الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وُصُول الإبرنس صَاحب إنطاكية)
لما أَرَادَ السُّلْطَان الرحيل من بيروت فِي يَوْم السبت الْحَادِي وَالْعِشْرين من شَوَّال قيل لَهُ إِن الابرنس الانطاكي قد وصل إِلَى الْخدمَة فَأَقَامَ السُّلْطَان وَأذن للابرنس فِي الدُّخُول عَلَيْهِ فَلَمَّا تمثل بَين يَدَيْهِ أكْرمه وَأظْهر البشاشة وَسكن روعه وَكَانَ مَعَه من مقدمي فرسانه أَرْبَعَة عشر باروشا وخلع عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم وأجزل لَهُم الْعَطاء وودعه يَوْم الْأَحَد وفارقه وَهُوَ مسرور محبور (وُصُول السُّلْطَان إِلَى دمشق) لما خرج السُّلْطَان من بيروت يَوْم الْأَحَد بَات بالمخيم على الْبِقَاع ثمَّ سَار وَوصل إِلَيْهِ أَعْيَان دمشق لتلاقيه وجاءه فواكه دمشق وأطايبها وَأصْبح يَوْم الْأَرْبَعَاء فَدخل كل من فِي الْمَدِينَة وَفَرح النَّاس بِهِ وَكَانَ غيبَة السُّلْطَان عَن دمشق أَربع سِنِين فِي الْجِهَاد فَحصل لَهُم الْفَرح وَالسُّرُور وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً لدُخُوله وَجلسَ السُّلْطَان فِي دَار الْعدْل وَنظر فِي أَحْوَال الرَّعْي وأزال الْمَظَالِم وَأقَام بهاء الدّين قراقوش إِلَى أَن أخْلص أَصْحَابه من الْأسر ثمَّ عَاد يَوْم الِاثْنَيْنِ حادي عشر صفر وَوَافَقَ عود الْحَاج الشَّامي فَخرج لتلقيه فَلَمَّا رَآهُ فاضت عَيناهُ لفَوَات الْحَج وسألهم عَن أَحْوَال مَكَّة وأميرها وسر بسلامة
الْحَاج وَوصل إِلَيْهِ من الْيمن ولد أَخِيه سيف الْإِسْلَام فَتَلقاهُ وأكرمه وَتوجه الْملك الْعَادِل إِلَى الكرك (ذكر وَفَاة السُّلْطَان رَحْمَة الله عَلَيْهِ) جلس لَيْلَة السبت سادس عشر صفر فِي مَجْلِسه عل عَادَته وَحَوله خواصه مِنْهُم الْعِمَاد الْكَاتِب حَتَّى مضى من اللَّيْل ثلثه وَهُوَ يُحَدِّثهُمْ ويحدثونه ثمَّ صلى وَانْصَرفُوا فَلَمَّا بَات لحقه كسل عَظِيم وغشيه نصف اللَّيْل حم صفراوية وَأَصْبحُوا يَوْم السبت وجلسوا فِي الإيوان لانتظاره فَخرج بعض الخدام وَأمر الْملك الْأَفْضَل أَن يجلس مَوْضِعه على السماط وَتَطير النَّاس من تِلْكَ الْحَال ودخلوا إِلَيْهِ لَيْلَة الْأَحَد لعيادته وَأخذ الْمَرَض فِي التزايد وَحدث بِهِ السَّابِع رعشة وَغَابَ ذهنه وَاشْتَدَّ الارجاف فِي الْبَلَد الثَّانِي عشر من مَرضه فَتوفي رَحمَه الله تَعَالَى صبح تِلْكَ اللَّيْلَة وَهِي المسفرة عَن نَهَار الْأَرْبَعَاء السَّابِع وَالْعِشْرين من شهر صفر سنة تسع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة بعد صَلَاة الصُّبْح وغسله الْفَقِيه ضِيَاء الدّين أَبُو الْقَاسِم عبد الْملك بن يزِيد الدولقي الشَّافِعِي خطيب جَامع دمشق وَأخرج بعد صَلَاة الظّهْر من نَهَار الْأَرْبَعَاء فِي تَابُوت مسجى بِثَوْب وَجَمِيع مِمَّا احْتَاجَ إِلَيْهِ فِي تكفينه أحضرهُ القَاضِي الْفَاضِل من جِهَة حل عرفه وصل عَلَيْهِ النَّاس وَكثر عَلَيْهِ التأسف من خلق وَاشْتَدَّ حزنهمْ لفراقه وَدفن فِي قلعة دمشق فِي الدَّار الَّتِي كَانَ مَرِيضا فِيهَا وَكَانَ نُزُوله إِلَى قَبره وَقت صَلَاة الْعَصْر وَكَانَ يَوْم مَوته لم يصب الْإِسْلَام بِمثلِهِ مُنْذُ فقد الْخُلَفَاء الرَّاشِدين رضي الله عنهم وَغشيَ القلعة وَالدُّنْيَا وَحْشَة لَا يعلمهَا إِلَّا الله قَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب مَاتَ بِمَوْت السُّلْطَان رَجَاء الرِّجَال وَفَاتَ بفواته الِاتِّصَال وغاضت الأيادي وفاضت الأعادي وانقطعت الأرزاق وادلهمت الْآفَاق فجع
