الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثَوْبًا صِفَتُهُ كَذَا فِي ذِمَّتِكَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي ذِمَّتِي، فَإِنْ جَعَلْنَاهُ سَلَمًا، وَجَبَ تَعْيِينُ الدَّرَاهِمِ وَتَسْلِيمُهَا فِي الْمَجْلِسِ. وَإِنْ قُلْنَا: بَيْعٌ لَمْ يَجِبْ.
فَصْلٌ
يَصِحُّ السَّلَمُ الْحَالُّ كَالْمُؤَجَّلِ. فَإِنْ صُرِّحَ بِحُلُولٍ أَوْ تَأْجِيلٍ فَذَاكَ، وَإِنْ أُطْلِقَ فَوَجْهَانِ. وَقِيلَ: قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ: يَصِحُّ وَيَكُونُ حَالًّا. وَالثَّانِي لَا يَنْعَقِدُ. وَلَوْ أَطْلَقَا الْعَقْدَ ثُمَّ أَلْحَقَا بِهِ أَجَلًا فِي الْمَجْلِسِ، فَالنَّصُّ لُحُوقُهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَيَجِيءُ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي سَائِرِ الْإِلْحَاقَاتِ. وَلَوْ صَرَّحَا بِالْأَجَلِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ، ثُمَّ أَسْقَطَاهُ فِي الْمَجْلِسِ، سَقَطَ وَصَارَ الْعَقْدُ حَالًّا.
فَرْعٌ
الشَّرْطُ الْمُفْسِدُ لِلْعَقْدِ، إِذَا حَذَفَاهُ فِي الْمَجْلِسِ، هَلْ يَنْحَذِفُ وَيَنْقَلِبُ الْعَقْدُ صَحِيحًا؟ وَجْهَانِ. الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ: لَا. وَفِي وَجْهٍ: لَوْ حَذَفَا الْأَجَلَ الْمَجْهُولَ فِي الْمَجْلِسِ، انْقَلَبَ الْعَقْدُ صَحِيحًا. وَاخْتَلَفُوا فِي جَرَيَانِ هَذَا الْوَجْهِ فِي سَائِرِ الْمُفْسِدَاتِ، كَالْخِيَارِ وَالرَّهْنِ الْفَاسِدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. قَالَ الْإِمَامُ: الْأَصَحُّ تَخْصِيصُهُ بِالْأَجَلِ. وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ زَمَنَ الْخِيَارِ الْمَشْرُوطِ، هَلْ يَلْحَقُ بِالْمَجْلِسِ فِي حَذْفِ الْأَجَلِ الْمَجْهُولِ تَفْرِيعًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الضَّعِيفِ؟ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِهِ.
فَصْلٌ
إِذَا أَسْلَمَ مُؤَجَّلًا، اشْتُرِطَ كَوْنُهُ مَعْلُومًا، فَلَا يَجُوزُ تَوْقِيتُهُ بِمَا يَخْتَلِفُ كَالْحَصَادِ، وَقُدُومِ الْحَاجِّ. وَلَوْ قَالَ: إِلَى الْعَطَاءِ لَمْ يَصِحَّ، إِنْ أَرَادَ وُصُولَهُ، فَإِنْ أَرَادَ وَقْتَ
خُرُوجِهِ وَقَدْ عَيَّنَ السُّلْطَانُ لَهُ وَقْتًا جَازَ، بِخِلَافِ مَا إِذَا قَالَ: إِلَى وَقْتِ الْحَصَادِ، إِذْ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ. وَلَوْ قَالَ: إِلَى الشِّتَاءِ أَوِ الصَّيْفِ لَمْ يَجُزْ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ الْوَقْتَ. وَلَنَا وَجْهٌ شَاذٌّ قَالَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ يَجُوزُ التَّوْقِيتُ بِالْيَسَارِ.
