الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(خلق الله السَّمَاوَات وسكانها وَصفَة الْمَلَائِكَة وَخلق الشَّمْس وَالْقَمَر)
قَالَ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَمر الله تَعَالَى البخار الَّذِي علا من المَاء أَن الْهَوَاء فخلق الله تَعَالَى مِنْهُ السَّمَاء فِي يَوْمَيْنِ فَكَانَت أَرضًا وَاحِدَة فِي يَوْمَيْنِ وَاحِدَة فِي يَوْمَيْنِ وَمَا بَينهمَا فِي يَوْمَيْنِ أَيَّام ثمَّ تفتقت السَّمَاء وَالْأَرْض خوفًا من صَارَت سبع سماوات وَسبع أَرضين وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى (أَو لم يرى الَّذين كفرُوا السَّمَاوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رتقاً ففتقناهما ثمَّ قَالَ فقضاهن سبع سماوات فِي يَوْمَيْنِ من فِي كل سَمَاء أمرهَا فالسماء الأولى من زبرجدة خضراء وسكانها مَلَائِكَة على صُورَة الْبَقر وَالسَّمَاء الثَّانِيَة من ياقوتة حَمْرَاء وسكانها مَلَائِكَة على صُورَة العقبان وَالسَّمَاء الثَّالِثَة من ياقوتة صفراء وسكانها مَلَائِكَة على صُورَة النسور وَالسَّمَاء الرَّابِعَة من فضَّة بَيْضَاء وسكانها مَلَائِكَة على صُورَة الْخَيل وَالسَّمَاء الْخَامِسَة من ذهب وسكانها مَلَائِكَة على صُورَة الْحور الْعين وَالسَّمَاء السَّادِسَة من درة بَيْضَاء وسكانها مَلَائِكَة على صُورَة الْولدَان وَالسَّمَاء السَّابِعَة من نور يتلألأ وسكانها مَلَائِكَة عل صُورَة بني آدم وَهَؤُلَاء مَلَائِكَة لَا يفترون عَن التَّسْبِيح فَذَلِك قَوْله تَعَالَى (يسبحون اللَّيْل وَالنَّهَار -) فأفضلهم جِبْرِيل وَهُوَ الرّوح الْأمين لَهُ سِتَّة أَجْنِحَة فِي كل جنَاح مائَة روح وَله وَرَاء ذَلِك جَنَاحَانِ أخضران ينشرهما لَيْلَة الْقدر وجناحان ينشرهما عِنْد ذُو الْقرى والأجنحة كلهَا من أَنْوَاع الْجَوَاهِر ويليه إسْرَافيل وَهُوَ ملك عَظِيم الشَّأْن وَله أَرْبَعَة أَجْنِحَة جنَاح يسد بِهِ الْمشرق جنَاح يسد بِهِ الْمغرب وَالثَّالِث يسد بِهِ مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وَالرَّابِع قد إلتثم بِهِ تَحت الأَرْض السَّابِعَة وَرَأسه قد انْتهى إِلَى أَرْكَان قَوَائِم الْعَرْش وَبَين عَيْنَيْهِ من جَوْهَرَة فَإِذا أَرَادَ الله أَن يحدث فِي عباده أمرا أَمر الْقَلَم أَن يخط فِي اللَّوْح
واستجاب لإِبْرَاهِيم عليه السلام جمَاعَة من قومه حِين رَأَوْا صنع الله عز وجل من برد النَّار وَغير ذَلِك من المعجزات فَآمن بِهِ لوط وَهُوَ ابْن أَخِيه وَآمَنت بِهِ سارة زَوجته وَقد ذكر المؤرخون والمفسرون قصَّة إِبْرَاهِيم عليه السلام مَعَ نمروذ وأخباره وَمَا وَقع لَهُ بأبسط من هَذَا وَالْغَرَض فِي هَذَا الْكتاب الِاخْتِصَار وَالله الْمُسْتَعَان (ذكر هِجْرَة إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عليه السلام لما نجى الله تَعَالَى خَلِيله من نَار النمروذ الْجَبَّار اسْتَجَابَ لَهُ رجال وآمن مَعَه قوم على خوف من نمروذ وملأه ثمَّ أَن إِبْرَاهِيم وَمن كَانَ آمن مَعَه من أَصْحَابه اجْمَعُوا على فِرَاق نمروذ وقومهم (فَقَالُوا لقومهم أَنا برَاء مِنْكُم وَمِمَّا تَعْبدُونَ من دون الله كفرنا بكم وبدا بَيْننَا وَبَيْنكُم الْعَدَاوَة والبغضاء أبدا حَتَّى تؤمنوا بِاللَّه وَحده) ورحل هُوَ وَأَهله وَمن مَعَه من قومه ونزلوا بالرها ثمَّ سَار الى مصر وَيُقَال الى بعلبك وصاحبها يَوْمئِذٍ فِرْعَوْن فَذكر لفرعون حسن سارة وجمالها _ زَوْجَة الْخَلِيل عليه السلام وَهِي ابْنة عَمه هاران _ فَسئلَ إِبْرَاهِيم عَنْهَا فَقَالَ هَذِه أُخْتِي _ يَعْنِي فِي الْإِسْلَام _ خوفًا أَن يقْتله فَقَالَ لَهُ زينها وأرسلها الى فَأَقْبَلت سارة الى الْجَبَّار وَقَامَ إِبْرَاهِيم يُصَلِّي فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ وراها أَهْوى إِلَيْهَا أَرَادَ أَن تنَاولهَا بِيَدِهِ فأيبس الله يَده وجله فَلَمَّا تخلى عَنْهَا أطلق الله يَده وَرجله فَعَاد إِلَيْهَا فَصَارَ لَهُ كالأولى حَتَّى صَار لَهُ ذَلِك مرَارًا وَكَانَ هَذَا تكرمة مِنْهُ تَعَالَى قَالَ فأطلقها ووهبها هَاجر وَفِي بعض الْأَخْبَار أَن الله تَعَالَى رفع الْحجاب بَين إِبْرَاهِيم وَبَين سارة حَتَّى ينظر إِلَيْهَا من وَقت خُرُوجهَا من عِنْده الى وَقت انصرافها كَرَامَة لَهَا وتطييباً لقلب إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام
ثمَّ يُدْلِي اللَّوْح إِلَى إسْرَافيل فَيكون بَين عَيْنَيْهِ ثمَّ يَنْتَهِي الْوَحْي إِلَى جِبْرِيل عليه السلام وَهُوَ أقرب من إسْرَافيل وَمن وَرَاء الْبَيْت الْمَعْمُور مَلَائِكَة لَا يعلم عَددهمْ إِلَّا الله تَعَالَى وَفِي السَّمَاء السَّابِعَة الْبَحْر الْمَسْجُور وَأما ملك الْمَوْت عزرائيل فسكنه فِي سَمَاء الدُّنْيَا وَقد خلق الله لَهُ عيُونا بِعَدَد من يَذُوق طعم الْمَوْت رِجْلَاهُ فِي تخوم الأَرْض وَرَأسه فِي السَّمَاء الْعليا عِنْد آخر الْحجب وَوَجهه مُقَابل اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَهُوَ ينظر إِلَيْهِ وكل الْخلق بَين عَيْنَيْهِ وَلَا يقبض روح مَخْلُوق إِلَّا بعد أَن يَسْتَوْفِي رزقه وينقضي أَجله (خلق الشَّمْس وَالْقَمَر) ثمَّ خلق الله الشَّمْس وَالْقَمَر فالشمس من نور عَرْشه وَالْقَمَر من نور حجابه الَّذِي يَلِيهِ وَأثْنى الله تَعَالَى عَلَيْهِمَا فَقَالَ (وسخر لكم الشَّمْس وَالْقَمَر دائبين) ثمَّ وكل بهما جمعا من الْمَلَائِكَة يرسلونهما بِمِقْدَار ويقبضونهما بِمِقْدَار فَذَلِك قَوْله تَعَالَى (يولج اللَّيْل فِي النَّهَار ويولج النَّهَار فِي اللَّيْل) فَمَا نقص من أَحدهمَا زَاد فِي الآخر وَقَالَ أهل التَّوْرَاة ابْتَدَأَ الله تَعَالَى الْخلق فِي يَوْم الْأَحَد انْتهى فِي السبت فَاسْتَوَى على الْعَرْش فِيهِ فاتخذوا السبت عيداً وَقَالَت النَّصَارَى وَقع الِابْتِدَاء فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ والانتهاء فِي الْأَحَد ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش فِيهِ فاتخذوا الْأَحَد عيداً قَالَ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما كَانَ الِابْتِدَاء فِي السبت والانتهاء يَوْم الْجُمُعَة سيد الْأَيَّام وَهُوَ عِنْد الله أعظم من يَوْم الْفطر وَيَوْم الْأُضْحِية وَفِيه سِتَّة فَضَائِل فِيهِ خلق الله آدم عليه السلام وَفِيه نفخ الرّوح فِيهِ وَفِيه تَابَ الله عَلَيْهِ وَفِيه توفاه وَفِيه سَاعَة لَا يسْأَل العَبْد فِيهَا شَيْئا إِلَّا أعطَاهُ الله إِيَّاه مَا لم يكن حَرَامًا وَفِيه تقوم السَّاعَة (ذكر الْجنَّة وَالنَّار وَمَا فيهمَا) ثمَّ خلق الله الْجنَّة وَهِي ثَمَان جنَّات أَولهَا دَار الْجلَال من اللُّؤْلُؤ الْأَبْيَض
وَالسَّلَام وَهِي من الْيَاقُوت الْأَحْمَر ثمَّ جنَّة المأوى وَهِي من الزبرجد الْأَخْضَر جنَّة الْخلد وَهِي من المرجان الْأَصْفَر ثمَّ جنَّة النَّعيم وَهِي من الْفضة الْبَيْضَاء ثمَّ الفردوس وَهِي من الذَّهَب الْأَحْمَر ثمَّ جنَّة دَار الْقَرار وَهِي من الْمسك ثمَّ جنَّة عدن من الدّرّ وَهِي مشرفة على الْجنان لَهَا بَابَانِ من ذهب بَين كل مصراع كَمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وبناؤها لبنة من ذهب ولبنة من فضَّة بلاطها الْمسك وترابها العنبر ريشها الزَّعْفَرَان وقصورها اللُّؤْلُؤ وغرفها الْيَاقُوت وأبوابها الْجَوْهَر وفيهَا أَنهَار نهر الرَّحْمَة ونهر الْكَوْثَر وَهُوَ لنبينا صلى الله عليه وسلم ونهر الكافور ثمَّ التسنيم السلسبيل ثمَّ الرَّحِيق وَغير ذَلِك مِمَّا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله تَعَالَى وللجنان ثَمَانِيَة أَبْوَاب فِيهَا من الْحور الْعين مَا لَا يقدر على وصفهن إِلَّا الَّذِي خَلقهنَّ وَأما جَهَنَّم فلهَا سبع أَبْوَاب أَولهَا جَهَنَّم وَالثَّانِي لظى وَالثَّالِث الحطمة وَالرَّابِع السعير وَالْخَامِس سقر وَالسَّادِس الْجَحِيم وَالسَّابِع الهاوية وَلها سبع طباق أَشجَار من النَّار شَوْكهَا كأمثال الرماح الطوَال تتلظى بالنيران وَعَلَيْهَا ثمار نَار فِي كل ثَمَرَة حَيَّة تَأْخُذ بأجفان عين الْكَافِر وشفته تسْقط لَحْمه إِلَى قَدَمَيْهِ عقارب وأسود وذئاب وكلاب من نَار وزبانية بِأَيْدِيهِم مَقَامِع من نَار وَعَلَيْهَا تِسْعَة عشر من الْمَلَائِكَة كَمَا قَالَ الله تَعَالَى (لواحة للبشر عَلَيْهَا تِسْعَة عشر) وَقَالَ تَعَالَى (عَلَيْهَا مَلَائِكَة غِلَاظ شَدَّاد لَا يعصون الله مَا أَمرهم ويفعلون مَا يؤمرون)(ذكر الْجِنّ والجان وَمَا كَانَ من ابْتِدَاء أَمرهم وَعبادَة إِبْلِيس) رُوِيَ عَن وهب قَالَ خلق الله نَار السمُوم وَهِي نَار لَا حر لَهَا وَلَا دُخان ثمَّ خلق الله مِنْهَا الجان فَذَلِك قَوْله تَعَالَى (والجان خلقناه من قبل من نَار السمُوم) وَخلق الله خلقا عَظِيما وَسَماهُ مارجاً وَخلق مِنْهُ زوجه وسماها مرجة فواقعها ولدت الجان وَولد للجان ولد فَسَماهُ الْجِنّ فَمِنْهُ تفرغت قبائل الْجِنّ وَمِنْهُم إِبْلِيس جن وَكَانَ يلد من الجان الذّكر وَالْأُنْثَى وَمن الْجِنّ كَذَلِك توأمين فصاروا سبعين
