المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(طلسم الْحَيَّات) قَالَ الْحَافِظ بن عَسَاكِر قَرَأت فِي كتاب قديم - الأنس الجليل - جـ ١

[مجير الدين العليمي]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة التحقيق]

- ‌(ذكر أول مَا خلق الله سبحانه وتعالى

- ‌(خلق الله السَّمَاوَات وسكانها وَصفَة الْمَلَائِكَة وَخلق الشَّمْس وَالْقَمَر)

- ‌((ذكر شِرَاء المغارة))

- ‌(ذكر فضل سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفضل زيارته)

- ‌(فصل فِي حكم السُّور السُّلَيْمَانِي)

- ‌(ذكر إِسْحَاق عليه السلام

- ‌(ذكر سيدنَا مُوسَى الكليم عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم)

- ‌(قصَّة القبطي)

- ‌(قصَّة أَرض مَدين)

- ‌(قصَّة النّيل)

- ‌(ذكر قصَّة الرُّؤْيَة)

- ‌(طلسم الْحَيَّات)

- ‌(فَقَالَت وأوتينا الْعلم)

- ‌(نزُول الْمَائِدَة)

- ‌(ذكر عمَارَة بَيت الْمُقَدّس الشريف الْمرة الثَّالِثَة)

- ‌(ذكر سيد الْأَوَّلين والآخرين وَخَاتم الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ)

- ‌(ذكر بِنَاء الْمَسْجِد الشريف النَّبَوِيّ)

- ‌(حج أَبى بكر الصّديق رضي الله عنه بِالنَّاسِ)

- ‌(ذكر بِنَاء عبد الْملك بن مَرْوَان لقبه الصَّخْرَة الشَّرِيفَة)

- ‌(فتح الناصرة وصفورية)

- ‌(فتح تبين)

- ‌(فتح جبيل)

- ‌(فتح بَيت الْمُقَدّس)

- ‌(ذكر يَوْم الْفَتْح)

- ‌(فتح حصن دريساك)

- ‌(ذكر نسَاء الإفرنج)

- ‌(ذكر الْكَبْش وحريقه)

- ‌(نوبَة رَأس المَاء)

- ‌(وُصُول ملك الانكثير)

- ‌(وقْعَة الكمين)

- ‌(وُصُول الإبرنس صَاحب إنطاكية)

- ‌(وَفَاة الْخَلِيفَة النَّاصِر الَّذِي فتح الْقُدس فِي أَيَّامه)

الفصل: ‌ ‌(طلسم الْحَيَّات) قَالَ الْحَافِظ بن عَسَاكِر قَرَأت فِي كتاب قديم

(طلسم الْحَيَّات)

قَالَ الْحَافِظ بن عَسَاكِر قَرَأت فِي كتاب قديم فِيهِ وَفِي بَيت الْمُقَدّس حيات عَظِيمَة قاتلة إِلَّا أَن الله تعال قد تفضل عل عباده بِمَسْجِد عل ظهر الطَّرِيق أَخذه عمر بن الْخطاب رضي الله عنه من كَنِيسَة هُنَاكَ تعرف بقمامة وَفِيه اسطوانتان كبيرتان من حِجَارَة عل رأسهما صور حيات يُقَال إِنَّهَا طلسم لَهَا فمت لسعت إنْسَانا حَيَّة فِي بَيت الْمُقَدّس لم تضره شَيْئا وَأَن خرج عَن بَيت الْمُقَدّس شبْرًا من الأَرْض مَاتَ فِي الْحَال ودواؤه من ذَلِك أَن يُقيم فِي بَيت الْمُقَدّس ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ يَوْمًا فَإِن خرج مِنْهُ وَقد بَقِي من الْعدة يَوْم وَاحِد هلك وَذكر الْهَرَوِيّ أَيْضا نَحْو هَذَا فِي كتاب الزيارات لَهُ قَالَ صَاحب مثير الغرام رحمه الله وَقد اخبرني الْفَقِيه شمس الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن عقبَة وَهُوَ عدل فَاضل ثِقَة أَن ذَلِك اتّفق لشخص سَمَّاهُ هُوَ وأنسيت اسْمه كَانَ يلْعَب بالحيات فلدغته حَيَّة فَخرج من الْمُقَدّس فَمَاتَ وَهَذَا يُؤَيّد مَا ذكرَاهُ قلت وَهَذَا الْمَسْجِد مَعْرُوف وَهُوَ بحارة النَّصَارَى بالقدس الشريف بجوار كَنِيسَة القمامة من جِهَة الغرب عَن يَمِينه السالك من درج القمامة الخانقاه الصلاحية وَالَّذِي يظْهر أَن طلسم الْحَيَّات بَطل مِنْهُ وَالله أعلم وَلما انْتَهَت عمَارَة مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس شرع سُلَيْمَان فِي بِنَاء دَار مَمْلَكَته بالقدس الشريف واجتهد فِي عمارتها وتشييدها وَفرغ مِنْهَا فِي مُدَّة ثَلَاث عشرَة سنة وانتهت عمارتها فِي السّنة الرَّابِعَة وَالْعِشْرين من ملكه (قصَّة بلقيس) وَفِي السّنة الْخَامِسَة وَالْعِشْرين من ملكه جَاءَتْهُ بلقيس ملكة الْيمن وَمن مَعهَا وقصتها مَعَه مَشْهُورَة وملخصها عَن سيدنَا سُلَيْمَان عليه السلام لما فرغ من بِنَاء بَيت الْمُقَدّس عزم على الْخُرُوج إِلَى مَكَّة فتجهز للسير واستصحب من الْجِنّ والأنس

ص: 126

وَالشَّيَاطِين والطيور والوحوش مَا بلغ مُعَسْكَره مائَة فَرسَخ فحملتهم الرّيح فَلَمَّا وافى الْحرم أَقَامَ بِهِ مَا شَاءَ الله أَن يُقيم وَكَانَ ينْحَر كل يَوْم - طول مقَامه بِمَكَّة - خَمْسَة آلَاف نَاقَة ويذبح خَمْسَة آلَاف ثَوْر وَعشْرين ألف شَاة وَقَالَ لمن حَضَره من أَشْرَاف قومه هَذَا مَكَان يخرج مِنْهُ نَبِي عَرَبِيّ صفته كَذَا وَكَذَا يُعْطي النَّصْر على من عَادَاهُ وتبلغ هيبته مسيرَة شهر الْقَرِيب والبعيد عِنْده فِي الْحق سَوَاء لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم قَالُوا فَبِأَي دين يدين يَا نَبِي الله؟ قَالَ بدين الحنيفية فطوبي لمن آمن بِهِ وأدركه فَقَالُوا كم بَيْننَا وَبَين خُرُوجه يَا نَبِي الله؟ قَالَ مِقْدَار ألف عَام فليبلغ الشَّاهِد مِنْكُم الْغَائِب فَإِنَّهُ سيد الْأَنْبِيَاء وَخَاتم الرُّسُل فَأَقَامَ بِمَكَّة حَتَّى قضي نُسكه ثمَّ خرج من مَكَّة صباحاً وَسَار حَتَّى لحق الْيمن فَوَافى صنعاء وَقت الزَّوَال وَذَلِكَ مسيرَة شهر فَرَأى أَرضًا حسنا تزهو خضرتها فَأحب النُّزُول بهَا ليتغذى وَيُصلي وَكَانَ الهدهد دَلِيل سُلَيْمَان عل المَاء فَإِنَّهُ كَانَ يعرف مَوضِع المَاء وَيَرَاهُ تَحت الأَرْض كَمَا يرى فِي الزجاجة فَيعرف قربه من بعده فينقر الأَرْض حَتَّى تَجِيء الشَّيَاطِين فيسلخونها ويستخرجون المَاء فَلَمَّا نزل سُلَيْمَان قَالَ الهدهد سُلَيْمَان قد اشْتغل بالنزول فارتفع نَحْو السَّمَاء حَتَّى نظر إِلَى طول الدُّنْيَا وعرضها فَنظر يَمِينا وَشمَالًا فَرَأى بستاناً لبلقيس فَمَال إِلَى الخضرة فَوَقع فِيهِ فَإِذا هُوَ بهدهد فهبط عَلَيْهِ وَكَانَ اسْم الهدهد سُلَيْمَان يعْفُو وَاسم هدهد الْيمن عنيفر فَقَالَ عنيفر الْيمن ليعفور سُلَيْمَان من أَيْن أَقبلت وَأَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ أَقبلت من الشَّام مَعَ صَاحِبي سُلَيْمَان بن دَاوُد فَقَالَ وَمن سُلَيْمَان؟ قَالَ ملك الْأنس وَالْجِنّ وَالشَّيَاطِين والوحوش والطيور والرياح فَقَالَ يَعْفُور لعنيفر فَمن أَيْن أَنْت؟ قَالَ أَنا من هَذِه الْبِلَاد قَالَ وَمن ملكهَا؟ قَالَ امْرَأَة يُقَال لَهَا بلقيس وَأَن لصاحبكم ملكا عَظِيما وَلَكِن لَيْسَ ملك بلقيس دونه فَإِنَّهَا ملكة الْيمن كلهَا

ص: 127

وَتَحْت يَدهَا اثْنَا عشر ألف قَائِد تَحت يَد كل قَائِد مائَة ألف مقَاتل فَهَل أَنْت منطلق معي حَتَّى تنظر إِلَى ملكهَا؟ قَالَ أَخَاف أَن يتفقدني سُلَيْمَان فِي وَقت الصَّلَاة إِذا احْتَاجَ المَاء قَالَ الهدهد الْيَمَانِيّ إِن صَاحبكُم يسره أَن تَأتيه بِخَبَر هَذِه الملكة فَانْطَلق مُهِمّ حَتَّى نظر إِلَى بلقيس وملكها وَمَا رَجَعَ إِلَى سُلَيْمَان إِلَّا وَقت الْعَصْر فَلَمَّا نزل وَدخل عَلَيْهِ وَقت الصَّلَاة - وَكَانَ نزل على غير مَاء - فَسَأَلَ الْجِنّ والأنس وَالشَّيَاطِين عَن المَاء فَلم يعلمُوا فتفقد الطير الهدهد فَدَعَا عريف الطير وَهُوَ النسْر فَسَأَلَهُ عَن الهدهد فَقَالَ اصلح الله الْملك مَا ادري أَيْن هُوَ وَمَا أَرْسلتهُ مَكَانا فَغَضب عِنْد ذَلِك سُلَيْمَان وَقَالَ (لأعذبنه عذَابا شَدِيدا أَو لأذبحنه أَو ليأتيني بسُلْطَان مُبين) وَاخْتلف فِي الْعَذَاب الَّذِي توعده بِهِ فأظهر الْأَقْوَال أَن عَذَابه أَن ينتف ريشه وذنبه ويليقيه فِي الشَّمْس ممعطاً لَا يمْتَنع من النَّحْل وَلَا من هوَام الأَرْض أَو لأذبحنه أَي لأقطعن حلقه أَو ليأتيني بسُلْطَان مُبين بِحجَّة بَيِّنَة وَعذر ظَاهر ثمَّ دَعَا الْعقَاب سيد الطُّيُور فَقَالَ عَليّ بالهدهد السَّاعَة فَرفع الْعقَاب نَفسه دون السَّمَاء حَتَّى الْتَصق بالهواء إِلَى الدُّنْيَا كالقصعة بِي يَدي أحدكُم ثمَّ الْتفت يَمِينا وَشمَالًا فَإِذا هُوَ بالهدهد مُقبلا من نَاحيَة الْيمن فانقض الْعقَاب نَحوه يُريدهُ فَلَمَّا رأى الهدهد ذَلِك علم أَن الْعقَاب يَقْصِدهُ بِسوء فَنَاشَدَهُ فَقَالَ بِالَّذِي قواك وأقدرك عَليّ إِلَّا رحمتني وَلم تتعرض لي بِسوء فولى الْعقَاب وَقَالَ وَيلك ثكلتك أمك إِن نَبِي الله حلف أَن يعذبك أَو يذبحك ثمَّ طارا متوجهين نَحْو سُلَيْمَان فَلَمَّا انْتهى إِلَى الْعَسْكَر تَلقاهُ النسْر وَالطير فَقَالُوا لَهُ وَيلك أَيْن غبت فِي يَوْمك هَذَا الْقدر توعدك سُلَيْمَان نَبِي الله واخبروه بِمَا قَالَ فَقَالَ الهدهد وَمَا اسْتثْنى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم؟ قَالُوا بلَى قَالَ (أَو ليأتيني بسُلْطَان مُبين) قَالَ نجوت إِذا

