الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فتح حصن دريساك)
رَحل السُّلْطَان وَأقَام أَيَّامًا على جسر الْحَدِيد ثمَّ قصد دريساك وَهُوَ حصن مُرْتَفع وَكَانَ عش الراوية نزل عَلَيْهِ يَوْم الْجُمُعَة ثامن رَجَب وحصره وَرمى برجاً من السُّور بالنقب فَلَمَّا كَانَ يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع عشر رَجَب طلبُوا الْأمان وتسلم الْحصن بِمَا فِيهِ يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشري الشَّهْر (فتح حصن بقراس) توجه بكرَة السبت إِلَى بقراس وَهِي قلعة قريبَة من إنطاكية وَهِي عل رَأس جبل عالية حَصِينَة وَهِي للراوية فخيم بِقُرْبِهِ فِي المرج وَتقدم جمع كثير من الْعَسْكَر بَينهَا وَبَين إنطاكية وَصَارَ يركب كل يَوْم وَيقف تجاه إنطاكية وَصعد السُّلْطَان متجرداً فِي جمَاعَة من عسكره إِلَى الْجَبَل بازاء الْحصن وَنصب عَلَيْهِ المناجيق من جَمِيع جهاته ورم عَلَيْهِ وحاصره فطلبوا الْأمان وتسلم القلعة فِي ثَانِي شعْبَان وحزر مَا فِي بقراس من الْغلَّة فَكَانَ تَقْديرا اثْنَي عشر ألف غرارة (عقد الْهُدْنَة مَعَ إنطاكية) وَلما فرغ السُّلْطَان من فتح هَذِه الْحُصُون قصد إنطاكية وَكَانَت قد تلاشت أحوالها وَقل مَا فِيهَا من الْقُوت وَكَانَ الابرنس صَاحبهَا قد أرسل أَخا زَوجته يسْأَل فِي عقد الْهُدْنَة وَطلب الْأمان على مَاله وَولده لثمانية أشهر من تشرين إِلَى آخر أيار وأجابه السُّلْطَان إِلَى ذَلِك وهادنه وَشرط عَلَيْهِ إِطْلَاق من عِنْده من الاساري وَسَار رَسُول السُّلْطَان وَمَعَهُ شمس الدولة بن منقذ لأجل الاساري ورحل السُّلْطَان ثَالِث شعْبَان إِلَى سمت حلب وَلما رَحل السُّلْطَان من بقراس
ودع عماد الدّين بن زنكي وعساكر الْبِلَاد وخلع عَلَيْهِ ومنحه بالتحف النفيسة وأنعم عل الْعَسْكَر بأَشْيَاء خلاف مَا غنموه وَسَار فِي عسكره وَوصل حلب ثمَّ سَار مِنْهَا وَوصل إِلَى حماه وَبَات بهَا لَيْلَة وَاحِدَة ثمَّ سَار عل طَرِيق بعلبك فَجَاءَهَا قبل رَمَضَان بأيام وَكَانَ الْعَسْكَر قصدهم الصَّوْم فِي أوطانهم بِدِمَشْق فَلَمَّا وصل السُّلْطَان إِلَى دمشق اشْتَدَّ عزمه وتحرك للْجِهَاد مكن أجل صفد وكوكب وَغَيرهمَا وَخرج من دمشق فِي أَوَائِل شهر رَمَضَان (فتح الكرك وحصونه) ووردت البشائر بِتَسْلِيم حصن الكرك فَإِن السُّلْطَان لما كَانَ فِي بِلَاد إنطاكية لم يزل الْحصار عل الكرك وَكَانَ أَخُوهُ الْملك الْعَادِل بِمن مَعَه عل تبنين لحفظ الْبِلَاد وَكَانَ صهره سعد الدّين كمشه بالكرك موكلا بحصاره فراسل الافرنج الْملك الْعَادِل