الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الشَّرِكَةِ
كُلُّ حَقٍّ ثَابِتٍ بَيْنَ شَخْصَيْنِ فَصَاعِدًا عَلَى الشُّيُوعِ، يُقَالُ: هُوَ مُشْتَرَكٌ وَذَلِكَ يَنْقَسِمُ إِلَى مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِمَالٍ، كَالْقِصَاصِ، وَحَدِّ الْقَذْفِ، وَمَنْفَعَةِ كَلْبِ الصَّيْدِ، وَنَحْوِهِ، وَإِلَى مُتَعَلِّقٍ بِمَالٍ، وَذَلِكَ إِمَّا عَيْنُ مَالٍ وَمَنْفَعَتِهِ، كَمَا لَوْ غَنِمُوا مَالًا أَوْ وَرِثُوهُ أَوِ اشْتَرَوْهُ. وَإِمَّا مُجَرَّدُ مَنْفَعَةٍ، كَمَا لَوِ اسْتَأْجَرُوا عَبْدًا، أَوْ وُصَّى لَهُمْ بِمَنْفَعَتِهِ. وَإِمَّا مُجَرَّدُ الْعَيْنِ، كَمَا لَوْ وَرِثُوا عَبْدًا مُوصَى بِمَنَافِعِهِ. وَإِمَّا حَقٌّ يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى مَالٍ، كَالشُّفْعَةِ الثَّابِتَةِ لِجَمَاعَةٍ. وَالشَّرِكَةُ قَدْ تَحْدُثُ بِلَا اخْتِيَارٍ كَالْإِرْثِ، وَبِاخْتِيَارٍ كَالشِّرَاءِ، وَهَذَا مَقْصُودُ الْكِتَابِ. وَالشَّرِكَةُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ.
الْأَوَّلُ: شَرِكَةُ الْعِنَانِ، وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ.
الْأَوَّلُ: الْعَاقِدَانِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِمَا أَهْلِيَّةُ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ. وَتُكْرَهُ مُشَارَكَةُ الذِّمِّيِّ، وَمَنْ لَا يَحْتَرِزُ مِنَ الرِّبَا وَنَحْوِهِ. الثَّانِي: الصِّيغَةُ، وَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ وَالتَّصَرُّفِ. فَإِنْ أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ صَرِيحًا، فَذَاكَ. فَلَوْ قَالَا: اشْتَرَكْنَا، وَاقْتَصَرَا عَلَيْهِ، لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ، لِتَسَلُّطِهِمَا عَلَى التَّصَرُّفِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. وَلَوْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْجَمِيعِ، وَلَمْ يَأْذَنِ الْآخَرُ، تَصَرَّفَ الْمَأْذُونُ فِي جَمِيعِ الْمَالِ، وَلَمْ يَتَصَرَّفِ الْآخَرُ إِلَّا فِي نَصِيبِهِ، وَكَذَا لَوْ أَذِنَ لِصَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْجَمِيعِ وَقَالَ، أَنَا لَا أَتَصَرَّفُ إِلَّا فِي نَصِيبِي. وَلَوْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ
فِي نَصِيبِهِ، لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْحَجْرِ عَلَى الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ. ثُمَّ يَنْظُرُ فِي الْمَأْذُونِ فِيهِ، فَإِنْ عَيَّنَ جِنْسًا، لَمْ يَتَصَرَّفِ الْمَأْذُونُ فِي نَصِيبِ الْإِذْنِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْجِنْسِ. وَإِنْ قَالَ: تَصَرَّفْ وَاتَّجِرْ فِيمَا شِئْتَ مِنْ أَجْنَاسِ الْمَالِ، جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَفِي وَجْهٍ: لَا بُدَّ مِنَ التَّعْيِينِ.
قُلْتُ: وَلَوْ أَطْلَقَ الْإِذْنَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ، جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ كَالْقِرَاضِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
الثَّالِثُ: الْمَالُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، وَفِيهِ مَسَائِلُ.