فَرْعٌ
التَّوْقِيتُ بِشُهُورِ الْفُرْسِ وَالرُّومِ جَائِزٌ كَشُهُورِ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ، وَكَذَا التَّوْقِيتُ بِالنَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ جَائِزٌ عَلَى الصَّحِيحِ. وَفِي وَجْهٍ: لَا يَصِحُّ. قَالَ الْإِمَامُ: لِأَنَّهُمَا يُطْلَقَانِ عَلَى الْوَقْتَيْنِ اللَّذَيْنِ تَنْتَهِي الشَّمْسُ فِيهِمَا إِلَى أَوَائِلِ بُرْجَيِ الْحَمَلِ وَالْمِيزَانِ، وَقَدْ يَتَّفِقُ ذَلِكَ لَيْلًا، ثُمَّ يَنْحَبِسُ مَسِيرُ الشَّمْسِ كُلَّ سَنَّةٍ قَدْرَ رُبْعِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. وَلَوْ وَقَّتَ بِفِصْحِ النَّصَارَى، نَصَّ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ بِظَاهِرِهِ اجْتِنَابًا لِمَوَاقِيتِ الْكُفَّارِ. وَقَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ: إِنِ اخْتَصَّ بِمَعْرِفَتِهِ الْكُفَّارُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِمَادَ عَلَى قَوْلِهِمْ، وَإِنْ عَرَفَهُ الْمُسْلِمُونَ، جَازَ كَالنَّيْرُوزِ. ثُمَّ اعْتَبَرَ جَمَاعَةٌ فِيهِمَا مَعْرِفَةَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ. وَقَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: يَكْفِي مَعْرِفَةُ النَّاسِ. وَسَوَاءٌ اعْتَبَرْنَا مَعْرِفَتَهُمَا أَمْ لَا. فَلَوْ عَرَفَا كَفَى عَلَى الصَّحِيحِ. وَفِي وَجْهٍ: يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ عَدْلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سِوَاهُمَا ; لِأَنَّهُمَا قَدْ يَخْتَلِفَانِ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَرْجِعٍ. وَفِي مَعْنَى الْفِصْحِ سَائِرُ أَعْيَادِ أَهْلِ الْمِلَلِ، كَفَطِيرِ الْيَهُودِ وَنَحْوِهِ.
قُلْتُ: الْفِصْحُ، بِكَسْرِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الصَّادِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَهُوَ عِيدٌ لَهُمْ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ لَفْظٌ عَرَبِيٌّ. وَالْفَطِيرُ، عِيدُ الْيَهُودِ لَيْسَ عَرَبِيًّا، وَقَدْ طَرَدَ صَاحِبُ الْحَاوِي الْوَجْهَ فِي الْفِصْحِ فِي شُهُورِ الْفُرْسِ وَشُهُورِ الرُّومِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
لَوْ وَقَّتَا بِنَفْرِ الْحَجِيجِ وَقَيَّدَا بِالْأَوَّلِ أَوِ الثَّانِي، جَازَ. وَإِنْ أَطْلَقَا فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ. وَالْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ: صِحَّتُهُ، وَيُحْمَلُ عَلَى النَّفْرِ الْأَوَّلِ لِتَحَقُّقِ الِاسْمِ بِهِ
وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي التَّوْقِيتِ بِشُهُورِ رَبِيعٍ، أَوْ جُمَادَى، أَوِ الْعِيدِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْيِينِ السَّنَةِ إِذَا حَمَلْنَا الْمَذْكُورَ عَلَى الْأَوَّلِ. وَفِي «الْحَاوِي» وَجْهٌ: أَنَّ التَّوْقِيتَ بِالنَّفْرِ الْأَوَّلِ أَوِ الثَّانِي لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَعْرِفُونَهُ دُونَ غَيْرِهِمْ. وَذَكَرَ وَجْهَيْنِ فِي التَّوْقِيتِ بِيَوْمِ الْقَرِّ لِأَهْلِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا خَوَاصُّهُمْ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ضَعِيفٌ، لِأَنَّا إِنِ اعْتَبَرْنَا عِلْمَ الْعَاقِدَيْنِ فَلَا فَرْقَ، وَإِلَّا فَهِيَ مَشْهُورَةٌ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ عِنْدِ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ.
