية بدعوى اتخاذ الوسائط والشفعاء لم ينته بعد، فقد تولى الراية من بعدهم المتصوفة القبورية، فقالوا ما قاله الأولون، مع اختلاف يسير في بعض الهيئات الظاهرة، فصار الصنم قبراً يُطاف حوله ويُنذر ويُذبح له، فإذا سألتم قالوا:" هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ "، وقالوا:

ص: 710

" هؤلاء يقَرِّبونَا إِلَى اللَّه زُلْفَى ".

* فإذا ما أُنكر عليهم عارضوك بالحجج والبراهين، فقالوا: ألم يقل الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ

{؟؟

* فالجواب:

بلى، ولكنَّ أمر الله -تعالى- باتخاذ الوسيلة إليه فى هذه الأية محمول على المعنى العام؛ فالمراد بالوسيلة في الأية:

هو التقرب إلى الله بالطاعة والعمل بما يرضيه، وهذا لا خلاف فيه بين المفسرين، كما حكاه ابن كثير.

قال الطبري:

قوله تعالى " وابتغوا إليه الوسيلة ": واطلبوا القربة إليه، بالعمل بما يرضيه، وقد حكاه الطبري عن أبى وائل وقتادة والحسن وعطاء ومجاهد وابن زيد، وغيرهم.

(1)

* ثم يقال:

ولو حُمل أمر الله -تعالى- باتخاذ الوسيلة إليه فى هذه الأية على المعنى الخاص، الذى هو التوسل، فهو أمر مجمل قد وضحته أدلة الشرع في الكتاب والسنة، كما تم بيانه في أقسام التوسل المشروع.

فالفرق واسع والبون شاسع بين من يرجو الله -تعالى- فى قضاء حاجة ما متوسلاً في ذلك باسم أو صفة لله تعالى، أو بقربة من قرب العبادات، أو بدعاء أحد الصالحين، وبين من يصرف العبادات لغير الله -تعالى- بدعوى أنها وسيلة تزلف إلى الله عز وجل.

فحال هؤلاء المدَّعين لا يختلف كثيراً عمَّن قال الله - تعالى - فيهم} وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ..} (الأعراف: 28)

فهم بزعمهم الباطل قد وقعوا في شركيات اتّخاذ الوسائط من الأولياء، وقالوا:

" الله أمرنا بها.... "، متأولون في ذلك قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} ، قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْشرك، أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ، قُلْ أَمَرَ رَبِّي بالتوحيد، قال تعالى {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ

(1)

انظر تفسير القرآن العظيم (3/ 96) وجامع البيان في تأويل القرآن (10/ 290)

ص: 711

الْمُسْلِمِينَ (163)}

(الأنعام/163)، وقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)(الأعراف/194).

وقال تعالى (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) (14)) (فاطر/13 - 14)

ولكنكم لا تفقهون، وبالأهواء تسيرون.

* وكذلك قالوا:

حديث عثمان بن حُنيف -رضى الله عنه- قد دل على مشروعية الاستشفاع بالموتى لقضاء الحاجات وتفريج الكروبات!!

وكانوا قد ركنوا في ذلك إلى ما ورد في حديث الباب من قول الرجل الضرير في دعاءه:

" يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ فَتَقْضِي "!!

* وهنا نقول:

انظر كيف يتبجح روَّاد الأضرحة والمقامات، فتراهم يستدلون بحديث الباب على زعمهم وأهواءهم، فانظر كيف تصف ألسنتهم الكذب " أنَّ لهم الحجة "، لا جرم أنهم خاطئون، وأنهم مفرطون.

فحديث عثمان بن حُنيف - رضى الله عنه - الذى ورد في حديث الباب قد ورد فيه توسل الرجل إلى الله -تعالى - بدعاء النبي- صلى الله عليه وسلم له، وهذا يتضح من سياق قوله:

" ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي "، وقوله: " اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ

"، وعليه فقول الرجل في دعاءه: " يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي": أى أتوجه بدعائك إلى ربي، فهو توسل بدعاء النبي- صلى الله عليه وسلم حال حياته.

* ففارق بين التوسل إلى الله -تعالى - بدعاء الحى، كما هو في حديث الباب، فهذه قربة إلى الله تعالى؛ فإنه يسأل الله تعالى، لكن يجعل ذلك بوسيلة أحد، وبين الاستشفاع إلى الله -تعالى - بالموتى عند القبور والمقامات، بدعوى (هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ....)!!

*فمن سوَّى بين الأمرين فحاله كحال من قال (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا)

*وأما ما ورد من زيادة للحديث جاء فيها: " فإن كان لك حاجة فافعل مثل

ص: 712

ذلك"، فهذه كذلك مما قد استدل بها من يرى مشروعية التوسل بالذات.

ولكنها زيادة ضعيفة، كما نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية.

قال الألبانى:

وقد أعلَّ هذه الزيادة شيخ الإسلام ابن تيمية في "القاعدة الجليلة"(ص/102) بتفرَّد حمَّاد بن سلمة بها، ومخالفته لرواية شعبة، وهو أجلّ من روى هذا الحديث، وهذا إعلال يتفق مع القواعد الحديثية، فمخالفة حمَّاد لشعبة في هذا الحديث وزيادته عليه تلك الزيادة غير مقبولة، لأنها منافية لمن هو أوثق منه فهي زيادة شاذة، ولعل حماداً روى هذا الحديث حين تغير حفظه، فوقع في الخطأ.

(1)

* فرع:

وأما عن حكم مسألة طلب شفاعته صلى الله عليه وسلم بعد موته، وطلب الشفاعة بشكل عام من الموتى، فقد فصَّل فيها العلماء بين حالين:

أ) سؤال الميت الشفاعة بغير حضرة قبره من الشرك الأكبر المخرج من الملة، وعلة ذلك بأن فيه ادعاء علم الغيب للميت، وأن سمعه وسع الخلائق، وهذا كفر بالإجماع، والقاعدة هنا:

" وكل من اعتقد في غير الله ما لا يُعتقد إلا فى الله فقد وقع في الشرك الأكبر "

ب) سؤال الميت الشفاعة في حضرة قبره فهذه مسألة تدور أقوال العلماء فيها بين الحكم على فاعلها بالشرك الأصغر، والحكم على ذلك بالبدعة المفضية إلى الوقوع في الشرك.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

وما يفعله المبتدعون من المسلمين عند قبور الأنبياء والصالحين أو في مغيبهم، فهذا مما علم بالاضطرار من دين الإسلام، وبالنقل المتواتر وبإجماع المسلمين أن النبي- صلى الله عليه وسلم لم يشرع هذا لأمته، ولم يكن أحد منهم يأتي إلى قبر الرسول يقول: سل الله لنا أو لأمتك أن يرزقهم أو ينصرهم أو يغفر لهم، بل

(1)

التوسل أنواعه وأحكامه (ص/82)

ص: 713