الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا وما يشبهه من البدع المحدثة التي لم يستحبها أحد من أئمة المسلمين.
(1)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
ومن يقول للميت أو الغائب من الأنبياء والصالحين: ادع الله لي، أو ادع لنا ربك، أو اسأل الله لنا، كما تقول النصارى لمريم وغيرها. فهذا أيضاً لا يستريب عالم أنه غير جائز، وأنه من البدع التي لم يفعلها أحد من سلف الأمة.
(2)
قال ابن عبد الهادي المقدسي:
"أما دعاؤه هو صلى الله عليه وسلم، وطلب استغفاره وشفاعته بعد موته، فهذا لم ينقل عن أحد من أئمة المسلمين ـ لا من الأئمة الأربعة ولا غيرهم ـ".
(3)
قال الشيخ ابن عثيمين في تعليق له على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم:
سؤال الميت أن يسأل الله أو سؤال قضاء الحاجة بينهما فرق:
إذا سأل قضاء الحاجة فهذا شرك أكبر.
وإذا سأل أن يسأل الله فهذا بدعة وضلالة، لأن الميت إذا مات انقطع عمله، والدعاء من عمله، فكيف تسأله ما لا يمكن فإذا جئت إلى ميت وقلت: ادع الله لي، فإنه لن يدعو الله لك، ومن ذلك تقول عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم:
اشفع لي، فإن هذا عمل محرم، وبدعة منكرة.
*ثالثاً:
التوسل المختلف فيه:
التوسل بالأنبياء والصالحين، بذواتهم أو جاههم ونحو ذلك.
وهذا منقول عن أحمد وابن الصلاح والشوكانى، ومنصوص عليه فى كثير من كتب المذاهب الفقهية؛ وذلك استدلالاً بأدلة كثيرة، ومنها حديث الباب.
(4)
(1)
مجموع الفتاوى (1/ 161)
(2)
قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص/317)
(3)
الصارم المنكي في الرد على السبكي (ص/136)
(4)
انظر مراقي الفلاح شرح متن نور الإيضاح (ص/207) والمدخل لابن الحاج (1/ 254) وشرح مشكل الوسيط (1/ 99) والأذكار للنووي (ص/178) والفروع لابن مفلح (2/ 159) والدر النضيد (ص/112)
*وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الإمام العز بن عبد السلام قوله:
" لا يجوز أن يتوسل إلى الله بأحد من خلقه إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم، إن صح حديث الأعمى "، فعلَّق القول بهذا على صحة حديث الباب.
(1)
*ويمكننا القول بأن الأدلة الواردة في مشروعية التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم على وجه الخصوص، أو ذوات الصالحين على وجه العموم تنقسم إلى قسمين:
أدلة صحيحة ولكنها غير صريحة في الدلالة على المشروعية، وأدلة صريحة في المشروعية لكنها لا تصح من حيث إسنادها.
والراجح -والله اعلم- هو عدم مشروعية هذا القسم من أقسام التوسل، وهذا الذى عليه جماهير أهل العلم، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وصنَّف في ذلك رسالته " قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة " فأفاد فيها وأجاد، وأمتع فيها وأقنع.
* وإليكم أدلة المجوزين والرد عليها:
قالوا: حديث الباب:
قد قال الرجل فى دعائه: "اللَّهُمَّ أَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم "، فهذا يدل على أنه توسل إلى الله - تعالى- بذات النبي صلى الله عليه وسلم "!!
(2)
* وجواب ذلك:
أن قول الرجل فى دعائه: " اللَّهُمَّ أَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ.... " يحتمل أمرين:
(1)
قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص/310)
قال الشيخ ربيع المدخلى: راجعت فتاوي العز بن عبد السلام فلم أجد فيه ماذكره شيخ الإسلام، ووجدت في (ص/126) منه إجابة على سؤال عن الإقسام على الله بمعظم من خلقه في دعائه، كالنبي صلى الله عليه وسلم، والولي، والملك، هل يكره ذلك أو لا؟
فأجاب بقوله:
"أما مسألة الدعاء، فقد جاء في بعض الأحاديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علَّم بعض الناس الدعاء، فقال: في أقواله: " قل اللهم إني أقسم عليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة"، وهذا الحديث إن صح فينبغي أن يكون مقصوراً على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه سيد ولد آدم، وأن لا يقسم على الله بغيره من الأنبياء، والملائكة؛ لأنهم ليسوا في درجته، وأن يكون هذا مما خص به تنبيهاً على علو درجته ومرتبته". فلتراجع المسألة التي أشار إليها شيخ الإسلام. ا. هـ
(2)
تحفة الأحوذي (10/ 25)
الأول: أتوجه إليك بجاه وذات نبيك، على زعم من يستدل بالحديث على مشروعية التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم.
