الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فتح بَيت الْمُقَدّس)
ثمَّ رَحل السُّلْطَان من عسقلان إِلَى الْقُدس الشريف وَسمع خَبره من فِي الْقُدس فَاشْتَدَّ رعبهم وَكَانَ بهَا من مقدمي الإفرنج باليان بن بارزان والبطرك الْأَعْظَم ومنكلا الطَّائِفَتَيْنِ الاستبارية والراوية وَضَاقَتْ بهم مَنَازِلهمْ فَأخذُوا فِي تَدْبِير أنفسهم وَأَيِسُوا وصاروا فِي هرج ومرج وَاشْتَدَّ بهم الكرب وَأَقْبل السُّلْطَان بعساكر الْإِسْلَام وَهُوَ فِي أبهته وهيئته المرهب وَنزل عل الْقُدس الشريف من جِهَة الغرب يَوْم الْأَحَد خَامِس عشر رَجَب وَكَانَ فِي الْقُدس يَوْمئِذٍ سِتُّونَ ألف مقتل من الإفرنج وَقد وقفُوا دون الْبَلَد للمارزة وقاتلوا أَشد الْقِتَال وَاسْتمرّ الحربين الْفَرِيقَيْنِ فانتقل السُّلْطَان يَوْم الْجُمُعَة لعشرين من رَجَب إِلَى الْجَانِب الشمالي وخيم هُنَاكَ وضيق على الإفرنج وَنصب المناجيق وَرمى بهَا حَتَّى تهدم غَالب السُّور ثمَّ أَخذ الْمُسلمُونَ فِي نقب السُّور مِمَّا يَلِي وَادي جَهَنَّم وَاشْتَدَّ الْقِتَال وتباشر أهل الْإِسْلَام بِالْفَتْح (وَكَانَ يَوْمًا عسيراً عل الْكَافرين غير يسير) فبرز من الإفرنج ابْن بارزان ليطلب الْأمان من السُّلْطَان فَلم يجبهُ السُّلْطَان إِلَى ذَلِك وَقَالَ لَا خُذْهَا إِلَّا بِالسَّيْفِ مثل مَا أَخذهَا الإفرنج من الْمُسلمين فتعرضوا للتضرع وعاودوه فِي طلب الْأمان وعرفوه مَا هم عَلَيْهِ من الْكَثْرَة وَإِنَّهُم إِن ايسوا من الْأمان قَاتلُوا خلاف ذَلِك وَلَا يحرج أحد مِنْهُم حَتَّى يجرح عشرَة ويخربوا الدّور وقبة الصَّخْرَة ويقتلوا كل من عِنْدهم من أُسَارَى الْمُسلمين - وهم أُلُوف - ويعدموا مَا عِنْدهم من الْأَمْوَال وَكَذَلِكَ الذَّرَارِي فعقد السُّلْطَان محضراً للمشورة وأحضر أكَابِر دولته وَأكْثر عساكره وشاورهم فِي الْأَمر وَدَار الْكَلَام بَينهم وَاجْتمعَ رَأْيهمْ على الصُّلْح بِشَرْط أَن يُؤَدِّي كل من بهَا من الرِّجَال عشرَة دَنَانِير وَمن النِّسَاء خَمْسَة وَيُؤَدِّي عَن الطِّفْل دِينَارَانِ وَأي من عجز عَن الْأَدَاء كَانَ أَسِيرًا
فَأجَاب الإفرنج إِلَى ذَلِك وَدخل ابْن بارزان والبطرك ومقدم الرِّوَايَة والاستبارية فِي الضَّمَان وبذل ابْن بارزان ثَلَاثِينَ ألف دِينَار عَن الْفُقَرَاء وسلموا الْبَلَد يَوْم الْجُمُعَة قبيل الظّهْر وَقت الصَّلَاة السَّابِع وَالْعِشْرين من رَجَب عل هَذَا الشَّرْط وَلم تتفق يَوْمئِذٍ صَلَاة الْجُمُعَة لضيق الْوَقْت وَكَانَ فِيهِ أَكثر من مائَة ألف إِنْسَان من الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالصبيان وأغلقت أَبْوَاب الْمَدِينَة ورتب النواب لعرضهم واستخراج المَال مِنْهُم ووكل بِكُل بَاب أَمِين ومقدم كَبِير يضْبط من بدخل وَيخرج فَمن أدّى مَا عَلَيْهِ مكن من الْخُرُوج وَمن لم يؤد قعد فِي الْحَبْس وَحصل التَّفْرِيط من الْعمَّال فِي المَال وشرعوا يواطئون الإفرنج فِي ذَلِك لارتشائهم مِنْهُم فَمنهمْ من دُلي من السُّور بالحبال وَمِنْهُم من ظهر مختفياً وَمِنْهُم من وَقعت فِيهِ شَفَاعَة وَكَانَت فِي الْقُدس ملكة مترهبة وَلها مَال كثير فَمن عَلَيْهَا السُّلْطَان بالإفرنج وَلم يتَعَرَّض مِنْهَا إِلَى شَيْء وَكَانَت زَوْجَة الْملك المأسور ابْنة الْملك أيادي فخلصت بِمن مَعهَا وَمن تبعها وَكَذَلِكَ الابرنسانية ابْنة فليب أم هنقرى أعفيت من الْوَزْن واستطلق صَاحب البيرة زهاء خَمْسمِائَة أرمني ادْع إِنَّهُم من بَلَده وَإِنَّهُم حَضَرُوا للزيارة وَطلب مظفر الدّين كوكبوري ألف أرمني ادّعى إِنَّهُم من الزهاد فَأَطْلَقَهُمْ السُّلْطَان وَكَانَ السُّلْطَان قد رتب عدَّة دواوين فِي كل ديوَان مِنْهَا عدَّة من النواب المصريين وَمِنْهُم من الشاميين فَمن أَخذ من أحد من الدَّوَاوِين خطا بِالْأَدَاءِ انْطلق مَعَ الطُّلَقَاء بعد عرض خطه عل من الْبَاب من الْأُمَنَاء والوكلاء وَحصل من الْأُمَنَاء مواطأة واختلاس كثير فِي المَال وَمَعَ ذَلِك حصل لبيت المَال مَا يُقَارب مائَة ألف دِينَار وَبَقِي من الإفرنج جمَاعَة فِي الْأسر لعدم الْقيام بِمَا عَلَيْهِم