الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ذكر نسَاء الإفرنج)
ثمَّ وصلت مركب فِيهَا ثَلَاثمِائَة امْرَأَة إفرنجية من النِّسَاء الحسان اجْتَمعْنَ من الجزائر الْإِسْعَاف العزبان وسبلن أَنْفسهنَّ وفروجهن للعزبان ورأين أَن هَذِه قربَة مَا ثمَّ أفضل مِنْهَا وَعند الإفرنج أَن العزباء إِذا مكنت الأعزب لَا حرج عَلَيْهَا وتسامع عَسْكَر الْإِسْلَام بِهَذِهِ الْقَضِيَّة فأبق من المماليك والجهال جمَاعَة وذهبوا إلَيْهِنَّ ووصلت أَيْضا فِي الْبَحْر امْرَأَة كَبِيرَة الْقدر وَهِي ملكة بَلَدهَا وَفِي خدمتها خَمْسمِائَة فَارس وَفِي الإفرنج نسَاء يلبس هَيْئَة الرِّجَال ويقاتلن وَفِي يَوْم الْوَقْعَة أسر جمَاعَة مِنْهُنَّ فَلم يعرفن حَتَّى سلبن وعرين وَأما الْعَجَائِز فَحَضَرَ مِنْهُنَّ جمَاعَة وَهن ينشدن تَارَة ويحرصن وبنخين الرِّجَال لعنة الله عَلَيْهِنَّ وَفِي هَذِه السّنة ندب السُّلْطَان الرُّسُل إل الْبِلَاد لاستنفار الْمُجَاهدين وَتُوفِّي الْفَقِيه ضِيَاء الدّين عيس الهكاري بِمَنْزِلَة الخروبة سحر لَيْلَة الثُّلَاثَاء تَاسِع ذِي الْقعدَة سنة خمس وَثَمَانِينَ وَكَانَ من الْأَعْيَان وَله منزلَة عِنْد السُّلْطَان وَحمل من يَوْمه إِلَى الْقُدس وَدفن بِهِ وَدخلت سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَالسُّلْطَان مُقيم بعسكره بِمَنْزِلَة الخروبة وعكا محصورة وَخرجت هَذِه السّنة والحصر مُسْتَمر وَوَقعت وقائع وَهلك من الإفرنج عدد لَا يَقع عَلَيْهِ الْحصْر (وَقع الرمل) وَكَانَ السُّلْطَان يركب أَحْيَانًا للصَّيْد وَهُوَ لَا يبعد من المخيم فَركب يَوْمًا فِي صفر فأبعد والكركبة عل الرمل وساحل الْبَحْر فَخرج الإفرنج وَقت الْعَصْر 363 فتسامع الْمُسلمُونَ يهم فَخَرجُوا إِلَيْهِم وزحفوا عَلَيْهِم وطردوهم وَأَحَاطُوا بهم ورموهم حَتَّى فرغ النشاب فَلَمَّا علم الإفرنج بذلك تجاسروا وحملوا حَملَة وَاحِدَة حَتَّى ردوا الْمُسلمين إِلَى النَّهر فَثَبت جمَاعَة وستشهد جمَاعَة وَدخل اللَّيْل وَحَال بَين الْفَرِيقَيْنِ (فتح شقيف أرنون) وَفِي يَوْم الْأَحَد خَامِس عشر ربيع الأول تسلم بالأمان شقيف أرنون وَكَانَ صَاحب صيدا معتقلاً بِدِمَشْق لأَجله فسلمه بِمَا فِيهِ وَأخرج عَنهُ وَسَار إِلَى صور ورحل السُّلْطَان وَنزل عل تل كيسَان يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن عشر ربيع الأول (مقَاتل الإفرنج عكا) وَكَانَ السُّلْطَان قد رتب طيوراً البطاقات مِنْهُ إِلَى من بعكا وتعيد إِلَيْهِ الْجَواب مِنْهُم وَكَانَ يَأْتِي إِلَيْهِ الْخَبَر أَيْضا عل يَد العوامين فِي الْبَحْر وَكَانَ الإفرنج شرعوا فَفِي عمل أبراج من