وقربه إِلَيْهِم وَكَانَ من شَأْنه مَا نَص الله عز وجل فِي كِتَابه الْعَزِيز وَسَنذكر ملخص الْقِصَّة عِنْد ذكر سيدنَا إِسْحَاق عليه السلام فَمضى إِبْرَاهِيم مَعَهم الى قرب ديار قوم لوط فَقَالُوا لَهُ أقعدها هُنَا فَقعدَ وَسمع صَوت الديكة فِي السَّمَاء فَقَالَ هَذَا هُوَ الْحق الْيَقِين فأيقن بِهَلَاك الْقَوْم فَسمى ذَلِك الْموضع مَسْجِد الْيَقِين وَهُوَ على نَحْو فَرسَخ من بلد سيدنَا إِبْرَاهِيم الْخَلِيل ثمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عليه السلام وَسَيَأْتِي ذكر الْقِصَّة عِنْد سيدنَا لوط عليه السلام (قصَّة بِنَاء الْكَعْبَة المشرفة وَذكر سيدنَا اسماعيل عليه السلام قد تقدم أَن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عليه السلام لما سَار الى مصر وَمَعَهُ زَوجته سارة ووهبها فِرْعَوْن مصر هَاجر فَلَمَّا قدم الى الشَّام وَأقَام بَين الرملة وايليا وَكَانَت سارة لَا تحبل وهبت هَاجر لإِبْرَاهِيم عليه السلام فواقعها فَحملت وَولدت اسماعيل عليه السلام وَمعنى اسماعيل بالعبرانية مُطِيع الله وَكَانَت وِلَادَته لمضي سِتّ وَثَمَانِينَ سنة من عمر إِبْرَاهِيم عليه السلام فغارت سارة وحزنت لذَلِك فَوَهَبَهَا الله تَعَالَى إِسْحَاق وَلدته وَلها تسعون سنة ثمَّ غارت سارة من هَاجر وَمن وَلَدهَا اسماعيل وَطلبت من إِبْرَاهِيم إِن يخرجهما عَنْهَا فَأَخذهُمَا إِبْرَاهِيم وَسَار بهما الى ارْض الْحجاز وتركهما بِمَكَّة وَذَلِكَ كُله بِإِذن الله تَعَالَى وَلَيْسَ بِمَكَّة يَوْمئِذٍ أحد وَلَا بهَا مَاء فَوضع هَاجر وَإِسْمَاعِيل وَوضع عِنْدهمَا جراباً فِيهِ تمر وسقاء فِيهِ مَاء ثمَّ قفل إِبْرَاهِيم عليه السلام مُنْطَلقًا فَنَهَضت أم اسماعيل خَلفه وَقَالَت يَا إِبْرَاهِيم الى أَيْن تذْهب وتتركنا بِهَذَا الْوَادي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ أنيس وَلَا شي وَقَالَت لَهُ ذَلِك مرَارًا فَلم يلْتَفت إِلَيْهَا فَقَالَت لَهُ الله أَمرك بِهَذَا فَقَالَ نعم فَقَالَت إِذا لَا يضيعنا رَبنَا ثمَّ رجعت
15 -
ألفا وتوالدوا حَتَّى بلغُوا عدد الرمل فَتزَوج إِبْلِيس امْرَأَة من ولد الجان فَكثر أَوْلَاده وانتشروا حَتَّى امْتَلَأت الأقطار مِنْهُم ثمَّ أسكن الله الجان فِي الْهَوَاء وإبليس وَأَوْلَاده فِي سَمَاء الدُّنْيَا وَأمرهمْ بالعباد وَالطَّاعَة فَكَانَت السَّمَاء تفتخر على الأَرْض بِأَن الله رَفعهَا وَجعل فِيهَا مَا لم يكن فِي الأَرْض فشكت الأَرْض إِلَى خَالِقهَا الوحشة إِذْ لَيْسَ على ظهرهَا خلق يذكرُونَ الله فنوديت الأَرْض اسكني فَإِنِّي خَالق من اديمك صُورَة لَا مثل لَهَا فِي الْجِنّ وأرزقها الْعقل وَاللِّسَان وأعلمها من علمي وَأنزل عَلَيْهَا من كَلَامي فأملأ مِنْهَا بَطْنك وظهرك وشرقك وغربك على مزاج ترتبك فِي الألوان والخيرية والشرية فافتخري يَا أَرض على السَّمَاء بذلك فاستقرت الأَرْض وَهِي مَعَ ذَلِك بَيْضَاء نقية كَأَنَّهَا الْفضة الْبَيْضَاء فَأَشْرَفت الجان على الأَرْض وَقَالَت رَبنَا أهبطنا إِلَى الأَرْض فَأذن الله لَهُم بذلك على أَن يعْبدُونَ وَلَا يعصوه فَأَعْطوهُ العهود على ذَلِك ونزلوا وهم أُلُوف فعبدوا الله حق عِبَادَته دهراً طَويلا ثمَّ أخذُوا فِي الْمعاصِي وَسَفك الدِّمَاء حَتَّى استغاثت الأَرْض مِنْهُم وَقَالَت ان خلوي يَا رب أحب إِلَيّ من أَن يكون على ظَهْري من يعصيك فَأوحى الله إِلَيْهَا أَن اسكني فَإِنِّي باعث إِلَيْهِم رُسُلِي قَالَ كَعْب الْأَحْبَار فَأول نَبِي بَعثه الله من الجان نَبيا مِنْهُم يُقَال لَهُ عَامر بن عُمَيْر بن الجان فَقَتَلُوهُ ثمَّ بعث لَهُم من بعد عَامر صاعق بن ماعق بن مارد بن الجان فَقَتَلُوهُ حَتَّى بعث الله إِلَيْهِم ثَمَانمِائَة نَبِي فِي ثَمَانمِائَة سنة فِي كل سنة نَبيا وهم يَقْتُلُونَهُمْ فَلَمَّا كذبُوا الرُّسُل أوحى الله إِلَى أَوْلَاد الْجِنّ فِي السَّمَاء أَن أنزلوا إِلَى الأَرْض وقاتلوا من فِيهَا من أَوْلَاد الجان وَعَلَيْهِم إِبْلِيس اللعين فَقَاتلهُمْ إِبْلِيس اللعين هُوَ وَمن كَانَ مَعَه حَتَّى أدخلهم إِلَى بقْعَة من الأَرْض فَاجْتمعُوا فِيهَا فَأرْسل الله عَلَيْهِم نَارا فأحرقهم وَسكن إِبْلِيس الأَرْض مَعَ الْجِنّ وَعبد الله حق عِبَادَته فَكَانَت عِبَادَته أَكثر من عباداتهم كلهم ثمَّ رَفعه الله تَعَالَى إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا لِكَثْرَة عِبَادَته فعبد الله فِيهَا ألف سنة حَتَّى سمي فِيهَا
وَانْطَلق إِبْرَاهِيم عليه السلام حَتَّى إِذا كَانَ عِنْد الثَّنية حَيْثُ انهما لَا يرونه اسْتقْبل الْقبْلَة بِوَجْهِهِ ودعا بِهَذِهِ الدَّعْوَات وَرفع يَدَيْهِ (فَقَالَ رب اني أسكنت من ذريتي بواد غير ذِي زرع عِنْد بَيْتك الْمحرم رَبنَا ليقيموا الصَّلَاة فَاجْعَلْ أَفْئِدَة من النَّاس تهوي إِلَيْهِم وارزقهم من الثمرات لَعَلَّهُم يشكرون) وَأما أم اسماعيل فَجعلت ترْضع اسماعيل عليه السلام وتشرب من ذَلِك المَاء حَتَّى نفد مَا فِي السقاء فعطشت وعطش وَلَدهَا فَجعلت تنظر إِلَيْهِ وَهُوَ يتلوى من شدَّة الْعَطش فَانْطَلَقت كَرَاهَة ان تنظر إِلَيْهِ وَهُوَ على تِلْكَ الْحَالة فَوجدت الصَّفَا أقرب جبل فِي الأَرْض إِلَيْهَا فَقَالَت عَلَيْهِ ثمَّ اسْتقْبلت الْوَادي وَجعلت تنظر إِلَيْهِ لَعَلَّهَا تنظر أحدا فَلم تنظر أحدا فَهَبَطت من الصَّفَا حَتَّى إِذا بلغت الْوَادي رفعت طرف درعها ثمَّ سَمِعت سعي الْإِنْسَان المجهود حَتَّى جَاوَزت الْوَادي وَهِي تنظر لخالقها ثمَّ أَتَت الْمَرْوَة فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنظرت هَل ترى أحدا فَلم تَرَ أحدا فَفعلت ذَلِك سبع مَرَّات قَالَ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَذَلِك سعي النَّاس بَينهمَا فَلَمَّا أشرفت عل الْمَرْوَة سَمِعت صَوتا فَقَالَت مَه - تُرِيدُ نَفسهَا - ثمَّ تسمعت فَسمِعت الصَّوْت ثَانِيًا فَقَالَت قد سَمِعت إِن كَانَ عنْدك غوث فأغث فَإِذا هِيَ بِالْملكِ عِنْد مَوضِع زَمْزَم فبحث بعقبه _ أَو قَالَ بجناحه حَتَّى ظهر المَاء فَجعلت تحوطه وَتقول بِيَدَيْهَا هَكَذَا وَجعلت تغرف من المَاء فِي سقائها وَهِي تَقول _ بَعْدَمَا تغرف _ زم زم قَالَ ابْن عَبَّاس قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم رحم الله أم اسماعيل لَو تركت زَمْزَم _ أَو قَالَ لَو لم تغرف من المَاء _ لَكَانَ زَمْزَم عينا معينا قَالَ فَشَرِبت وأرضعت ابْنهَا فَقَالَ لَهَا الْملك لَا تخافي الضَّيْعَة فان هَاهُنَا بَيت الله الْحَرَام وسيبنية هَذَا الْغُلَام وَأَبوهُ وان الله لَا يضيع أَهله وَكَانَ الْبَيْت مرتفعاً من الأَرْض كالرابية تَأتيه السُّيُول فتأخذ عَن يَمِينه وشماله ثمَّ نزل هُنَاكَ أَبْيَات من جرهم وشب اسماعيل عليه السلام وَتعلم الْعَرَبيَّة
ثمَّ رَفعه الله تَعَالَى إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فعبد الله فِيهَا ألف سنة ثمَّ رَفعه إِلَى مائَة فعبد الله كَذَلِك حَتَّى رَفعه إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَيُقَال إِنَّه فِي يَوْم السبت يكون الأولى وَيَوْم الْأَحَد فِي الثَّانِيَة حَتَّى إِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة يكون فِي السَّمَاء السَّابِعَة الله فِي كل سَمَاء يَوْمًا وَكَانَ إِبْلِيس لعنة الله بِمَنْزِلَة عَظِيمَة بِحَيْثُ إِذا مر بِهِ جِبْرِيل أَو مِيكَائِيل أَو أَحدهمَا من الْمَلَائِكَة يَقُول بَعضهم لبَعض لقد أعْطى الله هَذَا العابد من الْقُوَّة على طَاعَة مَا لم يُعْط أحدا من الْمَلَائِكَة فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِك بدهر طَوِيل أَمر الله تَعَالَى جِبْرِيل عليه السلام أَن يهْبط إِلَى الأَرْض وَيقبض قَبْضَة من شرقها وغربها ووعرها وسهلها ليخلق مِنْهَا خلقا جَدِيدا ليجعله أفضل الْخَلَائق فَعرف ذَلِك إِبْلِيس فهبط الأَرْض حَتَّى وقف فِي وَسطهَا وَقَالَ لَهَا إِنِّي جئْتُك ناصحاً فَقَالَت وَمَا نصحك بِابْن العابدين وَإِمَام الزاهدين؟ فَقَالَ لَهَا إِن الله يُرِيد أَن يخلق مِنْك خلقا يفضله من جَمِيع خلقه وأخاف مِنْهُ أَن يعصيه فيعذبه وَقد أرسل الله إِلَيْك جِبْرِيل فَإِذا جَاءَك فَسمى عَلَيْهِ أَن لَا يقبض مِنْك شَيْئا فَلَمَّا هَبَط جِبْرِيل عليه السلام نادته الأَرْض وَقَالَت يَا جِبْرِيل بِحَق من أرسلك أَّلا تقبض مني شَيْئا فَإِنِّي أَخَاف أَن يخلق الله مني خلقا فيعصيه ذَلِك الْخلق عذبه بالنَّار فارتعد جِبْرِيل من هَذَا الْقسم فَرجع وَلم يَأْخُذ مِنْهَا شَيْئا فَأخْبر جِبْرِيل ربه بذلك فَبعث الله مِيكَائِيل ليَأْتِيه بالقبضة فَكَانَت حَالَته كَحال جِبْرِيل بعث الله ملك الْمَوْت فَلَمَّا هم أَن يقبض مَا أمره ربه أَقْسَمت عَلَيْهِ أَيْضا فَقَالَ ملك الْمَوْت عليه السلام وَعزة رَبِّي لَا اعصي لَهُ أمرا فَقبض مِنْهَا قَبْضَة من جَمِيع أَنْوَاعهَا عذبها ومالحها وَحلوهَا ومرها وطيبها وخبثها وكل ابْن آدم مَخْلُوق من تِلْكَ قَبْضَة فَلَمَّا رَجَعَ ملك الْمَوْت بالقبضة وقف فِي موقفه أَرْبَعِينَ عَاما لَا ينْطق ثمَّ أَتَاهُ النداء يَا ملك الْمَوْت مَا الَّذِي صَنعته؟ - وَهُوَ أعلم - فَأخْبرهُ بقسمه
مِنْهُم فَلَمَّا أدْرك زوجوه امْرَأَة مِنْهُم وَمَاتَتْ أمه هَاجر فجَاء إِبْرَاهِيم عليه السلام فَلم يجد اسماعيل فَسَأَلَ امْرَأَته فَقَالَت خرج يَبْتَغِي لنا الصَّيْد ثمَّ سَأَلَهَا عَن عيشهم فَقَالَت نَحن بشر وَشَكتْ إِلَيْهِ بَعْلهَا فَقَالَ لَهَا إِذا جَاءَ زَوجك فَأَقْرئِيهِ السَّلَام وَقَوْلِي لَهُ يُغير عتبَة بَابه فَلَمَّا جَاءَ اسماعيل أخْبرته بِمَا كَانَ قَالَ ذَلِك أبي امرني ان أُفَارِقك فالحقي بأهلك فَطلقهَا وَتزَوج بِأُخْرَى مِنْهُم فَلبث عَنْهُم إِبْرَاهِيم مَا شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ أَتَاهُم بعد ذَلِك فَلم يجده فَسَأَلَ امْرَأَته فَقَالَت خرج يَبْتَغِي لنا صيدا فَقَالَ لَهَا كَيفَ انتم فَقَالَت نَحن بسعة وبخير من الله تَعَالَى وأثنت على بَعْلهَا خيرا وشكرت الله تَعَالَى فَقَالَ لَهما طَعَامكُمْ؟ قَالَت اللَّحْم قَالَ فَمَا شرابكم؟ قَالَت المَاء فَقَالَ اللَّهُمَّ بَارك لَهُم فِي اللجم وَالْمَاء ثمَّ قَالَ لَهَا إِذا جَاءَ زَوجك فأقرئي عَلَيْهِ مني السَّلَام وأمريه ان يثبت عتبَة بَابه فَلَمَّا جَاءَ اسماعيل أخْبرته بِمَا قَالَ فَقَالَ ذَلِك أبي وَأَنت العتبة أَمرنِي ان أمسكك ثمَّ انه لبث عَنْهُم مَا شَاءَ الله ثمَّ جَاءَ بعد ذَلِك _ وَكَانَ اسماعيل يبري نبْلًا لَهُ تَحت دوحة قَرِيبا من زَمْزَم _ فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فصنعا كَمَا يصنع الْوَالِد بِالْوَلَدِ وَالْولد بالوالد ثمَّ شرعا فِي بِنَاء الْكَعْبَة وَقد اخْتلف فِي أول من بنى الْكَعْبَة فَقيل الْمَلَائِكَة بِإِذن الله تَعَالَى وَقيل آدم عليه السلام وَلَكِن اندرس فِي زمَان الطوفان ثمَّ أظهره الله تَعَالَى لإِبْرَاهِيم عليه السلام حَتَّى بناه وقصة بِنَاء إِبْرَاهِيم عليه السلام مَشْهُورَة وملخصها ان إِبْرَاهِيم عليه السلام لما سَار من الشَّام وَقدم مَكَّة قَالَ يَا اسماعيل ان الله امرني ان ابْني لَهُ بَيْتا هَاهُنَا وَأَشَارَ إِلَى أكمة مُرْتَفعَة على مَا حولهَا فَقَالَ اسماعيل السّمع وَالطَّاعَة لما قَالَ رَبنَا قَالَ إِبْرَاهِيم وَقد أَمرك أَن تعينني فَقَالَ اسماعيل إِذا افْعَل فَجعل إِبْرَاهِيم يَبْنِي وَإِسْمَاعِيل يناوله الْحِجَارَة فَكَانَا كلما بنيا دعوا فَقَالَا (رَبنَا تقبل منا
وَقسم الأَرْض عَلَيْهِ فَقَالَ تَعَالَى وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لأخلقن مِمَّا أتيت بِهِ خلقا ولأسلطنك على قبض أَرْوَاحهم لقلَّة رحمتك بهم فَجعل نصف تِلْكَ القبضة فِي الْجنَّة وَنِصْفهَا فِي النَّار وَقَالَ أَنا الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا أَنا أَقْْضِي وَلَا يقْضِي عَليّ (ذكر آدم عليه السلام قَالَ النَّبِي صلي الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله خلق آدم من قَبْضَة قبضهَا من جَمِيع الأَرْض فجَاء بَنو آدم على قدر الأَرْض مِنْهُم الْأَحْمَر وَالْأسود والأبيض وَمَا بَين ذَلِك وَمِنْهُم الْحزن والسهل وَبَين ذَلِك وَإِنَّمَا سمي آدم لِأَنَّهُ خلق من أَدِيم الأَرْض وَلما خلق الله جَسَد آدم تَركه أَرْبَعِينَ لَيْلَة وَقيل أَرْبَعِينَ سنة ملقى بِغَيْر روح (وَقَالَ الله تَعَالَى