الثانى: " أتوجه إليك بدعاء نبيك "، وهو القول الراجح، والذى جعله راجحاً على الوجه الأول ما يلى:
1) لو كان توسل الرجل الضرير إلى الله - تعالى- بذات النبي صلى الله عليه وسلم لما تكلَّف المشقة بالإتيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل كان يفعل ذلك في بيته.
2) قد ورد في ألفاظ الحديث ما يبطل الدعوى أن توسل الرجل كان بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، كما فى قول الرجل:" ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي "، وإصراره على ذلك بقوله:(فادع) ففى ذلك التصريح بطلبه الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم:" وإن شئتَ دعوتُ "
(1)
3) قول الرجل " تُشَفِّعُنِي فِيهِ، وَتُشَفِّعُهُ فِيَّ "، فقوله " تُشَفِّعُهُ فِيَّ ":
فيه سؤال الرجل ربه تبارك وتعالى أن يقبل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته له.
وهذا مما ييعد جداً حمله على التوسل بذاته صلى الله عليه وسلم، أو جاهه، أو حقه، إذ أن المعنى: اللهم اقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم فيَّ، أي اقبل دعائه فيَّ أن ترد عليَّ بصري.
وقوله " تُشَفِّعُنِي فِيهِ ": أي اقبل دعائي في أن تقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم، أي دعاءه في أن ترد عليَّ بصري.
قال المناوي:
سأل الله -تعالى- أولاً أن يأذن لنبيه أن يشفع له، ثم أقبل على النبي - صلى اله عليه وسلم- ملتمساً شفاعته له، ثم كر مقبلاً على ربه أن يقبل شفاعته. والباء في بنبيك للتعدية، وفي بك للاستعانة.
وقوله: "اللهم فشفّعهُ فيّ " أي: اقبل شفاعته في حقي، والعطف
(1)
ومن التحريف الذى عمد إليه الشيخ الغماري قوله في "المصباح"(24): (قوله صلى الله عليه وسلم:
" وإن شئتَ دعوتُ ": أي وإن شئت علمتك دعاء تدعو به، ولقنتك إياه، وهذا التأويل واجب ليتفق أول الحديث مع آخره).
على مقدر، أي: اجعله شفيعاً لي فشفّعه "
(1)
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وقوله في دعائه " اللهم فشفعه فيَّ " دل ذلك على أن معنى قوله: " أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد " أي بدعائه وشفاعته.
(2)
4) لو كان توسل الرجل الضرير بجاه النبي صلى الله عليه وسلم لرأينا الجمع الغفير من الأكِفّاء بعد حياة النبي صلى الله عليه وسلم يتوسلون بذات النبي صلى الله عليه وسلم طلباً للشفاء. فلما تركوا ذلك مع وجود المقتضى وانتفاء الموانع دل على عدم المشروعية.
5) ومما يؤيده:
أن الرجل الضرير قد توسل بدعاء النبي- صلى الله عليه وسلم له، وليس بجاهه؛ أن علماء السير قد ذكروا هذه الحادثة في باب معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، ومن هؤلاء:
القاضي عياض في كتابه " الشفا بتعريف حقوق المصطفى "(ص/316)، والبيهقي في " دلائل النبوة "(6/ 16)
6) كذلك يقال:
إن حمل الحديث على أن الرجل قد توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم هو الموافق لفهم الصحابة رضى الله عنهم؛ فهكذا قد فهمه عمربن الخطاب رضي الله عنه يوم استسقى بالعباس - رضى الله عنه - عام الرمادة، وهكذا فهمه معاوية بن سفيان - رضى الله عنه - يوم استسقى بيزيد بن الأسود الجُرَشى.
