المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الثامن والعشرون: ضوء الثريا شرح حديث من عادى لى وليا - الأربعون العقدية - جـ ٢

[أيمن إسماعيل]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الحادى والعشرون: السنة الجارية شرح حديث الجارية

- ‌الحديث الثانى والعشرون: كشف الالتباس عن حديث أمرت أن أقاتل الناس

- ‌الحديث الثالث والعشرون: فتح البصير في بيان ما توسل به الضرير

- ‌ التوسل المختلف فيه:

- ‌الحديث الرابع والعشرون: بيان الحِكَم في شرح حديث إن الله هو الحَكَم

- ‌ الحالات التى يكون فيها الحكم بغير ما أنزل الله شركًا

- ‌الحديث الخامس والعشرون: ذات العماد شرح حديث حق الله على العباد

- ‌الحديث السادس والعشرون: المشكاة في شرح حديث لا تعجز واستعن بالله

- ‌الحديث السابع والعشرون: بيان الحق نفسه في شرح حديث أينا لم يظلم نفسه

- ‌الحديث الثامن والعشرون: ضوء الثريا شرح حديث من عادى لى ولياً

- ‌هل يوصف الله -تعالى- بصفة التردد

- ‌الحديث التاسع والعشرون: المعانى الراسيات شرح حديث إنى معلمك كلمات

- ‌ الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: "احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ "، وبين ما يقع لأهل الإيمان من البلاء والمحن

- ‌ أصل القضاء لا يعارض العمل:

- ‌الحديث الثلاثون: نثر الجمَّان بفوائد حديث إنهما ليعذبان

- ‌هل عذاب القبر يكون على الروح فقط، أم على الروح والبدن

- ‌الحديث الحادي والثلاثون: بلوغ الرُّبَى شرح حديث ضحك النبي تعجبا

- ‌ المخالفون لأهل السنة والجماعة في إثبات صفة اليدين:

- ‌الحديث الثانى والثلاثون: فتح الأعز الأكرم شرح حديث أي الذنب أعظم

- ‌من أتى خلاف المعهود تجاوزت عاقبته الحدود:

- ‌الحديث الثالث والثلاثون: تلخيص الخطاب شرح حديث إنك تأتى أهل كتاب

- ‌الفطرة دالة على نقض مذهب المتكلمين:

- ‌الحديث الرابع والثلاثون: درء الخوض في رد أحاديث الحوض

- ‌ حكم سب الصحابة رضى الله عنهم:

- ‌الحديث الخامس والثلاثون: البيان والتتمة شرح حديث يكون بعدى أئمة

- ‌تعريف الإمامة، وأهمية تنصيب الإمام:

- ‌ وسطية الأمة مع الأئمة:

- ‌الحديث السادس والثلاثون: ردع الجاني على حديث إن الله أفتاني

- ‌ هل السحر حقيقة أم خيال

- ‌الحديث السابع والثلاثون: دليل البيداء شرح حديث أنا أغنى الشركاء

- ‌ هل الرياء مبطل للعمل

- ‌ الشرك الخفي أشد خطورة من المسيح الدجال

- ‌أمور ليست من الرياء:

- ‌الحديث الثامن والثلاثون: نيل المأرب شرح حديث طلوع الشمس من المغرب

- ‌الحديث التاسع والثلاثون: بذل الطاقة شرح حديث صاحب البطاقة

- ‌ أليس تأويل الميزان بالعدل يستقيم لغة

- ‌ ما الذي يوزن في الميزان يوم القيامة:

- ‌ما الحكمة من نصب الموازين، مع كونه عزوجل وسع علمه أعمال العباد ومآلاتهم

- ‌ حكم من مات على الشرك الأصغر:

الفصل: ‌الحديث الثامن والعشرون: ضوء الثريا شرح حديث من عادى لى وليا

‌الحديث الثامن والعشرون: ضوء الثريا شرح حديث من عادى لى ولياً

ص: 833

* نص الحديث:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

" إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ "

* تخريج الحديث:

أخرجه البخارى (6502) كتاب الرقاق، باب التواضع، وأخرجه أحمد (26193)

*أهم الفوائد المتعلقة بحديث الباب:

الفائدة الأولى: الفرق بين القرآن والحديث القدسى:

حديث الباب حديث قدسى يرويه الصحابى الجليل أبو هريرة -رضى الله عليه- عن النبى صلى الله عليه وسلم.

*الحديث القدسي " لغة و اصطلاحاً ":

لغةً: القُدْسِيُّ نسبة إلى "القُدْس"؛ أي: الطُّهْر؛ أي: الحديث المنسوب إلى الذات القدسية، وهو الله سبحانه وتعالى.

اصطلاحًا: هو ما نُقل إلينا عن النبي صلى الله عليه وسلم مع إسناده إياه إلى ربه عز وجل.

ص: 835

وبين *الحديث القدسى والحديث النبوى أوجه تشابه وأوجه اختلاف.

(1)

فهما يتفقان ويفترقان:

1 -

أولاً: أوجه الاتفاق: كلاهما كلام الله -تعالى- لفظاً ومعنى.

2 -

ثانياً: أوجه الافتراق:

أ) أن القرآن قد تكفَّل الله -تعالى-بحفظه، كما قال عزوجل (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)) (الحجر/9)، ولذا فالقرآن كله قطعي الثبوت و متواتر النقل. وأما الحديث القدسي فليس كذلك؛ فإن فيه الصحيح وفيه الضعيف.

ب) أن القرآن قد تحدّى الله -تعالى- به مشركى العرب أن يأتوا بمثله، فهو مُعجِز بلفظه ومعناه، قال تعالى (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)) (يونس/38)، وقال تعالى (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13)(هود/13)، ومثل هذا لم يقع مع الأحاديث القدسية، فليست الأحاديث القدسية محلّ تحدٍّ.

