الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قد آمن فَلَمَّا ايس مِنْهُم دَعَا عَلَيْهِم فَقَالَ (رب لَا تذر على الأَرْض من بن ديارًا) فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن اصْنَع السَّفِينَة فصنعها من خشب الساج فَلَمَّا أقبل على عمل الْفلك جعل يقطع الْخشب وَيضْرب الْحَدِيد وَكَانَ قومه عَلَيْهِ وَهُوَ فِي عمله فيسخرون مِنْهُ وَيَقُولُونَ يَا نوح قد صرت نجاراً بعد النُّبُوَّة - عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُم (إِن تسخروا منا فانا نسخر مِنْكُم إِذا عاينتم عَذَاب الله كَمَا -) وَاتخذ السَّفِينَة وَكَانَ طولهَا ثَلَاثمِائَة ذِرَاعا وعرضها خمسين ذِرَاعا وطولها ثَلَاثِينَ ذِرَاعا وَقيل غير ذَلِك فَلَمَّا فار التَّنور وَكَانَ هُوَ الْآيَة بَين نوح وَبَين ربه حمل نوح من أمره الله من أَهله وَغَيرهم سوى وَلَده كنعان فانه كَانَ كَافِرًا ثمَّ ادخل فِي السَّفِينَة مَا أمره من الدَّوَابّ وَاخْتلف فِي مَوضِع التَّنور فَقيل كَانَ بِالْكُوفَةِ وَقيل بِالشَّام غير ذَلِك فَلَمَّا دخل نوح وَمن مَعَه السَّفِينَة فتح الله عز وجل عُيُون المَاء ففارت الأَرْض من الْبحار وأمطر الله من السَّمَاء مَاء فارتفع المَاء وَجعلت الْفلك تجْرِي بهم كموج كالجبال وَعلا المَاء على رُؤُوس الْجبَال أَرْبَعِينَ ذِرَاعا فَهَلَك كل من على وَجه الأَرْض من حَيَوَان ونبات سوى عوج ابْن عنَاق - نِسْبَة لأمه عنَاق بنت آدم - وَهِي أول نبت على وَجه الأَرْض وعمت الْفُجُور وعملت السحر وجاهرت بِالْمَعَاصِي وَولدت الْجَبَّار وَلم يغرقه الطوفان وَلَا بلغ بعض جسده وَطلب السَّفِينَة ليغرقها وَكَانَ ثَلَاثَة آلَاف وثلاثمائة وَثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ ذِرَاعا وَثلث ذِرَاع بالهاشمي وَكَانَ بالسحاب وَيشْرب مِنْهُ وبتناول الْحُوت من قَرَار الْبَحْر ويشويه فِي عين حَتَّى يرفعهُ إِلَيْهَا ثمَّ يَأْكُلهُ وعاش ثَلَاثَة آلَاف سنة وَعمر إِلَى زمَان فِرْعَوْن وَقطع صَخْرَة على قدر عَسْكَر عليه السلام ليطرحها عَلَيْهِم وَكَانَ المعسكر فرسخاً فِي فَرسَخ فَأرْسل الله فَنقرَ الصَّخْرَة فَنزلت من رَأسه إِلَى عُنُقه ومنعته الْحَرَكَة فَوَثَبَ مُوسَى وَكَانَت
((ذكر شِرَاء المغارة))
عَن كَعْب الاحبار رضي الله عنه قَالَ أول من مَاتَ وَدفن فِي حبرون سارة لَك إِنَّهَا لما مَاتَت خرج الْخَلِيل عليه السلام يطْلب موضعا ليقبرها فِيهِ وَرَجا ان ون موضعا بِقرب حبري فَمضى الى عفرون وَكَانَ ملك الْموضع وَكَانَ مَسْكَنه فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم بِعني موضعا اقبر فِيهِ من مَاتَ من أَهلِي فَقَالَ لَهُ عفرون لَك قد ابحتك فادفن موتاك حَيْثُ شِئْت من ارضى فَقَالَ إِبْرَاهِيم عليه السلام لَا احب ذَلِك إِلَّا بِالثّمن فَقَالَ لَهُ أَيهَا الشَّيْخ الصَّالح ادفن حَيْثُ شِئْت عَلَيْهِ وَطلب مِنْهُ المغارة فَقَالَ لَهُ أبيعكما بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم كل دِرْهَم وزن دَرَاهِم وكل مائَة دِرْهَم ضرب ملك أَرَادَ بذلك التَّشْدِيد عَلَيْهِ كي لَا يجد من ذَلِك فَيرجع إِلَى قَوْله فَخرج إِبْرَاهِيم الْخَلِيل من عِنْده فَإِذا جِبْرِيل عليه السلام وَاقِف فَقَالَ لَهُ يَا إِبْرَاهِيم إِن الله قد سمع مقَالَة الْجَبَّار لَك وَهَذِه دَرَاهِم ادفعها إِلَيْهِ فَإِنَّهَا كَمَا طلب قَالَ فَأخذ إِبْرَاهِيم عليه السلام الدَّرَاهِم وَدفعهَا إِلَى الْجَبَّار فَقَالَ لَهُ من أَيْن لَك هَذِه الدَّرَاهِم؟ فَقَالَ لَهُ من عِنْد إلهي وخالقي وأر زاقي فَأَخذهَا مِنْهُ وَحمل إِبْرَاهِيم عليه السلام سارة ودفنها فِي المغارة فَكَانَت أول من دفن فِيهَا وَتوفيت وَلها من الْعُمر مائَة وَسَبْعَة عشر سنة وَقيل مائَة وَسبع وَعِشْرُونَ سنة ثمَّ لما توفّي الْخَلِيل عليه السلام دفن بحذائها من جِهَة الغرب وَسَنذكر تَارِيخ وَفَاته فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ توفيت ريقة زَوْجَة إِسْحَاق فدفنت بهَا بحذاء سارة من جِهَة الْقبْلَة ثمَّ توفّي إِسْحَاق عليه السلام فَدفن بحذاء زَوجته من جِهَة الغرب ثمَّ توفّي يَعْقُوب عليه السلام فَدفن عِنْد بَاب المغارة وَهُوَ بحذاء قبر الْخَلِيل
وثبته عشرَة أَذْرع وَطوله مثل ذَلِك وَطول عَصَاهُ مثل ذَلِك وَلم يلْحق سوى عرقوبه فَقتله وَتَركه بموضعه وردم عَلَيْهِ بالصخر والرمل فَكَانَ كالجبل الْعَظِيم فِي صحراء مصر وَقيل غير ذَلِك وَكَانَ بَين أَن أرسل الله مَاء الطوفان وَبَين أَن غاض سِتَّة أشهر وَعشر لَيَال وَكَانَ ركُوب نوح فِي السَّفِينَة فِي مستهل شهر رَجَب وَقيل لعشر لَيَال مَضَت من رَجَب وَكَانَ أَيْضا لعشر لَيَال خلت من آب وَخرج من السَّفِينَة يَوْم عَاشُورَاء من الْمحرم وَكَانَ اسْتِقْرَار السَّفِينَة على الجودي وَهُوَ جبل من أَرض الْموصل وَقد ورد حَدِيث أَن السَّفِينَة طافت بِالْبَيْتِ الْحَرَام أسبوعاً ثمَّ طافت بِبَيْت الْمُقَدّس أسبوعاً ولسنوات على الجودي وَرُوِيَ أَن السَّفِينَة سَارَتْ حَتَّى بلغت بَيت الْمُقَدّس فوقفت ونطقت بِإِذن الله تَعَالَى وَقَالَت يَا نوح هَذَا مَوضِع بَيت الْمُقَدّس الَّذِي يسكنهُ الْأَنْبِيَاء من أولادك وَكَانَ الطوفان بعد هبوط آدم بألفي سنة وَمِائَتَيْنِ واثنين وَأَرْبَعين سنة وَكَانَ لستمائة سنة مَضَت من عمر نوح وَبَين الطوفان وَالْهجْرَة الشَّرِيفَة ثَلَاثَة آلَاف وَتِسْعمِائَة وَأَرْبع وَسَبْعُونَ سنة وَقد مُضِيّ من الْهِجْرَة إِلَى عصرنا تِسْعمائَة سنة كَامِلَة فَيكون الْمَاضِي من الطوفان إِلَى سنة تِسْعمائَة من الْهِجْرَة أَرْبَعَة آلَاف وَثَمَانمِائَة وأربعاً وَسبعين سنة وَالله أعلم وَلما مَضَت ثَلَاثمِائَة وَخَمْسُونَ سنة للطوفان توفى نوح عليه السلام وَله من الْعُمر تِسْعمائَة وَخَمْسُونَ سنة هَكَذَا وَقع فِي كَلَام المؤرخين أَن نوحًا عَاشَ الْقدر الْمَذْكُور فَقَط وَظَاهر الْآيَة الشَّرِيفَة يُخَالِفهُ لِأَنَّهُ يدل على أَنه لبث الْقدر الْمَذْكُور فِي قومه بعد إرْسَاله إِلَيْهِم ينذرهم وَأَن الطوفان وَقع بعد ذَلِك وَقيل أَن عمر نوح ألف وَأَرْبَعمِائَة وَخَمْسُونَ سنة وَهُوَ مُوَافق لِلْآيَةِ قَالَ الله تَعَالَى (وَلَقَد أرسلنَا نوحًا إِلَى قومه فَلبث فيهم ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما فَأَخذهُم الطوفان وَهُوَ ظَالِمُونَ) وَظَاهر الْآيَة الشَّرِيفَة أَنه عَاشَ أَكثر مِمَّا ذكره المؤرخون وَالله أعلم وَنزل عَلَيْهِ جِبْرِيل عليه السلام خمسين مرّة وقبره بكرك نوح وَمن أَوْلَاده
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من جِهَة الشمَال ثمَّ توفيت ليقا زَوجته فدفنت بحذائه من جِهَة الشرق فَاجْتمع أَوْلَاد يَعْقُوب والعيص وأخوته وَقَالُوا نَدع بَاب المغارة مَفْتُوحًا وكل من مَاتَ منا دفناه فِيهَا فتشاجروا فَرفع وَاحِد من أخوة الْعيص يَده وَلَطم الْعيص لطمة فَسقط رَأسه فِي المغارة وَقيل كَانَ الضَّارِب للعيص وَاحِد من أَوْلَاد يَعْقُوب وَلما سقط رَأسه فِي المغارة حملُوا جثته وَدَفَنُوهَا بِغَيْر رَأس وَبَقِي الرَّأْس فِي المغارة وحوطوا عَلَيْهَا حَائِطا وَعمِلُوا فِيهَا عَلَامَات الْقُبُور فِي كل مَوضِع وَكَتَبُوا عَلَيْهِ هَذَا قبر إِبْرَاهِيم وَهَذَا قبر زَوجته سارة وَهَذَا قبر إِسْحَاق وَهَذَا قبر زَوجته ريقة وَهَذَا قبر يَعْقُوب وَهَذَا قبر زَوجته ليقا وَخَرجُوا وطبقوا الْبَاب وكل من جَاءَ إِلَيْهِ يطوف بِهِ وَلَا يصل إِلَيْهِ أحد حَتَّى جَاءَت الرّوم بعد ذَلِك ففتحوا لَهُ بَابا ودخلوا إِلَيْهِ وبنوا فِيهِ كَنِيسَة ثمَّ أظهر الله الْإِسْلَام بعد ذَلِك وَملك الْمُسلمُونَ تِلْكَ الديار وهدموا الْكَنِيسَة وبالقرب من مَدِينَة سيدنَا إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عليه السلام قَرْيَة تسمى سعير وَهِي الفاضلة بَين أَعمال الْقُدس والخليل بهَا قبر بداخل مَسْجِدهَا يُقَال إِنَّه قبر الْعيص عليه السلام وَقد اشْتهر ذَلِك عِنْد النَّاس وصاروا يقصدونه للزيارة وَالله أعلم وروى عَن وهب بن مُنَبّه إِنَّه قَالَ أصبت على قبر إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عليه السلام مَكْتُوبًا حَلقَة فِي حجر غر جهولاً أمله يَمُوت من جا أَجله لن تغني عَنهُ حِيلَة زَاد بعض أهل الْعلم والمرء لَا يَصْحَبهُ فِي الْقَبْر إِلَّا عمله وَحدث مُحَمَّد بن بكران بن مُحَمَّد خطيب مَسْجِد الْخَلِيل عليه السلام قَالَ سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْحَاق النَّحْوِيّ يَقُول خرجت مَعَ القَاضِي أبي عَمْرو عُثْمَان بن جَعْفَر بن شَاذان إِلَى قبر إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عليه السلام فَأَقَمْنَا بِهِ ثَلَاثَة أَيَّام فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الرَّابِع جَاءَ إِلَى النقش الْمُقَابل لقبر ريقة زَوْجَة إِسْحَاق عليه السلام فَأمر بِغسْلِهِ حَتَّى
قبل الطوفان بِمِائَة سنة وعاش سِتّمائَة سنة ووفاته بعد الطوفان بِخَمْسِمِائَة سنة الْعَرَب وَفَارِس وَالروم وَكَانَ هُوَ الْقيم بعد نوح فِي الأَرْض وَمن ذُريَّته كلهم عربهم وعجمهم وَجعل الله فِي ذُريَّته النُّبُوَّة وَالْكتاب وَنزل بنوه سرة وَهُوَ الَّذِي اختط مَدِينَة الْقُدس وَأسسَ مَسْجِدهَا وَكَانَ ملكا عَلَيْهَا كَمَا زحام أَبُو السودَان وَيَافث أَبُو التّرْك ويأجوج وَمَأْجُوج والإفرنج والقبط فوط بن حام وَلما خرج نوح من السَّفِينَة قسم الأَرْض بَين أَوْلَاده الثَّلَاث فَأعْطى سَام الْيمن وَالشَّام والجزيرة وَأعْطى حام الغرب وَأعْطى يافث الشرق وَولد ولد سَمَّاهُ أرفخشد عَاشَ أَرْبَعمِائَة وخمساً وَسِتِّينَ سنة ثمَّ ولد لأرفخشد ولد لُقْمَان عَاشَ أَرْبَعمِائَة وَثَلَاثِينَ سنة وَولد لقيان شالح عَاشَ أَرْبَعمِائَة وَسِتِّينَ وَولد لشالح غابر عَاشَ أَرْبَعمِائَة وأربعاً وَسِتِّينَ سنة ثمَّ ولد لغابر فالغ عَاشَ تسعا وَثَلَاثِينَ سنة ثمَّ ولد لفالغ رعون عَاشَ ثَلَاثمِائَة وتسعاً وَثَلَاثِينَ سنة ولد رعون تبلبلت الألسن وتقسمت الأَرْض وتفرق بَنو نوح وَذَلِكَ لمضي سبعين سنة للطوفان ثمَّ ولد لرعون شاروع واسْمه فِي التَّوْرَاة سرُور عَاشَ مِائَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ سنة ثمَّ ولد لشاروع ناحور عَاشَ مِائَتَيْنِ وثماني وَسِتِّينَ سنة ثمَّ حور ولد اسْمه تارخ وَهُوَ آزر عَاشَ مِائَتَيْنِ وَخمْس سِنِين وَهُوَ أَبُو إِبْرَاهِيم عليه السلام (ذكر هود وَصَالح عليهما السلام وهما نبيان أرسلا بعد نوح وَقبل إِبْرَاهِيم الْخَلِيل وَأرْسل الله هوداً إِلَى عَاد أهل أصنام وَكَانَ عَاد وَثَمُود جبارين طوال الْقَامَة فَدَعَا هود قوم عَاد وَمِنْهُم إِلَّا الْقَلِيل فَأهْلك الله الَّذين لم يُؤمنُوا برِيح سخرها عَلَيْهِم سبع لَيَال وَأَيَّام حسوماً - والحسوم الدَّائِم - فَلم تدع غير هود وَالْمُؤمنِينَ مَعَه فَإِنَّهُم اعتزلوا
