الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
* أهم الفوائد المستنبطة من حديث الباب:
تعريف الإمامة، وأهمية تنصيب الإمام:
الإمامة هي:
" خلافة عامة عن صاحب الشرع في حراسة الدين، وسياسة الدنيا بالدين"
فتتلخص مهمة وليِّ الأمر في مهمتين: "حفظ الدين " و "سياسة الدنيا بالدين "
فأما حفظ الدين: فيشتمل على:
" حراسة التوحيد - منع الشركيات في الأمة - إقامة الصلاة والدعوة إليها وحمل الناس عليها - إقامة شرائع الإسلام من الفرائض والسنن - صيانة الزكاة - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - إقامة الحدود - الحكم بشريعة الله تعالى - العمل على نشر الدين بتحقيق شريعة الجهاد - حماية ثغور الإسلام - العمل على حفظ السنن والآثار، وذلك بكفالة العلماء وطلاب العلم.
قال الجويني:
الإمامة رياسة تامة، وزعامة عامة، تتعلق بالخاصة والعامة، في مهمات الدين والدنيا. مهمتها حفظ الحوزة، ورعاية الرعية، وإقامة الدعوة بالحجة والسيف، وكف الخيف والحيف، والانتصاف للمظلومين من الظالمين، واستيفاء الحقوق من الممتنعين، وإيفاؤها على المستحقين.
(1)
وجماع ذلك في قوله تعالى:
" الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) " (الحج: 41]
*أما سياسة الدنيا بالدين:
فتكون بما يوافق الشريعة، فيسعى إلى توفير سبل معايش الرعية، دون أن يحملهم على مخالفة أمر الله -تعالى -بأكل الربا أو غيره مما حرَّمه الشرع، ومن هذه الأمور الواجبة على ولي الأمر:
إيصال الحقوق إلى أهلها -
(1)
وانظر "غياث الأمم"(ص/67).
نصرة المظلوم - قهر الظالم حتى يعود عن ظلمه ويرجع - عمارة الأرض واستغلال ثرواتها لصالح المسلمين.
فهذان الأصلان اللذان تقوم عليهما الإمامة العظمي قد جمعهما شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله:
فالمقصود الواجب بالولايات: إصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسراناً مبيناً، ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا؛ وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم.
(1)
وقد ذكر الماوردي والقاضي أبو يعلى عشرة أشياء تلزم الإمام، فذكرا على رأسها:
" حفظ الدين على الأصول التي أجمع عليها سلف الأمة، فإن زاغ ذو شبهة عنه بيَّن له الحجة وأوضح له الصواب، وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود، ليكون الدين محروساً من خلل، والأمة ممنوعة من الزلل ".
(2)
*ومن مهامه وواجباته:
استكفاء الأمناء، وتقليد النصحاء:
وذلك بالاستعانة بالكفء الأمين، فالكفاءة لضبط الأعمال، وبالأمانة تحفظ الأموال، وقد قال تعالى حاكياً عن قول المرأة الحصيفة في قصة موسى عليه السلام:
(قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)) (القصص: 26)
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ-رضى الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
" مَا اسْتُخْلِفَ خَلِيفَةٌ إِلَّا لَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالخَيْرِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَالمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ تعالى "
(3)
(1)
السياسة الشرعية (ص/62)
(2)
لأحكام السلطانية لأبي يعلى (ص/27) والأحكام السلطانية للماوردي (ص/18)
(3)
أخرجه البخاري (6611) وأحمد (11432)
*فرع: وجوب تنصيب الإمام:
وجوب تنصيب الإمام ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، ومن أدلة ذلك:
أولاً: أدلة الكتاب:
1 -
قال تعالى: " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً "] البقرة: 30]
قال القرطبي:
" هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة يسمع له ويطاع، لتجتمع به الكلمة، وتنفذ به أحكام الخليفة.
(1)
2 -
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] والمراد بأولي الأمر في هذه الأية -على الراجح - هم ولاة الأمور.
(2)
وعليه فوجه الدلالة من الأية على إيجاب تنصيب الإمام:
أن الله - تعالى- أوجب طاعة ولاة الأمور، والله لا يأمر بطاعة مَن لا وجود له، ولا يفرض طاعة من كان وجوده مندوباً، فدل ذلك على إيجاب إيجاد وليّ الأمر وتنصيبه.
*كذلك فمن الأدلة الشرعية على وجوب تنصيب الإمام:
أن جميع النصوص التي أوجبت إقامة الحدود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسد الثغور، والحكم بما أنزل الله تعالى، وتجهيز الجيوش، ونحوه مما يتعلق بمهام ولاة الأمور، فجميع هذه النصوص دالة على وجوب تنصيب ولي الأمر؛ وهذا من باب القاعدة المعروفة
(1)
الجامع لأحكام القرآن (1/ 182)
(2)
ويدل على ذلك ما رواه الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما -قال {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [النساء: 59]، قال:
«نزلت في عبد الله بن حذافة، إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية»
وقد ترجم له البخاري: باب قوله: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} ذوي الأمر.
وقد روى الطبري عن أبي هريرة - رضى الله عنه -قال: " هم الأمراء".
قال الحافظ في الفتح (8/ 191): "أخرجه الطبري بإسناد صحيح". قال الشيخ أحمدشاكر:
" هذا موقوف على أبي هريرة. وإسناده صحيح، ومعناه صحيح".
وانظر جامع البيان في تأويل القرآن (8/ 498) والاستيعاب في بيان الأسباب (1/ 416) وطرق الإستقامة في بيان أحكام الولاية (ص/26)
(ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).
قال السفَّاريني:
ولا غنى لأمة الإسلام
…
في كل عصر كان من إمام
يذب عنها كل ذي جحود
…
ويعتني بالغزو والحدود
وفعل معروف وترك نكر
…
ونصر مظلوم وقمع كفر
وأخذ مال الفيء والخراج
…
ونحوه والصرف في منهاج.
(1)
قال ابن حزم:
وقد علمنا بضرورة العقل وبديهته أن قيام الناس بما أوجبه الله- تعالى- من الأحكام عليهم في الأموال، والجنايات، والدماء، والنكاح، والطلاق، وسائر الأحكام كلها، ومنع الظالم، وإنصاف المظلوم، وأخذ القصاص، على تباعد أقطارهم وشواغلهم، واختلاف آرائهم، كل ذلك ممتنع غير ممكن..) إلى أن قال:
(
…
وهذا الذي لا بد منه ضرورة، وهذا مشاهد في البلاد التي لا رئيس لها، فإنه لا يقام هناك حكم حق، ولا حدّ حتى قد ذهب الدين في أكثرها، فلا تصح إقامة الدين إلا بالإسناد إلى واحد أو أكثر
…
).
(2)
ثانيا: أدلة السنة:
قال عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
" مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً "
(3)
ووجه الدلالة:
إذا كانت البيعة واجبة، وهي لا تحصل إلا بتنصيب إمام؛ دل ذلك على وجوب تنصيبه.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
" إِذَا كَانَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ، فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ ".
(4)
(1)
وانظر حاشية الدرة المضية (ص/93) وتحفة المريد (ص/325)
(2)
الفصل في الملل والنحل (3/ 3)
(3)
أخرجه مسلم (1851)
(4)
أخرجه أبوداود (2609) قال الألباني: "حسن صحيح"
قال أبو العباس ابن تيمية:
فإذا كان قد أوجب في أقل الجماعات وأقصر الاجتماعات أن يولي أحدهم: كان هذا تنبيهاً على وجوب ذلك فيما هو أكثر من ذلك.
(1)
ثالثا: الإجماع:
- وهذا من أهم الأدلة على وجوب تنصيب الإمام، وأول ذلك إجماع الصحابة -رضى الله عنهم- على تعيين خليفة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، بل حتى قبل دفنه وتجهيزه صلى الله عليه وسلم.
قال ابن حزم:
اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة، وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيهم أحكام الله -تعالى-ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2)
قال ابن خلدون:
نصبْ الإمام واجب، وقد عُرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين؛ لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاته بادروا إلى بيعة أبي بكر رضي الله عنه، وكذا في كل عصر من الأعصار، واستقر ذلك إجماعًا دالاً على وجوب نصب الإمام.
(3)
*فإن قيل:
ولم تذكر مسألة الإمامة العظمى ضمن مسائل الاعتقاد، وهي ليست من أركان الإيمان؟
(1)
الحسبة في الإسلام (ص/9)
(2)
الفصل في الملل والأهواء والنحل (3/ 3)
(3)
مقدمة ابن خلدون (ص/191)، وممن نقل مثل هذا الإجماع:
القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن"(1/ 182) والنووي في " المنهاج "(6/ 446)
وقد نص أبو منصور البغدادي في "أصول الدين"(ص/277) على أن أبا بكر الأصم وهشام بن عمرو الفوطي قد خالفا إجماع الأمة في ذلك، فقال الأصم:" أن الناس لو كفُّوا عن التظالم بينهم لاستغنوا عن الإمام"، وقال الفوطي: "يجب تنصيب الإمام في حالة الأمن فقط؛ لإظهار شعائر الشرع، ولا يجب عند ظهور الفتن، لأن الظلمة ربما لم يطيعوه، فيصير سبباً لزيادة الفتن.