خشب وأتقنوها وزحفوا فِيهَا إِلَى السُّور وتساعدوا على طم الْخَنَادِق فوصل إِلَى السُّلْطَان عوام يُخبرهُ بِالْحَال فَركب وزحف إِلَى الإفرنج فِي عشْرين من ربيع الأول يَوْم الْجُمُعَة وَسَار إِلَى الْقِتَال بخيلة وَرجله وضايقهم حَتَّى دخل اللَّيْل فَلَمَّا أصبح يَوْم السبت صبحهمْ بِالْحَرْبِ وَاسْتمرّ إِلَى آخر النَّهَار وَأصْبح يَوْم الْأَحَد عل الْقِتَال وأيده الله تعال بالنصر وَاسْتمرّ الْقِتَال فَلَمَّا كَانَ يَوْم السبت الثَّامِن وَالْعِشْرين من الشَّهْر بعد الظّهْر وَإِذا بِنَار فِي أحد الأبراج موقدة فأحقت النَّار بِالْبرِّ حَتَّى أحرقته ثمَّ أحرقت البرج الثَّانِي ثمَّ الثَّالِث وَسَقَطت الثَّلَاثَة أبراج بقدرة الله تَعَالَى فَحصل للْمُسلمين السرُور بذلك وَدَمرَ الله الْكَافرين
وَالْعجب أَن الأبراج كَانَت متباعدة وَقد أبعدها الإفرنج بمسافات وكل وَاحِد مِنْهَا عل جَانب من الْبَلَد فاحترقت فِي وَاحِد وَكَانَ سَبَب حرقها إِن رجلا يعرف بعلي بن عريف الْحُسَيْن بِدِمَشْق كَانَ اسْتَأْذن السُّلْطَان فِي دُخُول عكا للْجِهَاد وَأقَام بهَا وَشرع يعْمل النفط ويركب عقاقيره وَالنَّاس يسخرون مِنْهُ فَلَمَّا قدمت الأبراج إِلَى الْبَلَد رمي عَلَيْهَا بالنفوط وَغَيرهَا فَلم يفد فَحَضَرَ ابْن العريف إِلَى بهاء الدّين قراقوش واستأذنه فِي الرَّمْي فَأذن لَهُ على كره فَإِن الصناع قد أيسوا فَلَمَّا إِذن لَهُ بهاء الدّين قراقوش رمى أحد الأبراج فأحرقه وانتقل إِلَى الثَّالِث فأحرقه وَلم يكن ذَلِك بصنعه بل وَفقه اله تَعَالَى لَهُ وَخرج الْمُسلمُونَ من الْبَلَد فَحَفَرُوا الخَنْدَق وجاؤا إِلَى مَوضِع الْحَرِيق وَاسْتَخْرَجُوا الْحَدِيد من مَوضِع الْحَرِيق وَمَا وجدوا من الزرديات وَغَيرهَا وَللَّه الْحَمد والْمنَّة (وُصُول الأسطول من مصر) كَانَ السُّلْطَان أَمر بتعمير أسطول آخر من مصر فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس ثامن جمادي الأولى ظهر الأسطول فَركب السُّلْطَان ليشغل الإفرنج عَن قتال الأسطول فعمر الإفرنج أسطولاً وتلاقى هُوَ وأسطول الْمُسلمين فَجَاءَت مراكب الْمُسلمين ونطحت مراكبهم وَأخذ الْمُسلمُونَ مركبا للإفرنج واخذ الإفرنج مركبا للْمُسلمين وأتصل الْحَرْب فِي الْبَحْر إِلَى غرُوب الشَّمْس فَقتل من الإفرنج عدَّة كَثِيرَة وَسلم الْمُسلمُونَ (قصَّة ملك الألمان) صَحَّ الْخَبَر أَن ملك الألمان عبر من قسطنطينية بجُنُوده فَقيل إِنَّهُم أَقَامُوا