فِي الْأمان فَامْتنعَ ثمَّ صَالحهمْ وسلموا الْحصن (محاصر صفد وَفتحهَا) ثمَّ سَار السُّلْطَان حَتَّى نزل عل صفد وَجَاء الْملك الْعَادِل وشرعوا فِي حِصَار القلعة ورميها بالمناجيق وَاسْتمرّ الْحَال عل ذَلِك إِلَى ثامن شَوَّال وصعب فتحهَا حَتَّى أذن الله تعال وَسَهل فأذعنوا وأخرجوا من عِنْدهم من أسرى الْمُسلمين ليشفعوا لَهُم فِي طلب الْأمان وسلمت للْمُسلمين وَخرج من فِيهَا من الْكفَّار إِلَى صور وَلما أشرفت صفد على الْفَتْح شرع الافرنج فِي تَقْوِيَة قلعة كَوْكَب وَأَجْمعُوا عل تسيير مِائَتي رجل من الْأَبْطَال الْمَعْدُودين ليمكنوا للْمُسلمين فِي الطَّرِيق فعثر بِوَاحِد مِنْهُم بعض جند الْمُسلمين فأمسكه وَأتي بِهِ إِلَى صارم الدّين قايماز فَأخْبرهُ بِالْحَال وَأَن الكمين بالوادي فَركب إِلَيْهِم فِي أَصْحَابه والتقتطهم عَن آخِرهم وأحضرهم إِلَى السُّلْطَان وَهُوَ عل صفد وَكَانَ فيهم مقدمان من الاستبارية فاحضرا عِنْد السُّلْطَان وأنطقهما
الله تَعَالَى وَقَالا مَا نظن أننا بعد مَا شاهدناك يلحقنا سوء فَمَال إِلَى كَلَامهمَا وَأمر بإعتاقهما فَإِن تِلْكَ الْكَلِمَة أوجببت عدم قَتلهمَا فَإِنَّهُ كَانَ لَا يبقي عل أحد من الاستبارية وَالرِّوَايَة وَفتح الله صفد فِي ثامن شَوَّال (حِصَار كَوْكَب وَفتحهَا) وَسَار السُّلْطَان إِلَى كَوْكَب وَهِي فِي غَايَة الحصانة فحاصرها وَقَاتل من فِيهَا أَشد قتال وَحصل الضّيق الزَّائِد لوُقُوع الْبرد الشَّديد وَقُوَّة الشتَاء وَمَا زَالَ السُّلْطَان ملازماً للحصن بِالرَّمْي حَتَّى تهدم غَالب بنائِهِ وَنصر الله الْمُسلمين وملكوا كَوْكَب وأخرجوا الْكفَّار وغنموا أَمْوَالهم وَكَانَ هَذَا الْفَتْح فِي منتصف ذِي الْقعدَة وَعرض السُّلْطَان القلعة على جماعته فَلم يقبلوها فولاها قايماز النجمي عل كره مِنْهُ ثمَّ تحول السُّلْطَان إِلَى أَرض بيسان وَأذن لِلْأُمَرَاءِ والجند فِي الِانْصِرَاف وَسَار مَعَه أَخُوهُ الْملك الْعَادِل فِي مستهل ذِي الْحجَّة إِلَى الْقُدس الشريف وَوصل يَوْم الْجُمُعَة ثامن الشَّهْر وَصلى فِي قبَّة الصَّخْرَة وَعِيد بهَا يَوْم الْأَحَد الْأَضْحَى وَنحر الْأُضْحِية وَسَار يَوْم الِاثْنَيْنِ إِلَى عسقلان للنَّظَر فِي مصالحها وتدبير أحوالها وَأقَام أَيَّامًا ثمَّ ودعه أَخُوهُ الْملك الْعَادِل وَسَار بعسكره إِلَى مصر ورحل السُّلْطَان إِلَى عكا وَدخلت سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَالسُّلْطَان مُقيم بعكا يرتب أمورها ويحصنها إِلَى أَن وصل جمَاعَة من مصر فَأَمرهمْ بِالْإِقَامَةِ فِيهَا وَأمر بهاء الدّين قراقوش بإتمام بِنَاء سورها ثمَّ سَار إِلَى طبرية وَدخل دمشق مستهل شهر صفر ثمَّ خرج مِنْهَا يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث ربيع الأول مُتَوَجها إِلَى شقيف أرنون وأتى مرج عُيُون وخيم فِيهِ بِقرب الشقيف