للْمَلَائكَة إِذا نفخت فِيهِ من روحي فقعوا لَهُ ساجدين فَلَمَّا نفخ فِيهِ الرّوح سجد لَهُ الْمَلَائِكَة كلهم أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيس أبي واستكبر وَكَانَ من الْكَافرين) وَلم يسْجد كبرا وبغياً فأوقع الله تَعَالَى على إِبْلِيس اللَّعْنَة والاياس من رَحمته وَجعله شَيْطَانا رجيماً وَأخرجه من الْجنَّة بعد أَن كَانَ ملكا على سَمَاء الدُّنْيَا وَالْأَرْض وخازناً من خَزَنَة الْجنَّة واسكن الله تَعَالَى آدم الْجنَّة ثمَّ خلق الله تَعَالَى من ضلع آدم حَوَّاء زَوجته سميت بذلك لِأَنَّهَا خلقت من شَيْء حَيّ فَأوحى الله تَعَالَى إِلَيْهِ (يَا آدم اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة وكلا مِنْهَا رغداً حَيْثُ شئتما وَلَا تقربا هَذِه الشَّجَرَة فتكونا من الظَّالِمين) ثمَّ أَرَادَ إِبْلِيس عَلَيْهِ اللَّعْنَة أَن يدْخل الْجنَّة ليوسوس لآدَم وحواء فَمَنعه الخزنة فَعرض نَفسه على دَوَاب الأَرْض أَن تحمله حَتَّى يدْخل الْجنَّة ليكلم آدم وَزَوجته فَكل الدَّوَابّ أَبَت ذَلِك إِلَّا الْحَيَّة فَإِنَّهَا أدخلته الْجنَّة بَين نابيها وَكَانَت إِذْ ذَاك على غير شكلها الْآن فَلَمَّا دخل إِبْلِيس الْجنَّة وسوس لآدَم وحواء وَحسن عِنْدهمَا الْأكل من الشَّجَرَة الَّتِي نهاهما الله تَعَالَى عَنْهَا وَهِي الْحِنْطَة فِي قَول وَقرر عِنْدهمَا بعد أَن حلف لَهما إنَّهُمَا إِن أكلا مِنْهَا خلدا وَلم يموتا (فأكلا مِنْهَا فبدت لَهما سوآتهما) أَي ظَهرت لَهما
إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم) وَكَانَ وقُوف إِبْرَاهِيم عَليّ حجر وَهُوَ يَبْنِي وَذَلِكَ الْموضع هُوَ مقَام إِبْرَاهِيم وَاسْتمرّ الْبَيْت على مَا بناه إِبْرَاهِيم إِلَى أَن هدمته قُرَيْش سنة خمس وَثَلَاثِينَ من مولد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَبَنوهُ وَكَانَ بِنَاء الْكَعْبَة بعد مُضِيّ مائَة سنة من مولد إِبْرَاهِيم عليه السلام فَيكون بالتقريب بَين بِنَاء الْكَعْبَة وَبَين الْهِجْرَة الشَّرِيفَة أَلفَانِ وَسَبْعمائة وَثَلَاث وَتسْعُونَ سنة وَقد مضى من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة الى عصرنا هَذَا تِسْعمائَة سنة كَامِلَة فَيكون الْمَاضِي من بِنَاء إِبْرَاهِيم الْخَلِيل الْكَعْبَة الشَّرِيفَة الى آخر تِسْعمائَة سنة من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة ثَلَاثَة آلَاف وسِتمِائَة وَثَلَاث وَتِسْعين سنة وَالله أعلم وَسَيَأْتِي ذكر مَا وَقع فِي الْكَعْبَة الشَّرِيفَة من الْهدم وَالْبناء فِي السِّيرَة الشَّرِيفَة المحمدية وَفِي ذكر بِنَاء عبد الْملك بن مَرْوَان لمَسْجِد بَيت الْمُقَدّس ان شَاءَ الله تَعَالَى ((ذكر قصَّة الذَّبِيح)) ثمَّ أَمر الله إِبْرَاهِيم عليه السلام ان يذبح وَلَده وفداه الله تَعَالَى بكبش وَقد اخْتلف فِي الذَّبِيح هَل هُوَ إِسْحَاق أم اسماعيل فالكنعانيون يَقُولُونَ انه إِسْحَاق وَهُوَ قَول عَليّ وَابْن مَسْعُود وَكَعب وَمُقَاتِل وَقَتَادَة وَعِكْرِمَة وَالسُّديّ وَقَالَ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما هُوَ اسماعيل وَهُوَ قَول سعيد بن الْمسيب وَالشعْبِيّ وَالْحسن وَمُجاهد وكلا الْقَوْلَيْنِ يرْوى عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَمن قَالَ ان الذَّبِيح إِسْحَاق فقد احْتج بقوله عز وجل (فبشرناه بِغُلَام حَلِيم) فَلَمَّا بلغ مَعَه السَّعْي أمره بِذبح من بشر بِهِ وَلَيْسَ فِي الْقرَان انه بشر بِولد غير إِسْحَاق وَمن قَالَ ان الذَّبِيح اسماعيل احْتج لَهُ بِمَا قيل ان ذكر الْبُشْرَى بِإسْحَاق بعد الْفَرَاغ من قصَّة الْمَذْبُوح فَقَالَ تَعَالَى (وبشرناه بِإسْحَاق نَبيا من الصَّالِحين) فَدلَّ على ان الْمَذْبُوح غَيره