ج - أن القرآن قد تعبَّد الله -تعالى- الناس بتلاوته، وتلاوته لا تكون بالمعنى. قال عزوجل (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27)) (الكهف/27)

وعن أَبى أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ- رضى الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:

«اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ، وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطلة» .

(2)

(1)

انظرقواعد التحديث (ص/65) وتيسير مصطلح الحديث (ص/158)

(2)

أخرجه مسلم (804) باب فضل قراءة القرآن، وسورة البقرة.

ص: 836

وعن ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:

" مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ، فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ: {الم} حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ ".

(1)

ومثل هذا لم يقع مع الأحاديث القدسية، فهى غير مُتعبد بتلاوتها، ويجوز روايتها بالمعنى.

* عودٌ إلى حديث الباب: الفائدة الثانية:

قوله صلى الله عليه وسلم " إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا "

قد نص حديث الباب على شرف وقدر أولياء الله عزوجل، وكما قال أبو العباس ابن تيمية: هذا حديث شريف قد رواه البخاري من حديث أبي هريرة، وهو أصح حديث روي في صفة الأولياء ".

(2)

قال الشيخ أبو الفضل بن عطاء:

في هذا الحديث عظم قدر الولي؛ لكونه خرج عن تدبيره إلى تدبير ربه، وعن انتصاره لنفسه إلى انتصار الله له، وعن حوله وقوته بصدق توكله.

(3)

فالله - تعالى- هو الولىّ، الذى يتولّى عباده وأولياءه الصالحين بحفظه لهم وهدايته لأحوالهم، هداية التوفيق والالهام، ويمن عليهم بكفايتهم من كيد أعدائهم.

قال تعالى {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196)} (الأعراف/196) وقال تعالى (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)(البقرة /257)

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "الله ولي الذين آمنوا"، نصيرهم

(1)

أخرجه الترمذى (2910)، وانظر صَحِيح الْجَامِع (6469)

(2)

مجموع الفتاوى (18/ 129). ولشيخ الإسلام رسالة مستقلة في شرح هذا الحديث بعنوان " الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان"، وهى متضمنة في مجموع الفتاوى (11/ 157)، وكذلك فقد ألَّف السيوطي رسالة بعنوان:"القول الجلي في حديث الولي"، وهي مطبوعة ضمن كتابه " الحاوي للفتاوي" للسيوطي (1/ 564). وكذلك قد أفرد الشوكانى شرح الحديث في رسالته " قطر الوليّ على حديث الوليّ ".

(3)

فتح الباري (11/ 346)

ص: 837

وظهيرهم، يتولاهم بعونه وتوفيقه.

(1)

وقد سمّى اللَّه - تعالى- نفسه بهذا الاسم، فهو من الأسماء الحسنى، قال اللَّه تعالى {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} (الشورى/28)

*وتأمل في هذه اللطيفة:

قوله (من عادى لي ولياً):

وإنما قال: «من عادى لي» ، ولم يقل:«وليا لي» ؛ تفخيماً لشأن العداوة؛ لأن في الأول إيذاناً بأن عداوة وليّ، كأنها عداوة الله تعالى، بخلاف الثاني.

(2)

قالَ عَبْدُ اللَّهِ بن الزبير رضى الله عنه:

لَمَّا وَقَفَ الزُّبَيْرُ يَوْمَ الجَمَلِ دَعَانِي، فَجَعَلَ يُوصِينِي بِدَيْنِهِ، وَيَقُولُ:

«يَا بُنَيِّ إِنْ عَجَزْتَ عَنْهُ فِي شَيْءٍ، فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَوْلَايَ» ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا دَرَيْتُ مَا أَرَادَ حَتَّى قُلْتُ: يَا أَبَةِ مَنْ مَوْلَاكَ؟ قَالَ: «اللَّهُ» ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا وَقَعْتُ فِي كُرْبَةٍ مِنْ دَيْنِهِ، إِلَّا قُلْتُ: يَا مَوْلَى الزُّبَيْرِ اقْضِ عَنْهُ دَيْنَهُ، فَيَقْضِيهِ.

(3)

وكما أن الله -تعالى - يتولى أولياءه كذلك فإن اللَّه عز وجل يتولاه عباده الصالحون بعبادته وطاعته والتقرب إليه بالقُربات، وفعل الطاعات وترك المنكرات.

* وقد وقع فى زماننا لغلط وخلط في اصطلاح " أولياء الله "، فصار هذا اللفظ يطلق على أناس من رؤوس البدع والضلال، يترك الواحد منهم الصلاة بالكلية بدعوى أنه قد وصل إلى درجة اليقين، الوارد فى قوله تعالى (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)) (الحجر/99)

(4)

والتى هى - على زعمهم- منتهى وغاية تحقيق العبادة، وبذلك يصير ولياً من

(1)

جامع البيان في تأويل القرآن (5/ 524)

(2)

فيض الباري على صحيح البخاري (6/ 270)

(3)

أخرجه البخاري (3129)

(4)

ومما يذكر عنهم فى قضية سقوط التكاليف وسقوط التعبدات أنَّ الإنسان منهم يترقَّى فى درجات الوصول، حتى إذا جاءه اليقين فقد سقطتْ عنه الشريعة؛ لأنَّ الصوفي عندهم يبدأ مُريداً، ثمَّ سالكاً، ثم واصلاً، والواصل: أي: الذي وصل إلى الحقيقة، وسقطت عنه التكاليف، وسقطت عنه التعبدات.

ص: 838

أولياء الله، الذين هم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون!!