واعتد لِلْقِتَالِ يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشر رَبِّي الأول وَكَانَ الشقيف فِي يَد أرناط صَاحب صيدا فَنزل إل خدمَة السُّلْطَان يسْأَله أَن يمهله ثَلَاث أشهر لينقل أَهله من صور وَأظْهر إِنَّه يخَاف أَن يعلم المركيس بِحَالهِ فَلَا يُمكنهُ من أَهله فَأَجَابَهُ السُّلْطَان لذَلِك وَشرع أرناط فِي تحصين نَفسه واستعداده للحرب فَعلم السُّلْطَان بِحَقِيقَة حَاله فتقرب السُّلْطَان من الشقيف فَلَمَّا علم صَاحب الشقيف بذلك حضر إِلَى خدمَة السُّلْطَان وَشرع فِي الاستعطاف لَهُ وإزال مَا عِنْده وَعَاد إِلَى حصنه ثمَّ حضر وأنهى تخوفه على أَهله وَسَأَلَ الْمُهْملَة سنة فَأرْسل السُّلْطَان من كشف الْحصن فَوَجَدَهُ قد تحصن زِيَادَة على مَا كَانَ فِيهِ فَأمْسك صَاحب الْحصن وَقيد وَحمل إِلَى قلع بانياس ثمَّ استحضره فِي سادس رَجَب وهدده ثمَّ سيره إِلَى دمشق وسجنه وحاصر الْحصن فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن رَجَب ورتب عَلَيْهِ عدَّة من الْأُمَرَاء لمحاصرته إِلَى أَن تسلمه بعد سنة وَأطلق صَاحبه وَلما كَانَ السُّلْطَان بمرج عُيُون اجْتمع الافرنج وَاتَّفَقُوا عل إِقَامَة المركيس بِصُورَة واجمعوا عل حَرْب الْمُسلمين والمر كيس يمدهُمْ من صور فَبلغ السُّلْطَان ذَلِك فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع عشر جُمَادَى الأولى وَإِنَّهُم عل قصد صيدا فَركب فِي الْحَال والتقى بعسكره مَعَ الافرنج فَهَزَمَهُمْ بِإِذن الله تَعَالَى وَنصر الله الْمُسلمين وَأسر من أعيانهم سَبْعَة وَعَاد السُّلْطَان إِلَى مخيمه وَأقَام إِلَى يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر جُمَادَى الأولى ثمَّ ركب فِي ذَلِك الْيَوْم وتواقع هُوَ والإفرنج وَاشْتَدَّ الْقِتَال فاستشهد جماع من الْمُسلمين وَقتل خلق كثير من الْمُشْركين ثمَّ قوم عزم السُّلْطَان عل قصدهم فِي مخيمهم وشاع هَذَا الْخَبَر فخاف الافرنج وذهبوا إِلَى صور فَاقْتضى الْحَال التَّأْخِير وَسَار السُّلْطَان إِلَى تبنين صَبِيحَة يَوْم الْخَمِيس السَّابِع وَالْعِشْرين من الشَّهْر ثمَّ سَار مِنْهَا إِلَى عكا ورتب أمورها وَعَاد إِلَى المعسكر وَأقَام إِلَى يَوْم السبت سادس