(3)
وحمل النص على فهم الصحابة رضي الله عنهم وإجماعهم مقدَّم على حمله على فهم من سواهم.
* قالوا:
قد روى البخاري عن عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه قوله:
«اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ
(1)
وانظر فيض القدير (3/ 1376) وغاية الأماني في الرد على النبهاني (2/ 400)
(2)
مجموع الفتاوى (1/ 325)
(3)
قد استسقى معاوية بن أبي سفيان بيزيد بن الأسود الجُرَشى، وقال:"اللهم إنا نستشفع إليك بخيارنا. يا يزيد، ارفع يديك إلى الله، فرفع يديه، ودعا، ودَعْوا، فسقوا "
وهذا قد عزاه الحافظ له ولأبي زرعة الرازي في تاريخه وصحح إسناده في " الإصابة "(3/ 673)، ورواه الفسوي في المعرفة والتاريخ "2/ 380، 381" وابن سعد في الطبقات "7/ 444"، وأبو زرعة في تاريخ دمشق "1/ 602".
قال الحافظ العسقلاني: رواه أبو زرعة الدمشقي ويعقوب بن سفيان في تاريخهما بسند صحيح.
وقال الألباني في " التوسل أنواعه وأحكامه "(ص/41): " رواه ابن عساكر في تاريخه بسند صحيح ".
إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا»
(1)
فأخبر أن الصحابة -رضى الله عنهم- قد توسلوا بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك قد توسل عمر بن الخطاب بِجاه العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ رضى الله عنهما. * والجواب:
أولاً:
أن المجمل في رواية البخاري من قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه:
…
«اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، ....» قد بينته الأحاديث الأخرى،
كما في حديث أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضى الله عنه- أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ وِجَاهَ المِنْبَرِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَلَكَتِ المَوَاشِي، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ، فَقَالَ:
«اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا»
(2)
فيتضح بذلك أن الإجمال في قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه:
" إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا " قد جاء مبيناً في حديث أنس رضى الله عنه، فدل ذلك على أن توسل الصحابة -رضى الله عنهم- إنما كان بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وليس بذاته أو جاهه كما يدَّعى من جوَّز ذلك.
* ثم يقال:
لو كان توسل الرجل الضرير بذات النبي صلى الله عليه وسلم لما انقطع ذلك بموته؛ ولما غفل الصحابة - رضى الله عنهم- عن مثل هذا الأمر، وقد مر بهم من الفتن ما يضاهي قطع الليل المظلم، من قحط واقتتال ودماء، بل قد عدل عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- عام الرمادة عن ذلك إلى التوسل بدعاء العباس رضى الله عنه، مع أن الأمر المجمع عليه هو علو وسبق جاه النبي صلى الله عليه وسلم على دعاء العباس رضى الله عنه.
وقد وافقه جمهور الصحابة - رضى الله عنهم - على ذلك فكان ذلك منهم كالإجماع على عدم الجواز؛ وهذا من أظهر الإجماعات الإقرارية.
فإن تركهم له مع وجود المقتضى وانتفاء الموانع لهو أقوى الأدلة على المنع.
فدل هذا على أن التوسل المشروع
(1)
أخرجه البخاري (1010)
(2)
أخرجه البخاري (1013) باب إذا استشفعوا إلى الإمام ليستسقي لهم لم يردهم.
عندهم هو التوسل بدعائه، وبشفاعته، لا السؤال بذاته، ولا بجاهه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
فعدول عمر والصحابة عن هذا إلى هذا وما يشرع من الدعاء وينفع عمَّا لا يشرع ولا ينفع، وما يكون أنفع من غيره وهم في وقت ضرورة ومخمصة وجدب يطلبون تفريج الكربات وتيسير الخير وإنزال الغيث بكل طريق ممكن، دليل على أن المشروع ما سلكوه دون ما تركوه.
(1)
قال الألوسي:
لو كان التوسل به عليه الصلاة والسلام بعد انتقاله من هذه الدار لما عدلوا إلى غيره، وحاشاهم أن يعدلوا عن التوسل بسيد الناس إلى التوسل بعمه العباس، وهم يجدون أدنى مساغ لذلك.