حتى إذا مات هذا الولى المزعوم أُسس له الضريح وبنى على قبره القباب والمساجد، وتقرَّب الناس عنده بشتى العبادات التى لا تُصرف إلا لله تعالى.

(1)

وهذه من الموازين المختلة والمفاهيم الضالة التى عمت بها بلدان المسلمين و طمت،، وفتنت عوام الناس، وسفهاء الأحلام، و سخفاء العقول، فصاروا يعتقدون في الولى ما لا يُعتقد إلا فى الله تعالى، من أن الولي الفلاني يغيث المحتاجين ويفرِّج عن الملهوفين، ويكلم أصحابه ويستجيب لمريديه، ويتصرف في الأمور الدنيوية.

وما هذا إلا من الخرافات التي ملكت عقولهم الضعيفة، وخزعبلاتهم التي استولت على خيالاتهم الفاسدة.

وتزداد الفتنة عندما تجري على يد ذلك الولى حال حياته الخوارق الشيطانية، التى تكون قاصمة الظهر للعقول المريضة، فتتشرَّب الفتنة وتقع في شراكها.

* وهنا السؤال: من هو ولى الله تعالى؟

قد بيَّن الله- سبحانه وتعالى فى كتابه طرفاً من صفات أوليائه الصالحين، فقال تعالى (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)) (يونس/63)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

فكل من كان مؤمناً تقياً كان لله -تعالى- ولياً.

(2)

وقال تعالى {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} (الأعراف/169)

قال أبو العباس ابن تيمية:

إذا كان أولياء الله هم المؤمنون المتقون، فبحسب إيمان العبد وتقواه تكون ولايته لله تعالى، فمن كان أكمل إيماناً وتقوى، كان أكمل ولاية لله، فالناس متفاضلون في ولاية الله عز وجل، بحسب تفاضلهم في الإيمان والتقوى.

(3)

(1)

وللتوضيح نقول:

أن هذه الأعمال التى تقع عند الأضرحة محرمة بكل حال، وهى من الشرك والضلال، سواء فعلت عند ضريح رجل كان ولياً حقاً، أو كان غير ذلك، وإنما خرج الكلام أعلاه لبيان ما هو غالب في فعل كثير من العامة.

(2)

مجموع الفتاوى (25/ 316)

(3)

الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (ص/28)

ص: 839

وقال رحمه الله:

أولياء الله هم الذين آمنوا به ووالوه، فأحبوا ما يحب، وأبغضوا ما يبغض، ورضوا بما يرضى، وسخطوا بما يسخط، وأمروا بما يأمر، ونهوا عما نهى، وأعطوا لمن يحب أن يعطى، ومنعوا من يحب أن يمنع.

(1)

قال ابن حجر:

المراد بولي الله العالم بالله، المواظب على طاعته، المخلص في عبادته.

(2)

* فإنما يُعرف ولي الله - تعالى - بموافقته للكتاب والسنة اعتقاداً وعلماً وعملاً، حتى وإن جري على يديه ما جري من خوارق العادات فليست دالة على ولايته، إلا بعرض هديه وعمله على الوحيين، فإن كان على الجادة فلا شك إنها كرامة، وأما إن كان من أرباب البدع فلا يكون ما يجرى على يديه إلا رجساً من عمل الشيطان، من باب قوله تعالى {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ *

تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الشعراء: 221، 222].

(3)

قال يونس بن عبد الأعلى:

" يقول قال صاحبنا - يعني الليث بن سعد - لو رأيت صاحب بدعة يمشي على الماء ما قبلته، فقال الشافعي إنه ما قصَّر، لو رأيته يمشي على الهواء ما قبلته.

(4)

قال ابن كثير:

وقد استدل بعضهم على أن الخارق قد يكون على يدي غير الولي،

(1)

المصدر السابق (ص/8)

(2)

وانظرفتح الباري (11/ 342) والإتحافات السنية بالأحاديث القدسية (ص/179)

(3)

ومن هذه الأحوال الشيطانية ما ذكره أبو العباس ابن تيمية وقد سئل عن الحلاج- المقتول على الكفر والزندقة سنة 309 هـ- فبيَّن حاله وأحواله الشيطانية ثم قال:

" ومثل هذا يحدث كثيراً لغير الحلاج ممن له حال شيطاني، ونحن نعرف كثيراً من هؤلاء في زماننا وغير زماننا، مثل شخص هو الآن بدمشق كان الشيطان يحمله من جبل الصالحية إلى قرية حول دمشق، فيجئ من الهواء إلى طاقة البيت الذي فيه الناس فيدخل وهم يرونه، وهو من أفجر الناس. وآخر كان بالشويك من قرية يقال لها الشاهدة يطير في الهواء إلى رأس الجبل والناس يرونه، وكان شيطانه يحمله وكان يقطع الطريق، وأكثرهم شيوخ الشر وانظرجامع الرسائل (1/ 194)

(4)

تلبيس إبليس (ص/16)

ص: 840

بل قد يكون على يد الفاجر والكافر أيضاً بما ثبت عن ابن صياد أنه قال:

هو " الدخ "، وكان يملأ الطريق إذا غضب حتى ضربه عبد الله بن عمر، وبما ثبت به الأحاديث عن الدجال بما يكون على يديه من الخوارق الكثيرة:

من أنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، وأنه يقتل ذلك الشاب ثم يحييه.

(1)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

وتجد كثيراً من هؤلاء، عمدتهم في اعتقاد كونه ولياً لله تعالى، أنه قد صدر عنه بعض التصرفات الخارقة للعادة، مثل أن يشير إلى شخص فيموت، أويطير في الهواء إلى مكة، .. وليس في شيء من هذه الأمور ما يدل على أن صاحبها ولي الله، بل قد اتفق أولياء الله، على أن الرجل لو طار في الهواء، أو مشى على الماء، لم يغتر به حتى ينظر متابعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وموافقته لأمره ونهيه.

