الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهِ طُولًا وَعَرْضًا، وَيَجِبُ مَعَ ذَلِكَ إِنْ كَانَ الْبِنَاءُ عَلَى الْجِدَارِ أَوِ السَّطْحِ، بَيَانُ سُمْكِ الْبِنَاءِ وَطُولِهِ وَعَرْضِهِ، وَكَوْنُ الْجُدْرَانِ مِنْضَدَةٌ أَوْ خَالِيَةُ الْأَجْوَافِ، وَكَيْفِيَّةُ السَّقْفِ الْمَحْمُولِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ. وَفِي وَجْهٍ: يَكْفِي إِطْلَاقُ ذِكْرِ الْبِنَاءِ، وَيُحْمَلُ عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ الْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِوَزْنِ مَا يَبْنِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسْبِهِ. وَلَوْ كَانَتِ الْآلَاتُ حَاضِرَةً، أَغْنَتْ مُشَاهَدَتُهَا عَنْ كُلِّ وَصْفٍ. وَإِذَا أَذِنَ فِي الْبِنَاءِ عَلَى أَرْضِهِ، لَمْ يَجِبْ ذِكْرُ سُمْكِ الْبِنَاءِ وَكَيْفِيَّتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ تَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ.
فَرْعٌ
ادَّعَى بَيْتًا فِي يَدِ رَجُلٍ، فَأَقَرَّ، وَتَصَالَحَا عَلَى أَنْ يَبْنِيَ الْمُقِرُّ عَلَى سَطْحِهِ، جَازَ وَقَدْ أَعَارَهُ الْمُقِرُّ لَهُ سَطْحَ بَيْتِهِ لِلْبِنَاءِ. وَلَوْ تَنَازَعَا فِي سُفْلِهِ، وَاتَّفَقَا عَلَى كَوْنِ الْعُلُوِّ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَأَقَرَّ لَهُ بِمَا ادَّعَى، وَتَصَالَحَا عَلَى أَنْ يَبْنِيَ الْمُدَّعِي عَلَى السَّطْحِ، وَيَكُونُ السُّفْلُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، جَازَ، وَذَلِكَ بَيْعُ السُّفْلِ بِحَقِّ الْبِنَاءِ عَلَى الْعُلُوِّ.
فَصْلٌ
مَنِ احْتَاجَ إِلَى إِجْرَاءِ مَاءِ الْمَطَرِ مِنْ سَطْحِهِ عَلَى سَطْحِ غَيْرِهِ، أَوْ إِجْرَاءِ مَاءٍ فِي أَرْضِ رَجُلٍ، لَمْ يَكُنْ لَهُ إِجْبَارُ صَاحِبِ السَّطْحِ وَالْأَرْضِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَحُكِيَ قَوْلٌ قَدِيمٌ: أَنَّهُ يُجْبَرُ، وَهُوَ شَاذٌّ. فَإِنْ أُذِنَ فِيهِ بِإِجَارَةٍ، أَوْ إِعَارَةٍ، أَوْ بَيْعٍ جَازَ. ثُمَّ فِي السَّطْحِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجْرِي عَلَيْهِ الْمَاءُ، وَالسُّطُوحُ الَّتِي يَنْحَدِرُ الْمَاءُ إِلَيْهِ مِنْهَا. وَلَا بَأْسَ بِالْجَهْلِ بِقَدْرِ مَاءِ الْمَطَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ، وَهَذَا عَقْدُ جَوْزٍ لِلْحَاجَةِ. وَإِذَا أَذِنَ وَبَيَّنَ، ثُمَّ بَنَى عَلَى سَطْحِهِ مَا يَمْنَعُ الْمَاءَ، فَإِنْ كَانَ عَارِيَةً، فَهُوَ