ص: 128

ثمَّ انْطلق الْعقَاب والهدهد حَتَّى أَتَيَا سُلَيْمَان - وَكَانَ قَاعِدا عل كرسيه - فَقَالَ الْعقَاب قد أَتَيْتُك بِهِ يَا نَبِي الله فَلَمَّا قرب الهدهد مِنْهُ رفع رَأسه أرْخى ذَنبه وجناحيه يجرهما عل الأَرْض تواضعاً لِسُلَيْمَان فَلَمَّا دنا مِنْهُ أَخذ بِرَأْسِهِ فمده إِلَيْهِ فَقَالَ أَيْن كنت؟ لأعذنك عذَابا شَدِيدا فَقَالَ لَهُ الهدهد يَا نَبِي الله اذكر وقوفك بَين يَدي الله عز وجل فَلَمَّا سمع سُلَيْمَان ذَلِك ارتعد وَعَفا عَنهُ ثمَّ سَأَلَهُ مَا الَّذِي أبطأك عني؟ فَقَالَ الهدهد مَا أخبر بِهِ الله تَعَالَى فِي قَوْله (فَمَكثَ غير بعيد - أَي غير طَوِيل - فَقَالَ أحطت بِمَا لم تحط بِهِ) والإحاطة الْعلم بالشَّيْء من جَمِيع جهاته يَقُول علمت مَا لم تعلمه وَبَلغت مَا لم تبلغه أَنْت وَلَا جنودك (وجئتك من سبأ بِنَبَأٍ يَقِين) فَقَالَ سُلَيْمَان وَمَا ذَاك؟ قَالَ إِنِّي وجدت امْرَأَة تملكهم اسْمهَا بلقيس بنت شرَاحِيل من نسل يعرب بن قحطان وَكَانَ أَبوهَا ملكا عَظِيم الشَّأْن وَقد ولد لَهُ أَرْبَعُونَ ملكا وَهِي آخِرهم وَكَانَ يملك أَرض الْيمن كلهَا وَكَانَ يَقُول الْمُلُوك الْأَطْرَاف لَيْسَ أحد مِنْكُم كُفؤًا لي وَأبي أَن يتَزَوَّج مِنْهُم فَزَوجُوهُ امْرَأَة من الْجِنّ يُقَال لَهَا ريحانه بنت اليسكن فَولدت لَهُ بلقيس وَلم يكن لَهُ ولد غَيرهَا وَجَاء فِي الحَدِيث إِن أحد أَبَوي بلقيس كَانَ جنياً فَلَمَّا مَاتَ أَبُو بلقيس طمعت فِي الْملك فطلبت من قَومهَا أَن يبايعوها فأطاعها قوم وعصاها آخَرُونَ فملكوا عَلَيْهِم رجلا فافترقوا فرْقَتَيْن كل فرقة استولت على طرف من أَرض الْيمن ثمَّ إِن الرجل الَّذِي ملكوه أَسَاءَ السِّيرَة فِي أهل مَمْلَكَته حَتَّى كَانَ يمد يَده إِلَى حَرِيم رَعيته فيفجر بِهن فَأَرَادَ قومه خلعه فَلم يقدروا عَلَيْهِ فَلَمَّا رَأَتْ بلقيس ذَلِك أدْركهَا الْغيرَة فَأرْسلت إِلَيْهِ تعرض نَفسهَا عَلَيْهِ فأجابها الْملك وَقَالَ مَا مَنَعَنِي أَن ابتدئك بِالْخطْبَةِ إِلَّا الأياس مِنْك فَقَالَت لَا أَرغب عَنْك كفؤ كريم فاجمع رجال قومِي وأخطبني إِلَيْهِم فَجَمعهُمْ وخطبها إِلَيْهِم فَقَالُوا