جُمَادَى الْآخِرَة فَبَلغهُ أَن الافرنج ينتشرون فِي الأَرْض فَأمر السُّلْطَان بتكمين كمائن لَهُم وَإِذا رَأَوْهُمْ يطاردونهم وَسَار السُّلْطَان يَوْم الِاثْنَيْنِ فتواقعوا بَين يَدي الافرنج فِي وَاد لَا ينفذ فحصرهم الافرنج فَلم يقدروا عل السلوك من الْوَادي فاستشهدوا رَحِمهم الله تَعَالَى (مسير الافرنج إِلَى عكا) وصل الْخَبَر يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن رَجَب أَن الْعَدو عل قصد عكا وَأَن جمَاعَة مِنْهُم سبقوا إِلَى النوافير ونزلوا باسكندرونة وتوقعوا مَعَ جمَاعَة من الْمُسلمين فَكتب السُّلْطَان للعسكر يجمعهُمْ ورحل الافرنج يَوْم الْأَحَد ثَانِي عشر رَجَب ونزلوا عل عين عبد فَأصْبح السُّلْطَان عل الرحيل وَجَاء عصر يَوْم الثُّلَاثَاء وَالسُّلْطَان نَازل بِأَرْض كفر كُنَّا ثمَّ أصبح يَوْم الْأَرْبَعَاء خَامِس عشر الشَّهْر وَنزل على جبل الخروبة وَترك الأثقال بِأَرْض صفورية وَنزل الافرنج عل عكا من الْبَحْر إِلَى الْبَحْر محتاطين بهَا يحاصرونها وَاجْتمعت العساكر فَصَارَ الْعَدو حول الْبَلَد وأحاط الْمُسلمُونَ بالإفرنج ومنعوهم من الطّرق وَاشْتَدَّ الْقِتَال واستدارت الافرنج بعكا وَمنعُوا من الدُّخُول وَالْخُرُوج وَذَلِكَ يَوْم الْأَرْبَعَاء وَالْخَمِيس سلخ رَجَب فَأصْبح السُّلْطَان يَوْم الْجُمُعَة مستهل شعْبَان عل عكا وتباشر الْمُسلمُونَ بالنصر وثار الْحَرْب وَأَصْبحُوا يَوْم السبت عل ذَلِك وَحمل النَّاس من جَانب الْبَحْر شمَالي عكا حَملَة شَدِيدَة وَانْهَزَمَ الافرنج إِلَى تل الصياصية وأخلوا ذَلِك الْجَانِب وَانْفَتح للْمُسلمين طَرِيق عكا وَدخل الْعَسْكَر إِلَيْهَا وَخرج واستطرقت إِلَيْهَا الجيوش وأطلع السُّلْطَان عل الافرنج من سورها وَخرج عَسْكَر الْبَلَد لِلْقِتَالِ وتشاور الْمُسلمُونَ فِيمَا بَينهم ودبروا الْحِيَل فِي الْقِتَال الْعَدو المخذول فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن شعْبَان ركب الافرنج خر النَّهَار بأجمعهم
وتقدموا وحملوا عل الْمُسلمين فصدمهم الْمُسلمُونَ فول الْكفَّار هاربين مُدبرين وَقتل وجرح مِنْهُم وَدخل اللَّيْل وَبَات الْحَرْب على حَاله وانتقل السُّلْطَان لَيْلَة الِاثْنَيْنِ حادي عشر الشَّهْر إِلَى تل الصياصية لِأَنَّهُ مشرف عَلَيْهِم للعلو وَبلغ السُّلْطَان أَن الافرنج يخرجُون للاحتشاش وينتشرون فِي الأَرْض فَانْتدبَ جمَاعَة من العربان فَأَغَارُوا عَلَيْهِم وحالوا بَينهم وَبَين خيامهم وحشروهم وأبادوهم قتلا وَقَطعُوا رُؤْسهمْ وأحضروها عِنْد السُّلْطَان وَذَلِكَ يَوْم السبت سادس عشر شهر شعْبَان وسر الْمُسلمُونَ وتباشروا هَذَا والقتال