الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
تصدر اليوم الطبعة الرابعة من كتاب " دولة الإسلام في الأندلس "، وقد أتيح لنا بعون الله وتوفيقه، أن نكمل تاريخ الأندلس منذ بدايته إلى نهايته، وأن تظهر عصوره الأربعة على النحو الآتي:
العصر الأول - ويشمل تاريخ فتوح إفريقية والأندلس، وعصر الولاة، ثم تاريخ الدولة الأموية الأندلسية منذ قيامها في ظل الإمارة، ثم قيام الخلافة الأموية، وانحلالها على يد الدولة العامرية، ثم انهيارها وسقوطها، وبدء قيام دول الطوائف الأندلسية: 22 - 450 هـ (643 - 1058 م).
وهذا العصر، هو الذى نقدمه اليوم إلى القارئ في طبعته الجديدة.
العصر الثاني - " دول الطوائف "، ويشمل تاريخ الأندلس منذ قيام دول الطوائف الأندلسية، في أوائل القرن الخامس الهجرى، حتى سقوطها على يد المرابطين في أواخر هذا القرن: 425 - 502 هـ (1033 - 1108 م).
العصر الثالث - " عصر المرابطين والموحدين في المغرب والأندلس " ويشمل تاريخ هاتين الدولتين المغربيتين العظيمتين، منذ بدايته حتى نهايته، وتاريخ الأندلس الكبرى في ظلهما، ثم انهيارها عقب انهيار سلطان الموحدين فى الأندلس، في أوائل القرن السابع الهجرى: 500 - 668 هـ (1106 - 1269 م).
العصر الرابع - " نهاية الأندلس وتاريخ العرب المتنصرين "، ويشمل تاريخ مملكة غرناطة آخر دول الإسلام في الأندلس، منذ قيامها حتى سقوطها، ثم تاريخ الأمة الأندلسية المغلوبة تحت نير اسبانيا النصرانية، بعد أن غدت طائفة الموريسكيين أو العرب المتنصرين، وما نزل بها من محن التنصير المغصوب، ومختلف ضروب الاضطهاد المفجعة، حتى إخراجها نهائيا من
الأراضي الإسبانية، وذلك في بداية القرن السابع عشر الميلادى: 635 - 1019 هـ (1237 - 1610 م).
وقد أتيح لنا إلى جانب هذه العصور الأربعة من تاريخ الأندلس، أن نصدر في نفس الوقت مؤلفا خاصا عن الآثار والنقوش الأندلسية الباقية، في شبه الجزيرة الأندلسية، وذلك بعنوان " الآثار الأندلسية الباقية، في اسبانيا والبرتغال ".
وتشغل هذه العصور الأربعة تسعة قرون من حياة الأمة الأندلسية، زاخرة بالأحداث والعبر والمآسي المشجية، لم نأل جهداً في سردها، وتحليلها، وإسنادها إلى مصادرها الوثيقة.
وقد أنفقت في كتابة هذه العصور الأربعة، من تاريخ الأمة الأندلسية، خمسة وعشرين عاماً، قمت خلالها بست عشرة رحلة في اسبانيا والمغرب، لم أدخر خلالها وسعاً في البحث والتنقيب، وتقصى مختلف المصادر والوثائق، ودراسة المخطوطات العربية، والوثائق القشتالية، في مختلف مواطنها.
ولقد كان لهذا التجوال المتكرر، في ربوع الأندلس القديمة، والزيارات المتعددة للقواعد الأندلسية الذاهبة، ولاسيما القواعد الكبرى مثل قرطبة وإشبيلية، وبلنسية، وشاطبة، ومرسية، وسرقسطة، وطليطلة، وبطليوس، وماردة، وأشبونة، وباجة وغرناطة، وألمرية، ومالقة، وغيرها، وهذه الدراسات المستفيضة لآثارها ونقوشها الأندلسية الباقية، وهذه المشاهدات لطبائع الإقليم، والبقاع، والأوساط التي حلت فيها الأمة الأندلسية، وعاشت عدة قرون، ووضعت أسس حضارتها العظيمة - كان لذلك كله في نفسي أعمق الآثار، وقد أمدني بكثير من الحقائق والفكر الجديدة.