ص: 129

لَا نرَاهَا تفعل هَذَا فَقَالَ لَهُم إِنَّهَا طلبت ذَلِك أحب أَن تسمعوا قَوْلهَا فجاؤها فَذكرُوا لَهَا ذَلِك فَقَالَت نعم أَحْبَبْت الْوَلَد فزوجوها مِنْهُ فَلَمَّا زفت إِلَيْهِ خرجت بأناس كَثِيرَة من حشمها فَلَمَّا جَاءَتْهُ سقته الْخمر حَنى سكر ثمَّ حزت رَأسه وانصرفت من اللَّيْل إِلَى منزلهَا فَلَمَّا أَصْبحُوا وَرَأَوا الْملك قَتِيلا وَرَأسه مَنْصُوب على بَاب دارها علمُوا أَن تِلْكَ المناكحة كَانَت مكراً وخديعة مِنْهَا فَاجْتمعُوا إِلَيْهَا وَقَالُوا أَنْت بِهَذَا الْملك أَحَق من غَيْرك فملكوها وَقد جاءفي الحَدِيث الشريف أَن رَسُول الله (ص) لما بلغه أَن أهل فَارس قد ملكوا عَلَيْهِم بنت كسْرَى قَالَ لَا أَفْلح قوم ولوا أَمرهم امْرَأَة قَالَ الله تعال (واوتيت من كل شَيْء - أَي تحْتَاج إِلَيْهِ الْمُلُوك من الْآلَة وَالْعدة - وَلها عرشعظيم) سَرِير ضخم كَا نمضروباً رمن الذَّهَب مكللاً بالدر والياقوت الْأَحْمَر والزبرجد الْأَخْضَر وقوائمه من الْيَاقُوت وَمن الزمرد وَعَلِيهِ سَبْعَة بيات عل كل بَيت بَاب يغلق قَالَ ابْن عَبَّاس كَانَ عرش بلقيس ثَلَاثِينَ ذِرَاعا فِي ثَلَاثِينَ ذِرَاعا وَطوله فِي السَّمَاء ثَلَاثُونَ ذِرَاعا وَقيل غير ذَلِك (وَجدتهَا وقومها يَسْجُدُونَ للشمس من دون الله وزين لَهُم الشَّيْطَان أَعْمَالهم فصدهم عَن السَّبِيل فهم لَا يعتدون أَلا يسجدوا لله الَّذِي يخرج الخبء فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض - فخبء السَّمَاء الْمَطَر وخبء الأَرْض النَّبَات - وَيعلم مَا يخفون وَمَا يعلنون الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ رب الْعَرْش الْعَظِيم) أَي هُوَ الْمُسْتَحق لِلْعِبَادَةِ وَالسُّجُود لَا غَيره وعرش ملكة سبأ وَإِن كَانَ عَظِيما فَهُوَ صَغِير حقير فِي جنب عَرْشه عز وجل فَلَمَّا فرغ الهدهد من كَلَامه قَالَ لَهُ سُلَيْمَان (سننظر أصدقت فِيمَا أخْبرت أم كنت من الْكَاذِبين) فدلهم الهدهد على المَاء فاحتفروا الركايا وروى النَّاس وَالدَّوَاب ثمَّ كتب سُلَيْمَان كتابا من عِنْد سُلَيْمَان بن دَاوُد إِلَى بلقيس ملكة سبأ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

ص: 130

سَلام من اتبع الْهدى أما بعد (فَلَا تعلوا عَليّ ائْتُونِي مُسلمين) وَلم يزدْ سُلَيْمَان عل مَا قصّ الله فِي كِتَابه وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاء كَانَت تكْتب جملالاً لَا يطيلون وَلَا يكثرون فَلَمَّا كتب الْكتاب طبعه بالمسك وختمه بخاتمة وَقَالَ للهدهد (اذْهَبْ بكتابي هَذَا فالقه إِلَيْهِم ثمَّ تول - تَنَح عَنْهُم وَكن قَرِيبا مِنْهُم - فَانْظُر مَاذَا يرجعُونَ) يردون من جَوَاب فَأخذ الهدهد الْكتاب وأتى بِهِ إِلَى بلقيس - وَكَانَت بِأَرْض الْيمن بِأَرْض يُقَال لَهَا مأرب بِأَرْض صنعاء عل ثَلَاثَة أَيَّام - فوافوها فِي الْقصر وَقد أغلقت الْأَبْوَاب وَأخذت المفاتيح فَوَضَعتهَا تَحت رَأسهَا فَأَتَاهَا وَهِي نَائِمَة مستلقية عل قفاها فألق الْكتاب عل نَحْوهَا فَأخذت بلقيس الْكتاب - وَكَانَت قارئة - فَلَمَّا رَأَتْ الْخَاتم ارتعدت وخضعت لِأَن ملك سُلَيْمَان كَانَ فِي خَاتمه وَعرفت أَن الَّذِي أرسل الْكتاب أعظم ملكا مِنْهَا فَقَرَأت الْكتاب وَتَأَخر الهدهد غير بعيد فَجَاءَت حَتَّى قعدت عل سَرِير ملكهَا وجمعت الْمَلأ من قَومهَا وهم اثْنَا عشر ألف قَائِد مَعَ كل قَائِد مائَة ألف مقَاتل فجاؤا وَأخذُوا مجَالِسهمْ فَقَالَت لَهُم بلقيس (يَا أَيهَا الْمَلأ - وهم أَشْرَاف النَّاس وكبراؤهم - إِنِّي القي إِلَيّ كتاب كريم) سمته كَرِيمًا لِأَنَّهُ مَخْتُومًا وروى عَن النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه قَالَ كَرَامَة الْكتاب خَتمه ثمَّ بيّنت مِمَّن الْكتاب وَقَالَت (إِنَّه من سُلَيْمَان) وبينت الْمَكْتُوب فَقَالَت (وَإنَّهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِن لَا تعلو عَليّ) قَالَ ابْن عَبَّاس لَا تتكبروا عَليّ (وائتوني مُسلمين) طائعين قيل هُوَ من الْإِسْلَام قيل هُوَ من الاستسلام (قَالَت يَا أَيهَا الْمَلأ أفتوني فِي أَمْرِي - أَشِيرُوا عَليّ فِيمَا عرض لي وأجيبوني مَا كنت قَاطِعَة قاضية وفاصلة أمرا - حَتَّى تَشْهَدُون - أَي تحضرون - قَالُوا - مجبيين لَهَا - نَحن أولُوا قُوَّة - فِي المَال - وَأولُوا بَأْس شَدِيد) - عِنْد الْحَرْب والقتال

