الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
أن يكون العمل الذي وقع فيه الرياء يرتبط آخره بأوله، كالصلاة أو الصيام أو الحج، وفي ذلك اختلاف بين العلماء من السلف، قد حكاه الإمام أحمد، وابن جرير الطبريّ، والراجح-والله أعلم-هو بطلان تلك العبادة.
وذلك مثل الصلاة; فالصلاة مثلاً لا يمكن أن يفسد آخرها ولا يفسد أولها، فمن قام يصلّي ثم طرأ عليه طارئ الرياء فاسترسل معه ولم يدافعه فحينئذ تبطل الصلاة كلها.
(1)
3 -
أن يكون الرياء تابعاً لا أصلاً، بحيث أنه لو خلا دون رؤية الناس لفعل، ولكنه برؤيتهم يزداد. قال الغزالي:
أن تكون العبادة باعثة مستقلة، لو خلا بنفسه لفعل، ولكن زاده رؤية غيره ومشاهدته نشاطاً، وخفَّ عليه العمل بسببه، فأرجو ألَّا يُحبِط ذلك القدر عمله، بل تصح عبادته ويثاب عليها، ويُعاقَب على قصد الرياء، أو ينقص من ثوابه.
(2)
*
أمور ليست من الرياء:
1 -
زيادة الطاعات برفقة الصالحين:
لا شك أن الشرع قد حث على لزوم الجماعة، وأخبر أن الشيطان إلى الواحد أقرب.
فقد قال تعالى (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُم)(الكهف: 28)
لذا فالمرء إذا رافق الصالحين فزاد من طاعته معهم ما لم يكن من دأبه الأول فليس هذا من الرياء في شيء.
قال ابن الجوزي:
قد يبيت الرجل مع المتهجدين، فيصلُّون أكثر الليل، وعادته قيام ساعة، فيوافقهم، ولولاهم ما انبعث هذا النشاط، فربما ظن ظان أن هذا رياء، وليس كذلك على الإطلاق؛ فكل مؤمن يرغب في عبادة الله تعالى، ولكن تعوقة العوائق،
(1)
وانظر جامع العلوم والحكم (1/ 83) و الفتح المبين بشرح الأربعين (ص/134) والقول المفيد شرح كتاب التوحيد (1/ 147)
(2)
وانظر الأربعين في أصول الدين (ص/308)
وتستهويه الغفلة، فربما كانت مشاهدة الغير سبباً في زوال الغفلة واندفاع العوائق، فإن الإنسان إذا كان في منزله تمكَّن من على فراش وثير، وتمتع بزوجته، فإذا بات في مكان غريب اندفعت هذه الشواغل، وحصلت له أسباب تبعث على الخير، منها مشاهدة العابدين، وهي موجبة لتحرك داعية الدين، وربما صعب عليه النوم لتغيير مكانه، فاغتنم زوال النوم، وقد يعسر عليه الصوم في منزله لكثرة المطاعم الشهية في منزله، فإذا لم يجدها في غيره لم يشق عليه الصوم، وفي مثل هذه الأحوال ينتدب الشيطان للصد عن الطاعة.
(1)
2 -
ترك العمل لأجل الناس رياء:
وأما ترك بعض الأعمال الصالحة من باب مخافة الرياء فهو من تلبيس الشيطان، وهو حِبالة من حِبالات إبليس، وقد عدَّه أهل العلم من الرياء.
قال محمد بن عبد ربه،: سمعت الفضيل بن عياض يقول:
ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما "
(2)
والوجهة في ذلك أن من عزم على عبادة الله - تعالى - ثم تركها مخافة أن يطَّلع الناس عليه فهو مراءٍ؛ حاله في ذلك كحال من فعل الطاعة رياءٍ؛ والجامع بين الأمرين هو جعل نظر الناس مؤثراً إقداماً وإحجاماً، ولأنه لو كان عمله لله - تعالى- لم يضره إطلاع الناس عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
ومن كان له ورد مشروع من صلاة الضحى أو قيام ليل أو غير ذلك فإنه يصلِّيه حيث كان، ولا ينبغي له أن يدع ورده المشروع لأجل كونه بين الناس، إذا علم الله -تعالى- من قلبه أنه يفعله سرًا لله مع اجتهاده في سلامته من الرياء ومفسدات الإخلاص؛ ولهذا قال الفضيل بن عياض:
ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس شرك.