كِتَابَة وَتقدم إِلَيّ بِأَن انقل مَا هُوَ مَكْتُوب فِي الْحجر إِلَى درج كَانَ مَعنا تَمْثِيل فنقلته ورجعنا إِلَى الرملة فأحضر أهل كل لِسَان ليقرأه عَلَيْهِ فَلم يكن أحد يقرأه وَلَكنهُمْ اجْمَعُوا على أَن هَذَا بِلِسَان اليوناني الْقَدِيم وَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ أحد يقرأه غير شيخ كَبِير بحلب فعمدوا إِلَى إِحْضَاره فَلَمَّا حضر عِنْده فَإِنِّي فَإِذا هُوَ شيخ كَبِير فأملي على الشَّيْخ الْمحْضر من حلب مَا نقلته فِي الدرج وتمثيل أَوله بِسم إلهي إِلَه الْعَرْش القاهر الْهَادِي الشَّديد الْبَطْش الْعَلِيم الَّذِي فِي هَذَا قبر إِبْرَاهِيم الْخَلِيل صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْعلم الَّذِي بحذائه من جِهَة قبر زَوجته سارة وَالْعلم الْأَقْصَى الموازي لقبر إِبْرَاهِيم الْخَلِيل قبر يَعْقُوب الَّذِي يَلِيهِ من الشرق قبر ايليا زَوجته صلوَات الله تَعَالَى وَسَلَامه عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ الْعيص بِخَطِّهِ وَاسم زَوْجَة يَعْقُوب اليا وَفِي بعض الْكتب ليا وَالْمَشْهُور وَالله أعلم وَهَذَا الْحجر المنقوش مَوْجُود إِلَى يَوْمنَا هَذَا وَقد اشْتهر عِنْد النَّاس مَكَانَهُ آدم وَيُقَال إِنَّه عِنْد رَأس آدم عليه السلام قَالَ الْحَافِظ بن عَسَاكِر قَرَأت فِي بعض كتب أَصْحَاب الحَدِيث ونقلت مِنْهَا مُحَمَّد بن بكران بن مُحَمَّد خطيب مَسْجِد إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عليه السلام وَكَانَ قَاضِيا فِي أَيَّام الراضي بِاللَّه فِي سنة ثِنْتَيْنِ وَعشْرين وثلاثمائة وَمَا بعْدهَا وَله رِوَايَة حَدِيث سمع من جمَاعَة وَحدث عَن جمَاعَة من أهل الْعلم - قَالَ سَمِعت مُحَمَّد بن ابْن عَليّ بن جَعْفَر الْأَنْبَارِي يَقُول سَمِعت أَبَا بكر الإسكافي يَقُول صَحَّ عِنْدِي إِبْرَاهِيم عليه السلام فِي الْموضع الَّذِي هُوَ الْآن فِيهِ لما رَأَيْت وعانيت وَذَلِكَ توفقت على السَّدَنَة وعل الْموضع أوقافاً كَثِيرَة تقرب من نَحْو أَرْبَعَة آلَاف رَجَاء ثَوَاب الله عز وجل وَطلبت أَن أعلم صِحَة ذَلِك حَتَّى ملكت قُلُوبهم بِمَا عملت مَعَهم من الْجَمِيل والكرامة والملاطفة وَالْإِحْسَان إِلَيْهِم وأطلب بذلك أَن لي مَا يَصح وحاك فِي صَدْرِي فَقلت لَهُم يَوْمًا من الْأَيَّام - وَقد جمعتهم عِنْدِي
فِي حَضرمَوْت وَبَقِي هود كَذَلِك حَتَّى مَاتَ وقبره بحضرموت وَقيل بِالْحجرِ من مَكَّة وَقيل أَن هوداً هُوَ غابر الْمُتَقَدّم ذكره وَالَّذِي صَححهُ جمَاعَة من أكَابِر الْعلمَاء أَن هوداً هُوَ ابْن عبد الله بن رَبَاح وَلَيْسَ هُوَ غابر وَالله أعلم ويروي أَنه كَانَ من عَاد شخص إسمه لُقْمَان وَهُوَ غير لُقْمَان الْحَكِيم الَّذِي كَانَ عل عهد سيدنَا دَاوُد عليه السلام (وَأما صَالح) فَهُوَ ابْن آسَف أرْسلهُ الله إِلَى ثَمُود فَدَعَاهُمْ إِلَى التَّوْحِيد وَكَانَ مسكنهم بِالْحجرِ وَهِي مَدِينَة بَين الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَالشَّام فَلم يُؤمن بِهِ إِلَّا قَلِيل مستضعفون ثمَّ أَن كفارهم عاهدوه على أَنه ان إتاهم بِمَا يقترحونه عَلَيْهِ آمنُوا واقترحوا عَلَيْهِ أَن يخرج لَهُم من صَخْرَة مُعينَة نَاقَة فَسَأَلَ الله تَعَالَى فِي ذَلِك فَخرج من تِلْكَ الصَّخْرَة نَاقَة وَولدت فصيلا فَلم يُؤمنُوا وعقروا النَّاقة فأهلكهم الله تَعَالَى بعد ثَلَاثَة أَيَّام بصيحة من السَّمَاء فِيهَا صَوت كل صَاعِقَة فتقطعت قُلُوبهم فَأَصْبحُوا فِي دَارهم جاثمين وَسَار صَالح إِلَى فلسطين ثمَّ انْتقل إِلَى الْحجاز يعبد الله إِلَى أَن مَاتَ وَهُوَ ابْن ثَمَان وَخمسين سنة وَورد إِنَّه توفّي فِي فلسطين وَأقَام بهَا بعد أَن هلك قومه وَيُقَال أَن قَبره بالمغارة الَّتِي بالجامع الْأَبْيَض بالرملة وَالله أعلم (ذكر سيدنَا إِبْرَاهِيم الْخَلِيل وأبنائه الْكِرَام عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام) أَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن وَهُوَ أَبُو الْأَنْبِيَاء الْكِرَام من أولي الْعَزْم من الْمُرْسلين رُوِيَ أَنه أنزل الله عَلَيْهِ عشر صحف وَكَانَت كلهَا أَمْثَالًا وَجعل لَهُ لِسَان صدق فِي الآخرين أَي ثَنَاء حسنا فَلَيْسَ أحد من الْأُمَم إِلَّا يُحِبهُ وأكرمه الله تَعَالَى بالخلة وَجعل أَكثر الْأَنْبِيَاء من ذُريَّته وَختم ذَلِك بِسَيِّد الْمُرْسلين مُحَمَّد الْمُصْطَفى صلى الله عليه وسلم وَشرف وكرم وَإِبْرَاهِيم هُوَ ابْن تارخ وَهُوَ آزر وَلما أَرَادَ الله عز وجل أَن يبْعَث السَّيِّد إِبْرَاهِيم عليه السلام حجَّة على قومه
بأجمعهم - أَسأَلكُم أَن توصلوني إِلَى بَاب المغارة كي أنزل إِلَى حَضْرَة الْأَنْبِيَاء صلوَات الله عَلَيْهِم وأشاهدهم فَقَالُوا قد أَحْبَبْنَاك إِلَى ذَلِك لِأَن لَك علينا حَقًا وَاجِبا وَلَكِن لَا يُمكن فِي هَذَا الْوَقْت لِأَن الطارق علينا كثير وَلَكِن حَتَّى يدْخل الشتَاء فَلَمَّا دخل كانون الثَّانِي خرجت إِلَيْهِم فَقَالُوا أقِم عندنَا حَتَّى يَقع الثَّلج فأقمت عِنْدهم حَتَّى وَقع الثَّلج وَانْقطع الطارق عَنْهُم فجاؤا إِلَى صَخْرَة مَا بَين قبر إِبْرَاهِيم الْخَلِيل وقبر إِسْحَاق عليهما السلام وقلعوا البلاطة وَنزل رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ صعلوك - وَكَانَ رجلا صَالحا فِيهِ خير ولين فَنزلت أَنا مَعَه فَمشى وَأَنا من وَرَائه فنزلنا إثنتين وَسبعين دَرَجَة فَإِذا عَن يَمِيني دكان عَظِيمَة من حجر أسود وَإِذا عَلَيْهِ شيخ خَفِيف العارضين طَوِيل اللِّحْيَة ملقى على ظَهره وَعَلِيهِ ثوب أَخْضَر فَقَالَ لي صعلوك هَذَا إِسْحَاق عليه السلام ثمَّ سرنا غير بعيد وَإِذا بُد كَانَ أكبر من الأولى وَعَلَيْهَا شيخ ملقى على ظَهره وَله شيبَة قد أخذت مَا بَين مَنْكِبَيْه أَبيض الرَّأْس واللحية والحاجبين واشفار العينيين وَتَحْت شيبته ثوب أَخْضَر قد جلل بدنه والرياح تلعب بشيبته يَمِينا وَشمَالًا فَقَالَ لي صعلوك هَذَا إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة واتم التَّسْلِيم فَسَقَطت على وَجْهي ودعوت الله عز وجل بِمَا فتح عَليّ ثمَّ سرنا وَإِذا بُد كَانَ لَطِيفَة وَعَلَيْهَا شيخ لطيف آدم شَدِيد الادمة كث اللِّحْيَة وَتَحْت مَنْكِبَيْه ثوب أَخْضَر قد جلله فَقَالَ لي صعلوك هَذَا يَعْقُوب النَّبِي ثمَّ إننا عدلنا يساراً لنَنْظُر إِلَى الْحرم فَحلف أَبُو بكر الإسكافي مَا أَن غمت الحَدِيث قَالَ فَقُمْت من عِنْده فِي الْوَقْت الَّذِي حَدثنِي فِيهِ من وقتي إِلَى مَسْجِد إِبْرَاهِيم عليه السلام فَلَمَّا وصلت إِلَى الْمَسْجِد سَأَلت عَن صعلوك فَقيل لي السَّاعَة يحضر فَلَمَّا جَاءَ قُمْت إِلَيْهِ وَجَلَست عِنْده وطارحته بعض الحَدِيث فَنظر إِلَيّ بِعَين مُنكر للْحَدِيث الَّذِي سَمعه فأومأت إِلَيْهِ بلطف تخلصت بِهِ من الْإِثْم ثمَّ قلت لَهُ إِن أَبَا بكر الإسكافي عمي فأنس عِنْد ذَلِك فَقلت يَا صعلوك بِاللَّه عَلَيْك لما عدلتما
ورسولا إِلَى عباده رأى النمرود فِي مَنَامه كَأَن كوكباً قد طلع فَذهب بضوء الشَّمْس وَالْقَمَر حَتَّى لم يبْق لَهما ضوء فَفَزعَ لذَلِك فَزعًا شَدِيدا وَجمع السَّحَرَة والكهنة وسألهم عَن ذَلِك فَقَالُوا لَهُ هُوَ مَوْلُود يُولد فِي ناحيتك هَذِه السّنة وَيكون هلاكك وَذَهَاب ملكك على يَده وَيُقَال إِنَّهُم وجدوا ذَلِك فِي كتب الْأَنْبِيَاء عليهم السلام وَكَانَت الْمُلُوك الَّذين ملكوا الأَرْض أَرْبَعَة مُؤْمِنَانِ وهما سُلَيْمَان بن دَاوُد وَذُو القرنين وَكَافِرَانِ وهما نمروذ وبخت نصر فنمروذ هُوَ ابْن كنعان بن كوش بن سَام بن نوح وَهُوَ أول من وضع التَّاج على رَأسه وتجبر فِي الأَرْض ودعا النَّاس إِلَى عِبَادَته فَلَمَّا أخبر نمروذ بذلك أَمر بِذبح كل غُلَام بِولد فِي تِلْكَ النَّاحِيَة تِلْكَ السّنة وَأمر بعزل الرِّجَال عَن النِّسَاء وَجعل على كل حَامِل أَمينا فَكَانَت الْحَامِل إِذا وضعت حملهَا فَإِن كَانَ ذكرا ذبحه وَقيل انه حبس جَمِيع الْحَوَامِل إِلَّا مَا كَانَ من أم إِبْرَاهِيم فَإِنَّهُ لم يعلم حملهَا وعميت عَنْهَا الْأَبْصَار وَخرج نمروذ يجمع الرِّجَال إِلَى المعسكر ونحاهم عَن النِّسَاء كل ذَلِك تخوفاً من ذَلِك الْمَوْلُود الَّذِي أخبر بِهِ وَقيل أَن نمروذ لما خرج بعسكره بَدَت لَهُ حَاجَة فِي الْمَدِينَة لم يَأْمَن عَلَيْهَا أحدا من قومه سوى آزر وَذَلِكَ قبل حمل أم إِبْرَاهِيم بِهِ فَبعث إِلَى آزر وَأسر لَهُ حَاجته وَقَالَ لَهُ أما إِنِّي لم أَبْعَثك إِلَّا لِثِقَتِي بك فأقسمت عَلَيْك أَن لَا تَدْنُو من أهلك فَقَالَ آزر أَنا أشح على ديني مِنْك ثمَّ دخل آزر الْمَدِينَة وَقضى حَاجته ثمَّ بدا لَهُ الدُّخُول على أَهله لرؤية حَالهم واصلاح شانهم فَلَمَّا دخل الدَّار وَاجْتمعَ بأَهْله حكم عَلَيْهِ نُفُوذ الْقدر فنسى مَا الْتزم بِهِ للنمروذ فواقع زَوجته وأسمها نونا وَقيل غير ذَلِك فَحملت بإبراهيم عليه السلام فَلَمَّا اسْتَقر فِي بَطنهَا تنكست الْأَصْنَام وَظهر نجم إِبْرَاهِيم عليه السلام وَله طرفان أَحدهمَا بالمشرق وَالْآخر بالمغرب فَلَمَّا رأى نمروذ ذَلِك النَّجْم تحير وازداد خَوفه وَلما تمّ حمل إِبْرَاهِيم وَجَاء لأمه الطلق أرسل الله تَعَالَى إِلَيْهَا ملكا على أحسن
ثمَّ مَاذَا كَانَ وَمَا الَّذِي رَأَيْتُمَا؟ فَقَالَ مَا حَدثَك أَبُو بكر فَقلت أُرِيد مِنْك أَيْضا قَالَ سمعنَا من نَحْو الْحرم صائحاً يَصِيح وَهُوَ يَقُول تجنبوا الْحرم رحمكم مَعنا مغشياً علينا ثمَّ أفقنا وَقد أيسنا من الْحَيَاة وأيست الْجَمَاعَة منا قَالَ الشَّيْخ وعاش أَبُو بكر الإسكافي بعد مَا حَدثنِي زَمَانا يَسِيرا وَمَات صعلوك رحمهمَا الله تَعَالَى روى الْحسن بن عبد الْوَاحِد بن رزق الرَّازِيّ قَالَ قدم أَبُو زرْعَة القَاضِي إِلَى مَسْجِد إِبْرَاهِيم عليه السلام فَجئْت لأسلم عَلَيْهِ وَقد قعد عِنْد قبر سارة صَلَاة فَدخل شيخ فَدَعَاهُ وَقَالَ لَهُ يَا شيخ أَيّمَا هُوَ قبر إِبْرَاهِيم بَين هَؤُلَاءِ؟ مسح الشَّيْخ بِيَدِهِ إِلَى قبر إِبْرَاهِيم عليه السلام ثمَّ مضى الشَّيْخ وَجَاء شَاب فَدَعَاهُ وَمضى ثمَّ جَاءَ صبي فَدَعَاهُ وَقَالَ لَهُ مثل فَسَار إِلَى قبر إِبْرَاهِيم عليه السلام فَقَالَ أَبُو زرْعَة أشهد أَن هَذَا قبر الْخَلِيل عَلَيْهِ افضل الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا شكّ فِيهِ وَلَا خَفَاء نَقله الْخلف عَن مَا قَالَ مَالك بن أنس رضي الله عنه إِن نقل الْخلف عَن السّلف أصح الحَدِيث ريث رُبمَا يَقع فِيهِ الْخَطَأ وَالنَّقْل لَا يَقع فِيهِ خطأ وَلَا يطعن فِيهِ إِلَّا صَاحب حَالف ثمَّ قَامَ وَدخل إِلَى دَاخل فصلى الظّهْر ثمَّ رَحل من الْغَد قَالَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي بكر الْبناء الْمَقْدِسِي فِي كباب الْبَدَائِع فِي مملك الْإِسْلَام حبري هِيَ قي إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عليه السلام فِيهَا حصن عمون إِنَّه من بِنَاء الْجِنّ من حِجَارَة عَظِيمَة منقوشة ووسطه فِيهِ حِجَارَة عل قبر إِبْرَاهِيم عليه السلام وقبر إِسْحَاق قُدَّام فِي المغطى وقبر يَعْقُوب عِنْد كل نَبِي امْرَأَته وَقد جعل الْحصن مَسْجِدا وَبنى حوله دور من بِهِ واتصلت الْعِمَارَة بِهِ من كل جَانب وَلَهُم قناة مَاء ضَعِيفَة وبهذه الْقرْيَة من مرحلة من كل جَانب قرى وكروم وأعناب وتفاح وعامتها تحمل إِلَى مصر