(2)
* وتأمل لترى جماهير الصحابة -رضى الله عنهم - يوافقون عمر بن الخطاب على اجتهاده حين عدل عن التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بدعاء العباس رضى الله عنه، دون أن يخرج منهم ولو واحد ليراجع عمر في ذلك، فهل تراهم سكتوا عن اظهار الحق خشية من عمر؟
فهل هذا ظنك فيهم؟ وقد نزل فيهم قول الله تعالى (لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ)
(3)
* وانظر إلى حال الصحابة -رضى الله عنهم- يوم أن تقدم أبُو بَكْرٍ -رضى الله عنه -فصلى بالناس، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ، فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ، فَصَفَّقَ النَّاسُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ فَرَأَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنِ امْكُثْ مَكَانَكَ.
(4)
الشاهد أن الصحابة - رضى الله عنهم - ما استساغوا تقديم أحد - ولو كان صديق الأمة - على
(1)
الاستغاثة في الرد على البكري (ص/108)
(2)
روح المعاني (3/ 296)
(3)
قال الحسن البصرى عن قول تعالى {فَسوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} : هُوَ وَاللَّهِ أَبُو بَكْرٍ وَأَصْحَابُهُ [رضي الله عنهم]. تفسير القرآن العظيم (3/ 135)
(4)
متفق عليه.
الرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف لهم أن يقرّوا عمر بن الخطاب - رضى الله عنه- أن يقدِّم أحداً - ولو كان العباس - على جاه الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كان ذلك مشروعاً؟!!
* قالوا:
إنَّ فعْل عمر حين توسل بالعباس ليس لعدم مشروعية التوسل بجاه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ بل لأجل بيان جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل، ولرعاية حق قرابته من النبي صلى الله عليه وسلم، دل على ذلك قول العباس في دعائه:" وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك "!!
* والرد على ذلك:
قد ذكرنا قريباً أن الإجمال الوارد في قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه:
" إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا " قد جاء مبيناً في حديث أنس رضى الله عنه، مما دل على أن توسل الصحابة - رضى الله عنهم- إنما كان بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم.
وعليه فترك الصحابة وعلى رأسهم عمر بن الخطاب - رضى الله عنهم- التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم إنما كان لموته، لا غير.
وعليه فقول العباس في دعائه:
: " وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك "، ليس بياناً لسبب العدول عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى العباس، على ما جركم إليه فهمكم، بل لبيان سبب وقوع الاختيار على العباس -رضى الله عنه- دون غيره من الناس ليكون هو المتوسَل بدعائه عند الصحابة رضى الله عنهم.
* وأما الزعم العجيب أنَّ عمر -رضى الله عنه- حين توسل بالعباس -رضى الله عنه- لأجل بيان جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل فيقال:
لك أن تتصور أن عمربن الخطاب -رضى الله عنه- يرى الناس في حالة شديدة من الضنك والكرب، والشقاء والبؤس، يكادون يموتون جوعاً وعطشاً لشح الماء وهلاك الماشية، وخلو الأرض من الزرع والخضرة حتى سُمَّي ذاك العام بعام الرمادة، إضافة عن عظم المسئولية الملقاة على عاتقه وهو الراعى المسئول عن الأمة.
كل ذلك ثم يَرِد في خاطره تلك الأطروحة الفلسفية في هذا الظرف العصيب، فيدع الأخذ بالوسيلة الكبرى في دعائه، وهي التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، لو كان ذلك جائزاً
ويأخذ بالوسيلة الصغرى، التي لا تقارن بالأولى، وهي التوسل بالعباس، لماذا؟ لا لشيء إلا ليبين للناس أنه يجوز لهم التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل!!
* إن الشاهد والمعلوم أن الإنسان إذ حلّت به شدة يلجأ إلى أقوى وسيلة عنده في دفعها، ويدَع الوسائل الأخرى لأوقات الرخاء، وهذا كان يفهمه الجاهليون المشركون أنفسهم، إذ كانوا يَدعون أصنامهم في أوقات اليسر، ويتركونها ويدْعون الله - تعالى - وحده في أوقات العسر،
كما قال تبارك وتعالى: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65)) (العنكبوت: 65)
فنعلم من هذا أن الإنسان بفطرته يستنجد بالقوة العظمى، والوسيلة الكبرى حين الملمات والمضايق، وقد يلجأ إلى الوسائل الصغرى حين الأمن واليسر.