(3)
(1)
منهاج القاصدين (ص/862)
(2)
شعب الإيمان (9/ 184)
(3)
مجموع الفتاوى (23/ 174)
قال ابن حزم:
لإبليس في ذم الرياء حبالة، وذلك أنه رب ممتنع من فعل خير مخافة أن يظن به الرياء، فإذا أطرقك منه هذا فامض على فعلك، فهو شديد الألم عليه.
(1)
قال النووي:
من عزم على عبادة، وتركها مخافة أن يراه الناس فهو مراءٍ؛ لأنَّه ترك العمل لأجل الناس.
(2)
*ولقد سار الناس في هذا الدرب بين مسلكين:
أ) بين مُسرفٍ قد علَّق قلبه بمدح الناس أو ذمهم، فلم يكن له في الآخرة من عمله نصيب.
ب) وبين تاركٍ للعبادة خشية الرياء والسمعة.
وقد تمادى أصحاب المسلك الثاني حتى قصدوا ذمّ الناس ولومهم، ففعلوا ما يلامون عليه، وسموا بـ (الملامية)، أرادوا بذلك مقابلة أهل الرياء والسمعة.
والحق وسط بين الأمرين:
بين الإخلاص في الطاعة، والحث على الإكثار من العمل الصالح، فالإخلاص هو حقيقة الدين ومفتاح دعوة الرسل قال تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} .
3 -
ليس كل إظهارٍ للعمل رياءً:
إذا كان الشرع قد حث على إخفاء الأعمال الصالحة؛ وذلك لغلق الباب على النفس من دواعي الرياء والسمعة، وتحقيقاً لإخلاص القلب، ولكن قد تكون المصلحة فى إظهار العمل راجحة على مصلحة الإخفاء، كأن يكون في الإظهار مصلحة الإقتداء أو التعليم، أو الحث على المسارعة في الخيرات.
* ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم لما صلَّى على المنبر أمام الناس:
" فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ،
(1)
الأخلاق والسير في مداواة النفوس (ص/80) والحِبَالَةُ: المصيدة، أداة مصنوعة من حبال يُؤخذ بها الصَّيد.
(2)
شرح الأربعين (ص/9)
إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا، وَلِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي».
(1)
* وفي حديث جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رضى الله عنه- لما دعا الرسول صلى الله عليه وسلم الناس إلى الصدقة جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يتصدقُ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ، حَتَّى تجمع كَوْمَانِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
" مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ ".
(2)
* وعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضى الله عنهما- عَلَى جَنَازَةٍ، فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وجهر حتى أسمعنا، فَقَالَ:«ليعلموا أِنَّهَا مِنَ السُّنَّةِ» .
(3)
قال ابن قدامة:
في إسرار الأعمال فائدة للإخلاص والنجاة من الرياء، وفي الإظهار فائدة الاقتداء، وترغيب الناس في الخير، والمظهر للعمل ينبغي أن يراقب قلبه، حتى لا يكون فيه حب الرياء الخفي، بل ينوي الاقتداء به، ولا ينبغي للضعيف أن يخدع نفسه بذلك.
فإن مثال الضعيف مثل الغريق الذي يحسن سباحة ضعيفة، فنظر إلى جماعة من الغرقى فرحمهم، وأقبل عليهم حتى تشبثوا به، فهلكوا وهلك معهم.
فأما من قوى وتم إخلاصه، وصغر الناس في عينه، واستوى عنده مدحهم وذمهم، فلا بأس بالإظهار له؛ لأن الترغيب في الخير خير.
