الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ذكر يَوْم الْفَتْح)
وَهُوَ يَوْم سَابِع عشري رَجَب - كَمَا تقدم - وَاتفقَ فتح بَيت الْمُقَدّس فِي يَوْم كَانَ مثل لَيْلَة مِعْرَاج النَّبِي صل الله عَلَيْهِ وَسلم وَرفعت الْأَعْلَام الإسلامية عل أسواره وَجلسَ السُّلْطَان للقاء الأكابر والأمراء والمتصوفة وَالْعُلَمَاء وَهُوَ جَالس عل هَيْئَة التَّوَاضُع وَعَلِيهِ الابهة وَالْوَقار وَحَوله أهل الْعلم وَالْفُقَهَاء وَعَلَيْهِم السكينَة والجلال وَقد ظهر السرُور عل أهل الْإِسْلَام بنصرتهم عل عدوهم المخذول وزينت بِلَاد الآلام لفتح بَيت الْمُقَدّس وتسامع النَّاس بِهَذَا النَّصْر وَالْفَتْح فوفدوا للزيارة من سَائِر الْبِلَاد واما الإفرنج فشرعوا فِي بيع أمتعتهم واستخراج ذخائرهم وباعوها بالهوان وتقاعد النَّاس فِي الشِّرَاء فابتاعوها بأرخص ثمن وَكَانَ مَا يُسَاوِي عشرَة دَنَانِير يُبَاع بِأَقَلّ من دِينَار وَأخذُوا مَا فِي كنائسهم من أواني الذَّهَب وَالْفِضَّة والستور وَجمع البطرك كل من كَانَ عل الْقَبْر من صَفَائِح الذَّهَب وَالْفِضَّة وَجَمِيع مَا كَانَ فِي القمامة فَقَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب للسُّلْطَان هَذِه أَمْوَال جزيلة تبلغ مِائَتي ألف دِينَار والأمان فِي أَمْوَالهم لَا على أَمْوَال الْكَنَائِس والديارات فَلَا نتركها لَهُم فَقَالَ السُّلْطَان إِذا تأولنا عَلَيْهِم نسبونا إِلَى الْغدر فَنحْن نجزيهم عل ظَاهر الْأمان وَلَا ندعهم يَتَكَلَّمُونَ فِي حق الْمُسلمين وينسبوهم إِلَى الْغدر والنكث بل ندعهم يثنون عَنَّا الْجَمِيل أَخذ الإفرنج مَا خف حمله وَتركُوا مَا ثقل وانتقل بَعضهم إِلَى صور وَبَقِي مِنْهُم زهاء خَمْسَة ألفا لم يؤدوا مَا شَرط عَلَيْهِم فَدَخَلُوا فِي الرّقّ وَكَانَ الرِّجَال نَحْو سَبْعَة آلَاف فاقتسمهم الْمُسلمُونَ وأحصيت النِّسَاء وَالصبيان ثَمَانِيَة لاف نسمَة وَمَا أُصِيب الإفرنج من حِين خَرجُوا إِلَى الشَّام فِي سنة تسعين وَأَرْبَعمِائَة إِلَى أَن بمصيبة مثل هَذِه الْوَاقِعَة وَوصل المستنفرون من الْكفَّار إِلَى أقْصَى بِلَاد الإفرنج
ومثلوا صُورَة الْمَسِيح عليه السلام وَصُورَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِيَدِهِ عَصا وَهُوَ يقْصد الْمَسِيح ليضربه والمسيح مُنْهَزِم مِنْهُ وَأَقَامُوا الشناع والغوغا فِي بِلَادهمْ لذَلِك وَاشْتَدَّ مُلُوكهمْ واعتدوا وجهزوا العساكر لقصد بِلَاد الْإِسْلَام ومحاربة الْملك صَلَاح الدّين رَحمَه الله تَعَالَى وَلما اسْتَقر بَيت الْمُقَدّس مَعَ الْمُسلمين وطهره الله من الْمُشْركين سَأَلَ النَّصَارَى فِي الْإِقَامَة بِهِ ببذل الْجِزْيَة وَأَن يدخلُوا فِي الذِّمَّة فأجيبوا إِلَى ذَلِك وَلما تسلم السُّلْطَان الْقُدس أَمر بِإِظْهَار الْمِحْرَاب وَكَانَ الراوية قد بنوا فِي جِهَة جداراً وتركوه هوياً وَقيل اتخذوه مستراحاً وبنوا غربي الْقبْلَة دَارا وسيعة وكنيسة فهدم مَا قُدَّام الْمِحْرَاب من الْأَبْنِيَة وَنصب الْمِنْبَر وَأظْهر الْمِحْرَاب وَنقض مَا أحدثوه بَين السَّوَارِي وفرش الْمَسْجِد بالبسط وعلقت الْقَنَادِيل وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً ظهر فِيهِ عز الْإِسْلَام وعلت كلمة الْإِيمَان وَبَطلَت نغمات القسس والرهبان وعلت أصوات أهل التَّوْحِيد بالقرن وخرس الناقوس وَسمع الْأَذَان وعزل الْإِنْجِيل وتول الْقرن وَبَطل مَا كَانَ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى من الْكفْر والطغيان وَعبد فِيهِ الْملك الديَّان وَقد تقدم أَن من الاتفاقات العجيبة أَن محيي الدّين زكي قَاضِي دمشق لما فتح السُّلْطَان صَلَاح الدّين حلب فِي صفر سنة تسع وَسبعين وَخَمْسمِائة مدحه بقصيدة مِنْهَا وفتحكم حَلبًا بِالسَّيْفِ فِي صفر مُبشر بفتوح الْقُدس فِي رَجَب فَكَانَ كَمَا قَالَ وَفتح الْقُدس فِي رَجَب - كَمَا تقدم - فَقيل لمحيي الدّين من أَيْن لَك هَذَا؟ فَقَالَ أَخَذته من تَفْسِير ابْن برجان فِي قَوْله تَعَالَى؟ (ألم غلبت الرّوم فِي أدنى الأَرْض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فِي بضع سِنِين) وَكَانَ الإِمَام أَبُو الحكم ابْن برجان الأندلسي قد صنف تَفْسِيره الْمَذْكُور فِي سنة عشْرين وَخَمْسمِائة وَبَيت الْمُقَدّس إِذْ ذَاك فِي يَد الإفرنج لعنهم الله تَعَالَى قَالَ ابْن خلكان فِي تَارِيخه - فِي تَرْجَمَة ابْن الزكي - وَلما وقفت أَنا على
هَذَا الْبَيْت وَهَذِه الْحِكَايَة لم أزل أطلب تَفْسِير ابْن برجان حَتَّى وجدته عل هَذِه الصُّورَة قَالَ وَلَكِن رَأَيْت هَذَا الْفَصْل مَكْتُوبًا عل الْحَاشِيَة بِخَط غير الأَصْل وَلَا أَدْرِي هَل كَانَ من أصل الْكتاب أم هُوَ مُلْحق وَذكر لَهُ حسابا طَويلا وطريقاً فِي اسْتِخْرَاج ذَلِك حَتَّى حَرَّره من قَوْله (فيبضع سِنِين) انْتهى (ذكر أول خطْبَة بعد الْفَتْح) وَلما فتح السُّلْطَان الْقُدس تطاول إِلَى الخطابة يَوْم الْجُمُعَة كل وَاحِد من الْعلمَاء الَّذين كَانُوا فِي خدمته حاضرين وجهز كل وَاحِد مِنْهُم خطْبَة بليغة طَمَعا فِي أَن يكون هُوَ الَّذِي يعين لذَلِك وَالسُّلْطَان لَا يعين الْخطْبَة لأحد فَلَمَّا دخل يَوْم الْجُمُعَة رَابِع شعْبَان وَاجْتمعَ النَّاس لصَلَاة الْجُمُعَة حَتَّى امْتَلَأَ الْجَامِع ونصبت الْأَعْلَام عل الْمِنْبَر وَتكلم النَّاس فِيمَن يخْطب وَالْأَمر مُبْهَم حَتَّى حَان الزَّوَال وَأذن الْمُؤَذّن للْجُمُعَة فرسم السُّلْطَان وَهُوَ بقبة الصَّخْرَة للْقَاضِي محيي الدّين مُحَمَّد بن زكي الدّين عَليّ الْقرشِي أَن يخْطب وَهِي أول جُمُعَة صليت بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الشريف بعد الْفَتْح وأعاره الْعِمَاد الْكَاتِب اهبة سَوْدَاء كَانَت عِنْده من تشريف الْخلَافَة لبسهَا فِي الْحَال فَلَمَّا رقى عل الْمِنْبَر استفتح بِسُورَة الْفَاتِحَة فقرأها إِلَى آخرهَا ثمَّ قَالَ (فَقطع دابر الْقَوْم الَّذين ظلمُوا وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين) ثمَّ قَرَأَ سُورَة الْأَنْعَام (الْحَمد لله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَجعل الظُّلُمَات والنور ثمَّ الَّذين كفرُوا برَبهمْ يعدلُونَ هُوَ الَّذِي خَلقكُم من طين ثمَّ قضى أَََجَلًا وَأجل مسم عِنْده ثمَّ أَنْتُم تمترون وَهُوَ الله فِي السَّمَاوَات وَفِي الأَرْض يعلم سركم وجهركم وَيعلم مَا تكسبون) ثمَّ قَرَأَ من سُورَة سُبْحَانَ الَّذِي أسرى (وَقل الْحَمد لله الَّذِي لم يتَّخذ ولدا وَلم يكن لَهُ شريك فِي الْملك وَلم يكن لَهُ ولي من الذل وَكبره تَكْبِيرا)
