الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ذكر سيد الْأَوَّلين والآخرين وَخَاتم الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ)
(وحبِيب رب الْعَالمين البشير النذير الدَّاعِي إِلَى بِإِذْنِهِ السراج الْمُنِير) هُوَ أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب بن فهر ففهر الْمَذْكُور هُوَ قُرَيْش وكل من كَانَ من وَلَده فَهُوَ قرشي وَمن لم يكن من وَلَده فَلَيْسَ قُريْشًا وَقيل سمي قُريْشًا لشدَّة شبهه بِدَابَّة من دَوَاب الْبَحْر يُقَال لَهَا القرش تَأْكُل دَوَاب الْبَحْر وتقهرهم وَقيل إِن قصي بن كلاب لما استولى عل الْبَيْت وَجمع أشتات بني فهر سموا قُريْشًا لِأَنَّهُ قُرَيْش بني فهر أَي جمعه حول الْحرم فَقيل لَهُم قُرَيْش فعلي هَذَا يكون لفظ قُرَيْش اسْما لبني فهر لَا لفهر نَفسه وفهر بن مَالك بن النَّضر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة بن الياس بن مُضر ابْن نزار بن معد بن عدنان وَهَذَا هُوَ النّسَب الْمُتَّفق على صِحَّته من غير خلاف وعدنان من ولد إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عليهما السلام من غير خلاف وَلَكِن الْخلاف فِي عد الْآبَاء الَّذين بَين عدنان وَإِسْمَاعِيل فعد بَعضهم بَينهمَا نَحْو أَرْبَعِينَ رجلا وعد بَعضهم سَبْعَة وَالْمُخْتَار أَن عدنان بن أدد بن اليسع بن الهميسع بن سلاط بن بتت بن حمل بن قيدار بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل " ع " ابْن تَارِيخ - وَهُوَ آزر - بن ناخور بن ساروع بن رَاعُونَ بن نَافِع بن عَابِر بن سالح بن قينان بن ارفخشد بن سَام بن نوح عليهما السلام بن لامخ - وَيُقَال لأمك - ابْن متوشلح بن أَخْنُوخ - وَهُوَ إِدْرِيس عليه السلام بن بَارِد بن مهلاييل ابْن قينان بن أنوش بن شِيث بن دم عليه السلام قَالَ عُلَمَاء السّير كَانَت آمِنَة بنت وهب بن عبد منَاف فِي حجر عَمها وهيب فَمشى إِلَيْهِ عبد الْمطلب بن هَاشم بِابْنِهِ عبد الله وخطب مِنْهُ آمِنَة وَعقد عَلَيْهَا نِكَاحه
وَدخل بهَا فَحملت بِسَيِّد الْعَالم وأشرف بني آدم ثمَّ خرج عبد الله إِلَى الشَّام وَعَاد فَمر بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ مَرِيض فَأَقَامَ عِنْد أَخْوَاله بني عدي بن النجار مُدَّة شهر وَتُوفِّي وَدفن فِي دَار النَّابِغَة - وَهُوَ رجل من بني عدي بن النجار - وَرَسُول الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ ابْن شَهْرَيْن وَقيل كَانَ حملا وَولد رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الِاثْنَيْنِ لعشر لَيَال خلون من ربيع الأول وَقيل لاثني عشر عَام الفبل وَكَانَ قدوم أَصْحَاب الْفِيل ذَلِك فِي نصف الْمحرم وَتَقَدَّمت قصتهم وَبَين الْفِيل وَبَين مولد رَسُول الله عَلَيْهِ وَسلم خمس وَخَمْسُونَ لَيْلَة وَهِي سنة سِتَّة لاف وَمِائَة وَثَلَاث وَسِتِّينَ سنة من هبوط دم عليه السلام على حكم التَّوْرَاة اليونانية الْمُعْتَمدَة عِنْد المؤرخين ولد صل الله عَلَيْهِ وَسلم مَخْتُومًا مَسْرُورا ففرح بِهِ عبد الْمطلب وحظى عِنْده وَقَالَ لَيَكُونن لِابْني هَذَا شَأْن عَظِيم وَكَانَ شَأْن واي شَأْن صلى الله عليه وسلم وَخلق الله من الْأَنْبِيَاء أَرْبَعَة عشر مختونين وهم دم وشيت ونوح وَهود وَصَالح وَلُوط وَشُعَيْب ويوسف ومُوسَى وَسليمَان وزَكَرِيا ويحي وحَنْظَلَة بن صَفْوَان - من أَصْحَاب الرُّسُل - وَنَبِينَا صلى الله عليه وسلم وَأولُوا الْعَزْم من الرُّسُل خَمْسَة وهم نوح وَإِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى وَنَبِينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَقيل غير ذَلِك وَأول الرُّسُل عليهم السلام آدم وأخرهم مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَمن الْأَنْبِيَاء أَرْبَعَة سريانيون وهم أَدَم وشيث واخنوخ - وَهُوَ إِدْرِيس وَهُوَ أول من خطّ بالقلم - نوح وَأَرْبع من الْعَرَب هُوَ هود وَشُعَيْب وَصَالح وَمُحَمّد صلى الله عليه وسلم وَأول أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل مُوسَى وأخرهم عِيسَى