(4)
قال ابن حجر:
قد يستحب إظهاره -يعني العمل- ممن يقتدى به على إرادته الاقتداء به، ويقدر ذلك بقدر الحاجة، قال ابن عبد السلام: يستثنى من استحباب إخفاء العمل من يظهره ليقتدى به أو لينتفع به، ككتابة العلم،
(1)
متفق عليه.
(2)
أخرجه مسلم (1017)
(3)
أخرجه البخاري (1335) وأبو داود (3198)
(4)
مختصر المنهاج (ص/260)
وقال الطبري: "كان ابن عمر وابن مسعود وجماعة من السلف يتهجدون في مساجدهم ويتظاهرون بمحاسن أعمالهم ليقتدى بهم، قال فمن كان إماماً يستن بعمله عالماً بما لله -تعالى- عليه قاهراً لشيطانه استوى ما ظهر من عمله وما خفي لصحة قصده، ومن كان بخلاف ذلك فالإخفاء في حقه أفضل، وعلى ذلك جرى عمل السلف.
(1)
4 -
الفرح بالثناء ليس من أبواب الرياء:
والمعنى أن المرء إذا عمل العمل لله -تعالى- خالصاً، ثم ألقى الله -عزوجل- له الثناء الحسن بين المؤمنين، فأثنوا عليه خيراً، ففرح واستبشر لم يضرّه ذلك.
وفي هذا المعنى قد ورد في حديث أبي ذرّ-رضى الله عنه- عن النبيّ صلى الله عليه وسلم -أنه سئل: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ، وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ؟
قَالَ: «تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ» .
(2)
والمعنى أن هذه هي البشرى المعجلة له بالخير، وهي دليل البشرى المؤخَرة إلى الآخرة بقوله تعالى (بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) (الحديد: 12)
وهذه البشرى المعجلة دليل على رضا الله - تعالى- عنه ومحبته له فيحببه إلى الخلق.
قال ابن حزم:
لولا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثناء الحسن (ذلك عاجل بشرى المؤمن) لوجب أن يرغب العاقل في الذم بالباطل أكثر من رغبته في المدح بالحق، ولكن إذ جاء هذا القول فإنما تكون البشرى بالحق لا بالباطل، فإنما تجب البشرى بما في الممدوح لا بنفس المدح.
(3)
قال ابن حجر الهيتمي:
لو تمَّ عمله خالصاً فأُثني عليه ففرح لم يضر؛ لخبر مسلم: "تلك عاجل بشرى المسلم".
(4)
(1)
فتح الباري ((11/ 470)
(2)
أخرجه مسلم (2642)
(3)
الأخلاق والسير في مداواة النفوس (ص/81)
(4)
الفتح المبين بشرح الأربعين (ص/134)
وهو في ذلك لا يسعى لسماع مدح من أحد، بل قد جاء الأمر وفاقاً لا قصداً، فقد استوى عنده لإخلاصه مدح الناس وذمهم.
قال ابن القيم:
متى استقرت قدم العبد في منزلة الإخبات وتمكَّن فيها ارتفعت همته، وعلت نفسه عن خطفات المدح والذم، فلا يفرح بمدح الناس ولا يحزن لذمهم، هذا وصف من خرج عن حظ نفسه، وتأهل للفناء في عبودية ربه، وباشر حلاوة الإيمان واليقين قلبه.
(1)
5 -
ليس رياءً خلط نية الطاعات بالمباحات:
وصورة المسألة فيمن تقرَّب بقربة ينوي فيها العبادة وأمراً آخر مباحاً، كمن صام بقصد التعبد لله - تعالى - والتداوي بالصوم، ومن توضأ لرفع الحدث والطهارة والتبرد به، فجمهور العلماء على جواز ذلك؛ وذلك لأن الغرض المباح لا يُنافي العبادة، وإن كان ينقص من أجرها.
فمن نوى نية دنيوية بعمل صالح لم يكن هذا قادحاً في أصل إخلاصه؛ فلا بد أن نفرق هنا بين الشرك الذي هو صرف العمل لغير الله تعالى، وبين التشريك في النية، وهو أن يجمع بين نية التعبد لله تعالى، وما أذن الشارع في قصده وطلبه من أمور الدنيا.