عل عكا مُتَّصِل ((نادرة)) وَمن النَّوَادِر الْوَاقِعَة إِنَّه أفلت من بعض مراكب الافرنج حصان من الْخُيُول الموصوفة عِنْدهم فَلم يقدروا على إِمْسَاكه وَمَا زَالَ فِي الْبَحْر وهم حوله إِلَى أَن دخل ميناء الْبَلَد فَتسَارع الْمُسلمُونَ إِلَيْهِ وأخذوه وأهدوه إِلَى السُّلْطَان فتبباشر الْمُسلمُونَ بالنصر وَرَآهُ الافرنج من إمارات خذلانهم (الْوَقْعَة الْكُبْرَى) واصبح الافرنج يَوْم الْأَرْبَعَاء لعشرين من شعْبَان وَقد رفعوا صلبانهم وتقدموا وزحف أبطالها وَقد عبى السُّلْطَان الميمنة والميسرة وَشرع يمر بالصفوف وَيُقَوِّي عزم العساكر وَاشْتَدَّ الْقِتَال وَاسْتشْهدَ جمَاعَة من الْمُسلمين وول الْعَسْكَر الإسلامي مُنْهَزِمًا فَمنهمْ من وصل طبرية وَمِنْهُم من وصل دمشق وَبَقِي الْمُسلمُونَ فِي شدَّة عَظِيمَة حَتَّى أدركهم الله تعال بالنصر وَهُوَ إِنَّه لما تمت الكسرة على الْمُسلمين وصل جمَاعَة من الافرنج إِلَى خيمة السُّلْطَان وَلم يتبعهُم من يعضدهم فهابوا الْوُقُوف هُنَاكَ فانحدروا عَن التل فَاسْتَقْبَلَهُمْ الْمُسلمُونَ وتبعوهم وظفروا بهم فَقتلُوا مِنْهُم وضربوا رقابهم وَاشْتَدَّ الْحَرْب وَثَبت الْمُسلمُونَ فمالوا عل ميسرَة الإفرنج قفلوها وَوَضَعُوا فيهم السيوف فأبادوهم قتلا وَمِمَّنْ قتل مقدم عَسْكَرهمْ وتبعهم الْمُسلمُونَ حَتَّى كلت سيوفهم وَقتل من الإفرنج خَمْسَة لاف فَارس وَقتل مقدم الراوية وَحكي عَنهُ أَنه قَالَ عرضنَا فِي مائَة ألف وَعشرَة لاف وَمن الْعجب أَن الَّذين ثبتوا من الْمُسلمين لم يبلغُوا ألفا فَردُّوا مائَة ألف فَكَانَ الْوَاحِد من الْمُسلمين يقتل من الْكفَّار ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعين وَأرْسل السُّلْطَان بِهَذِهِ النُّصْرَة البشائر إِلَى دمشق وَعَاد السُّلْطَان إِلَى مَكَانَهُ وعزم على إِنَّه يُصَالح الْعَدو وتفقد الْعَسْكَر فَإِذا هُوَ قد غَابَ وَذَلِكَ أَن بعض الغلمان والأوباش لما وَقعت الوقع ظنُّوا أَن عَسْكَر الْإِسْلَام انهزم فنهبوا الأثقال وانهزموا وَانْهَزَمَ جمَاعَة من الْجند فَمضى الْعَسْكَر وَرَاء الغلمان فَتَأَخر من أجل ذَلِك الْعَزْم على الْمسير وانتعش الإفرنج لذَلِك وَكَثُرت جيف الإفرنج المقتولين فَشك الْمُسلمُونَ نَتن رائحتها فرسم السُّلْطَان بحملها عل الْعجل ورميها فِي النَّهر فَحمل أَكثر من خَمْسَة آلَاف جثة ثمَّ فِي يَوْم الْخَمِيس التَّاسِع وَالْعِشْرين من شعْبَان حضرا أكَابِر الْأُمَرَاء عِنْد السُّلْطَان وَدَار الْكَلَام بَينهم فِي المشورة فأشاروا بالانصراف لهجوم الْبرد والشتاء