ثم عقَّب البغدادي على ذلك بأنه لا اعتبار بخلافهما مع تقدّم الإجماع على وجوب تنصيب الإمام بكل حال.
* والجواب من وجهين:
الأول:
غالباً يذكر العلماء الإمامة في مسائل الاعتقاد لبيان حكمها، وللرد على أهل البدع والأهواء الذين جعلوا الإمامة من أصول الدين، كالرافضة وغيرهم، ولما ترتب على هذا الأمر من قدحهم في الخلفاء الراشدين.
الثاني:
أننا إذا نظرنا إلى الغايات المترتبة على الولاية والإمامة من وجوب اعتقاد صحة ولاية الإمام، ووجوب السمع والطاعة له فبهذا الاعتبار كانت الولاية والإمامة من المسائل العقدية التي نص عليها أهل السنة والجماعة في كتبهم.
(1)
* طرق تنصيب الإمام:
لم يرد في نصوص الكتاب والسنة ما يدل على الطرق الشرعية التي تنعقد بها الإمامة العظمى، ولكن مع تتبع الوقائع التاريخية التي أعقبت وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وإجماعات أهل العلم نستطيع أن نحدد هذه السبل التي تنعقد بها الإمامة العظمي، فنحصرها في ثلاثة طرق:
1 -
الطريق الأول: الاختيار من قِبل أهل الحل والعقد:
والمعنى أن: أهل الحل والعقد يقومون باختيار الإمام الذي يتولى حكم المسلمين.
قال البربهاري:
ومن ولي الخلافة بإجماع الناس عليه ورضاهم به فهو أمير المؤمنين، لا يحل لأحد أن يبيت ليلة ولا يرى أن عليه إماماً، براً كان أو فاجراً، .... هكذا قال أحمد بن حنبل.
(2)
وقد نقل الإجماع على صحة هذه الطريقة: القاضي عياض والنووي والقرطبي.
(3)
وهي الطريقة التي تم بها اختيار أبي بكر رضي الله عنه، فقد مات النبي صلى الله عليه وسلم دون أن ينص
(1)
انظر تيسير شرح الجوهرة (ص/87) وعقيدة الأشاعرة (ص/596)
(2)
شرح السنة (ص/57)
(3)
انظر إكمال المعلم (6/ 220) والمنهاج (6/ 446) والمفهم (4/ 15)
على استخلاف أحد بعينه، كما ورد في قول عُمَرَ رضي الله عنه:
" إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، أَبُو بَكْرٍ، وَإِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم».
(1)
فقول عمر رضي الله عنه": "فقد ترك من هو خير مني ":
إشارة إلى ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم لما ترك الاستخلاف بعده على وجه التنصيص، فاجتمع أهل الحل والعقد من الصحابة -رضى الله عنهم - في السقيفة، وأجمعوا على بيعة أبي بكر رضي الله عنه.
(2)
2 -
الطريق الثاني: الاستخلاف:
وذلك بأن يقوم الحاكم أوالأمير باختيار من يقوم إماماً من بعد موته، فيحدد شخصأ بعينه.
وقد مثَّل العلماء لهذه الطريقة بفعل أبي بكر -رضى الله عنه- حينما استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه من بعده، كما ورد في قول عمر رضى الله عنه:
«إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي أَبُو بَكْرٍ ".
(3)
فقول عمر رضي الله عنه"فقد استخلف من هو خير مني":
إشارة إلى ما فعله أبو بكر -رضى الله عنه- لما استخلف عمرَ بن الخطاب رضى الله عنه.
(4)
قال ابن بطال:
وفى هذا كله دليل على جواز عقد الخلافة من الإمام لغيره بعده، وأن أمره فى ذلك على عامة المسلمين جائز، إنما جاز ذلك لأمور منها إجماع الأمة من الصحابة ومن بعدهم على استخلاف أبى بكر عمر على الأمة بعده، وأمضت
(1)
متفق عليه.
(2)
وانظر شرح السنة للبغوي (5/ 323) والجامع لأحكام القرآن (1/ 188)
(3)
متفق عليه.
(4)
ومن العلماء من رأى أن خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه تابعة لهذا القسم، وأنها قد ثبتت بالاستخلاف من النبي صلى الله عليه وسلم، وأنها منصوص عليها، على خلاف بينهم، هل هو نص جليٌ أم خفي، وهو قول الطبري وابن حزم وأبي عبدالله بن حامد، وطائفة من الحنابلة.
وانظر منهاج السنة (1/ 298) والدرة فيما يجب اعتقاده (ص/494)
الصحابة ذلك منه على أنفسها، وجعل عمر الأمر بعده فى ستة.
(1)
قال الماوردي:
وأما انعقاد الإمامة بعهد من قبله فهو مما انعقد الإجماع على جوازه، ووقع الاتفاق على صحته؛ لأمرين عمل المسلمون بهما ولم يتناكروهما:
أحدهما: إن أبا بكر رضي الله عنه عهد بها إلى عمر رضي الله عنه فأثبت المسلمون إمامته بعهده.
والثاني: أن عمر رضي الله عنه عهد بها إلى أهل الشورى، فقبلت الجماعة دخولهم فيها، وهم أعيان العصر اعتقادا لصحة العهد بها.
(2)
كذلك يقال أمران:
1 -
الأول:
أنه لما صحت خلافة أبي بكر -رضى الله عنه- بالسنة والإجماع؛ دل ذلك على صحة خلافة عمر -رضى الله عنه- وأحقيتها، وذلك لأن الفرع يثبت إذا ما ثبت الأصل.
2 -
الثاني:
من أدلة جواز الاستخلاف قياسه على ما وقع يوم مؤته من استخلاف النبي صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة، وقال صلى الله عليه وسلم:
«إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة» .
(3)
3 -
الطريق الثالث لانعقاد الولاية: القهر والغلبة:
* ومعناها أن:
صاحب الشوكة و المنعة يعلو الناس بسيفه، ويصيِّر نفسه إماماً عليهم، سواء في ذلك بقهر الإمام المتولِّي وعزله، أو بسد مكان الإمامة الشاغر عن إمام قائم.
وهذه الطريقة من طرق انعقاد الإمامة وإن لم تكن من الطرق الشرعية التي يجوزها الشرع ابتداءً، ولكنه جوَّزها إذا وقعت؛ وذلك من باب درء المفاسد وحقن الدماء وجمع كلمة المسلمين.
والقاعدة التي قد نستأنس بها في هذا المعنى:
" يُغتفر في الاستدامة ما لا يغتفر في الابتداء "
فإذا غلب الناس بسيفه وقوته وسلطانه وجب السمع له والطاعة، لكن في
(1)
شرح صحيح البخاري (8/ 284)
(2)
الأحكام السلطانية (ص/11)
(3)
رواه البخاري (4261)، وانظر "الإمامة العظمى عند أهل السنة"(ص/188)
المعروف، فلا يطاع في المعاصي، إنما الطاعة في المعروف.
* الأدلة على انعقاد الإمامة بالقهر والغلبة:
1 -
عن أُمِّ الْحُصَيْنِ-رضى الله عنها- قَالت: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم -يَقُولُ:
" إِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ أَسْوَدُ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللهِ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا ".
(1)
وجه الدلالة:
قد ثبت بالنص والإجماع اشتراط كون الإمام حراً قرشيأ، فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة لمن تولَّى إمامة المسلمين، ولو كان عبداً حبشياً دل ذلك على صحة انعقاد الإمامة بالقهر؛ لأن من كان هذا وصفه فإنه لا يتولَّى إلا الحكم بالقهر والغلبة.
2 -
قال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ:
" شَهِدْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضى الله عنهما- حَيْثُ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ، أنه كتب:
" إِنِّي أُقِرُّ بِالسَّمْعِ، وَالطَّاعَةِ لِعَبْدِ اللَّهِ عَبْدِ المَلِكِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ مَا اسْتَطَعْتُ، وَإِنَّ بَنِيَّ قَدْ أَقَرُّوا بِمِثْلِ ذَلِكَ».
(2)
فقول عبد الله بن دينار:
"حيث اجتمع الناس على عبد الملك.. ":
إشارة إلى القتال الذي وقع بين ابن الزبير وعبد الملك بن مروان، فلم يبايع ابن عمر-رضى الله عنهما- واحداً منهما، حتى بان الأمر وتغلَّب ابن عبد الملك فبايعه. قال يحيى بن يحيى:
بايع ابن عمر -رضى الله عنهما- لعبد الملك بن مروان، وبالسيف أخذ الملك، أخبرني بذلك مالك عنه أنه كتب إليه وأمر له بالسمع والطاعة على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
(3)
3 -
قال سيف المازني: كان ابن عمر -رضى الله عنهما- يقول:
" لا أقاتل في الفتنة، وأصلِّي وراء من غلب ".