الزَّمَان بواحده وسلطانه ورزئ الْإِسْلَام بمشيد أَرْكَانه أرسل الْملك الْأَفْضَل الْكتب بوفاة وَالِده إِلَى أَخِيه الْعَزِيز عُثْمَان بِمصْر وَالِي أَخِيه الظَّاهِر الْغَازِي بحلب وَالِي عَمه الْملك الْعَادِل بالكرك ثمَّ أَن الْملك الْأَفْضَل عمل لوالده تربة بِالْقربِ من الْجَامِع الْأمَوِي - وَكَانَت دَارا لرجل صَالح - وَنقل إِلَيْهَا السُّلْطَان يَوْم عَاشُورَاء سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَمَشى الْأَفْضَل بَين يَدي تابوته وَأخرج من بَاب القلعة عل دَار الحَدِيث إِلَى بَاب الْبَرِيد وَأدْخل إِلَى الْجَامِع وَوضع قُدَّام السّتْر وَصلى عَلَيْهِ القَاضِي محيي الدّين بن القَاضِي زكي الدّين بالجامع الْأمَوِي ثمَّ دفن وَجلسَ ابْنه الْملك الْأَفْضَل فِي الْجَامِع ثَلَاثَة أَيَّام للعزاء وأنفقت سِتّ الشَّام بنت أَيُّوب أُخْت السُّلْطَان فِي هَذِه النّوبَة أَمْوَالًا عَظِيمَة وَكَانَ عمر السُّلْطَان حِين وَفَاته قَرِيبا من سبع وَخمسين سنة لِأَن مولده بتكريت فِي شهور سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة لما كَانَ عَمه وَأَبوهُ بهَا وَكَانَ خُرُوجهمْ مِنْهَا فِي اللَّيْلَة الَّتِي ولد فِيهَا فتشاءموا بِهِ وتطيروا مِنْهُ فَقَالَ بَعضهم لَعَلَّ فِيهِ الْخيرَة وَمَا يعلمُونَ فَكَانَ كَمَا قَالَ وَاتفقَ أهل التَّارِيخ عل أَن اباه وَأمه من دوين - بِضَم الدَّال الْمُهْملَة وَكسر الْوَاو وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تحتهَا وَبعدهَا نون - وَهِي بَلْدَة فِي خر عمل أذربيجان وَإِنَّهُم أكراد روادية وَلم يزل صَلَاح الدّين تَحت كنف أَبِيه حَتَّى ترعرع وَلما ملك نور الدّين مَحْمُود بن عماد الدّين زنكي دمشق لَازم نجم الدّين أَيُّوب خدمته وَكَذَلِكَ وَلَده الْملك صَلَاح الدّين وَلم تزل مخائل السَّعَادَة عَلَيْهِ لائحة والنجابة لَهُ مُلَازمَة تقدمه من حَالَة إِلَى حَالَة وَنور الدّين يرى لَهُ ويؤثره وَمِنْه تعلم صَلَاح الدّين طَرِيق الْخَيْر وَفعل الْمَعْرُوف وَالْجهَاد إِلَى أَن كَانَ من تَقْدِير الله مَا سبق شَرحه من أَمر سلطنته وَسيرَته وَكَانَت مد ملكه بالديار المصرية نَحْو أَربع وَعشْرين سنة وَملك الشَّام
قَرِيبا من سبع عشرَة سنة وَهُوَ أول الْمُلُوك بالديار المصرية بعد انْقِرَاض الدولة الفاطمية قَالَ الْعَيْنِيّ وَهُوَ أول من لقب بالسلطان وَالَّذِي يظْهر إِن مُرَاده أول من لقب بالسلطان من مُلُوك مصر وَالله أعلم فَإِنِّي رَأَيْت فِي التواريخ من لقب بالسلطان من مُلُوك الْعرَاق قبل الْملك صَلَاح الدّين وَخلف سَبْعَة عشر ولدا ذكرا وَابْنه صَغِيرَة وَلم يخلف فِي خزانته سو دِينَار وَاحِد وَسِتَّة وَثَلَاثِينَ درهما ناصرية وَهَذَا من رجل لَهُ الديار المصرية وَالشَّام وبلاد الْمشرق واليمن دَلِيل قَاطع على فرط كرمه وَلم يخلف دَارا وَلَا عقارا وَلم يكن لَهُ فرس يركبه إِلَّا وَهُوَ موهوب أَو مَوْعُود