ثمَّ قَرَأَ من سُورَة الْكَهْف - أَولهَا - (الْحَمد الله الَّذِي أنزل عل عَبده الْكتاب وَلم يَجْعَل لَهُ عوجا قيمًا لينذر بَأْسا شَدِيدا من لَدنه ويبشر الْمُؤمنِينَ الَّذين يعْملُونَ الصَّالِحَات إِن لَهُم أجرا حسنا مَا كثين فِيهِ أبدا وينذر الَّذين قَالُوا اتخذ الله ولدا مَا لَهُم بِهِ من علم وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبرت كلمة تخرج من أَفْوَاههم إِن يَقُولُونَ إِلَّا كذبا فلعلك باخع نَفسك على آثَارهم إِن لم يُؤمنُوا بِهَذَا الحَدِيث أسفا) ثمَّ قَرَأَ من سُورَة النَّمْل (وَقل الْحَمد لله وَسَلام عل عبَادَة الَّذين اصْطفى الله خير مِمَّا يشركُونَ) ثمَّ قَرَأَ من سور ة سبأ (الْحَمد لله الذيله مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض وَله الْحَمد فِي الْآخِرَة وَهُوَ الْحَكِيم الْخَبِير) ثمَّ قَرَأَ من سُورَة فاطر (الْحَمد لله فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض جَاعل الْمَلَائِكَة رسلًا أولي أجنح مثنى وَثَلَاث وَربَاع يزِيد فِي الْخلق مَا يَشَاء إِن الله على كل شَيْء قدير مَا يفتح الله للنَّاس من رَحْمَة فَلَا مُمْسك لَهَا وَمَا يمسك فَلَا مُرْسل لَهُ من بعده وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم) ثمَّ شرع فِي الْخطْبَة فَقَالَ الْحَمد لله معز الْإِسْلَام بنصره ومذل الشّرك بقهره ومصرف الْأُمُور بأَمْره ومديم النعم بشكره ومستدرج الْكفَّار بمكره الَّذِي قدر الْأَيَّام دولا بعدله وَجعل الْعَاقِبَة لِلْمُتقين بفضله وأفاء عل عبَادَة من ظله وَأظْهر دينه عل الدّين كُله القاهر فَوق عباده فَلَا يمانع وَالظَّاهِر عل خَلِيفَته فَلَا يُنَازع والآمر بِمَا يَشَاء فَلَا يُرَاجع وَالْحَاكِم بِمَا يُرِيد فِيمَا يدافع أَحْمَده عل إظفاره وإظهاره وإعزازه لأوليائه وَنَصره لأنصاره وتطهير بَيته الْمُقَدّس من أدناس الشّرك وأوضاوه حمد من استشعر الْحَمد بَاطِن سره وَظَاهر جهاره واشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ الْأَحَد الصَّمد الَّذِي لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد شَهَادَة من طهر بِالتَّوْحِيدِ قلبه وَأَرْض بِهِ ربه وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله رَافع الشَّك وداحض الشّرك ورافض الافك الَّذِي أسرى بِهِ لَيْلًا
من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى هَذَا الْمَسْجِد الْأَقْصَى وعرج بِهِ مِنْهُ إِلَى السَّمَاوَات العلى (إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى عِنْدهَا جنَّة المأوى إِذْ يغشى السِّدْرَة مَا يغشى مَا زاغ الْبَصَر وَمَا طَغى) صل الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى خَلِيفَته أبي بكر الصّديق السَّابِق إِلَى الْإِيمَان وعَلى أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب أول من رفع عَن هَذَا الْبَيْت شَعَائِر الصلبان وعل أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان بن عَفَّان ذِي النورين جَامع الْقُرْآن وعَلى أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب مزلزل الشّرك ومكسر الْأَوْثَان وعل لَهُ وَأَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان أَيهَا النَّاس أَبْشِرُوا برضوان اله الَّذِي هُوَ الْغَايَة القصوى والدرجة الْعليا لما يسره الله عل أَيْدِيكُم من اسْتِرْدَاد هَذِه الضَّالة من الأنة الضَّالة وردهَا إِلَى مقرها من الْإِسْلَام بعد ابتذالها فِي أَيدي الْمُشْركين قَرِيبا من مائَة عَام وتطهير هَذَا الْبَيْت الَّذِي أذن الله أَن يرفع وَيذكر فِيهِ اسْمه وإماطة الشّرك عَن طرقه بعد أَن امْتَدَّ عَلَيْهَا رواقه وَاسْتقر فِيهَا رسمه وَرفع قَوَاعِده بِالتَّوْحِيدِ فَإِنَّهُ بني عَلَيْهِ وَسيد بُنْيَانه بالتمجيد فَإِنَّهُ أسس على التَّقْوَى من خَلفه وَمن بَين يَدَيْهِ فَهُوَ موطن أبيكم إِبْرَاهِيم ومعراج نَبِيكُم عليه الصلاة والسلام وقبلتكم الَّتِي كُنْتُم تصلونَ إِلَيْهَا فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام وَهُوَ مقرّ الْأَنْبِيَاء ومقصد الْأَوْلِيَاء ومدفن الرُّسُل ومهبط الْوَحْي ومنزل بِهِ الْأَمر وَالنَّهْي وَهُوَ أَرض الْمَحْشَر وصعيد المنشر وَهُوَ فِي الأَرْض المقدسة الَّتِي ذكرهَا الله فِي كِتَابه الْمُبين وَهُوَ الْمَسْجِد الْأَقْصَى الَّذِي صل فِيهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِالْمَلَائِكَةِ المقربين وَهُوَ الْبَلَد الَّذِي بعث اله إِلَيْهِ عَبده وَرَسُوله وكلمته الَّتِي أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وروحه عِيسَى الَّذِي أكْرمه برسالته وشرفه بنبوته وَلم يزحزحه عَن رُتْبَة عبوديته فَقَالَ تَعَالَى (لن يستنكف الْمَسِيح أَن يكون عبدا لله وَلَا الْمَلَائِكَة المقربون كذب الْعَادِلُونَ بِاللَّه وَضَلُّوا ضلالا بَعيدا مَا اتخذ الله من ولد وَمَا كَانَ مَعَه من إِلَه إِذا لذهب كل إِلَه بِمَا خلق ولعلا بَعضهم على بعض سُبْحَانَ الله عَمَّا يصفونَ عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة فتعالى
عَمَّا يشركُونَ لقد كفر الَّذين قَالُوا إِن الله هُوَ الْمَسِيح ابْن مَرْيَم قل فَمن يملك من الله شَيْئا إِن أَرَادَ أَن يهْلك الْمَسِيح ابْن مَرْيَم وَأمه وَمن الأَرْض جَمِيعًا وَللَّه ملك السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا يخلق مَا يَشَاء وَالله على كل شَيْء قدير وَقَالَت الْيَهُود وَالنَّصَارَى نَحن أَبنَاء الله وأحباؤه قل فَلم يعذبكم بذنوبكم بل أَنْتُم بشر مِمَّن خلق يغْفر لمن يَشَاء ويعذب من يَشَاء وَللَّه ملك السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا وَإِلَيْهِ الْمصير يَا أهل الْكتاب قد جَاءَكُم رَسُولنَا يبين لكم على فَتْرَة من الرُّسُل أَن تَقولُوا مَا جَاءَنَا من بشير وَلَا نَذِير فقد جَاءَكُم بشير ونذير وَالله عل كل شَيْء قدير) وَهُوَ أول الْقبْلَتَيْنِ وَثَانِي المسجدين وثالث الْحَرَمَيْنِ لَا تشد الرّحال بعد المسجدين إِلَّا إِلَيْهِ وَلَا تعقد الخناصر بعد الموطنين إِلَّا عَلَيْهِ فلولا إِنَّكُم مِمَّن اخْتَارَهُ الله من عباده واصطفاكم من سكان بِلَاده لما خصكم الله بِهَذِهِ الْفَضِيلَة الَّتِي لَا يجاريكم فِيهَا مجار وَلَا يباريكم فِي شرفها مبار فطوبى لكم من جَيش ظَهرت عل أَيْدِيكُم المعجزات النَّبَوِيَّة والوقعات البدرية والعزمات الصديقية والفتوحات العمرية والجيوش العثمانية والفتكات العلوية جددتم لِلْإِسْلَامِ أَيَّام الْقَادِسِيَّة والملاحم اليرموكية والمنازلات الْخَيْبَرِية والهجمات الخالدية فجزا كم الله عَن نبيه مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم أفضل الْجَزَاء وشكر لكم مَا بذلتموه من مهجكم فِي مقارعة الْأَعْدَاء وَتقبل مِنْكُم مَا تقربتم بِهِ إِلَيْهِ من إهراق الدِّمَاء وأثابكم الْجنَّة فَهِيَ دَار السُّعَدَاء فاقدروا رحمكم الله هَذِه النِّعْمَة حق قدرهَا وَقومُوا لله قَانِتِينَ بِوَاجِب شكرها فَلهُ تَعَالَى الْمِنَّة عَلَيْكُم بتخصيصكم بِهَذِهِ النِّعْمَة وترشيحكم لهَذِهِ الْخدمَة فَهَذَا هُوَ الْفَتْح الَّذِي فتحت لَهُ أَبْوَاب السَّمَاء وتبلجت بأنوارها وجوده الظلماء وابتهج بِهِ الْمَلَائِكَة المقربون وقر بِهِ عينا الْأَنْبِيَاء والمرسلون فَمَاذَا عَلَيْكُم من النِّعْمَة أَن جعلكُمْ الْجَيْش الَّذِي يفتح عل يَدَيْهِ الْبَيْت الْمُقَدّس فِي آخر الزَّمَان والجند الَّذِي تقوم بسيوفهم بعد فَتْرَة من النُّبُوَّة أَعْلَام الْإِيمَان فيوشك
أَن يفتح الله عل أَيْدِيكُم أَمْثَاله وَأَن يكون التهاني لأهل الخضراء أَكثر من التهاني لأهل الغبراء أَلَيْسَ هُوَ الْبَيْت الَّذِي ذكره الله فِي كِتَابه وَنَصّ عَلَيْهِ فِي مُحكم خطابه فَقَالَ تعال (سُبْحَانَ الَّذِي أسر بِعَبْدِهِ لَيْلًا من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى الَّذِي باركنا حوله لنريه من آيَاتنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيع الْبَصِير) ؟ أَلَيْسَ هُوَ الْبَيْت الَّذِي عَظمته الْملَل وأثنت عَلَيْهِ الرُّسُل وتليت فِيهِ الْكتب الْأَرْبَعَة الْمنزلَة من الله عز وجل؟ أَلَيْسَ هُوَ الْبَيْت الَّذِي امسك الله تَعَالَى لأَجله الشَّمْس على يُوشَع أَن تغرب وباعد بَين خطواتها ليتيسر فَتحه وَيقرب؟ أَلَيْسَ هُوَ الْبَيْت الَّذِي أَمر الله عز وجل مُوسَى أَن يَأْمر قومه باستنقاذه فَلم يجبهُ إِلَّا رجلَانِ وَغَضب الله عَلَيْهِم لأَجله فألقاهم فِي التيه عُقُوبَة للعصيان؟ فاحمدوا الله الَّذِي أمض عزائمكم لما نكلت عَنهُ بَنو إِسْرَائِيل وَقد فضلت على الْعَالمين ووفقكم لما خذلت فِيهِ أُمَم كَانَت قبلكُمْ من الْأُمَم الماضين وَجمع لأَجله كلمتكم وَكَانَت شَتَّى وأغناكم بِمَا امضته كَانَ وَقد عَن سَوف وَحَتَّى فليهنكم إِن الله قد ذكركُمْ بِهِ فِيمَن عِنْده وجعلكم بعد أَن كُنْتُم جُنُودا لَا هويتكم جنده وشكر لكم الْمَلَائِكَة المنزلون عل مَا اهديتم لهَذَا الْبَيْت من طيب التَّوْحِيد وَنشر التَّقْدِيس والتمجيد وَمَا أمطتم عَن طرقهم فِيهِ من أَذَى الشّرك والثليث والاعتقاد الْفَاجِر الْخَبيث فَالْآن تستغفر لكم أَمْلَاك السَّمَاوَات وَتصلي عَلَيْكُم الصَّلَوَات المباركات فاحفظوا رحمكم الله هَذِه الموهبة فِيكُم واحرسوا هَذِه النِّعْمَة عنْدكُمْ بتقوى الله الَّتِي من تمسك بهَا وَسلم وَمن اعْتصمَ بعروتها نجا وعصم وأحذروا من أَتبَاع الْهوى ومواقعة الردى وَرُجُوع الْقَهْقَرِي والنكول عَن العدى وَأخذُوا فِي انتهاز الفرصة وَإِزَالَة مَا بَقِي من الغصة وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده وبيعوا عباد الله أَنفسكُم فِي رِضَاهُ إِذْ جعلكُمْ من خِيَار عباده وَإِيَّاكُم أَن يستزلكم الشَّيْطَان وَأَن يتداخلكم الطغيان فيخبل لكم إِن هَذَا النَّصْر بسيوفكم الْحداد وخيولكم الْجِيَاد وبجلادكم فِي مَوَاطِن الجلاد لَا وَالله مَا النَّصْر إِلَّا من عِنْد الله الْعَزِيز الْحَكِيم فاحذروا
عباد الله بعد أَن شرفكم الله بِهَذَا الْفَتْح الْجَلِيل والمنح الجزيل وخصكم بنصره الْمُبين واعلق أَيْدِيكُم بحبله المتين إِن تقترفوا كَبِيرا من مناهيه وَإِن تَأْتُوا عَظِيما من مَعَاصيه (فتكونوا كَالَّتِي نقضت غزلها من بعد قُوَّة انكاثاً وكالذي آتيناه آيَاتنَا فانسلخ مِنْهَا فَأتبعهُ الشَّيْطَان فَكَانَ من الغاوين) وَالْجهَاد الْجِهَاد فَهُوَ من أفضل عباداتكم وأشرف عاداتكم انصروا الله ينصركم احْفَظُوا الله يحفظكم أذكروا الله يذكر كم اشكروا الله يزدكم ويشكركم خُذُوا فِي حسم الدَّاء وَقطع شأفة الْأَعْدَاء وطهروا بَقِي الأَرْض من هَذِه الأنجاس الَّتِي أغضبت الله وَرَسُوله وأقطعوا فروع الْكفْر واجتثوا أُصُوله فقد نادت الْأَيَّام بالثارات الإسلامية وَالْملَّة المحمدية الله أكبر فتح الله وَنصر غلب الله وقهر أذلّ الله من كفر وأعلموا رحمكم الله إِن هَذِه فرْصَة فانتهزوها فريسة فناجزوها وغنيمة فحوزوها ومهمة فأخرجوا لَهَا هممكم وأبرزوها وسيروا إِلَيْهَا سَرَايَا عزماتكم وجهزوها فالأمور بأواخرها والمكاسب بذخائرها فقد أَظْفَرَكُم الله بِهَذَا الْعَدو المخذول وَهُوَ مثلكُمْ أَو يزِيدُونَ فَكيف وَقد أضحى قبالة الْوَاحِد مِنْهُم مِنْكُم عشرُون فقد قَالَ تعال (إِن يكن مِنْكُم عشرُون صَابِرُونَ يغلبوا مِائَتَيْنِ وَإِن يكن مِنْكُم مائَة يغلبوا ألفا من الَّذين كفرُوا بِأَنَّهُم قوم لَا يفقهُونَ الْآن خفف الله عَنْكُم وَعلم أَن فِيكُم ضعفا فَإِن يكن مِنْكُم مائَة صابرة يغلبوا مِائَتَيْنِ وَإِن يكن مِنْكُم ألف يغلبوا أَلفَيْنِ بِإِذن الله وَالله مَعَ الصابرين) أعاننا الله وَإِيَّاكُم عل اتِّبَاع أوامره والازدجار بزواجره وأيدنا معاشر الْمُسلمين بنصر من عِنْده (إِن ينصركم الله فَلَا غَالب لكم وَإِن يخذلكم فَمن ذَا الَّذِي ينصركم من بعده) إِن أشرف مقَال يُقَال فِي مقَام وأنفذ سِهَام تمزق عَن قس الْكَلَام وامض قَول تحل بِهِ الإفهام كَلَام الْوَاحِد الْفَرد الْعَزِيز العلام قَالَ الله تعال (وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا لَعَلَّكُمْ ترحمون) أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (سبح لله مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم هُوَ الَّذِي أخرج الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب من دِيَارهمْ لأوّل الْحَشْر