(2)

قال الشوكانى:

ولا يجوز للولي أن يعتقد في كل ما يقع له من الواقعات والمكاشفات أن ذلك كرامة من الله سبحانه، فقد يكون من تلبيس الشيطان ومكْرُه؛ بل الواجب عليه أن يعرض أقواله وأفعاله على الكتاب والسنة، فإن كانت موافقة لها فهي حق وصدق وكرامة من الله سبحانه. وإن كانت مخالفة لشيء من ذلك، فليعلم أنه مخدوع ممكور به قد طمع منه الشيطان فلَّبس عليه.

(3)

فمن اعتقد في بعض البُله أوالمولعين، مع تركه لمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله - أنه من أولياء الله، ويفضله على متبعي

طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو ضال مبتدع، مخطئ في اعتقاده.

فإن ذاك الأبله، إما أن يكون شيطاناً زنديقاً، أو مجنوناً معذوراً، فكيف

يفضل على من هو من أولياء الله، المتبعين لرسوله؟! أو يساوى به؟!

(4)

* الولاية عند الأشاعرة:

ذكر البيجورى فى حاشيته على الجوهرة أن

(1)

تفسير القرآن العظيم (1/ 140)

(2)

وانظر الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (ص/79) رسالة الشرك ومظاهره (ص/179)

(3)

قطر الولي على حديث الولي (ص/234)

(4)

شرح الطحاوية (ص/507)

ص: 841

الولاية على قسمين:

1 -

ولاية مكتسبة:

وهذه تحصل بامتثال الأوامرواجتناب النواهى، وهى الولاية العامة.

2 -

ولاية غير مكتسبة:

وهذه تتمثل فى العطايا الربانية، كالعلم اللدنى ورؤية اللوح المحفوظ.

(1)

* وهنا يقال:

أن ما نص عليه البيجوري فيما يعرف بالولاية غير المكتسبة، والتى تبنى على العلم اللدّني، فهذا مما لبَّس به الشيطان على أوليائه.

والعلم اللدنى:

هو تقديم الذوق على النصوص وتأويل النص ليوافق هذا الذوق.

وهو من مصادر التلقي عند الصوفية، ويعتبرونه علماً يأتي من لدّن الله عز وجل. وقد استندوا إلى قوله تعالى الله عن الخضرعليه السلام

(فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا)(الكهف/65)

ودعوى أن الانسان - من دون الأنبياء - قد يسمع في نفسه هاتفاً من الرب يحدَّثه، هذه دعوى مشهورة عند أرباب التصوف، وهذه أكثرها ما يكون من تلبيس الشيطان على الخلق، يتكلم في نفوسهم بكلام ويوهمهم بأنه كلام رب العالمين، فيغترون بذلك على سذاجتهم وقلة علمهم، ويطيعون ذلك الهاتف كأنه وحي من السماء، وإن حدَّثهم بما يخرق حدود الشرع.

* فإن قيل:

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد سئل:

هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس؟

فقال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في كتابه ".

(2)

* فجوابه:

أن المراد بقوله: " إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في كتابه ":

هوالعلم والفهم اللذان يحصلان للعبد من ثمرة العبودية والمتابعة، والصدق مع الله تعالى،

(1)

انظر حاشيته البيجوري على الجوهرة (ص/211)

(2)

أخرجه البخاري (6903) وأحمد (599)، وهذ لفظ أحمد.

ص: 842

والإخلاص له، وبذل الجهد في تلقي العلم من مشكاة رسوله صلى الله عليه وسلم. وكمال الانقياد له. فيفتح له من فهم الكتاب والسنة بأمر يخصه به.

فالبون شاسع والفرق واسع بين:

العلم اللدني الرحماني: هو ثمرة هذه الموافقة، والمحبة التي أوجبها التقرب بالنوافل بعد الفرائض.

واللدني الشيطاني: ثمرة الإعراض عن الوحي، وتحكيم الهوى والشيطان.

والله المستعان.

*الفائدة الثالثة: قوله: {من عادى لى وليًا} ، وفيها فائدتان:

1 -

الأولى:

أي: اتخذه عدوًا، ولا يكون هذا إلا أنه عادى الولى من أجل ولايته لله تعالى، فإنه يشير إلى الحذر من إيذاء قلوب أولياء الله عز وجل على الإطلاق، أما منازعة الوليّ في محاكمة أو خصومة راجعة لاستخراج حق أو كشف غامض فلا يدخل في هذا الوعيد.

فقد جرى نوع ما من الخصومة بين أبي بكر وعمر وبين عليّ والعباس وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين مع أن الكل أولياء الله تعالى.

(1)

2 -

الثانية:

وقد استشكل وجود أحد يعاديه ولي الله تعالى؛ لأن المعاداة إنما تقع من الجانبين، ومن شأن الولي الحلم والصفح عمن يجهل عليه؟!

وأجيب بأن المعاداة لم تنحصر في الخصومة والمعاملة الدنيوية مثلاً، بل قد تقع عن بغض ينشأ عن التعصب، كالرافضي في بغضه لأبي بكر رضى الله عنه، والمبتدع في بغضه السني، فتقع المعاداة من الجانبين:

أما من جانب الولي فلله تعالى وفي الله تعالى، وأما من جانب الآخر فلما تقدم وكذا الفاسق المتجاهر يبغضه الولي في الله تعالى، ويبغضه الآخر لإنكاره عليه وملازمته لنهيه عن شهواته. وقد تطلق المعاداة ويراد بها

(1)

وانظر الإفصاح عن معاني الصحاح (7/ 303) وقطر الولى على حدث الولى (ص/207) وشرح الأربعين لابن دقيق العيد (ص/101)

ص: 843

الوقوع في أحد الجانبين بالفعل ومن الآخر بالقوة.

