الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا الصَّغِيرِ، حَرَامٌ، وَفِي إِفْسَادِهِ الْبَيْعَ قَوْلَانِ سَبَقَا. وَيَصِحُّ رَهْنُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ. وَإِذَا أُرِيدَ الْبَيْعُ، فَفِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يُبَاعُ الْمَرْهُونُ وَحْدَهُ، وَيُحْتَمَلُ التَّفْرِيقُ لِلضَّرُورَةِ. وَأَصَحُّهُمَا: يُبَاعَانِ جَمِيعًا، وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَتِهِمَا. وَفِي كَيْفِيَّتِهِ كَلَامٌ يَحْتَاجُ إِلَى مُقَدِّمَةٍ، وَهِيَ رَجُلٌ رَهَنَ أَرْضًا بَيْضَاءَ، فَنَبَتَ فِيهَا نَخْلٌ، فَلَهُ حَالَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرْهَنَ الْأَرْضَ ثُمَّ يَدْفِنَ النَّوَى فِيهَا، أَوْ يَحْمِلَهُ السَّيْلُ أَوِ الطَّيْرُ، فَهِيَ لِلرَّاهِنِ، وَلَا يُجْبَرُ فِي الْحَالِ عَلَى قَلْعِهَا، فَلَعَلَّهُ يُؤَدِّي الدَّيْنَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ. فَإِنْ دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى بَيْعِ الْأَرْضِ، نُظِرَ، إِنْ وَفَّى ثَمَنُ الْأَرْضِ إِذَا بِيعَتْ وَحْدَهَا بِالدَّيْنِ، بِيعَتْ وَحْدَهَا وَلَمْ يُقْلَعِ النَّخْلُ. وَكَذَا لَوْ لَمْ يَفِ بِهِ، إِلَّا أَنَّ قِيمَةَ الْأَرْضِ وَفِيهَا الْأَشْجَارُ كَقِيمَتِهَا بَيْضَاءَ. وَلَوْ لَمْ يَفِ بِهِ وَقِيمَتُهَا تَنْقُصُ بِالْأَشْجَارِ، فَلِلْمُرْتَهَنِ قَلْعُهَا لِبَيْعِ الْأَرْضِ بَيْضَاءَ، إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ الرَّاهِنُ فِي بَيْعِهَا مَعَ الْأَرْضِ، فَتُبَاعَانِ وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَيْهَا. هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنِ الرَّاهِنُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِالْإِفْلَاسِ. فَإِنْ كَانَ، فَلَا قَلْعَ بِحَالٍ، لِتُعَلِّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ، بَلْ يُبَاعَانِ وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا، فَمَا قَابَلَ الْأَرْضَ، اخْتَصَّ بِهِ الْمُرْتَهِنُ، وَمَا قَابَلَ الْأَشْجَارَ، قُسِّمَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ. فَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ بِسَبَبِ الْأَشْجَارِ، حُسِبَ النَّقْصُ عَلَى الشَّجَرِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهَنِ فِي الْأَرْضِ فَارِغَةً.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ النَّوَى مَدْفُونًا فِي الْأَرْضِ يَوْمَ الرَّهْنِ، ثُمَّ يَنْبُتُ. فَإِنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ جَاهِلًا بِالْحَالِ، فَلَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ الَّذِي شَرَطَ فِيهِ هَذَا الرَّهْنُ. فَإِنْ فَسَخَ، وَإِلَّا فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَ عَالِمًا، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَلَا خِيَارَ. وَإِذَا بِيعَتِ الْأَرْضُ مَعَ النَّخْلِ، وُزِّعَ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا. وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ، قِيمَةُ الْأَرْضِ