مَا ظننتم أَن تخْرجُوا وظنوا إِنَّهُم مَا نعتهم حصوتهم من الله فَأَتَاهُم الله من حَيْثُ لم يحتسبوا وَقذف فِي قُلُوبهم الرعب يخربون بُيُوتهم بِأَيْدِيهِم وأيدي الْمُؤمنِينَ فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار) ثمَّ قَالَ آمركُم وإياي عباد الله بِمَا أَمر الله بِهِ من حسن الطَّاعَة فأطيعوه وأنهاكم وإياي عَمَّا نه الله عَنهُ من قبح الْمعْصِيَة فَلَا تعصوه أَقُول قولي هَذَا واستغفر الله الْعَظِيم لي وَلكم ولسائر الْمُسلمين فاستغفروه ثمَّ خطب الْخطْبَة الثَّانِيَة عل عَادَة الخطباء مقتصرة ثمَّ دَعَا للْإِمَام النَّاصِر خَليفَة الْعَصْر ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ وأدم سُلْطَان عَبدك الخاضع لهيبتك الشاكر لنعمتك الْمُعْتَرف بموهبتك سَيْفك الْقَاطِع وشهابك اللامع والمحامي عَن دينك المدافع والذاب عَن حَرمك الممانع السَّيِّد الْأَجَل الْملك النَّاصِر جَامع كلمة الْإِيمَان وقامع عَبدة الصلبان صَلَاح الدُّنْيَا وَالدّين سُلْطَان الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين مطهر الْبَيْت الْمُقَدّس من أَيدي الْمُشْركين أبي المظفر يُوسُف بن أَيُّوب محيي دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ اللَّهُمَّ عَم بدولته البسيطة وَاجعَل ملائكتك براياته مُحِيطَة وَأحسن عَن الدّين الحنيفي جزاءه وأشكر عَن الْملَّة المحمدية عزمه ومضاءه اللَّهُمَّ ابق لِلْإِسْلَامِ مهجته ووف للْإيمَان حوزته وانشر فِي الْمَشَارِق والمغارب دَعوته اللَّهُمَّ كَمَا فتحت على يَدَيْهِ الْبَيْت الْمُقَدّس بعد أَن ظَنَنْت الظنون وابتلى الْمُؤْمِنُونَ فافتح على يَدَيْهِ داني الأَرْض وقاصيها وَملكه صياصي الْكَفَرَة ونواصيها فَلَا تَلقاهُ مِنْهُم كَتِيبَة إِلَّا مزقها وَلَا جماع إِلَّا فرقها وَلَا طَائِفَة بعد طَائِفَة إِلَّا ألحقها بِمن سبقها اللَّهُمَّ أشكر عَن مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم سَعْيه وأنفذ فِي الْمَشَارِق والمغارب أمره وَنَهْيه اللَّهُمَّ وَأصْلح بِهِ أوساط الْبِلَاد أطرافها وأرجاء المماليك وأكنافها اللَّهُمَّ ذلل بِهِ معاطس الْكفَّار وأرغم بِهِ أنوف الْفجار وأنشر ذوائب ملكه عل الْأَمْصَار وابثث سَرَايَا جُنُوده فِي سبل الأقطار اللَّهُمَّ أثبت الْملك فِيهِ وَفِي عقبه إِلَى يَوْم الدّين واحفظه فِي بنيه الغر الميامين وإخوانه
ثمَّ شرع السُّلْطَان فِي الْعِمَارَة وَأمر بترخيم محراب الاقصى وَكتب عَلَيْهَا بالفصوص المذهبة مَا قِرَاءَته بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم أَمر بتجديد هَذَا الْمِحْرَاب الْمُقَدّس وَعمارَة الْمَسْجِد الاقصى الَّذِي هُوَ على التقى مؤسس عبد الله ووليه يُوسُف بن أَيُّوب أَبُو المظفر الْملك النَّاصِر صَلَاح الدُّنْيَا وَالدّين عِنْدَمَا فَتحه الله عل يَدَيْهِ فِي شهور سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَهُوَ يسْأَل الله ايزاعه شكر هَذِه النِّعْمَة وأجزال حَظه من الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة وَشرع مُلُوك بني أَيُّوب فِي فعل الْآثَار الجميلة بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى مِنْهُم الْملك الْعَادِل سيف الدّين أَبُو بكر أَخُو السُّلْطَان وَأما الْملك المظفر تَقِيّ الدّين عمر بن شاهنشاه فَإِنَّهُ فعل فعلا حسنا وَهُوَ إِنَّه حضر فِي قبَّة الصَّخْرَة مَعَ جمَاعَة وتول بِيَدِهِ كنس أرْضهَا ثمَّ غسلهَا بِالْمَاءِ مرَارًا ثمَّ اتبع المَاء بِمَاء الْورْد وطهر حيطانها وَغسل جدرانها وبخرها ثمَّ فرق مَالا عَظِيما عل الْفُقَرَاء وَكَذَلِكَ الْملك الْأَفْضَل نور الدّين عَليّ وَالْملك الْعَزِيز عُثْمَان فعلا فِيهِ أنواعاً من الْبر وَالْخَيْر وَوضع الأسلحة برسم الْمُجَاهدين فِي سَبِيل الله (محراب دَاوُد عليه السلام وَغَيره من الْمشَاهد) أما محراب دَاوُد عليه السلام فَهُوَ خَارج الْمَسْجِد الْأَقْصَى فِي حصن عِنْد بَاب الْمَدِينَة وَهُوَ القلعة وَكَانَ الْوَالِي يُقيم بِهَذَا للحصن وَيعرف هَذَا الْبَاب قَدِيما بِبَاب الْمِحْرَاب والآن بِبَاب الْخَلِيل فاعتني السُّلْطَان بأحواله ورتب لَهُ إِمَامًا ومؤذنين وقواماً وَأمر بعمارة جَمِيع الْمَسَاجِد والمشاهد وَكَانَ مَوضِع هَذِه القلعة دَار دَاوُد عليه السلام وَكَانَ الْملك الْعَادِل نازلاً فِي كَنِيسَة صهيون وأجناده فِي خيامهم عل بَابهَا وفاوض السُّلْطَان جلساءه من الْعلمَاء فِي مدرسة للفقهاء الشَّافِعِي ورباط للصلحاء الصُّوفِيَّة فعين للمدرسة الْكَنِيسَة الْمَعْرُوفَة بصندحة فَيُقَال إِن فِيهَا قبر حنة أم
مَرْيَم وَهِي عِنْد بَاب الأسباط وَعين لرباط دَار البطرك وَهِي بِقرب كَنِيسَة قمامة وَبَعضهَا رَاكب عل ظهر قمامة ووقف عَلَيْهِمَا أوقافاً حَسَنَة وَأمر بإغلاق كَنِيسَة قمامة وَمنع النَّصَارَى من زيارتها وَأَشَارَ عَلَيْهِ بعض أَصْحَابه بهدمها وَمِنْهُم من أَشَارَ بِعَدَمِ الْهدم لِأَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رضي الله عنه لما فتح بَيت الْمُقَدّس أقرهم عَلَيْهَا وَلم يَهْدِمهَا وَأقَام السُّلْطَان عل الْقُدس عل تسلم مَا بَقِي بهَا من الْحُصُون ورحل الْملك الْأَفْضَل إِلَى عكا ثمَّ تبعه الْملك المظفر إِلَى عكا أَيْضا ثمَّ أَن السُّلْطَان فرق مَا جمعه عل مستحقيه من الْجند وَالْفُقَهَاء والفقراء وَالشعرَاء فَقيل لَهُ لَو ادخرت هَذَا المَال لأمر يحدث فَقَالَ أملي بِاللَّه قوي وَجمع الاساري - كَانُوا الوفا من الْمُسلمين - فكساهم وَأحسن إِلَيْهِم وَذهب كل مِنْهُم إِلَى وَطنه وَمكث السُّلْطَان عل الْقُدس ينظر فِي مَصَالِحه وَكَانَ فِي خدمته الْأَمِير عَليّ بن أَحْمد المشطوب وَكَانَ مَعَه (أهل) صيدا وبيروت وهما بِقرب صور وَخَافَ أَن يفوتهُ فتحهَا وَكَانَ يحث السُّلْطَان عل المسي إِلَيْهَا وَكَانَ المركيس عِنْد اشْتِغَال الْمُسلمين بالقدس شرع فِي أَحْكَام سور حصنها وَجعل لَهَا خَنْدَقًا وضيق طريقها وَكتب السُّلْطَان إِلَى الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله يُعلمهُ بِالْفَتْح وَكتب أَيْضا إِلَى الْآفَاق رسائل من إنْشَاء الْعِمَاد الْكَاتِب فِيهَا من البلاغة والألفاظ الفائقة مَا لَا يقدر عَلَيْهِ غَيره (ذكر رِسَالَة السُّلْطَان للخليفة) وَكَانَت الرسَالَة إِلَى الْخَلِيفَة عل يَد ضِيَاء الدّين بن الشهرزوري يخط القَاضِي الْفَاضِل من إنشائه وَهِي أدام الله أَيَّام الدِّيوَان الْعَزِيز النَّبَوِيّ وَلَا زَالَ مظفر الْجد بِكُل جَاحد غَنِيا بالتوفيق عَن رَأْي كل رائد مَوْقُوف المساعي عل اقتناء مطلقات