رُجُوعٌ، وَإِنْ كَانَ بَيْعًا أَوْ إِجَارَةً، فَلِلْمُشْتَرِي أَوِ الْمُسْتَأْجِرِ نَقْبُ الْبِنَاءِ وَإِجْرَاءُ الْمَاءِ فِيهِ. وَأَمَّا فِي الْأَرْضِ، فَقَالَ فِي «التَّهْذِيبِ» : لَا حَاجَةَ فِي الْعَارِيَةِ إِلَى بَيَانٍ؛ لِأَنَّهُ إِذَا شَاءَ رَجَعَ، وَالْأَرْضُ تَحْتَمِلُ مَا تَحْتَمِلُ. وَإِنْ أًجِرَ وَجَبَ بَيَانُ مَوْضِعِ السَّاقِيَةِ وَطُولِهَا وَعَرْضِهَا وَعُمْقِهَا، وَقَدَّرَ الْمُدَّةَ. قَالَ فِي «الشَّامِلِ» : وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ السَّاقِيَةِ مَحْفُورَةً. وَإِذَا اسْتَأْجَرَ، لَا يَمْلِكُ الْحَفْرَ. وَإِنْ بَاعَ، وَجَبَ بَيَانُ الطُّولِ وَالْعَرْضِ. وَفِي الْعُمْقِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ، يَمْلِكُ مَوْضِعَ الْمَجْرَى، أَمْ لَا يَمْلِكُ إِلَّا حَقَّ الْإِجْرَاءِ؟ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ. هَذَا إِذَا كَانَ لَفْظُ الْبَيْعِ: بِعْتُكَ مَسِيلَ الْمَاءِ. فَإِنْ قَالَ: حَقُّ مَسِيلِ الْمَاءِ، فَهُوَ كَبَيْعِ حَقِّ الْبِنَاءِ، وَيَجِئُ فِي حَقِيقَةِ الْعَقْدِ مَا سَبَقَ فِي بَيْعِ حَقِّ الْبِنَاءِ. وَفِي الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا، لَيْسَ لَهُ دُخُولُ الْأَرْضِ بِغَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهَا، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ تَنْقِيَةَ النَّهْرِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَرْضِهِ مَا يُخْرِجُهُ مِنَ النَّهْرِ.
فَرْعٌ
الْمَأْذُونُ لَهُ فِي إِجْرَاءِ مَاءِ الْمَطَرِ، لَيْسَ لَهُ إِلْقَاءُ الثَّلْجِ، وَلَا أَنْ يَتْرُكَ الثَّلْجَ حَتَّى يَذُوبَ وَيَسِيلَ إِلَيْهِ، وَلَا أَنْ يُجْرِيَ فِيهِ مَا يَغْسِلُ بِهِ ثِيَابَهُ وَأَوَانِيَهُ، بَلْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى تَرْكِ الثُّلُوجِ عَلَى سَطْحِهِ وَلَا إِجْرَاءِ الْغَسَّالَاتِ عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إِلَيْهِ. وَفِي الْأَوَّلِ، ضَرَرٌ ظَاهِرٌ. وَفِي الثَّانِي، جَهَالَةٌ. وَالْمَأْذُونُ لَهُ فِي إِلْقَاءِ الثَّلْجِ، لَيْسَ لَهُ إِجْرَاءُ الْمَاءِ. فَرْعٌ
تَجُوزُ الْمُصَالَحَةُ عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِي حُشِّ غَيْرِهِ عَلَى مَالٍ، وَكَذَا عَلَى جَمْعِ الزِّبْلِ
وَالْقُمَامَةِ فِي مِلْكِهِ، وَهِيَ إِجَارَةٌ يُرَاعَى فِيهَا شَرَائِطُهَا، وَكَذَا الْمُصَالَحَةُ عَلَى الْبَيْتُوتَةِ عَلَى سَطْحٍ. فَلَوْ بَاعَ مُسْتَحِقُّ الْبَيْتُوتَةِ مَنْزِلَهُ، فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيتَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا بَاعَ مُسْتَحِقُّ إِجْرَاءِ الْمَاءِ عَلَى غَيْرِهِ مُدَّةَ
[بَقَاءِ] دَارِهِ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَسْتَحِقُّ الْإِجْرَاءَ بَقِيَّةَ الْمَدَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِجْرَاءَ مِنْ مَرَافِقِ الدَّارِ، بِخِلَافِ الْبَيْتُوتَةِ.