(1)

*الفائدة الرابعة: عودٌ إلى حديث الباب: قوله عزوجل " فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ

"

وهذا الحديث مما ركن إليه أهل البدع من الحلولية والاتحادية فى فريتهم المشئومة بأن الله -تعالى- يحل في مخلوقاته ويتحد بهم، تعالى الله عمَّا يقول الظالمون علواً كبيراً.

* وتعتقد غلاة القبورية جهاراً دون إسرار، ولا حياء من العباد ولا من رب العباد أن الولي قد يصل إلى درجة، يصل إلى الله، تعالى - عن الأنداد - بحيث أن الله - تعالى - إنما يحل فيه فيكون الولي مظهراً من مظاهر الله تعالى، أو يكون الولي عين الله تعالى؛ فيكون يد الولي وسمعه وبصره - يد الله وسمعه وبصره؛ فحينئذ طلب المدد من الولي والاستغاثة به - في الحقيقة طلب من الله تعالى واستغاثة به.

وقد تشبثوا بحديث " من عادى لى ولياً " فى إثبات هذا الإلحاد والزندقة وجواز الاستغاثة بالأموات، وطلب الغوث والمدد منهم؛ بناءً على أن الولي قد صار هو عين الله، أو أن الله -تعالى -قد حلَّ في الولى.

(2)

* وهذه المسألة التى هى حلول الله واتحاده بخلقه، أو تجليه فى صورهم هى إحدى البدع الكفرية التى تظهر لنا ما وصل إليه غلاة الصوفية، لذا فقد حكم عليهم أهل الإسلام بالكفر والزندقة.

* وإليك طرفٌ من أقوالهم فى هذا الباب:

يقول ابن الفارض فى التائية:

ولي من أتم الرؤيتين إشارةٌ

تُنزّه عن دعوى الحلول عقيدتي

وفي الذكر ذكر اللبْس ليس بمنكر

ولم أعدْ عن حكمى كتاب ولا سنة

(1)

انظر فتح الباري (11/ 342) والسراج المنير شرح الجامع الصغير (1/ 371)

(2)

جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (3/ 1314)

ص: 844

* والمعنى العام:

أن ابن الفارض يزعم أن الله - تعالى - لا يحل ولا يتحد فى شيء من خلقه، وإنما هو يتجلى فى صور خلقه، ثم يقول:

" وفي الذكر ذكر اللبْس ليس بمنكر

":

أى: أن القول ذلك التجلى في بعض صور خلقه ليس بالقول المنكر، بل إن الذكر -أى القرآن- ما يؤيد ذلك " وهو يقصد أن الله -تعالى - قد تجلى لموسي عليه السلام فى صورة النار التى رآها، وكذلك فى الشجرة التى قالت * إننى أنا الله.... *!!!

يقول سعيد الفرغاني -وهو من أكابر أتباعهم- في شرحه على التائية:

"وتنزه تلك الإشارة عقيدتي عن رأي الحلول، فإنه لما جاز ووقع أن يكون لملك مخلوق قدرة التلبس بأي صورة شاء، بلا معنى الحلول فيه، يصح أن يتلبس الحق تعالى بصورتي بفناء أنانيتى بالكلية، وإن تعللتَ بعدم جواز تلبسه بالصورة، وعللتَ بتنزيهه عن ذلك التلبس، منعناك، ورددنا تعليلك بالكتاب والسنة.

(1)

* وقرين ابن الفارض فى هذا الدرب هو ابن عربي النكرة، له مصنف " فصوص الحكم "، التى قال عنها الذهبى:

" ومن أردإ تواليفه كتاب (الفصوص)، فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفر!!! نسأل الله العفو والنجاة.

(2)

ومن قبيح ما قاله ابن عربي فى " الفصوص ":

: "العارف من يرى الحق في كل شيء، بل يراه عين كل شيء"، ويقول:"فيحمدني واحمده.. ويعبدني واعبده".

(3)

(1)

وانظر "تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي"(1/ 82)، وهو من الكتب التي فضحت وكشفت ضلالات ابن عربي وبيّنت عواره، صنفه برهان الدين البقاعي المتوفَّى سنة 885 هـ، وقد طبع في ذيلها " وتحذير العباد من أهل العناد ببدعة الاتحاد "، في بيان أقوال العلماء في تكفير ابن الفارض " بتحقيق تلميذ الصوفية (سابقاً) الشيخ عبد الرحمن الوكيل.

وقد الفت رسائل عديدة في ذم ابن عربي منها:

والقول المنبي عن ترجمة ابن عربي للسخاوي، وتسفيه المنبي في تنزيه ابن عربي للحلبي. وغير ذلك من الكتب والرسائل.

(2)

سير أعلام النبلاء (23/ 48)

(3)

وانظر فصوص الحكم، شرح القاشاني (ص/85) وشرح القيصري (2/: 385)

ص: 845

* وله أبيات يقول فيها:

لقد صارَ قلبي قابلاً كلَ صُورةٍ.. فمرعىً لغزلانٍ ودَيرٌ لرُهبَانِ

وبيتٌ لأوثانٍ وكعبةُ طائفٍ.. وألواحُ توراةٍ ومصحفُ قرآن

أدينُ بدينِ الحبِ أنّى توجّهتْ.. ركائبهُ، فالحبُّ ديني وإيمَاني.

(1)

قال أبو زرعة العراقي:

لا شك في اشتمال" الفصوص" المشهورة على الكفر الصريح الذي لا شك فيه، وكذلك " فتوحاته المكية "، فإن صحّ صدور ذلك عنه، واستمر عليه إلى وفاته: فهو كافر مخلد في النار بلا شك.