* ثانياً نقول:
أن المجمل في رواية البخاري من قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه:
" وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا "، قد ورد مبيناً عند عبد الرزاق، عن إبراهيم بن محمد، عن حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عُمَرَ، اسْتَسْقَى بِالْمُصَلَّى، فَقَالَ لِلْعَبَّاسِ: قُمْ فَاسْتَسْقِ، فَقَامَ الْعَبَّاسُ، وفى رواية " يا أبا الفضل؛ قمْ فادع ".
(1)
فدل ذلك على أن قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه:
" وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا "، أى نتوسل إليك بدعاءه.
قال ابن حجر:
فتبين بهذا أن في القصة المذكورة أن العباس كان مسئولًا، وأنه ينزل منزلة الإمام إذا أمره الإمام.
(2)
* شبهة أخرى:
عَنْ مَالِكِ الدَّارِ- وَكَانَ خَازِنَ عُمَرَ عَلَى الطَّعَامِ- قَالَ:
أَصَابَ
(1)
أخرجه عبد الرزاق (4913)، وكان مما دعا به العباس رضى الله عنه:
" اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث، فأرخت السماء مثل الجبال "
(2)
فتح الباري (2/ 704)
النَّاسَ قَحْطٌ فِي زَمَنِ عُمَرَ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتَسْقِ لِأُمَّتِكَ فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا، فَأَتَى الرَّجُلَ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهُ: ائْتِ عُمَرَ
…
الحديث.
(1)
* والرد على ذلك من وجوه:
الأول:
هذا الأثر منكر يغلب عليه الوضع، وقد أُعلَّ بعلل متعددة، نذكر منها:
1) جهالة الرَّجل الذي أتى إلى قبر النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وما ورد من تسميته ببلال بن الحارث المُزَني، وعدُّه من الصحابة، فلا يصح؛ لأنه من رواية سيف بن عمر التميمي، وقد قال عنه ابن حبان:
يروي الموضوعات عن الأثبات
…
، وكان يضع الحديث.
(2)
2) جهالة مالك الدار؛ لأن مالك الدار غير معروف العدالة والضبط،، وقد أورده ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(4/ 213) ولم يذكر راوياً عنه غير أبي صالح هذا، ففيه إشعار بأنه مجهول.
وقال الحافظ المنذري في "الترغيب"(2/ 41 - 42) ومالك الدار لا أعرفه). وكذا قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 125) والألبانى.
(3)
الثانى:
على فرض صحة هذا الأثر فلا يكون حجة لمن جوَّز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته وذلك لنكارة متنه؛ وذلك لأن مثل هذا الأمر لم يفعله أحد من الصحابة
(1)
أخرجه البيهقى في دلائل النبوة (7/ 47) وابن أبي شيبة في المصنف (32002)
(2)
هو سيف بن عمر التميمي البرجمي، ويقال السعدي ويقال الضبعي ويقال الأسدي الكوفي، قال عنه أبو حاتم:" متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي"، وقال أبو داود:" ليس بشيء "، وقال النسائي، والدارقطني ضعيف وقال ابن عدي بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها. قال الحاكم اتهم بالزندقة وهو في الرواية ساقط.
وانظر المجروحين (1/ 345) والميزان (2/ 256) وتهذيب التهذيب (4/ 396)
(3)
وانظر مسند الفاروق عمر بن الخطاب لابن كثير بتحقيق إمام بن علي بن إمام (1/ 319) والتوسل: أنواعه وأحكامه (ص/118)
- رضى الله عنهم- رغم ما مر بهم من فتن كقطع الليل المظلم، من قحط واقتتال ودماء، فتركهم له مع وجود المقتضى وانتفاء الموانع لهو أقوى الأدلة على المنع.
قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيميَّة:
وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجدبوا مرَّات، ودَهَتهم نوائب غير ذلك، فهلاَّ جاؤوا فاستسقوا واستغاثوا عند قبر النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟!
(1)
* ثم يقال:
كيف يُستدل بأثر ينبنى على فعلٍ لرجل مجهول، وهو من أتى القبر الشريف متوسلاً بالنبي صلى الله عليه وسلم، ونترك سنة الفاروق عمر- رضى الله عنه - الذى لنا فيه سنة متبعة بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم؟!!