بِهِ وَكَانَت مجالسه منزهة عَن الهزؤ والهزل وَلم يُؤَخر صَلَاة عَن وَقتهَا وَلَا صل إِلَّا فِي جمَاعَة وَكَانَ شَافِعِيّ الْمَذْهَب يكثر من سَماع الحَدِيث النَّبَوِيّ وَقَرَأَ مُخْتَصرا فِي الْفِقْه تصنيف سليم الرَّازِيّ وَكَانَ إِذا عزم عل أَمر توكل على الله وَكَانَ حسن الْخلق صبوراً عل مَا يكره كثير التغافل عَن ذنُوب أَصْحَابه يسمع من أحدهم مَا يكره وَلَا يُعلمهُ بذلك وَلَا يتَغَيَّر عَلَيْهِ وَكَانَ يَوْمًا جَالِسا فَرمى بعض المماليك بَعْضًا بسر موزة فأخطأته ووصلت إِلَى السُّلْطَان فأخطأته وَوَقعت بِالْقربِ مِنْهُ فَالْتَفت إِلَى الْجِهَة الْأُخْرَى ليتغافل عَنْهَا وَكَانَ طَاهِر الْمجْلس فَلَا يذكر أحد فِي مَجْلِسه إِلَّا بِخَير وطاهر اللِّسَان فَلَا يولع بشتم قطّ وَقد أخْبرت أَن الدُّعَاء عِنْد قَبره مستجاب وَكَذَلِكَ عِنْد قبر الْملك الْعَادِل نور الدّين الشَّهِيد رَحْمَة الله تعال عَلَيْهِمَا وَقد رثى الْملك صَلَاح الدّين الشُّعَرَاء وَأَكْثرُوا فِيهِ وَمن أحسن المراثي مرثية الْعِمَاد الْكَاتِب وَهِي مِائَتَان وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ بَيْتا فَمِنْهَا شَمل الهد وَالْملك عَم شتاته والدهر سَاءَ وأقلعت حَسَنَاته بِاللَّه أَيْن النَّاصِر الْملك الَّذِي لله خَالِصَة صفت نياته أَيْن الَّذِي مَا زَالَ سُلْطَانا لنا يرج نداه وتتق سطواته
أغلال أَعْنَاق العدى أسيافه أطواق أجياد الورى مناته من فِي الْجِهَاد صفاحه مَا أغمدت بالنصر حَتَّى أغمدت صفحاته من فِي صُدُور الْكفْر صدر قناته حَتَّى تَوَارَتْ بالصفاح قناته ألف المتاعب فِي الْجِهَاد فَلم يكن مذ عَاشَ قطّ لذاته لذاته مَسْعُود غدواته محمودة روحاته مَيْمُونَة ضحواته فِي نصْرَة الْإِسْلَام كَانَ محامياً أبدا إِلَى أَن أسلمته حماته قد أظلمت مذ غَابَ عَنْهَا نوره لما خلت من بدره داراته دفن السماح فَلَيْسَ ينتشر بعد مَا وورى إِلَى يَوْم النشور رفاته الدّين بعد أبي المظفر يُوسُف أقوت قواه وأقفرت ساحاته بَحر خلا من وارديه وَلم تزل محفوفة بوفوده حفاته من لليتامي والأرامل رَاحِم متعطف منضوضة صدقاته فعلى صَلَاح الدّين يُوسُف دَائِما رضوَان رب الْعَرْش بل صلواته من للثغور وَقد عَداهَا حفظه من للْجِهَاد وَلم تعد عاداته بَكت الصوارم والصواهل إِذْ خلت من سلها وركوبها غَزَوَاته يَا وَحْشَة الْإِسْلَام يَوْم تمكنت فِي كل قلب مُؤمن روعاته لم انس يَوْم السبت وَهُوَ لما بِهِ يُبْدِي السبات وَقد بَدَت غشياته والبشر مِنْهُ تبلجت أنواره وَالْوَجْه مِنْهُ تلألأت سبحاته ونقول لله المهين حِكْمَة فِي مرضة حصلت بهَا مرضاته هذي مناشير المماليك تَقْتَضِي توقيعه فِيهَا فَأَيْنَ دواته قد عَاد زرعك فِي الرّبيع بجمعها هَذَا الرّبيع وَقد دنا مِيقَاته