الْأُولَى: تَجُوزُ الشَّرِكَةُ فِي النَّقْدَيْنِ قَطْعًا، وَلَا تَجُوزُ فِي الْمُتَقَوَّمَاتِ قَطْعًا. وَفِي الْمِثْلِيَّاتِ، قَوْلَانِ. وَيُقَالُ: وَجْهَانِ، أَظْهَرُهُمَا: الْجَوَازُ. وَالْمُرَادُ بِالنَّقْدَيْنِ، الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ الْمَضْرُوبَةُ. أَمَّا التِّبْرُ وَالْحُلِيُّ وَالسَّبَائِكُ، فَأَطْلَقُوا مَنْعَ الشَّرِكَةِ فِيهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يُبْنَى عَلَى أَنَّ التِّبْرَ مِثْلِيٌّ أَمْ لَا، وَفِيهِ خِلَافٌ يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْغَصْبِ. فَإِنْ جَعَلْنَاهُ مُتَقَوَّمًا، لَمْ تَجُزِ الشَّرِكَةُ، وَإِلَّا فَعَلَى الْخِلَافِ فِي الْمِثْلِيِّ. وَأَمَّا الدَّرَاهِمُ الْمَغْشُوشَةُ، فَقَالَ الرُّويَانِيُّ: لَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِيهَا. وَحُكِيَ فِي «التَّتِمَّةِ» فِي صِحَّةِ الْقِرَاضِ عَلَيْهَا، خِلَافًا مَبْنِيًّا عَلَى جَوَازِ الْمُعَامَلَةِ بِهَا، إِنْ جَوَّزْنَاهَا، فَقَدْ أَلْحَقْنَا الْمَغْشُوشَ بِالْخَالِصِ، وَإِلَّا فَلَا. فَإِذَا جَاءَ فِي الْقِرَاضِ خِلَافٌ، فَفِي الشَّرِكَةِ أَوْلَى. وَقَالَ صَاحِبُ «الْعُدَّةِ» : الْفَتْوَى جَوَازُ الشَّرِكَةِ فِيهَا إِنِ اسْتَمَرَّ فِي الْبَلَدِ رَوَاجُهَا.
قُلْتُ: هَذَا الْمَنْقُولُ عَنْ «الْعُدَّةِ» هُوَ الْأَصَحُّ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَطْلَقُوا مَنْعَ الشَّرِكَةِ فِي التِّبْرِ إِلَى آخِرِهِ، فَعَجَبٌ، فَإِنَّ صَاحِبَ «التَّتِمَّةِ» حَكَى فِي انْعِقَادِ الشَّرِكَةِ عَلَى التِّبْرِ وَالنُّقْرَةِ وَجْهَيْنِ كَالْمِثْلِيِّ. وَالْمُرَادُ بِصَاحِبِ «الْعُدَّةِ» هُنَا، أَبُو الْمَكَارِمِ الرُّويَانِيُّ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
ثُمَّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ مَنْعِ الشَّرِكَةِ وَجَوَازِهَا، الْمُرَادُ بِهِ: إِذَا أَخْرَجَ هَذَا قَدْرًا مِنْ مَالِهِ، وَذَاكَ قَدْرًا، وَجَعَلَاهُمَا رَأْسَ مَالٍ. وَتُتَصَوَّرُ الشَّرِكَةُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ قَدْرًا مِنَ الْمَالِ الَّذِي تَجُوزُ الشَّرِكَةُ فِيهِ، وَأَرَادَ الشَّرِكَةَ، اشْتُرِطَ خَلْطُ الْمَالَيْنِ خَلْطًا لَا يُمْكِنُ مَعَهُ التَّمْيِيزُ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلَا، فَتَلِفَ مَالُ أَحَدِهِمَا قَبْلَ التَّصَرُّفِ، تَلِفَ عَلَى صَاحِبِهِ فَقَطْ، وَتَعَذَّرَ إِثْبَاتُ الشَّرِكَةِ فِي الْبَاقِي، فَلَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ إِنِ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، أَوِ الصِّفَةُ كَاخْتِلَافِ السَّكَّةِ، وَكَالصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ، أَوِ الْمَثْقُوبَةِ، وَكَالْعَتِيقَةِ وَالْجَدِيدَةِ، وَالْبَيْضَاءِ وَالسَّوْدَاءِ. وَفِي الْبِيضِ وَالسُّودِ، وَجْهٌ عَنِ الْإِصْطَخْرِيِّ. وَإِذَا جَوَّزْنَا الشَّرِكَةَ فِي الْمِثْلِيَّاتِ، وَجَبَ تَسَاوِيهِمَا جِنْسًا وَوَصْفًا، فَلَا يَكْفِي خَلْطُ حِنْطَةٍ حَمْرَاءَ بِبَيْضَاءَ لِإِمْكَانِ التَّمْيِيزِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ عُسْرٌ. وَفِي وَجْهٍ: يَكْفِي؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ خَلْطًا. وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَقَدَّمَ الْخَلْطُ عَلَى الْعَقْدِ، فَإِنْ تَأَخَّرَ، حَكَى فِي «التَّتِمَّةِ» وَجْهَيْنِ. أَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ، إِذْ لَا اشْتِرَاكَ حَالَ الْعَقْدِ. وَالثَّانِي: الْجَوَازُ إِنْ وَقَعَ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ كَالْعَقْدِ. فَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ، لَمْ يَجُزْ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. وَمَالَ الْإِمَامُ إِلَى جَوَازِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَوْكِيلٌ، وَتَوَكُّلٌ. لَكِنْ لَوْ قَيَّدَ الْإِذْنَ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ الْمُفْرَدِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ الْإِذْنِ. وَلَوْ وَرِثُوا عُرُوضًا أَوِ اشْتَرَوْهَا، فَقَدْ مَلَكُوهَا شَائِعَةً، وَذَلِكَ أَبْلَغُ مِنَ الْخَلْطِ. فَإِذَا انْضَمَّ إِلَيْهِ الْإِذْنُ فِي التَّصَرُّفِ، تَمَّ الْعَقْدُ. وَلِهَذَا قَالَ الْمُزَنِيُّ وَالْأَصْحَابُ: الْحِيلَةُ فِي الشَّرِكَةِ فِي الْعُرُوضِ الْمُتَقَوَّمَةِ، أَنْ يَبِيعَ كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَ عَرْضِهِ بِنِصْفِ عَرْضِ صَاحِبِهِ، سَوَاءٌ تَجَانَسَ الْعَرْضَانِ أَوِ اخْتَلَفَا، لِيَصِيرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، فَيَتَقَابَضَانِ، وَيَأْذَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ. وَقَالَ فِي «التَّتِمَّةِ» : يَصِيرُ الْعَرْضَانِ مُشْتَرِكَيْنِ، وَيَمْلِكَانِ التَّصَرُّفَ فِيهِمَا بِالْإِذْنِ، لَكِنْ لَا تَثْبُتُ أَحْكَامُ الشَّرِكَةِ فِي الثَّمَنِ حَتَّى يَسْتَأْنِفَا عَقْدًا، وَهُوَ نَاضٌّ، وَمُقْتَضَى إِطْلَاقِ
الْجُمْهُورِ، ثُبُوتُ الشَّرِكَةِ وَأَحْكَامِهَا مُطْلَقًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَلَوْ لَمْ يَتَبَايَعَا الْعَرْضَيْنِ، لَكِنْ بَاعَاهُمَا بِعَرْضٍ أَوْ نَقْدٍ، فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ، قَوْلَانِ سَبَقَا. فَإِنْ صَحَّحْنَاهَا، كَانَ الثَّمَنُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا عَلَى التَّسَاوِي أَوِ التَّفَاضُلِ بِحَسَبِ قِيمَةِ الْعَرْضَيْنِ، فَيَأْذَنُ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ.