فِي قفار ومواضع مُدَّة شهر لَا يَجدونَ الطَّعَام فصاروا يذبحون خيلهم ويأكلونها ويكسرون قنطارياتهم لعدم الْحَطب ويشعلونها فِي الْبرد الشَّديد وزمان الثَّلج وَحصل لَهُم من الشدَّة مَا لَا يكَاد يُوصف وَضعف حَالهم وَذَلِكَ من لطف الله بِالْمُسْلِمين فَلَمَّا وصل إِلَى بِلَاد قلج أرسلان بن مَسْعُود حصل بَينه وَبَين الْكفَّار طراد وقتال ثمَّ أرسلا وإصطلحا وتهاديا وَاقْتضى الْحَال بَينهمَا أَن ملك الألمان يدْخل إِلَى الْبِلَاد الشامية وَإنَّهُ يسير فِي بِلَاده وَأَعْطَاهُ عشْرين مقدما من أكَابِر امرائه ليكونوا مَعَه حَتَّى يصل المأمن فَلَمَّا وصل إِلَى بِلَاد الأرمن غدر بالرهائن وَتَأَول عَلَيْهِم بِأَن التركمان سرقوا مِنْهُ فِي طَرِيقه وَنزل على طرطوس وَهُنَاكَ نهر فتواردت عَلَيْهِ العساكر وازدحموا فقصد ملك الألمان النُّزُول إِلَى النَّهر ليغتسل فَقَالَ هَل تعرفُون موضعا يُمكن العبور مِنْهُ؟ فَقَالَ لَهُ وَاحِد هُنَا مخاضة ضيقَة لَا يدْخل فِيهَا إِلَّا وَاحِد بعد وَاحِد فَدخل فِي تِلْكَ المخاضة فقوى عَلَيْهِ المَاء فصدمته شَجَرَة فِي وَجهه شجت جَبينه وتورط فِي المَاء فتعبوا فِي إِخْرَاجه فَلَمَّا خرج بَقِي مَرِيضا ثمَّ لَك لعنة الله وخلقه وَلَده فَقيل إِنَّهُم سلقوه فِي قدر حَتَّى تخلص عظمه وانهرى لَحْمه وجمعوا عِظَامه فِي كيس ليدفن فِي كَنِيسَة قمامة بالقدس حَسْبَمَا أوصى بِهِ وَوصل الْخَبَر إِلَى السلطتان بِهَلَاك الْكَافِر وَأَن وَلَده خَلفه وَهُوَ وَاصل فِي جمع كَبِير فعزم السُّلْطَان على استقباله وصده ثمَّ تثبت وَأرْسل العساكر إِلَى الْبِلَاد الَّتِي هِيَ فِي طَرِيق هَذَا الْكَافِر القادم وَوَقع الْمَرَض فِي الإفرنج وَأمر السُّلْطَان بهدم سور طبرية وَهدم يافا وأرسوف وقيسارية وَهدم صور وصيدا وجبيل وَنقل أَهلهَا إِلَى بيروت وَأما ولد ملك الألمان فَمَرض أَيَّامًا فِي بِلَاد الأرمن وَهلك أَصْحَابه من الْجُوع وَوَقع الْمَوْت فِي خيلهم ثمَّ سَارُوا من بِلَاد الأرمن وَحصل لَهُ ولعسكره شدَّة عَظِيمَة
كَانَ الإفرنج لما صَحَّ عِنْدهم وُصُول ملك الألمان إِلَى الْبِلَاد فِي جَمِيع كَبِير قَالُوا إِذا جَاءَ صَار الْأَمر لَهُ وَلَا يبْقى لنا كَلَام مَعَه فَنحْن نهجم على الْمُسلمين ونظفر بهم قبل قدومه فَخَرجُوا ظهر يَوْم الْأَرْبَعَاء لعشرين من جُمَادَى الْآخِرَة فِي جمع كَبِير وقصدوا مخيم الْملك الْعَادِل فَوقف الْملك الْعَادِل وَمن مَعَه من الْأُمَرَاء وَحمل مَعَه الْعَسْكَر الْحَاضِر قبل أَن تتصل بِهِ بَقِيَّة العساكر فَكسر الإفرنج كسرة فَاحِشَة وَركبت العادلية أكتافهم وحكموا فيهم السيوف وَكَانَ السُّلْطَان قد ركب مَعَ جمَاعَة من المماليك فوصل وَشَاهد مَا سره وَقتل من الإفرنج زهاء عشرَة لاف وَلم يبلغ من اسْتشْهد من الْمُسلمين عشرَة أنفس وَكتب السُّلْطَان إِلَى بَغْدَاد ودمشق وَغَيرهمَا يبشر بذلك (ذكر مَا تجدّد للإفرنج بوصول الكندهرى) وَمَا زَالَ الإفرنج فِي وَهن وَضعف حَتَّى وصل من الْبَحْر رجل يُقَال لَهُ كندهرى وَهُوَ عِنْدهم عَظِيم الْقدر أَفَاضَ عَلَيْهِم الْأَمْوَال فَوق أهل الْكفْر وشاع هَذَا الْخَبَر فتشاور السُّلْطَان وأكابره ورحل يَوْم الْأَرْبَعَاء السَّابِع وَالْعِشْرين من جمادي الْآخِرَة إِلَى منزله الأول بالخروبة واشتغل بتدبير أمره وَالْأَخْبَار متواردة من عكا مَعَ السباحين وبطاقات الْحمام وأخبار ملك الألمان متواصلة بِضعْف حَاله وتلاشي أَحْوَاله (حريق المنجنيقات) وَفِي رَجَب من السّنة الْمَذْكُورَة انفق الكندهري على الرِّجَال فأعط عشرَة آلَاف رجل فِي يَوْم وَاحِد ليجدوا مَعَه فِي الْقِتَال وضايق عكا وَنصب عَلَيْهَا المناجيق
فَاشْتَدَّ عزم الْمُسلمين مِمَّن بعكا وَخَرجُوا بالفارس والراجل وحالوا بَين الإفرنج وَبَينهمَا وَخرج الزراقونمن الْبَلَد ورموا النَّار فِيهَا فَاحْتَرَقَ جَمِيعهَا وَقتل فيذلك الْيَوْم من اففرنج سَبْعُونَ فَارِسًا وَأسر مِنْهُم خلق كثير فخمد الافرنج بذلك وَكَانَ من جُمْلَتهَا منجيقان كبيران مَصْرُوف أَحدهمَا ألف وَخَمْسمِائة دِينَار وَكَانَ ذَلِك فِي الللة الأولى من شعْبَان (وثصول ولد ملك الالمان الَّذِي قَامَ مقَام أَبِيه إل الإفرنج بعكا) وصل إل السُّلْطَان خبر وُصُوله فِي سادس شعْبَان وحذرهم من شاهدهم بِخَمْسَة ألفا وَوصل فِي الْبَحْر إل عكا آخر النَّهَار سادس شهر رَمَضَان فَرَآهُ الإفرنج وليسله وَقع فَقَالُوا ليته لم يصل إِلَيْنَا فَأخذ يحرضهم ويقوى عزمهم فعرفوه قُوَّة بأسس الْمُسلمين فأظهر لَهُم قُوَّة وعزماً فَلَمَّا عرفُوا جَهله قَالُوا لَهُ نخرج للْمُسلمين لَعَلَّنَا نظفر بهم فَاجْتمعُوا وَسَارُوا إل مخيم السُّلْطَان فَركب من خيمته وَتقدم إِلَى تل كيسَان ووقف ينْهض الْعَسْكَر وَحَال بَينهم اللَّيْل وَحصل للألمان مشقة فَلَمَّا لم يبلغُوا قصدهم من الْعَسْكَر أخذُوا فِي الْقِتَال الْبَلَد وحصاره (ذكر برج الذبان) وَعند ميناء عكا فِي الْبَحْر برج يعرف ببرج الذبان مُنْفَرد عَن الْبَلَد قصد الإفرنج حصاره قبل مَجِيء ملك الألمان فِي الثَّانِي وَالْعِشْرين من شعْبَان بمراكب جهزوها من الْبَحْر وشحنوها بالآلات وَالْعدَد وَمِنْهَا مركب عَظِيم لما قرب من البرج رميت عَلَيْهِ النَّار فَاحْتَرَقَ بِكُل مَا فِيهِ وملؤا بطة أُخْرَى بالأحطاب فسر فِيهَا النفط فأحرقها وَكَانَ الإفرنج فِي مراكب من وَرَائِهَا فَانْقَلَبَ الرّيح عل الإفرنج وتطاير الشرر من بطة الْحَطب وَعَاد الإفرنج فالتهبوا وانقلب بهم السَّفِينَة فاحترقوا وغرقوا وأحتم برج الذبان فَلم يظفروا مِنْهُ بِشَيْء