فَرْعٌ
لَوْ خَرَجَتْ أَغْصَانُ شَجَرَةٍ إِلَى هَوَاءِ مِلْكِ جَارِهِ، فَلِلْجَارِ مُطَالَبَتُهُ بِإِزَالَتِهَا. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَلَهُ تَحْوِيلُهَا عَنْ مِلْكِهِ. فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ، فَلَهُ قَطْعُهَا، وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى إِذْنِ الْقَاضِي، وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ. فَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى إِبْقَائِهَا بِعِوَضٍ، لَمْ يَصِحَّ إِنْ لَمْ يَسْتَنِدِ الْغُصْنُ إِلَى شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ مُجَرَّدِ الْهَوَاءِ. وَإِنِ اسْتَنَدَ إِلَى جِدَارٍ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْجَفَافِ، جَازَ، وَإِنْ كَانَ رَطِبًا، فَلَا؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ وَلَا يُعْرَفُ قَدْرُ ثِقَلِهِ وَضَرَرِهِ. فَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ: يَجُوزُ، وَمَا يُنَمَّى يَكُونُ تَابِعًا. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَانْتِشَارُ الْعُرُوقِ، كَانْتِشَارِ الْأَغْصَانِ. وَكَذَلِكَ مَيْلُ الْجِدَارِ إِلَى هَوَاءِ الْجَارِ، قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ.
الْبَابُ الثَّالِثُ فِي التَّنَازُعِ
فِيهِ مَسَائِلُ.
الْأُولَى: إِذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلَيْنِ دَارًا فِي يَدِهِمَا، فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا، وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ، ثَبَتَ لَهُ النِّصْفُ بِإِقْرَارِ الْمُصَدِّقِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكَذِّبِ. فَلَوْ صَالَحَ الْمُدَّعِي الْمُقِرَّ عَلَى مَالٍ، وَأَرَادَ الْمُكَذِّبُ أَخْذَهَا بِالشُّفْعَةِ، فَفِيهِ طَرِيقَانِ.
أَحَدُهُمَا، قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَجَمَاعَةٍ: إِنْ مَلَكَاهَا فِي الظَّاهِرِ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِأَحَدِ الْمِلْكَيْنِ بِالْآخَرِ. وَإِنْ مَلِكَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ، مِنْ إِرْثٍ، أَوْ شِرَاءٍ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ الدَّارَ لَيْسَتْ لِلْمُدَّعِي، وَأَنَّ الصُّلْحَ بَاطِلٌ. وَأَصَحُّهُمَا: يَأْخُذُ، لِأَنَّا حَكَمْنَا فِي الظَّاهِرِ بِصِحَّةِ الصُّلْحِ. وَلَا يَبْعُدُ انْتِقَالُ مِلْكِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَإِنْ مُلِّكَا بِسَبَبٍ.
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي، قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ: إِنِ اقْتَصَرَ الْمُكَذِّبُ عَلَى قَوْلِهِ: لَا شَيْءَ لَكَ فِي يَدِي، أَوْ لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُ شَيْءٍ إِلَيْكَ، أَخَذَ. وَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ: وَهَذِهِ الدَّارُ وَرِثْنَاهَا، فَفِيهِ الْوَجْهَانِ. وَهَذَا الطَّرِيقُ أَقْرَبُ، مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَرِثْنَاهَا، لَا يَقْتَضِي بَقَاءَ نَصِيبِ الشَّرِيكِ فِي مِلْكِهِ، بَلْ يَجُوزُ انْتِقَالُهُ إِلَى الْمُدَّعِي. فَالِاخْتِيَارُ: أَنْ يَقْطَعَ بِجَوَازِ الْأَخْذِ، إِلَّا أَنْ يَقُولَ: إِنَّ الشَّرِيكَ مَالِكٌ فِي الْحَالِ.