(2)

قال على القارى:

قول ابن عربى فى" الفتوحات": سبحان من أوجد الأشياء، وهو عينها، هو كفر صريح، ليس له تأويل صريح.

(3)

قال ابن حجر:

ذُكِر لمولانا شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني، شيئ من كلام ابن عربي المشكل، فقال شيخنا البلقيني: هو كافر.

(4)

(1)

ترجمان الأشواق (ص/62)

ويقول فريد الزاهي: ويفهم ابن عربي في هذا السياق الآية (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) باعتبارها حكماً مطلقاً.

فكل عابد لله لا يعبده إلا في الحقيقة وهو يعتقد فيه في الصورة التي تجلَّى له بها باعتبارها ألوهة، ومن ثم فهو يعبد اعتقاده الألوهي في تلك الصورة. (نقلاً من مقال " ابن عربي: الصورة والآخر ")

(2)

عقيدة ابن عربي وحياته " لتقي الدين الفاسي (ص 15، 16).

(3)

إبطال القول بوحدة الوجود (ص/102)

وأما كتاب " الفتوحات المكية" أو، " الفتوحات الهلكية " كما يسمِّيه البلقيني، فيقول الشيخ علي الطنطاوي (فتاواه ص 79 ط: دار المنار، جدة):

وأنا استغفر الله على ما انفقت من عمري في قراءة هذه الضلالات.

(4)

وممن كفّر ابن عربي بعينه:

الإمام شهاب الدين أحمد بن يحي التلمساني الحنفي والإمام سيف الدين عبد اللطيف بن بلبان السعودي، وابن الجزري والإمام بركة الإسلام قطب الدين ابن العسقلاني.

وقال عنه زين الدين العراقى:

: " كلامه مسموم، ظاهره القول بوحدة الوجود المطلقة، وأن جميع مخلوقاته هي عينه! وقائل ذلك والمعتقد له كافرٌ بإجماع العلماء ".

وانظر تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي (1/ 66) والعلم الشامخ في إيثار الحق على الأباء والمشايخ (ص/403) و" عقيدة ابن عربي وحياته " لتقي الدين الفاسي (ص /39)

* لطيفة:

ومما يستأنس به في بيان ضلال ابن عربي ما حكاه تقى الدين الفاسي فى قوله:

سمعت صاحبنا الحافظ أحمد بن حجر يقول:

جرى بيني وبين بعض المحبين لابن عربي منازعة في أمر ابن عربي، حتى نلت منه لسوء مقالته، فهددني ذلك الرجل بالشكوى إلى السلطان بمصر، بأمر غير الذي تنازعنا فيه، فقلت له:

ما للسلطان في هذا مدخل! ألا تعال نتباهل، فقل أن تباهل اثنان، فكان أحدهما كاذباً إلا وأصيب، فقلت له: قل: اللهم إن كان ابن عربي على ضلال فالعني بلعنتك، فقال ذلك، وقلت أنا:

اللهم إن كان ابن عربي على هدى فالعني بلعنتك، وافترقنا، قال: ثم اجتمعنا في بعض متنزهات مصر في ليلة مقمرة، فقال لنا: مرّ على رجلي شيء ناعم، فانظروا فنظرنا فقلنا: ما رأينا شيئاً، قال: ثم التمس بصره، فلم يرَ شيئاً، أي أصابه الله بالعمى، وما أصبح إلا ميتاً.

وانظرغاية الأماني في الرد على النبهاني (2/ 454) و"عقيدة ابن عربي وحياته "(ص/75) وإبطال القول بوحدة الوجود (ص/162).

ص: 846

قال شرف الدين إسماعيل بن أبي بكر المقري:

تجاسر فيه ابن العربي واجترا

على الله فيما قال كل المتجاسر

فقال بأنَّ الرب والعبد واحد

فربي مربوب بغير تغاير

وأنكر تكليفاً، إذ العبد عنده

إله وعبد، فهو إنكار فاجر

وقال: تجلى الحق في كل صورة

تجلى عليها، فهي إحدى المظاهر.

(1)

*وممن يلهث فى سلك هؤلاء، وينعق على دربهم: حسين بن منصور الحلَّاج:

قال ابن العربي المالكي:

أجمع فقهاء بغداد على قتل الحلاّج وصلبه لدعواه الإلوهية والقول بالحلول، ولم يقبلوا توبته.

(2)

قال أبو العباس ابن تيمية:

صاحب هذا الكتاب المذكور الذي هو فصوص الحكم وأمثاله، مثل صاحبه القونوي والتلمساني وابن سبعين والششتري وابن الفارض وأتباعهم؛ مذهبهم الذي هم عليه:

أن الوجود واحد؛ ويسمُّون أهل وحدة الوجود ويدَّعون التحقيق والعرفان، وهم يجعلون وجود الخالق عين وجود المخلوقات،

(1)

وتقع هذه القصيدة في ستة وسبعين بيتاً، نقلها المقبلي في كتابه:" العلم الشامخ "(ص/504).

(2)

وانظر الشفا (2/ 632) وشرح الشفا للملا على القاري (ص/534)

ص: 847

فكل ما يتصف به المخلوقات من حسن وقبيح ومدح وذم إنما المتصف به عندهم: عين الخالق، وليس للخالق عندهم وجود مباين لوجود المخلوقات منفصل عنها أصلاً؛ بل عندهم ما ثم غير أصلًا للخالق ولا سواه. ومن كلماتهم:" ليس إلا الله ".

(1)

*تنبيه:

مما نشير إليه هنا أن التكلف الباطل فى توجيه كلام هؤلاء الضآلين وحمله على المحامل الحسنة ما هو إلا نوع من التلبيس والتضليل، وتسمية الأشياء بغير اسمها.