والجند فِي الدِّيوَان جدد عرضه وَإِذا أمرت تَجَدَّدَتْ نفقاته والقدس طامحة إِلَيْك عيونه عجل فقد طمحت إِلَيْهِ عداته والغرب منتظر طلوعك نَحوه حَتَّى تفيء إِلَى هداك بغاته والشرق يَرْجُو عز عزمك رَاضِيا فِي ملكه حَتَّى تطيع عصاته مغرى باسداء الْجَمِيل كَأَنَّمَا فرضت عَلَيْهِ كَالصَّلَاةِ صلَاته هَل للملوك مضاؤه فِي موقف شدت عل أعدائه شداته كم جَاءَهُ التَّوْفِيق فِي وقعاته من كَانَ بالتوفيق توقيعاته يَا رَاغِبًا فِي الدّين حِين تمكنت مِنْهُ الذئاب وأسلمته رعاته فَارَقت ملكا غير بَاقٍ متعباً ووصلت ملكا بَاقِيا راحاته أبني صَلَاح الدّين أَن أَبَاكُم مَا زَالَ يأبي مَا الْكِرَام بَاقِيا أباته لَا يقتدوا إلابسنة فَضله ليطيب فِي مهد النَّعيم سباته وردوا موارد عدله وسماحه لِترد عَن نهج الشمات شماته (ذكر مَا اسْتَقر عَلَيْهِ الْحَال بعد وَفَاة الْملك صَلَاح الدّين) تغده الله برحمته وَاسْتقر فِي الْملك بِدِمَشْق وبلادها المنسوبة إِلَيْهَا الْملك الْأَفْضَل نور الدّين أَبُو الْحسن على أكبر أَوْلَاد السُّلْطَان بِعَهْد من أَبِيه وبالديار المصرية الْملك الْعَزِيز عماد الدّين أَبُو الْفَتْح عُثْمَان وبحلب الْملك الظَّاهِر غياث الدّين أَبُو الْفَتْح غَازِي وبالكرك والشوبك والبلاد الشرقية الْملك الْعَادِل سيف الدّين أَبُو بكر بن أَيُّوب أَخُو السُّلْطَان وبحماه وسليمه والمعرة ومنبج الْملك الْمَنْصُور نَاصِر الدّين مُحَمَّد الدّين بهْرَام شاه ابْن فرخ شاه ابْن شاهنشاه بن أَيُّوب وبحمص والرحبة وتدمر الْملك الْمُجَاهِد شيركوه بن مُحَمَّد شيركوه ابْن شادي
وبيد الْملك الظافر خضر ابْن السُّلْطَان صَلَاح الدّين بَصرِي وَهُوَ فِي خدمَة أَخِيه الْملك الْأَفْضَل وبيد الْملك الزَّاهِر مجير الدّين دَاوُد ابْن السُّلْطَان صَلَاح الدّين البيرة وأعمالها وَاسْتقر إقليم الْيمن للْملك ظهير الدّين سيف الْإِسْلَام طغتكين بن أَيُّوب أخي السُّلْطَان وَلم يزل الْملك الْأَفْضَل بِالشَّام وَالْملك الْعَزِيز بِمصْر إِلَى أَن وَقع الْخلف بَينهمَا وجر بَينهمَا وقائع يطول شرحها تمّ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة اتّفق الْملك الْعَادِل وَابْن أَخِيه الْملك الْعَزِيز على أَن يأخذا دمشق وَأَن يُسَلِّمهَا الْعَزِيز إِلَى الْعَادِل لتَكون الْخطْبَة وَالسِّكَّة للعزيز كَسَائِر الْبِلَاد كَمَا كَانَت لِأَبِيهِ فَخَرَجَا وَسَارُوا من مصر إِلَى دمشق وأخذاها فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء السَّادِس وَالْعِشْرين من رَجَب من هَذِه السّنة وَكَانَ الْملك الظافر خضر صَاحب بَصرِي مَعَ أَخِيه الْملك الْأَفْضَل معاضداً لَهُ فَأخذت مِنْهُ بصرى فلحق بأَخيه الْملك الظَّاهِر فَأَقَامَ عِنْده بحلب وَأعْطِي الْملك الْأَفْضَل صرخد فَسَار إِلَيْهَا بأَهْله واستوطنها وَسلم الْعَزِيز دمشق لِعَمِّهِ الْعَادِل عل حكم مَا وَقع عَلَيْهِ الِاتِّفَاق ورحل الْعَزِيز من دمشق يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع شعْبَان فَكَانَت مُدَّة الْأَفْضَل بِدِمَشْق ثَلَاث سِنِين وأشهراً وَكَانَت وِلَادَته يَوْم الْفطر وَقت الْعَصْر سنة خمس وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة بِالْقَاهِرَةِ ووالده يَوْمئِذٍ وَزِير المصريين وَتُوفِّي فِي صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وسِتمِائَة فَجْأَة بسميساط وَنقل إِلَى حلب وَدفن بتربته بظاهرها وَأما الْعَزِيز عُثْمَان فاستقر بِمصْر وَفِي أمه فِي شهور سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وصل جمع عَظِيم مِمَّن الإفرنج إِلَى السَّاحِل واستولوا عل قلعة بيروت وَسَار الْملك الْعَادِل وَنزل بتل العجول واتته النجدة من مصر وَوصل إِلَيْهِ سنقر الْكَبِير صَاحب الْقُدس وَمَيْمُون القصري صَاحب بلبيس