ص: 131

ثمَّ قَالُوا وَالْأَمر إِلَيْك أيتها الملكة فِي الْقِتَال وَتَركه فانظري من الرَّأْي مَاذَا تأمرين تجدينا لأمرك مُطِيعِينَ قَالَت بلقيس - مجيبة لَهُم عِنْد التَّعْرِيض بِالْقِتَالِ - إِن الْمُلُوك إِذا دخلُوا قَرْيَة عنْوَة أفسدوها - خربوها - وَجعلُوا أعزة أَهلهَا أَذِلَّة) أَي أهانوا أَشْرَافهَا وكبراءها كي يَسْتَقِيم لَهُم الْأَمر تحذرهم مسير سُلَيْمَان إِلَيْهِم ودخوله بِلَادهمْ وتناهى الْخَبَر عَنْهَا هَاهُنَا فَصدق الله قَوْلهَا فَقَالَ (وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) أَي كَمَا قَالَت هِيَ يَفْعَلُونَ ثمَّ قَالَت (وَإِنِّي مُرْسلَة إِلَيْهِم بهدية فناظرة بِمَ يرجع المُرْسَلُونَ) وَالْهَدْي هِيَ الْعَطِيَّة على ظهر الملاطفة وَذَلِكَ أَن بلقيس كَانَت امْرَأَة لَبِيبَة قد سيست وساست فَقَالَت للملأ حولهَا من قَومهَا إِنِّي مُرْسلَة إِلَى سُلَيْمَان وَقَومه بهدية أصانعه بهَا عَن ملكي واختبره بهَا أملك هُوَ أم نَبِي فَإِن يكن نَبيا لم يقبل الْهَدِيَّة وَلم يرضه منا إِلَّا أَن نتبعه عل دينه وَذَلِكَ وَله تَعَالَى (وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) أَي كَمَا قَالَت هِيَ يَفْعَلُونَ ثمَّ قَالَت (وَإِنِّي مُرْسلَة إِلَيْهِم بهدية فناظرة بِمَ يرجع المُرْسَلُونَ) والهدية هِيَ الْعَطِيَّة على ظهر الملاطفة فأهت لَهُ وصفاء ووصائف وألبستهم لباساً وَاحِدًا كي لَا يعرف ذكرهم من اثناهم قيل ألبست الغلمان لِبَاس الْجَوَارِي وَعَكسه وَكَانَ فِي لباسهم مَا هُوَ مرصع بأنواع الْجَوَاهِر وأركبتهم الْخُيُول بلجم الذَّهَب مرصعة بالجواهر وَجعلت الغواشي من الديباج الملون وَبعثت إِلَيْهِ خَمْسمِائَة لبنة من الذَّهَب وَخَمْسمِائة لبنة من الْفضة مكللة بالدر واليواقيت وَأرْسلت إِلَيْهِ الْمسك والعنبر وَالْعود اليلنجوج وعمدت إِلَى حقة فَجعلت فِيهَا درة ثمينة غير مثقوبة وخرزة جزعية صَغِيرَة مثقوبة معوجة الثقب ودعت رجلا من أَشْرَاف قَومهَا يُقَال لَهُ الْمُنْذر بن عَمْرو وضمت إِلَيْهِ رجَالًا من قَومهَا أَصْحَاب رَأْي وعقل وكتبت إِلَيْهِ كتابا بنسخة الْهَدِيَّة وَقَالَت لَهُ إِن كنت نَبيا فميز بَين الوصفاء والوصائف وَأخْبر بِمَا فِي الحقة من غير علاج أنس وَلَا جن