فقد وقفت على طرف من ذلك لما طالعت بعض شروحات على " فصوص ابن عربى "، أمثال:" حل كلمات الفصوص " لعبد الغنى المقدسي، وشرح القاشانى على الفصوص، وكذلك شرح عبدالرحمن المصطاوى لديوان "ترجمان الأشواق" لابن عربي، فتراهم يأتون على ألفاظ هى من الضلال البيِّن و الكفر الصريح فيتأولونها بما يوافق الهوى.

حتى أن أحدهم وهو يبرر ما نطق به النكرة ابن عربي من الكفريات يقول:

والذى دعاهم لتكفير ابن عربي الذي حين قال وهو ينفض جُبّته:

" ما في الجُبّة إلا الله "، لأنهم ظنوه يصف نفسه بالألوهية، وما كان يقصد سوى أنه لا حقيقة إلا الله الموجود في كل شيء، وما عداه لا شيء!

(2)

وأمثلة ذلك كثيرة لمن طالع كتب القوم، ومن ذلك شرح القيصري على التائية (1/ 72) والمحب المحبوب شرح التائية للكتانى (ص/80)

* نقول:

ولكنَّ الأمر ما قاله الفاسى، وصدق رحمه الله:

" وبعض المثنين علي ابن عربي يعرفون ما في كلامه من المنكرات، ولكنهم يزعمون أن لها تأويلات، وحملهم على ذلك كونهم تابعين لابن عربي في طريقته، فثناؤهم على ابن عربي مطروح لتزكيتهم معتقدهم"

(3)

.

(1)

مجموع الفتاوى (2/ 123)

(2)

من مقال " لماذا توقفنا عن استخدام عقلنا؟! " للكاتب أسامة الشاذلى من موقع " الميزان ".

(3)

" عقيدة ابن عربي وحياته " لتقي الدين الفاسي (ص /39)

ص: 848

وكذلك يقول الذهبى عن ابن عربي:

وقد عظَّمه جماعة وتكلفوا لما صدر منه ببعيد الاحتمالات، ولا ريب أن كثيراً من عباراته له تأويل إلا كتاب (الفصوص).

(1)

وقد بيَّن الذهبي حقيقة الذين تابوا من أهل الانصاف منهم فقال:

ولقد اجتمعتُ بغير واحد ممن كان يقول بوحدة الوجود ثم رجع وجدَّد إسلامه، وبيَّنوا لي مقالة هؤلاء أن الوجود هو الله تعالى، وأنه تعالى يظهر في الصور المليحة والأشياء البديعة.

(2)

عَودٌ إلى المقصود:

فترى هؤلاء المأفونين يدينون بعقيدة " وحدة الوجود "، وأن جميع ما في هذا الكون شيء واحد في الحقيقة، وإنما الفرق في الأحكام والآثار، وأن الخالق والمخلوق شيء واحد في الحقيقة، فما ثَم إلا هو، وإنما الفرق بالاعتبار لا بالحقيقة.

بل ويعدُّون أن التوحيد هو الاعتقاد بوحدة الوجود، فالموحد عند الصوفية الوجودية الاتحادية هو المعتقد لذلك.

وإن تعجب فعجب قولهم؛ أنهم لا يتحركون إلا بأثر!!

وهذا معنى كلام ابن الفارض في التائية: " ولم أعدْ عن حكمى كتاب، ولا سنة "

(3)

*ومما يستدلون به:

أن موسى عليه السلام لما رأى ناراً وجاءها سمع قول الله (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12))، فظهر الله -تعالى - لموسى في صورة النار!!! وكذلك ظهر له فى صورة الشجرة!!

* ومما استدلوا به من السنة على زعمهم الباطل:

حديث الباب؛ وذلك فى قول الله تعالى: " فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، ....)

(1)

سير أعلام النبلاء (23/ 48)

(2)

وانظر تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام (15/ 347) وتنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي ((1/ 181))

(3)

وانظر شرح القيصري على التائية (1/ 72) والمحب المحبوب شرح التائية للكتانى (ص/80)

ص: 849

فقد قال ابن عربي تشبثاً بهذا الحديث بعد تحريفه:

" أخبر محمد صلى الله عليه وسلم عن الحق تعالى: (بأنه عين السمع، والبصر، واليد، والرجل، واللسان، أي هو عين الحواس)!!!

(1)

.

وها هو سمع بل لسان أجل بدا

لنا هكذا بالنقل أخبر شارع

فعم قوانا والجوارح كونه

لساناً وسمعاً، ثم رجلاً تسارع.

(2)

وتراهم يزعمون أن الولي إذا صار سمع الله وبصره ويده تسلب عنه قواه البشرية، ويعطى القوة الربوبية والألوهية، فيستحق العبادة، ولا سيما الاستغاثة به، فإنه هو الله، أو حل فيه الله!!

قال سليمان الطوفى:

والاتحادية زعموا أن قوله " كنت سمعه

" على حقيقته، وأن الحق عين العبد، واحتجوا بمجيء جبريل في صورة دحية، قالوا فهو روحاني خلع صورته وظهر بمظهر البشر، قالوا فالله أقدر على أن يظهر في صورة الوجود الكلي أو بعضه، تعالى الله عمَّا يقول الظالمون علواً كبيراً.

(3)

*نقول:

ولا شك أن حمل حديث الباب على هذه التأويلات الباطلة قد أوقعت فئاماً من هؤلاء المتجرئين في هذه البدعة الكفرية، بدعة الحلول والاتحاد.

والاتحادية يزعمون أن قرب النوافل: يوجب أن يكون عين الحق عين أعضائه وأن قرب الفرائض: يوجب أن يكون الحق عين وجوده كله وهذا فاسد من وجوه كثيرة بل كفر صريح.