قُلْتُ: وَإِذَا بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ بَعْضَ عَرْضِهِ بِبَعْضِ عَرْضِ صَاحِبِهِ، فَهَلْ يُشْتَرَطُ عِلْمُهُمَا بِقِيمَةِ الْعَرْضَيْنِ؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا فِي «الْحَاوِي» . وَالصَّحِيحُ: لَا يُشْتَرَطُ. وَمِنَ الْحِيَلِ فِي هَذَا أَنْ يَبِيعَ كُلُّ وَاحِدٍ بَعْضَ عَرْضِهِ لِصَاحِبِهِ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ يَتَقَاصَّا. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
الثَّالِثَةُ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي الْمَالَيْنِ فِي الْقَدْرِ، بَلْ تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ مَعَ التَّفَاوُتِ عَلَى نِسْبَةِ الْمَالَيْنِ، وَقَالَ الْأَنْمَاطِيُّ: يُشْتَرَطُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ حَالَةَ الْعَقْدِ بِقَدْرِ النَّصِيبَيْنِ بِأَنْ يَعْرِفَا أَنَّ الْمَالَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، أَوْ عَلَى نِسْبَةٍ أُخْرَى؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ إِذَا أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهُ مِنْ بُعْدٍ. وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مَالٌ مُشْتَرَكٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ يَجْهَلُ حِصَّتَهُ، فَأَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِي كُلِّ الْمَالِ أَوْ فِي نَصِيبِهِ، هَلْ يَصِحُّ الْإِذْنُ؟ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا، لِجَهْلِهِمَا. وَأَصَحُّهُمَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا. وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْأَثْمَانُ بَيْنَهُمَا مُبْهَمَةً كَالْمُثَمَّنَاتِ.
فَرْعٌ
لَوْ كَانَ لَهُمَا ثَوْبَانِ اشْتَبَهَا، لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ لَعَقْدِ الشَّرِكَةِ، فَإِنَّ الْمَالَيْنِ مُتَمَيِّزَانِ، لَكِنِ اشْتَبَهَا.
فَرْعٌ
قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ: إِذَا جَوَّزْنَا الشَّرِكَةَ فِي الْمِثْلِيَّاتِ، فَإِنِ اسْتَوَتِ الْقِيمَتَانِ، كَانَا شَرِيكَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ. وَإِنِ اخْتَلَفَتَا، بِأَنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا قَفِيزٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ، وَلِلْآخَرِ قَفِيزٌ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ، فَهُمَا شَرِيكَانِ مُثَالَثَةً، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَطْعِ النَّظَرِ فِي الْمِثْلِيِّ عَنْ تَسَاوِي الْأَجْزَاءِ فِي الْقِيمَةِ.
فَرْعٌ
لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمُ، وَلِلْآخَرِ دَنَانِيرُ، وَاشْتَرَيَا شَيْئًا بِهِمَا، فَطَرِيقُهُ أَنْ يُقَوَّمَ مَا لَيْسَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ مِنْهُمَا بِمَا هُوَ نَقْدُهُ، فَإِنِ اسْتَوَتْ قِيمَتُهُمَا، فَالشَّرِكَةُ عَلَى التَّسَاوِي، وَإِلَّا فَعَلَى الِاخْتِلَافِ.
النَّوْعُ الثَّانِي: شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِكَ الدَّلَّالَانِ أَوِ الْحَمَّالَانِ أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْحِرَفِ عَلَى مَا يَكْسِبَانِ، لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا مُتَسَاوِيًا أَوْ مُتَفَاضِلًا، وَهِيَ بَاطِلَةٌ، سَوَاءٌ اتَّفَقَا فِي الصَّنْعَةِ، أَوِ اخْتَلَفَا، كَالْخَيَّاطِ وَالنَّجَّارِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُتَمَيِّزٌ بِبَدَنِهِ وَمَنَافِعِهِ فَاخْتُصَّ بِفَوَائِدِهِ، كَمَا لَوِ اشْتَرَكَا فِي مَاشِيَتِهِمَا وَهِيَ مُتَمَيِّزَةٌ، لِيَكُونَ الدَّرُّ وَالنَّسْلُ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ: يَصِحُّ سَوَاءٌ اتَّفَقَتِ الصَّنْعَةُ أَمْ لَا.