ففى عام الرمادة سنة ثمان عشرة لما وقعت المجاعة بالمسلمين في المدينة قد عدل عمر بن الخطاب - رضى الله عنه- عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، وتوسل بدعاء عمه العباس رضى الله عنه.
* أضف إلى ذلك:
أنها رؤيا منام، والرؤى لا تُبنى عليها أحكام شرعية، اللهم إلا رؤى الأنبياء، فإنها وحي، كما هو مقرَّر عند أهل العلم.
قال الدَّميري:
ولو قال شخص: رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في النوم، وأخبرني أن الليلة أول رمضان!! لا يصح الصوم بهذا لصاحب المنام ولا لغيره بالإجماع، كما قاله القاضي عياض، وذلك لاختلال ضبط الرائي، لا للشك في الرؤية.
(2)
* ومن شبهاتهم:
قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم حيُّ في قبره، فلذلك نحن نتوسل به ليشفع لنا عند ربنا!!
(3)
والجواب:
الذى عليه أهل السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات كما يموت آحاد البشر، قال الله تعالى:{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34)} (الأنبياء:
(1)
اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 197):
(2)
النجم الوهاج في شرح المنهاج (3/ 274):
(3)
وقد كتب فى ذلك عبد الله الصديق الغماري مقالاً بعنوان " نبي الله صلى الله عليه وسلم حي في قبره " والتوسل بالحي لا خلاف عليه فتوسلوا به "، وهو مقتبس من مجلة: " المسلم " (ص 12 - 16)
*وكذلك قد نافح عن ذلك في كتابه "إرغام المبتدع الغبي بجواز التوسل بالنبي ".
34)، وقال:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)} (الزمر: 30) ـ إلى أمثال ذلك من الآيات الدالة على أن الله -تعالى - قد توفاه إليه.
ولأن الصحابة رضي الله عنهم قد غسَّلوه وكفَّنوه وصلَّوا عليه ودفنوه، ولو كان حياً حياته الدنيوية ما فعلوا به ما يفعل بغيره من الأموات.
وهو الآن حيُّ في قبره حياة برزخية لا يعلم كيفيتها إلا الله سبحانه وتعالى، وليست من جنس حياة أهل الدنيا، ولا تخضع لقوانينها، ومن الخطأ المبين قياس حياة الأنبياء في البرزخ على حياتهم في الدنيا، وهذا قياس باطل مخالف للكتاب والسنة والواقع.
نعم، الأنبياء أحياء في قبورهم، وأجسادهم لا تبلى، والنص والإجماع منعقد على هذا كما حكاه غير واحد، منهم ابن حزم والسخاوي وغيرهم.
فليس هذا هو محل الخلاف، وإنما محل الخلاف بيننا وبينكم في كيفية هذه الحياة، فالذى عليه أدلة الكتاب والسنة والإجماع أنها حياة برزخية غيبية، لها كيفية لا يعلمها إلا الله تعالى.
…
وفي الختام: " نقاط مهمة "
…
:
الأولى:
قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" ما تركتُ شيئاً يُقربكم إلى الله إلا أمرتكم به "
(1)
، فلو كان التقرُّب بجاه النبي صلى الله عليه وسلم قربة من القرب التى يُتوصل بها إلى الله تعالى، فلِمَ ترك النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بها؟؟!!
الثانية:
هل مسألة التوسل بالجاه علمها الصحابة -رضى الله عنهم- أم لا؟
فإن كانو قد علموه، فلِمَ لم يعملوا به مع ما ألّم بهم من الملمَّات والمضايق؟!
وإن كانوا لم يعلموه ولم يهتدوا إليه وهم خير قرون الأمة علماً وعملاً، فهل فُتح لكم من سبل
(1)
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير "(1647)، وذكره ابن كثير في تفسيره بصيغة الجزم دون أن يعلَّق عليه واستشهد بالحديث شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع فتاويه ـ وانظر تفسير القرآن العظيم (5/ 143) ومجموع الفتاوى (5/ 156) والسلسلة الصحيحة (ح/ 2866)
الخير والتوفيق ما لم يفتح عليهم؟!!