المحامد مستيقظ النَّصْر والنصل فِي جفْنه رَاقِد واراد الْجُود والسحاب عل الأَرْض غير وَارِد مُتَعَدد مساعي الْفضل وَإِن كَانَ لَا يلقى إِلَّا بشكر وَاحِد ماضي حكم الْعدْل بعزم لَا يمْضِي إِلَّا بنبل غوى وَرِيش رَاشد وَلَا زَالَت غيوث فَضله إِلَى الْأَوْلِيَاء أنواء إِلَى المرابع وأنوار إِلَى الْمَسَاجِد وبعوث رعبه إِلَى الْأَعْدَاء خيلاً إِلَى المراقب وخيالاً إِلَى المراقد كتب الْخَادِم هَذِه الْخدمَة تلو مَا صدر عَنهُ مِمَّا كَانَ يجْرِي مجر التباشير لصبح هَذِه الْخدمَة والعنوان لكتاب وصف هَذِه النِّعْمَة فَإِنَّهَا بَحر فِيهِ للأقلام سبح طَوِيل ولطف لتحمل الشُّكْر فِيهِ عبء ثقيل وَبشر للخواطر فِي شرحها مآرب وَيسر للأسرار فِي إِظْهَار مشارب وَالله تَعَالَى فِي إِعَادَة شكره رضَا وللنعمة الراهنة بِهِ دوَام لَا يُقَال مَعَه هَذَا مُضِيّ وَلَقَد صَارَت أُمُور الْإِسْلَام إِلَى أحسن مصائرها واستثبتت عقائد أَهله على أبين بصائرها وتقلص ظلّ رَجَاء الْكَافِر الْمَبْسُوط وَصدق الله أهل دينه فَلَمَّا وَقع الشَّرْط وَقع الْمَشْرُوط وَكَانَ الدّين غَرِيبا فَهُوَ الْآن فِي وَطنه والفوز معروضاً فقد بذلت الْأَنْفس فِي ثمنه وَأمر امْر الْحق وَكَانَ مستضعفاً وَأهل ربعه وَكَانَ قد عيف حِين عَفا وحجاء أَمر أَمر الله وأنوف أهل الشّرك راغمة وادلجت السيوف إِلَى الْآجَال وَهِي نَائِمَة وَصدق وعد الله فِي إِظْهَار دينه عل كل دين واستطارت لَهُ أنوار أبانت أَن الصَّباح عِنْدهَا حسان الجبين واسترد الْمُسلمُونَ تراثاً كَانَ عَنْهُم آبقاً وظفروا يقظة بِمَا لم يصدقُوا إِنَّهُم يظفرون بِهِ طيفاً عل النأي طَارِقًا واستقرت على الْأَعْلَام أَقْدَامهم وخفقت على الْأَقْصَى أعلامهم وتلاق عل الصَّخْرَة قبيلهم وشفيت بهَا وَأَن كَانَت صَخْرَة كَمَا يشفى بِالْمَاءِ غليلهم وَلما قدم الدّين عَلَيْهَا عرق مِنْهَا سويداء قلبه وَهنا كفؤها الْحجر الْأسود بَيت عصمتها من الْكَافِر بحربه وَكَانَ الْخَادِم لَا يسْعَى سَعْيه إِلَّا لهَذِهِ الْعُظْمَى وَلَا يقاسي تِلْكَ البؤسى إِلَّا رَجَاء هَذِه النعمى وَلَا يحارب من يستظلمه فِي حربه وَلَا يُعَاتب بأطراف القنا من يتفادى فِي عَتبه إِلَّا لنكون الْكَلِمَة مَجْمُوعَة فَتكون كلمة الله هِيَ الْعليا وليفوز بجوهر الْآخِرَة لَا بِالْعرضِ الْأَدْنَى
مِمَّن الدُّنْيَا وَكَانَت الألسن رُبمَا سلقته فأنضج قلوبها بالاحتقار وَكَانَت الخواطر رُبمَا غلت عَلَيْهِ مراجلها فأطفأها بِالِاحْتِمَالِ والاصطبار وَمن طلب خطيراً خاطر وَمن رام صَفْقَة رابحة جاسر وَمن سما لِأَن يجلي غمرة غامر وَإِلَّا فَإِن الْعُقُود تلين تَحت نيوب الْأَعْدَاء المعاجم فيعظها وتضعف فِي أيديها مهز القوائم فيفضها هَذَا إِلَى كَون الْقعُود لَا يقْضِي بِهِ فرض الله فِي الْجِهَاد وَلَا يُرَاعى بِهِ حق الله فِي الْعباد وَلَا يُوفي بِهِ وَاجِب التَّقْلِيد الَّذِي تطوقه الْخَادِم من أَئِمَّة قضوا بِالْحَقِّ وَكَانُوا بِهِ يعدلُونَ خلفاء الله كَانُوا فِي مثل هَذَا الْيَوْم لله يسْأَلُون لَا جرم إِنَّهُم أورثوا أسرارهم وسريرهم خَلفهم الأطهر ونجلهم الْأَكْبَر وبقيتهم الشَّرِيفَة وطليعتهم المنيفة وعنوان صحيفَة فَضلهمْ لَا عدم سَواد الْقَلَم وَبَيَاض الصَّحِيفَة فَمَا غَابُوا لما حضر وَلَا غضوا لما نظر بل وصلهم الاجر لما كَانَ بِهِ مَوْصُولا وشاطروه الْعَمَل لما كَانَ عَنهُ مسؤلاً وَمِنْه مَقْبُولًا وخلص إِلَيْهِم إِلَى الْمضَاجِع مَا اطمأنت بِهِ جنوبه وَإِلَى الصفائح مَا عبقت بِهِ جيوبها وفاز مِنْهَا بِذكر لَا يزَال اللَّيْل بِهِ سميراً وَالنَّهَار بِهِ بَصيرًا والشرق يَهْتَدِي بأنواره بل أَن أبدي نورا فِي ذَاته هتف بِهِ الغرب بِأَن واره فَإِنَّهُ لَا تكنه اغساق السدف وَذكر لَا توازيه أوراق الصُّحُف وَكتب الْخَادِم هَذَا وَقد أظفر الله بالعدو الَّذِي تشظت قناته شققا وطارت من فرقة فرقا وفل سَيْفه فَصَارَ عَصا وصدعت حصاته وَكَانَ الْأَكْثَر عددا وحصا وكلت حملاته وَكَانَ قدرا يضْرب فِيهِ الْعَنَان بالعنان وعقوبة من الله لَيْسَ لصَاحب بدنهَا يدان عثرت قدمه وَكَانَت الأَرْض لَهَا حليفة وغضت عينه وَكَانَت عُيُون السبوف دونهَا كثيفة ونام جفن سَيْفه وَكَانَت يقظته تريق لطف الْكرَى من الجفون وجدعت أنوف رماحه وطالما كَانَت شامخة بالمنا أَو راعفة بالمنون وأصبحت الأَرْض المقدسة الطاهرة وَكَانَت الطامث والرب الْفَرد الْوَاحِد وَكَانَ عِنْدهم الثَّالِث وبيوت الْكفْر مهدومة ونيوب الشّرك مهتومة وطوائفه المحامية مجمعة عل تَسْلِيم القلاع الحامية وشجعانه المتوافية مذعنة لبذل القطائع الوافية
لَا يرَوْنَ فِي مَاء الْحَدِيد لَهُم عصره وَلَا فِي نَار الأنفة لَهُم نَصره قد ضربت عَلَيْهِم الذلة والمسكنة وَبدل الله مَكَان السَّيئَة الْحَسَنَة وَنقل بَيت عِبَادَته من أَيدي أَصْحَاب المشئمة إِلَى أَيدي أَصْحَاب الميمنة وَكَانَ الْخَادِم لَقِيَهُمْ اللقاءه الأولى فأمده الله بمداركته وانجده بملائكته فكسرهم كسرة مَا بعدهمْ جبر وصرعهم صرعة لَا ينتعش بعْدهَا بِمَشِيئَة الله كفر وَأسر مِنْهُم مِمَّن أسرت بِهِ السلَاسِل وَقتل مِنْهُم من فتكت بِهِ المناصل وأجلت المعركة عَن صرع من الْخَيل وَالسِّلَاح وَالْكفَّار وَعَن المصاف بخيل فَإِن قَتلهمْ بِالسُّيُوفِ الأفلاق والرماح الاكسار فنيلوا بثار من السِّلَاح ونالوه أَيْضا بثار فكم أهلة سيوف تقارض الضراب بهَا حَتَّى عَادَتْ كالعراجين وَكم انجم قِنَا تبادلت الطعان حَتَّى صَارَت كالمطاعين وَكم فارسية ركض عَلَيْهَا فارسها الشهم إِلَى أجل فاختلسه وفغرت تِلْكَ الْقوس فاها فَإِذا قوها قد نهش الْقرن عل بعد الْمسَافَة وافترسه وَكَانَ الْيَوْم مشهوداً وَكَانَت الْمَلَائِكَة شُهُودًا وَكَانَ الصَّلِيب صَارِخًا وَكَانَ الْإِسْلَام مولوداً وَكَانَت ضلوع الْكفَّار لنار جَهَنَّم وقوداً واسر الْملك وَبِيَدِهِ أوثق وثَاقه وآكد وَصله بِالدّينِ وعلائقه وَهُوَ صَلِيب الصلبوت وقائد أهل الجبروت مَا دهموا قطب أَمر إِلَّا وَقَامَ بَين دهمائهم يبسط لَهُم بَاعه فَكَانَ مد الْيَدَيْنِ فِي هَذِه الوقع وداعه لَا جرم إِنَّه تتهافت على ناره فراشهم ويجتمع فِي ظلّ ظلاله خشاشهم ويقاتلون تَحت ذَلِك الصَّلِيب أَصْلَب قتال وأصدقه ويرونه ميثاقاً يبنون عَلَيْهِ أَشد عقد وأوثقه ويعدونه سوراً تحفر حوافر الْخَيل خندقه وَفِي هَذَا الْيَوْم أسرت سراتهم ودهيت دهاتهم وَلم يفلت مِنْهُم مَعْرُوف إِلَّا القومص وَكَانَ لَعنه الله ملباً يَوْم الظفر بِالْقِتَالِ وملياً يَوْم الخذلان بالاحتيال فنجا وَلَكِن كَيفَ وطار خوفًا من أَن يلْحقهُ منسر الرمْح أَو جنَاح السَّيْف ثمَّ أَخذه الله بعد أَيَّام بِيَدِهِ وأهلكه لموعده فَكَانَ لعدتهم فَذا لَك وانتقل من ملك الْمَوْت إِلَى مَالك وَبعد الكسرة مر الْخَادِم على الْبِلَاد فطواها بِمَا نشر عَلَيْهَا من الرَّايَة العباسية السَّوْدَاء صبغا الْبَيْضَاء