صُورَة وأجمل وَجه من بني آدم فآنسها وَسكن روعها وبشرها بِولد يكون لَهُ شَأْن عَظِيم وَهُوَ خَلِيل رب الْعَالمين فَلَمَّا ثقل عَلَيْهَا الْحَال قَالَ لَهَا انهضي معي فَقَامَتْ مَعَه وتبعته فَتوجه بهَا حَتَّى أدخلها غاراً هُنَاكَ معمي عَن الْخلق فَلَمَّا دخلت الْغَار وجدت فِيهِ جَمِيع مَا تحتاجه وخفف الله تَعَالَى عَنْهَا الطلق فَوضعت إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَأتم التَّسْلِيم لَيْلَة الْجُمُعَة وَكَانَت لَيْلَة عَاشُورَاء وَكَانَ مولده لمضي ألف وَإِحْدَى وَثَمَانِينَ سنة من الطوفان وَكَانَ الطوفان بعد هبوط آدم عليه السلام بِأَلفَيْنِ وَمِائَتَيْنِ واثنين وَأَرْبَعين سنة وَبَين مولد إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عليه السلام وَالْهجْرَة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة أَلفَانِ وَثَمَانمِائَة وَثَلَاث وَتسْعُونَ سنة على اخْتِيَار المؤرخين وَقد مضى من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة إِلَى عامنا هَذَا تِسْعمائَة سنة كَامِلَة فَيكون الْمَاضِي من مولد سيدنَا إِبْرَاهِيم الْخَلِيل إِلَى آخر تِسْعمائَة من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة ثَلَاثَة آلَاف وَسَبْعمائة وَثَلَاث وَتسْعُونَ سنة وَالِاخْتِلَاف فِي ذَلِك كثير فَلَمَّا سقط إِلَى الأَرْض نزل جِبْرِيل عليه السلام وَقطع سرته وَأذن فِي أُذُنه وكساه ثوبا أَبيض ثمَّ عَاد بِأُمِّهِ الْملك إِلَى مَكَانهَا وَتركت وَلَدهَا فِي الْغَار وَلما طَالَتْ غيبَة نمروذ عَن أرضه وبلاده عَاد إِلَى تَدْبِير مَا كَانَ قد أهمه فَبَيْنَمَا هُوَ جَالس ذَات يَوْم على سَرِيره وَإِذا هُوَ بالسرير قد انتفض من تَحْتَهُ انتفاضاً شَدِيدا فَسمع نمروذ هاتفاً يَقُول تعس من كفر بآله إِبْرَاهِيم فَقَالَ لآزر هَل سَمِعت مَا سَمِعت؟ قَالَ نعم قَالَ فَمن هُوَ إِبْرَاهِيم؟ قَالَ آزر إِنِّي لَا اعرفه فَأرْسل للسحرة والكهنة يدلوك عَلَيْهِ فَأرْسل نمروذ خلف السَّحَرَة والكهنة وسألهم عَن ذَلِك فَلم يخبروه بِشَيْء مَعَ علمهمْ بِهِ وَكَانَ ذَلِك فِي يَوْم وِلَادَته ثمَّ توالت على نمروذ الهواتف حَتَّى نطقت الوحوش والطيور بِمثل ذَلِك فَكَانَ نمروذ لَا يمر بمَكَان إِلَّا وَيسمع قَائِلا يَقُول تعس من كفر بآله إِبْرَاهِيم فازداد همه وَرَأى رُؤْيا هائلة فِي مَنَامه وَذَلِكَ إِنَّه رأى الْقَمَر قد طلع من ضلع آزر وبقى نوره كالعمود الْمَمْدُود بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وَسمع قَائِلا يَقُول قد جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل فَنظر إِلَى الْأَصْنَام فَوَجَدَهَا كلهَا منكسة
وَفِي هَذِه الْقرْيَة ضِيَافَة دائمة وطباخ وخباز وخدام مرتبون وهم يقدمُونَ العدس بالزيت لكل من يَأْتِي ويحضر عِنْدهم من الْفُقَرَاء وَيدْفَع إِلَى الْأَغْنِيَاء إِذا أخذُوا حُكيَ الْملك الْمُؤَيد إِسْمَاعِيل صَاحب حماة فِي تَارِيخه فِي وقائع سنة ثَلَاثَة عشر وَخَمْسمِائة إِن فِي تِلْكَ السّنة ظهر قبر إِبْرَاهِيم عليه السلام وقبر ولديه إِسْحَاق وَيَعْقُوب عليهما السلام أَيْضا بِالْقربِ من بَيت الْمُقَدّس ورآهم كثير من النَّاس لم تبل أَجْسَادهم وَعِنْدهم فِي المغارة قناديل من ذهب وَفِضة وَلم يذكر كَيفَ كَانَ ظُهُور ذَلِك وَفِيه أشكال لِأَن فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور كَانَ بَيت الْمُقَدّس وبلد سيدنَا الْخَلِيل عليه السلام فِي يَد الإفرنج وَلَيْسَ للْمُسلمين عَلَيْهَا تكلم وَلَا أعلم هَل كَانَت الإفرنج يُمكن الْمُسلمين من الْبِلَاد حِين استيلائهم عَلَيْهَا؟ وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال (ذكر ختانه وتسروله عليه السلام وشيبته) روى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِنَّه قَالَ اختتن إِبْرَاهِيم عليه السلام وَهُوَ ابْن ثَمَانِينَ سنة بالقدوم - وَهُوَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد - وروى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِنَّه قَالَ ربط إِبْرَاهِيم عليه السلام غرلته وَجَمعهَا إِلَيْهِ وحد قدومه وَضرب عَلَيْهِ بعمود كَانَ مَعَه فندرت بَين يَدَيْهِ بِلَا ألم وَلَا دم وختن إِسْمَاعِيل عليه السلام وَهُوَ ابْن ثَلَاث عشرَة سنة وختن إِسْحَاق وَهُوَ ابْن سَبْعَة أَيَّام وَعَن عِكْرِمَة إِنَّه اخنتن إِبْرَاهِيم عليه السلام وَهُوَ ابْن ثَمَانِينَ سنة فَأوحى الله تعال إِلَيْهِ إِنَّك قد أكملت إيمانك إِلَّا بضعَة من جسدك فالقها فختن نَفسه بالفاس ، وَسبب ختانه إِنَّه أَمر بِقِتَال العمالقة فَقَاتلهُمْ فَقتل خلق كثير من الْفَرِيقَيْنِ فَلم يعرف إِبْرَاهِيم أَصْحَابه ليدفنهم فَأمر بالختان ليَكُون عَلامَة للْمُسلمِ وختن نَفسه بالقدوم
قَالَ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما كَانَ إِبْرَاهِيم أول من لبس السَّرَاوِيل وَذَلِكَ كَانَ عليه السلام كثير الْحيَاء وَكَانَ من حيائه يستحي أَن ترى الأَرْض مذاكيره فشتكى إِلَى الله عز وجل فَأوحى الله إِلَى جِبْرِيل عليه السلام فهبط عَلَيْهِ بِخرقَة من الحنة ففصلها جِبْرِيل عليه السلام سَرَاوِيل وَقَالَ لَهُ ادفعها إِلَى سارة - وَكَانَ اسْمهَا سارة - وأمرها أَن تخيطه فَلَمَّا خاطته ولبسه إِبْرَاهِيم قَالَ مَا أحسن هَذَا وَمَا أستره يَا جِبْرِيل؟ فَإِنَّهُ نعم السّتْر لِلْمُؤمنِ فَكَانَ إِبْرَاهِيم عليه السلام أول من لبس السَّرَاوِيل وَأول من فصل جِبْرِيل وَأول من خالطه سارة بعد إِدْرِيس عليه السلام وَعَن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه أَنه قَالَ كَانَ الرجل يبلغ الْهَرم وَلم يشب وَكَانَ الرجل يَأْتِي الْقَوْم وَفِيهِمْ الْوَالِد وَالْولد فَيَقُول آيكم الْأَب وَمن الأبن؟ فَقَالَ إِبْرَاهِيم رب اجْعَل لي شَيْئا أعرف بِهِ فَلَا صبح رَأسه ولحيته أبيضين وروى عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما إِنَّه قَالَ أول من سمانا الْمُسلمين إِبْرَاهِيم عليه السلام وَهُوَ أول من ضرب بِالسَّيْفِ من الْأَنْبِيَاء وَكسر الْأَصْنَام واختتن وَلبس السَّرَاوِيل والنعلين وَرفع يَدَيْهِ فِي الصَّلَاة فِيك كل خفض وَرفع وَصلى أول النَّهَار أَربع رَكْعَات جَعلهنَّ عل نَفسه فَسَماهُ الله وفياً فَقَالَ تَعَالَى (وَإِبْرَاهِيم الَّذِي أوف) قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله تعال عَنْهُمَا هِيَ الْأَرْبَع فِي أول النَّهَار وَهُوَ أول من أضَاف الضَّيْف وثرد الثَّرِيد وَفرق الشّعْر واستنجى بِالْمَاءِ وقلم الظفر وقص الشَّارِب ونتف الْإِبِط وَهُوَ أول من استاك وتمضض واستنشق بِالْمَاءِ وَحلق الْعَانَة وَأول من صَافح وَعَانَقَ وَقبل بَين الْعَينَيْنِ مَوضِع السُّجُود وَأول من شَاب فَقَالَ مَا هَذَا؟ فَقَالَ الله تَعَالَى هَذَا وقار فَقَالَ إِبْرَاهِيم يَا رب زِدْنِي وقاراً فَمَا برح حَتَّى ابْيَضَّتْ لحيته وَأول من جر الذيل هَاجر امْرَأَته فَصَارَت سنة فِي النِّسَاء فغارت مِنْهَا سارة وَحلفت إِنَّهَا تملأ يَدهَا من دَمهَا فَقَالَ إِبْرَاهِيم عليه السلام خذيها واختنيها كي تكون ذَلِك سنة بعد كَمَا وتخلصي من يَمِينك فَفعلت فَكَانَت هَاجر أول من اختتن
من النِّسَاء وَإِبْرَاهِيم أول من اختتن من الرِّجَال (ذكر رأفته بِهَذِهِ الْأمة صل الله عَلَيْهِ وَسلم) رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِنَّه قَالَ لقِيت إِبْرَاهِيم لَيْلَة أسرِي بِي فَقَالَ لي يَا مُحَمَّد أقرى أمتك مني السَّلَام وَقل لَهُم إِن الْجنَّة طيبَة التربة عذب المَاء وَإِنَّهَا قيعان وَأَن غراسها سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد الله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَفِي رِوَايَة فَرَأَيْت إِبْرَاهِيم الْخَلِيل فَرَحَّبَ بِي سهل ثمَّ قَالَ لي مر أمتك فليكثروا من غراس الْجنَّة فَإِن تربَتهَا طيبَة وأرضها وَاسع فَقَالَ وَمَا غراس الْجنَّة؟ فَقَالَ لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَفِي رِوَايَة فَقَالَ أبي إِبْرَاهِيم مرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الْأُمِّي الَّذِي بلغ رِسَالَة ربه ونصح لامته يَا نَبِي إِنَّك لَاق رَبك اللَّيْلَة وَأَن أمتك هِيَ آخر الْأُمَم وأضعفها فَإِن اسْتَطَعْت أَن تكون حَاجَتك أَو جلها فِي أمتك فافعل (ذكر ضِيَافَة وإكرامه للضيف وأخلاقه الْكَرِيمَة) ورو أَن إِبْرَاهِيم عليه السلام كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يَأْكُل خرج ميلًا أَو ميلين يلْتَمس من يَأْكُل مَعَه وَكَانَ يكنى بِأبي الضيفان ولصدق نِيَّته فِي الضِّيَافَة دَامَت ضيافته فِي مشهده إِلَى يَوْمنَا هَذَا فَلَا ينقصني يَوْم وَلَا لَيْلَة إِلَّا وَيَأْكُل عِنْده جمَاعَة وَحكي إِن رجلا شرِيف الْقدر من أهل دمشق ذَا وجاهة كَانَ يزور الْخَلِيل عليه السلام فِي كل حِين وَكَانَ يُؤْتى بالضيافة الَّتِي جرت الْعَادة بهَا لزواره فيردها وَلَا يَأْكُل مِنْهَا شَيْئا فجَاء مرّة وَهُوَ ملهوف وَجعل يطْلبهَا ويجد فِي طلبَهَا حَتَّى قيل إِنَّه كَانَ يتتبع مَا بقى فِي القصع ويلتقط مَا يجد من لباب الْخبز وفتاته فيأكله فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ رَأَيْت الْخَلِيل صل الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لي مَا أكلت ضيافتنا فَنحْن مَا قبلنَا مِنْك زيارتك رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَنه قَالَ إِن الله تَعَالَى وسع على إِبْرَاهِيم
الْخَلِيل عليه السلام فِي المَال والخدم فَاتخذ بَيْتا لضيافته وَجعل لَهُ بَابَيْنِ يدْخل الْغَرِيب أَن أَحدهمَا وَيخرج من الآخر وَوضع فيذلك الْبَيْت كسْوَة للشتاء وَكِسْوَة للصيف مائدة مَنْصُوبَة عَلَيْهَا طَعَام فيأكل الضَّيْف ويلبس أَن كَانَ عُريَانا وَإِبْرَاهِيم يجدد كل حِين مثل ذَلِك وَرُوِيَ إِن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عليه السلام لما قرب الْعجل إِلَى الضيوف وَرَأى أَيْديهم لَا تصل إِلَيْهِ قَالَ لم لَا تَأْكُلُونَ؟ قَالُوا لَا نَأْكُل طَعَاما إِلَّا بِثمنِهِ قَالَ ليسمعكم ثمنه؟ قَالُوا وَأَنِّي لنا ثمنه؟ قَالَ تسمون الله تبَارك وتعال إِذا أكلْتُم تحمدونه وَإِذا فَرَغْتُمْ قَالُوا سُبْحَانَ الله لَو كَانَ يَنْبَغِي لله أَن يتَّخذ خَلِيلًا من خلقه تخذك يَا أَبَا إِبْرَاهِيم خَلِيلًا فَاتخذ الله تعال إِبْرَاهِيم خَلِيلًا وَقيل إِن الْمَلَائِكَة لما رَأَتْ ازدياد إِبْرَاهِيم فِي الْخَيْر وإقبال الدُّنْيَا عَلَيْهِ وَلم يشْغلهُ لَهُ عَن الله طرفه عين تعجبت من ذَلِك وَقَالَت إِن ظَاهره حسن وَإنَّهُ لَا يُؤثر على ربه شَيْئا فَهَل هُوَ فِي قلبه هَكَذَا؟ فَعلم الله سبحانه وتعالى ذَلِك مِنْهُم قبل تكلمُوا بِهِ فَأمر الله ملكَيْنِ من إجلاء الْمَلَائِكَة - وَقيل إنَّهُمَا جِبْرِيل وميكائل عليهما السلام إِن ينزلا عَلَيْهِ ويستضيفاه ويذكراه بربه ويرفعا صوتهما عِنْده بالتسبيح لتقديس الله تعال فَنزلَا عل صُورَة بني آدم فَسَأَلَاهُ الْأذن لَهما فِي الْمبيت عِنْده إِذن لَهما وَأكْرم نزلهما وَرفع مَحلهمَا فَلَمَّا كَانَ فِي بعض اللَّيْل - وَهُوَ يسامرهما فِي الْكَلَام - إِذْ رفع أَحدهمَا صَوته قَالَ سُبْحَانَ ذِي الْملك والملكوت ثمَّ رفع الآخر صَوته وَقَالَ سُبْحَانَ الْملك القدوس - بِصَوْت لم يسمع مثله - قَالَ فأغمى على إِبْرَاهِيم عليه السلام وَلم يملك نَفسه من الوجد والطرب ثمَّ أَفَاق بعد سَاعَة وَقَالَ لَهما أعيدا عل ذكركما فَقَالَا أَنا لم نَفْعل حَتَّى تجْعَل لنا شَيْئا مَعْلُوما فَقَالَ لَهما خذا مَا تختارا من مَالِي إِلَّا لَهُ أعطنا مَا شِئْت فَقَالَ لَكمَا جَمِيع مَالِي من الْغنم - وكامن شَيْئا كثيرا - ورضيا بذلك ثمَّ رفعا صوتهما وَقَالا كالأولى فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاق وَعلم إنَّهُمَا