(4)
.
(1)
أخرجه مسلم (1838)
(2)
رواه البخاري (7203)
(3)
الاعتصام (ص/347)
(4)
أخرجه ابن سعد في طبقاته الكبرى (4/ 111)، وقال الألباني في الإرواء (2/ 304):"إسناده صحيح إلى سيف، وأما هو فأورده ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ".
ومن طريق نَافِعٍ أَنَّ الْأَنْصَارَ سَأَلُوا ابْنَ عُمَرَ -رضى الله عنهما- عَنِ الزَّكَاةِ، فَقَالَ:
" ادْفَعُوهَا إِلَى الْعُمَّالِ، فَقَالَوا: إِنَّ الشَّامَ يَظْهَرُونَ مَرَّةً، وَهَؤُلَاءِ مَرَّةً، قَالَ:
ادْفَعُوهَا إِلَى مَنْ غَلَبَ ".
(1)
وهذا الذي ورد عن ابن عمر-رضى الله عنهما- فيه اعتبار إمامة المتغلِّب؛ لأنه من المعلوم أن وليَّ الأمر هو الذي كان يتعهد إمامة المسلمين في الجمع من الجماعات، وهو القائم على جمع الزكاة.
*الإجماع:
قال ابن بطال:
وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلّب والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه؛ لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدَّهماء.
(2)
*وقد مثَّل العلماء لهذه الطريقة بما وقع في خلافة عبد الملك بن مروان، فقد نصَّب ملكه بالقهر، وغلب الناس بسيفه، حتى أذعنوا له، وذلك لما خرج على ابن الزبير فقتله، واستولى على البلاد وأهلها، وبايعه الناس طوعًا وكرهاً، ودعوه إماماً.
قال أحمد:
ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة، وسُمِّي أمير المؤمنين لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماماً عليه، براً كان أو فاجراً، فهو أمير المؤمنين.
(3)
- وقد سئل الإمام أحمد في الإمام يخرج عليه من يطلب الملك فيكون مع هذا قوم،
(1)
الأموال لابن زنجويه (2302)
(2)
فتح الباري (13/ 11) وممن نقل مثل هذا الإجماع:
والشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن في " مجموعة الرسائل والمسائل النجدية "(3/ 168)
*تنبيه:
ولا يشوِّش على هذا الإجماع ما ينقل من مخالفة الخوارج والمعتزلة ومتأخري الشافعية؛ فإن ما يُجمع عليه أهل السنة لا يضره مخالفة أهل البدع، وأما ما ورد عن متأخري الشافعية فهو مردود بما نقله المزني من حكاية الإجماع على ولاية المتغلب.
وانظر مآثر الإنافة (1/ 59) والإمامة عند أهل السنة (ص/222)
(3)
الأحكام السلطانية للفراء (1/ 23)
ومع هذا قوم، فقال:
" تكون الجمعة مع من غلب".
(1)
قال بدر الدين ابن جماعة:
وأما الطريق الثالث الذي تنعقد به البيعة القهرية فهو قهر صاحب الشوكة، فمن قهر الناس بشوكته بغير بيعة أو استخلاف، انعقدت بيعته، ولزمت طاعته، لينتظم شمل المسلمين وتجتمع كلمتهم، ولا يقدح في ذلك كونه جاهلاً أوفاسقاً، في الأصح.
(2)
وقد عدَّ العلماء من الأمور التي يقع بطلان تصرف الإمام:
أن يأسره أهل البغي، حيث كانوا قد أقاموا لهم إماماً، ووقع اليأس من خلاصه منهم، فيخرج بذلك من الإمامة.
(3)
قال ابن قدامة:
ولو خرج رجل على إمام فقهره، وغلب الناس بسيفه حتى أقروا له، وأذعنوا بطاعته، وبايعوه صار إماماً يحرم قتاله والخروج عليه؛ فإن عبد الملك بن مروان، خرج على ابن الزبير، وقتله، واستولى على البلاد وأهلها، حتى بايعوه طوعاً وكرهاً، وصار إماماً يحرم الخروج عليه؛ وذلك لما في الخروج عليه من شق عصا المسلمين، وإراقة دمائهم، وذهاب أموالهم.
ويدخل الخارج عليه في عموم قوله عليه الصلاة والسلام:
…
«من خرج على أمتي وهم جميع، فاضربوا عنقه بالسيف، كائناً من كان»
فمن خرج على من ثبتت إمامته بأحد هذه الوجوه باغياً، وجب قتاله.
(4)
*ومن النظر:
قال الغزالي:
أنه لو تعذَّر وجود الورع والعلم فيمن يتصدى
(1)
المصدر السابق (1/ 23)، وقد نص على مثل كلام الإمام أحمد في "إمامة المتغلب ":
الإمام مالك، كما نقله عنه تلميذه وراوى الموطأ يحيى بن يحيى، وانظر الاعتصام للشاطبي (ص/347)
والإمام الشافعى، كما نقله عنه البيهقي في " مناقب الشافعي "(ص/448)، وقال به النووي في الروضة (4/ 255) وأبو العباس ابن تيمية في " منهاج السُنّة "(1/ 538) وابن قدامة في " اللمعة "(ص/40)
(2)
وانظر تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام (ص/263) والأحكام السلطانية للفراء (ص/23)
(3)
مآثرالإنافة في معالم الخلافة (1/ 70) والإمامة عند أهل السنة (ص/396)
(4)
المغني (12/ 242)
للإمامة، وكان في صرفه إثارة فتنة لا تطاق حكمنا بانعقاد إمامته؛ لأنا بين أن نحرك فتنة بالاستبدال، فما يلقى المسلمون فيه من الضرر يزيد على ما يفوتهم من نقصان هذه الشروط التي أثبتت لمزية المصلحة، فلا يهدم أصل المصلحة شغفاً بمزاياها، كالذي يبني قصراً ويهدم مصراً، وبين أن نحكم بخلو البلاد عن الإمام وبفساد الأقضية وذلك محال.
ونحن نقضي بنفوذ قضاء أهل البغي في بلادهم لمسيس حاجتهم، فكيف لا نقضي بصحة الإمامة عند الحاجة والضرورة.
(1)
* فرع:
سبق أن ذكرنا أن أبا بكر الصديق -رضى الله عنه- قد تولَّى الخلافة بعد أن أجمع على أحقيته بها الصحابة -رضى الله عنهم- فى سقيفة بني ساعدة، ولكنَّ الروافض الخبثاء قد خالفوا هذا الإجماع كعادتهم في مخالفة نهج أهل السنة، فتراهم يدَّعون أن على بن أبي طالب رضي الله عنه هو الأحق بالخلافة من أبي بكر رضى الله عنه.
بل ويفترون الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قد نص على إمامة على بن أبي طالب -رضى الله عنه- من بعده، وأن الصحابة -رضى الله عنهم- قد تواطأوا على إخفاء ذلك، وأن علياً نص على إمامة الحسن والحسين، وأن الحسين نص على إمامة ولده علىّ زين العابدين، وهكذا إلى الإمام الثاني عشر، وهو المهدي المنتظر عند الشيعة!!
-وقد استدل الروافض على أحقية علىِّ بن أبي طالب-رضى الله عنه- بالخلافة بأمور ثلاثة:
(النص من الكتاب والسنة، معجزات على بن أبي طالب، أفضليته من جميع الأمة)!!
(2)
*شبهات الروافض التى بنوا عليها هذا الافتراء:
1 -
الشبهة الأولى:
استدلالهم بقوله تعالى (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا
(1)
إحياء علوم الدين (1/ 115)
(2)
كما قرر ذلك ونص عليه:
محمد رضا المظفر في "عقائد الإمامية "(ص/75) وإبراهيم الموسوي في " عقائد الإمامية الأثنى عشرية"(ص/80)، وانظر مختصر التحفة الأثنى عشرية (ص/123)
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)((المائدة: 55)
فقالوا: نزلت في علي رضي الله عنه، فقد كان راكعاً فجاءه فقير، فتصدَّق بخاتم كان يلبسه في يده، والولي ": هو الأولى بالتصرف، المرادف للإمام الخليفة، فنصت الأية على الولاية لعلي بن أبي طالب بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
(1)
*ومن السنة:
1 -
ما وقع في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة، في السنة العاشرة من الهجرة، في حجة الوداع، في " غدير خُمّ "، بضم معجمة وتشديد ميم، وهي غيضة على بعد ثلاثة أميال من الجحفة، عندها غدير مشهور يضاف إليها. فقالوا:
قد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بالإمامة لعلي بن أبي طالب رضى الله عنه، حيث أخبر عَلِي بن أبي طالب -رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ:
" مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ ".