قُلْتُ: يَوْمُ الْقَرِّ، بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ، وَهُوَ الْحَادِي عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، سُمِّيَ بِهِ ; لِأَنَّهُمْ يَقِرُّونَ فِيهِ بِمِنًى، وَيَنْفِرُونَ بَعْدَهُ النَّفْرَيْنِ، فِي الثَّانِي عَشَرَ، وَالثَّالِثَ عَشَرَ. وَهَذَا الْوَجْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي «الْحَاوِي» قَوِيٌّ. وَدَعْوَى الْإِمَامِ الرَّافِعِيِّ رحمه الله شُهْرَتَهُ عِنْدَ غَيْرِ الْفُقَهَاءِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ لَا تُقْبَلُ، بَلْ رُبَّمَا لَا يَعْرِفُ الْقَرَّ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَفَقِّهِينَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
لَوْ أَجَّلَا إِلَى سَنَّةٍ أَوْ سِنِينَ مُطْلَقَةٍ، حُمِلَ عَلَى الْهِلَالِيَّةِ. فَإِنْ قُيِّدَ بِالرُّومِيَّةِ، أَوِ الْفَارِسِيَّةِ، أَوِ الشَّمْسِيَّةِ، أَوِ الْعَدَدِيَّةِ. وَهِيَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ يَوْمًا تَقَيَّدَ. وَكَذَا مُطْلَقُ الْأَشْهُرِ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَشْهُرِ الْهِلَالِيَّةِ. ثُمَّ إِنْ جَرَى الْعَقْدُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، اعْتُبِرَ الْجَمِيعُ بِالْأَهِلَّةِ، تَامَّةً كَانَتْ أَوْ نَاقِصَةً. وَإِنْ جَرَى بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الشَّهْرِ، عُدَّ بِاقِيهِ بِالْأَيَّامِ، وَاعْتُبِرَتِ الشُّهُورُ بَعْدَهُ بِالْأَهِلَّةِ، ثُمَّ يُتَمَّمُ الْمُنْكَسِرُ بِثَلَاثِينَ. وَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّهُ إِذَا انْكَسَرَ شَهْرٌ، اعْتُبِرَ جَمِيعُ الشُّهُورِ بِالْعَدَدِ. وَضَرَبَ الْإِمَامُ مَثَلًا لِلتَّأْجِيلِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مَعَ الِانْكِسَارِ فَقَالَ: عَقَدَا وَقَدْ بَقِيَ مِنْ صَفَرٍ لَحْظَةٌ، وَنَقَصَ الرَّبِيعَانِ وَجُمَادَى، فَيُحْسَبُ الرَّبِيعَانِ بِالْأَهِلَّةِ، وَيُضَمُّ جُمَادَى إِلَى اللَّحْظَةِ مِنْ صَفَرٍ، وَيُكَمَّلُ جُمَادَى
الْآخِرَةُ بِيَوْمٍ إِلَّا لَحْظَةً. ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ: كُنْتُ أَوَدُّ أَنَّ يُكْتَفَى فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِالْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ، فَإِنَّهَا جَرَتْ عَرَبِيَّةً كَوَامِلَ. وَمَا تَمَنَّاهُ الْإِمَامُ هُوَ الَّذِي نَقَلَهُ صَاحِبُ «التَّتِمَّةِ» وَغَيْرُهُ، وَقَطَعُوا بِحُلُولِ الْأَجَلِ بِانْسِلَاخِ جُمَادَى الْأُولَى. قَالُوا: وَإِنَّمَا يُرَاعَى الْعَدَدُ إِذَا عُقِدَ فِي غَيْرِ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ.
فَرْعٌ
لَوْ قَالَ: إِلَى يَوْمِ الْجُمْعَةِ، أَوْ إِلَى رَمَضَانَ، حَلَّ بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ، لِتَحَقُّقِ الِاسْمِ. وَرُبَّمَا يُقَالُ: بِانْتِهَاءِ لَيْلَةِ الْجُمْعَةِ، وَبِانْتِهَاءِ شَعْبَانَ، وَهُمَا بِمَعْنًى، وَلَوْ قَالَ: مَحَلُّهُ فِي الْجُمْعَةِ، أَوْ فِي رَمَضَانَ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْيَوْمَ ظَرْفًا، فَكَأَنَّهُ قَالَ: فِي وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِهِ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ وَيُحْمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ.