* ونذكر من أدلة ذلك:
1 -
قال تعالى بعد ذكره لآيات الحج: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198].
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما:
كَانَ ذُو المَجَازِ، وَعُكَاظٌ مَتْجَرَ النَّاسِ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلَامُ كَأَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ، حَتَّى نَزَلَتْ:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] فِي مَوَاسِمِ الحَجِّ ".
(2)
(1)
مدارج السالكين (2/ 8)
(2)
اخرجه البخاري (1770) باب التجارة أيام الموسم، والبيع في أسواق الجاهلية.
قوله: (في مواسم الحج) هذه الجملة ليست من القراءة المتواترة، بل هي قراءة ابن عباس رضي الله عنهما، وهي تفسير منه للآية، والله أعلم.
وعن أَبي أُمَامَةَ التَّيْمِيُّ قَالَ:
كُنْتُ رَجُلًا أُكَرِّي، وَكَانَ نَاسٌ يَقُولُونَ لِي إِنَّهُ لَيْسَ لَكَ حَجٌّ، فَلَقِيتُ ابْنَ عُمَرَ -رضى الله عنهما-فَقلت له:
يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنِّي رَجُلٌ أُكَرِّي فِي هَذَا الْوَجْهِ وَإِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ لِي: إِنَّهُ لَيْسَ لَكَ حَجٌّ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضى الله عنهما:
أَلَيْسَ تُحْرِمُ وَتُلَبِّي وَتَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَتُفِيضُ مِنْ عَرَفَاتٍ وَتَرْمِي الْجِمَارَ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، قَالَ:
فَإِنَّ لَكَ حَجًّا، جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَنْ مِثْلِ مَا سَأَلْتَنِي عَنْهُ، فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُجِبْهُ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198]
فأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَرَأَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ، وَقَالَ:«لَكَ حَجٌّ» .
(1)
*2 - وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:
«مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ»
(2)
فقد حث الشارع على الجهاد في سبيل الله -تعالى- وحفَّز على ذلك بجعل سلب المقتول غنيمة خالصة لمن قتله، لذا فقد كان مالك يكره أن يقول الإمام قبل القتال:" من قتل قتيلًا فله سلبه "، لئلا يُفسد نيَّات المجاهدين، كما حكاه القرطبي، ولكنَّ الجمهور على خلافه، وظاهر النص معهم.
(3)
*3 - وعن أنس بن مالك -رضى الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» .
(4)
وهذان نفعان دنيويان: السعة في الرزق، وإطالة العمر، أو طيب الذكر بعد الموت، على معنيين عند أهل العلم، فمن وَصَل رَحِمَه مستحضِراً الثواب عند الله تعالى، ومستحضِراً هاتين الثمرتين اللتين نصَّ عليهما النبي صلى الله عليه وسلم فلا حرج عليه، ولا وِزْرَ عليه.
(1)
أخرجه أبوداود (1733)، وصححه الألباني، وانظرالاستيعاب في بيان الأسباب (1/ 136)
(2)
متفق عليه.
(3)
وانظرفتح الباري (6/ 345) والتوضيح لشرح الجامع الصحيح (18/ 512)
(4)
متفق عليه.
4 -
عن عبد الله بن مسعود-رضى الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1)
فأباح الشارع فعل طاعة عظيمة وهى الصوم بقصد قطع شهوة الشاب.
قال القرافي:
الفرق بين قاعدة الرياء في العبادات وبين قاعدة التشريك في العبادات:
من حيث إن التشريك فيها لا يحرم بالإجماع، بخلاف الرياء فيها فيحرم، هو أن التشريك فيها لما
كان بما جعله الله -تعالى- للمكلف في هذه العبادة، كمن جاهد لِيُحَصِّلَ طاعة الله بالجهاد
ولِيُحَصِّلَ السبايا والكراع والسلاح من جهة أموال العدو، وكمن صام ليصح جسده أو ليحصل زوال مرض، والصوم مقصود مع ذلك، وكمن يتوضأ بقصد التبرُّد أو التنظيف لم يضره في عبادته، ولم يحرم عليه بالإجماع؛ لأن جميع هذه الأغراض لا يدخل فيها تعظيم الخلق، بل هي تشريك أمور من
المصالح ليس لها إدراك ولا تصلح للإدراك ولا للتعظيم فلا تقدح في العبادات.