الثالثة:
ثبت بالأدلة الشرعية أن التوسل عبادة؛ وذلك أن الله - تعالى- قد أمر به، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 35]، والله لا يأمر إلا بما يحب.
فلما كان التوسل عبادة، وكان الأصل فى العبادات التوقيف، صار من ادعى مشروعية التوسل بالجاه مطالباً بالدليل الصريح الصحيح، وإلا كان قائلاً على الله -تعالى- بغيرعلم، وهذا من سبل الشيطان، قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلَالاً طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لَا تَعْلَمُونَ} (البقرة 168 - 169)
* الرابعة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وأما إذا لم نتوسل إليه سبحانه بدعائهم، ولا بأعمالنا، ولكن توسلنا بنفس ذواتهم لم تكن نفس ذواتهم سبباً يقتضي إجابة دعائنا، فكنا متوسلين بغير وسيلة، ولهذا لم يكن هذا منقولاً عن النبي صلى الله عليه وسلم نقلاً صحيحاً، ولامشهوراً عن
السلف، ولاريب أن لهم عند الله الجاه العظيم - كما قال تعالى في حق موسى وعيسى عليهما السلام، وقد تقدم ذكر ذلك - لكن مالهم عند الله من المنازل والدرجات أمر يعود نفعه إليهم، ونحن ننتفع من ذلك باتباعنا لهم ومحبتنا لهم، فإذا توسلنا إلى الله تعالى بإيماننا بنبيه ومحبته وموالاته واتباع سنته فهذا من أعظم الوسائل.
(1)
* الخامسة:
العجب مما تراه من هؤلاء الذين يدندنون حول العواطف ودغدغة المشاعر الخاوية عن الأصول العلمية و مشكاة النبوة، فيتهمون أهل السنة الذين لا يجوِّزون التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم ما قدروا النبي صلى الله عليه وسلم حق قدره، وما أحبوه حق
(1)
وانظر قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص/299) ومنهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس (ص/184) والرد على شبهات المستعينين بغير الله (ص/92)
محبته، إلى غير ذلك من التهم.
(1)
ومثل هذا لا يملُّون من ذكره في نازلة، كالاحتفال بالمولد النبوى وتجويز الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم، فكل من عارضهم فهو عندهم مجروح في محبته وولاءه للنبي صلى الله عليه وسلم.
ولا شك أن هذه طريقة المفلسين الذين يراهنون على مشاعر العامة لكسبهم في صفهم.
ولاشك أنه ما وطيء الثري أناس أحبوا الرسول صلى الله عليه وسلم أمثال الصحابة رضى الله عنهم، ومع ذلك فما وجدنا واحداً منهم يفعل ما يفعله هؤلاء المدَّعون، فالمحبون حقاً هم المتبعون.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا مع اختلاف الناس في مولده، فإن هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيرًا. ولو كان هذا خيرًا محضا، أو راجحًا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له منا، وهم على الخير أحرص. وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنته باطنًا وظاهرًا. ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان. فإن هذه طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان.
(2)
السادسة:
لا يقال ببدعية من ذهب إلى القول بالتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، بل المسألة خلافية لا يبدَّع فيها المخالف.
قال شيخ لإسلام ابن تيمية:
وأما القسم الثالث مما يسمى " توسلاً " فلا يقدر أحد أن ينقل فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً يحتج به أهل العلم، وهو
(1)
كما افترى مثل ذلك محمد سعيد البوطي في كتابه "فقه السيرة"(ص 354) فقال ما نصه:
…
(فقد ضل أقوام لم تشعر أفئدتهم بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وراحوا يستنكرون التوسل بذاته صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته
…
)
(2)
اقتضاء الصراط المستقيم (ص/123)
السؤال بالأنبياء والصالحين، فإنه لا يقدر أحد أن ينقل فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ثابتاً لا في الإقسام أو السؤال به. وإن كان في العلماء من سوَّغه فقد ثبت عن غير واحد من العلماء أنه نهى عنه، فتكون مسألة نزاع كما تقدم بيانه فيرد ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله.
(1)
قال الشيخ سعد بن حمد بن عتيق:
ونحن وإن قلنا بالمنع من التوسل به صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ أو نحوه لما نعتقده من أصحية المنع، فنحن مع ذلك لا نشدد في ذلك على من فعله مستدلا بالحديث فضلاً عن أن نكفره.