ثمَّ سَار الْملك الْعَادِل إِلَى يافا وهجمها بِالسَّيْفِ وملكها وَقتل الرِّجَال الْمُقَاتلَة وَكَانَ هَذَا الْفَتْح ثَالِث فتح لَهَا ونازلت الإفرنج تبين فَأرْسل الْملك الْعَادِل إِلَى الْملك الْعَزِيز صَاحب مصر فَسَار بِنَفسِهِ بِمن بَقِي مَعَه من عَسَاكِر مصر فَاجْتمع بِعَمِّهِ الْملك الْعَادِل على تبنين فَرَحل الإفرنج على أَعْقَابهم إِلَى صور وَعَاد الْعَزِيز إِلَى مصر وَترك غَالب الْعَسْكَر مَعَ الْعَادِل وَجعل إِلَيْهِ أَمر الْجِزْيَة وَالصُّلْح وَمَات فِي هَذِه الْمدَّة سنقر الْكَبِير فَجعل الْملك الْعَادِل أَمر الْقُدس إِلَى صارم الدّين قطلو مَمْلُوك عز الدّين فرحشاه ابْن شاهنشاه بن أَيُّوب وَتُوفِّي الْملك الْعَزِيز صَاحب مصر فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء الْحَادِيَة وَالْعِشْرين من الْمحرم سنة خمس وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَكَانَت مُدَّة ملكه سِتّ سِنِين إِلَّا اشهراً وَكَانَ عمره سبعا وَعشْرين سنة وأشهراً وَكَانَ حسن السِّيرَة رحمه الله ثمَّ اسْتَقر بعده فَفِي السلطنة وَلَده الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد وعمره تسع سِنِين فتشاور الْأُمَرَاء وَاتَّفَقُوا على احضار الْملك الْأَفْضَل من صرخد ليقوم بِالْملكِ فَسَار محثاً وَوصل إِلَى مصر على إِنَّه اتابك ملك الْمَنْصُور فَخرج الْمَنْصُور للقائه فترجل لَهُ الْأَفْضَل وَدخل بَين يَدَيْهِ إِلَى دَار الوزارة وَكَانَت مقرّ السلطنة ثمَّ برز الْأَفْضَل من مصر وَسَار إِلَى الشَّام ليأخذها لاشتغال عَمه الْملك الْعَادِل بحصار ماردين فَبلغ الْعَادِل ذَلِك فَسَار إِلَى دمشق ودخلها قبل نزُول الْأَفْضَل عَلَيْهَا وَحصل بَينهمَا قتال ثمَّ سَار الْأَفْضَل مصر فَخرج الْملك الْعَادِل فِي أَثَره فَخرج إِلَيْهِ الْأَفْضَل واقتتلا فانكسر الْأَفْضَل وَانْهَزَمَ إِلَى الْقَاهِرَة وَنزل الْعَادِل الْقَاهِرَة وتسلمها وَدخل إِلَيْهَا فِي الْحَادِي وَالْعِشْرين من ربيع الآخر سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة ثمَّ سَار الْأَفْضَل صرخد وَأقَام الْعدْل بِمصْر عل إِنَّه اتابك الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد بن الْعَزِيز عُثْمَان مُدَّة يسيرَة ثمَّ أَزَال الْملك الْمَنْصُور وَاسْتقر الْملك الْعَادِل فِي السلطنة وخطب لَهُ بِالْقَاهِرَةِ ومصر يَوْم الْجُمُعَة الْحَادِي وَالْعِشْرين من شَوَّال
سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وخطب لَهُ ابْن أَخِيه الْملك الظَّاهِر بحلب وَضرب السِّكَّة باسمه وانتظمت المماليك الشامية والشرقية والديار المصرية كلهَا فِي سلك ملكه وخطب لَهُ على منابرها وَفِي الشَّهْر الَّذِي دخل فِيهِ الْعَادِل الْقَاهِرَة توفّي القَاضِي الْفَاضِل أَبُو عَليّ عبد الرَّحِيم ابْن القَاضِي الْأَشْرَاف بهاء الدّين أبي الْمجد عَليّ اللَّخْمِيّ الْعَسْقَلَانِي الشَّافِعِي الملقب مجير الدّين وَزِير السُّلْطَان صَلَاح الدّين وَكَانَ إِمَامًا فِي صناعَة الْإِنْشَاء وَسيرَته مَشْهُورَة وَكَانَت وَفَاته فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء سَابِع عشر وَقيل سادس عشر ربيع الآخر سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة بِالْقَاهِرَةِ فَجْأَة وَدفن بتربية بسفح المقطم فِي القرافة الصُّغْرَى رحمه الله وَله نَحْو سبعين سنة وأرخ السُّبْكِيّ مولده فِي منتصف جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي الْعِمَاد الْكَاتِب هُوَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن صفي الدّين الْأَصْفَهَانِي الشَّافِعِي الَّذِي كَانَ فِي خدمَة الْملك صَلَاح الدّين لَهُ (الفيح القسي فِي الْفَتْح الْقُدسِي) كُله رجز مسجع وَهُوَ من كتب الدُّنْيَا لما فِيهِ من البلاغة والصناعة ووفاته فِي ثَانِي جُمَادَى الْآخِرَة وَقيل فِي شعْبَان سنة سبع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَله نَحْو تسعين سنة وَكَانَ بَينه وَبَين القَاضِي الْفَاضِل مكاتبات ومحاورات لَطِيفَة فَمن ذَلِك مَا يحْكى عَنهُ إِنَّه لقِيه يَوْمًا وَهُوَ رَاكب على فرس فَقَالَ لَهُ الْعِمَاد سر فَلَا كبا بك الْفرس فَقَالَ الْفَاضِل دَامَ علا الْعِمَاد وَهَذَا مِمَّا يقْرَأ مقلوباً ومستقيماً بالسواء وَكَانَت وَفَاة الْعِمَاد بِدِمَشْق وَدفن فِي مَقَابِر الصُّوفِيَّة رحمه الله وَفِي سنة سِتّمائَة كَانَ الْملك الْعَادِل بِدِمَشْق وَاجْتمعَ الإفرنج لقصد بَيت الْمُقَدّس فَخرج السُّلْطَان الْملك الْعَادِل من دمشق وَجمع العساكر وَنزل على الطّور فِي قبالة التفرنج بِالْقربِ من نابلس ودام ذَلِك إِلَى آخر السّنة ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وسِتمِائَة فِيهَا كَانَت الْهُدْنَة بَين الْملك الْعَادِل الإفرنج
وَسلم إِلَى الإفرنج يافا وَنزل عَن مُنَاصَفَة لد والرملة ثمَّ سَار إِلَى مصر ثمَّ فِي سنة ثَلَاث وسِتمِائَة سَار الْملك الْعَادِل من مصر إِلَى الشَّام ونازل فِي طَرِيقَته عكا فَصَالحه أَهلهَا على إِطْلَاق جَمِيع من بهَا من الأسرى ثمَّ سَار إِلَى طرابلس وحصرها ورحل عَنْهَا ثمَّ فِي سنة أَربع وسِتمِائَة وَقعت الْهُدْنَة بَينه وَبَين صَاحب طرابلس وَعَاد الْعَادِل إِلَى دمشق وَلما كَانَ بتاريخ سنة أَربع عشر وسِتمِائَة وَالْملك الْعَادِل بالديار المصرية اجْتمع الإفرنج فِي دَاخل الْبَحْر ووصلوا إِلَى عكا فِي جمع عَظِيم فَلَمَّا بلغ الْملك الْعَادِل ذَلِك خرج بعساكر مصر وَسَار حَتَّى نزل عل نابلس فَسَار الإفرنج إِلَيْهِ وَلم يكن مَعَه من العساكر مَا يقدر بِهِ على ملتقاهم فَانْدفع قد امهم فَأَغَارُوا على بِلَاد الْمُسلمين ووصلت غارتهم إِلَى نوى من بلد السوَاد ونهبوا مَا بَين بيسان ونابلس وَمَشوا سراياهم فَقتلُوا وأسروا وغنموا من الْمُسلمين مَا يفوق الْحصْر وعادوا إِلَى مرج عكا وَكَانَت مُدَّة هَذَا النهب مَا بَين منتصف رَمَضَان وَعِيد الْفطر وَانْقَضَت السّنة والإفرنج بجموعهم فِي عكا ثمَّ دخلت سنة خمس عشرَة وسِتمِائَة وَالْملك الْعَادِل بمرج الصَّقْر وجموع الإفرنج بمرج عكا ثمَّ سَارُوا مِنْهَا إِلَى الديار المصرية ونزلوا عل دمياط وَسَار الْملك الْكَامِل بن الْعَادِل من مصر وَنزل قبالهم وَاسْتمرّ الْحَال عل ذَلِك أَرْبَعَة أشهر وَأرْسل الْعَادِل الْعَسْكَر الَّذِي عِنْده إِلَى ابْنه الْملك الْكَامِل فَلَمَّا اجْتمعت العساكر أَخذ فِي الْقِتَال الإفرنج ودفعهم عَن دمياط ثمَّ رَحل الْملك الْعَادِل من مرج الصفر إِلَى عالقين - قَرْيَة ظَاهر دمشق - فَنزل بهَا وَمرض وَاشْتَدَّ مَرضه وَتُوفِّي هُنَاكَ رحمه الله فِي سَابِع جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس عشرَة وسِتمِائَة وَكَانَ لدمشق ثَلَاثًا وَعشْرين سنة ولمصر نَحْو تسع عشرَة سنة