(2)
قالوا: المولَّى هو الأحق بالتصرف، وهذا نص قطعي فى إمامة عليّ بعد النبي صلى الله عليه وسلم!!
*الجواب عن ذلك:
1 -
أما الأثر الوارد في تقسير الأية التي احتجوا بها بأن على بن أبي طالب رضي الله عنه تصدَّق راكعأ بخاتمه، فقد أخرجه الطبري وفيه "عبد العزيز بن أبان"، وهو راوٍ
(1)
قال شيخ الطائفة - كما يلقبونه - الطوسي عن هذه الأية:
"وهذه أقوى نص على إمامة علىّ من القرآن. وقال الطبرسي: "وهذه الآية من أوضح الدلائل على صحة إمامة علي بعد النبي بلا فصل ".
وانظر" منهاج الكرامة في إثبات الإمامة " لابن المطهِّر الحِلِّي (ص/147) وعقائد الإمامية الأثنى عشرية (ص/82)
(2)
رواه أحمد (1311) والترمذي (3713)، قال الترمذي:«هذا حديث حسن غريب» .
قال الذهبي عن هذا الحديث:
" وهذا مما تواتر، وأفاد القطع بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله، رواه الجم الغفير والعدد الكثير من طرق صحيحة وحسنة وضعيفة ومطرحة، وأنا أسوقها.... "، ثم سردها مفصلة عن نحو ثلاثين صحابياً،.
، وذلك في رسالة له سمَّاها "طرق حديث مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ "(ص/12)، وانظر صحيح ابن حبان= = (6930) والسلسلة الصحيحة (1750)
وهذا اليوم هو العيد الأكبر عند الروافض، يوم 18 ذي الحجة، يفضلونه على القطروالأضحي.
متروك.
وكذلك قد أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير (رقم: 6551)، وفي سنده موسى الحضرمي، الذي رُمي بالتشيع.
وأما رواية الأثر من طريق ابن عباس، ففيه انقطاع؛ لأن الضحاك لم يلق ابن عباس.
(1)
وقد رد شيخ الإسلام على على هذه الفرية من تسعة عشر وجهاً، وكان مما قال:
أجمع أهل العلم بالنقل على أن هذه الأية لم تنزل في علي بخصوصه، وأن علياً لم يتصدق بخاتمه في الصلاة، وأجمع أهل العلم بالحديث على أن القصة المروية في ذلك من الكذب الموضوع.
(2)
وقال رحمه الله:
وجمهور الأمة لم تسمع هذا الخبر، ولا هو في شيء من كتب المسلمين المعتمدة: لا الصحاح، ولا السنن، ولا الجوامع، ولا المعجمات، ولا شيء من الأمهات.
(3)
*وأما ما وقع في حادثة " غدير خمّ ":
فقوله صلى الله عليه وسلم " مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ "، غاية ما فيه هو إثبات الموالاة لا الولاية، والموالاة هى ما يكون بين علىّ وعامة المؤمنين من المحبة والنصرة.
يدل على ذلك:
أن القرينة البعدية الواردة في نفس سياق الحديث تدل صراحة على أن المراد من الولاية المفهومة من لفظ «المولى» هي المحبة، وهي الزيادة الواردة في قوله صلى الله عليه وسلم:
«اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه» .
(4)
* نقول:
ومما يؤكد كذب وافتراء الروافض في هذا الباب ما في الصحيح أن علياً
(1)
انظرتأويل البيان (6/ 186) وتفسير القرآن العظيم (2/ 74) والاستيعاب في بيان الأسباب (2/ 67)
(2)
منهاج السنة (7/ 12)
(3)
المصدر السابق (7/ 17)
(4)
وقد قال الذهبي عن هذه الزيادة: "زيادة قوية الإسناد". وانظر البداية والنهاية (5/ 233) ومختصر التحفة الاثني عشرية (ص/160)
قد بايع أبا بكر رضي الله عنهما، فكيف يبايعه وهو لا يرى أحقيته كما تزعمون، أم أنه فعل ذلك تقية؟!
عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رضى الله عنه:
(1)
* كذلك قفد أجمعت الأمة على أن خلافة الخلفاء الأربعة قد تمت صحيحة على الترتيب الذي وقع، ونقل الإجماع على ذلك من الأئمة:
الآجري، وأبو بكر الإسماعيلى، وأبو عثمان الصابوني وابن حزم، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يُضلَل من خالف في ذلك.
قال أبو العباس ابن تيمية وهو يسطِّر عقيدة أهل السنة والجماعة:
وذلك بأنهم يؤمنون: بأن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، رضي الله عنهم، ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء الأئمة؛ فهو أضل من حمار أهله.
(2)
*ومما يؤكد كذبهم وافتراءهم في مسألة الوصية:
أن أَبِا الطُّفَيْلِ، قَالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ، أَخَصَّكُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِشَيْءٍ؟
فَقَالَ: مَا خَصَّنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِشَيْءٍ لَمْ يَعُمَّ بِهِ النَّاسَ كَافَّةً، إِلَّا مَا كَانَ فِي قِرَابِ سَيْفِي هَذَا، قَالَ:
فَأَخْرَجَ صَحِيفَةً مَكْتُوبٌ فِيهَا:
(3)
قال النووي:
ما تدعيه الشيعة من النص على عليّ والوصية إليه فباطل لا أصل له باتفاق المسلمين، والاتفاق على بطلان دعواهم من زمن عليّ، وأول من كذَّبهم علي رضي الله عنه
(1)
الطبقات الكبرى (3/ 136) وسنده حسن.
(2)
وانظر مجموع الفتاوى (3/ 153) والدرة فيما يجب اعتقاده (ص/370)
(3)
أخرجه مسلم (1978)
بقوله:
" ما عندنا إلا ما في هذه الصحيفة "
(1)
* كذا يقال:
أن حادثة غدير خُمَّ قد حضرها آلاف الصحابة رضى الله عنهم، فهل تراهم يسمعون بالوصية بالخلافة لعلي رضى الله عنه- كما يزعم الروافض - ثم يكتمونها؟!
، ثم لم يقم واحد يوم السقيفة ليقرر أحقية علي رضي الله عنه بالخلافة دون غيره.
2 -
الشبهة الثانية:
قال عمر بن الخطاب رضى الله عنهِ:
"كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ -رضى الله عنه- فَلْتَةً وَتَمَّتْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ -تعالى- وَقَى شَرَّهَا ".
(2)
وهذه مما جعلها الروافض ذريعة للطعن في خلافة الصديق أبي بكر رضى الله عنه؛ بأنها جاءت فلتة: أي عن غير استحقاق.
* والجواب:
معنى الفلتة الفجأة، وإنما كانت كذلك، لأنها لم ينتظر بها العوام، وإنما ابتدرها أكابر الصحابة -رضى الله عنهم- من المهاجرين وعامة الأنصار.
قال الجويني:
أما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأوا البدار إلى نصب الإمام حقاً; فتركوا بسبب التشاغل به تجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنه، مخافة أن تتغشاهم هاجمة محنة، ولا يرتاب من معه مسكة من عقل أن الذب عن الحوزة والنضال دون حفظ البيضة محتوم شرعاً، ولو ترك الناس فوضى توثبت الطغام والعوام، وملك الأرذلون سراة الناس.
(3)
* وهنا إشكال:
قد روى الشيخان عن عَلِي بن أبي طالب -رضى الله عنه- أنه قَالَ لأبي بكر رضى الله عنه:
" إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا فَضْلَكَ وَمَا أَعْطَاكَ اللَّهُ تعالى، وَلَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ اللَّهُ -تعالى- إِلَيْكَ، وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالأَمْرِ "، وفي رواية:"وَلَكِنَّا كُنَّا نَرَى لَنَا فِي الْأَمْرِ نَصِيبًا، فَاسْتُبِدَّ عَلَيْنَا بِهِ "
قد جعلها الروافض ذريعة للطعن في خلافة الصديق أبي بكر رضى الله عنه.
(1)
شرح النووي على مسلم (8/ 169)
(2)
أخرجه البخاري (6830)
(3)
غياث الأمم في التياث الظلم (ص/68)
*والجواب:
قال علي والزبير رضى الله عنهما:
" ما غضبنا إلا لأنا أُخرنا عن المشورة، وإنا نرى أن أبا بكر أحق الناس بها، إنه لصاحب الغار، وإنا لنعرف شرفه وخبره، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلِّي بالناس وهو حيٌ.
(1)
فتبين بذلك أن المقصود بقول عليٍ رضى الله عنه: " اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالأَمْرِ ":
إنما هو أمر المشورة يوم السقيفة، لا أمر في الخلافة نفسها.