قُلْتُ: كَذَا قَالَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. إِذَا قَالَ فِي يَوْمِ كَذَا، أَوْ شَهْرِ كَذَا، أَوْ سَنَةِ كَذَا، لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَسَوَّوْا بَيْنَهُمَا، وَحَكَى الطَّبَرِيُّ فِي الْعَدِّ وَجْهًا: أَنَّهُ يَصِحُّ فِي يَوْمِ كَذَا دُونَ الشَّهْرِ، وَجَعَلَ صَاحِبُ الْحَاوِي هَذِهِ الصُّوَرَ عَلَى مَرَاتِبَ، فَقَالَ: مِنَ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ: يَبْطُلُ فِي السَّنَةِ دُونَ الشَّهْرِ، قَالَ: فَأَمَّا الْيَوْمُ فَالصَّحِيحُ فِيهِ الْجَوَازُ لِقُرْبِ مَا بَيْنَ طَرَفَيْهِ. وَالْأَصَحُّ الْمُعْتَمَدُ قَدَّمْنَاهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ قَالَ: إِلَى أَوَّلِ رَمَضَانَ أَوْ آخِرِهِ بَطَلَ، كَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى جَمِيعِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ أَوِ الْأَخِيرِ. قَالَ الْإِمَامُ وَالْبَغَوِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ، وَيُحْمَلُ عَلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ كُلِّ نِصْفٍ، كَمَسْأَلَةِ النَّفَرِ، وَكَالْيَوْمِ وَالشَّهْرِ، يُحْمَلُ عَلَى أَوَّلِهِمَا، وَكَتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ.
فَرْعٌ
لَوْ أَسْلَمَ فِي جِنْسٍ إِلَى أَجَلَيْنِ، أَوْ جِنْسَيْنِ إِلَى أَجَلٍ، صَحَّ عَلَى الْأَظْهَرِ.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَهَذَا الشَّرْطُ لَيْسَ مِنْ خَوَاصِّ السَّلَمِ، بَلْ يَعُمُّ كُلَّ بَيْعٍ كَمَا سَبَقَ، وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ عِنْدَ وُجُوبِهِ. وَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ الْحَالِّ فِي الْحَالِ، وَفِي السَّلَمِ الْمُؤَجَّلِ عِنْدَ الْمَحَلِّ. فَلَوْ أَسْلَمَ فِي مُنْقَطِعٍ لَدَى الْمَحَلِّ، كَالرُّطَبِ فِي الشِّتَاءِ، أَوْ فِيمَا يَعِزُّ وُجُودُهُ كَالصَّيْدِ حَيْثُ يَعِزُّ لَمْ يَصِحَّ. فَلَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ وَجُودُهُ لَكِنْ لَا يُحَصِّلُهُ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ، كَالْقَدْرِ الْكَثِيرِ فِي الْبَاكُورَةِ، فَوَجْهَانِ. أَقْرَبُهُمَا إِلَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ: الْبُطْلَانُ. وَلَوْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ لَا يُوجَدُ بِبَلَدِهِ وَيُوجَدُ فِي غَيْرِهِ، قَالَ الْإِمَامُ: إِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا، قَالَ: وَلَا تُعْتَبَرُ فِيهِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ، وَإِنَّمَا التَّقْرِيبُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: إِنْ كَانَ يُعْتَادُ نَقْلُهُ إِلَيْهِ فِي غَرَضِ الْمُعَامَلَةِ، لَا لِلتُّحَفِ وَالْمُصَادَرَاتِ صَحَّ السَّلَمُ، وَإِلَّا فَلَا.
وَلَوْ كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عَامَّ الْوُجُودِ عِنْدَ الْمَحَلِّ، فَلَا بَأْسَ بِانْقِطَاعِهِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ. وَإِنْ أَسْلَمَ فِيمَا يَعُمُّ، ثُمَّ انْقَطَعَ عِنْدَ الْمَحَلِّ لِجَائِحَةٍ فَقَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ. وَأَظْهَرُهُمَا: لَا، بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُسْلِمُ، فَإِنْ شَاءَ فَسَخَ، وَإِنْ شَاءَ صَبَرَ إِلَى وُجُودِهِ. وَلَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ بَيْنَ أَنْ لَا يُوجَدَ عِنْدَ الْمَحَلِّ أَصْلًا، أَوْ وُجِدَ فَسَوَّفَ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ حَتَّى انْقَطَعَ. وَقِيلَ: الْقَوْلَانِ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى. أَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَا يَنْفَسِخُ فِيهَا قَطْعًا بِحَالٍ، فَإِنْ أَجَازَ ثُمَّ بَدَا لَهُ، مُكِّنَ مِنَ الْفَسْخِ كَزَوْجَةِ الْمَوْلَى إِذَا رَضِيَتْ ثُمَّ أَرَادَتِ الْمُطَالَبَةَ، كَانَ لَهَا ذَلِكَ.
قُلْتُ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَذَكَرَ صَاحِبُ «التَّتِمَّةِ» فِي بَابِ التَّفْلِيسِ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّ هَذَا الْخِيَارَ عَلَى الْفَوْرِ أَمْ لَا؟ كَالْوَجْهَيْنِ فِي خِيَارِ مَنْ ثَبَتَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْمَبِيعِ بِالْإِفْلَاسِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ صَرَّحَ بِإِسْقَاطِ حَقِّ الْفَسْخِ لَمْ يَسْقُطْ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ: لَا تَصْبِرْ وَخُذْ رَأْسَ مَالِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ حَلَّ الْأَجَلُ بِمَوْتِ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ، وَالْمُسْلَمُ فِيهِ مَعْدُومٌ جَرَى الْقَوْلَانِ. وَكَذَا لَوْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَحَلِّ وَتَأَخَّرَ التَّسْلِيمُ لِغَيْبَةِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، ثُمَّ حَضَرَ وَقَدِ انْقَطَعَ بَعْضُ الْمُسْلَمِ فِيهِ، فَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُ فِي بَابِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَلَوْ أَسْلَمَ فِيمَا يَعُمُّ عِنْدَ الْمَحَلِّ، فَعَرَضَتْ آفَةٌ عُلِمَ بِهَا انْقِطَاعُ الْجِنْسِ عَنِ الْمَحَلِّ، فَهَلْ يَتَنَجَّزُ حُكْمَ الِانْقِطَاعِ فِي الْحَالِ، أَمْ يَتَأَخَّرُ إِلَى الْمَحَلِّ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا الثَّانِي.
فَرْعٌ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ الِانْقِطَاعُ
فَإِذَا لَمْ يُوجَدُ الْمُسْلَمُ فِيهِ أَصْلًا، بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ يَنْشَأُ بِتِلْكَ الْبَلْدَةِ، فَأَصَابَهُ جَائِحَةٌ مُسْتَأْصِلَةٌ، فَهَذَا انْقِطَاعٌ حَقِيقِيٌّ. وَلَوْ وُجِدَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ، لَكِنْ يَفْسُدُ بِنَقْلِهِ، أَوْ لَمْ يُوجَدْ إِلَّا عِنْدَ قَوْمٍ امْتَنَعُوا مِنْ بَيْعِهِ، فَهُوَ انْقِطَاعٌ. وَلَوْ كَانُوا يَبِيعُونَهُ بِثَمَنٍ غَالٍ فَلَيْسَ بِانْقِطَاعٍ، بَلْ يَجِبُ تَحْصِيلُهُ. وَلَوْ أَمْكَنَ نَقْلُهُ وَجَبَ إِنْ كَانَ قَرِيبًا. وَفِيمَا يُضْبَطُ بِهِ الْقُرْبُ خِلَافٌ، نَقَلَ فِيهِ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِي آخَرِينَ وَجْهَيْنِ. أَصَحُّهُمَا: يَجِبُ نَقْلُهُ مِمَّا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ. وَالثَّانِي: مِنْ مَسَافَةٍ لَوْ خَرَجَ إِلَيْهَا بُكْرَةً أَمْكَنَهُ الرُّجُوعُ إِلَى أَهْلِهِ لَيْلًا. وَقَالَ الْإِمَامُ: لَا اعْتِبَارَ لِمَسَافَةِ الْقَصْرِ. فَإِنْ أَمْكَنَ النَّقْلُ عَلَى عُسْرٍ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ قَطْعًا. وَقِيلَ: عَلَى الْقَوْلَيْنِ.
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: بَيَانُ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ، فِي اشْتِرَاطِ بَيَانِ مَكَانِ تَسْلِيمِ الْمُسْلَمِ فِيهِ الْمُؤَجَّلِ اخْتِلَافُ نَصٍّ وَطُرُقٍ لِلْأَصْحَابِ. أَحَدُهَا: فِيهِ قَوْلَانِ مُطْلَقًا. وَالثَّانِي: إِنْ عَقَدَا فِي مَوْضِعٍ يَصْلُحُ لِلتَّسْلِيمِ لَمْ يُشْتَرَطِ التَّعْيِينُ، وَإِلَّا اشْتُرِطَ. وَالثَّالِثُ:
إِنْ كَانَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ اشْتُرِطَ، وَإِلَّا فَلَا. وَالرَّابِعُ: إِنْ لَمْ يَصْلُحِ الْمَوْضِعُ اشْتُرِطَ، وَإِلَّا فَقَوْلَانِ. وَالْخَامِسُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ لَمْ يُشْتَرَطْ، وَإِلَّا فَقَوْلَانِ. وَالسَّادِسُ: إِنْ كَانَ لَهُ مُؤْنَةٌ اشْتُرِطَ. وَإِلَّا فَقَوْلَانِ. قَالَ الْإِمَامُ: هَذَا أَصَحُّ الطُّرُقِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ. وَالْمَذْهَبُ الَّذِي يُفْتَى بِهِ مِنْ هَذَا كُلِّهِ: وُجُوبُ التَّعْيِينِ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَوْضِعُ صَالِحًا، أَوْ كَانَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ، وَإِلَّا فَلَا، وَمَتَى شَرَطْنَا التَّعْيِينَ فَتَرَكَاهُ بَطَلَ الْعَقْدُ. وَإِنْ لَمْ نَشْرُطْهُ فَعُيِّنَ تَعَيَّنَ. وَعِنْدَ الطَّلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى مَكَانِ الْعَقْدِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَفِي التَّتِمَّةِ: إِذَا لَمْ يَكُنْ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ سَلَّمَهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ صَالِحٍ شَاءَ. وَحَكَى وَجْهًا: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَوْضِعُ صَالِحًا لِلتَّسْلِيمِ حُمِلَ عَلَى أَقْرَبِ مَوْضِعٍ صَالِحٍ. وَلَوْ عَيَّنَ مَوْضِعًا فَخَرِبَ، وَخَرَجَ عَنْ صَلَاحِيَةِ التَّسْلِيمِ فَأَوْجُهٌ.
أَحَدُهَا: يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ. وَالثَّانِي: لَا وَلِلْمُسْلِمِ الْخِيَارُ. وَالثَّالِثُ: يَتَعَيَّنُ أَقْرَبُ مَوْضِعٍ صَالِحٍ.
قُلْتُ: الثَّالِثُ أَقْيَسُهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا السَّلَمُ الْحَالُّ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعْيِينُ، كَالْبَيْعِ. وَيَتَعَيَّنُ مَوْضِعُ الْعَقْدِ لِلتَّسْلِيمِ، لَكِنْ لَوْ عَيَّنَا غَيْرَهُ جَازَ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ ; لَأَنَّ السَّلَمَ يَقْبَلُ التَّأْجِيلَ، فَقَبِلَ شَرْطًا يَتَضَمَّنُ تَأْخِيرَ التَّسْلِيمِ. وَالْأَيْمَانُ لَا تَحْتَمِلُ التَّأْجِيلَ، فَلَا تَحْتَمِلُ مَا يَتَضَمَّنُ تَأْخِيرَ التَّسْلِيمِ. قَالَ فِي «التَّهْذِيبِ» : وَلَا نَعْنِي بِمَكَانِ الْعَقْدِ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ بِعَيْنِهِ، بَلْ تِلْكَ النَّاحِيَةَ. وَحُكْمُ الثَّمَنِ فِي الذِّمَّةِ حُكْمُ الْمُسْلَمِ فِيهِ. وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا، فَهُوَ كَالْمَبِيعِ.
قُلْتُ: قَالَ فِي التَّتِمَّةِ: الثَّمَنُ فِي الذِّمَّةِ وَالْأُجْرَةُ إِذَا كَانَتْ دَيْنًا، وَكَذَا الصَّدَاقُ، وَعِوَضُ الْخُلْعِ، وَالْكِتَابَةُ، وَمَالُ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَكُلُّ عِوَضٍ مُلْتَزَمٍ فِي الذِّمَّةِ لَهُ حُكْمُ السَّلَمِ فِي الْحَالِّ، إِنْ عُيِّنَ لِلتَّسْلِيمِ مَكَانٌ جَازَ، وَإِلَّا تَعَيَّنَ مَوْضِعُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْأَعْوَاضِ الْمُلْتَزَمَةِ فِي الذِّمَّةِ تَقْبَلُ التَّأْجِيلَ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.