ص: 132

وَأمرت بلقيس الغلمان وَقَالَت لَهُم إِذا كلمكم سُلَيْمَان فكلموه بِكَلَام تَأْنِيث وتخنث يشبه كَلَام النِّسَاء وَأمرت الْجَوَارِي أَن يكلمنه بِكَلَام فِيهِ غلظة يشبه كَلَام الرِّجَال ثمَّ قَالَت لرسولها انْظُر إِلَى الرجل إِذا دخلت عَلَيْهِ فَإِن نظر إِلَيْك نظر غضب فَاعْلَم إِنَّه ملك وَلَا يهولنك منظره فَإنَّا أعز مِنْهُ وَإِن رَأَيْت الرجل بشاشاً لطيفاً فَاعْلَم إِنَّه نَبِي مُرْسل فَافْهَم قَوْله ورد الْجَواب فَانْطَلق رسولها بالهدية وَأتي الهدهد مسرعاً إِلَى سُلَيْمَان فَأخْبرهُ الْخَبَر كُله فَأمر سُلَيْمَان الْجِنّ أَن يضْربُوا لبنات الذَّهَب ولبنات الْفضة فَفَعَلُوا ثمَّ أَمرهم أَن يبسطوا من مَوْضِعه الَّذِي هُوَ فِيهِ - وَكَانَ تسع فراسخ - ميداناً وَاحِدًا بلبنات الذَّهَب وَالْفِضَّة وَأَن يتْركُوا عل طريقهم موضعا على قدر اللبنات خَالِيا وَبَاقِي الأَرْض مفروشة وَإِن يجْعَلُوا حول الميدان حَائِطا شرافاتها من الذَّهَب وَالْفِضَّة ثمَّ قَالَ أَي الدَّوَابّ خير مَا رَأَيْتُمْ فِي الْبر وَالْبَحْر؟ قَالُوا يَا نَبِي الله أَنا رَأينَا دَوَاب فِي بَحر كَذَا وَكَذَا ممنطقة مُخْتَلفَة ألوانها على صِفَات الْخَيل وَلها أَجْنِحَة وأعراف ونواصي فَقَالَ سُلَيْمَان عَليّ بهَا السَّاعَة فَأتوا بهَا فَقَالَ شدوها عَن يَمِين الميدان وَعَن يسَاره على لبنات الذَّهَب وَالْفِضَّة وألقوا لَهَا عَلفهَا فِيهَا ثمَّ قَالَ سُلَيْمَان للجن عَليّ بأولادكم فَاجْتمع عِنْده خلق كثير فأقامهم عَن يَمِين الميدان ويساره ثمَّ قعد سُلَيْمَان فِي مَجْلِسه على سَرِيره وَوضع لَهُ أَرْبَعَة آلَاف كرْسِي عَن يَمِينه وَمثلهَا عَن يسَاره وَأمر الشَّيَاطِين أَن يصطفوا صُفُوفا فاصطفوا فراسخ عَن يَمِينه ويساره وَأمر الْأنس أَن يصطفوا مثلهم فاصطفوا فراسخ ثمَّ أَمر الطُّيُور والوحوش والهوام أَن يصطفوا فاصطفوا فراسخ عَن يَمِين سُلَيْمَان وَعَن يسَاره وَهُوَ جَالس على كرسيه والجميع حوله وَعَن يَمِينه وشماله فَلَمَّا دنا الْقَوْم من الميدان وَرَأَوا سُلَيْمَان ونظروا إِلَى مَكَّة ونظروا الدَّوَابّ البحرية الَّتِي لم تراعينهم مثلهَا على وَجه الأَرْض وَهُوَ يَبُولُونَ عل لبن الذَّهَب وَالْفِضَّة

ص: 133

ويروثون عَلَيْهَا تقاصرت أنفسهم ورموا جَمِيع مَا مَعَهم من الْهَدَايَا فِي ذَلِك الْمَكَان خوفًا من أَن يتهموا بذلك وَلما نظرُوا إِلَى الشَّيَاطِين وَرَأَوا منْظرًا عجيباً فزعوا وخافوا فَقَالَ لَهُم الشَّيَاطِين جوزوا فَلَا بَأْس عَلَيْكُم فَكَانُوا يَمرونَ على كرْدُوس من الْجِنّ والأنس والوحوش وَالطير وَالسِّبَاع والهوام حَتَّى وقفُوا بَين يَدي سُلَيْمَان عليه السلام فَنظر إِلَيْهِم منْظرًا حسنا بِوَجْه طلق وبشاشة وَقَالَ وَمَا رواء كم؟ فَأخْبرهُ رَئِيس الْقَوْم بِمَا جاؤا لَهُ بِهِ أعطَاهُ كتاب الملكة فَنظر فِيهِ ثمَّ قَالَ أَيْن الحقة؟ فَأتوهُ بهَا فحركها وجاءه جِبْرَائِيل عليه السلام وَأخْبرهُ بِمَا فِيهَا فَقَالَ سُلَيْمَان إِن فِيهَا درة ثمينة غير مثقوبة وخرزة مثقوبة معوجة الثقب فَقَالَ لَهُ الرَّسُول صدقت فاثقب لنا الدرة و ~ ~ أَدخل الْخَيط فِي الخرزة فَقَالَ سُلَيْمَان من لي بثقبها وَسَأَلَ سُلَيْمَان الْأنس وَالْجِنّ فَلم يكن عِنْدهم علم من ذَلِك ثمَّ سَأَلَ الشَّيَاطِين فَقَالُوا أرسل إِلَيّ الأرضة فَجَاءَت فَأخذت شَعْرَة فِي فمها وَدخلت الخزرة بهَا حَتَّى خرجت من الْجَانِب الآخر فَقَالَ سُلَيْمَان للأرضة مَا حَاجَتك؟ وَمَا الَّذِي تريدين؟ قَالَت يَا نَبِي الله أُرِيد أَن تصير رِزْقِي فِي الشّجر فَقَالَ لَهَا لَك ذَلِك ثمَّ قَالَ سُلَيْمَان من لهَذِهِ الخرزة يسلكها الْخَيط؟ فَقَالَت دودة بَيْضَاء أَنا لَهَا يَا رَسُول الله فَأخذت الدودة الْخَيط فِي فمها وَدخلت من جَانب ثمَّ خرجت من الْجَانِب الآخر فَقَالَ لَهَا سُلَيْمَان مَا تريدين؟ قَالَت تجْعَل رِزْقِي فِي فواكه فَقَالَ لَهَا ذَلِك لَك ثمَّ ميز الْجَوَارِي والغلمان بِأَن أَمرهم أَن يغسلوا وُجُوههم وأيديهم فَجعلت الْجَارِيَة تَأْخُذ المَاء من الْآنِية بِإِحْدَى يَديهَا ثمَّ تَجْعَلهُ عل الْيَد الْأُخْرَى ثمَّ تضرب بِهِ الْوَجْه؟ وَجعل الْغُلَام كلما أَخذ من الْآنِية يضْرب بِهِ وَجهه وَكَانَت الْجَارِيَة تصب المَاء صبا والغلام يحدر المَاء عل يَدَيْهِ حدراً فميز بَينهمَا بذلك