(4)

وإنما المقدَّم فى تأويل حديث الباب أن العبد لا يزال يرتقى فى مقامات العبودية

(1)

وانظرشرح فصوص الحكم للتلمسانى (ص/70) ولواقح الأنوار للشعرانى (ص/7) والقول المنبي عن ترجمه ابن عربي للسخاوي (ص/70)

(2)

المعارف الغيبية فى شرح قصيدة النادرات العينية (ص/27)

(3)

وانظرالتعيين في شرح الأربعين (ص/320) وفتح الباري شرح صحيح البخاري (11/ 344)

(4)

مجموع الفتاوى (2/ 225) وللاطلاع على شرح قيم لهذا الحديث يُراجع (2/ 273 - 275) من نفس المصدر.

ص: 850

بأداء الفرائض، ويتزلف لرب البرية بالسنن والنوافل حتى يفتح عليه بالتوفيق والتسديد، فيكون عبداً موفقاً فى سمعه وبصره ولسانه، فلا يسمع ولا يبصر ولا يتكلم ولا يخطو خطوة إلا فيما يكون موافقاً لمرضاة الله عزوجل.

قال أبو العباس ابن تيمية:

فالملاحدة والاتحادية يحتجون به على قولهم لقوله: " كنت سمعه وبصره ويده ورجله "، والحديث حجة عليهم من وجوه كثيرة:

- منها قوله: {من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة} ، فأثبت معادياً محارباً وولياً غير المعادي، وأثبت لنفسه سبحانه هذا وهذا.

ومنها قوله: {وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه} فأثبت عبداً متقرباً إلى ربه، ورباً افترض عليه فرائض.

ومنها قوله: {ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه} فأثبت متقرباً ومتقرباً إليه، ومحباً ومحبوباً غيره. وهذا كله ينقض قولهم: الوجود واحد.

(1)

وقال رحمه الله:

والحديث حق كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن ولي الله لكمال محبته لله وطاعته لله يبقى إدراكه لله وبالله و عمله لله وبالله؛ فما يسمعه مما يحبه الحق أحبه، وما يسمعه مما يبغضه الحق أبغضه، وما يراه مما يحبه الحق أحبه، وما يراه مما يبغضه الحق أبغضه؛ ويبقى في سمعه وبصره من النور ما يميز به بين الحق والباطل.

(2)

وقال رحمه الله:

وفي رواية في غيرالصحيح: {فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي}

(3)

.

(1)

مجموع الفتاوى (2/ 371)

(2)

المصدر السابق (2/ 373)

(3)

تنبيه مهم:

رواية " فبي يسمع وبي يبصر

" فقد أوردها ابن حجر في الفتح (11/ 344) نقلاً عن الطوفي، ولم يعزها إلى أي مصدر.

وقد ذكرها الحكيم الترمذى فى " نوادر الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم"(1/ 265) دون سند.

ولما ذكر الذهبي ترجمة " إسماعيل بن عز القضاة "، قال: وكان شيخنا ابن تيمية يعظِّمه ويبالغ، حتى وقف على أبيات له أولها:

وحياتكم ما إن أرى لكم سوى

إذ أنتم عين الجوارح والقوى

فتألم له، وقال: هذا الشعر عين الاتحاد.

قلت: إنما أراد أن ينظم قوله عليه السلام: «فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به» . الحديث. فقال: سياق الحديث يدل على بطلان هذا. وهو قوله: فبي يسمع وبي يرى، وما في الحديث أن الباري تعالى يكون عين الجوارح، تعالى الله عن ذلك.

قلت (أى الذهبى): لم أجد هذه اللفظة «فبي يسمع، وبي يبصر» إلخ. . (تاريخ الإسلام (51/ 361))

قال الشيخ الألباني (الصحيحة 4/ 191)"ولم أر هذه الزيادة عند البخاري ولا عند غيره ممن ذكرنا من المخرجين"

وقد حكم الشيخ عبد العزيز الجليل بضعفها في تحقيقه لمدارج السالكين (2/ 61).

ص: 851

فقوله:

" بي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي " بين معنى قوله: {كنت سمعه وبصره ويده ورجله} ، لا أنه يكون نفس الحدقة والشحمة والعصب والقدم وإنما يبقى هو المقصود بهذه الأعضاء والقوى وهو بمنزلتها في ذلك.

(1)

قال ابن حجر:

ولا متمسك للاتحادية ولا القائلين بالوحدة المطلقة؛ لقوله في بقية الحديث " ولئن سألني، ولئن استعاذني.... "، فإنه كالصريح في الرد عليهم.

(2)

قال الشيخ ابن العثيمين:

فلو قال قائل:

ظاهر الحديث أن الله -تعالى- يكون سمع الإنسان وبصره ويده ورجله، فلماذا تؤولون هذا الحديث وتقولون:" إن المراد أن الله يسدد هذا الرجل في سمعه وبصره ومشيه وبطشه "؟

*فالجواب أن نقول:

لأن عندنا دليلاً يدل على ذلك، وهو قول الله عز وجل في الحديث القدسي:

(وما تقرب إلىَّ عبدي

فهنا يوجد عابد ومعبود، ويوجد متقرب ومتقرب إليه (ما تقرَّب إلي عبدي)، ويوجد فارض ومفروض عليه (مما افترضت عليه) وفيه أيضا سائل ومسئول، ومعطي ومعطى، ومستعيذ ومستعاذ به، في قوله:

(ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه).

وكل هذا يدل على التباين بين هذا

(1)

مجموع الفتاوى (2/ 390)

(2)

فتح الباري شرح صحيح البخاري (11/ 345)

ص: 852