صنعا الخافقة هِيَ وَقُلُوب أعدائها الْغَالِبَة هِيَ وعزائم أوليائها المستضاء بأنوارها إِذا فتح عينهَا النشر وأشارت بأنامل العذبات إِلَى وَجه النَّصْر فَافْتتحَ بِلَاد كَذَا وَكَذَا وَهَذِه كلهَا أَمْصَار ومدن وَقد تسمى الْبِلَاد بلاداً وَهِي مزارع وفدن وكل هَذِه ذَوَات معاقل ومعاقر وبحار وجزائر وجوامع ومنابر وجموع وعساكر يتجاوزها الْخَادِم بعد أَن يحرزها وَيَتْرُكهَا وَرَاءه بعد أَن ينتهزها ويحصد مِنْهَا كفرا ويزرع إِيمَانًا ويحطمن مَنَابِر جوامعها صلباناً وَيرْفَع أذانا ويبدل المذابح مَنَابِر وَالْكَنَائِس مَسَاجِد ويبوئ أهل الْقرن بعد أهل الصلبان لِلْقِتَالِ عَن دين الله مقاعد ويقر عينه وعيون أهل الْإِسْلَام أَن يعلق النَّصْر مِنْهُ وَمن عسكره بجار ومجرور وَإِن يظفر بِكُل سور مَا كَانَ يخَاف زلزاله وَلَا زياله إِلَى يَوْم النفخ فِي الصُّور وَلما لم يبْق غلا الْقُدس وَقد اجْتمع إِلَيْهِ كل شريد مِنْهُم وطريد واعتصم بمنعته كل قريب مِنْهُم وبعيد وظنوا إِنَّهَا من الله مَا نعتهم وَأَن كنيستها إِلَى الله شافعتهم فَلَمَّا نزلها الْخَادِم رأى بَلَدا كبلاد وجمعاً كَيَوْم التناد وعزائم قد تألت وتألفت عل الْمَوْت فَنزلت بعرصته وَهَان عَلَيْهَا مورد السَّيْف وَأَن تَمُوت بغصته فداور الْبَلَد من جَانب فَإِذا أَوديَة عنيقة ولجج وعر غريقة وسور قد انعطف عطف السوار وابرجة قد نزلت مَكَان الْوَاسِطَة من عقد الدَّار فَعدل إِلَى جِهَة أُخْرَى كَانَ للمطامع عَلَيْهَا معرج وللخيل فِيهَا متولج فَنزل عَلَيْهَا وأحاط بهَا وَقرب مِنْهَا وَضرب خيمته بِحَيْثُ يَنَالهُ السِّلَاح بأطرافه ويزاحمه السُّور بأكتافه وقابلها ثمَّ قاتلها ونزلها ثمَّ نازلها وبرز إِلَيْهَا ثمَّ بارزها وحاصرها ثمَّ ناجزها وَضمّهَا ضمة ارتقب بعْدهَا الْفَتْح وصدء جمعهَا فَإِذا هم لَا يبصرون عل عبودية الْحَد عَن عنق الصفح فراسلوه ببذل فطيعة إِلَى مُدَّة وقصدوا نظرة من شدَّة وانتظار النجدة فعرفهم الْخَادِم فِي لحن القَوْل وأجابهم بِلِسَان الطول وَقدم المنجنيقات الَّتِي تتول عقوبات الْحُصُون عصيها وحبالها وأوتر لَهُم قسيها الَّتِي ترمي وَلَا تفارقها سهامها وَلَكِن تفارق سهامها نصالها فصافحت السُّور فَإِذا
سهمها فِي ثنايا شرفاتها سواك وَقدم النَّصْر نسراً من المنجنيق يخلد إخلاده إِلَى الأَرْض ويعلو علوه إِلَى السماك فَأَنَاخَ مرابع أبراجها واسمع صَوت عجيجها صم أعلاجها وَرفع المدارع مَا بَين الْعُنُق إِلَى الْمرْفق مثار عجاجها فأجل السُّور من السيارة وَالْحَرب من النظارة فَأمكن النقاب أَن يسفر للحرب النقاب وَإِن يُعِيد الْحجر إِلَى سيرته الأولى من التُّرَاب فَتقدم إِلَى الصَّخْرَة فمضغ سرده بأنياب معوله وَحل عقده بضربه الأخرق الدَّال على لطافة أنمله واسمع الصَّخْرَة الشَّرِيفَة أنينه باستقالته أل أَن كَادَت ترق لمقالته وتبرأ بعض الْحِجَارَة من بعض وَأخذ الحراب عَلَيْهَا موثقًا فَلَنْ يبرح الأَرْض وَفتح من السُّور بَابا سد من نجاتهم أبواباً وَأخذ يفت فِي حجرَة فَقَالَ عِنْده الْكَافِر يَا لَيْتَني كنت تُرَابا فَحِينَئِذٍ يئس الْكَافِر من أَصْحَاب الدّور كَمَا يئس الْكفَّار من أَصْحَاب الْقُبُور وَجَاء أَمر الله وغرهم بِاللَّه الْغرُور وَفِي الْحَال خرج طاغية كفرهم وزمام أَمرهم ابْن بارزان سَائِلًا أَن تُؤْخَذ الْبَلَد بالسلم لَا بالعنوة وبالأمان لَا بالسطوة وألق بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَة وعلاه ذل الهلكة بعد عز المملكة وَطرح جنبه عل التُّرَاب وَكَانَ جنبا لَا يتعاطاه طارح وبذل مبلغا من القطيعة لَا يطمح جنبه على التُّرَاب وَكَانَ جنبا لَا يتعاطاه طارح وبذل مبلغا من القطيعة لَا يطمح إِلَيْهِ أمل طامح وَقَالَ هَاهُنَا أسَارِي مُسلمُونَ يتجاوزون الألوف وَقد تعاقد الإفرنج عل إِنَّه أَن هجمت عَلَيْهِم الدَّار وحملت الحروب عل ظُهُورهمْ الأوزار بُدِئَ بهم فعجلوا وثن بنساء الافرنج وأطفالهم فَقتلُوا ثمَّ استقلوا بعد ذَلِك فَلَا يقتل خصم إِلَّا بعد أَن ينتصف وَلَا يفك سيف من يَد إِلَّا بعد أَن تقطع أَو ينقصف فَأَشَارَ الامراء بِأخذ الميسور من الْبَلَد المأسور فَإِنَّهُ لَو أَخذ حَربًا فَلَا بُد أَن يقتحم الرِّجَال الأنجاد وتبذل نفوسها فِي آخر أَمر قد نيل من أَوله المُرَاد وَكَانَت الْجراح فِي العساكر قد تقد مِنْهَا مَا اعتقل الفتكات وأثقل الحركات فَقبل مِنْهُم المبذول عَن يدوهم صاغرون وَانْصَرف أهل الْحَرْب عَن قدرَة وهم ظاهرون وَملك الْإِسْلَام خطة كَانَ عَهده بهَا دمنة سكان فخدمها الْكفْر إِلَى أَن صَارَت رَوْضَة جنان لَا جرم أَن الله أخرجهم
مِنْهَا وأهبطهم وَأَرْض أهل الْحق وأسخطهم فَإِنَّهُم خذلهم الله حموها بالأسل والصفاح وبنوها بالعمد والصفاح وأودعوا الْكَنَائِس بهَا وبيوت الديوبة والاستبارية فِيهَا كل غَرِيبَة من الرخام الَّذِي يطرد مَاؤُهُ وَلَا ينطرد لألاؤه قد لطف الْحَدِيد فِي تجزيعه وتفتن فِي توسيع إِلَى أَن صَار الْحَدِيد الَّذِي فِيهِ بَأْس شَدِيد كالذهب الَّذِي فِيهِ نعيم عتيد فَمَا تَرَ إِلَّا مقاعد كالرياض لَهَا من بَيَاض التَّرْخِيم رقراق وعمداً كالأشجار لَهَا من التنبيت أوراق وأذعن الْخَادِم برد الْأَقْصَى إِلَى عَهده الْمَعْهُود وَأقَام لَهُ من الْأَئِمَّة من يُوفيه ورده المورود وأقيمت الْخطْبَة يَوْم الْجُمُعَة رَابِع شهر شعْبَان فَكَادَتْ السَّمَاوَات يتفطرن للنجوم لَا للوجوم وَالْكَوَاكِب مِنْهَا ينتثرن للطرب لَا المرجوم وَرفعت إِلَى الله كلمة التَّوْحِيد وَكَانَ طريقها مسدودة فظهرت قُبُور الْأَنْبِيَاء وَكَانَت بالنجاسات مكدودة وأقيمت الْخمس وَكَانَ التثبيت يقعدها وجهرت الألسن بِاللَّه أكبر وَكَانَ سحر الْكفْر يقعدها وجهر باسم أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي وَطنه الْأَشْرَف من الْمِنْبَر فَرَحَّبَ بِهِ ترحيب من بر لمن بر وخفق علماه فِي حافتيه فَلَو طَار سرُور الطَّائِر بجناحيه وَكتاب الْخَادِم وَهُوَ مجد فِي استفتاح بَقِيَّة الثغور واستشراح مَا ضَاقَ بتمادي الْحَرْب من الصُّدُور فَإِن قوى العساكر قد استنفدت مواردها وَأَيَّام الشتَاء قد قربت مواردها والبلاد الْمَأْخُوذَة الْمشَار إِلَيْهَا قد جاست العساكر خلالها ونهبت ذخائرها وأكلت غلالها فَهِيَ بِلَاد ترفد وَلَا تسترفد وتجم وَلَا تستنفد ينْفق عَلَيْهَا وَلَا ينْفق مِنْهَا وتجهز الأساطيل لبحرها وتقام المرابط لساحلها ويدأب فِي عمَارَة أسوارها ومرمات معاقلها وكل مشقة بِالْإِضَافَة إِلَى نعْمَة الْفَتْح مُحْتَملَة وأطماع الفرنج بعد ذَلِك مراهبها غير مرجئة وَلَا معتزلة فَإِن يدعوا دَعْوَة يَرْجُو الْخَادِم من الله إِنَّهَا لَا تسمع وَلنْ يفكوا أَيْديهم مِمَّن أَطْرَاف الْبِلَاد حَتَّى تقطع وَهَذِه الْأَلْفَاظ لَهَا تفاصيل لَا تكَاد من غير الْأَلْسِنَة تتشخص وَلَا بِمَا سوى المشافهة تتلخص فَلذَلِك نفذ الْخَادِم لِسَانا شارحاً وَمُبشرا صادحاً يطالع بِالْخَيرِ على سياقته ويعرض بِجَيْش المسرة من
طليعته إِلَى ساقته وَهُوَ فلَان فليسمع مِنْهُ وولير وَعنهُ والرأي أَعلَى إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَالله الْمُوفق هَذَا خر الرسَالَة الْفَاضِلِيَّةِ ورحل السُّلْطَان عَن الْقُدس يَوْم الْجُمُعَة الْحَادِي وَالْعِشْرين من شهر شعْبَان وودعه وَلَده الْملك الْعَزِيز وَسَار مَعَه قدر مرحلة ثمَّ وصاه وشيعته وَصَحب أَخَاهُ الْملك الْعَادِل فوصل إِلَى عكا فِي أول شهر رَمَضَان فخيم بظاهرها ثمَّ سَار فوصل إِلَى صور تَاسِع شهر رَمَضَان يَوْم الْجُمُعَة فَنزل بَعيدا من سورها وَمكث حَتَّى ورد عَلَيْهِ الْعَسْكَر وتكمل ثمَّ تقدم إِلَيْهَا يَوْم الْخَمِيس الثَّانِي وَالْعِشْرين من رَمَضَان وحاصرها وَحضر إِلَيْهِ وَلَده الْملك الظَّاهِر غياث الدّين غَازِي فَشد أزره وزحفوا على الْكفَّار وَقطعت الْأَشْجَار وَرمى عَلَيْهِم بالمناجيق وَاشْتَدَّ الْأَمر وتعسر الْفَتْح (ذكر مَا تمّ على الأسطول) وَكَانَ السُّلْطَان قد تقدم من صور وأحضر إِلَيْهَا من عكا مَا كَانَ بهَا من مراكب الأسطول فوصلت مِنْهَا عشر شواني مشحونة بِالرِّجَالِ وَالْعدَد واتصلت بهَا مراكب الْمُسلمين من بيروت وجبيل فاستشعر المركيس الضَّرَر مِنْهَا وَعمر الآخر مراكب وَكَانَت مراكب الْمُسلمين بالسَّاحل مَحْفُوظَة بالعسكر وَلَا يتَمَكَّن الفرنج مِنْهَا وكل من الْفَرِيقَيْنِ يعالج الآخر فاطمأن الْمُسلمُونَ واغتروا بالسلامة وَبَات لَيْلَة خَامِس شَوَّال وربطوا بِقرب ميناء صور وسهروا إِلَى قريب الصُّبْح فغلب عَلَيْهِم النّوم فِيمَا انتبهوا إِلَّا وسفن الفرنج مُحِيطَة بهم فَأخذت شواني الْمُسلمين وأسروا مِنْهَا جمَاعَة فاغتنم السُّلْطَان لذَلِك وَكَانَت هَذِه أول حَادِثَة حدثت للْمُسلمين فأزعج الْعَسْكَر الإسلامي وَاشْتَدَّ حزن الْمُسلمين وَأَشَارَ النَّاس بإبعاد بَقِيَّة
الشواني فسيرت إِلَى بيروت وَركب الْعَسْكَر فِي السَّاحِل مباريها وَهِي بحذائه فِي الْبَحْر فَظهر عَلَيْهَا شواني الفرنج فَخرج الْمُسلمُونَ إِلَى الْبر على وُجُوههم وتوقعوا إِلَى المَاء خوفًا عل أنفسهم وَكَانُوا لَا معرف لَهُم بِالْقِتَالِ وَكَانَ فِي جملَة الشواني قِطْعَة رئيسها لَهُ خبْرَة بالأمور فأسرع وَفَاتَ الفرنج وَلم يدركوه فنجا بالمركب وَمن فِيهِ وَبقيت المراكب الْبَاقِيَة خَالِيَة مِمَّن كَانَ فِيهَا فَدَفعهَا الْمُسلمُونَ إِلَى الْبر وَهَذَا والقتال مشتد بَين الْفَرِيقَيْنِ وَلما عبر الفرنج عل تِلْكَ المراكب ظنُّوا عجز الْمُسلمين وَخَرجُوا لِلْقِتَالِ فِي جمع كَبِير وَاشْتَدَّ الْأَمر وَارْتَفَعت الْأَصْوَات وَوَقع الْمُسلمُونَ فِي الفرنج فَوَلوا مُدبرين وعادوا إِلَى الْبِلَاد وَأسر مِنْهُم مقدمان وَأسر قمص عَظِيم عِنْدهم وَكَانَ الْملك الظَّاهِر غَازِي لم يحضر شَيْئا مِمَّا تقدم من الوقعات فبادر وَضرب عُنُقه وَكَانَ القمص يشبه المركيس فظنوا إِنَّه هُوَ فَلَمَّا رأى الْمُسلمُونَ هَذَا الْحَال وَأَن السُّلْطَان مصمم عل مَا هُوَ فِيهِ وَله قدرَة وثبات عل الْقِتَال اجْتمع بعض الْأُمَرَاء وشرعوا فِي تَدْبِير أَمر يعرض عل السُّلْطَان يتَضَمَّن أَن الْأَمر أَمر عسير والأولي تَركه والرحيل عَن هَذَا الْمَكَان فَأطلع السُّلْطَان عل مَا هم فِيهِ فتلطف بهم ووعظهم وَقَالَ كَيفَ نخلي هَذَا الْمَكَان وَنَذْهَب؟ وَإِذا سئلنا عَنهُ فَمَاذَا نجيب؟ ثمَّ أخرج الْأَمْوَال وفرقها عل الْعَسْكَر وَأمرهمْ بالثبات فامتثلوا أمره (فتح حصن هرنين) كَانَ السُّلْطَان قد وكل بهَا بعض أمرائه فاستمر يحاصرها حَتَّى طلب أَهلهَا الْأمان فورد الْخَبَر عل السُّلْطَان بذلك وَهُوَ عل محاصرة صور فندب بدر الدّين ويدرم البارزني - وَهُوَ من أكبر عظمائه - فَمضى إِلَيْهِم وتسلمت هرنين بِمَا فِيهَا وتسلمها بيرم أَخُو صَاحب بانياس
وَأقَام السُّلْطَان عل صور يحاصرها فَدخل الشتَاء وضجر الْعَسْكَر وَكَثُرت الْجَرْحى وتوالت الأمطار وَالسُّلْطَان يحرضهم عل الْقِتَال والثبات وَكثر الْقِتَال وَاشْتَدَّ الْأَمر وَمَا زَالُوا يراجعون السُّلْطَان ويشيرون عَلَيْهِ بالرحيل وَكَانَ السُّلْطَان انفق فِي تِلْكَ الْمدَّة أَمْوَالًا كَثْرَة عل آلَة الْقِتَال وَلَا يُمكن نقلهَا ، إِن تَركهَا تقو بهَا الْكفَّار فنقضها وَفك بَعْضهَا وأحرق مَا تعذر حمله وَحمل بَعْضهَا إِلَى صيدا وَبَعضهَا إِلَى عكا وَتَأَخر السُّلْطَان عَن قرب صور فشرع الْعَسْكَر فِي الِانْصِرَاف وواعد فِي المعاودة إِلَى أَوَان الرّبيع وودع الْملك المظفر تَقِيّ الدّين من هُنَاكَ وَبَقِي السُّلْطَان يتأسف على الْفَتْح فَسَار إِلَى عكا وخيم عل بَابهَا ثمَّ اشْتَدَّ الْبرد فَدخل السُّلْطَان الْمَدِينَة وَسكن بهَا وَشرع فِي التأهب إِلَى الْجِهَاد وَإِصْلَاح الْعدَد وإكرام من يَغْدُو إِلَيْهِ وَكَانَت رسل الْآفَاق من الرّوم وخراسان وَالْعراق عاكفين على بَابه فِيمَا مر يَوْم وَلَا شهر إِلَّا ويصل إِلَيْهِ رَسُول ورتب أَحْوَال عكا وأمورها ووقف نصف دَار الاستبار رِبَاطًا للصوفية وَنِصْفهَا مدرسة للفقهاء وَجعل دَار الأسقف بيمارستان للضعفاء وَدخلت سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَالسُّلْطَان مُقيم بعكا فَلَمَّا دخل فصل الرّبيع سَار وَنزل عل سمت حصن كَوْكَب فِي الْعشْر الْأَوْسَط من الْمحرم قبل تَكَامل الْعَسْكَر وحاصره فَرَأى أَن فِيهِ صعوبة وَيطول أمره ثمَّ وكل بهَا قَائِما النجمي فِي خَمْسمِائَة مقَاتل ورتب عل صفد خَمْسمِائَة فَارس وجهزهم إِلَيْهَا (ذكر حَال الكرك من أول الْفَتْح) قد مضى ذكر ابرنس الكرك وَقَتله وَكَانَت زَوجته ابْنة فليب صَاحب الكرك مُقِيمَة بالقدس وَمِمَّنْ أسر وَلَدهَا هنقرى ابْن هنري فَلَمَّا فتح بَيت الْمُقَدّس حضرت إِلَى السُّلْطَان وتخضعت لَهُ وتذللت وَسَأَلت فِي فك وَلَدهَا من الْأسر وصحبتها