وَأما أسماؤه صلى الله عليه وسلم فَهِيَ ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ اسْما؟ ً مُحَمَّد وَأحمد والماحي والحاشر والعقب والمقفي وَنَبِي الرَّحْمَة وَنَبِي التَّوْبَة وَنَبِي الْمَلَاحِم وَالشَّاهِد والبشير والنذير والضحوك والقتال والمتوكل والفاتح والأمين والخاتم والمصطفى وَالرَّسُول وَالنَّبِيّ الْأُمِّي والقثم قَالَه ابْن الْجَزرِي وَذكر غَيره أَسمَاء كَثِيرَة مِنْهَا طه وَيس والمزمل والمدثر وَالرَّسُول وَله أَسمَاء غير ذَلِك ، وَفِيمَا ذكرته كِفَايَة طلبا للاختصار وَأول من أَرْضَعَتْه صل الله عَلَيْهِ وَسلم ثويبة بِلَبن ابْن لَهَا يُقَال لَهُ مسروح أَيَّامًا وَكَانَت أرضعت قبله حَمْزَة بن عبد الْمطلب فَهُوَ عَم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَخُوهُ فِي الرضَاعَة ثمَّ قدمت حليمة إِلَى مَكَّة فَأَخَذته وَمَضَت بِهِ إِلَى بلادها وَهِي بادية بني سعد وَأَتَاهُ الْملكَانِ هُنَاكَ فشقا بَطْنه واستخرجا علق سَوْدَاء فطرحاها وغسلا بَطْنه بِمَاء الثَّلج فِي طست من ذهب والقصة الْمَشْهُورَة فَلَمَّا علمت حليمة بذلك رجعت بِهِ إِلَى مَكَّة لأَهله وَهُوَ ابْن خمس وَتوفيت أمه آمِنَة وَله سِتّ سِنِين وَلما صَار لرَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم اثْنَا عشر سنة وشهران ارتحل بِهِ أَبُو طَالب إِلَى الشَّام فَلَمَّا نزل ببصر من أَرض الشَّام وَبهَا رَاهِب يُقَال لَهُ بحيرا فِي صومعة فَرَأى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وغمامة تظله من بَين الْقَوْم وَرَأى فِيهِ إمارات النُّبُوَّة بشرر بِهِ وَقَالَ لأبي طَالب إِن لِابْنِ أَخِيك شَأْنًا عَظِيما وشب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى بلغ وَكَانَ أعظم النَّاس مرؤة وحلماً واحسنهم جَوَابا وأصدقهم حَدِيثا وأعظمهم أَمَانَة حَتَّى صَار اسْمه فِي قومه الْأمين لما جمع الله فِيهِ من الْأُمُور الصَّالِحَة وَفِي سنة خمس وَعشْرين من مولده تزوج خَدِيجَة بنت خويلد رضي الله عنها وَلها أَرْبَعُونَ سنة وَلم يتَزَوَّج غَيرهَا حَتَّى مَاتَت وَلم يتَزَوَّج بكرا غير عَائِشَة
وَولدت لَهُ خَدِيجَة أَوْلَاده كلهم إِلَّا إِبْرَاهِيم فَإِنَّهُ من مَارِيَة الْقبْطِيَّة وَيَأْتِي ذكر مولده ووفاته وَبَقِيَّة أَوْلَاده من خَدِيجَة وهم زَيْنَب ورقية وَأم كُلْثُوم وَفَاطِمَة الزهراء وَالقَاسِم وَبِه كَانَ يكنى توفى بِمَكَّة وَله من الْعُمر سنة والطاهر وَهُوَ عبد الله وَتوفى بِمَكَّة بعد النُّبُوَّة قبل الْهِجْرَة وَالطّيب توفى بِمَكَّة وَأما بَنَاته فكلهن أدركن الْإِسْلَام فأسلمن وهاجرن مَعَه فرقية مَاتَت فِي سنة اثْنَتَيْنِ من الْهِجْرَة وَزَيْنَب فِي سنة ثَمَان من الْهِجْرَة وَأم كُلْثُوم مَاتَت بعد مرجع النَّبِي صلى الله عليه وسلم من حجَّة الْوَدَاع وَفَاطِمَة مَاتَت بعد رَسُول الله (ص) بِسِتَّة أشهر وَقيل أقل من ذَلِك وَرُوِيَ أَن عَائِشَة رضي الله عنها أسقطت سقطا اسْمه عبد الله وَفِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ من مولده (ص) هدمت قُرَيْش الْكَعْبَة وَكَانَ سَبَب هدمها إِنَّهَا كَانَت قَصِيرَة الْبناء فأرادوا رَفعهَا وسقفها فهدموها ثمَّ بنوها حَتَّى بلغ الْبُنيان مَوضِع الْحجر الْأسود فاختصموا فِيهِ لِأَن كل قبيل أَرَادَت رَفعه إِلَى مَوْضِعه ثمَّ اتَّفقُوا على أَن يحكموا أول دَاخل من بَاب الْحرم وَكَانَ أول من دخل رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا هَذَا الْأمين رَضِينَا بِهِ وَأَخْبرُوهُ الْخَبَر فَقَالَ هلموا إِلَيّ ثوبا فَأتي بِهِ فَأخذ الْحجر فَوَضعه فِيهِ بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ لتأْخذ كل قَبيلَة نَاحيَة من الثَّوْب ثمَّ ارفعوه جَمِيعًا فَفَعَلُوا فَلَمَّا بلغُوا بِهِ مَوْضِعه وَضعه بِيَدِهِ الشَّرِيفَة صلى الله عليه وسلم ثمَّ أَتموا بِنَاء الْكَعْبَة وَالله سبحانه وتعالى أعلم (ذكر مبعثه صلى الله عليه وسلم وابتدأ الْوَحْي إِلَيْهِ) بعث رَسُول الله (ص) وَنزل عَلَيْهِ الْوَحْي وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ سنة وَكَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ لثماني عشرَة لَيْلَة خلت من رَمَضَان وَأول مَا بَدَأَ بِهِ من الْوَحْي الرُّؤْيَا الصَّالِحَة فَكَانَ لَا يرى رُؤْيا إِلَّا جَاءَت مثل فلق الصُّبْح ثمَّ حبب إِلَيْهِ الْخَلَاء وَكَانَ يَخْلُو
بِغَار حراء فيتعبد فِيهِ فَجَاءَهُ الْملك واقرأه كَمَا فِي الحَدِيث الشريف والقصة الْمَشْهُورَة فَعَاد إِلَى خَدِيجَة وأخبرها الْخَبَر فَانْطَلَقت بِهِ أَتَت ورقة بن نَوْفَل فَأَخْبَرته خبر مَا رأى فَقَالَ لَهُ ورقة هَذَا الناموس الَّذِي أنزلهُ الله عل مُوسَى يأتيني فِيهَا جذعاً لَيْتَني اكوني حَيا إِذْ يخْرجك قَوْمك فَقَالَ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم أَو مخرجي هم؟ قَالَ نعم لم يَأْتِ رجل بِمثل مَا جِئْت بِهِ إِلَّا عودي وَإِن يدركني يَوْمك أنصرك نصرا مؤزراً ثمَّ لم يلبث ورقة أَن توفى وفتر الْوَحْي ثمَّ كَانَ أول مَا نزل عَلَيْهِ من الْقرن بعد (اقْرَأ باسم رَبك)(نون والقلم وَمَا يسطرون) و (يَا أَيهَا المدثر)(وَالضُّحَى) وَأول من بِهِ من النِّسَاء خَدِيجَة زَوجته ثمَّ أول شَيْء فرض الله عَلَيْهِ الله عَلَيْهِ من شرائع الْإِسْلَام - بعد الْإِقْرَار بِالتَّوْحِيدِ والبراءة من الْأَوْثَان - الصَّلَاة أَتَاهُ جِبْرِيل فَعلمه الْوضُوء وَالصَّلَاة ورميت الشَّيَاطِين بِالشُّهُبِ لمبعثه واسلم عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه وَكَانَ عمره إِحْدَى عشرَة سنة ثمَّ أسلم زيد بن حَارِثَة ثمَّ أسلم أَبُو بكر رضي الله عنه وَقيل إِنَّه أول من أسلم وَأسلم عَليّ عل يَده عُثْمَان بن عَفَّان وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد بن أبي وَقاص وَطَلْحَة بن عبيد الله فجَاء بهم إِلَى رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم ف ، ، ، ، ` ،] أسلم بعدهمْ من أسلم وَأمر الله سُبْحَانَهُ وتعال نبيه صلى الله عليه وسلم بعد مبعثه بِثَلَاث سِنِين أَن يصدع بِمَا يُؤمر وَأَن يظْهر دَعوته وَكَانَ قبل ذَلِك فِي السنين الثَّلَاث مستتراً بدعوته لَا يظهرها إِلَّا إِلَى من يَثِق بِهِ وَكَانَ أَصْحَابه إِذا أَرَادوا الصَّلَاة ذَهَبُوا إِلَى الشعاب فاستخفوا ثمَّ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صدع بِأَمْر الله تعال وَأمر قومه بِالْإِسْلَامِ فَكَانَ الْمُشْركُونَ يحصل مِنْهُم الضَّرَر للمستضعفين من الْمُسلمين فَمن
لَا عشيرة لَهُ تَمنعهُ يعذبونه بالقائه فِي الرمضاء على ظَهره وَقت الظهيرة وبإلقاء الصَّخْرَة الْعَظِيمَة عل صَدره وَيُقَال لَهُ لَا تزَال هَكَذَا حَتَّى تَمُوت أَو تكفر بِمُحَمد وَتعبد اللات والعزى وَكَانُوا يَفْعَلُونَ بهم غير ذَلِك من أَنْوَاع التعذيب وَمن الْمُسلمين من مَاتَ من فعل الْمُشْركين وَكَانَ بعض الْمُشْركين يُؤْذِي رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم ويستهزئ بِهِ ثمَّ اسْلَمْ حَمْزَة عَم النَّبِي (ص) فَعرفت قُرَيْش أَن رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم قد عز وَامْتنع فكفوا عَن بعض مَا كَانُوا ينالون مِنْهُ ثمَّ أسلم عمر بن الْخطاب رضي الله عنه فأعز الله بِإِسْلَامِهِ الدّين وَقَالَ يَا رَسُول الله أَلسنا عل الْحق؟ قَالَ أَي وَالِدي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ قَالَ أما وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ نَبيا لَا يعبد الله بعد الْيَوْم إِلَّا جَهرا فأظهر الله الدّين بإيمانه (الْهِجْرَة الأولى) لما رأ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يُصِيب أَصْحَابه من الْبلَاء أَمرهم أَن يخرجُوا إِلَى أَرض الْحَبَشَة فَخرج جمَاعَة مِنْهُم عُثْمَان بن عَفَّان وَزَوجته رقية بنت رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَقدمُوا على النَّجَاشِيّ وَكَانَ ملكا عادلاً اسْمه أَصْحَمَة ومهناه بِالْعَرَبِيَّةِ عَطِيَّة فأكرمهم وَأَقَامُوا عِنْده بِخَير ثمَّ أسلم النَّجَاشِيّ بعد ذَلِك وَكَانَ السَّبَب فِي ولَايَته عَلَيْهِم بعد قتل أَمِير الْحَبَشَة أَن أَبَاهُ كَانَ أَمِيرا عَلَيْهِم فكرهوه وَكَانَ لَهُ أَخ فقصدوا ولَايَته عَلَيْهِم بعد قتل أَخِيه فَقَتَلُوهُ وقصدوا قتل النَّجَاشِيّ فَقَالَ لَهُم عَمه أَنْتُم قتلتم أَبَاهُ وتقتلوه وأخرجوه من بِلَادكُمْ فَأَخَذُوهُ إِلَى الْبَحْر فَرَأَوْا سفينة فباعوه وَرَجَعُوا إِلَى بِلَادهمْ فوجدوا عَمه مَاتَ فَقَالُوا ذَلِك من الْخَطِيئَة النَّجَاشِيّ فأدركوه وَأتوا بِهِ ليَكُون أَمِيرا مَكَان أَبِيه فجاؤا بِهِ أَمِيرا مَكَان أَبِيه فَأول مَا حكم إِن الَّذين اشتروه قَالُوا إِن
هَؤُلَاءِ باعونا عبدا وأخذوه منا فَقَالَ لَهُم إِمَّا أَن تعطوهم مَا أَخَذْتُم مِنْهُم وَأما أَن تسلموهم عبدهم فَهَذَا أول حكمه فيهم ثمَّ بعد ذَلِك وَقع من الْحَبَشَة تعصب عل أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا لَهُ إِن هَؤُلَاءِ لَهُم دين غير ديننَا فَأرْسل وَرَاءَهُمْ وَقَالَ لَهُم مَا تَقولُونَ فِي عيس ابْن مَرْيَم؟ فَقَالُوا نؤمن ونصدقه فِيمَا جَاءَ بِهِ فَقَالَ للحبشة مَا تَقولُونَ فِي نَبِيّهم؟ فَلم يُؤمنُوا بِهِ فَقَالَ لَهُم هَؤُلَاءِ يُؤمنُونَ بنبيكم وَأَنْتُم لَا تؤمنون بِنَبِيِّهِمْ فَأَنت الْآن ظلمَة فَكل مِنْكُم عل دينه وَلَا أحد مِنْكُم يُعَارض هَؤُلَاءِ فاستمروا فِي بِلَاده مُدَّة وعادوا إِلَى أوطانهم وَمَات النَّجَاشِيّ فَقَالَ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم مَاتَ الْيَوْم رجل صَالح فصلوا عل أخيكم اصمحة فصل عَلَيْهِ النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه (أَمر الصَّحِيفَة) وَلما رأى الْمُشْركُونَ أَن الْإِسْلَام يَنْمُو وَيزِيد ائْتَمرُوا أَن يكتبوا بَينهم كتابا يتعاقدون فِيهِ على أَن لَا ينكحوا بني هَاشم وَبني عبد الْمطلب وَلَا ينكحوا مِنْهُم وَلَا يبيعوهم وَلَا يبتاعوا مِنْهُم فَكَتَبُوا بذلك صحيفَة وعلقوها فِي جَوف الْكَعْبَة الشَّرِيفَة وَأَقَامُوا عل ذَلِك سنتَيْن أَو ثَلَاثًا هَذَا وَرَسُول الله (ص) يَدْعُو النَّاس سرا وجهراً وَالْوَحي يتتابع ثمَّ قَامَ نفر من قُرَيْش وتعاهدوا على نقض الصَّحِيفَة وَوَقع بَينهم خلاف فَقَامَ مطعم بن عدي إِلَى الصَّحِيفَة ليشقها فَوجدَ الأرضة قد أكلتها إِلَّا مَا كَانَ (بِاسْمِك اللَّهُمَّ) كَانَت قُرَيْش تستفتح بهَا كتابها وأكلت الأَرْض مَا فِيهَا من ظلم وَقطع رحم وَتركت مَا فِيهَا من اسْم الله تَعَالَى وَكَانَ النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم أخبر بذلك فَاجْتمع قُرَيْش وأحضروا الصَّحِيفَة فوجدوا الْأَمر كَمَا قَالَه فنكسوا رُؤْسهمْ وَاتفقَ جمَاعَة من قُرَيْش وَنَقَضُوا
مَا تَعَاهَدُوا عَلَيْهِ فِي الصَّحِيفَة من قطيعة بني هَاشم وَبني عبد الْمطلب وَالله أعلم (قصَّة الْمِعْرَاج وَمَا وَقع لنبينا مُحَمَّد (ص) لَيْلَة الْإِسْرَاء بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) لما بعث الله رَسُوله صلى الله عليه وسلم وَأنزل عَلَيْهِ الْوَحْي وَأمره بِإِظْهَار دينه وأيده بالمعجزات الظاهرات والآيات الباهرات أسرى بِهِ لَيْلًا من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى - وَهُوَ بَيت الْمُقَدّس من ايليا - وَقد فَشَا الْإِسْلَام فِي قُرَيْش وَفِي الْقَبَائِل كلهَا وَكَانَ الْإِسْرَاء لَيْلَة سبع عشرَة من ربيع الأول قبل الهجر بِسنة وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وَقد قيل كَانَ فِي لَيْلَة سبع وَعشْرين من شهر رَجَب وَاخْتلف النَّاس فِي الْإِسْرَاء برَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل إِنَّمَا كَانَ جَمِيع ذَلِك فِي الْمَنَام وَالْحق الَّذِي عَلَيْهِ النَّاس ومعظم السّلف وَعَامة الْمُتَأَخِّرين من الْفُقَهَاء والمحدثين والمتكلمين إِنَّه أسرى بجسده صلى الله عليه وسلم يقظه لِأَن قَوْله تَعَالَى (وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أريناك إِلَّا فتْنَة للنَّاس) تدل على ذَلِك وَلَو كَانَت رُؤْيا نوم مَا افْتتن بهَا النَّاس حَتَّى ارْتَدَّ كثير مِمَّن كَانَ أسلم وَقَالَ الْكفَّار يزْعم مُحَمَّد إِنَّه أَتَى بَيت الْمُقَدّس وَرجع إِلَى مَكَّة فِي لَيْلَة وَاحِدَة وَالْعير تطرد إِلَيْهِ شهرا مقبلة وشهراً مُدبرَة فَلَو كَانَت رُؤْيا نوم لم يستبعد ذَلِك مِنْهُ قَالَ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما هِيَ رُؤْيا عين رَآهَا النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم لَا رُؤْيا مَنَام قَالَ الله تعال (مَا زاغ الْبَصَر وَمَا طغ اضاف الْأَمر لِلْبَصَرِ وَقَالَ تعال (مَا كذب الْفُؤَاد مَا رأى) أَي لم يُوهم الْقلب الْعين غير الْحَقِيقَة بل صدق رؤيتها وَاخْتلف السّلف وَالْخلف هَل رأى نَبينَا صلى الله عليه وسلم ربه لَيْلَة الْإِسْرَاء فأنكرته عَائِشَة رضي الله عنها وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما إِنَّه قَالَ رأه بِعَيْنيهِ وَمثله عَن أبي ذَر
وَكَعب وَالْحسن وَكَانَ يحلف على ذَلِك وَحكي مثله عَن ابْن مَسْعُود وَأبي هُرَيْرَة وَالْإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل وحك النقاش عَن الإِمَام أَحْمد إِنَّه قَالَ أَنا بِحَدِيث ابْن عَبَّاس بِعَيْنيهِ رَآهُ رَآهُ رَآهُ حَتَّى انْقَطع نفس الإِمَام أَحْمد وَاخْتلفُوا فِي أَن نَبينَا مُحَمَّد صل الله عَلَيْهِ وَسلم هَل كلم ربه عز وجل لَيْلَة الْإِسْرَاء فَذكر عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد الصَّادِق إِنَّه قَالَ أوحى الله إِلَيْهِ بِلَا وَاسِطَة وَإِلَى هَذَا ذهب بعض الْمُتَكَلِّمين وَقَالَ إِن مُحَمَّدًا كلم ربه فِي لَيْلَة الْإِسْرَاء وحكموه عَن أبي عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَاخْتلف فِي الْمَكَان الَّذِي أسرى ربه مِنْهُ فَروِيَ عَنهُ صلى الله عليه وسلم إِنَّه قَالَ بَينا أَنَام فِي بَيت أم هاني بنت أبي طَالب - وَفِي رِوَايَة بَيْنَمَا أَنا فِي الْحطيم وَرُبمَا قَالَ فِي الْحجر مُضْطَجعا وَمِنْهُم من قَالَ بَيْنَمَا أَنا بَين النَّائِم وَالْيَقظَان وَكَانَت لَيْلَة الِاثْنَيْنِ إِذْ هَبَط عَليّ الْأمين جِبْرِيل عليه السلام وَذكر الْقِصَّة وَكَانَ من حَدِيث الْمِعْرَاج الشريف مَا ري عَن النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه قَالَ أتيت بِالْبُرَاقِ - وَهُوَ دَابَّة أَبيض طَوِيل فَوق الْحمار وَدون الْبَغْل يضع حَافره عِنْد مُنْتَهى طرفه - قَالَ فركبته حَتَّى أتيت بَيت الْمُقَدّس فربطته بالحلقة الَّتِي ترْبط بهَا الْأَنْبِيَاء ثمَّ دخلت الْمَسْجِد فَصليت فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي رِوَايَة فَلَمَّا دخلت الْمَسْجِد إِذا أَنا بالأنبياء وَالْمُرْسلِينَ قد حشروا إِلَيّ من قُبُورهم ومثلوا لي وَقد قعدوا صُفُوفا صُفُوفا ينتظرونني فَسَلمُوا عَليّ فَقلت يَا جِبْرِيل من هَؤُلَاءِ الْقَوْم؟ قَالَ إخوانك الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ زعمت قُرَيْش إِن الله شَرِيكا وَزَعَمت النَّصَارَى إِن لله ولدا اسْأَل هَؤُلَاءِ النَّبِيين هَل كَانَ لله شريك؟ ثمَّ قَرَأَ (واسأل من أرسلنَا قبلك من رسلنَا أجعلنا من دون الرَّحْمَن آلِهَة يعْبدُونَ) قَالَ أَبُو الْقَاسِم الْحسن بن مُحَمَّد بن حبيب الْمُفَسّر فِي كتاب النزيل لَهُ إِن هَذِه الْآيَة نزلت على النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِبَيْت الْمُقَدّس لَيْلَة الْإِسْرَاء وَقد
عدهَا غَيره من الْعلمَاء فِي الشَّامي وَالَّذِي قَالَه أَبُو الْقَاسِم أخص مِمَّا ذَكرُوهُ فَلَمَّا نزلت وسمعها الْأَنْبِيَاء عليهم السلام اقروا لله عز وجل بالوحدانية قَالَ عليه الصلاة والسلام ثمَّ جمعهم جِبْرِيل وقدمني فَصليت بهم رَكْعَتَيْنِ قَالَ (ص) ثمَّ خرجت فَجَاءَنِي جِبْرِيل باناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللَّبن فَقَالَ جِبْرِيل اخْتَرْت الْفطْرَة ثمَّ عرج بِنَا إِلَى السَّمَاء فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقيل من أَنْت؟ قَالَ جِبْرِيل قيل وَمن مَعَك؟ قَالَ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم قيل وَقد بعث إِلَيْهِ؟ قَالَ قد بعث إِلَيْهِ فَفتح لنا فَإِذا بِدَم عليه السلام فَرَحَّبَ بِي ودعا لي بِخَير ثمَّ عرج بِنَا إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقيل من أَنْت؟ قَالَ جِبْرِيل قيل وَمن مَعَك؟ قَالَ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم قيل وَقد بعث إِلَيْهِ؟ قَالَ قد بعث إِلَيْهِ فَفتح لنا فَإِذا أَنا ببني الْخَالَة عِيسَى بن مَرْيَم ويحي بن زَكَرِيَّا (ع) فرحبا بِي ودعوا لي بِخَير ثمَّ عرج بِنَا إِلَى السَّمَاء الثَّالِثَة - فَذكر مثل الأول - فَفتح لنا فَإِذا أَنا بِيُوسُف عليه السلام وَإِذا هُوَ قد أعطي شطر الْحسن فَرَحَّبَ بِي ودعا لي بِخَير ثمَّ عرج بِنَا إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة - وَذكر مثله - فَإِذا أَنا بِإِدْرِيس فَرَحَّبَ بِي ودعا لي بِخَير ثمَّ عرج بِنَا إِلَى السَّمَاء الْخَامِسَة - فَذكر مثله - فَإِذا أَنا بهَارُون فَرَحَّبَ بِي ودعا لي بِخَير ثمَّ عرج بِنَا إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة - فَذكر مثله - فَإِذا أَنا بمُوسَى فَرَحَّبَ بِي ودعا لي بِخَير ثمَّ عرج بِنَا إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة - فَذكر مثله - فَإِذا أَنا بإبراهيم مُسْندًا ظَهره إِلَى الْبَيْت الْمَعْمُور وَإِذا هُوَ يدْخلهُ كل يَوْم سَبْعُونَ ألف ملك لَا يعودون إِلَيْهِ ثمَّ ذهب بِي إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى وَإِذا وَرقهَا كآذان الفيلة وَإِذا ثَمَرهَا
كالقلال قَالَ فَلَمَّا غشيها الله من أمره مَا غشيها تَغَيَّرت فَمَا أحد من خلق الله يَسْتَطِيع أَن ينعتها من حسنها فَأوحى الله إِلَى مَا أوحى فَفرض عَليّ خمسين صَلَاة فِي كل يَوْم وَلَيْلَة فَنزلت إِلَى مُوسَى فَقَالَ مَا فرض رَبك عَلَيْك وعَلى أمتك؟ قلت خمسين صَلَاة قَالَ إرجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف فَإِن أمتك لَا يُطِيقُونَ ذَلِك فَإِنِّي بلوت بني إِسْرَائِيل وخبرتهم قَالَ فَرَجَعت إِلَى رَبِّي فَقلت يَا رب خفف عَن أمتِي فحط عني خمْسا فَرَجَعت إِلَى مُوسَى فَقلت حط عني خمْسا قَالَ إِن أمتك لَا يُطِيقُونَ ذَلِك فإرجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف قَالَ فَلم أزل أرجع بَين رَبِّي تَعَالَى وَبَين مُوسَى حَتَّى صَارَت خمس صلوَات قَالَ إِن أمتك لَا يُطِيقُونَ ذَلِك فإرجع إِلَى رَبك فأسأله التَّخْفِيف قَالَ يَا مُحَمَّد إنَّهُنَّ خمس صلوَات فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة لكل صَلَاة عشر فَتلك خَمْسُونَ صَلَاة وَمن هم بحسنة وَلم يعملها كتبت لَهُ حَسَنَة فَإِن عَملهَا كتبت لَهُ عشرا وَمن هم بسيئة فَلم يعلمهَا لم تكْتب شَيْئا فَإِن عَملهَا كتبت سَيِّئَة وَاحِدَة قَالَ فَنزلت حَتَّى انْتَهَيْت إِلَّا مُوسَى فَأَخْبَرته فَقَالَ إرجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقلت قد رجعت إِلَى رَبِّي حَتَّى استحييت مِنْهُ وَفِي رِوَايَة يَا مُوسَى قد وَالله استحييت من رَبِّي مِمَّا اخْتلف إِلَيْهِ قَالَ بِسم الله فاهبط قَالَ صلى الله عليه وسلم ثمَّ حَملَنِي حَتَّى أنزلني عل جبل بَيت الْمُقَدّس وَإِذا أَنا بِالْبُرَاقِ وَاقِف عل حَاله فِي مَوْضِعه فسميت الله واستويت عل ظَهره فَمَا كَانَ بأسرع من أَن أشرفت على مَكَّة وَمَعِي جِبْرِيل قَالَ صلى الله عليه وسلم لما كَانَ صَبِيحَة لَيْلَة الْإِسْرَاء أَصبَحت بِمَكَّة متحيراً فِي أَمْرِي وعملت أَن النَّاس يكذبوني فَقَعَدت مُعْتَزِلا حَزينًا إِلَى نَاحيَة من نواحي الْمَسْجِد فمرر بِي أَبُو جهل عَدو الله فجَاء حَتَّى جلس إِلَيّ فَقَالَ - كالمستهزي -
هَل كَانَ من شَيْء يَا مُحَمَّد؟ فَقلت نعم قَالَ وَمَا هُوَ؟ قلت إِنِّي اسري اللَّيْلَة قَالَ إِلَى أَيْن؟ قلت إِلَى بَيت الْقُدس قَالَ ثمَّ أَصبَحت بَين أظهرنَا؟ قلت نعم فَقَالَ أَبُو جهل يَا معشر قُرَيْش يَا معشر بني كَعْب يَا معشر بني لؤَي هلموا فانقضت الْمجَالِس وجاؤا حَتَّى جَلَسُوا إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَبُو جهل حدث قَوْمك يَا مُحَمَّد بِمَا حَدثنِي فَقَالَ رَسُول الله (ص) إِنِّي أسرِي بِي اللَّيْلَة قَالُوا إِلَى أَيْن؟ قَالَ إِلَى بَيت الْمُقَدّس قَالُوا ثمَّ أَصبَحت بَين أظهرنَا؟ قَالَ نعم فبقى مِنْهُم المتعجب وَمِنْهُم المصفق وَمِنْهُم الْوَاضِع يَده عل أم رَأسه ثمَّ قَالُوا هَل تَسْتَطِيع أَن تنْعَت لنا بَيت الْمُقَدّس؟ قلت نعم قَالَ فَذَهَبت أنعته حَتَّى الْتبس عَليّ بعض النَّعْت لكوني دَخلته لَيْلًا فجيء بِالْمَسْجِدِ انْظُر إِلَيْهِ حَتَّى وضع دون دَار عقيل فَجعلت انْظُر إِلَيْهِ وَأخْبرهمْ عَن آيَاته قَالَ صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَآيَة ذَلِك إِنِّي مَرَرْت بِغَيْر بني فلَان بوادي كَذَا وَكَذَا فنفرهم حس الدَّابَّة فندلهم بعير فدللتهم عَلَيْهِ ثمَّ أَقبلت حَتَّى إِذا كنت بضجنان مَرَرْت بعير بني فلَان فَوجدت الْقَوْم نياماً وَلَهُم إِنَاء فِيهِ مَاء قد غطوا عَلَيْهِ بِشَيْء فَكشفت غطاءه وشربت مَا فِيهِ ثمَّ غطيت عَلَيْهِ كَمَا كَانَ وَإِن عيرهم الْآن تصوب من الْبَيْضَاء ثنية التَّنْعِيم يقدمهَا جمل أَوْرَق عَلَيْهِ غِرَارَتَانِ أحداهما سَوْدَاء وَالْأُخْرَى برقاء فابتدر الْقَوْم الثَّنية فَلم يلقهم أَولا إِلَّا الْجمل الَّذِي وصف لَهُم وسألوهم عَن الْإِنَاء فَأَخْبرُوهُمْ إِنَّهُم وضعوه مَمْلُوء مَاء ثمَّ غطوه وَإِنَّهُم افتقدوه من اللَّيْل فوجدوه كَمَا غطوه وَلم يَجدوا فِيهِ مَاء وسألوا الْقَوْم الَّذين ندلهم الْبَعِير فَقَالُوا صدق وَالله لقد ند لنا بعير بالوادي الَّذِي ذكره فسمعنا صَوت رجل يَدْعُونَا إِلَيْهِ وَإنَّهُ لأشبه الْأَصْوَات بِصَوْت مُحَمَّد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم فَجِئْنَا حَتَّى أخذناه وَذهب النَّاس إِلَى أبي بكر فَقَالُوا هَل لَك يَا أَبَا بكر فِي صَاحبك إِنَّه يزْعم إِنَّه د جَاءَ هَذِه اللَّيْلَة بِبَيْت الْمُقَدّس وَصلى فِيهِ وَرجع إِلَى مَكَّة
فَقَالَ أَبُو بكر رضي الله عنه وَالله لَئِن كَانَ قَالَ لكم ذَلِك لقد صدق فَمَا تعجبكم من ذَلِك فو الله إِنَّه ليخبرنا عَن الْوَحْي من الله يَأْتِيهِ من السَّمَاء إِلَى الأَرْض فِي سَاعَة وَاحِدَة من ليل أَو نَهَار فنصدقه فَهَذَا أبعد مِمَّا تعْجبُونَ مِنْهُ ثمَّ أقبل حَتَّى انْتهى إِلَى رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا نَبِي الله أحدثت هَؤُلَاءِ إِنَّك جِئْت بَيت الْمُقَدّس هَذِه اللَّيْلَة؟ قَالَ نعم قَالَ صدقت فصفه لي يَا نَبِي الله فَإِنِّي جِئْته قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَرفع لي حَتَّى نظرت إِلَيْهِ وَجعل يصفه لأبي بكر وَهُوَ يَقُول صدقت أشهد أَنَّك رَسُول الله حَتَّى انْتهى فَقَالَ رَسُول الله (ص) وَأَنت يَا أبي بكر الصّديق فَسُمي من ذَلِك صديقا قَالَ الله تَعَالَى (وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ وَصدق بِهِ أُولَئِكَ هم المتقون) ثمَّ أنزل الله سُورَة النَّجْم تَصْدِيقًا لَهُ صلى الله عليه وسلم ثمَّ توفى أَبُو طَالب عَم رَسُول الله عَلَيْهِ وَسلم وَخَدِيجَة رضي الله عنهما قبل الْهِجْرَة الشَّرِيفَة وَمَاتَتْ خَدِيجَة قبل الْهِجْرَة الشَّرِيفَة بِخَمْسَة وَثَمَانِينَ يَوْمًا وَقيل بِخَمْسَة وَعشْرين يَوْمًا وَقيل بِثَلَاثَة أَيَّام فعظمت الْمُصِيبَة عل رَسُول الله (ص) بموتهما وَقَالَ مَا نالتني قُرَيْش بِشَيْء أكرهه حَتَّى مَاتَ أَبُو طَالب وَذَلِكَ إِن قُريْشًا وصلوا من إيذائه بعد موت أبي طَالب إِلَى مَا لم يَكُونُوا يصلونَ إِلَيْهِ فِي حَيَاته وَتزَوج بعد خَدِيجَة عَائِشَة رضي الله عنها وَلها تسع سِنِين وَتزَوج بسودة وَخرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى قبائل الْعَرَب يلْتَمس مِنْهُم نصرته وَالْقِيَام مَعَه على من يُخَالِفهُ ويدعوهم إِلَى الله فَلم يُجِيبُوهُ (ابْتِدَاء أَمر الْأَنْصَار) وَلما أَرَادَ الله إِظْهَار دينه خرج رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَوْسِم فَعرض نَفسه عل الْقَبَائِل كَمَا كَانَ يفعل فَبَيْنَمَا هُوَ عِنْد الْعقب إِذْ لَقِي رهطاً من الْخَزْرَج فَدَعَاهُمْ إِلَى الله تَعَالَى فَأَجَابُوهُ وَصَدقُوهُ وَانْصَرفُوا رَاجِعين إِلَى بِلَادهمْ فَلَمَّا قدمُوا الْمَدِينَة
ذكرُوا لَهُم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا قَومهمْ إِلَى الْإِسْلَام حَتَّى فَشَا فيهم (بيعَة الْعقبَة الأولى) فَلَمَّا كَانَ الْعَام الْمقبل وافى الْمَوْسِم من الْأَنْصَار اثْنَا عشر رجلا فَلَقوهُ بِالْعقبَةِ فَبَايعُوهُ أَن لَا يشركوا بِاللَّه وَلَا يسرقوا وَلَا يزنوا وَلَا يقتلُوا أَوْلَادهم وَبعث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مُصعب بن عُمَيْر وَأمره أَن يُقْرِئهُمْ الْقرن وَيُعلمهُم الْإِسْلَام فَنزل بِالْمَدِينَةِ (بيعَة الْعقبَة الثَّانِيَة) وَلما فَشَا الْإِسْلَام فِي الْأَنْصَار اتّفق جمَاعَة مِنْهُم على الْمسير إِلَى رَسُول الله (ص) مستخفين فَسَارُوا فِي ذِي الْحجَّة مَعَ كفار قَومهمْ واجتمعوا برَسُول الله صلى الله عليه وسلم ووعدوه أَوسط أَيَّام التَّشْرِيق بِالْعقبَةِ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل خَرجُوا حَتَّى اجْتَمعُوا بِالْعقبَةِ وهم سَبْعُونَ رجلا مَعَهم امْرَأَتَانِ وجاءهم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَبَايعُوهُ فَتكلم رَسُول الله (ص) وتلا الْقُرْآن ثمَّ قَالَ أُبَايِعكُم على أَن تَمْنَعُونِي مِمَّا تمْنَعُونَ مِنْهُ نساءكم وَأَوْلَادكُمْ وَدَار الْكَلَام بَينهم واستوثق كل فريق من الآخر ثمَّ سَأَلُوا رَسُول الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا إِن قتلنَا دُونك مَا لنا؟ قَالَ لكم الْجنَّة قَالُوا فابسط يدك فَبسط يَده فَبَايعُوهُ ثمَّ رجعُوا إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَ قدومهم فِي ذِي الْحجَّة فَأَقَامَ رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم بَقِيَّة ذِي الْحجَّة وَالْمحرم وصفر وَالله أعلم (ذكر الْهِجْرَة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة على صَاحبهَا أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام) وَهِي ابْتِدَاء التَّارِيخ الإسلامي أما لَفظه التَّارِيخ فَإِنَّهَا محدثة فِي لُغَة الْعَرَب لِأَنَّهُ لفظ مُعرب من ماه روز لِأَن عمر رضي الله عنه قصد التَّوَصُّل إِلَى الضَّبْط من رسوم الْفرس فَاسْتَحْضر الهر مزان وَسَأَلَهُ عَن ذَلِك فَقَالَ إِن لنا بِهِ حسابا نُسَمِّيه
مَا مروز وَمَعْنَاهُ حِسَاب الشُّهُور وَالْأَيَّام فعربوا الْكَلِمَة فَقَالُوا مؤرخ ثمَّ جعلُوا اسْمه التَّارِيخ واستعملوه ثمَّ طلبوه يجعلونه أَولا لتاريخ دولة الاسلام وَاتَّفَقُوا عَليّ أَن يكون المبدأ سنة هَذِه الْهِجْرَة فَكَانَت هَذِه الْهِجْرَة من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة شرفها الله تَعَالَى وَقد تصرم من شهور هَذِه السّنة وأيامها الْمحرم وصفر وثملنية ايم من ربيع الأول فَلَمَّا عزموا عل تأسيس الْهِجْرَة رجعُوا التقهقري ثَمَانِيَة وَسِتِّينَ يَوْمًا وَجعلُوا مبدأ التَّارِيخ أول الْمحرم من هَذِه السّنة ثمَّ احصلوا من أول يَوْم الْمحرم إِلَيّ أخر يَوْم من عمر النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ سِنِين وشهرين وأياماً وَإِذا حسب عمره من الْهِجْرَة فَيكون قد عَاشَ بعْدهَا تسع سِنِين وَاحِد عشر شهرا واثنين وَعشْرين يَوْم واما التواريخ الْقَدِيم فَكَانَت الْأُمَم السالفة تؤرخ بالأحداث الْعِظَام وتملك الْمُلُوك فأرخوا بهبوط آدم ثمَّ بعث نوح ثمَّ بالطوفان وأرخ بَنو إِسْحَاق بِنَار إِبْرَاهِيم إِلَى يُوسُف وَمن يُوسُف إِلَى مبعث مُوسَى إِلَى ملك سُلَيْمَان بن دَاوُد ثمَّ بِمَا كَانَ من الكوائن وَمِنْهُم من أرخ بوفاة يَعْقُوب عليه السلام ثمَّ بِخُرُوج مُوسَى من مصر ببني إِسْرَائِيل ثمَّ بخراب بَيت الْمُقَدّس وَأما بَنو إِسْمَاعِيل فأرخوا بِبِنَاء الْكَعْبَة وَلم يزَالُوا يؤرخون بذلك حَتَّى تفَرقُوا وَكَانَ كل من خرج مِنْهُم من تهَامَة يؤرخ بِخُرُوجِهِ ثمَّ أَرخُوا بعام الْفِيل ثمَّ أَرخُوا بأيام الحروب وَكَانَت حمير يؤرخون بملوكهم التبابعة وَأما اليونان وَالروم فأرخوا بِظُهُور الاسكندر وَأما النبط فَكَانُوا يؤرخون بِملك بخت نصر وَأما الْمَجُوس فَكَانُوا يؤرخون بقتل دَارا وَظُهُور الاسكندر ثمَّ بِظُهُور ازدشير ثمَّ بِملك يزدجرد وَولد سيدنَا مُحَمَّد صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْعرب تؤرخ بعام الْفِيل وَلم يزل التَّارِيخ كَذَلِك إِلَى أَن ولي عمر بن الْخطاب رضي الله عنه الْخلَافَة فقرر الْأَمر أَن يؤرخوا بِهِجْرَة النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة فَجعلُوا التَّارِيخ من الْمحرم أول عَام الْهِجْرَة
وَقد ورد فِي حَدِيث الْمِعْرَاج الشريف أَن جِبْرِيل قَالَ للنَّبِي صلى الله عليه وسلم حِين أسرى بِهِ أنزل فصل هُنَا فَفعل فَقَالَ أَتَدْرِي أَيْن صليت صليت بِطيبَة وإليها الْهِجْرَة وَأما مَا كَانَ من حَدِيث الْهِجْرَة فَإِن رَسُول الله صل الله عَلَيْهِ وَسلم هَاجر إِلَى الْمَدِينَة فِي شهر ربيع الأول وَأمر أَصْحَابه بالمهاجر إِلَى الْمَدِينَة فَخرج جمَاعَة وتتابع الصَّحَابَة ثمَّ هَاجر عمر بن الْخطاب رضي الله عنه وَأقَام النَّبِي (ص) بِمَكَّة ينْتَظر مَا يُؤمر بِهِ وتخلف مَعَه أَبُو بكر وَعلي رضي الله عنهما وأجمعت قُرَيْش عل مكيدة يفعلونها مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَنَجَّاهُ الله من مَكْرهمْ وَانْزِلْ عَلَيْهِ فِي ذَلِك (وَإِذ يمكر بك الَّذين كفرُوا) الْآيَة وَأمره بِالْهِجْرَةِ فَأمر عليا أَن يتَخَلَّف عَنهُ وَيُؤَدِّي مَا عِنْده من الودائع لأربابها ثمَّ خرج هُوَ وَأَبُو بكر إِلَى غَار ثَوْر - وَهُوَ جبل أَسْفَل مَكَّة فأقاما فِيهِ ثمَّ خرجا بعد ثَلَاثَة أَيَّام وتوجها إِلَى الْمَدِينَة وقدماها لاثني عشر لَيْلَة خلت من ربيع الأول سنة إِحْدَى وَكَانَ يَوْم لاثْنَيْنِ الظّهْر فَنزل بقباء وَأقَام بهَا الِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء وَأسسَ مَسْجِد قبَاء وَهُوَ الَّذِي نزل فِيهِ (لمَسْجِد أسس على التَّقْوَى من أول يَوْم أَحَق أَن تقوم فِيهِ رجال) ثمَّ خرج من قبَاء يَوْم الْجُمُعَة وأدركته الْجُمُعَة فِي بني عَمْرو بن عَوْف فَصلاهَا فِي الْمَسْجِد الَّذِي بِبَطن الْوَادي وَكَانَت أول جُمُعَة صلاهَا بِالْمَدِينَةِ فولد صلى الله عليه وسلم يَوْم الِاثْنَيْنِ وَهَاجَر يَوْم الِاثْنَيْنِ وَقبض يَوْم الِاثْنَيْنِ وَاخْتلف الْعلمَاء فِي مقَامه بِمَكَّة بعد أَن أوحى إِلَيْهِ فَقيل عشر سِنِين وَقيل ثَلَاث عشر سنة وَهُوَ الصَّحِيح وَلَعَلَّ الَّذِي قَالَ عشر سِنِين أَرَادَ بعد إِظْهَار الدعْوَة فَإِنَّهُ بَقِي ثَلَاث سِنِين يسرها وَالله أعلم