لَا يَقُولَانِ شَيْئا إِلَّا بِمَعْلُوم قَالَ لَكمَا جَمِيع مَالِي من الْبَقر فرضينا أعادا وَلم يَزَالَا يكرران عَلَيْهِ الذّكر ويتحلى بِهِ وَهُوَ يسْتَغْرق فِي لذاته حَتَّى أعطاهما جَمِيع مجوداته من مَاله وَأَهله وَلم يبْق إِلَّا نَفسه فَبَاعَهَا لَهما وَرَضي أَن يكون فِي رقهما وَجعل فِي عُنُقه شداداً وسلمهما نَفسه وَقَالَ لَهما لعلكما أَن تجودا عَليّ بِالذكر مرّة أُخْرَى فَلَمَّا رَأيا مِنْهُ ذَلِك قَالَا لَهُ بِحَق لَك أَن يتخذك الله خَلِيلًا ثمَّ حكيا لَهُ مَا كَانَ من الْمَلَائِكَة فَتَبَسَّمَ وَقَالَ حسبي الله وَنعم الْوَكِيل ثمَّ قَالَا لَهُ أمسك عَلَيْك مَالك بَارك الله لَك وَعَلَيْك وعَلى ذريتك فَمن الله عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ بإبقاء ذُريَّته وسماطه وزاده بركَة وَخيرا سماطه ممدوداً من يَوْمه إِلَى يَوْمنَا هَذَا جعله الله دَائِما إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأما أخلاقه الْكَرِيمَة فقد سَمَّاهُ الله تَعَالَى حَلِيمًا أواهاً منيباً والحليم الرشيد الَّذِي يملك نَفسه عِنْد الْغَضَب والأواه الَّذِي يكثر التأوه من الذُّنُوب والمنيب الْمقبل عل ربه عز وجل فِي شَأْنه كُله روى الثَّعْلَبِيّ عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ عَن أبي ذري الْغِفَارِيّ رضي الله عنه قَالَ قلت لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَا رَسُول الله كم منَّة كتاب انْزِلْ الله عز وجل؟ قَالَ رَسُول الله انْزِلْ الله تَعَالَى مائَة كتاب وَأَرْبَعَة كتب انْزِلْ تَعَالَى عل دم عليه السلام عشر صَحَائِف وعَلى إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عشر صَحَائِف وعَلى شِيث خمسين صحيفَة وعَلى إِدْرِيس ثَلَاثِينَ صحيفَة وَانْزِلْ الله تَعَالَى التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَالْفرْقَان قَالَ قلت يَا رَسُول الله مَا كَانَت صحف إِبْرَاهِيم؟ قَالَ كَانَت أَمْثَالًا " أَيهَا الْملك الْمَغْرُور المبتلي إِنِّي لم أَبْعَثك لِتجمع الدُّنْيَا بَعْضهَا إِلَى بعض وَلَكِن بَعَثْتُك لتنصر دَعْوَة الْمَظْلُوم فَإِنِّي لَا أردهَا وَأَن كَانَت من كَافِر " وَكَانَ فِيهَا أَمْثَال كثير (مِنْهَا) وعل الْعَاقِل مَا لم يكن مَغْلُوبًا عل عقله أَن يكون لَهُ سَاعَات سَاعَة يُنَاجِي فِيهَا ربه ويتفكر فِي صنع الله وَسَاعَة يُحَاسب نَفسه فِيمَا قدم وَأخر
سَاعَة يَخْلُو فِيهَا بحاجته من الْحَلَال لَا من الْحَرَام فِي المعطوم والمشروب وَغَيرهمَا على الْعَاقِل أَن يكون بَصيرًا بِزَمَانِهِ عل شَأْنه حَافِظًا لِلِسَانِهِ وَمن علم أَن عَلامَة من عمله قل كَلَامه إِلَّا فِيمَا يُعينهُ وَالله أعلم (معنى الْخلَّة) أصل الْخلَّة الاستصفاء وَسمي إِبْرَاهِيم خَلِيل الله لِأَنَّهُ يوالي فِي الله ويعادي الله وخلة الله لَهُ نَصره وَجعله إِمَامًا لمن بعده والخليل أَصله الْفَقِير الْمُحْتَاج يَنْقَطِع مَأْخُوذ من الْخلَّة وَهِي الْحَاجة سمي بهَا لِأَنَّهُ قصر حَاجته على ربه وَانْقطع بِهِ بهمته وَلم يَجْعَل لَهُ وليا غَيره حَيْثُ قَالَ لَهُ جِبْرِيل عليه السلام وَهُوَ فِي المنجنيق وَرمى بِهِ فِي النَّار - أَلَك حَاجَة؟ فَقَالَ أما إِلَيْك فَلَا روى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِنَّه قَالَ لجبريل يَا جِبْرِيل لم أَتَّخِذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا؟ قَالَ لَا طَعَامه الطَّعَام وَفِي الصَّحِيحَيْنِ إِنَّه صل الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَيهَا النَّاس إِن الله تعال قد اتَّخَذَنِي لَيْلًا كَمَا اتخذ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا وَاخْتلف فِي تَفْسِير الْخلَّة واشتقاقها فَقيل الْخَلِيل ينقطعه إِلَى الله تَعَالَى الَّذِي ليسس لَهُ فِي انْقِطَاعه إِلَيْهِ ومحبته لَهُ اختلال وَاخْتلف أَيْضا من الْخلَّة والمحبة بِمَعْنى وَاحِد؟ أَو أَحدهمَا أرفع من الْأُخْرَى؟ فَقيل هما بِمَعْنى أحد والحبيب خَلِيل وَعَكسه وَلَكِن خص إِبْرَاهِيم بالخلة وَمُحَمّد بالمحبة وَقيل الْخلَّة أرفع للْحَدِيث الْوَارِد عَنهُ صلى الله عليه وسلم فَلم يتَّخذ أَبَا بكر خَلِيلًا وَأطلق على نَفسه شريفة الْمحبَّة لَهُ ولعائشة ولفاطمة وابنيها وَأُسَامَة وَغَيرهم وَالْأَكْثَر على الْمحبَّة أرفع لِأَن دَرَجَة نَبينَا الحبيب صل الله عَلَيْهِ وَسلم أرفع من دَرَجَة إِبْرَاهِيم الْخَلِيل صل الله عَلَيْهِ وَسلم وأصل الْمحبَّة الْميل إِلَى مَا يُوَافق مَحْبُوب وَهَذَا فِيمَن يَتَأَتَّى مِنْهُ الْميل وَهِي دَرَجَة المخلوقين وَأما الْخَالِق جل جلاله فمنزه