قُلْتُ: هَذَا الْوَجْهُ، حَكَاهُ صَاحِبُ «الشَّامِلِ» وَغَيْرُهُ قَوْلًا. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
فَإِذَا أَبْطَلْنَا فَاكْتَسَبَا، نُظِرَ، إِنِ انْفَرَدَا، فَلِكُلٍّ كَسْبُهُ، وَإِلَّا فَيُقَسَّمُ الْحَاصِلُ عَلَى قَدْرِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، لَا بِحَسَبِ الشَّرْطِ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ، وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَا لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا مَا يَكْسِبَانِ
وَيَرْبَحَانِ وَيَلْزَمَانِ مِنْ غُرْمٍ وَيَحْصُلُ مِنْ غُنْمٍ. وَهِيَ بَاطِلَةٌ. فَلَوِ اسْتَعْمَلَا لَفْظَ الْمُفَاوَضَةِ، وَأَرَادَا شَرِكَةَ الْعِنَانِ جَازَ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَهَذَا يُقَوِّي تَصْحِيحَ الْعُقُودِ بِالْكِنَايَاتِ.
النَّوْعُ الرَّابِعُ: شَرِكَةُ الْوُجُوهِ، وَقَدْ فُسِّرَتْ بِصُوَرٍ. أَشْهَرُهَا: أَنْ يَشْتَرِكَ وَجِيهَانِ عِنْدَ النَّاسِ، لِيَبْتَاعَا فِي الذِّمَّةِ إِلَى أَجَلٍ، عَلَى أَنَّ مَا يَبْتَاعَهُ كُلُّ وَاحِدٍ يَكُونُ بَيْنَهُمَا، فَيَبِيعَانِهِ وَيُؤَدِّيَانِ الْأَثْمَانَ، فَمَا فَضُلَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَبْتَاعَ وَجِيهٌ فِي الذِّمَّةِ، وَيُفَوِّضَ بَيْعَهُ إِلَى خَامِلٍ، وَيَشْتَرِطَا أَنْ يَكُونَ رِبْحُهُ بَيْنَهُمَا. وَالثَّالِثَةُ: أَنْ يَشْتَرِيَ وَجِيهٌ لَا مَالَ لَهُ، وَخَامِلٌ ذُو مَالٍ، لِيَكُونَ الْعَمَلُ مِنَ الْوَجِيهِ، وَالْمَالُ مِنَ الْخَامِلِ، وَيَكُونُ الْمَالُ فِي يَدِهِ لَا يُسَلِّمُهُ إِلَى الْوَجِيهِ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا. وَبِهَذَا الثَّالِثِ فَسَّرَهَا ابْنُ كَجٍّ وَالْإِمَامُ. وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَّالِيُّ، وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ الْوَجِيهُ مَالَ الْخَامِلِ بِزِيَادَةِ رِبْحٍ، لِيَكُونَ لَهُ بَعْضُ الرِّبْحِ، وَهِيَ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا بَاطِلَةٌ، إِذْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا مَالٌ مُشْتَرَكٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ. ثُمَّ مَا يَشْتَرِيهِ أَحَدُهُمَا فِي الصُّورَةِ الْأُوْلَى وَالثَّانِيَةِ، فَهُوَ لَهُ، يَخْتَصُّ بِرِبْحِهِ وَخُسْرَانِهِ، وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ الْآخَرُ إِلَّا إِذَا صَرَّحَ بِالْإِذْنِ فِي الشِّرَاءِ بِشَرْطِ التَّوْكِيلِ فِي الشِّرَاءِ، وَقَصَدَ الْمُشْتَرِي مُوَكِّلَهُ. وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ، فَلَيْسَتْ بِشَرِكَةٍ فِي الْحَقِيقَةِ، بَلْ قِرَاضٌ فَاسِدٌ لِاسْتِبْدَادِ الْمَالِكِ بِالْيَدِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَالُ نَقْدًا، زَادَ لِلْفَسَادِ وَجْهٌ آخَرُ.
فَرْعٌ
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِمَا سَبَقَ
وَهِيَ مَنْصُوصَةٌ فِي الْبُوَيْطِيِّ.