عوراتهما وَكَانَا لَا يريان ذَلِك فَقَالَ الله تَعَالَى (اهبطوا بَعْضكُم لبَعض عَدو) وهم آدم وحواء وإبليس الْحَيَّة فأهبطهم الله من الْجنَّة إِلَى الأَرْض وسلب عَن آدم وحواء كل مَا كَانَا فِيهِ من نعْمَة والكرامة فهبط آدم بسر نديب من أَرض الْهِنْد على جبل يُقَال لَهُ نود وحواء بجدة وإبليس بايلة والحية باصفهان فَجعل كل وَاحِد مِنْهُمَا يطْلب صَاحبه فاجتمعا بِعَرَفَات يَوْم عَرَفَة وتعارفا فَسُمي ذَلِك الْيَوْم عَرَفَة والموضع عَرَفَات وَكَانَ هبوط آدم من بَاب التَّوْبَة وهبوط حَوَّاء من بَاب الرَّحْمَة وإبليس من بَاب اللَّعْنَة والحية من بَاب السخط وَكَانَ فِي وَقت الْعَصْر وَكَانَ بَين هبوط آدم وَالْهجْرَة النَّبَوِيَّة سِتَّة آلَاف سنة ومائتان وَسِتَّة عشر سنة على حكم التَّوْرَاة اليونانية وَهِي الْمُعْتَمدَة عِنْد الْمُحَقِّقين من المؤرخين وَفِي ذَلِك خلاف لَا فَائِدَة اذكره خشيَة الإطالة وَقد مضى من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة إِلَى عصرنا هَذَا تِسْعمائَة سنة كَامِلَة فَيكون الْمَاضِي من هبوط آدم إِلَى آخر سنة تِسْعمائَة من الْهِجْرَة الشَّرِيفَة سَبْعَة آلَاف سنة وَمِائَة وَسِتَّة عشر سنة وَهُوَ الْمُعْتَمد عِنْد المؤرخين وَلما هَبَط آدم إِلَى الأَرْض كَانَ لَهُ ولدان هابيل وقابيل فقربا قرباناً فَتقبل من هابيل وَلم يتَقَبَّل قرْبَان قابيل فحسده على ذَلِك وَكَانَ لقابيل أُخْت توأمة وَكَانَت حسن من توأمة هابيل وَكَانَ آدم أَرَادَ أَن يُزَوّج توأمه قابيل بهابيل وَعَكسه فَلم يطب لقابيل ذَلِك وَرَأى قرْبَان أَخِيه قد تقبل دون قربانه فَقتل أَخَاهُ هابيل وَأخذ قابيل توأمته وهرب بهَا وعاش آدم عليه السلام تِسْعمائَة وَثَلَاثِينَ سنة وَذَلِكَ بِاتِّفَاق المؤرخين وَكَانَ آدم رجلا طَويلا كَأَنَّهُ نَخْلَة سحوق كثير شعر الرَّأْس قد بلغ عدد وَلَده لصلبه وَولد وَلَده لما توفى أَرْبَعِينَ ألفا وَنزل عَلَيْهِ جِبْرِيل عليه السلام أثني عشر مرّة وَقد تقدم ذكر الْخلاف فِي إِنَّه أول من بنى مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس وَقد اخْتلف فِي مدفنه فَقيل أَن قَبره فِي مغارة بَين الْقُدس وَمَسْجِد إِبْرَاهِيم رِجْلَاهُ عِنْد الصَّخْرَة وَرَأسه عِنْد مَسْجِد إِبْرَاهِيم عليه السلام وَالْخلاف فِي ذَلِك كثير
وَأما قصَّة الذَّبِيح فَقَالَ الْبَغَوِيّ قَالَ السّديّ لما دَعَا إِبْرَاهِيم عليه السلام وَقَالَ (رب هَب لي من الصَّالِحين) وَبشر بِهِ فَقَالَ هُوَ اذاً ذبيح فَلَمَّا ولد وَبلغ مَعَه السَّعْي قَالَ لَهُ أوف بِنَذْرِك هَذَا هُوَ السَّبَب فِي أَمر الله تَعَالَى إِيَّاه بِذبح ابْنه فَعِنْدَ ذَلِك قَالَ لِابْنِهِ انْطلق بِنَا لنقرب قرباناً لله عز وجل فَأخذ سكيناً وحبلاً وَانْطَلق مَعَه حَتَّى ذهب بَين الْجبَال فَقَالَ لَهُ الْغُلَام يَا أَبَت أَيْن قربانك فَقَالَ (يَا بني اني آري فِي الْمَنَام اني أذبحك فَانْظُر مَاذَا ترى قَالَ يَا أَبَت افْعَل مَا تُؤمر فَلَمَّا اسلما - أَي انقادا لأمر الله تَعَالَى وخضعا _ وتله للجبين) _ أَي صرعه على الأَرْض _ فَقَالَ لَهُ ابْنه الَّذِي أَرَادَ ذبحه يَا أَبَت اشْدُد رباطي حَتَّى لَا اضْطربَ واكفف عني ثِيَابك حَتَّى لَا ينتضح عَلَيْهَا من دمي شي فينقص اجري وتراه أُمِّي فتحزن عَليّ واستحد شفرتك وأسرع مر السكين على حلقي ليَكُون أَهْون عَليّ فان الْمَوْت شَدِيد وَإِذا أتيت أُمِّي فاقرىء عليها السلام مني وان رَأَيْت ان ترد قَمِيصِي على أُمِّي فَعَسَى أَنه يكون اسلاء لَهَا عني فَقَالَ لَهُ ابر أهيم نعم العون أَنْت يَا بني على أَمر الله تَعَالَى قَالَ فَفعل إِبْرَاهِيم مَا أمره الْغُلَام وَقَبله بَين عَيْنَيْهِ وَقد ربطه وَهُوَ يبكي ثمَّ وضع السكين على حلقه وَجعل يجرها على حلقه فَلَا تقطع فَقَالَ الابْن عِنْد ذَلِك يَا أَبَت كبني على وَجْهي فانك إِذا نظرت إِلَى وَجْهي رحمتني وادركتك الرأفة فتحول بيني وَبَيْنك وَبَين أَمر الله تَعَالَى وَأَنا لَا انْظُر الشَّفْرَة فأجزع فَفعل إِبْرَاهِيم ذَلِك ثمَّ وضع السكين على قَفاهُ فَانْقَلَبت وَنُودِيَ يَا إِبْرَاهِيم قد صدقت الرُّؤْيَا فَنظر إِبْرَاهِيم فَإِذا هُوَ بِجِبْرِيل عليه السلام وَمَعَهُ كَبْش املح اقرن وَقَالَ هَذَا فدَاء ابْنك فاذبحه دونه فَكبر جِبْرِيل عليه السلام وَكبر الْكَبْش وَكبر إِبْرَاهِيم عليه السلام وَكبر ابْنه فَأخذ إِبْرَاهِيم الْكَبْش واتى بِهِ المنحز من منى فذبحه وَكَانَ ذَلِك الذَّبِيح كَبْشًا رعى فِي الْجنَّة أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَالَ الْقُرْطُبِيّ سُئِلَ عمر بن عبد الْعَزِيز رضي الله عنه رجلا كَانَ من عُلَمَاء الْيَهُود _ اسْلَمْ وَحسن إِسْلَامه _ أَي ابْني إِبْرَاهِيم أَمر بذَبْحه فَقَالَ اسماعيل