قال الذهبي:
أخبر علىّ أنه إنما تأخر عن مبايعة أبي بكر عتباً عليه إذ لم يشاوره، فأعلمه أبو بكر أنه استعجل خوفاً من مبادرة أصحاب السقيفة.
(2)
*يؤيده:
أن علياً رضي الله عنه كان يشهد الصلوت مع أبي بكر- رضي الله عنه وخرج معه في حروب الردة، وبذل له النصيحة والمشورة.
* وأما ما ورد في الصحيح أن بيعتة لأبي بكر- رضي الله عنه كانت بعد ستة أشهر.
(3)
* فجوابه:
أن الصحيح في ذلك أن علي بن أبي طالب -رضى الله عنه- قد بايع أبا بكر -رضى الله عنه- بعد واقعة السقيفة كغيره من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ:
فَلَمَّا قَعَدَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْمِنْبَرِ نَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ فَلَمْ يَرَ عَلِيًّا فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالَ: فَأَتَوْا بِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرِ: ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَخَتَنُهُ أَرَدْتَ أَنْ تَشُقَّ عَصًا الْمُسْلِمِينَ؟
فَقَالَ: لَا تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَايَعَهُ.
(4)
(1)
أخرجه الحاكم (4422) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي. وقال ابن كثير في "البداية والنهاية "(5/ 250) إسناده جيد.
(2)
المُقَدِّمَةُ الزّهْرا في إيضَاحِ الإمامَةِ الكُبرى (ص/15)
(3)
أخرجه البخاري (4240) ومسلم (1759)
(4)
أخرجه البيهقي في الكبرى (16538) والحاكم (4457)، وقال الحاكم:«هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه»
قال البيهقي: قال أبو علي الحافظ: سمعت ابن خزيمة ابن خزيمة يقول:
جاءني مسلم بن الحجاج فسألني عن هذا الحديث، فكتبته له في رقعة وقرأته عليه، وهذا حديث يسوى بدنة، بَلْ يَسْوَى بَدْرَةً. (و البدرة: كيس فيه مبلغ كبير من المال)
قال ابن كثير: "هذا إسناد صحيح محفوظ". وانظر البداية والنهاية (8/ 91) والسنن الكبير (16/ 513)
* وأما ما ورد في الصحيحين أن بيعتة لأبي بكر كانت بعد ستة أشهر فهذه كانت هي البيعة الثانية، التي أعلنها بعد وفاة فاطمة -رضى الله عنها - مراعاة لها، لما وقع من وحشة بينها وبين أبي بكر بسبب قضية الميراث.
قال ابن كثير:
ومبايعة علي بن أبي طالب إما في أول يوم أو في اليوم الثاني من الوفاة وهذا حق؛ فإن علي بن أبي طالب لم يفارق الصديق في وقت من الأوقات، ولم ينقطع في صلاة من الصلوات خلفه، وخرج معه إلى قتال أهل الردة، ولكن لما حصل من فاطمة رضي الله عنها عتب على الصديق بسبب ما كانت متوهمة من أنها تستحق ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تكلم الصديق حتى ماتت رضي الله عنها، واحتاج علي بن أبي طالب أن يراعي خاطرها بعض الشيء، فلما ماتت بعد ستة أشهر من وفاة أبيها صلى الله عليه وسلم رأى علي أن يجدِّد البيعة مع أبي بكر رضي الله عنه.
(1)
*والأمر كما قال الآجري:
قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبى الله والمؤمنون أن يختلف على أبي بكر» ، والأمر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، ما اختلف على أبي بكر رضي الله عنه، بل تتابع المهاجرون والأنصار وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبنو هاشم على بيعته والحمد لله، على رغم أنف كل رافضي مقموع ذليل، قد برأ الله عز وجل -علي بن أبي طالب أمير المؤمنين رضي الله عنه عن مذهب السوء "
(2)
* عودٌ إلى حديث الباب:
قَوله صلى الله عليه وسلم: " تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ ":
فيه وجوب السمع والطاعة لولاة الأمور، وهذا ما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع الأمة:
*فمن أدلة الكتاب:
1 -
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:
(1)
وانظر البداية والنهاية (8/ 92)
(2)
الشريعة (2/ 450)
59]
…
والمراد بأولي الأمر في هذه الأية -على الراجح - هم ولاة الأمور، فقد روى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما -قال:{أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [النساء: 59]، قال:
«نزلت في عبد الله بن حذافة، إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية»
وقد ترجم له البخاري: باب قوله: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} ذوي الأمر.
وقد روى الطبري بسنده عن أبي هريرة - رضى الله عنه -قال: " هم الأمراء".
(1)
قاال النووي:
قال العلماء المراد بأولي الأمر من أوجب الله -تعالى- طاعته من الولاة والأمراء، هذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين والفقهاء وغيرهم.
(2)
*وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
(3)
*ومن أدلة السنة:
عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ-رضى الله عنه- قَالَ:
دَعَانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَبَايَعْنَاهُ، فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا:
(4)
وعن عَبْدِ اللَّهِ بن عمر- رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
(5)
(1)
قال الحافظ في الفتح (8/ 191): "أخرجه الطبري بإسناد صحيح". قال الشيخ أحمدشاكر:
" هذا موقوف على أبي هريرة. وإسناده صحيح، ومعناه صحيح".
وانظر جامع البيان في تأويل القرآن (8/ 498) والاستيعاب في بيان الأسباب (1/ 416) والصحيح المسند من أقوال الصحابة والتابعين (2/ 121)
(2)
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (6/ 469)
(3)
متفق عليه.
(4)
متفق عليه.
(5)
متفق عليه.
*وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
*وقوله صلى الله عليه وسلم: " وأثرةٍ عليكَ ":
والمعنى: ما يقع من ولاة الأمور من الاستئثار والاختصاص بأمور الدنيا، من المناصب والأموال وما شابه ذلك، فلا يكون ذلك حاملاً لكم على نقض السمع والطاعة لهم، بل يسمع لهم ويطاع لما في ذلك من اجتماع كلمة المسلمين؛ فإن الخلاف سبب لفساد أحوالهم في دينهم ودنياهم.
فالقاعدة هنا:
" أدِ الذى عليك، وسل الله الذى لك"
ففي حديث وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رضي الله عنه أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سئل:
يَا نَبِي اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ، وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا، فَمَا تَأمُرُنَا؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
" اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا، وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ "
(1)
والمعنى:
أي أن الله - تعالى- قد كلَّف الولاة بالعدل، وحسن الرعاية، وكلف الْمَوْلَّى عليهم بالطاعة وحسن النصيحة، فأراد أنه إن عصى الأمراء الله -تعالى- فيكم، ولم يقوموا بحقوقكم، فلا تعصوا الله -تعالى- أنتم فيهم، وقوموا بحقوقهم، فإن الله مجازٍ كل واحد من الفريقين بما عمل.
(2)
وعن سويد بن غفلة، قال: قال لي عمر رضى الله عنه:
" اسْمَعْ وأَطِعْ - وإن أُمِّرَ عليك عبدٌ حبَشِيٌّ مجدع، إن ضَرَبَكَ فاصْبِرْ، وإن حَرَمَكَ فاصْبِرْ، وإن أرادَ أمراً ينتقِصُ دينَكَ؛ فقل: سمعٌ وطاعة، دمي دون ديني "
(3)
(1)
أخرجه مسلم (1846) والترمذي (2199)
(2)
المفهم (12/ 101)
(3)
خرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(33700) وابن أبي زمنين في "أصول السنة"(رقم: 205) والبيهقي في "الكبرى"(8/ 159)
وإسناده صحيح. وانظر " الصحيح المسند من أقوال الصحابة "(1/ 284)
*نقول:
بل قد دل حديث الباب على وجوب السمع والطاعة وإن وقع ما هو أبلغ من الاستئثار بالمال، والذي هو تعدي الولاة على مال المرء، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم:
" وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ "
وهذا يدلك على أن حق السمع والطاعة لا يسقط لولي الأمر، إن أخذ مال المرء بغير وجه حق.
فإذا كان الأمر كذلك فكيف يقال بعدها بسقوط حقه في السمع والطاعة إذا ما منع حق الناس من المال والعطايا، واستئثر بها لنفسه؟!
لذا يقال إن جعل السمع والطاعة منوطين بالعطاء من ولي الأمر، فهذا من المخالفة الظاهرة لهذه النصوص.
*ومما ورد من الترهيب في هذا الباب:
ما رواه أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم -أنه قال:
" ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: ذكر منهم،
، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77].
(1)
* عودٌ إلى حديث الباب:
قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: " تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ ".
* إشكال وجوابه:
أن ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: " وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ "، يعارض ما ورد عن أَبِي هُرَيْرَةَ-رضى الله عنه- أن رَجُلاً سأل رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال:
أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: "فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ" قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: "قَاتِلْهُ" قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: " فَأَنْتَ شَهِيدٌ"، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: " هُوَ فِي النَّارِ".