إِحْدَاهَا: لَوْ أَخَذَ جَمَلًا لِرَجُلٍ، وَرَاوِيَةً لِآخَرَ، وَتَشَارَكُوا عَلَى أَنْ يَسْتَقِيَ الْآخِذُ
الْمَاءَ، وَالْحَاصِلُ بَيْنَهُمْ، فَهُوَ بَاطِلٌ. فَلَوِ اسْتَقَى، فَلِمَنْ يَكُونُ الْمَاءُ؟ نَقَلَ صَاحِبُ «التَّلْخِيصِ» وَآخَرُونَ فِيهِ اخْتِلَافُ قَوْلٍ، وَضَعَّفَ الْجُمْهُورُ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ، وَصَوَّبُوا تَفْصِيلًا ذَكَرَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَاءُ مَمْلُوكًا لِلْمُسْتَقِي، أَوْ مُبَاحًا، لَكِنْ قَصَدَ بِهِ نَفْسَهُ، فَهُوَ لَهُ، وَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَإِنْ قَصَدَ الشَّرِكَةَ، فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِ النِّيَابَةِ فِي تَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ. فَإِنْ مَنَعْنَاهَا، فَهُوَ لِلْمُسْتَقِي، وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ لَهُمَا. وَإِنْ جَوَّزْنَاهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَالْمَاءُ بَيْنَهُمْ. وَفِي كَيْفِيَّةِ الشَّرِكَةِ، وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: تُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ عَلَى نِسْبَةِ أُجُورِ أَمْثَالِهِمْ، وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَحَكَى عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ. وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ وَبِهِ قَطَعَ الْقَفَّالُ: أَنَّهُ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ إِتْبَاعًا لِقَصْدِهِ، فَعَلَى هَذَا، يَرْجِعُ الْمُسْتَقِي عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبَيْهِ بِثُلُثِ أُجْرَةِ مَنْفَعَتِهِ، إِذْ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ مِنْهَا إِلَّا الثُّلُثَ، وَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبَيْهِ بِثُلُثَيْ أُجْرَةِ مَالِهِ عَلَى صَاحِبِهِ، وَعَلَى الْمُسْتَقِي. وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: لَا تَرَاجُعَ بَيْنَهُمْ أَصْلًا.
الثَّانِيَةُ: اسْتَأْجَرَ رَجُلٌ الرَّاوِيَةَ مِنْ صَاحِبِهَا، وَالْجَمَلَ مِنْ صَاحِبِهِ، وَاسْتَأْجَرَ أَيْضًا الْمُسْتَقِي لِاسْتِقَاءِ الْمَاءِ وَهُوَ مُبَاحٌ، نُظِرَ، إِنْ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ بِعَقْدٍ، صَحَّ وَالْمَاءُ لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَإِنْ جَمَعَ الْجَمِيعَ فِي عَقْدٍ، فَفِي صِحَّةِ الْإِجَارَةِ، قَوْلَانِ. كَمَنِ اشْتَرَى عَيْنَيْنِ لِرَجُلَيْنِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ صَحَّحْنَا، وُزِّعَتِ الْأُجْرَةُ الْمُسَمَّاةُ عَلَى أُجُورِ الْأَمْثَالِ، وَإِلَّا، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَيَكُونُ الْمَاءُ لِلْمُسْتَأْجِرِ صَحَّحْنَا الْإِجَارَةَ أَمْ أَفْسَدْنَاهَا، لِأَنَّا وَإِنْ أَفْسَدْنَاهَا، فَمَنَافِعُهُمْ مَضْمُونَةٌ بِالْأُجْرَةِ، قَالَهُ الْإِمَامُ. وَإِنْ نَوَى الْمُسْتَقِي نَفْسَهُ، وَفَرَّعْنَا عَلَى فَسَادِ الْإِجَارَةِ، فَعَنِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ: أَنَّهُ أَيْضًا لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَقَدْ قَصَدَ نَفْسَهُ، فَلْيَكُنِ الْحَاصِلُ لَهُ. وَمَوْضِعُ الْقَوْلَيْنِ، إِذَا وَرَدَتِ الْإِجَارَةُ عَلَى عَيْنِ الْمُسْتَقِي وَالْجَمَلِ وَالرَّاوِيَةِ، فَأَمَّا إِذَا أَلْزَمَ ذِمَمَهُمْ، فَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ قَطْعًا.