وأود أن أنوه هنا، بأنه فضلا عن استيعاب المصادر القشتالية واللاتينية القديمة، والمصادر الغربية الحديثة، إلى جانب المصادر العربية المختلفة العامة والخاصة، قد أتيح لي أن أنتفع بكثير من المصادر المخطوطة الهامة، مما عثرت عليه خلال بحوثي في المجموعات الإسبانية (ولاسيما مجموعة الإسكوريال ومجموعة أكاديمية التاريخ)، والمجموعات المغربية في الرباط وفاس، وأن أنتفع في هذا القسم من تاريخ الأندلس، بوجه خاص، بثلاث قطع مخطوطة نادرة
من مؤلف ابن حيّان القيم في تاريخ الأندلس، وهو كتاب " المقتبس في تاريخ رجال الأندلس " أو " المقتبس في أخبار أهل الأندلس ".
القطعة الأولى - وتشمل حوادث سنى 180 - 232 هـ، أعني عصري الحكم ابن هشام وعبد الرحمن بن الحكم، وتقع في نحو مائة صفحة (ص 88 - 189) من القطع الكبير، وهي عبارة عن بداية السفر الثاني من كتاب " المقتبس ": ويرجع الفضل في انتفاعي بهذا القسم، إلى صديقي العلامة المرحوم الأستاذ ليفى بروفنسال، وكان قد عثر عليه في مكتبة جامع القرويين بفاس، وقد اختفى الآن هذا القسم ولا نعرف مكان وجوده.
القطعة الثانية - وهي تأتي مباشرة بعد القطعة الأولى، وتشمل حوادث سنى 233 - 267 هـ، أعني بقية عصر عبد الرحمن بن الحكم، ومعظم عهد ولده الأمير محمد، والبوادر الأولى للثورة الكبرى، وتقع في 95 لوحة أعني مائة وتسعين صفحة من القطع الكبير، وهي عتيقة بالية كثيرة الخروم، متساقطة الحوافي، مكتوبة بخط أندلسي قديم، وقد كتب في نهايتها " كمل السفر الثاني بحمد الله تعالى، يتلوه الثالث، مبتدأ نجوم عمر بن حفصون كبير الثوار بالأندلس ". وهي تحتوى على تفاصيل ومعلومات هامة عن بلاط قرطبة وأحواله في هذا العصر، وعن الصقالبة والوزراء والعمال. وقد عثرت على هذه القطعة في مكتبة جامع القرويين بفاس، وحصلت منها على صورة فتوغرافية، وانتفعت بها منذ الطبعة الثالثة من الكتاب انتفاعاً عظيما، وذلك بالرغم من صعوبة المراجعة في هذه المخطوطة البالية (1).
ويتلو هذا القسم المخطوط الذى يشتمل على السفر الثاني من " المقتبس "، السفر الثالث، الذى قام بنشره المستشرق الإسباني الأب الأوغسطيني ملشيور أنتونيا عن مخطوطة المكتبة البودلية بأكسفورد (باريس سنة 1937)، وهو يشتمل على عهد الأمير عبد الله بن محمد، وحوادث الفتنة الكبرى من سنة 275 إلى سنة 298 هـ، قبيل عهد الناصر بعامين.
القطعة الثالثة - وهي تتعلق بأعظم اكتشاف من نوعه من كتاب " المقتبس "،
(1) وقد قام صديقي الدكتور محمود علي مكي أخيراً بتحقيق هذه القطعة ونشرها، وسوف تظهر قريبا.
وهو العثور على " السفر الخامس " منه المتعلق بعهد عبد الرحمن الناصر.
إن هذا الاكتشاف يتعلق بأعظم قطعة مخطوطة عثر بها البحث حتى اليوم من هذا المؤلف الكبير. وقد تم العثور عليها منذ أعوام قلائل بين موجودات الخزانة الملكية بالرباط، وقد كان من حسن الطالع أن أتيح لنا الاطلاع عليها ودراسة محتوياتها دراسة وافية.
وهي عبارة عن جزء ضخم من كتاب " المقتبس " يقع في مائة وخمسة وثمانين ورقة كبيرة تضم 370 صفحة، ولا يحمل المخطوط عنوانا لأنه ناقص من أوله. ولكن لا يصعب على من يعرف منهج ابن حيان التاريخي وأسلوبه النقدي، ومصادره التي يقتبس منها، أن يدرك لأول وهلة أنه أمام جزء كبير من المقتبس. ومن جهة أخرى، فإنه مما يقطع بصحة هذا الاستنتاج، ما قرأناه في حوادث سنة 327 هـ، عن موقعة الخندق، من قول المؤلف خلال حديثه عمن قتل من المسلمن في الموقعة "وفشا القتل فيمن سواهم من المستنفرين والمحشودة، فافترطنا فيهم إلى جدنا حيان الأمثل طريقة أبا سعد مروان بن محمد بن حيان رحمه الله".