(2)
والجواب:
لأنه لا تعارض بين النصين؛ فقوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله: "إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ
(1)
متفق عليه. وقد عد الهيتمي ذلك الأمر من الكبائر؛ لما يترتب على ذلك من المفاسد التي لا نهاية لها. الزواجر (2/ 196)
(2)
أخرجه مسلم (225)
أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: "فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ" "، هذا عام فى كل شخص، ويستثنى من ذلك إذا كان طالب هذا المال السلطان، أو من ينوب عنه؛ وذلك لوجوه:
1 -
حديث الباب.
2 -
قوله صلى الله عليه وسلم: (" مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ)
(1)
، هذا نص عام في وجوب الصبر على أذى الأمير، فيدخل في ذلك ما يتعلق بالمال ونحوه.
3 -
قال ابن المنذر:
" أهل الحديث كالمجمعين على أن من لم يمكنه أن يمنع نفسه وماله إلا بالخروج على السلطان ومحاربته، أنه لا يحاربه، ولا يخرج عليه للأخبار الدالة على ترك قتالهم، والخروج عليهم ".
(2)
* فرع:
قال ابن حزم:
قوله صلى الله عليه وسلم: " وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ ":
ذلك بلا شك إذا تولَّى الإمام ذلك بحق، وهذا مما لا شك فيه أنه فرض علينا الصبر له، وإما إن كان ذلك بباطل فمعاذ الله أن يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبر على ذلك.
(3)
فكيف يجاب عن هذا التفصيل؟
*وجواب ذلك من وجوه:
1 -
أن السمع والطاعة للأمير حال قيامه بإيفاء الحقوق وإقامة الحدود على الرعية فهذه من الفرائض المسلَّمات التى لا منقبة فيها، فلا يقال فى مثل ذلك: "تسمع وتطيع، وإن فعل وفعل
…
".
2 -
سياق الحديث يدل على خلاف فهم ابن حزم، فقد ذكر صلى الله عليه وسلم -ما سيكون بعده من أئمة لا يهتدون بهداه، ولا يستنون بسنته، قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس، فهذه قرائن دالة على أنهم يسوسون الناس بغير حق.
(1)
أخرجه البخاري (6724)
(2)
واتظر الإشراف على مذاهب العلماء (7/ 248) وفتح الباري (5/ 174)
(3)
الفصل في الملل والأهواء والنحل (3/ 102)
3 -
أن الأمر بالصبر على جور الأئمة ليس خنوعاً ولا استكانة، حتى ننزِّه الشرع عن الأمر بالصبر على ذلك كما يقول ابن حزم، بل هى الحكمة الموافقة لأصول الشرع؛ وذلك بتحمل أدنى المفسدتين لدرء أكبرهما.
* إشكال وجوابه:
قالوا: السمع والطاعة لا يكونان إلا لولي الأمر الذي يقوم على حفظ الدين، وسياسة الدنيا بالدين؛ فهذا هو ولي الأمر الذي تجب طاعته وتنعقد بيعته، وذلك لما ورد في حديث الباب من قول النبيّ صلى الله عليه وسلم:
" إِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ أَسْوَدُ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللهِ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا ".
ووجه الدلالة:
بمفهوم المخالفة أن الذي لا يقود بالكتاب والسنة لا حق له في السمع والطاعة، بل يُخرج على أئمة الجور، ويُعزلون ولو بالسيف.
* والرد على ذلك أن يقال:
أن القول بالخروج على الحاكم الجائر هو في الحقيقة مذهب المعتزلة والخوارج.
يقول القاضي عبد الجبار المعتزلي:
"فأما الأحداث التي يخرج بها من كونه إماماً فظهور الفسق سواء بلغ حد الكفر أو لم يبلغ؛ لأن ذلك يقدح في عدالته" وقال: "
…
لا فرق بين الفسق بالتأويل، وبين الفسق بأفعال الجوارح في هذا الباب عند مشايخنا ".
(1)
* نقول:
وأما القيد المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم:
" يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللهِ، .. "، ليس قيداً فيما تنعقد به صحة الإمامة، إنما هو بيان لما يجب أن يكون عليه الإمام في سياسته للرعية، وما سوى ذلك حالتان:
الأولى:
1 -
أن يقع الحاكم في كفر بواح، بغير تأويل سائغ، فتنقض به إمامته، كما في قوله صلى الله عليه وسلم:
" أَنْ لَا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ".
(2)
(1)
المغني في أبواب التوحيد والعدل (20/ 163) فصل: " فيما يخرج به الإمام أن يكون إماماً "
(2)
متفق عليه.
2 -
الثانية:
أن يقع الحاكم في جور وظلم للرعية، فأدلة الشرع على عدم نقض إمامته، وأدلة ذلك من وجوه:
1 -
الوجه الأول: الأمر بالسمع والطاعة لهم، ونبذ الخروج عليهم:
كما ورد في حديث الباب، حيث أمر الشارع بالسمع والطاعة لولاة الأمور رغم علمه بما سيقع منهم من سوء الحال وشر الأفعال، فقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن سوء أفعالهم فقال:
1 -
أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي.
2 -
قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس.
3 -
يضربون الظهر ويأخذون المال.
ومع ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: " تسمع وتطيع للأمير "، وليس ذلك تقديساً ولا تمجيداً لولىّ الأمر، وإنما أمر الشارع بذلك درءً للمفاسد وحقناً للدماء.
2 -
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضى الله عنها- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
«إِنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أَئِمَّةٌ تَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ» ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: «لَا، مَا صَلَّوْا» .
(1)
ومعنى قوله: "تعرفون وتنكرون": أي تعرفون بعض أفعالهم بأنها حسنة، وتنكرون بعضاً لأنها قبيحة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتالهم مع إخباره أنهم يأتون أموراً منكرة، فدل على أنه لا يجوز الإنكار عليهم بالسيف، كما يراه من يقاتل ولاة الأمر من الخوارج والزيدية والمعتزلة.
(2)
قال النووي:
وأما الخروج على ولاة الأمور وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين، وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق، وقال العلماء وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن
(1)
أخرجه الترمذى (2265)، وقال:" هذا حديث حسن صحيح ".
(2)
منهاج السنة (3/ 168)
وإراقة الدماء وفساد ذات البين، فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه.
(1)
وقال المازري:
الإمام إذا فسق وجار، فإن كان فسقه كفراً وجب خلعه، وإن كان ما سواه من المعاصي فمذهب أهل السنة أنه لا يخلع، واحتجوا بظاهر الأحاديث وهي كثيرة، ولأنه قد يؤدي خلعه إلى إراقة الدماء وكشف الحريم، فيكون الضرر بذلك أشد من الضرر به وعند المعتزلة أنه يخلع.
(2)
* أضف إلى ذلك أن كل الأحاديث الدالة على تحريم إقتتال المسلمين فيما بينهم هى أدلة على
عدم جواز الخروج على أئمة الجور؛ لأن اقتتال المسلمين إنما يكون فى الغالب عند الخروج على الأئمة بالسيف، فدل على تحريم ذلك الخروج.
*الوجه الثاني: ما ورد من أدلة الصلاة خلف أئمة الجور والجهاد معهم:
فقد كان الصحابة -رضى الله عنهم - يصلّون خلفهم، وهذا يقتضي الإقرار بإمامتهم، كما صلَّى ابن مسعود -رضى الله عنه- خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وقد كان يشرب الخمر، وكان الصحابة -رضى الله عنهم-والتابعون يصلُّون خلف ابن أبي عبيد، وقد كان متهماً بالإلحاد.
(3)
وقد روى البخاري أن ابن عمر -رضى الله عنه- قد حج تحت إمرة الحجاج بن يوسف، وكذلك قد صح أنه قد صلَّى خلفه.
(4)
وعَنْ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ، وَابْنَ الزُّبَيْرِ، وَنَجْدَةَ، وَالْحَجَّاجَ، وَابْنُ عُمَرَ يَقُولُ:
(5)
(1)
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (6/ 470)
(2)
المُعْلم بفوائد مسلم (3/ 53)
(3)
مجموعة الرسائل والمسائل (5/ 200)
(4)
أما حج ابن عمر -رضى الله عنه- مع الحجاج فقد راوه البخاري (1660)، وأما أثر صلاته خلفه فقد رواها ابن أبي شيبة في المصنف. وقال عنه الألباني: سنده صحيح على شرط الستة. وانظر "إرواء الغليل"(2/ 303).
(5)
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3803)، وسنده صحيح.
قال الشافعي:
صلَّى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف من لا يحمدون فعاله من السلطان.