فَارِغَةً. وَفِي الْحَالِ الثَّانِي، قِيمَةُ أَرْضٍ مَشْغُولَةٍ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَشْغُولَةً يَوْمَ الرَّهْنِ. وَفِي كَيْفِيَّةِ اعْتِبَارِ الشَّجَرِ وَجْهَانِ نَقَلَهُمَا الْإِمَامُ فِي الْحَالَيْنِ. أَصَحُّهُمَا: تُقَوَّمُ الْأَرْضُ وَحْدَهَا. فَإِذَا قِيلَ: هِيَ مِائَةٌ، قُوِّمَتْ مَعَ الْأَشْجَارِ، فَإِذَا قِيلَ: هِيَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ، فَالزِّيَادَةُ بِسَبَبِ الْأَشْجَارِ سُدْسٌ، فَيُرَاعِي فِي الثَّمَنِ نِسْبَةُ الْأَسْدَاسِ. وَالثَّانِي: تُقَوَّمُ الْأَشْجَارُ وَحْدَهَا. فَإِذَا قِيلَ: هِيَ خَمْسُونَ، كَانَتِ النِّسْبَةُ بِالثُّلْثِ، ثُمَّ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ لِإِيضَاحِ الْوَجْهَيْنِ تَكُونُ قِيمَةُ الْأَرْضِ نَاقِصَةً بِسَبَبِ الِاجْتِمَاعِ، لِأَنَّا فَرَضْنَا قِيمَتَهَا وَحْدَهَا مِائَةً، وَقِيمَةَ الْأَشْجَارِ وَحْدَهَا ثَابِتَةً خَمْسِينَ، وَقِيمَةَ الْمَجْمُوعِ مِائَةً وَعِشْرِينَ. عُدْنَا إِلَى مَسْأَلَةِ الْأُمِّ وَالْوَلَدِ، فَإِذَا بِيعَا مَعًا، وَأَرَدْنَا التَّوْزِيعَ، فَفِيهِ طَرِيقَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّوْزِيعَ عَلَيْهِمَا كَالتَّوْزِيعِ عَلَى الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ، فَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْأُمِّ وَحْدَهَا. وَفِي الْوَلَدِ الْوَجْهَانِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْأُمَّ لَا تُقَوَّمُ وَحْدَهَا، بَلْ تُقَوَّمُ مَعَ الْوَلَدِ وَهِيَ خَاصَّتُهُ؛ لِأَنَّهَا رُهِنَتْ وَهِيَ ذَاتُ وَلَدٍ، وَالْأَرْضُ بِلَا أَشْجَارٍ. وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ. فَلَوْ حَدَثَ الْوَلَدُ بَعْدَ الرَّهْنِ وَالتَّسْلِيمِ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًى، وَبَيْعَا مَعًا، فَلِلْمُرْتَهِنِ قِيمَةُ جَارِيَةٍ لَا وَلَدَ لَهَا.
قُلْتُ: ذَكَرَ الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْغِرَاسِ وَالْأَرْضِ الْفَرْقَ بَيْنَ عِلْمِ الْمُرْتَهِنِ، وَجَهْلِهِ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ مِثْلُهُ. وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ الشَّامِلِ بِذَلِكَ فَقَالَ: إِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْوَلَدِ حَالَ الِارْتِهَانِ، فَلَا خِيَارَ، وَإِلَّا، فَلَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الرَّهْنُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي: إِنْ عَلِمَ، فَلَا خِيَارَ، وَإِلَّا، فَإِنْ قُلْنَا: تُبَاعُ الْأُمُّ دُونَ الْوَلَدِ، فَلَا خِيَارَ، وَإِنْ قُلْنَا: يُبَاعَانِ، فَفِي الْخِيَارِ وَجْهَانِ. وَجْهُ الْمَنْعِ: أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ نَقْصُهَا، بَلْ قَدْ تَزِيدُ. فَإِنْ قِيلَ: مَا فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي التَّوْزِيعِ، وَالرَّاهِنُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الدَّيْنِ بِكُلِّ حَالٍ؟ ! قُلْنَا: تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ عِنْدَ ازْدِحَامِ غُرَمَاءِ الْمَيِّتِ وَالْمُفْلِسِ،