ويضم هذا المجلد الضخم السفر الخامس من كتاب " المقتبس "، وذلك حسبما ورد في ختامه. وهو يتعلق جميعه بعصر عبد الرحمن الناصر. ومن ثم كانت أهميته البالغة، بيد أنه مع ضخامته لا يشمل عصر الناصر كله، وهو يبدأ من سنة 300 هـ وينتهي في سنة 350 هـ. بل تنقص هذا السفر الخامس من " المقتبس " في البداية نحو ستين صفحة، وهو يبدأ بحوادث سنة " سبع وثلاثمائة "، وينتهي بحوادث سنة 330 هـ وإن كان يتناول أحيانا بعض الحوادث التي وقعت قبل ذلك أو بعد ذلك حتى سنة 340 هـ.
والمخطوط قديم، ومكتوب بخط أندلسي جميل، ولكنه لا يحمل تاريخ كتابته (1).
وقد قضينا في دراسة هذا المخطوط والنقل منه فترات طويلة، وانتفعنا
(1) هذا وقد كتبت عن هذا الاكتشاف بحثا مفصلا، نشر بمجلة معهد الدراسات الإسلامية بمدريد في المجلد الثالث عشر (سنة 1965 - 1966). ثم ألقيت بعد ذلك عنه محاضرة بالإنجليزية بمدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن في ربيع سنة 1967.
بمحتوياته أعظم انتفاع، في هذه الطبعة الرابعة من كتابنا، وما نقلناه منه يرى الضياء لأول مرة.
وتوجد إلى جانب ذلك قطعة مخطوطة أخرى من تاريخ ابن حيّان في مكتبة أكاديمية التاريخ بمدريد (مجموعة كوديرا)، تقع في 136 صفحة صغيرة، وتشتمل على حوادث سنى 361 - 364 هـ، وهي أواخر عهد الخليفة الحكم المستنصر بالله، وتحتوي على معلومات هامة عن الشؤون المالية والإدارية في هذا العصر.
فإذا ذكرنا بعد ذلك كله، ما نقله الكتاب والمؤرخون اللاحقون مثل ابن بسام صاحب الذخيرة، وابن عذارى صاحب البيان المغرب، وابن الخطيب، في الإحاطة، وأعمال الأعلام، والمقّري في نفح الطيب، من الفصول والشذور العديدة، من تاريخ ابن حيان، أدركنا أننا قد ظفرنا في الواقع بقدر كبير، وربما بمعظم محتويات هذا التاريخ العظيم الجامع، الذي يعتبر بحق من أقيم مصادر التاريخ الأندلسي، وأكثرها اتزانا، وأقواها من حيث الروح التحليلية والنقدية، ولا سيما فيما يتعلق بحوادث سقوط الخلافة الأموية، وأوائل عهد الطوائف، وهو العصر الذي أدركه ابن حيان وعاش فيه، وشاهد أحداثه المثيرة، وترك لنا عنها أبدع الصور وأقواها.
ونكتفي بهذه الإشارة إلى المصادر المخطوطة، وهي عديدة ذكرت في مواضعها، وكذلك المصادر الأخرى من عربية وقشتالية وغيرها، فقد ذكرت كذلك في مواضعها، وسوف نثبتها جميعا في نهاية الكتاب في ثبت خاص.
وأما المصادر والنصوص والوثائق اللاتينية والقشتالية، فقد راجعت معظمها في مدريد، في المكتبة الوطنية، وقسم المحفوظات التاريخية، وكذلك في مكتبة معهدنا المصرى بمدريد، وهي تضم مجموعة نفيسة من مصادر التاريخ الأندلسي.