(2)
السابعة:
ما ادعاه السبكى من القول بأن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لم يسبقه أحد إلى القول بإنكار التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم يرده ما ورد عن أبي حنيفة من قوله بالمنع من ذلك، فقد كره أبو حنيفة قول " بحق رسلك وأنبيائك وأوليائك "؛ لأنه لا حق للخلق على الخالق تعالى.
(3)
وقال المرتضى الزبيدى: وقد كره أبوحنيفة وصاحباه أن يقول الرجل:
" أسالك بحق فلان ".
(4)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
قولهم: أسألك بجاه نبينا أو بحقه، فإن هذا مما نقل عن بعض المتقدمين فعله، ولم يكن مشهوراً بينهم، ولا فيه سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل السنة تدل على النهى عنه كما نقل ذلك عن أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما.
(5)
(1)
مجموع الفتاوى (1/ 286)
(2)
وانظرالمنارة (ص/50) والتوسل بالصالحين بين المجيزين والمانعين (ص/70)
(3)
وانظر رد المحتار على الدر المختار (6/ 397) ودرر الحكام شرح غرر الأحكام (1/ 321)
(4)
اتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين (2/ 285)
(5)
وانظر قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص/309)
والعجيب أن كاتب رسالة "مفاهيم يجب أن تصحح" قد ادعى أن شيخ الإسلام يجوِّز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، ونقل عنه ما نصه:
أما التوسل بالإيمان به، ومحبته وطاعته والصلاة والسلام عليه، وبدعائه وشفاعته ونحو ذلك من ما هو من أفعاله وأفعال العباد المأمور بها في حقه، فهو مشروع باتفاق المسلمين [الفتاوى الكبرى 1/ 140]
وهذا في الحقيقة تحريف و تبديل، وبتر لكلام شيخ الإسلام؛ ليوهم أنه ساوى بين التوسل بدعائه وشفاعته صلى الله عليه وسلم حياً وميتاً.؛ فقد قال شيخ الإسلام بعد قوله الذي نقله الكاتب:
"وكان الصحابة -رضى الله عنهم- يتوسلون به في حياته، وتوسلوا بعد موته بالعباس عمه، كما كانوا يتوسلون به" اهـ. فهذا التفسير للإجمال السابق لابد من ذكره ونقله، وفيه أن التوسل به في حياته يكون بدعائه لمن طلب منه الدعاء. وانظر هذه مفاهيمنا (ص/78)
* الثامنة:
قد نقل عن الإمام أحمد بن حنبل قوله بالتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، قال في منسكه الذي رواه عنه المروزي ما نصه:
وسل الله حاجتك متوسلاً إليه بنبيه- صلى الله عليه وسلم تُقْضَ من الله عز وجل.
(1)
وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وأفاض في توجيه هذا الكلام، وحمل التوسل الذي يجيزه الإمام أحمد على الإقسام على الله - تعالى - بذات النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
تم بحمد الله.
(1)
وذكر معناه برهان الدين بن مفلح في المبدع (2/ 204) وقريب منه ما في الإقناع للحجاوي (1/ 208) والفروع لشمس الدين ابن مفلح (2/ 159) وغيرهم.
(2)
وهذا الذى رجحه شيخ الإسلام إنما هو باعتبار أن الإمام أحمد قد ورد عنه في الإقسام على الله - تعالى - بالنبي صلى الله عليه وسلم روايتان:
رواية بالمنع، وهي الموافقة لمذهب الجمهور.
ورواية بالجواز، وهي المخالفة لمذهب الجمهور.
وعلى رواية الجواز حمل شيخ الإسلام قوله بجواز التوسل إلى الله - تعالى بنبيه صلى الله عليه وآله وسلم. .
قد استفاض شيخ الإسلام في مناقشة تلك الرواية القائلة بجواز الإقسام، وبين أنها على خلاف الحق، وأن الأدلة الشرعية قاضية بالمنع، وأن الصحابة -رضى الله عنهم- لم تكن تعرفه، ونقل عن أهل العلم تحريم هذا الصنيع، الذى هو" القسم على الله بمخلوق ".
وانظر الرد على الأخنائي (ص 168) وقاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص/122)