وَكَانَ رحمه الله حازماً مستيقظاً غزير الْعقل سديد الآراء إِذا مكر وخديعة حَلِيمًا صبوراً واتته السَّعَادَة واتسع ملكه وَكَثُرت أَوْلَاده وَخلف سِتَّة عشر ولدا ذكرا غير الْبَنَات وَلم يكن أحد من أَوْلَاده حَاضرا عِنْده فَحَضَرَ إِلَيْهِ ابْنه الْملك الْمُعظم عيس وَكَانَ بنابلس فكتم مَوته وَأَخذه مَيتا فِي محفة وَعَاد بِهِ إِلَى دمشق واحتوى على جَمِيع مَا كَانَ مَعَ أَبِيه من الْجَوَاهِر وَالسِّلَاح فَلَمَّا وصل إِلَى دمشق حلف النَّاس وَأظْهر موت أَبِيه وَكتب إِلَى الْمُلُوك من أخوته وَغَيرهم يُخْبِرهُمْ بِمَوْتِهِ وَاسْتقر بعده فِي السلطنة بالديار المصرية وَلَده الْملك الْكَامِل أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد وَاسْتقر فِي الشَّام أَخُوهُ الْملك الْمُعظم عيس ابْن الْملك الْعَادِل أبي بكر وَكَانَت مَمْلَكَته من حُدُود بلد حمص إِلَى الْعَريش يدْخل فِي مَمْلَكَته بِلَاد السواحل الإسلامي وبلاد الْغَوْر وفلسطين والقدس والكرك والشوبك وصرخد وَغير ذَلِك (تخرب أسوار بَيت الْمُقَدّس) لما توفّي الْملك عَاد الإفرنج لجِهَة القاهر وملكوا دمياط وهجموها فِي عَاشر رَمَضَان سنة سِتّ عشر وسِتمِائَة وأسروا من بهَا وَجعلُوا الْجَامِع كَنِيسَة وَاشْتَدَّ طعمهم فِي الديار المصرية فَلَمَّا رأى الْملك الْمُعظم عِيسَى ذَلِك خشِي أَن يقصدو الْقُدس فَلَا يقدر على مَنعهم فَأرْسل الحجازين والنقابين وشرعوا فِي تخريبه فِي سنة سِتّ عشرَة وسِتمِائَة فخرب أسواره وَكَانَت قد حصنت إِلَى الْغَايَة وانتقل مِنْهُ عَالم عَظِيم وهرب أَهله مِنْهُ خوفًا من الإفرنج أَن تهجم عَلَيْهِم لَيْلًا أَو نَهَارا وَتركُوا أَمْوَالهم وأثقالهم وتمزقوا فِي الْبِلَاد كل ممزق حَتَّى قيل إِنَّه بيع القنطار الزَّيْت بِعشْرَة دَرَاهِم والرطل النّحاس بِنصْف دِرْهَم وضج النَّاس وابتهلوا إِلَى الله تَعَالَى عِنْد الصَّخْرَة وَفِي الْأَقْصَى
وَكَانَ الْملك الْمُعظم عَالما فَاضلا وَكَانَ حنفياً متعصباً لمذهبه وَخَالف جَمِيع أهل بَيته فَإِنَّهُم كَانُوا شافعية وَله بالقدس مدرسة الحنيفية عِنْد بَاب الْمَسْجِد الْأَقْصَى الْمَعْرُوف الْآن بِبَاب الدويدارية وَبنى على آخر صحن الصَّخْرَة من جِهَة الْقبْلَة مَكَانا يُسمى النحوية للاشتغال بِعلم الْعَرَبيَّة ووقف عل ذَلِك أوقافاً حَسَنَة وَفِي أَيَّامه جددت عمَارَة القناطر الَّتِي على درج الصَّخْرَة القبلي عِنْد قبَّة الطومار وَغير ذَلِك بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وغالب الْأَبْوَاب الْخشب المركبة عل أَبْوَاب الْمَسْجِد عملت فِي أَيَّامه واسْمه مَكْتُوب عَلَيْهَا وَعمر مَسْجِد الْخَلِيل عليه السلام ووقف عَلَيْهِ قريتي دورا كفر بريك وَلما غَابَ عَن الْقُدس كتب إِلَيْهِ بعض أصدقائه غبت عَن الْقُدس فأوحشته