عَن ذَلِك فمحبته لعَبْدِهِ تَمْكِينه من سعادته وعصمته وتوفيقه لطاعته وأفاضة رَحمته عَلَيْهِ سبحانه وتعالى (ذكر وَفَاته عليه السلام قد تقدم إِن بَين الْهِجْرَة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة المحمدية ومولده عليه السلام أَلفَيْنِ وَثَمَانمِائَة سنة وَثَلَاثًا وَتِسْعين سنة عل اخْتِيَار المؤرخين وَاخْتلف فيعمره فَقيل إِن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَاشَ مائَة وخمساً وَسبعين سنة وَهُوَ الَّذِي ذكره الْملك الْمُؤَيد صَاحب حماه فِي تَارِيخه وَقيل مائَة وخمساً وَتِسْعين وَقيل مِائَتي سنة وَنزل عَلَيْهِ جِبْرِيل عليه السلام اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين مرّة قَالَ أهل السّير لما أَرَادَ الله عز وجل قبض روح خَلِيله إِبْرَاهِيم عليه السلام أرسل إِلَيْهِ ملك الْمَوْت فِي صُورَة رجل شيخ هرم قَالَ الثَّعْلَبِيّ قَالَ السّديّ بِإِسْنَادِهِ قَالَ كَانَ إِبْرَاهِيم كثير الْإِطْعَام يطعم النَّاس ويضيفهم فَبَيْنَمَا هُوَ يطعم النَّاس إِذا هُوَ بشيخ كَبِير يمشي فِي الْحرَّة فَبعث إِلَيْهِ رجلا بحماره وأركبه حَتَّى أَتَاهُ وأطعمه فَجعل الشَّيْخ يَأْخُذ اللُّقْمَة ليدخلها فَاه فيدخلها فِي عينه وَتارَة فِي أُذُنه ثمَّ يدخلهَا فَاه فَإِذا حصلت فِي جَوْفه خرجت من دبره - وَكَانَ إِبْرَاهِيم قد سَأَلَ ربه إِن لَا يقبض روحه حَتَّى يكون هُوَ الَّذِي يسْأَله الْمَوْت - فَلَمَّا رأى حَال الشَّيْخ قَالَ لَهُ يَا شيخ مَالك تصنع هَكَذَا؟ قَالَ يَا إِبْرَاهِيم من الْكبر فَقَالَ ابْن كم أَنْت يَا شيخ؟ قَالَ فَزَاد عل عمر إِبْرَاهِيم سنتَيْن فَقَالَ إِبْرَاهِيم أَنا بيني وَبَيْنك سنتَانِ فَإِذا بلغت ذَلِك سرت مثلك قَالَ نعم فَقَالَ إِبْرَاهِيم اللَّهُمَّ اقبضي إِلَيْك قبل ذَلِك فَقَامَ الشَّيْخ وَقبض روح إِبْرَاهِيم وَكَانَ ملك الْمَوْت صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِمَا وَحكي غير ذَلِك فَيكون بَين وَفَاة الْخَلِيل عليه السلام وَالْهجْرَة النَّبَوِيَّة على القَوْل الأول فيعمره الَّذِي ذكره صَاحب حماه أَلفَانِ وَسَبْعمائة وَثَمَانِية عشر سنة ومض من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة
إِلَى عصرنا هَذَا تِسْعمائَة سنة فَيكون الْمَاضِي من وَفَاة إِبْرَاهِيم إِلَى سنة مائَة من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة ثَلَاثَة آلَاف سنة وسِتمِائَة وثمان عشرَة سنة وَقيل ذَلِك وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ أول من يكسي يَوْم الْقِيَامَة إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عليه السلام بخلته ثمَّ أَنا بصفوتي بن أبي طَالب يزف بيني وَبَين إِبْرَاهِيم الْخَلِيل زفاً إِلَى الْجنَّة وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبن عَبَّاس رضي الله عنهما أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يكسي من الْخَلَائق يَوْم الْقِيَامَة إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عليه السلام وروى يإنه قَالَ يحْشر يَوْم الْقِيَامَة حُفَاة عُرَاة عزلا فَيَقُول الله تَعَالَى يرى خليلي عُريَانا فيكسي ثوبا ابيض فَهُوَ أول من يكسي يَوْم الْقِيَامَة صلى الله عليه وسلم (ذكر قصَّة الاسكندر) (وَكَانَ فِي زمن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عليه السلام الاسكندر الْمَشْهُور بِذِي القرنين الَّذِي ذكره الله فِي الْقُرْآن هُوَ من ذُرِّيَّة عليه السلام وَمِمَّا ورد فِي أمره إِنَّه إِنَّمَا سمي بِذِي القرنين لِأَنَّهُ كَانَ عبدا بَعثه الله عز وجل إِلَى قومه وَلم يكن نَبيا فضربوه على قرنه فَمَاتَ فأحياه على ثمَّ بَعثه مرّة أُخْرَى إِلَيْهِم فضربوه على قرنه فَمَاتَ فأحياه الله فَسُمي قرنين وَقيل غير ذَلِك وَتُوفِّي الاسكندر بِنَاحِيَة السوَاد فِي مَوضِع يُقَال لَهُ شهرروز بعد أَن عِنْد حَتَّى انْتهى إِلَى الْبَحْر الْمُحِيط فهال ذَلِك مُلُوك الغرب فوفدت عَلَيْهِ رسلهم وَالطَّاعَة وَدخل الظُّلُمَات مِمَّا يَلِي القطب الشمالي فِي بَحر الشَّمْس فِي أَرْبَعمِائَة من أَصْحَابه يطْلب عين الْحَيَاة فَلم يصبهَا فَسَار فِيهِ ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا وَبني اثْنَي
عشر مَدِينَة سَمَّاهَا كلهَا بالإسكندرية وَلما مَاتَ عرض الْملك بعده على انه فَأبى وَاخْتَارَ النّسك وَالْعِبَادَة وَكَانَت مُدَّة تملكه اثْنَتَيْ عشر سنة وَقيل ثَلَاثَة عشر سنة وَقيل أَرْبَعَة عشر سنة وَكَانَ عمره سِتا وَثَلَاثِينَ سنة بالِاتِّفَاقِ وَالله اعْلَم (ذكر بِنَاء سُلَيْمَان عليه السلام الحير الَّذِي عل المغارة بِوَحْي من الله تَعَالَى) رُوِيَ أَن سُلَيْمَان عليه السلام لما فرغ من بِنَاء بَيت الْمُقَدّس أُوحِي الله تَعَالَى إِلَيْهِ يَا بن دَاوُد ابْن عل قبر خَلِيل يحيراً حَتَّى يكون لمن يَأْتِي من بعْدك لكَي يعرف فَخرج سُلَيْمَان وَبَنُو إِسْرَائِيل من بَيت الْمُقَدّس حَتَّى قدم أَرض كنعان وَطَاف فَلم يصبهُ فَرجع إِلَى بَيت الْمُقَدّس فَأُوحي الله تَعَالَى إِلَيْهِ يَا سُلَيْمَان خَالَفت أَمْرِي فَقَالَ يَا رب قد بِعني الْموضع فأوح الله إِلَيْهِ امْضِ فَإنَّك ترى نورا من السَّمَاء إِلَى الأَرْض فَإِنَّهُ مَوضِع قبر خليلي إِبْرَاهِيم فَخرج سُلَيْمَان مرّة ثَانِيَة فَنظر وَأمر الْجِنّ فبنوا فِي الْموضع الَّذِي يُقَال لَهُ الرامة وَهُوَ بِالْقربِ من مَدِينَة سيدنَا الْخَلِيل عليه السلام من جِهَة الشمَال قبلي قَرْيَة حلحول الَّتِي بهَا قبر يُونُس عليه السلام فَأوحى الله تعال إِلَيْهِ إِن هَذَا لَيْسَ هُوَ الْموضع وَلَكِن انْظُر إِلَى النُّور المتدلي من السَّمَاء إِلَى الأَرْض فَابْن فَخرج سُلَيْمَان عليه السلام وَنظر فَإِذا النُّور عل بقْعَة من بقاع حبرون فَعلم إِن ذَلِك هُوَ الْمَقْصُود فَبنِي الحير عل الْبقْعَة وَسَنذكر وصف هَذَا الْبناء وذرعه طولا وعرضاً بعد أَن شَاءَ الله تَعَالَى وَيَأْتِي ذكر مَا مضى من تَارِيخ بِنَاء سُلَيْمَان عليه السلام مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس فِي علم مِنْهُ تَارِيخ بِنَاء الحير على مقَام سيدنَا الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام