الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وُصُول ملك الانكثير)
وَفِي يَوْم السبت ثَالِث عشر الشَّهْر أشاع الْكفَّار وُصُول ملك الانكثير فِي عدد كثير وَوَقع الارجاف فِي النَّاس وَالسُّلْطَان قوي الْجنان لَا يرهبه ذَلِك وَهُوَ مُعْتَمد عل الله فِي أُمُوره وَأعلم ملك الانكثير أَن أهل التَّوْحِيد لَهُم قُوَّة وَإِنَّهُم لَا يبالون بِهِ (غرق البطة) كَانَ السُّلْطَان قد عمر فِي بيروت بطة وشحنها بِالْعدَدِ والآلات وفيهَا نَحْو سَبْعمِائة رجل مقَاتل توسطت فِي الْبَحْر صادفها ملك الانكثير وأحاطت بهَا مراكبه وَحصل الْقِتَال بَين الْفَرِيقَيْنِ وَقتل من الإفرنج خلق كثير وعجزوا عَن أَخذهَا فَلَمَّا رأى مقدمها اشْتَدَّ الْأَمر نزل فخرقها حَتَّى غرقت فِي الْبَحْر وَوصل خَبَرهَا للسُّلْطَان فِي السَّادِس عشر من جماد ى الأولى وَكَانَت هَذِه الوقع أول حَادِثَة حصل بهَا الوهن للْمُسلمين (حريق الذبابة) وَكَانَ الإفرنج قد اتَّخذُوا ذُبَابَة عَظِيمَة وَلها أَربع طَبَقَات وَهِي خشب ورصاص وحديد ونحاس وقربها إِلَى أَن بَقِي بَينهَا وَبَين الْبَلَد خَمْسَة أَذْرع وَكَانَت هَذِه الذبابة على الْعجل وانزعج الْمُسلمُونَ بذلك ورموا عَلَيْهَا النفط وَهُوَ لَا يُفِيد فِيهَا حَتَّى قدر الله تَعَالَى وجاءها سهم صائب فأحرقها الله تَعَالَى وَحصل للْمُسلمين السرُور وَزَالَ عَنْهُم مَا كَانَ من الْغم بِسَبَب غرق البطة فَإِن حريق الذبابة كَانَ يَوْم وُصُول خبر غرق البطة ثمَّ وَقع وقعات فِي هَذَا الشَّهْر وَكَانَت الْعَلامَة بَين عَسْكَر السُّلْطَان وَبَين المقيمين بعكا عِنْد زحف الْعَدو دق الكؤس فَإِذا سَمِعت أدركهم الْعَسْكَر فَوَقع
لَهُم عدَّة وقعات فَمن ذَلِك وقْعَة فِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع عشرالشهراشتد فِيهَا الْقِتَال إل وَقت الظّهْر حت حمى الْحر فافترق الْفَرِيقَانِ وَرجع كل إل مخيمه ووقعة فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ الثَّالِث وَالْعِشْرين من الشَّهْر حصر الْعَدو الْبَلَد وَاسْتشْهدَ إثنان من الْمُسلمين وَقتل جمَاعَة من الْمُشْركين ووقعة فِي الْيَوْم الثَّامِن وَالْعِشْرين من الشَّهْر خرج الْعَدو فأرسلا وراجلا وَركب السُّلْطَان وَاشْتَدَّ الأمرواستشهد من الْمُسلمين بدوي وكرديوهلك خلق كثير من الْمُشْركين وَأسر مِنْهُم فارسبفرسه ووقعة فِي يَوْم الْأَحَد التَّاسِع وَالْعِشْرين من الشَّهْر طَال فِيهَا الْقِتَال وَأسر الْكفَّار من الْمُسلمين وَاحِدًا فَأَحْرقُوهُ وَأسر الْمُسلمُونَ مِنْهُم وَاحِدًا وأحرقوه قَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب وشاهدنا البارين فِي حَالَة وَاحِدَة يشتعلان والصفان واقفان يقتتلان (ذكر المر كيس ومفارقته) وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سلخ الشَّهْر ذكر عَن المر كيس إِنَّه هرب إِلَى صور فَإِنَّهُ كَانَ بَينه وَبَين هنقرى عَدَاوَة وأحقاد باطنية لأمور كَانَت بَينهمَا فَلَمَّا جَاءَ ملك الانكثير تظلم إِلَيْهِ هنقرى واستعداده عل المر كيس فَلَمَّا علم المر كيس بذلك فر مِنْهُ (فصل) وَوصل العساكر إِلَى السُّلْطَان من سنجار وَمن مصر وَحضر رَسُول من عِنْد بعض مُلُوك الإفرنج إِلَى السُّلْطَان بِكَلَام مهمل لَا طائل تَحْتَهُ ثمَّ حضر رسل ثَلَاثَة فأكرمهم السُّلْطَان وَأحسن إِلَيْهِم وَكَانَ غَرَض الإفرنج بتكرير الرسلات الخداع حَتَّى يشْتَغل الْمُسلمُونَ عَنْهُم وَضعف الثغر من قُوَّة الْحصْر وَلما علم السُّلْطَان يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع جماد الْآخِرَة بِمَا عَلَيْهِ الْبَلَد من غَلَبَة
الْبلَاء زحف بعسكره ودهم الإفرنج وَنهب من خيامهم وأمس تِلْكَ اللَّيْلَة ثمَّ أَمر بدق الكؤس سحرًا حَتَّى ركب الْعَسْكَر فجر ذَلِك الْيَوْم من الْقِتَال أَشد مَا كَانَ من أمس وَوصل إِلَى السُّلْطَان مطلعة من الْبَلَد إِنَّهُم عجزوا وَلم يبْق إِلَّا تَسْلِيم الْبَلَد فمعظم الْأَمر عل السُّلْطَان وَفِي هَذَا الْيَوْم بعث العساكر وزحف إِلَى خنادقهم وخالطوهم وَحصل بَينهم قتال شَدِيد وَلما تكاثر الإفرنج عل عكا وَقل الْمُسلمُونَ لِكَثْرَة من اسْتشْهد خرج سيف الدّين عل المشطوب غل ملك الافرنسيس بِأَمَان وَقَالَ لَهُ قد علمْتُم مَا عاملنا كم بِهِ عِنْد أَخذ بِلَادكُمْ من الْأمان لأَهْلهَا وَنحن نسلم إِلَيْك الْبَلَد عل أَن تُعْطِينَا الْأمان ونسلم فَقَالَ إِن أُولَئِكَ الْمُلُوك كَانُوا عَبِيدِي وَأَنْتُم مماليكي أفعل بكم مَا يَقْتَضِيهِ رَأْيِي فَقَامَ المشطوب من عِنْده مغتاضاً وَأَغْلظ لَهُ فِي القَوْل وَقَالَ نَحن لَا نسلم الْبَلَد حَتَّى نقْتل بأجمعنا ونقتلكم قبلنَا وَلَا يقتل منا وَاحِد حَتَّى يقتل خمسين وَلما رَجَعَ المشطوب وَعلم حَاله هرب جماع من الْأُمَرَاء والأجناد مِمَّن بِالْبَلَدِ وَغَضب عَلَيْهِم السُّلْطَان وَأخرج إقطاعتهم ثمَّ رَجَعَ بَعضهم إِلَى الْبَلَد فَحصل لَهُ الرِّضَا وَوَقع فِي بَعضهم شَفَاعَة واستمروا عل المقت عِنْد السُّلْطَان وَفِي يَوْم الْخَمِيس حصلت وقْعَة عَظِيمَة وَاشْتَدَّ فِيهَا الْحَرْب وَأصْبح الْعَسْكَر يَوْم الْجُمُعَة عَاشر الشَّهْر عل أهبة الْقِتَال فَلم يحصل شَيْء وَاقْتضى النَّهَار والعسكر مُحِيط بالعدو والعدو مُحِيط بِالْبَلَدِ واصبح يَوْم السبت والإفرنج قد ركبُوا وَخرج مِنْهُم أَرْبَعُونَ فَارِسًا واستدعوا بِبَعْض المماليك الناصرية فَلَمَّا وصل إِلَيْهِم أَخْبرُوهُ أَن الْخَارِج صَاحب صيدا فِي أَصْحَابه وَهُوَ يَسْتَدْعِي نجيب الدّين أحد أُمَنَاء السُّلْطَان لِأَنَّهُ كَانَ يتَرَدَّد فِي الرسالات للإفرنج فَلَمَّا حضر أرْسلهُ إِلَى السُّلْطَان ليتحدث فِي خُرُوج من بعكا بِأَنْفسِهِم بِحكم الْأمان وطلبوا فِي مُقَابلَة ذَلِك أَشْيَاء لَا يُمكن وُقُوعهَا وتعنتوا فِي الِاشْتِرَاط فتردد من عِنْد السُّلْطَان نجيب الدّين مرَارًا وَكَانَ الإفرنج اشترطوا إِعَادَة جَمِيع الْبِلَاد وَإِطْلَاق أساراهم فبذل السُّلْطَان لَهُم عكا بِمَا فِيهَا وَإِن يُطلق فِي مُقَابلَة كل شخص أَسِيرًا فَلم يقبلُوا وسمح لَهُم برد صَلِيب الصلبوت وانفصل الْأَمر على غير اتِّفَاق وَضعف الْبَلَد وَعجز من فِيهِ (اسْتِيلَاء الإفرنج على عكا) وَفِي يَوْم الْجُمُعَة السَّابِع عشر من جُمَادَى الْآخِرَة اجْتمعت الإفرنج بجموعها وهجمت وطلعت فِي السُّور المهدوم فثار عَلَيْهِم الْمُسلمُونَ وصدوهم وحصلت الْوَقْعَة حَتَّى كلت الرِّجَال فَخرج سيف الدّين عَليّ بن أَحْمد المشطوب وحسام الدّين حُسَيْن بازيك وَأخذ أَمَان الإفرنج عل أَن يخرجُوا بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم عل تَسْلِيم الْبَلَد ومائتي ألف دِينَار وَخَمْسمِائة أَسِير من المجهولين وَمَا اسر من المعروفين وصليب الصلبوت وَأَشْيَاء ذكرَاهَا غير ذَلِك فَلم يشعرا إِلَّا بالرايات الإفرنجية قد نصبت على عكا وَمَا عِنْد السُّلْطَان علم بِمَا جر عَلَيْهِ الْحَال فانزعج السُّلْطَان والمسلمون لذَلِك وَنقل الثّقل تِلْكَ اللَّيْلَة إِلَى منزلَة الأول بشغرعم وَأقَام فِي خيمة لَطِيفَة ثمَّ انْتقل سحر لَيْلَة الْأَحَد تَاسِع عشر الشَّهْر إِلَى المخيم وَهُوَ فِي غم عَظِيم فسلاه أَصْحَابه واستعطفوا بخاطره وَخرج رَسُول بهاء الدّين قراقوش لطلبا قدروه من القطيعة وَقَالَ أد ركونا بِنصْف المَال وَجَمِيع الاساري وصليب الصلبوت قبل خُرُوج الشَّهْر وَإِن تَأَخّر شَيْء من ذَلِك أسرنا وَنصف المَال يصبرون بِهِ إِلَى شهر آخر فأحضر الأكابر وفاوضهم فأشاروا باستنقاد إخْوَانهمْ من الْمُسلمين فشرع السُّلْطَان فِي تَحْصِيله وَكتب إِلَى الأقطار يعلمهُمْ بِالْحَال ويستنفرهم للْجِهَاد فِي سَبِيل الله وَفِي يَوْم الْخَمِيس سلخ جماد الْآخِرَة خرج الإفرنج وانتشروا فَضربت الكاسات السُّلْطَانِيَّة فَانْتدبَ الْعَسْكَر وَاشْتَدَّ الْحَرْب وَانْهَزَمَ الإفرنج فَجَاءَت
الْعَرَب وحالت بَينهم وَبَين أسوارهم وصرعوا زهاء خمسين رجلا وكروا عَلَيْهِم ثمَّ كرّ الإفرنج عل الْمُسلمين كرة عَظِيمَة فتثبتوا ثمَّ عَادوا عَلَيْهِم حَتَّى طردوهم إِلَى خنادقهم وانتصف الْإِسْلَام فِي ذَلِك الْيَوْم بعض الانتصاف وَفِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي رَجَب جَاءَت الرُّسُل فِي تَقْرِير القطيعة المقرة بخلاص الْجَمَاعَة وأخبروا أَن ملك الافرنسيس توجه إِلَى صور لترتيب أُمُوره ووكل المر كيس فِي قبض مَا يَخُصُّهُ فَجهز السُّلْطَان رَسُولا لكشف خَبره وعَلى يَدَيْهِ هَدِيَّة لَهُ وَنقل خيمته يَوْم السبت إِلَى تل بازاء شغرعم وَرَاء التل الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ وَمَا زَالَت الرُّسُل تَتَرَدَّد حَتَّى أحضر مائَة ألف دِينَار والاساري المطلوبين وصليب الصلبوت ليوصل ذَلِك إِلَى الإفرنج فِي الْأَجَل الْمعِين وَوَقع الْخلف فِي كَيْفيَّة التَّسْلِيم فَقَالَ السُّلْطَان اسلمه إِلَيْكُم عل أَن تطلقوا جَمِيع أَصْحَابنَا وتأخذوا بباقي المَال قوما رهائن فَأَبَوا إِلَّا أَخذ الْجَمِيع بسرع ويسلموا ويحلفون للْمُسلمين عل تَسْلِيم من عِنْدهم فَقيل لَهُم تضمنكم الرِّوَايَة فَلم يضمنوا فتحير السُّلْطَان وَقَالَ مت سلمن إِلَيْهِم من غير احْتِيَاط بِالشّرطِ كَانَ عل الْإِسْلَام غبن وعار فَلَو ايقنا بخلاص أَصْحَابنَا سمحنا لَهُم فِي الحجال بصليب الصلبوت والاساري وَالْمَال ووقف الْأَمر إِلَى أَن مضى الْأَجَل وَجَاء الرُّسُل وَرَأَوا الاسارى قد حَضَرُوا وَالْمَال مَوْزُونا فظنوا أَن صَلِيب الصلبوت قد أرسل إِلَى دَار الْخلَافَة فسألوا إِحْضَاره لينظروه فَلَمَّا أحضر خروا لَهُ ساجدين اطمأنوا وَظهر للسُّلْطَان مِنْهُم إمارات الْغدر وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء الْحَادِي وَالْعِشْرين من رَجَب أخرج الإفرنج إِلَى ظَاهر المرج خياماً نصبوها وَجلسَ فِيهَا ملك الانكثير وَمَعَهُ خلق من جماعته (غدر ملك الانكثير وَقتل الْمُسلمين المأخوذين بعكا) وَفِي عصر يَوْم الثُّلَاثَاء سادس عشري رَجَب ركب الافرنج بأسرهم وجاؤا
إِلَى المرج الَّذِي بَين تل الصياصية وتل كيسَان فَعلم السُّلْطَان بذلك فركبت العساكر نحوهم وَكَانُوا قد أحضروا أسَارِي الْمُسلمين وهم واقفون فِي الْجبَال وحملوا عَلَيْهِم وقتلوهم جَمِيعهم فَحمل عَلَيْهِم الْعَسْكَر وَقتل مِنْهُم خلقا كثيرا وَانْصَرف الْعَدو إل خيامه فَلَمَّا وَقع هَذَا الْغدر تصرف السُّلْطَان فِي ذَلِك المَال وَأعَاد أسَارِي الإفرنج إِلَى دمشق وَأعَاد صَلِيب الصلبوت (رحيل الإفرنج صوب عسقلان) وَفِي سحر الْأَحَد غرَّة شعْبَان عزم الإفرنج عل التَّوَجُّه إِلَى عسقلان وَسَارُوا فَعلم السُّلْطَان بذلك وَكنت نوبَة اليزك فِي ذَلِك الْيَوْم للْملك الْأَفْضَل فَوقف فِي طريقهم وشتت شملهم وَأرْسل يستنجد وَالِده أَن يمده بعسكر حَتَّى يقاتلهم فَاسْتَشَارَ من حضر عسكره فَقيل للسُّلْطَان إِن الْعَسْكَر لم يتأهب لِلْقِتَالِ والإفرنج قد فَأتوا وَالْحَرب قَائِم عِنْد قيسارية وقصده أولى فصرف السُّلْطَان عزمه وَتوجه نَحْو قيسارية وَنزل عل النَّهر الَّذِي يجْرِي إِلَى قيسارية وَأقَام هُنَاكَ وَأي مرَارًا باساري فَأمر بإراقة دمهم (وقْعَة قيسارية) وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع شعْبَان وصل الْخَبَر للسُّلْطَان برحيل الافرنج وَإِنَّهُم سائرون فِي جمع فَركب السُّلْطَان وَمن مَعَه وَسَار الْعَدو بازائه وَكَانَت هُنَاكَ بركَة كَبِيرَة مَمْلُوءَة بِالْمَاءِ والإفرنج عل عزم وُرُودهَا فصدهم عَسْكَر الْإِسْلَام عَنْهَا وطردوهم فَوَلوا مُدبرين وَانْصَرفُوا نَحْو السَّاحِل ونزلوا عل نهر يُقَال لَهُ نهر الْقصب بعد مشق حصلت لَهُم من الْمُسلمين وَنزل الْعَسْكَر بعد انْقِضَاء الْحَرْب عل الْبركَة ثمَّ رَحل وَنزل على نهر الْقصب فِي أَوله وَهُوَ الَّذِي نزل الْعَدو فِي أَسْفَله فقربت الْمسَافَة
وَكَانَ شخص من الْأُمَرَاء اسْمه عز الدّين ابْن الْمُقدم أبْصر جمَاعَة من الإفرنج مُقْبِلين لكشف حَال الْعَسْكَر فَعبر إِلَيْهِم النَّهر وَقتل مِنْهُم عدَّة وَأسر ثَلَاثَة فَركب الافرنج وحملوا عَلَيْهِ وَكَانَت وقْعَة عَظِيمَة وأحضر الاساري عِنْد السُّلْطَان ورحل وَقت الظّهْر قَاصِدا نَحْو أرسوف وَنزل عل قَرْيَة بقربها وَأقَام بهَا يَوْم الْأَرْبَعَاء والعدو فِي مَكَانَهُ الأول (اجْتِمَاع الْملك الْعَادِل وَملك الانكثير) كَانَ فِي اليزك علم الدّين سُلَيْمَان بن جندر فراسله الْعَدو أَن يتحدث مَعَ الْملك الْعَادِل فاجتمعا يَوْم الْخَمِيس فتكلما فِي الصُّلْح وإخماد الْفِتْنَة فَقَالَ لَهُ الْملك الْعَادِل مَا الَّذِي تريده؟ فَقَالَ رد الْبِلَاد فَقَالَ الْعَادِل هَذَا لَا سَبِيل إِلَيْهِ وَأَغْلظ لَهُ فِي القَوْل وَكَانَ الترجمان بَينهمَا هنفرى بن هنفرى فَلَمَّا سمع ملك الانكثير ذَلِك غضب وتفرقا على غير شَيْء (وقْعَة أرسوف) لما عرف السُّلْطَان من أَخِيه الْملك الْعَادِل مَا جر بَينه وَبَين ذَلِك الملعون جمع يَوْم الْجُمُعَة العساكر وسير الثّقل وَركب فَلَمَّا أَسْفر صباح السبت رَابِع عشر شعْبَان ركب الْعَدو عل صوب أرسوف فهجم عَلَيْهِم عَسْكَر الْإِسْلَام وأحاط بهم وَاشْتَدَّ الْقِتَال بَينهم فحملوا على اطلاب الْمُسلمين حَملَة وَاحِدَة فاستشهد جمَاعَة من الْمُسلمين ثمَّ كرّ الْعَسْكَر على الْكفَّار فصدوهم وكسروهم وَقتل مِنْهُم جمَاعَة وَأسر جمَاعَة وهرب الإفرنج ودخلوا أرسوف ونزلوا قَرِيبا من المَاء وَبَات السُّلْطَان تِلْكَ اللَّيْلَة عل نهر العوجاء وَأقَام الْعَدو يَوْم الْأَحَد فِي مَوْضِعه ثمَّ رَحل يَوْم الثُّلَاثَاء سائراً إِلَى يافا فعارضهم الْعَسْكَر فِي طريقهم ثمَّ رَحل السُّلْطَان يَوْم الثُّلَاثَاء سَابِع عشر شعْبَان وَنزل بالرملة وَاجْتمعَ عِنْده
الأثقال كلهَا ثمَّ رَحل وَنزل بِظَاهِر عسقلان بعد الْعَصْر (خراب عسقلان) لما نزل السُّلْطَان بالرملة أحضر عِنْده أَخَاهُ الْملك الْعَادِل وأكابر الْأُمَرَاء أشاورهم فِي أَمر عسقلان فَأَشَارَ بَعضهم بخرابها للعجز عَن حفظهَا فَإِن الإفرنج نزلُوا بيافا وَهِي مَدِينَة الْقُدس وعسقلان متوسطة وَلَا سَبِيل إِلَى حفظ المدينتين إِلَّا بِعَدَد كثير وتيقن إِنَّهُم إِذا وصلوا إِلَى عسقلان تسلموها كَمَا وَقع فِي عكا وَاقْتضى الْحَال هدمها وَوصل السُّلْطَان إِلَى عسقلان وَشرع فِي هدمها بكرَة يَوْم الْخَمِيس تَاسِع عشر شعْبَان فنقض أسوارها وَهدم منازلها وَكَانَت مِمَّن أحس المدن وأظرفها فَصَارَت خراباً داثرة وَحصل لأَهْلهَا مشقة زَائِدَة بهدمها وَبَاعُوا أمتعتهم بأنجس الْأَثْمَان وتشتتوا فِي الْبِلَاد (فصل) فَلَمَّا هدمها رَحل يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي شهر رَمَضَان وَنزل على يبنا وَنزل يَوْم الْأَرْبَعَاء ثَالِث الشَّهْر بالرملة ثمَّ خرج إِلَى لد وأشرف عَلَيْهَا وَأمر بإخرابها وإخراب قلع الرمل فَفعل ذَلِك ثمَّ توجه إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَأَتَاهُ يَوْم الْخَمِيس وَخرج مِنْهُ يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن شهر رَمَضَان بعد الظّهْر وَبَات فِي بَيت نوبَة وَعَاد إِلَى المخيم يَوْم الثُّلَاثَاء ضحوة وَفِي هَذَا التَّارِيخ خرج ملك الانكثير متنكراً فَخرج عَلَيْهِ الكمين وَجرى قتال عَظِيم حَتَّى كَاد يؤسر الْملك وَقد أسر مِنْهُ جمَاعَة وَجرى يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر الشَّهْر بَين اليزكية وَأهل الْكفْر وقْعَة قتل مِنْهُم مقدم كَبِير
ورحل السُّلْطَان يَوْم السبت ثَالِث عشره وَنزل على تل عَال عِنْد النطرون وَهِي قلعة منيعة فَهَدمهَا وأشاع الْإِقَامَة هُنَاكَ وأفاض الانعام على الْعَسْكَر (ذكر مَا تجدّد لملك الانكثير) وصلت رسل ملك الانكثير إِلَى الْعَادِل بالمصالحة وترددت الرُّسُل وانتظم الْحَال على أَن الْعَادِل يتَزَوَّج أُخْت ملك الانكثير وَيحكم الْعَادِل فِي الْبِلَاد وَتَكون الْمَرْأَة مُقِيمَة بالقدس ويوطن الْعَادِل مقدم يالافرنج وَالرِّوَايَة والاستبار بِبَعْض الْقرى وَلَا يُمكنهُم من الْحُصُون وَلَا يُقيم مَعهَا فِي الْقُدس إِلَّا قسس وَرُهْبَان فاستدع الْعدْل جمَاعَة من الْأَعْيَان مِنْهُم الْعِمَاد الْكَاتِب وَغَيره سَأَلَهُمْ فِي الْمُضِيّ إِلَى السُّلْطَان وإعلامه بذلك وسؤاله فِي ذَلِك فَحَضَرُوا إِلَى السُّلْطَان وَأَخْبرُوهُ بِالْحَال فسمح ورضى وَذَلِكَ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشري رَمَضَان وَعَاد الرَّسُول إِلَى ملك الانكثير ثمَّ أَن أكَابِر الإفرنج عرضوا ذَلِك قسسهم فَلم يرضوه وخبثوا الْمَرْأَة وند موها وعنفوها بتزويجها بِالْمُسلمِ فانثنى عزمها عَن التَّزْوِيج وَقَالَت أتزوجه بِشَرْط أَن يوافقني عل ديني فَأَنف الْعَادِل من ذَلِك وَاعْتذر الْملك بامتناع أُخْته وَبَطل الِاتِّفَاق وَكَانَ ذَلِك يَوْم الْعِيد وَفِي يَوْم الْعِيد خلع السُّلْطَان عل أكابره وَمد لَهُم سماطاً وَنزل السُّلْطَان بالرملة ليقرب من الْعَدو وتواتر الْخَبَر بِأَن الإفرنج عل عزم الْخُرُوج فَسَار يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع شَوَّال وخيم خَارج الرملة وَجَاء الْخَبَر أَن الْعَدو قد خرج إِلَى باروز فَتسَارع الْعَسْكَر إِلَيْهِم وقربوا من خيامهم وَأَحَاطُوا بهم فَركب الإفرنج وحملوا على النَّاس حَملَة فاندفعوا بَين أَيْديهم فاستشهد ثَلَاثَة وَكَانَ السُّلْطَان فِي كل يَوْم يركب وَلَا يَخْلُو من وقْعَة يقتل فِيهَا من الْكفَّار