وَإِن أبدانهم وخيولهم قد ضعفت وَإِن السُّلْطَان يراسل الْبِلَاد وَيجمع الجموع ثمَّ يحضر للْجِهَاد فِي سَبِيل الله تَعَالَى هَذَا وَالسُّلْطَان متكره من هَذِه المقالات وَلَيْسَ عِنْده ملل وَفِي كل يَوْم عل الْعَسْكَر وَيُقَوِّي عزمهم فانتقل لَيْلَة الثُّلَاثَاء رَابِع شهر رَمَضَان إِلَى الخروبة عِنْد الأثقال وَأمر من بعكا بغلق الْبَاب وَشرع الإفرنج فِي حفر خَنْدَق على معسكرهم حوالي عكا من الْبَحْر إِلَى الْبَحْر وتحصنوا وتستروا وَأقَام السُّلْطَان بالخيم وَهُوَ متوعك فَمن الله تَعَالَى عَلَيْهِ بالعافية وَصرف الأجناد الغرباء ليرجعوا فِي الرّبيع وَأقَام بمماليكه فَمَا مضى يَوْم إِلَّا وَفِيه وقْعَة والمماليك ظافرون بالإفرنج
وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث شهر رَمَضَان أَخذ الْمُسلمُونَ بعكا مركبا للإفرنج مقلعاً إِلَى صور فِيهِ ثَلَاثُونَ رجلا وَامْرَأَة وَاحِدَة ورزمة من الْحَرِير فغنموه وتباشروا وَاشْتَدَّ أزرهم بذلك (وُصُول ملك الألمان) ورد اخبر بوصول ملك الألمان إِلَى قسطنطينية فِي عدد كثير عل قصد العبور إِلَى بِلَاد الْإِسْلَام وَإنَّهُ فِي ثَلَاثمِائَة ألف مقَاتل وَقد قطع الرّوم إِلَى جِهَة الشَّام فإنزعج الْمُسلمُونَ لذَلِك وَندب السُّلْطَان الرُّسُل إِلَى جَمِيع الْأَمْصَار يستنفر للْجِهَاد فوصل الْملك الْعَادِل سيف الدّين من مصر فِي نصف شَوَّال فِي جَيش عَظِيم فَحصل بِهِ السرُور وقو الْمُسلمُونَ وَنزل فِي مخيمه وَأرْسل السُّلْطَان إِلَى رجال دمشق والبلاد فَحَضَرُوا وَشرع الْمُسلمُونَ فِي كل يَوْم يعالجون الإفرنج وَلَهُم مَعَهم فِي كل لَيْلَة كبسة وَفِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث عشر ذِي الْقعدَة وصل الأسطول من مصر وعدته خَمْسُونَ شونة (1) فَإِن السُّلْطَان لما وصل الإفرنج إِلَى عكا كتب إِلَى مصر بتجهيز وتكثير رِجَاله وعدده فصادف مراكب الإفرنج فِي الْبَحْر فَأول مَا ظفر الأسطول بشونة للإفرنج فَقتل مُقَاتِلِيهِ وَوَقعت بَينهم وقْعَة كبر وَتَفَرَّقَتْ سفن الإفرنج وَصَارَت البشائر للْمُسلمين بوصول الأسطول وَلما اشْتَدَّ الْبرد وَكَثُرت الأمطار وَاسْتظْهر الْبَلَد بِرِجَال الأسطول وَكَانُوا زهاء عشرَة لاف بحري فَامْتَلَأَ الْبَلَد وشرعوا يتلصصون على الْكفَّار وكبسوا لَيْلَة سوق الخمارات وَسبوا عد من النِّسَاء الحسان فَكَانَ فِي ذَلِك نكاية عَظِيمَة للْكفَّار وَأمكن الله الْمُسلمين مِنْهُم وشرعوا فِي نهبهم وأسرهم فِي كل وَقت
- _ (1) الشونة الْمركب الْمعد للْجِهَاد فِي الْبَحْر انته (قَامُوس)