زَوْجَة ابْنهَا ابْنة الْملك وَحَضَرت الملكة مَعَ صَاحِبَة الكرك تسْأَل فِي زَوجهَا الْملك فأكرمهن السُّلْطَان وَأحسن إلَيْهِنَّ واما الملكة فَجمع شملها بِالْملكِ وتقرر مَعَ صَاحِبَة الكرك إِطْلَاق ابْنهَا على تَسْلِيم قلعتي الشوبك والكرك فأستحضر هنقرى من دمشق وَاجْتمعَ بوالدته وسارا مَعَ جمَاعَة من الْأُمَرَاء لتسليم القلعتين فَلَمَّا وصلت هِيَ وَوَلدهَا لم يطعها أهل الكرك وَلم يسلمُوا وأفحشوا فِي الْخطاب لَهَا ثمَّ وَقع لَهَا كَذَلِك بالشوبك فَرَجَعت إِلَى السُّلْطَان فَقبل عذرها وطمن قَلبهَا على وَلَدهَا فتوجهت إِلَى عكا ثمَّ انْتَقَلت إِلَى صور وجهز السلطتان العساكر لحصار الكرك والشوبك ثمَّ وصل إِلَى السُّلْطَان وَهُوَ على كَوْكَب بهاء الدّين قراقوش فندبه لعمارة عكا لعلمه بكفاءته وأمده بالأموال وَالرِّجَال فَسَار إِلَى عكا وَشرع فِي عمارتها وتحصين أسوارها وَورد على السُّلْطَان الرُّسُل من مُلُوك الرّوم وَغَيرهَا وَأقَام السُّلْطَان عل كَوْكَب إِلَى آخر صفر فتعسر فتحهَا ثمَّ رَحل السُّلْطَان إِلَى دمشق وَدخل إِلَيْهَا فِي يَوْم الْخَمِيس سادس شهر ربيع الأول فنثر الْعدْل وَفصل الحكومات فوصل الْخَبَر بوصول الْعَسْكَر من الشرق وَأصْبح السُّلْطَان بكرَة يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشر ربيع الأول عل الرحيل ثمَّ سَار إِلَى بعلبك ورحل عل سمت اللبوة وَوصل إِلَيْهِ عماد الدّين صَاحب سنجار بالعسكر فَتَلقاهُ السُّلْطَان أحسن لِقَاء وأكرمه واجمعوا على دُخُول بِلَاد السَّاحِل وتجردوا عَن الأثقال وَسَارُوا فَنزل السُّلْطَان على حصن غور وفتحه وغنم مَا فِيهِ ثمَّ عَاد إِلَى مخيمه وانقضى شهر ربيع الآخر وَقد وصل قَاضِي جبلة يحث عل قَصدهَا وَكَانَ بهَا خلق كثير من الْمُسلمين ورحل السُّلْطَان يَوْم الْجُمُعَة رَابِع جُمَادَى الأولى إِلَى جِهَة السَّاحِل فوصل إِلَى انطرسوس وحاصرها ونهبها وسبأ أَهلهَا فاحتمى جمَاعَة ببرجين هُنَاكَ فهدم أَحدهمَا وَامْتنع الآخر وَنقض أسوار انطرسوس وَترك البرج الْمُمْتَنع ورحل الْعَسْكَر عَنْهَا وَنزل
عل مرقبة وَقد اخلاها أَهلهَا وَكَانَ الفرنج قد صفوا المراكب فِي الْبَحْر وَسَار السُّلْطَان بالعسكر وَوَقع بَين الْمُسلمين والأفرنج وقعات وَأُمُور يطول شرحها وَقصد جبلة (فتح جبلة) أشرف السُّلْطَان عل جبلة بكرَة يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشر جمادي الأولى وأحاط بهَا العساكر فطلبوا الْأمان على أَن يُعِيدُوا مَا استرهنوه فِي إنطاكية من أَهلهَا ويسلموا كل مَا لَهُم من السِّلَاح وَالْعدة وَالْخَيْل وَكَانَ قاضيجبلة هُوَ الْمُتَوَسّط لَهُم فِي أخذالأمان وسلمت إل المسلمينيوم الْخَمِيس وَأقَام السُّلْطَان بهَا أَيَّامًا يُقرر أمورها وَكَانَ يعظم قَاضِي جبلة وَيحسن إِلَيْهِ ووقف عَلَيْهِ ملكا نفيساً واقره على ولَايَته بِمنْصب الْقَضَاء وَكَانَ حصن بكرائل قد سلم من قبل (فتح اللاذقية) ورحل السُّلْطَان ثَالِث عشر جُمَادَى الأول يَوْم الْأَرْبَعَاء وَتَابَ تِلْكَ اللَّيْلَة بِالْقربِ من اللاذقية بجبل عَاصِم فَلَمَّا أصبح يَوْم الْخَمِيس كَانَ حصارها وَاشْتَدَّ الْقِتَال ونقب أسوارها فطلبوا الْأمان فِي يَوْم الْجُمُعَة الْخَامِس وَالْعِشْرين من جمادي الأولى وَصعد إِلَيْهِم قَاضِي جبلة يَوْم السبت وَفتحت صلحا وسلموا القلاع بِمَا فِيهَا ورحل مِنْهَا جمَاعَة وَدخل جمَاعَة فِي عقد الذِّمَّة ورتب السُّلْطَان فِيهَا جمَاعَة من مماليكه وَركب السُّلْطَان وَطَاف بِالْبَلَدِ وَقرر أمورها ورحل عَنْهَا (فتح حصن صهيون وَغَيره) رَحل السُّلْطَان من اللاذقية ظهر يَوْم الْأَحَد السَّابِع وَالْعِشْرين من جمادي الأولى وَأخذ على سمت صهيون وخيم عَلَيْهَا يَوْم الثُّلَاثَاء التَّاسِع وَالْعِشْرين
وأحاط الْعَسْكَر بهَا يَوْم الْأَرْبَعَاء وحاصرها فملكوا ثَلَاثَة أسوار بِمَا فِيهَا فطلبوا الْأمان وسلموا الْبَلَد ثمَّ سلم حصن صهيون بِجَمِيعِ أَعماله وَمَا فِيهِ من الذَّخَائِر وتسلم يَوْم السبت قلعة العَبْد وَيَوْم الْأَحَد قلعة الجماهريين وَيَوْم الِاثْنَيْنِ حصن بلاطنس وَسَار السُّلْطَان فِي ثَانِي يَوْم فتح صهيون وَنزل عل العَاصِي وتسلم حصن بكاس يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع جُمَادَى الْآخِرَة ثمَّ حاصر قلعة الشّعْر وَطَالَ الْقِتَال حَتَّى أيس مِنْهُ فَخرج من الْحصن من يطْلب الْأمان فِي ثَالِث عشر الشَّهْر يَوْم الثُّلَاثَاء وتسلم قلع الشّعْر ثمَّ سَار ولد السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر القلعة سرمانية فحاصرها وخربها وَفتحهَا يَوْم الْجُمُعَة الثَّالِث وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة (فتح حصن برزية) وَسَار السُّلْطَان إِلَى قلعة برزية وَهِي من أحصن القلاع فنازلها يَوْم السبت رَابِع عشري الشَّهْر ثمَّ تجرد الْأَحَد ورق الْجَبَل فرآها قلعة على سنّ من الْجَبَل عالية فأدق بهَا وبالجبل وزحف عَلَيْهَا فِي يَوْم الثُّلَاثَاء السَّابِع وَالْعِشْرين من الشَّهْر ورتب عَلَيْهَا الامراء نوبا فَقَاتلُوا وَاشْتَدَّ الْقِتَال وَتقدم السُّلْطَان بِنَفسِهِ فِي النّوبَة الثَّانِيَة فَلَمَّا أيقنوا بِأَنَّهُم ملكوا طلبُوا الْأمان وسلموا الْحصن فَلَمَّا حصل الْفَتْح عَاد السُّلْطَان إِلَى خيامه وَكَانَت صَاحِبَة حصن برزية أُخْت زَوْجَة الابرنس صَاحِبَة إنطاكية قد سبيت فَأمر بإحضارها واعتقها وَكَذَلِكَ زَوجهَا وأحضر أَيْضا ابْنة لَهما زَوجهَا وعدة من أَصْحَابهَا وأدخلهم مَعَهم فِي الْإِطْلَاق وقلد الْحصن لأمير من جماعته وَكَانَ فتح هَذَا الْحصن من آيَات الله تعال لحصانته وَعدم الْقُدْرَة عَلَيْهِ فيسر الله فَتحه فِي أيسر وَقت