ص: 134

ثمَّ رد سُلَيْمَان الْهَدِيَّة كَمَا قَالَ الله تَعَالَى عَنهُ تعال قد مكنني فِيهَا وَأَعْطَانِي مِنْهَا مَا لم يُعْطه لأحد وَمَعَ ذَلِك أكرمني بِالدّينِ والنبوة ثمَّ قَالَ للمنذر بن عَمْرو - وَهُوَ أَمِير الْقَوْم - ارْجع إِلَيْهِم بالهدية (فلنأتينهم بِجُنُود لَا قبل لَهُم بهَا - أَي لَا طَاقَة لَهُم بهَا - ولنخرجنهم مِنْهَا - أَي من أَرضهم وبلادهم وَهِي سبأ - أَذِلَّة وهم صاغرون) أَي ذليلون إِن لم يأتوني مُسلمين فَلَمَّا رَجَعَ رَسُول بلقيس إِلَيْهَا قَالَت قد عرفت وَالله مَا هَذَا بِملك وَلَا لنا بِهِ من طَاقَة ثمَّ بعثت إِلَى سُلَيْمَان إِنِّي قادمة عَلَيْك بملوك قومِي انْظُر مَا أَمرك وَمَا تَدْعُو إِلَيْهِ من دينك ثمَّ أمرت بِعَرْشِهَا فَجَعَلته فِي آخر سَبْعَة أَبْيَات بَعْضهَا فِي بعض فِي آخر قصر من سَبْعَة قُصُور ثمَّ غلقت دونه الْأَبْوَاب ووكلت بِهِ حراساً يحفوظونه ثمَّ قَالَت لمن خلفت على سلطانها احتفظ بِمَا قبلك وسرير ملكي لَا تخلص إِلَيْهِ أحدا وَلَا تدنيه حَتَّى آتِيك ثمَّ أمرت منادياً يُنَادي فِي أهل مملكتها تؤذنهم بالرحيل ثمَّ شخصت إِلَيّ سُلَيْمَان فِي اثنى عشر ألف قيل من مُلُوك الْيمن تَحت يَد كل قيل أُلُوف كَثِيرَة وَكَانَ سُلَيْمَان رجلا مهاباً لَا يبتدأ بِشَيْء حَتَّى يكون هُوَ الَّذِي يسْأَل عَنهُ فَخرج يَوْمًا فَجَلَسَ على سَرِير ملكه فَرَأى رهجاً قَرِيبا مِنْهُ فَقَالَ مَا هَذَا؟ قَالُوا لَهُ هَذِه بلقيس وَقد نزلت بِهَذَا الْمَكَان وَكَانَت على مسيرَة فَرسَخ من سُلَيْمَان فَأقبل سُلَيْمَان حِينَئِذٍ على جُنُوده وَقَالَ لَهُم يَا أَيهَا الْمَلأ أَيّكُم يأتيني بِعَرْشِهَا قبل أَن يأتوني مُسلمين مُؤمنين وَقَالَ ابْن عَبَّاس مُسلمين أَي طائعين وَاخْتلفُوا فِي السَّبَب الَّذِي لأَجله أَمر سُلَيْمَان بِاخْتِصَار عرشها

ص: 135

فَقَالَ أَكْثَرهم لِأَن سُلَيْمَان علم إِنَّهَا إِن اسْلَمْ حرم عَلَيْهِ مَالهَا فَأَرَادَ أَن يَأْخُذ سريرها قبل أَن يحرم عَلَيْهِ أَخذه بإسلامها وَقيل أَرَادَ يريها قدرَة الله عز وجل وعظيم سلطنه فِي معْجزَة يَأْتِي بهَا عرشها قَالَ قَتَادَة لِأَنَّهُ أعجبه صفته حِين وَصفه الهدهد فَأحب أَن يرَاهُ وَقَالَ زيد أَرَادَ أَن يبْدَأ بتنكيره وتغييره فيختبر بذلك عقلهَا (قَالَ عفريت من الْجِنّ) - وَهُوَ المارد الْقوي قيل اسْمه كودي وَقيل اسْمه دوكان وَقيل هُوَ صَخْر الجني وَكَانَ بِمَنْزِلَة حَبل يضع قدمه عِنْد مُنْتَهى طرفه - (أَنا آتِيك بِهِ قبل أَن تقوم من مقامك) - أَي مجلسك الَّذِي تحكم فِيهِ - وَكَانَ لَهُ كل غَدَاة مجْلِس يقْضِي فِيهِ إِلَى فرَاغ النَّهَار (وَإِنِّي عَلَيْهِ - أيعل حمله - لقوي أَمِين) عل مَا فِيهِ من الْجَوَاهِر والمعادن فَقَالَ سُلَيْمَان أُرِيد شَيْئا يكون أسْرع من ذَلِك (فَقَالَ الَّذِي عِنْده علم من الْكتاب أَنا آتِيك بِهِ قبل أَن يرْتَد إِلَيْك طرفك) وَاخْتلفُوا فِيهِ فَقيل هُوَ جِبْرِيل عليه السلام وَقيل هُوَ ملك من الْمَلَائِكَة أيد الله بِهِ سُلَيْمَان عليه السلام وَقَالَ الاكثرون هُوَ آصف بن برخيا وَكَانَ صديقا يعرف اسْم الله الْأَعْظَم الَّذِي إِذا ادّعى بِهِ أجَاب وَإِذا سُئِلَ بِهِ أعْطى وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس إِنَّه قَالَ إِن صف قَالَ لِسُلَيْمَان - حِين صلى - مد عَيْنَيْك حَتَّى يَنْتَهِي طرفك فَمد عَيْنَيْهِ - أَي بَصَره - فَنظر نَحْو الْيمن فَدَعَا آصف بَين يَدي سُلَيْمَان فَبعث الله الْمَلَائِكَة فحملوا السرير من تَحت الأَرْض وهم يخدون خداً حَتَّى انخرقت الأَرْض بالسرير بَين يَدي سُلَيْمَان وَقيل غير ذَلِك وَقيل كَانَت الْمسَافَة مِقْدَار شَهْرَيْن وَاخْتلف فِي الدُّعَاء الَّذِي دَعَا بِهِ صف فَقيل إِنَّه قَالَ يَا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام وَقيل يَا حَيّ يَا قيوم وَعَن الزُّهْرِيّ قَالَ الَّذِي عِنْده علم من الْكتاب يَا إلهنا وإله كل شَيْء