(2)
قال السيوطي:
ولو نوى الوضوء أو الغسل والتبرُّد، ففي وجه لا يصح للتشريك; والأصح الصحة; لأن التبرُّد حاصل: قصده أم لا، فلم يجعل قصده تشريكاً وتركاً للإخلاص، بل هو قصد للعبادة على حسب وقوعها; لأن من ضرورتها حصول التبرد، ومنها: لو نوى الطواف وملازمة غريمه، أو السعي خلفه.
(3)
* ويبقى أن يقال هنا مسائل:
1 -
الأولى:
أن من فعل العبادة خالصاً وقاصداً أجر الله -تعالى- وثوابه فقط أكمل وأفضل وأعظم أجراً ممن قصد مع الأجر الأخروي نفعاً دنيوياً، ولو كان ذلك تبعاً.
فمن خالطت نيّةَ جهاده نيةٌ أخرى غير الرياء، مِثْل أخْذه أجرة للخدمة، أو أخْذ
(1)
متفق عليه.
(2)
أنوار البروق في أنواء الفروق (3/ 734)
(3)
الأشباه والنظائر (ص/49)
شيء من الغنيمة، أو التجارة نَقَص بذلك جهاده، ولم يبطل بالكلية.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو-رضى الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
(1)
2 -
الثانية:
قد حمل الغزالي الإشراك في حديث الباب على الأمور الدنيوية التي لا رياء فيها، وأن الشخص إذا أوقع عبادة وأشرك فيها بين أمرين:" ديني، ودينوني "، فهو داخل تحت الوعيد المذكور في قوله تعالى:
" تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ "، وقد رجَّح مثل هذا ابن عبد السلام لظاهر الخبر.
(2)
*لكن يقال هنا:
أن هذا الإطلاق ليس مسلَّماً به؛ لأن حديث الباب إنما يراد به نوعٌ مخصوصٌ من الإشراك، وهو ما ابتغى به مراءاة الناس ومدحهم وثناؤهم على الفاعل، وإنما حملنا على هذا التخصيص ما ذكرنا من الأدلة السابقة التي أفادت مشروعية إشراك النفع الدنيوي مع الأعمال الأخروية.
3 -
الثالثة:
الطاعة إذا تمحَّضت فيها النية للنفع الدنيوي فقط لم يقع لصاحبها نصيب من الأجر، كمن يصوم لأجل الحمية والرجيم ولا يطلب الأجر، ويحج للتجارة فقط، ويخرج زكاة أموال لتنمو، ويخرج للجهاد للغنيمة، فهؤلاء أعمالهم باطلة.
قال تعالى: {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا} [الإسراء: 18]
وعن أُبَيّ بْنِ كَعْبٍ-رضى الله عنه- أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:
"بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ، وَالرِّفْعَةِ، وَالنَّصْرِ، وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ، فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمِ عَمَلَ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي
(1)
أخرجه مسلم (1906)
(2)
وانظر الفتح المبين بشرح الأربعين (ص/134)
الْآخِرَةِ نَصِيبٌ ".
(1)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رضى الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
(2)
، يَعْنِي رِيحَهَا.
ويدل عليه كذلك ما رواه عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" مَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ».
(3)
قال ابن القيم:
من أراد بعمله غير وجه الله -تعالى- ونوى شيئاً غير التقرب إليه وطلب الجزاء منه فقد أشرك في نيَّته وإرادته.
(4)
.
تم بحمد الله تعالى.
(1)
أخرجه أحمد (21222) وصححه الألباني (2825)
(2)
أخرجه أحمد (8457) وأبو داود (3664) وصححه الألبانى.
(3)
متفق عليه.
(4)
الجواب الكافي (ص/146)