قُلْتُ: هَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ، هُوَ الصَّوَابُ، وَقَدْ قَطَعَ بِهِ هَكَذَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: ادَّعَى رَجُلَانِ دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ، فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِنِصْفِهَا، نُظِرَ، إِنِ ادَّعَيَاهَا إِرْثًا وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِقَبْضٍ، شَارَكَ صَاحِبَهُ فِيمَا أَخَذَهُ؛ لِأَنَّ التَّرِكَةَ مُشْتَرَكَةٌ، فَالْحَاصِلُ مِنْهَا مُشْتَرَكٌ. وَإِنْ قَالَا: وَرِثْنَاهَا وَقَبَضْنَاهَا، ثُمَّ غَصَبْنَاهَا، لَمْ يُشَارِكْهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِينَ. فَإِنِ ادَّعَيَا مِلْكًا بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقُولَا: اشْتَرَيْنَا مَعًا، فَلَا مُشَارَكَةَ. وَإِنْ قَالَا: اشْتَرَيْنَا مَعًا، أَوِ اتَّهَبْنَا مَعًا، وَقَبَضْنَا مَعًا، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ كَالْإِرْثِ. وَالثَّانِي: لَا مُشَارَكَةَ. فَلَوْ لَمْ يَتَعَرَّضَا لِسَبَبِ الْمِلْكِ، فَلَا مُشَارَكَةَ قَطْعًا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي «الْمُخْتَصَرِ» . وَحَيْثُ شَرَّكْنَا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ، فَصَالَحَ الْمُصَدِّقُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى مَالٍ، فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ صَحَّ، وَإِلَّا فَبَاطِلٌ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ. وَفِي نَصِيبِهِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ فِي جَمِيعِ الْمُقَرِّ بِهِ
لِتَوَافُقَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَلَوِ ادَّعَيَا دَارًا فِي يَدِهِ، فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِجَمِيعِهَا، فَإِنْ وُجِدَ مِنَ الْمُقَرِّ لَهُ فِي الدَّعْوَى مَا يَتَضَمَّنُ إِقْرَارًا لِصَاحِبِهِ، بِأَنْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ بَيْنَنَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ، شَارَكَهُ. وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ، بَلِ اقْتَصَرَ عَلَى دَعْوَى النِّصْفِ، نُظِرَ، إِنْ قَالَ بَعْدَ إِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْكُلِّ: الْجَمِيعُ لِي، سُلِّمَ الْجَمِيعُ لَهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنَ ادِّعَائِهِ النِّصْفَ أَنْ لَا يَكُونَ الْبَاقِي لَهُ، وَلَعَلَّهُ ادَّعَى النِّصْفَ، لِكَوْنِ الْبَيِّنَةِ مَا تُسَاعِدُهُ عَلَى غَيْرِهِ، أَوْ يَخَافُ الْجُحُودَ الْكُلِّيَّ. وَإِنْ قَالَ: النِّصْفُ الْآخَرُ لِصَاحِبِي، سُلِّمَ لِصَاحِبِهِ. وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْهُ لِنَفْسِهِ، وَلَا لِرَفِيقِهِ، فَهَلْ يُتْرَكُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَمْ يَحْفَظُهُ الْقَاضِي، أَمْ يُسَلَّمُ إِلَى رَفِيقِهِ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ، أَصَحُّهَا: أَوَّلُهَا.
الثَّالِثَةُ: تَدَاعَيَا جِدَارًا حَائِلًا بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا، فَلَهُ حَالَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ اتِّصَالًا لَا يُمْكِنُ إِحْدَاثُهُ بَعْدَ بِنَائِهِ، فَيُرَجَّحُ جَانِبُهُ. وَصُورَتُهُ: أَنْ يَدْخُلَ نِصْفُ لَبِنَاتِ الْجِدَارِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ فِي جِدَارِهِ الْخَاصِّ، وَنِصْفُ جِدَارِهِ الْخَاصِّ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي الزَّوَايَا. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ أَزَجٌ لَا يُمْكِنُ إِحْدَاثُهُ بَعْدَ بِنَاءِ الْجِدَارِ بِتَمَامِهِ، بِأَنْ أُمِيلَ مِنْ مَبْدَأِ ارْتِفَاعِهِ عَنِ الْأَرْضِ قَلِيلًا. وَإِذَا تَرَجَّحَ جَانِبُهُ، حَلَفَ وَحُكِمَ لَهُ بِالْجِدَارِ، إِلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى خِلَافِهِ. وَلَا يَحْصُلُ الرُّجْحَانُ بِوُجُودِ التَّرْصِيفِ الْمَذْكُورِ فِي مَوَاضِعَ مَعْدُودَةٍ مِنْ طَرَفِ الْجِدَارِ، لِإِمْكَانِ إِحْدَاثِهِ بَعْدَ بِنَاءِ الْجِدَارِ بِنَزْعِ لَبِنَةٍ وَنَحْوِهَا، وَإِدْرَاجِ أُخْرَى. وَلَوْ كَانَ الْجِدَارُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ مَبْنِيًّا عَلَى خَشَبَةٍ طَرَفُهَا فِي مِلْكِ أَحَدِهِمَا، وَلَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ فِي مِلْكِ الْآخَرِ، فَالْخَشَبَةُ لِمَنْ طَرَفُهَا فِي مِلْكِهِ، وَالْجِدَارُ الْمَبْنِيُّ عَلَيْهَا تَحْتَ يَدِهِ ظَاهِرًا، قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا يَخْلُو مِنَ احْتِمَالٍ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِبِنَائِهِمَا جَمِيعًا، أَوْ مُنْفَصِلًا عَنْهُمَا، فَهُوَ فِي أَيْدِيهِمَا، فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً، قُضِيَ لَهُ، وَإِلَّا فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ. فَإِذَا حَلَفَا، أَوْ نَكَلَا، جُعِلَ الْجِدَارُ بَيْنَهُمَا بِظَاهِرِ الْيَدِ. وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَنَكَلَ الْآخَرُ،
قُضِيَ لِلْحَالِفِ بِالْجَمِيعِ. وَهَلْ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى النِّصْفِ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ، أَمْ عَلَى الْجَمِيعِ لِأَنَّهُ ادَّعَاهُ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْأَوَّلُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: وَلَا أَنْظُرُ إِلَى مَنْ إِلَيْهِ الدَّوَاخِلُ وَالْخَوَارِجُ، وَلَا أَنْصَافُ اللَّبِنِ، وَلَا مَعَاقِدُ الْقُمَطِ، مَعْنَاهُ: لَا أُرَجِّحُ بِشَيْءٍ مِنْهَا. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ لِكَلَامِهِ: الْمُرَادُ بِالْخَوَارِجِ: الصُّوَرُ، وَالْكِتَابَةُ الْمُتَّخَذَةُ فِي ظَاهِرِ الْجِدَارِ. وَبِالدَّوَاخِلِ: الطَّاقَاتُ، وَالْمَحَارِيبُ فِي بَاطِنِ الْجِدَارِ. وَبِأَنْصَافِ اللَّبِنِ: أَنْ يَكُونَ الْجِدَارُ مِنْ لَبِنَاتٍ مُقَطَّعَةٍ، فَتُجْعَلُ الْأَطْرَافُ الصِّحَاحُ إِلَى جَانِبٍ، وَمَوَاضِعُ الْكَسْرِ إِلَى جَانِبٍ. وَمَعَاقِدُ الْقُمَطِ، تَكُونُ فِي الْجِدَارِ الْمُتَّخَذِ مِنْ قَصَبٍ أَوْ حَصِيرٍ وَنَحْوِهِمَا. وَأَغْلَبُ مَا يَكُونُ ذَلِكَ، فِي السَّتْرِ بَيْنَ السُّطُوحِ، فَيُشَدُّ بِحِبَالٍ، أَوْ خُيُوطٍ. وَرُبَّمَا جُعِلَ عَلَيْهَا خَشَبَةٌ مُعْتَرِضَةٌ، فَيَكُونُ الْعَقْدُ مِنْ جَانِبٍ، وَالْوَجْهُ الْمُسْتَوِي مِنْ جَانِبٍ. وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ، لَمْ يُرَجَّحْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ، كَمَا لَوْ تَنَازَعَا دَارًا فِي يَدِهِمَا وَلِأَحَدِهِمَا فِيهَا مَتَاعٌ، فَإِذَا حَلَفَا، بَقِيَتِ الْجُذُوعُ بِحَالِهَا، لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ.
الرَّابِعَةُ: السَّقْفُ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ سُفْلِ أَحَدِهِمَا وَعُلُوٍّ الْآخَرِ، كَالْجِدَارِ بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا، فَإِذَا تَدَاعَيَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِحْدَاثُهُ بَعْدَ بِنَاءِ الْعُلُوِّ كَالْأَزَجِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ عَقْدُهُ عَلَى وَسَطِ الْجِدَارِ بَعْدَ امْتِدَادِهِ فِي الْعُلُوِّ، جُعِلَ فِي يَدِ صَاحِبِ السُّفْلِ، لِاتِّصَالِهِ بِبِنَائِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّرْصِيفِ. وَإِنْ أَمْكَنَ بِأَنْ يَكُونَ السَّقْفُ عَالِيًا، فَيُثْقَبُ وَسَطُ الْجِدَارِ، وَتُوضَعُ رُءُوسُ الْجُذُوعِ فِي الثُّقْبِ، فَيَصِيرُ الْبَيْتُ بَيْتَيْنِ، فَهُوَ فِي أَيْدِيهِمَا، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ.