* * *
ولا بد لي أن أكرر هنا ما سبق أن ذكرته في مقدمة الطبعة الأولى، وهو أني بذلت في كتابة هذا المؤلف الذي يمتزج فيه تاريخ الشرق والغرب، والإسلام والنصرانية، جهداً خاصا لتمحيص الروايات والنصوص العربية والإفرنجية، واستخراج الرواية الراجحة، وتكوين الرأي المستقل مهما يكن هذا الرأي
ومما تجدر ملاحظته أن تاريخ الأندلس كتاريخ الحروب الصليبية، يمتاز في كثير من الأحيان بتباين واضح بين الرواية الإسلامية والرواية النصرانية، وقد تتأثر هذه الرواية أو تلك، بالمؤثرات القومية أو الدينية؛ ولكن الرواية الإسلامية فيما يتعلق بتاريخ الأندلس، تبدو على العموم أقل تحاملا، وأكثر دقة واعتدالا.
وأما الرواية النصرانية فكثيرا ما يشوبها الإغراق والتحامل، وينقصها الإنصاف والدقة. ويرجع ذلك إلى أن الروايات النصرانية الأولى، التي كتبت عن تاريخ اسبانيا المسلمة، كانت من تصنيف بعض الأحبار المتعصبين، وإلى أن مؤرخي اسبانيا المحدثين، لبثوا حتى أواخر القرن الثامن عشر يكتبون تاريخ اسبانيا من ناحية واحدة، ويرجعون إلى المصادر النصرانية دون غيرها، ويجتنبون كل بحث أو تنقيب في المصادر العربية، وذلك بالرغم من أن تاريخ اسبانيا المسلمة يشغل أعظم مكانة في تاريخ اسبانيا في العصور الوسطى، ويكون صفحة من أمجد صفحاته. وقد نعى النقد الإسباني الحديث نفسه هذا المسلك على مؤرخي اسبانيا النصرانية، فمثلا يقول العلامة المستشرق الإسباني جاينجوس في مقدمة ترجمته لكتاب نفح الطيب:" إن ماريانا وأكابر المؤرخين الإسبانيين تحدوهم عاطفة بغض قومي عميق، أو نزعة تعصب ديني، أبدوا دائما أبلغ الإحتقار لمؤلفات العرب .. فكانوا يرفضون وسائل البحث التي تقدمها لهم الوثائق التاريخية العربية الكثيرة، ويهملون المزايا التي قد تترتب على المقارنة بين الروايات النصرانية والإسلامية، ويؤثرون أن يكتبوا تواريخهم من جانب واحد. وقد ترتب على هذا الروح الضيق الذي يطبع كتاباتهم أثر واضح. ذلك أن تاريخ اسبانيا في العصور الوسطى، ما يزال بالرغم من كل ما أفاض عليه النقدة المحدثون، معتركا من الخرافة والمتناقضات ".
وقد أرسل العلامة جاينجوس هذه الصيحة منذ نحو قرن. ومع ذلك فإن فريقا من المؤرخين والمفكرين الإسبان، ما زال حتى عصرنا يعتبر تاريخ الأمة الأندلسية صفحة بغيضة من التاريخ القومي، وأن القضاء على الأمة الأندلسية وعلى حضارتها إنما هو نصر قومي باهر، وأن مطاردات ديوان التحقيق المروعة لبقايا الأمة المغلوبة، إنما هي عمل إنقاذ وسلام. وينسى هذا الفريق أو يتناسى كل المزايا، وكل الجهود الإنتاجية، وكل التراث الحضاري، وكل التقدم الإنسان الذي
حققه المسلمون في اسبانيا؛ بل نجد في العصر الحديث عالما إسبانيا مثل المستشرق سيمونيت، يبرر، بل ويمجد العمل الوندلي الذي ارتكبه الكردينال خمنيس مطران طليطلة، بجمع الكتب العربية من المسلمن بعد سقوط غرناطة بقليل، وقد بلغت زهاء مائة ألف أو تزيد، والاحتفال بإحراقها أكداسا في ميادين غرناطة، لكى تحرم الأمة المغلوبة بذلك من غذائها الروحي والفكري.