ص: 136

إلهنا وَاحِدًا لَا إِلَه إِلَّا أَنْت ائْتِنِي بِعَرْشِهَا وَقيل إِنَّمَا هُوَ سُلَيْمَان قَالَ لَهُ عَالم من بني إِسْرَائِيل - آتَاهُ الله علما وفهماً - (أَنا آتِيك بِهِ قبل أَن يرْتَد إِلَيْك طرفك) قَالَ سُلَيْمَان هَات قَالَ أَنْت النَّبِي وَلَيْسَ أحد عِنْد الله أوجه مِنْك فَإِذا دَعَوْت إِلَيْهِ وطلبته كَانَ عنْدك قَالَ صدقت فَفعل ذَلِك فجيء بالعرش فِي الْوَقْت وَقَوله (قبل أَن يرْتَد إِلَيْك طرفك) قَالَ سعيد بن جُبَير يَعْنِي من قبل أَن يرجع إِلَيْك أقْصَى من تَرَ وَهُوَ أَن يصل إِلَيْك من كَانَ مِنْك على مد بَصرك وَقيل غير ذَلِك (فَلَمَّا رَآهُ - يَعْنِي سُلَيْمَان الْعَرْش - مُسْتَقرًّا عِنْده - مَحْمُولا إِلَيْهِ من هَذِه الْمسَافَة الْبَعِيدَة فِي قدر ارتداد الطّرف - قَالَ هَذَا من فضل رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ نعْمَته أم أكفر - فلأشكرها - وَمن شكر فَإِنَّمَا يشْكر لنَفسِهِ) أَي يعود نفع شكره عَلَيْهِ وَهُوَ أَن يسْتَوْجب بِهِ تَمام النِّعْمَة ودوامها لِأَن الشُّكْر قيد النِّعْمَة الْمَوْجُودَة وصيد النِّعْمَة المفقودة (وَمن كفر فَإِن رَبِّي غَنِي) عَن شكره وكريم بَالا فضال عل من يكفر نعْمَته (قَالَ سُلَيْمَان نكروا لَهَا عرشها) أَي سريرها إِلَى حَال تنكره إِذا رَأَتْهُ فَقيل جعل أَسْفَله أَعْلَاهُ وَعَكسه وَجعل مَكَان الْجَوْهَر الْأَحْمَر الْأَخْضَر وَعَكسه (نَنْظُر أتهتدي - إِلَى عرشها فتعرفه - أم تكون من الْجَاهِلين) الَّذين لَا يَهْتَدُونَ إِلَيْهِ وَإِنَّمَا حمل سُلَيْمَان على ذَلِك أَن الشَّيَاطِين خَافت أَن يَتَزَوَّجهَا سُلَيْمَان فتفشي إِلَيْهِ أَمر الْجِنّ لِأَن أمهَا كَانَت جنية وَإِذا ولدت ولدا لِسُلَيْمَان لَا ينفكوا من تسخيرهم لِسُلَيْمَان وَذريته من بعده فأساؤا الثَّنَاء عَلَيْهَا ليزهدوه فِيهَا وَقَالُوا لَهُ إِن فِي عقلهَا شَيْئا وَإِن برجليها شعرًا وَإِن رِجْلَيْهَا كحوافر الْحمار وَإِنَّهَا مشعرة السَّاقَيْن فَأَرَادَ سُلَيْمَان أَن يختبرها فِي عقلهَا فنكر عرشها وَينظر إِلَى قدميها بِبِنَاء الصرح فَلَمَّا جَاءَت لَهَا أهكذا عرشك؟ قَالَت كَأَنَّهُ هُوَ عَرفته وَلَكِن شبهت عَلَيْهِم كَمَا شبهوا عَلَيْهَا لم تقل نعم خوفًا من التَّكْذِيب فَقَالَت كَأَنَّهُ هُوَ فَعرف سُلَيْمَان كَمَال عقلهَا حَيْثُ لم تقر وَلم تنكر وَحكي غير ذَلِك

ص: 137