(1)
قال ابن حزم:
طائفة الصحابة كلهم دون خلاف وجميع التابعين كلهم وجمهور أصحاب الحديث إلى جواز الصلاة خلف الفاسق، الجمعة وغيرها، وخلاف هذا القول بدعة محدثة، فما تأخر قط أحد من الصحابة الذين أدركوا المختار بن عبيد والحجاج وعبيد الله بن زياد عن الصلاة خلفهم، وهؤلاء أفسق الفسَّاق، وأما المختار فكان متهماً في دينه مظنوناً به الكفر.
(2)
* وكذلك فقد نص أئمة السنة على إمضاء الغزو مع الأئمة، البر منهم والفاجر، وكل هذا لا يكون إلا مع من يُعتد بإمامته.
(3)
وقال ابن بطة:
قد أجمعت العلماء من أهل الفقه والعلم والنُّسَّاك والعبَّاد والزهّاد من أول هذه الأمة إلى وقتنا هذا:
أن صلاة الجمعة والعيدين ومنى وعرفات والغزو والجهاد مع كل أمير، برٍّ أو فاجرٍ.
(4)
عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ الْغَزْوِ، مَعَ الْأُمَرَاءِ وَقَدْ أَحْدَثُوا فَقَالَ:«تُقَاتِلُ عَلَى نَصِيبِكَ مِنَ الآخِرَةِ، وَيُقَاتِلُونَ عَلَى نَصِيبِهِمْ مِنَ الدُّنْيَا» .
(5)
أبو إسحاق، قال: سألتُ هشام عن الغزو مع هؤلاء الأئمة، وذكرت له ما طعن في الغزو ومعهم، فقال: كان الحسن وابن سيرين يقولان: لك أجره، وذخره، وشرفه،
(1)
ا معرفة السنن والآثار (2/ 400)، باب:"الصلاة خلف من لا يحمد حاله ".
(2)
الفصل في الملل والأهواء والنحل (3/ 107)
(3)
وانظر أصول السنة لأحمد (ص/67) ورسالة إلى أهل الثغر (ص/168) والواسطية من "مجموع الفتاوى"(3/ 158)
(4)
الشرح والإبانة (ص/199) وممن نقل هذا الإجماع: ابن زمنين في "أصول السنة"(ص/288)، والطحاوي في "عقيدته"(ص/71)
(5)
مصنف ابن أبي شيبة (34058)
وفضيلته، وعليهم أثمهم.
(1)
وقال سُلَيْمَانَ بْنِ قَيْسٍ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّه رضى الله عنه:
يَكُونُ عَلَيْنَا الْإِمَامُ الْجَائِرُ الظَّالِمُ، أُقَاتِلُ مَعَهُ أَهْلَ الضَّلَالَةِ؟
قَالَ: «نَعَمْ» {عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
(2)
*الوجه الثالث: فعل الصحابة رضي الله عنهم والسلف مع أئمة الجور:
ومثال ذلك: لما تناقل أهل المدينة أخباراً عن سوء أحوال يزيد بن معاوية وشربه للخمر فخلعوا بيعته، جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ-رضى الله عنهما- حَشَمَهُ وَوَلَدَهُ، فَقَالَ:
إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
…
«يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ» ، وَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ غَدْرًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُبَايَعَ رَجُلٌ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُنْصَبُ لَهُ القِتَالُ، وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْكُمْ خَلَعَهُ، وَلَا بَايَعَ فِي هَذَا الأَمْرِ، إِلَّا كَانَتِ الفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ.
(3)
وعَنْ نَافِعٍ، قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مُطِيعٍ حِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحَرَّةِ مَا كَانَ، زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ:
اطْرَحُوا لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وِسَادَةً، فَقَالَ: إِنِّي لَمْ آتِكَ لِأَجْلِسَ، أَتَيْتُكَ لِأُحَدِّثَكَ حَدِيثًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم -يَقُولُ:
(4)
(1)
مسائل حرب الكرماني (ص/226)
(2)
جزء حنبل بن إسحاق (ص/111) وسنده صحيح. وانظر تحقق المنة في شرح أصول السنة (ص/316)
(3)
متفق عليه. وقوله " الفيصل بيني وبينه، أي القاطعة، وهي فيصل من فصل الشيء: إذا قطعه، وفي رواية أحمد (5088) " فَلَا يَخْلَعَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَزِيدَ، وَلَا يُشْرِفَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ فِي هَذَا الْأَمْرِ، فَيَكُونَ صَيْلَمٌ بَيْنِي وَبَيْنَه "، ومعنى "صيلم" أي قطيعة منكرة.
(4)
أخرجه مسلم (1851)
" عبد الله بن مطيع": كان ممن خلع يزيد وخرج عليه يوم الحرة، وكان هو قائد قريش كما كان عبد الله بن حنظلة قائد الأنصار، إذ خرج أهل المدينة لقتال مسلم بن عقبة الذي بعثه يزيد لقتال أهل المدينة،
وأخذهم بالبيعة له، فلما ظفر أهل الشام بأهل المدينة انهزم عبد الله ولحق بابن الزبير بمكة، وشهد معه
قتال الحجاج.
وعن أبي جمرة قال:
لمّا بلغني تحريق البيت خرجت إلى مكَّة، واختلفت إلى ابن عبَّاس -رضى الله عنهما- حتَّى عرفني، واستأنس بي، فسببت الحجَّاج عند ابن عبَّاس رضى الله عنه، فقال:
" لا تكن عونًا للشيطان ".
(1)
-قال أنس بن مالك رضي الله عنه:
نَهَانَا كُبَرَاؤُنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
(2)
ولما وقعت فتنة القول بخلق القرآن، وجُد الإمام أحمد بغير حق إلا أن يقول القرآن كلام الله تعالى، غير مخلوق، ومع لم يخلع يداً من طاعة.
وقد راوده فقهاء عصره على الخروج على الأئمة، وبكلمة منه تموج الأرض بأسراب من البشر، ولكنه أبى وصبر، واحتسب وغفر، فحقنت بذلك دماء فئام من البشر.
*قال حنبل: اجتمع فقهاء بغداد إلى أبي عبد الله في ولاية الواثق فقالوا:
" يا أبا عبد الله، هذا الأمر قد تفاقم وفشا، ولسنا نرضى بإمرته ولا سلطانه، فقال لهم:
«عليكم بالنكرة بقلوبكم، ولا تخلعوا يداً من طاعة، ولا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماء المسلمين، واصبروا حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر، هذا خلاف الآثار التي أمرنا فيها
بالصبر".
(3)
*الوجه الرابع:
أن الإجماعات منعقدة على عدم عزل الإمام بفسقه، مما يكون دليلاً على صحة بيعته، وعدم جواز الخروج عليه أو قتاله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
مذهب أهل الحديث ترك الخروج بالقتال على
(1)
رواه البخاري في تاريخه (2352)
(2)
أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة"(1015) وابن حبان في "الثقات"(5/ 314) وقال الألباني في "ظلال الجنة": إسناده جيد.
(3)
انظر السنة للخلال (90) والإمامة عند أهل السنة (ص/538)
الملوك البغاة، والصبر على ظلمهم، إلى أن يستريح بر أو يستراح من فاجر.
(1)
وممن نقل هذا الإجماع:
النووي و أبو الحسن الأشعري والقاضي عياض والكرماني وغيرهم.
(2)
ولقد كان أئمة السنة يجعلون مسألة الخروج على الولاة أحد العلامات الفارقة بين أهل السنة، وأهل البدعة كما نص على ذلك ابن المديني، والبربهاري، و غيرهما.
* وكان من أئمة الحديث من كان يترك الرواية عمن يقول بهذا المذهب:
1 -
ترك أبو مسهر عبد الأعلى الغساني الرواية عن محمد بن راشد لأنه يرى الخروج على الأئمة.
2 -
قال ابن حجر: "كان الحسن بن صالح يرى السيف على أئمة الجور".
3 -
قال أبو داود: " علي بن أبي طلحة له رأي سوء، كان يرى السيف.
(3)
*الوجه الخامس:
أن الناظر والمستقرئ لأحوال الخارجين على أئمة الجور لا يرى إلا فساداً عمَّ البلاد والعباد، وفي هذا أبلغ رد على من يسعون إلى الإصلاح المتوهم من وراء الخروج على السلطان.
قال الحسن البصري:
"لو أنَّ الناس إذا ابتُلوا من قِبَلِ سلطانهم بشيء دعوا الله أوشك الله أن يرفع عنهم، ولكنهم فزعوا إلى السيف فوُكلوا إليه، والله ما جاءوا بيوم خير قط، ثم قرأ: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} [الأعراف: 137] "
(4)
.