الْخَامِسَةُ: عُلُوُّ الْخَانِ أَوِ الدَّارِ لِأَحَدِهِمَا، وَالسُّفْلُ لِلْآخَرِ، وَتَنَازَعَا فِي الْعَرْصَةِ أَوِ الدِّهْلِيزِ. فَإِنْ كَانَ الْمَرْقَى فِي الصَّدْرِ، جُعِلَتْ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ يَدًا، وَتَصَرُّفًا
بِالِاسْتِطْرَاقِ وَوَضْعِ الْأَمْتِعَةِ وَغَيْرِهِمَا. قَالَ الْإِمَامُ: وَكَانَ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ لِلْعُلُوِّ إِلَّا الْمَمَرُّ، وَتُجْعَلُ الرَّقَبَةُ لِلسُّفْلِ. لَكِنْ لَمْ يَصِرْ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْأَصْحَابِ. وَإِنْ كَانَ الْمَرْقَى فِي الدِّهْلِيزِ أَوِ الْوَسَطِ، فَمِنْ أَوَّلِ الْبَابِ إِلَى الْمَرْقَى، بَيْنَهُمَا، وَفِيمَا وَرَاءَهُ، وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لِصَاحِبِ السُّفْلِ، لِانْقِطَاعِ صَاحِبِ الْعُلُوِّ عَنْهُ، وَاخْتِصَاصِ صَاحِبِ السُّفْلِ يَدًا وَتَصَرُّفًا. وَالثَّانِي: بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْعُلُوِّ قَدْ يَنْتَفِعُ بِهِ بِوَضْعِ الْأَمْتِعَةِ فِيهِ، وَطَرْحِ الْقُمَامَةِ. وَإِنْ كَانَ الْمَرْقَى خَارِجًا، فَلَا تَعَلُّقَ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ بِالْعَرْصَةِ بِحَالٍ. وَلَوْ تَنَازَعَا الْمَرْقَى وَهُوَ دَاخِلٌ، فَإِنْ كَانَ مَنْقُولًا كَالسُّلَّمِ الَّذِي يُوضَعُ وَيُرْفَعُ، فَإِنْ كَانَ فِي بَيْتٍ لِصَاحِبِ السُّفْلِ، فَهُوَ فِي يَدِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي غُرْفَةٍ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ، فَفِي يَدِهِ. وَإِنْ كَانَ مَنْصُوبًا فِي مَوْضِعِ الْمَرْقَى، فَنَقَلَ ابْنُ كَجٍّ عَنِ الْأَكْثَرِينَ: أَنَّهُ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ، لِعَوْدِ مَنْفَعَتِهِ إِلَيْهِ. وَعَنِ ابْنِ خَيْرَانَ: أَنَّهُ لِصَاحِبِ السُّفْلِ كَسَائِرِ الْمَنْقُولَاتِ. وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ. وَإِنْ كَانَ الْمُرَقَّى مُثْبَتًا فِي مَوْضِعِهِ، كَالسُّلَّمِ الْمُسَمَّرِ، وَالْأَخْشَابِ الْمَعْقُودَةِ، فَلِصَاحِبِ الْعُلُوِّ، لِعَوْدِ نَفْعِهِ إِلَيْهِ. وَكَذَا إِنْ كَانَ مَبْنِيًّا مِنْ لَبِنٍ أَوْ آجُرٍّ إِذَا لَمْ يَكُنْ تَحْتَهُ شَيْءٌ. فَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ بَيْتٌ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا كَسَائِرِ السُّقُوفِ. وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ مَوْضِعَ حَبٍّ أَوْ جَرَّةٍ، فَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَمَا لَوْ كَانَ تَحْتَهُ بَيْتٌ.