لما غَدا بِاسْمِك مأنوسا وَكَيف لَا تلْحقهُ وَحْشَة وَأَنت روح الْقُدس يَا عِيسَى وَفِي سنة سبع عشرَة وسِتمِائَة فتح الْملك الْمُعظم قيسارية وهدمها وَفِي سنة ثَمَانِي عشرَة قو طمع الإفرنج المتملكين دمياط فِي ملك الديار المصرية وتقدموا عَن دمياط إِلَى جِهَة مصر ووصلوا إِلَى المنصورة وَاشْتَدَّ الْقِتَال بَين الْفَرِيقَيْنِ برا وبحراً وككتب السُّلْطَان الْملك الْكَامِل متواترة إِلَى اخوته وَأهل بَيته يستحثهم على انجاده فَسَار الْملك الْمُعظم عِيسَى صَاحب دمشق بعسكره وَأَخُوهُ الْملك الْأَشْرَف مظفر الدّين مُوسَى صَاحب الْبِلَاد الشرقية بعساكره واستصحب حلب وَالْملك النَّاصِر قلج ارسلان صَاحب حماله وَصَاحب بعلبك الْملك الأمجد بهْرَام شاه وَصَاحب حمص أَسد الدّين شيركوه ووصلوا إِلَى الْملك الْكَامِل وَهُوَ فِي قتال الإفرنج على المنصورة فَركب والتقى مَعَ اخوته وَمن فِي صحبتهم من الْمُلُوك وَأكْرمهمْ فَقَوِيت نفوس الْمُسلمين وضعفت نفوس الإفرنج لما شاهدوه من كَثْرَة العساكر الإسلامية وتجمعهم وَاشْتَدَّ الْقِتَال بَين الْفَرِيقَيْنِ ورسل الْملك الْكَامِل واخوته مترددة إِلَى الإفرنج
فِي الصُّلْح وبذل لَهُم الْمُسلمُونَ تَسْلِيم الْقُدس وعسقلان وطبرية واللاذقية وجبلة وَجَمِيع مِمَّا فَتحه السُّلْطَان مِمَّن السَّاحِل مَا عدا الكرك والشوبك عل أَن يجيبوا إِلَى الصُّلْح ويسلموا دمياط للْمُسلمين فَلم يرض الإفرنج بذلك وطلبوا ثَلَاثمِائَة ألف دِينَار عوضا عَن تخريب أسوار بَيت الْمُقَدّس وَقَالُوا لَا بُد من تَسْلِيم الكرك والشوبك وبينما الْأَمر مُتَرَدّد فِي الصُّلْح والإفرنج يمتنعون إِذْ عبر جمَاعَة من عَسْكَر الْمُسلمين فِي بَحر الْمحلة إِلَى الأَرْض الَّتِي عَلَيْهَا الإفرنج من بر دمياط ففتحوا فجوة عَظِيمَة من النّيل وَكَانَ ذَلِك فِي قُوَّة زيارته والإفرنج لَا خبْرَة لَهُم بِأَمْر النّيل فَركب المَاء تِلْكَ الأَرْض وَصَارَ حَائِلا بَين الإفرنج وَبَين دمياط وانقطعت عَنْهُم الْميرَة والمدد فهلكوا جوعا وبعثوا يطْلبُونَ الْأمان عل أَن ينزلُوا عَن جَمِيع مَا بذله الْمُسلمُونَ لَهُم ويسلموا دمياط ويعقدوا مُدَّة الصُّلْح وَكَانَ فيهم عد مُلُوك كبار نَحْو عشْرين ملكا وَاخْتلف الآراء فِي ذَلِك ثمَّ حصل الِاتِّفَاق عل إجابتهم لتضجر الْعَسْكَر وَطول الْمدَّة لأَنهم كَانَ لَهُم ثَلَاث سِنِين وَأشهر فِي الْقِتَال فأجابهم الْملك الْكَامِل وَطلب الإفرنج رهينة فَبعث ابْنه الْملك الصَّالح أَيُّوب وعمره يَوْمئِذٍ خمس عشرَة سنة إِلَى الإفرنج رهينة فَبعث ابْنه الْملك الصَّالح وعمره يَوْمئِذٍ خمس عشرَة سنة إِلَى الإفرنج وَحضر من الإفرنج رهينة ملك على وَصَاحب رومة الْكُبْرَى وَغَيرهمَا من الْمُلُوك وَكَانَ ذَلِك فِي سَابِع رَجَب سنة ثَمَانِي عشرَة وَجلسَ الْملك الْكَامِل مَجْلِسا عَظِيما ووقف بَين يَدَيْهِ الْمُلُوك من اخوته وَأهل بَيته جَمِيعهم وسلمت دمياط للْمُسلمين فِي تَاسِع عشر رَجَب وهنأت الشُّعَرَاء الْملك الْكَامِل بِهَذَا الْفَتْح الْعَظِيم ثمَّ دخل الْملك الْكَامِل إِلَى دمياط بِمن مَعَه وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً ثمَّ توجه إِلَى الْقَاهِرَة وَانْصَرف الْمُلُوك إِلَى بِلَادهمْ