على أن البحث الغربي الحديث، استطاع أن يستدرك كثيراً من شوائب هذا النقص، الذي يكتنف تاريخ اسبانيا في العصور الوسطى، فدرست الكتب والوثائق العربية منذ أوائل القرن الماضي، وتبوأت المصادر الإسلامية مكانها إلى جانب المصادر النصرانية، وترجم البعض منها إلى اللغات الأوربية، وظهرت طائفة كبيرة من الكتب والبحوث النقدية بمختلف اللغات الأوربية ومنها الإسبانية، تكشف للغرب عن كثير من الحقائق المتعلقة بتاريخ الأندلس، وأحوال المجتمع الإسلامي في اسبانيا، وتكشف بالأخص عن القسط البارز، الذي ساهمت به المدنية الإسلامية بالأندلس، في بناء الحضارة الإسبانية الحديثة، وحضارة عصر الإحياء الأوربي.
هذا وقد راعيت في سائر فصول هذه القصة الأندلسية المشجية، أن أسلك سبيل التبسط المعتدل، بعيداً عن الإيجاز المخل، بعيدا في الوقت نفسه عن الإسهاب والتفاصيل الكثيرة، إلا ما دعت إليه المناسبات الهامة أو المواقع الحاسمة، حريصا خلال ذلك كله على أن أبرز الحوادث والشخصيات والصور في إطارها النقدي، الذي تدعمه الوثائق والنصوص والقرائن، بعيدا كل البعد عن التأثر بالعاطفة أو الأهواء أو الاتجاهات القومية أو الدينية من أى نوع، وإني لأرجو أن أكون قد وفقت في ذلك، إلى تأدية رسالة الحق والصدق والاعتدال، في كتابة هذه الصفحات المشرقة المؤسية معا من تاريخ الأمة الأندلسية.
وقد حرصت إلى جانب تاريخ اسبانيا المسلمة، أن أكتب في نفس الوقت تاريخ اسبانيا النصرانية، فاستعرضت منذ البداية نشأة المملكة النصرانية الأولى، ثم تاريخ الممالك النصرانية اللاحقة، ثم تناولت تاريخها تباعا في عصورها المتعاقبة، وعنيت بعد ذلك بتتبع أحداث المعركة الأبدية المضطرمة، التي نشبت بين الأندلس المسلمة وبين هاته الممالك النصرانية، وهي التي غدت فيما بعد محور التاريخ الأندلسي
كله، ثم تحولت من جانب اسبانيا النصرانية إلىَ ما يسميه المؤرخون الإسبان " معركة الاسترداد " La Reconquista، وانتهت إلى نتيجتها الطبيعية المحتومة، أعني إلى القضاء على دولة الإسلام في اسبانيا.
وهذه الطبعة الجديدة من " دولة الإسلام في الأندلس " تتضمن بعض الإضافات والنصوص الجديدة، التي استطعنا أن نقتبسها بالأخص من " السفر الخامس " من تاريخ ابن حيان، وهو الذي يتضمنه مخطوط المكتبة الملكية الذي سبق ذكره، وقد كنا لحسن الطالع، أول من وفق إلى مراجعته والانتفاع به. وقد نقلنا منه كثيرا من النصوص والوثائق الهامة، ولا سيما كتاب الناصر عن فتنة ابن مسرة، وكتابه عن موقعة الخندق، وغيرهما من الوثائق الرسمية التي ترى الضياء لأول مرة في البحوث الأندلسية. كما تتضمن هذه الطبعة فصلين جديدين ينشران لأول مرة، الأول عن نظم الحكم والأوضاع السياسية والعسكرية والاقتصادية في عصر الإمارة والخلافة، والثاني عن الحركة الفكرية الأندلسية. هذا إلى ما تتضمنه هذه الطبعة أيضا من النصوص والتعليقات الكثيرة، المستمدة من المصادر النصرانية والقشتالية، وهو أثر من آثار المراجعة المستمرة التي عكفت عليها في مدريد، خلال رحلاتي المتوالية إلى شبه الجزيرة الإسبانية.
ولقد تمنيت في ختام مقدمة الطبعة الأولى لهذا الكتاب، أن يكون صدوره " بداية مشجعة تبعث إلى اهتمام الباحثين بهذه الصفحة المجيدة من تاريخ الإسلام في الغرب ". وإنه لما يدعو إلى الغبطة، ما يلاحظ من تقدم الدراسات الأندلسية وانتعاشها في العهد الأخير، وذلك سواء في ميدان الكتابة والتصنيف، أو ميدان نشر الآثار الأندلسية المخطوطة، وهو نشاط تساهم القاهرة في قسميه بأوفي نصيب.
القاهرة في المحرم سنة 1389
الموافق مارس سنة 1969
محمد عبد الله عنان