(1)
مجموع الفتاوى (4/ 444)
(2)
وانظر المنهاج (6/ 470) ورسالة إلى أهل الثغر (ص/ 297) وإكمال المعلم (6/ 247) وإجماع السلف في الاعتقاد (ص/45)
(3)
ومعنى قولهم " فلان يرى السيف ": أي أنهم يجوِّز الخروج على أئمة الجور. وانظر تاريخ بغداد (13/ 380) وتهذيب التهذيب (1/ 493) وميزان الاعتدال (3/ 134)
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره"(رقم: 8897)، وابن سعد في "الطبقات الكبير"(7/ 164)، والآجري في "الشريعة" (رقم: 66). وسنده حسن.
وانظر سلسلة الآثار الصحيحة أو الصحيح المسند من أقوال الصحابة والتابعين (2/ 226)
قال أبو العباس ابن تيمية:
ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف، وإن كان فيهم ظلم كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم; لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة، فيدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما، ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان، إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته.
(1)
وقال ابن القيم:
ونهى عن قتال الأمراء والخروج على الأئمة، وإن ظلموا وجاروا ما أقاموا الصلاة؛ سداً لذريعة الفساد العظيم، والشر الكبير بقتالهم كما هو الواقع، فإنه حصل بسبب قتالهم والخروج عليهم من الشرور أضعاف أضعاف ما هم عليه، والأمة فى بقايا تلك الشرور إلى الآن.
(2)
قال ابن خلدون:
إنّ كثيراً من المنتحلين للعبادة وسلوك طرق الدّين يذهبون إلى القيام على أهل الجور من الأمراء داعين إلى تغيير المنكر والأمر بالمعروف رجاء في الثّواب عليه من الله، فيكثر أتباعهم من الغوغاء والدّهماء، ويعرّضون أنفسهم في ذلك للمهالك، وأكثرهم يهلكون في هذا السّبيل مأزورين غير مأجورين.
(3)
قال الشيخ ابن العثيمين:
الحاكم لو كان أفسق عباد الله تعالى، عنده شرب خمر وغيره من المحرمات وهو فاسق، لكن لم يخرج من الإسلام، فإنه لا يجوز الخروج عليه، وإن فُسِّقَ؛ لأنَّ مفسدة الخروج عليه أعظمُ بكثير من مفسدة معصيته التي هي خاصة به.
(4)
(1)
منهاج السنة (3/ 168)
(2)
إعلام الموقعين (3/ 139)
(3)
مقدمة ابن خلدون (1/ 200)
(4)
مجموع فتاوى ورسائل ابن العثيمين (25/ 370)
* والتاريخ خير شاهد:
فالقارئ في وقائع الخارجين على أئمة الجور يرى أموراً يندى لها الجبين، ويشيب منها الجنين:
إنها واقعة الحرة المشهورة سنة ثلاث وستين من الهجرة، لما نقض أهل المدينة بيعة يزيد بن معاوية، وتهيأوا لقتاله.
(1)
لكن قد انهزم أهل المدينة، ثم أباح مسلم بن عقبة، وهو أمير جيش يزيد، الذي يقول فيه السلف مسرف بن عقبة- قبحه الله من شيخ سوء ما أجهله- المدينة ثلاثة أيام كما أمره يزيد، لا جزاه الله خيراً، يقتلون من وجدوا من الناس، ويأخذون الأموال.
وقتل خلقاً من أشرافها وقرائها، فقيل إنه قد قُتل سبعون رجلاً من المهاجرين، ومثلهم من الأنصار، ومن الناس ما يقرب من أربعة آلاف.
ووقعوا على النساء، حتى قيل إنه حبلت ألف امرأة من أهل المدينة بعد وقعة الحرة من غير زوج، ووقع شر عظيم وفساد عريض.
(2)
* فإن قيل:
فما الجواب عمَّا وقع من حوداث الخروج على أئمة الجور، كخروج أهل المدينة على يزيد وخروج الحسين وابن الأشعث؟
فالجواب:
1 -
أن الحق لا يُعرف بالرجال، ولكن اعرف الحق تعرف أهله،
وكلٌ يؤخذ من قوله ويرد.
2 -
ولو تنزلنا أن الخروج على أئمة الجور كان مذهباً، فالأمر كما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية:
" استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة، للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم، ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم.
(3)
(1)
الحرة موضع قريب من المدينة، ووقعة الحرة هذه هي الوقعة التي حصلت بين يزيد ابن معاوية وبين أهل المدينة لما خلعوه لما أخذوا عليه من فسق، فبعث إليهم من يردهم إلى الطاعة، وأنظرهم ثلاثة أيام، فلما رجعوا قاتلهم واستباح المدينة ثلاثة أيام. البداية والنهاية (8/ 232).
(2)
انظر البداية والنهاية (8/ 221) والكامل في التاريخ (4/ 111) والإمامة والسياسة لابن قتيبة (ص/89)
(3)
منهاج السنة (2/ 241)
قال القاضي عياض:
وقد ادَّعى أبو بكر بن مجاهد في هذا الإجماع -أي على عدم الخروج على أئمة الجور، وقد رد عليه بعضهم هذا بقيام الحسن وابن الزبير وأهل المدينة على بني أمية، وبقيام جماعة عظيمة من التابعين على الحجاج مع ابن الأشعث، وتأول هذا القائل قوله أن لا ننازع الأمر أهله في أئمة العدل.
وحجة الجمهور أن قيامهم على الحجاج ليس بمجرد الفسق، بل لما غيَّر من الشرع، وظاهر من الكفر، وقيل إن هذا الخلاف كان أولًا، ثم حصل الإجماع على منع الخروج عليهم، والله أعلم.
(1)
* فإن قيل:
أليس من شروط الإمام أن يكون عدلاً، فكيف نقر بالإمامة لفاسق؟
فالجواب:
أننا لا بد أن ننتبه للفرق بين أمرين:
الأول:
قد انعقد الإجماع على عدم جواز عقد الإمامة لفاسق، كما نقله القرطبي فقال:
لا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز أن تعقد الإمامة لفاسق ".
(2)
الثاني:
قد انعقد الإجماع الأول عدم عزل الإمام لفسقه، وأنه لا تسقط بذلك ولايته.
قال القاضي عياض:
فلو طرأ على الخليفة فسق؛ قال بعضهم: يجب خلعه إلا أن تترتب عليه فتنة وحرب، وقال جماهير أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين لا ينعزل بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق ولا يخلع، ولا يجوز الخروج عليه بذلك، بل يجب وعظه وتخويفه للأحاديث الواردة في ذلك.
(3)
فالقاعدة هنا: " يُغتفر في الاستدامة ما لا يُغتفر في الابتداء"
*شبهة والجواب عليها:
عَنْ طَارِقٍ بن شهاب -رضى الله عنه- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
(1)
المنهاج للنووي (6/ 470)، وانظر الجامع الرائق (ص/479)
(2)
وانظر الجامع لِأحكام القرآن (1/ 270) وغياث الأمم (ص/233)
(3)
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (6/ 470)
فَقَالَ: أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: " كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ إِمَامٍ جَائِرٍ ".
(1)
أليس هذا يصلح أن يكون دليلاً على جواز الخروج على الحاكم الجائر؟
*الجواب:
أن قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: "كلمة حق عند سلطان جائر ": تقتضي كون النصيحة للإمام عنده، وذلك على معنى "عندية المكان"، وهى الحضور الحسي والقرب، فليس تأويل الحديث أن يكون النصح على الملأ، ولابالجهر على المنابر، ولا في المحافل، فضلاً أن يكون بالخروج على السلطان والتشهير به، وتأليب العامة عليه.
فكلمة الحق عند السلطان الجائر، والتي هي أفضل الجهاد، لها ضوابط قد حددها الشرع، ولم يطلق لها العنان فتكون أداة لجلب المفاسد على الأمة.
فعن عِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ -رضى الله عنه- أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:
" مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ، فَلَا يُبْدِ لَهُ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ، فَيَخْلُوَ بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ ".
(2)
* وقد ورد في رواية جابر -رضى الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:
(3)
*وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ-رضى الله عنه- لما قِيلَ لَهُ: أَلَا تَدْخُلُ عَلَى عُثْمَانَ فَتُكَلِّمَهُ؟
فَقَالَ: أَتَرَوْنَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلَّا أُسْمِعُكُمْ؟!، وَاللهِ لَقَدْ كَلَّمْتُهُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، مَا دُونَ أَنْ أَفْتَتِحَ أَمْرًا لَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ.
(4)
(1)
أخرجه أحمد (18828) وصححه الألباني في " الصحيحة "(491)
(2)
أخرجه ابن أبي عاصم (1096) باب: كيف نصيحة الرعية للولاة؟، وأحمد (15333) والحاكم (5269) وقال الحاكم:«هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه» ، وصححه الألباني في ظلال الجنة (ص/477) وانظر الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 631)
(3)
أخرجه الحاكم (4884)، وقال:"صحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ "، وانظر" الجامع الرائق في معاملة أهل السنة للحاكم الفاسق"(ص/465)
(4)
أخرجه مسلم (2989)