ثمَّ بعد قتل هابيل لآدَم شِيث عليه السلام وَهُوَ وَصِيّه وَتَفْسِير شِيث هبة الله عَاشَ تِسْعمائَة سنة وَأثْنى عشر سنة وَمَات لمضي ألف وَمِائَة واثنين وَأَرْبَعين سنة لهبوط آدم وَالِي شِيث تَنْتَهِي أَنْسَاب بني آدم كلهم ثمَّ ولد لشيث أنوش عَاشَ تِسْعمائَة سنة وَخمسين سنة ثمَّ ولد لأنوش قينان عَاشَ تِسْعمائَة وَعشْرين سنة ثمَّ ولد لقينان مهلاييل عَاشَ ثَمَانمِائَة وخمساً وَتِسْعين سنة ثمَّ ولد لمهلاييل يود - بِالدَّال الْمُهْملَة - عَاشَ تِسْعمائَة واثنين وَسِتِّينَ سنة ثمَّ ولد ليود حنوخ - بخاء مُهْملَة وَنون وواو وخاء مُعْجمَة - وَهُوَ إِدْرِيس عليه السلام وَأدْركَ إِدْرِيس من حَيَاة شِيث جد جده عشْرين سنة وَلما صَار لَهُ من الْعُمر ثَلَاثمِائَة وَخمْس وَسِتُّونَ سنة رَفعه الله إِلَى السَّمَاء وَكَانَ قد نبأه الله وانكشف لَهُ الْأَسْرَار السماوية وَنزل عَلَيْهِ جِبْرِيل عليه السلام أَربع مَرَّات وَله صحف (مِنْهَا) لَا تروموا أَن تحيطوا بِاللَّه خَبره فَإِنَّهُ أعظم وَأَعْلَى من أَن تُدْرِكهُ فطن المخلوقين إِلَّا من أَثَره ثمَّ ولد لحنوخ متوشلح - بتاء مثناة من فَوق وَآخره حاء مُهْملَة - عَاشَ تِسْعمائَة وتسعاً وَسِتِّينَ سنة ثمَّ ولد لمنوشلح لامخ وَلما صَار لَهُ من الْعُمر مائَة وثمان وَثَمَانُونَ سنة ولد لَهُ نوح (ذكر نوح عليه السلام واسْمه عبد الْغفار ولد بعد أَن مضى ألف وسِتمِائَة وثنتان وَأَرْبَعُونَ سنة من هبوط آدم عليه السلام وَكَانَ بعد رفع إِدْرِيس إِلَى السَّمَاء بِمِائَة وَخمْس وَسبعين سنة وَيُقَال أَن دمشق كَانَت دَار نوح عليه السلام وأرسله الله تَعَالَى إِلَى قومه وَكَانُوا أهل أوثان فَصَارَ يَدعُوهُم إِلَى طَاعَة الله وهم لَا يلتفتون إِلَيْهِ وَكَانُوا يخنقونه حَتَّى يغشى عَلَيْهِ فَإِذا أَفَاق قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِر لقومي فَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ وَكَانُوا يضربونه حَتَّى يَظُنُّوا انه مَاتَ فَإِذا أَفَاق اغْتسل وَأَقْبل عَلَيْهِم وَهُوَ يَدعُوهُم إِلَى الله تَعَالَى فَلَمَّا طَال ذَلِك شكاهم إِلَى الله تَعَالَى فَأوحى الله إِلَيْهِ إِنَّه لن يُؤمن من قَوْمك
ثمَّ قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ان الْيَهُود لتعلم ذَلِك وَلَكنهُمْ يحسدونكم معاشر الْعَرَب على ان يكون أبوكم هُوَ الذَّبِيح ويزعمون انه إِسْحَاق أبوهم وروى الثَّعْلَبِيّ عَن الصهاجي قَالَ كُنَّا عِنْد مُعَاوِيَة فَذكرُوا اسماعيل الذَّبِيح أَو إِسْحَاق فَقَالَ على الْخَبِير سقطنم كنت عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فجَاء رجل وَقَالَ لَهُ ابْن الذبحين فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَمَا الذَّبِيحَانِ فَقَالَ ان عبد الْمطلب لما حفر زَمْزَم نذر لَئِن سهل الله لَهُ أمرهَا لَيَذْبَحَن أحد أَوْلَاده فَخرج السهْم على وَلَده عبد الله فَمَنعه أَخْوَاله من ذَلِك وَقَالُوا لَهُ بل افْدِ ولدك بِمِائَة من الْإِبِل فَفَدَاهُ وَالثَّانِي اسماعيل عليه السلام وَمن زعم ان الذَّبِيح إِسْحَاق فَيَقُول كَانَ مَوضِع الذّبْح بِالشَّام على ميلين من ايليا وَهِي بَيت الْمُقَدّس وَزَعَمت الْيَهُود انه كَانَ على صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس وَمن يَقُول ان الذَّبِيح اسماعيل فَيَقُول ان ذَلِك كَانَ بِمَكَّة المشرفة وَأرْسل الله اسماعيل الى قبائل الْيمن والى العماليق وَزوج اسماعيل ابْنَته من ابْن أَخِيه الْعيص بن إِسْحَاق وعاش اسماعيل مائَة وَسبعا وَثَلَاثِينَ سنة وَمَات بِمَكَّة وَدفن عِنْد قبر أمه هَاجر بِالْحجرِ فَكَانَت وَفَاته بعد وَفَاة أَبِيه إِبْرَاهِيم عليه السلام بثمان واربعين سنة وَلما مَاتَت سارة بعد وَفَاة هَاجر تزوج إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عليه السلام امْرَأَة من الكنعانيين وَولدت مِنْهُ سِتَّة وهم يقشان وزمران ومدان ومديان ويشق وشرخ ثمَّ تزوج امْرَأَة أخري فَولدت لَهُ خَمْسَة بَنِينَ فَكَانَ جَمِيع أَوْلَاد إِبْرَاهِيم ثَلَاثَة عشر ولد مَعَ اسماعيل وَإِسْحَاق فَكَانَ اسماعيل اكبر أَوْلَاده فآثر اسماعيل ارْض الْحجاز وَإِسْحَاق ارْض الشَّام وَفرق سَائِر وَلَده فِي الْبِلَاد وَالله اعْلَم